
الاقتصاد التونسي.. نمو مؤقت وأزمة هيكلية عميقة
ورغم أن هذه النسبة الأعلى منذ 4 سنوات فإنها أثارت استغرابا لدى خبراء اعتبر بعضهم أن هذا الانتعاش لا يعكس بالضرورة تحسنا هيكليا في الاقتصاد.
وبالنسبة لهم لا تكفي هذه الأرقام لتأكيد عودة الاقتصاد إلى مسار التعافي، فرغم انتعاش قطاعات مثل الفوسفات والزراعة والبناء والسياحة يرى بعضهم أن ما تحقق هو "نمو وهمي" لم ينعكس على القدرة الشرائية أو خلق فرص عمل لأصحاب الشهادات، وارتبط بعوامل ظرفية فقط.
ويفسر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي هذا التحسن بارتفاع مؤشرات التجارة الخارجية، إذ شهدت واردات المواد الأولية ونصف المصنعة ومواد التجهيز زيادة واضحة، وهو ما انعكس مباشرة على زيادة الإنتاج ودفع الناتج المحلي الإجمالي نحو الصعود.
ويضيف الشكندالي في حديث للجزيرة نت أن ارتفاع النمو 3.2% جاء مدفوعا أساسا بالطلب المحلي، خاصة في قطاع البناء والتشييد، لكن يؤكد أن الاستهلاك الخاص لم يتحسن نتيجة تراجع القدرة الشرائية، خصوصا بعد إلغاء التعامل بالصكوك بدون أرصدة مالية في تونس.
ويشير إلى أن الأداء الجيد لقطاعات عدة ساهم بشكل كذلك في دفع النمو على غرار الفوسفات (39.5%) والصناعات الكيميائية (10.1%) والزراعة (9.8%) والصناعات الميكانيكية والكهربائية وقطاع البناء (9.6% لكل منها)، والسياحة (7%).
خلل هيكلي
ويلاحظ الشكندالي أن النمو الاقتصادي المحقق خلال الربع الثاني من العام الجاري لم يكن مدفوعا بتطور نسق الاستثمار الخاص الذي لم يشهد -حسب رأيه- على مستوى نوايا المشاريع أي تطور يذكر، مما يعكس محدودية قدرة القطاع الخاص على دعم النمو في المرحلة الحالية.
ووفق رأيه، لا يزال الاقتصاد يعاني خللا هيكليا، فالإنفاق العام في ميزانية 2025 يقارب 59.8 مليار دينار (20.45 مليار دولار)، ويتوزع الجزء الأكبر على كتلة الأجور (24.6 مليار دينار أو 8.4 مليارات دولار) والدعم (11.6 مليار دينار أو 4 مليارات دولار) وتسديد خدمة الدين (24.6 مليار دينار أو 8.4 مليارات دولار)، في حين لا يتجاوز الاستثمار العمومي 10.6 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار)، (الدولار يساوي 2.9 دينار تونسي).
ويضيف الشكندالي أن هذا الوضع يقلص قدرة الدولة على توجيه الموارد نحو الاستثمار المنتج، في ظل صعوبات يواجهها الاستثمار الخاص بسبب غياب رؤية واضحة للإصلاحات الاقتصادية وتراجع ثقة المستثمرين وارتفاع الضغط الجبائي، والتعقيدات الإدارية والقانونية.
شح التمويل الخارجي
وتعاني تونس منذ سنوات من تراجع مواردها الخارجية بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد للحصول على قروض ميسّرة، إذ يشترط الصندوق تنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل تقليص الدعم، وإصلاح المؤسسات العمومية، ومراجعة كتلة الأجور، وهي إجراءات تواجه ترددا رسميا.
وفي ظل شح التمويلات الخارجية يقول الخبير الاقتصادي معز حديدان للجزيرة نت إن الدولة اضطرت إلى التوسع في الاقتراض الداخلي، لتغطية عجز الميزانية وسداد الالتزامات من توريد ومن سداد للديون.
ويوضح حديدان أن الاقتراض الداخلي حتى نهاية مارس/آذار 2025 -وفق آخر بيانات وزارة المالية- بلغ 6.3 مليارات دينار (2.15 مليار دولار) من جملة 21.8 مليار دينار (7.45 مليارات دولار) مخطط لاقتراضها في 2025، في حين تم اقتراض ملياري دينار (684 مليون دولار) فقط من الخارج حتى نهاية مارس/آذار الماضي.
ويضيف أن هذا الاعتماد على الاقتراض الداخلي يزيد هشاشة النظام المالي، ويحد من قدرة المؤسسات الاقتصادية على تمويل مشاريعها وتوفير فرص عمل.
ويقول حديدان إن وزن الدين الداخلي ارتفع إلى 57% مقابل 43% للدين الخارجي في الربع الأول من 2025، مما يعكس اتساع الاعتماد على التمويل المحلي نتيجة الشح في التمويل الخارجي.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الدين العمومي بلغت 81.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 2024، موزعة بين 54% دين داخلي و46% دين خارجي.
ويؤكد حديدان أن الدولة نظريا تستطيع تسديد ديونها بفضل تحسن النمو والمداخيل الجبائية، لكن الواقع العملي يظهر شحا في التمويل الخارجي، مما يحد من قدرة الدولة على الاعتماد على القروض الدولية لدعم ميزانيتها وتعزيز الاستثمار العام.
وتشير التقديرات إلى أن الدولة تسعى لخفض نسبة الدين العام إلى 80.5% بنهاية 2025.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
مهمة لصندوق النقد بالسنغال وسط نقاش حول السياسات الاقتصادية
بدأ وفد من صندوق النقد الدولي زيارة إلى العاصمة السنغالية دكار، تمتد من 19 إلى 26 أغسطس/آب الجاري، في إطار مهمة فنية تهدف إلى تقييم الأداء الاقتصادي الكلي للبلاد، وذلك بالتزامن مع نقاش داخلي متواصل حول توجهات السياسات المالية وعلاقات السنغال بالمؤسسات الدولية. ووفق بيان صادر عن وزارة المالية والميزانية يوم 18 أغسطس/ آب الجاري، تأتي هذه الزيارة ضمن سلسلة لقاءات فنية تُعقد منذ تشكيل الحكومة الجديدة، وتهدف إلى فتح حوار مع الجهات الرسمية حول التوجهات الاقتصادية والميزانية العامة للفترة المقبلة. تقييم اقتصادي وتوقعات للتعاون تشمل أجندة الوفد مراجعة تنفيذ الميزانية الحالية، وتحليل الفرضيات الاقتصادية التي تستند إليها مسودة قانون المالية لعام 2026، إضافة إلى متابعة التقدم في عدد من الإصلاحات الهيكلية. كما يُتوقع أن تسهم هذه الزيارة في تحديد ملامح التعاون المستقبلي بين السنغال وصندوق النقد الدولي، في ظل استمرار المشاورات بين الجانبين. تباين في المواقف السياسية في المقابل، تبرز مواقف سياسية متباينة تجاه دور صندوق النقد، لا سيما في ضوء تصريحات سابقة لرئيس الوزراء عثمان سونكو، عبّر فيها عن تحفظه إزاء بعض السياسات المرتبطة بالمؤسسة، واصفا إياها بأنها "مقيدة"، ومشيرا إلى ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقة معها. سياق متعدد الأبعاد وبينما تُصنّف المهمة رسميا ضمن الزيارات الفنية، يرى مراقبون أن توقيتها وسياقها السياسي يمنحانها أبعادا إضافية، خاصة في ظل النقاشات الجارية حول أولويات الحكومة الجديدة. وتُعد هذه الزيارة محطة ضمن مسار أوسع من التفاعل بين السنغال وصندوق النقد، في وقت تتزايد فيه التساؤلات بشأن مستقبل التعاون المالي بين الطرفين.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
الاقتصاد التونسي.. نمو مؤقت وأزمة هيكلية عميقة
تونس- نما اقتصاد تونس بنسبة 3.2% خلال الربع الثاني مقارنة بالربع المقابل من السنة الماضية، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء. ورغم أن هذه النسبة الأعلى منذ 4 سنوات فإنها أثارت استغرابا لدى خبراء اعتبر بعضهم أن هذا الانتعاش لا يعكس بالضرورة تحسنا هيكليا في الاقتصاد. وبالنسبة لهم لا تكفي هذه الأرقام لتأكيد عودة الاقتصاد إلى مسار التعافي، فرغم انتعاش قطاعات مثل الفوسفات والزراعة والبناء والسياحة يرى بعضهم أن ما تحقق هو "نمو وهمي" لم ينعكس على القدرة الشرائية أو خلق فرص عمل لأصحاب الشهادات، وارتبط بعوامل ظرفية فقط. ويفسر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي هذا التحسن بارتفاع مؤشرات التجارة الخارجية، إذ شهدت واردات المواد الأولية ونصف المصنعة ومواد التجهيز زيادة واضحة، وهو ما انعكس مباشرة على زيادة الإنتاج ودفع الناتج المحلي الإجمالي نحو الصعود. ويضيف الشكندالي في حديث للجزيرة نت أن ارتفاع النمو 3.2% جاء مدفوعا أساسا بالطلب المحلي، خاصة في قطاع البناء والتشييد، لكن يؤكد أن الاستهلاك الخاص لم يتحسن نتيجة تراجع القدرة الشرائية، خصوصا بعد إلغاء التعامل بالصكوك بدون أرصدة مالية في تونس. ويشير إلى أن الأداء الجيد لقطاعات عدة ساهم بشكل كذلك في دفع النمو على غرار الفوسفات (39.5%) والصناعات الكيميائية (10.1%) والزراعة (9.8%) والصناعات الميكانيكية والكهربائية وقطاع البناء (9.6% لكل منها)، والسياحة (7%). خلل هيكلي ويلاحظ الشكندالي أن النمو الاقتصادي المحقق خلال الربع الثاني من العام الجاري لم يكن مدفوعا بتطور نسق الاستثمار الخاص الذي لم يشهد -حسب رأيه- على مستوى نوايا المشاريع أي تطور يذكر، مما يعكس محدودية قدرة القطاع الخاص على دعم النمو في المرحلة الحالية. ووفق رأيه، لا يزال الاقتصاد يعاني خللا هيكليا، فالإنفاق العام في ميزانية 2025 يقارب 59.8 مليار دينار (20.45 مليار دولار)، ويتوزع الجزء الأكبر على كتلة الأجور (24.6 مليار دينار أو 8.4 مليارات دولار) والدعم (11.6 مليار دينار أو 4 مليارات دولار) وتسديد خدمة الدين (24.6 مليار دينار أو 8.4 مليارات دولار)، في حين لا يتجاوز الاستثمار العمومي 10.6 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار)، (الدولار يساوي 2.9 دينار تونسي). ويضيف الشكندالي أن هذا الوضع يقلص قدرة الدولة على توجيه الموارد نحو الاستثمار المنتج، في ظل صعوبات يواجهها الاستثمار الخاص بسبب غياب رؤية واضحة للإصلاحات الاقتصادية وتراجع ثقة المستثمرين وارتفاع الضغط الجبائي، والتعقيدات الإدارية والقانونية. شح التمويل الخارجي وتعاني تونس منذ سنوات من تراجع مواردها الخارجية بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد للحصول على قروض ميسّرة، إذ يشترط الصندوق تنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل تقليص الدعم، وإصلاح المؤسسات العمومية، ومراجعة كتلة الأجور، وهي إجراءات تواجه ترددا رسميا. وفي ظل شح التمويلات الخارجية يقول الخبير الاقتصادي معز حديدان للجزيرة نت إن الدولة اضطرت إلى التوسع في الاقتراض الداخلي، لتغطية عجز الميزانية وسداد الالتزامات من توريد ومن سداد للديون. ويوضح حديدان أن الاقتراض الداخلي حتى نهاية مارس/آذار 2025 -وفق آخر بيانات وزارة المالية- بلغ 6.3 مليارات دينار (2.15 مليار دولار) من جملة 21.8 مليار دينار (7.45 مليارات دولار) مخطط لاقتراضها في 2025، في حين تم اقتراض ملياري دينار (684 مليون دولار) فقط من الخارج حتى نهاية مارس/آذار الماضي. ويضيف أن هذا الاعتماد على الاقتراض الداخلي يزيد هشاشة النظام المالي، ويحد من قدرة المؤسسات الاقتصادية على تمويل مشاريعها وتوفير فرص عمل. ويقول حديدان إن وزن الدين الداخلي ارتفع إلى 57% مقابل 43% للدين الخارجي في الربع الأول من 2025، مما يعكس اتساع الاعتماد على التمويل المحلي نتيجة الشح في التمويل الخارجي. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الدين العمومي بلغت 81.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 2024، موزعة بين 54% دين داخلي و46% دين خارجي. ويؤكد حديدان أن الدولة نظريا تستطيع تسديد ديونها بفضل تحسن النمو والمداخيل الجبائية، لكن الواقع العملي يظهر شحا في التمويل الخارجي، مما يحد من قدرة الدولة على الاعتماد على القروض الدولية لدعم ميزانيتها وتعزيز الاستثمار العام. وتشير التقديرات إلى أن الدولة تسعى لخفض نسبة الدين العام إلى 80.5% بنهاية 2025.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
منتجعات أفريقيا الفاخرة تعمق الفوارق الاقتصادية وتثري الأجانب
كشف بحث جديد نشرته جامعة مانشستر يوم الثلاثاء الماضي، أن السياحة الفاخرة في قارة أفريقيا لا تجذب فوائد اقتصادية للمجتمعات المحلية، بل إنها في كثير من الأحيان تكون أضرارها أكبر من منافعها. وتسبّبت رحلات الأعمال والترفيه التي تنظمها الحكومات إلى جعل أفريقيا أكثر جاذبية للشركات متعددة الجنسيات، كما عززت شركات الطيران طاقتها التشغيلية في وجهاتها نحو المنطقة، وفي بعض الدول، تترجم هذه الديناميكية إلى زخم اقتصادي كبير. وتستهدف العديد من الحكومات الأفريقية تطوير السياحة الفاخرة، واصفة إياها بأنها عالية القيمة وقليلة الأضرار، غير أن البحث المنشور في مجلة الدراسات الأفريقية أظهر أن هذا ليس هو الواقع دائما. وقالت المجلة إن المنتجعات الشاملة غالبا ما تكون معزولة عن الحياة المحلية، وتوظف عددا قليلا من العمال المحليين، وتمنع السياح من الإنفاق في المجتمعات المجاورة من خلال توفير كل شيء في مواقعها الخاصة. وأضاف البحث أن أنجح النزل السياحية في القارة من حيث الأرباح يكون مملوكا لأجانب، مع تدفق الجزء الأكبر من إنفاق السياح إلى وكالات سفر خارجية أو استيراد مواد غذائية أو أرباح تعاد إلى الخارج. وفي سياق أضرار السياحة الفاخرة في أفريقيا، أشار البحث إلى أنها تعمق الفوارق بين الناس، وتكرس ظاهرة عدم المساواة، حيث تتركز الأرباح بين مشغلين أجانب ونخبة محلية صغيرة، في حين تبقى الأجور في معظم وظائف السياحة منخفضة إلى أقصى حد. وفي كينيا، اشتكى السكان المحليون مما وصفوه بأنه استيلاء على الأراضي من قبل مستثمرين أثرياء، بينما شهدت تنزانيا احتجاجات ضد إجلاء عشرات الآلاف من رعاة الماساي لإفساح المجال أمام نزل الصيد، مما أدى إلى مواجهات دامية مع الشرطة.