
قلق أوروبي بالغ من تداعيات الضربة الأميركية... وإغلاق هرمز
تضاعفت المخاوف الأوروبية من تصاعد الحرب الدائرة في الشرق الأوسط بعد دخول الولايات المتحدة طرفاً مباشراً فيها، وخصوصاً بعدما أكد المسؤولون الإيرانيون، السياسيون والعسكريون، أن طهران لا بد أن ترد الصاع صاعين للولايات المتحدة، الأمر الذي أثار موجة من ردود الفعل التي تذهب كلها في التحذير من التصعيد وما ستكون له من تبعات عسكرية سياسية واقتصادية.
وكان اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، في بروكسل مناسبة للتعبير عن هذا القلق.
ويجهد الأوروبيون، رغم انقساماتهم العميقة حيال الحملة العسكرية الإسرائيلية على إيران وانضمام واشنطن إليها، في تكثيف اتصالاتهم ومشاوراتهم لبلورة موقف مشترك. بيد أنهم يدركون تماماً أن قدراتهم في التأثير على واشنطن أو تل أبيب «إما ضعيفة وإما منعدمة» وفق تعبير دبلوماسي أوروبي في باريس.
المستشار الألماني فريدريتش ميرتس لا يجد سبباً لانتقاد الضربات الأميركية لمواقع نووية إيرانية (رويترز)
ويرى المصدر أن الاجتماع الذي ضم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاياك كالاس مع نظيرهم الإيراني في جنيف، الجمعة، أظهر «بطلان جهودهم الدبلوماسية» إلى درجة أن فترة الأسبوعين التي فهموا أن الرئيس دونالد ترمب يمنحها للجهود الدبلوماسية لم تكن صادقة. ويرى كثير من المحللين أن غرضها كان «التعمية» أو «إنهاء التحضيرات العسكرية».
ورغم أن الطرفين الأوروبي والإيراني أعربا عن رغبتهما في الاجتماع مجدداً، لكن ترمب قطع الطريق على الجميع بإعلانه أن «أوروبا غير قادرة على المساعدة» في الملف الإيراني، وأن طهران «تفضل التفاوض مع واشنطن».
وبكلام آخر، قطع ترمب الطريق على أي دور أوروبي رغم أن المفاوضين الأوروبيين الأربعة تبنوا الطرح الأميركي خصوصاً لجهة حرمان إيران من أي عملية تخصيب لليورانيوم مهما كانت نسبتها. وجاءت الضربات العسكرية الأميركية بعد 24 ساعة فقط على اجتماع جنيف، لتجهض الدور الذي أراد الأوروبيون أن يضطلعوا به.
منذ صباح الأحد وحتى الساعات الأخيرة، يسعى الأوروبيون إلى استعادة المبادرة والتكيّف مع المعطى الجديد وإبراز الأسس المركزية التي ينهض عليها موقفهم الجماعي. وصدر ذلك، جماعياً، عن المسؤولين الثلاثة الكبار في الاتحاد الأوروبي وعن المسؤولين فردياً. وسارعت كايا كالاس إلى نشر تدوينة على منصة «إكس» صباح الأحد تدعو فيها «الأطراف كافة إلى القيام بخطوة إلى الوراء والعودة إلى طاولة المفاوضات وتجنب أي تصعيد».
كذلك ذكرت كالاس أنه «لا يعني ذلك أن يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي لأنه سيشكل تهديداً للأمن العالمي». وذهبت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين في الاتجاه نفسه بتأكيدها أنه «حان الوقت لإيران لأن تنخرط في حل دبلوماسي يتمتع بالصدقية»، وأن طاولة المفاوضات هي «المكان الوحيد الذي يمكن من وضع حد للأزمة». وبخفر لا مثيل له، لمحت المسؤولة الأوروبية إلى أن «احترام القانون الدولي أمر أساسي» من غير أن تحدد لمن توجه دعوتها. أما رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، فقد نبه من جانبه إلى أن «كثيراً من المدنيين سيكونون ضحايا أي تصعيد جديد».
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين الأمين العام لرئاسة الجمهورية إيمانويل مولان والجنرال الفرنسي فابيان ماندون حين ترأس الأحد اجتماعاً لمجلس الأمن القومي في قصر الإليزيه (أ.ب)
البارز أن أياً من المواقف الأوروبية لم يتجرأ على انتقاد الضربات الأميركية ولو من بعيد. وحدها فرنسا ذهبت أبعد من ذلك قليلاً، إذ دعا وزير خارجيتها من بروكسل، الاثنين، إلى «وقف الضربات» التي تستهدف إيران لتجنب «حرب أبدية معها». وتتميز باريس بأن الرئيس إيمانويل ماكرون يسعى إلى أن يلعب دوراً من خلال توسعة مروحة اتصالاته مع القادة الإقليميين ومنهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للمرة الثانية في 24 ساعة ونظرائه الأوروبيين. وكتب في تغريدة مساء الأحد على منصة «إكس» إنه حث الأخير على ممارسة «أقصى درجات ضبط النفس» من أجل «إفساح المجال للعودة إلى المسار الدبلوماسي».
وبرأي ماكرون، فإن «استئناف المناقشات الدبلوماسية والتقنية هو السبيل الوحيد لتحقيق الهدف الذي نسعى إليه جميعاً، وهو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ولكن أيضاً تجنب تصعيد لا يمكن السيطرة عليه في المنطقة». وتعد باريس أنه لا يمكن لأي رد عسكري بحت أن يحقق النتائج المرجوة. وفي أي حال، فإن ماكرون ينبه من «خطورة اللحظة الراهنة للسلام والاستقرار في الشرق الأدنى والأوسط، مع تداعيات واضحة للغاية أيضاً على أمننا الجماعي» في أعقاب الضربات الأميركية. وبرأيه، فإن هذه الضربات تدشن «مرحلة جديدة تتطلب اليقظة والعمل الحازم من جانبنا». وجدّد الوزير بارو استبعاد الحل العسكري سبيلاً لوضع حد للأزمة الناشبة، ورفضه الدعوات أو الخطط لاستخدام الضربات العسكرية لإسقاط النظام الإيراني. وبالمقابل، حاول الترويج لدور أوروبي في أي مسار تفاوضي، حيث تستطيع أوروبا أن «تقدم خبرتها وكفاءتها ومعرفتها الدقيقة بهذه القضايا لفتح مساحة تفاوض تؤدي إلى إشراف على هذه الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران».
تسعى أطراف الترويكا (الأوروبية) إلى إحياء الدور الذي لعبته سابقاً في التوصل إلى اتفاق 2015 النووي مع طهران. وعكس ذلك البيان المشترك الصادر عن قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا أولويات الترويكا وهي: أولاً: «عدم القيام بأعمال إضافية من شأنها زعزعة استقرار المنطقة»، رداً على الضربات الأميركية. وثانياً الإلحاح على طهران للانخراط مجدداً في مفاوضات حول برنامجها النووي من أجل إبرام اتفاق جديد أكثر تشدداً يقوم على عدم التخصيب، والقضاء على أي حلم بالحصول على السلاح النووي. وثالثاً، التعبير عن الاستعداد للدفع دبلوماسياً بهذا الاتجاه.
مضيق هرمز كما يبدو في صورة وزعتها ناسا الأميركية والتقطها رواد في المحطة الدولية الفضائية عام 2021 (أ.ف.ب)
وفي السياق، لا ينسى القادة الثلاثة إعادة التأكيد على دعمهم لأمن إسرائيل. ونقل وزير الخارجية الألماني، الاثنين، عن مسؤولين أميركيين رغبتهم ببقاء الأوروبيين على تواصل مع إيران. وحجتهم في ذلك أن طهران ترفض التفاوض مع الجانب الأميركي ما دام يواصل العمليات العسكرية ضدها، فيما لم تتردد في حضور اجتماع جنيف.
ويأمل الجانب الأوروبي من أن التواصل مع طهران قد يمنعها من الذهاب إلى ردود أفعال يعدها خطيرة وعلى رأسها إغلاق مضيق هرمز، وقالت كالاس صباح الاثنين: «المخاوف من الرد وتصاعد هذه الحرب كبيرة، وخاصة أن إغلاق إيران لمضيق هرمز أمر بالغ الخطورة وليس في صالح أحد».
ويعد إغلاق الممر المذكور أحد الخيارات (مع الانسحاب من معاهدة منع انتشار السلاح النووي) التي يمكن أن تلجأ إليها إيران والتي ناقشها البرلمان الإيراني. ومن المعروف أن نحو 20 في المائة من حجم الطلب العالمي على النفط والغاز يمر عبره. ومن جانبه، شدّد ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، بعد اتصال مع نظيره الأميركي ماركو روبيو على تأمين الاستقرار الإقليمي. وكتب على منصة «إكس»: «سوف نستمر في العمل مع حلفائنا لحماية شعبنا وتأمين الاستقرار الإقليمي والدفع نحو حل دبلوماسي».
تصطدم رغبة الأوروبيين بلعب دور فاعل بعجزهم عن الابتعاد عن السردية الأميركية وبانقساماتهم الحادة رغم التشاور المستمر فيما بينهم. كذلك، فإن لـ«الترويكا» انقساماتها رغم أنها الجهة المعنية بالدرجة الأولى بالملف الإيراني، وتعني مبدئياً أن يدفع أطرافها كلهم في اتجاه واحد. فالمراقبون لم ينسوا قول المستشار الألماني ميرتس أن «إسرائيل قامت مكاننا بالعمل القذر». والاثنين، عدّ ميرتس، في كلمة له أمام اتحاد الصناعات الألمانية أنه «لا سبب لانتقاد ما فعلته الولايات المتحدة. نعم إنه لا يخلو من المخاطر. ولكن ترك الأمور كما هي لم يكن خياراً أيضاً». وفيما تعبر باريس عن قلقها ومخاوفها، قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس: «ما هو حاسم، برأيي، هو أنه تمّ القضاء على تهديد كبير (...) هذه أنباء سارة للشرق الأوسط والأدنى، وأيضاً لأوروبا».
رئيس الوزراء البريطاني خلال زيارة قام بها لشركة الهندسة «هوريبا ميرا» في مدينة نانيتون بمقاطعة واريكشير الإنجليزية (أ.ف.ب)
كذلك لم يتردد كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني بالقول، بعد اتصال الأحد بالرئيس ترمب، إن «الولايات المتحدة اتخذت إجراءات لتخفيف التهديد». وكلام ميرتس وستارمر بعيد كل البعد عن مواقف ماكرون، رغم أن باريس التصقت بالمواقف الأميركية لجهة حرمان طهران من التخصيب ومنعها، نهائياً، من الحصول على السلاح النووي. كذلك هناك خلافات داخل الاتحاد الأوروبي لجهة المواقف من واشنطن وتل أبيب، فثمة دول مثل ألمانيا والمجر والتشيك وبلدان البلطيق... ترفض أي لغة تشتم منها رائحة انتقاد لهما.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 19 دقائق
- الشرق السعودية
ترمب لإيران وإسرائيل: حان وقت السلام
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، إن الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر كان "ضعيفاً للغاية"، ودعا إيران وإسرائيل إلى "السلام"، منهياً بذلك حالة الترقب بشأن الموقف الأميركي من هذا الهجوم. وشكر ترمب، في منشور على منصة "تروث سوشيال"، طهران على إبلاغ واشنطن "مبكراً" قبل الهجوم الصاروخي، معتبراً أن ذلك "سمح بعدم إزهاق أرواح أو إصابة أحد"، وشجع إيران وإسرائيل على "المضي قدماً نحو السلام والوئام في المنطقة". وأشار ترمب إلى أن الهجوم الإيراني "كان متوقعاً" وأنه تم مواجهته بـ"فعالية كبيرة"، مشيراً إلى أن الإيرانيين "أطلقوا 14 صاروخاً"، فيما تم "إسقاط 13 صاروخاً، وترك الأخير يسقط في منطقة لا تشكل أي تهديد". وذكر ترمب أن الهجوم لم يتسبب في إصابة أي أميركي أو قطري بأذى، مشيراً إلى أن "الإشعار الإيراني المبكر" قبل الضربة "جعل من الممكن إنقاذ الأرواح وعدم إصابة أي شخص". وأضاف أنه "ربما يمكن لإيران الآن أن تتجه نحو السلام والوئام في المنطقة، وسأشجع إسرائيل بشدة على فعل الشيء نفسه". وشكر ترمب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني على "كل ما بذله من جهود حثيثة في سبيل تحقيق السلام للمنطقة".


عكاظ
منذ 21 دقائق
- عكاظ
ترمب: هجوم قاعدة العديد كان رداً ضعيفاً على تدمير المنشآت النووية
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اليوم (الإثنين) أن الهجوم الإيراني على قاعدة العديد في قطر، كان رداً ضعيفاً للغاية على تدمير واشنطن للمنشآت النووية الإيرانية، موضحاً في منشور عبر «تروث سوشال» أنه لم تقع أية إصابات بين الأمريكيين. وأعرب ترمب عن شكره لإيران على تقديم إخطار مسبق لواشنطن، ما جعل من الممكن تجنب أية خسائر في الأرواح، مهنئاً العالم وقال: «لقد حان وقت السلام». ولفت إلى أن «المواقع التي هاجمتها الولايات المتحدة في إيران جرى تدميرها تماماً، والجميع يعلم ذلك، وحدها الأخبار الكاذبة ستقول غير ذلك لمحاولة التقليل من الأمر قدر المستطاع، وحتى هم قالوا إنها دُمرت بشكل جيد جداً». وهاجم الرئيس الأمريكي وسائل الإعلام التي تشكك في عدم تدمير المواقع النووية الإيرانية تماماً، واصفاً إياها بالكذب وعدم المصداقية. من جهة أخرى، حذرت وزارة الخارجية العراقية من خطورة امتداد الصراع إلى دول شقيقة بتعرض دولة قطر إلى هجوم. وقالت وزارة الخارجية العراقية في بيان: التصعيد ينذر بمزيد من التوتر، ويُشكل منعطفاً خطيراً وغير مسبوق في وتيرة الصراع، في ظل تحذيرات العراق المتكرّرة من خطورة انخراط أطراف جديدة فيه، وهو ما قد يؤدي إلى توسيع رقعة المواجهة وتصاعد حدّة التوتر الإقليمي. وجددت الخارجية العراقية التأكيد على «موقف العراق الثابت بألا سبيل لحل الأزمات الإقليمية إلا عبر الحوار، والاحتكام إلى القنوات الدبلوماسية، والابتعاد عن الخيارات العسكرية التي لا تجلب سوى المزيد من التصعيد والمعاناة». أخبار ذات صلة


العربية
منذ 30 دقائق
- العربية
عاجل: قطر: نستغرب هجوم إيران في ظل مواقفنا معها
أعتبر متحدث الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن الهجوم الإيراني الذي نفذته طهران في قاعدة العديد في الدوحة، مفاجئاً في ظل مواقفنا، كمال قال في مؤتمر صحافي. وأككد متحدث الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن الهجوم الذي تعرضت إليه بلاده يمثل انتهاك صارخ لـ سيادة دولة قطر، ومخالفة لمبادئ حسن الجوار، إذ يمثل اعتداءً على الشرعية الدولية والقانون الدولي.