بين الدبلوماسية والصواريخ.. التوتر الأمريكي - الإيراني وأسرار التصعيد المحتمل
يشهد الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، حيث اتخذت واشنطن خطوات بارزة لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، مع إصدار تعليمات بإجلاء بعض الموظفين الدبلوماسيين من سفاراتها. هذا المشهد يعكس حالة من الترقب والقلق المتزايدين، ويثير تساؤلات حول مدى عمق التخطيط الأمريكي في مواجهة ما يعتبرونه تهديدًا إيرانيًا متزايدًا، خصوصًا في ظل تصريحات طهران المتكررة التي تؤكد على ردها الحازم تجاه أي تحرك عدائي. فهل هذه الإجراءات تمثل جزءًا من استراتيجية متكاملة تهدف إلى ضبط التوتر، أم أنها ردود فعل سريعة مرتبكة على الأزمات المتلاحقة؟
من جهة أخرى، تبرز علامات الاستفهام حول مدى قدرة واشنطن على موازنة عناصر القوة العسكرية مع المساعي الدبلوماسية التي تحاول من خلالها الحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة. فبينما يُنظر إلى تعزيز التواجد العسكري كخطوة ردع قوية، فإنها تحمل في طياتها مخاطر تصعيد قد يخرج عن السيطرة، خاصة في بيئة إقليمية متشابكة تجمع بين مصالح دول إقليمية متعددة وتداخل نفوذ إيراني متزايد. هذا الواقع يعكس هشاشة التوازن القائم، ويضع واشنطن أمام تحديات جسيمة في إدارة الأزمة بمنطق مرن وحكيم.في ظل هذه التعقيدات، يبقى السؤال الأساسي حول مدى انسجام الإجراءات الأمريكية الحالية مع أهدافها الاستراتيجية الحقيقية في الشرق الأوسط، وما إذا كانت هذه الخطوات تمثل استجابة مدروسة أم ردود فعل مؤقتة ومتكيفة مع التطورات المتسارعة. فإدارة هذا الملف تتطلب رؤية متكاملة تجمع بين القوة والديبلوماسية، وتُعيد النظر في آليات التفاعل مع إيران والأطراف الإقليمية الأخرى، لتجنب الانزلاق إلى مواجهات مفتوحة قد تكون مكلفة للغاية على المستوى الإقليمي والدولي. أبعاد الموقف الأمريكي: بين الاحتياط والتحذيرتعكس الخطوات الأمريكية الأخيرة، من تعزيز الوجود العسكري في الشرق الأوسط إلى إجلاء الموظفين الدبلوماسيين غير الأساسيين، رغبة واضحة في فرض ضغط أمني قوي على إيران بهدف ردعها ومنعها من اتخاذ أي خطوات تصعيدية. في الوقت ذاته، تسعى واشنطن للحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة عبر إدارة هذا التوتر بحذر دبلوماسي، محاولًة الموازنة بين إظهار القوة والحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة. إلا أن هذه السياسة، التي تجمع بين الضغط والتحفظ، تبدو هشّة جدًا في ظل التهديدات الإيرانية المتكررة بالرد الحازم، مما يجعل أجواء التوتر متوترة بشكل دائم ويزيد من احتمالات حدوث تصعيد مفاجئ.من الناحية الاستراتيجية، فإن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة عبر نشر حاملات الطائرات مثل "يو إس إس هاري إس رومان" و"كارل فينسون" إلى جانب طائرات القصف الاستراتيجي بي-52 وبي-2، يحمل رسالة قوية إلى إيران بقدرة الولايات المتحدة على الرد بسرعة وحزم في حال حدوث أي اعتداء. هذا التصعيد العسكري لا يهدف فقط إلى الردع، بل أيضًا إلى إظهار جدية واشنطن في حماية مصالحها الإقليمية وحلفائها. ومع ذلك، فإن هذا الحضور العسكري المكثف يحمل في طياته مخاطر كبيرة، إذ يمكن أن يؤدي إلى تصعيد غير متوقع نتيجة لسوء تقدير المواقف أو تحركات خاطئة من أي من الأطراف، خاصة في بيئة إقليمية معقدة ومشحونة بالتوتر.الأمر لا يتوقف فقط عند قدرة الولايات المتحدة على الردع، بل يتعداه إلى احتمالية أن تُستخدم هذه الخطوات العسكرية كذريعة من قبل بعض الأطراف الإقليمية أو الفصائل المسلحة لإشعال الصراع وزيادة المواجهات. هذا السيناريو يجعل التوازن بين فرض الاحتياط والتحذير العسكري هشًا للغاية، حيث أن أي خطأ في التقدير أو حادث غير محسوب قد يؤدي إلى سلسلة تصعيدات متتالية يصعب السيطرة عليها. لذلك، يبقى الوضع الإقليمي في حالة من الترقب الحذر، حيث أن إدارة هذه المرحلة تتطلب حكمة كبيرة في ضبط مزيج من الإجراءات العسكرية والدبلوماسية للحيلولة دون الانزلاق نحو مواجهة شاملة. إيران والدول الإقليمية: لعبة التحذيرات والتوازنات الهشةتواصل إيران توجيه تحذيرات صارمة وحازمة تجاه أي تحركات أو خطوات عسكرية محتملة من الولايات المتحدة في المنطقة، مما يعكس موقفًا رافضًا لأي تدخل عسكري ويؤكد على استعدادها لاتخاذ إجراءات ردعية صارمة. هذا التصعيد في الخطاب الإيراني يزيد من حدة التوتر المتبادل بين الطرفين، ويُسهم في خلق مناخ من عدم الثقة والقلق المتزايد في الشرق الأوسط. فهذه التحذيرات ليست مجرد كلمات، بل هي جزء من استراتيجية تهدف إلى ردع واشنطن عن اتخاذ أي خطوة قد تُعتبر تصعيدًا عسكريًا، مع التأكيد على أن الرد الإيراني سيكون سريعًا وقويًا في حال وقوع أي عمل عدائي.من جانب آخر، يُظهر تحذير دول الجوار مثل العراق والكويت وقطر مدى تعقيد المشهد الإقليمي الذي يعاني من تداخل المصالح الداخلية مع النفوذ الإيراني والأمريكي في آنٍ واحد. هذه الدول تواجه تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وبين الضغوط والتأثيرات الإيرانية القوية على مستوى السياسات الداخلية والأمنية. وقد تؤدي هذه الديناميات إلى مزيد من التعقيدات، حيث أن أي تصعيد بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن يترتب عليه تداعيات سلبية على استقرار هذه الدول، ويزيد من المخاطر الأمنية والسياسية في منطقة حساسة مثل الخليج العربي والعراق.في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري حول مدى قدرة الولايات المتحدة على ضبط نفوذ إيران وتحصين مصالحها في المنطقة دون الانجرار إلى مواجهات عسكرية واسعة قد تُفضي إلى زعزعة الاستقرار الأمني ليس فقط بين البلدين، بل في أرجاء المنطقة بأسرها. فالتوازنات الإقليمية الحالية هشة للغاية، وأي خطوة عسكرية أو رد فعل متسرع قد يُشعل أزمات أعمق تشمل أطرافًا إقليمية أخرى، ما يجعل إدارة الأزمة تتطلب حنكة دبلوماسية عالية وسياسات مرنة تهدف إلى احتواء التوتر وتقليل المخاطر بدلًا من تصعيدها. التبعات الاقتصادية والسياسية: أسواق النفط وعلاقات التحالفاتلا تقتصر تداعيات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران على الجانب العسكري والسياسي فقط، بل تمتد لتشمل أبعادًا اقتصادية واسعة النطاق تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل. إذ أدى هذا التوتر المتصاعد إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط، وهو ما يمثل ضغوطًا كبيرة على أسواق الطاقة العالمية، خاصة في ظل اعتماد الكثير من الدول على إمدادات النفط من منطقة الشرق الأوسط. هذا الارتفاع في الأسعار يعزز من حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، حيث يزيد من تكلفة الإنتاج ويُحد من النمو الاقتصادي، ما ينعكس سلبًا على الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ويُثير قلقًا لدى المستثمرين من تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية التي قد تؤدي إلى تعطيل إمدادات الطاقة الحيوية.على الصعيد السياسي، تشكل هذه الأوضاع تحديات كبيرة للتحالفات الإقليمية والدولية التي تحاول الحفاظ على توازن دقيق في المنطقة. إسرائيل، على وجه الخصوص، تراقب الوضع عن كثب، مدركة أن أي تصعيد عسكري قد يفتح الباب أمام حرب أوسع تشمل عدة دول إقليمية، وتؤثر على علاقاتها مع دول الخليج التي تعد شركاء استراتيجيين مهمين. حرص إسرائيل على تجنب استهداف المنشآت النووية الإيرانية يعكس رغبتها في تفادي تحولات خطيرة قد تُفقد المنطقة سيطرتها على مسار الأحداث، وتدفع إلى مواجهة قد تكون غير محصورة جغرافيًا، مما يضعف من استقرارها وأمنها الإقليمي.علاوة على ذلك، فإن هذه التوترات تثير مخاوف دولية أوسع، حيث أن تحالفات مثل تلك التي تضم الولايات المتحدة، دول الخليج، وإسرائيل، إضافة إلى دور الأمم المتحدة، تواجه اختبارًا حقيقيًا في كيفية إدارة هذا الصراع دون السماح له بالتصعيد إلى أبعاد إقليمية أو دولية أوسع. وقد تؤدي هذه التحالفات دورًا حاسمًا في محاولات التهدئة والتفاوض، لكن في الوقت نفسه فإن أي فشل في احتواء الأزمة يمكن أن يُفضي إلى انهيار في التوازنات الإقليمية، وزيادة حالة عدم الاستقرار التي قد تمتد تبعاتها إلى خارج حدود الشرق الأوسط. التساؤلات المركزية هل الإجراءات الأمريكية مدروسة أم رد فعل روتيني؟ تطرح الإجراءات الأمريكية الأخيرة، من تعزيز الوجود العسكري إلى إجلاء الموظفين غير الأساسيين من السفارات، تساؤلات مهمة حول مدى تخطيطها واستراتيجيتها الحقيقية في المنطقة. ففي الوقت الذي يشهد فيه الملف الإيراني - الأمريكي محادثات دبلوماسية غير مباشرة عبر قنوات مثل سلطنة عمان، تبدو هذه الخطوات متناقضة إلى حد كبير مع مساعي الحوار. إذ أن التصعيد العسكري المكثف يرسل رسائل مزدوجة: من جهة يعبّر عن جاهزية واشنطن لأي سيناريو تصعيدي، ومن جهة أخرى قد يقوّض فرص نجاح المفاوضات الدبلوماسية، ويعزز مناخ التوتر والشكوك بين الطرفين.هذا التناقض بين الأبواب العسكرية والدبلوماسية يثير تساؤلًا جوهريًا حول مدى انسجام السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مع أهدافها الاستراتيجية الحقيقية. هل تسعى واشنطن حقًا إلى تخفيف حدة التوتر عبر الدبلوماسية، أم أن الخطوات العسكرية تشكل ضغطًا تكتيكيًا لدفع إيران إلى التراجع؟ وفي ظل هذا التداخل، يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية تفتقر إلى الوضوح والتنسيق الكامل بين أدوات القوة الناعمة والصلبة، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من احتمالات التصعيد بدلًا من احتوائه. هل الاعتماد على الردع العسكري وحده كافٍ؟إن الاعتماد على أدوات الردع العسكري وحدها، مثل نشر حاملات الطائرات وطائرات القصف الاستراتيجي في المنطقة، يعكس رغبة واضحة لدى الولايات المتحدة في إظهار قوة ردع عالية وفرض حضور عسكري قوي في مواجهة التهديدات الإيرانية. هذه الخطوة تُعد بمثابة رسالة صارمة للطرف الآخر بأن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات عسكرية في حال تصعيد الأوضاع. لكن في الوقت ذاته، فإن هذا النوع من التصعيد العسكري يحمل في طياته مخاطر حقيقية تتمثل في تغذية منطق المواجهة والصراع، خاصة في بيئة إقليمية تعاني من توتر متزايد وغياب الثقة بين الأطراف المعنية. فالتركيز فقط على القوة العسكرية قد يُقيد من فرص فتح قنوات الحوار والتفاوض التي تعد ضرورية لتجنب انزلاق المنطقة إلى صراعات مفتوحة.علاوة على ذلك، فإن تعزيز الوجود العسكري يمكن أن يُفسر من قبل إيران وحلفائها كتهديد مباشر، ما يدفعهم إلى تبني مواقف أكثر تشددًا أو حتى ردود فعل غير متوقعة قد تُفاقم الأزمة بدلًا من احتوائها. في سياق معقد كهذا، يصبح من الضروري أن تُدمج استراتيجيات الردع العسكري مع جهود دبلوماسية فعّالة تُعزز من فرص التفاهم وتقليل المخاطر. فالمواجهة العسكرية قد تؤدي إلى تفجير أزمات أكبر يصعب السيطرة عليها، بينما الحوار البناء والمرونة في التعامل قد توفر مسارات أكثر استدامة لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. إلى أي مدى يمكن للاجتماعات الطارئة ولجان العمل في السفارات أن تمنع وقوع أزمات؟تلعب الاجتماعات الطارئة ولجان العمل في السفارات دورًا مهمًا في إدارة الأزمات واستجابة الأجهزة الدبلوماسية للأحداث المتسارعة، حيث تتيح هذه اللجان تنسيق الإجراءات الأمنية وتبادل المعلومات بشكل سريع بين السفارات ومراكز القرار في واشنطن. من هذا المنطلق، تُعتبر هذه الآليات ضرورية لضمان سلامة الموظفين والمصالح الأمريكية في الخارج، كما تساعد في تقييم المخاطر الراهنة بشكل فوري واتخاذ خطوات احترازية عاجلة عند ظهور بوادر تصعيد محتمل. بيد أن طبيعة هذه الاجتماعات ترتبط غالبًا بردود الفعل على تطورات موجودة بالفعل، مما يجعلها أداة دفاعية أكثر منها وسيلة لمنع وقوع الأزمات قبل تفاقمها.هذا الواقع يعكس ضعفًا في التخطيط الاستباقي والسياسات الوقائية، إذ إن الاعتماد على لجان الطوارئ والاجتماعات الطارئة يوضح غياب استراتيجية شاملة لرصد التهديدات وإدارة المخاطر قبل أن تصل إلى نقطة الخطر القصوى. فإدارة الأزمات الفعالة تتطلب خططًا متقدمة تدمج بين المعلومات الاستخباراتية، التحليل السياسي، والدبلوماسية الوقائية، وليس فقط التعامل مع تداعيات التوترات بعد اندلاعها. ومن دون تبني هذه المقاربة الشمولية، يبقى النظام الأمني والدبلوماسي الأمريكي عرضة لمفاجآت قد تؤدي إلى أزمات عميقة يصعب احتواؤها. ما دور الأطراف الإقليمية الأخرى؟تلعب الأطراف الإقليمية مثل جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان دورًا محوريًا في تعقيد المشهد الأمني والسياسي في الشرق الأوسط، حيث تعمل هذه الفصائل كامتدادات غير مباشرة للنفوذ الإيراني، وتساهم في توسيع دائرة النزاع بما يتجاوز العلاقة الثنائية بين واشنطن وطهران. فالحوثيون، عبر هجماتهم الصاروخية والعمليات العسكرية المستمرة في اليمن والمنطقة، يشكلون تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية وحلفائها، بينما حزب الله في لبنان يمتلك شبكة واسعة من القدرات العسكرية والسياسية التي يمكن أن تشكل نقطة إشعال في أي تصعيد إقليمي. هذه القوى الإقليمية تضاعف من التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، إذ لا يمكن التعامل مع التوترات باعتبارها فقط صراعًا بين دولتين، بل يجب إدراك أن هناك منظومة معقدة من الفاعلين الذين يسهمون في تعقيد التوازنات الإقليمية.وبالتالي، تواجه واشنطن تحديًا مزدوجًا يتمثل في ضرورة احتواء إيران نفسها، وأيضًا معالجة تأثيرات نفوذها عبر هذه الجماعات الإقليمية المدعومة، والتي تعمل على زعزعة الاستقرار في دول الجوار وتوسيع رقعة الصراع. هذا الواقع يجعل أي محاولة لحل الأزمة غير ممكنة دون إشراك هذه الأطراف في أي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. كما أن وجود هذه القوى يزيد من مخاطر التصعيد غير المتوقع، حيث قد تؤدي تحركاتها أو ردود أفعالها إلى إشعال مواجهات غير مخططة تُفاقم الأوضاع وتُعقد فرص التهدئة الدبلوماسية. خلاصة الوضع الحالي في الشرق الأوسط يعكس مأزقًا استراتيجيًا متشابكًا، لا تبرز فيه الخطط الأمريكية كخطط حازمة أو واضحة، بل كخطوات استباقية قد تكون منقذة أو قد تفتح المجال لمواجهة أوسع وأعمق. في ظل استمرار التوترات والتهديدات المتبادلة، يبقى الحل الدبلوماسي هو الخيار الوحيد المنطقي الذي يمكن أن يحد من المخاطر، لكن النجاح فيه يتطلب نزاهة وجهودًا حقيقية من الطرفين، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الاستقطاب والتصعيد المتبادل.الولايات المتحدة بحاجة إلى مراجعة شاملة لاستراتيجياتها في الشرق الأوسط، بحيث لا تترك الأمور للردود الآنية فقط، بل تسعى لبناء جسور تواصل وتفاهم تعزز الأمن الإقليمي وتحد من فرص نشوب نزاعات جديدة تُكلف المنطقة والعالم الكثير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

يمرس
منذ 6 ساعات
- يمرس
ما السلاح الذي قصفت به أميركا منشآت إيران النووية؟
جاء ذلك بعد تصريحات وردت في اليومين الماضيين عن أن ترامب سيتخذ قراره بشأن المنشآت النووية في غضون الأسبوعين القادمين. وتماما كما جرت الضربة الأولى التي شنتها طائرات جيش الكيان بصورة مباغته في قلب إيران ، كذلك فعلت أميركا. تتالت الأنباء لاحقا بأن الجيش الأميركي قام باستخدام القاذفة الأميركية "بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة، فما هي هذه القاذفة؟ بي2- سبيريت لفهم عمق الأمر، سنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات المسماة بي-2 سبيريت والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا ورُبطت بمنشأة فوردو تحديدا. فالقاذفات نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الإستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة الخصم وتقويض قدراته الأساسية. وبشكل خاص، تمتاز "بي-2" بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي. هذه العمليات تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخفٍّ تام عن رادارات الخصم. ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة من دون رصدها تحت أي ظرف. ورغم أن قاذفة إستراتيجية أخرى هي "بي 52" قادرة على حمل مثل هذه القنابل الضخمة، فإنها ليست مؤهلة للقيام بالعمليات التشغيلية من هذا النوع، إذ إنها لا تتمكن من فرض التفوق الجوي والمناورة والتخفي من الرادارات، ولذلك فهي بحاجة لوجود طائرات أخرى للحماية. في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل "بي-52′′ الأميركية، جزءا رئيسيا من إستراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية من دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر. بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي". وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية عن أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليا للرادارات. وإثر ذلك، وفي عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" للجمهور. في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2′′، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي بنيت على الإطلاق. وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الإستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي. وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار الخصم وأنظمة اتصالاته. ووفقًا لسلاح الجو الأميركي، يوجد 19 قاذفة بي-2 عاملة، يمكنها أن تحلق بسرعات دون سرعة الصوت، لكنها قادرة على التزود بالوقود جوًا، وذلك ما يسمح لها بالطيران لمسافات طويلة للغاية. وخلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، حلّقت طائرات بي-2 ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري لضرب أهداف، وفي عام 2017 حلّقت طائرتان من طراز بي-2 لمدة 34 ساعة للوصول إلى ليبيا، ويجري ذلك أيضا على عمليات في العراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن. وهي الطائرة التي يعود الاهتمام بها اليوم بعد استهداف منشآت إيران النووية المحصنة. تحصينات منشأة فوردو إذا ما تحدثنا عن استهداف منشأة "فوردو" النووية الإيرانية ، والتي تعد واحدة من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، فهي قد صُمّمت خصيصًا لتكون قادرة على الصمود أمام الضربات الجوية وحتى بعض الهجمات النووية التكتيكية، أي تلك التي تستخدم أسلحة نووية صغيرة ذات أثر محدود. تقع "فوردو" على بُعد نحو 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران ، وقد شُيّدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا، بهدف واحد وهو حماية المنشأة من القنابل الخارقة للتحصينات. المنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمثل "متاهة"، ليعقّد الاختراق، ويحد من تأثير الانفجارات. كذلك فإن هناك دفاعات جوية متعددة تحيط بالمنشأة، منها بطاريات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة تشويش إلكتروني لمنع استهداف دقيق، مع كاميرات حرارية، وأجهزة استشعار، وحراسة دائمة. وتتألف المنشأة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز "آي آر-1" (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي. قنبلة واحدة فقط وحسب المعلومات المتاحة، لا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت مثل فوردو ونطنز النوويتين، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي". وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار. وفق التقديرات العسكرية، فإن هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية. ويتطلب الأمر، لتنفيذ مهمة كهذه، أن يحلّق عدد من طائرات بي-سبيريت، لتبدأ أولا حرب إلكترونية متخصصة، مهمتها تشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على نطاق واسع، وعزل المنطقة المستهدفة عن أي اتصالات خارجية. ومع الوصول إلى منطقة الهدف فوق جبل فوردو، تبدأ أنظمة الاستهداف العالية الدقة على متن الطائرات بتحديد الموقع الدقيق للمنشأة تحت الأرض، ثم تطلق القنابل، لكن الأمر أعقد من مجرد الحاجة لقنبلة واحدة، إذ يتطلب ضربات متتالية على النقطة نفسها، ربما تبدأ بقنابل أخرى غير جي بي يو-57 إيه بي، لإحداث صدمة أولية أو لإزالة الطبقات السطحية من الصخور التي قد تعيق الاختراق الأعمق، أو حتى لاختبار استجابة الدفاعات المتبقية التي لم يتم تشويشها بالكامل، ثم تطلق القنابل الرئيسية بعد ذلك. عند الاصطدام، تخترق كل قنبلة طبقات صلبة من الصخور والخرسانة المسلحة، معتمدة على طاقتها الحركية الهائلة. وقد يتم إطلاق قنابل متتالية على النقطة نفسها لتعميق الاختراق، أو على نقاط مختلفة لتوسيع دائرة التدمير. وبعد اختراق عشرات الأمتار في عمق الأرض، تنفجر الشحنة المتفجرة داخل القنبلة بقوة هائلة، مُحدثة موجة صدمية تدمر البنية الداخلية للمنشأة. وفي هذه الحالة، فالهدف الإسرائيلي ليس تدمير المنشأة في العمق (لأن إمكانية تحقيق ذلك غير مؤكدة)، بل شلّ أنظمة الدعم الحيوية المحيطة الخاصة بها. عائق أعمق يفسر ما سبق إلحاح إسرائيل على التدخل الأميركي المباشر في هذه المواجهة، وحاجتها الشديدة للقاذفة الأميركية وقنبلتها الضخمة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها في الموجتين الأوليين من الهجمات الإسرائيلية"، وبنت الصحيفة ذلك الاستنتاج على التصريحات الصادرة عن البلدين فضلًا عن مقاطع الفيديو والصور للمواقع المتضررة. وتوضح الصحيفة أنه يبدو أن إسرائيل شنت هجومًا قرب فوردو، لكنها لم تُصب المنشأة تحت الأرض نفسها. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في مجال حظر الانتشار النووي فإن الضربات على نطنز، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران ، قد دمرت منشآت عدة وألحقت أضرارًا بالنظام الكهربائي. وأوضح المحللون الذين اطلعوا على صور الأقمار الصناعية أن معدات التخصيب تحت الأرض في نطنز لم تتضرر على الرغم من وجود آثار مباشرة على قاعات التخصيب تحت الأرض. ورغم أن إسرائيل استطاعت عبر العقود الماضية تنفيذ ما يُعرف "بعقيدة بيغن" التي تقوم على توجيه ضربات استباقية لمنع خصومها في المنطقة من امتلاك قدرات نووية، كما حدث عند تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومنشأة الكبر السورية عام 2007، فإن الملف الإيراني يطرح تحديات من نوع مختلف تمامًا. فالمنشآت المستهدفة من قبل كانت منفردة وظاهرة ولا تزال في مراحل مبكرة من التشييد، مما جعل ضربها ممكنًا وفعالًا. لذلك يمثل استهداف منشأة فوردو تحديًا مختلفًا عما واجهته إسرائيل سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني موزع على مواقع متعددة ومحمي جيدًا تحت الأرض، كما أنه مدعوم بخبرات تقنية وعلمية راسخة، وذلك ما يجعل القضاء عليه بالكامل من خلال ضربات جوية أمرًا معقدًا للغاية. في النهاية، يظل الملف النووي الإيراني أكثر تعقيدًا من مجرد استهداف منشآت مادية، إذ يتعلق الأمر بمنع دولة لديها المعرفة العلمية والإرادة السياسية من استئناف نشاطاتها، وذلك ما يجعل التعامل الناجح معه بعيدًا كل البعد عن مجرد حل عسكري سريع. وعلى إثر الهجوم الأميركي، يبدو أن حسابات المواجهة ستتغير، فالرئيس الأميركي يقول إنه حان وقت السلام، بينما تنتظر إيران حساب الأضرار، والإعلان عن موقفها الرسمي الذي ربما يشعل المنطقة برمتها أو يوصل المواجهة العسكرية إلى نهايتها كما تريد أميركا وإسرائيل.

مصرس
منذ 8 ساعات
- مصرس
الوحيدة القادرة على تنفيذ المهمة القذرة .. ماهى"القاذفة بي2- سبيريت " التى ضربت منشآت إيران النووية؟
في ساعات الصباح الأولى لفجر اليوم الأحد، أعلن الرئيس الأميركي الصهيونى دونالد ترامب قصف بلاده 3 منشآت نووية إيرانية في منشور له على منصة "تروث سوشال"، والذي أتبعه بمنشور آخر يصرّح فيه بأن موقع فوردو قد انتهى. جاء ذلك بعد تصريحات وردت في اليومين الماضيين عن أن ترامب سيتخذ قراره بشأن المنشآت النووية في غضون الأسبوعين القادمين. وتماما كما جرت الضربة الأولى التي شنتها طائرات الجيش الإسرائيلي بصورة مباغته في قلب إيران، كذلك فعلت أميركا.تتالت الأنباء لاحقا بأن الجيش الأميركي قام باستخدام القاذفة الأميركية "بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة، فما هي هذه القاذفة؟ بي2- سبيريتلفهم عمق الأمر، سنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات المسماة بي-2 سبيريت والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا ورُبطت بمنشأة فوردو تحديدا.فالقاذفات نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الإستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة الخصم وتقويض قدراته الأساسية.وبشكل خاص، تمتاز "بي-2" بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي. هذه العمليات تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخفٍّ تام عن رادارات الخصم.ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة من دون رصدها تحت أي ظرف. ورغم أن قاذفة إستراتيجية أخرى هي "بي 52" قادرة على حمل مثل هذه القنابل الضخمة، فإنها ليست مؤهلة للقيام بالعمليات التشغيلية من هذا النوع، إذ إنها لا تتمكن من فرض التفوق الجوي والمناورة والتخفي من الرادارات، ولذلك فهي بحاجة لوجود طائرات أخرى للحماية.في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل "بي-52″ الأميركية، جزءا رئيسيا من إستراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية من دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر.بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي".وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية عن أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليا للرادارات.وإثر ذلك، وفي عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" للجمهور.في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2″، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي بنيت على الإطلاق. وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الإستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي.وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار الخصم وأنظمة اتصالاته.ووفقًا لسلاح الجو الأميركي، يوجد 19 قاذفة بي-2 عاملة، يمكنها أن تحلق بسرعات دون سرعة الصوت، لكنها قادرة على التزود بالوقود جوًا، وذلك ما يسمح لها بالطيران لمسافات طويلة للغاية.وخلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، حلّقت طائرات بي-2 ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري لضرب أهداف، وفي عام 2017 حلّقت طائرتان من طراز بي-2 لمدة 34 ساعة للوصول إلى ليبيا، ويجري ذلك أيضا على عمليات في العراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن.وهي الطائرة التي يعود الاهتمام بها اليوم بعد استهداف منشآت إيران النووية المحصنة.تحصينات منشأة فوردوإذا ما تحدثنا عن استهداف منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، والتي تعد واحدة من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، فهي قد صُمّمت خصيصًا لتكون قادرة على الصمود أمام الضربات الجوية وحتى بعض الهجمات النووية التكتيكية، أي تلك التي تستخدم أسلحة نووية صغيرة ذات أثر محدود.تقع "فوردو" على بُعد نحو 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، وقد شُيّدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا، بهدف واحد وهو حماية المنشأة من القنابل الخارقة للتحصينات. المنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمثل "متاهة"، ليعقّد الاختراق، ويحد من تأثير الانفجارات. كذلك فإن هناك دفاعات جوية متعددة تحيط بالمنشأة، منها بطاريات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة تشويش إلكتروني لمنع استهداف دقيق، مع كاميرات حرارية، وأجهزة استشعار، وحراسة دائمة. وتتألف المنشأة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز "آي آر-1" (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي.قنبلة واحدة فقط وحسب المعلومات المتاحة، لا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت مثل فوردو ونطنز النوويتين، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي". وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار. وفق التقديرات العسكرية، فإن هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية. ويتطلب الأمر، لتنفيذ مهمة كهذه، أن يحلّق عدد من طائرات بي-سبيريت، لتبدأ أولا حرب إلكترونية متخصصة، مهمتها تشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على نطاق واسع، وعزل المنطقة المستهدفة عن أي اتصالات خارجية.ومع الوصول إلى منطقة الهدف فوق جبل فوردو، تبدأ أنظمة الاستهداف العالية الدقة على متن الطائرات بتحديد الموقع الدقيق للمنشأة تحت الأرض، ثم تطلق القنابل، لكن الأمر أعقد من مجرد الحاجة لقنبلة واحدة، إذ يتطلب ضربات متتالية على النقطة نفسها، ربما تبدأ بقنابل أخرى غير جي بي يو-57 إيه بي، لإحداث صدمة أولية أو لإزالة الطبقات السطحية من الصخور التي قد تعيق الاختراق الأعمق، أو حتى لاختبار استجابة الدفاعات المتبقية التي لم يتم تشويشها بالكامل، ثم تطلق القنابل الرئيسية بعد ذلك. عند الاصطدام، تخترق كل قنبلة طبقات صلبة من الصخور والخرسانة المسلحة، معتمدة على طاقتها الحركية الهائلة. وقد يتم إطلاق قنابل متتالية على النقطة نفسها لتعميق الاختراق، أو على نقاط مختلفة لتوسيع دائرة التدمير. وبعد اختراق عشرات الأمتار في عمق الأرض، تنفجر الشحنة المتفجرة داخل القنبلة بقوة هائلة، مُحدثة موجة صدمية تدمر البنية الداخلية للمنشأة. وفي هذه الحالة، فالهدف الإسرائيلي ليس تدمير المنشأة في العمق (لأن إمكانية تحقيق ذلك غير مؤكدة)، بل شلّ أنظمة الدعم الحيوية المحيطة الخاصة بها.عائق أعمق يفسر ما سبق إلحاح إسرائيل على التدخل الأميركي المباشر في هذه المواجهة، وحاجتها الشديدة للقاذفة الأميركية وقنبلتها الضخمة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها في الموجتين الأوليين من الهجمات الإسرائيلية"، وبنت الصحيفة ذلك الاستنتاج على التصريحات الصادرة عن البلدين فضلًا عن مقاطع الفيديو والصور للمواقع المتضررة. وتوضح الصحيفة أنه يبدو أن إسرائيل شنت هجومًا قرب فوردو، لكنها لم تُصب المنشأة تحت الأرض نفسها. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في مجال حظر الانتشار النووي فإن الضربات على نطنز، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران، قد دمرت منشآت عدة وألحقت أضرارًا بالنظام الكهربائي. وأوضح المحللون الذين اطلعوا على صور الأقمار الصناعية أن معدات التخصيب تحت الأرض في نطنز لم تتضرر على الرغم من وجود آثار مباشرة على قاعات التخصيب تحت الأرض. ورغم أن إسرائيل استطاعت عبر العقود الماضية تنفيذ ما يُعرف "بعقيدة بيغن" التي تقوم على توجيه ضربات استباقية لمنع خصومها في المنطقة من امتلاك قدرات نووية، كما حدث عند تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومنشأة الكبر السورية عام 2007، فإن الملف الإيراني يطرح تحديات من نوع مختلف تمامًا. فالمنشآت المستهدفة من قبل كانت منفردة وظاهرة ولا تزال في مراحل مبكرة من التشييد، مما جعل ضربها ممكنًا وفعالًا. لذلك يمثل استهداف منشأة فوردو تحديًا مختلفًا عما واجهته إسرائيل سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني موزع على مواقع متعددة ومحمي جيدًا تحت الأرض، كما أنه مدعوم بخبرات تقنية وعلمية راسخة، وذلك ما يجعل القضاء عليه بالكامل من خلال ضربات جوية أمرًا معقدًا للغاية. في النهاية، يظل الملف النووي الإيراني أكثر تعقيدًا من مجرد استهداف منشآت مادية، إذ يتعلق الأمر بمنع دولة لديها المعرفة العلمية والإرادة السياسية من استئناف نشاطاتها، وذلك ما يجعل التعامل الناجح معه بعيدًا كل البعد عن مجرد حل عسكري سريع. وعلى إثر الهجوم الأميركي، يبدو أن حسابات المواجهة ستتغير، فالرئيس الأميركي يقول إنه حان وقت السلام، بينما تنتظر إيران حساب الأضرار، والإعلان عن موقفها الرسمي الذي ربما يشعل المنطقة برمتها أو يوصل المواجهة العسكرية إلى نهايتها كما تريد أميركا وإسرائيل.المصدر وكالات أنباء ومواقع إلكترونية وقناة الجزيزة الأخبارية


مصراوي
منذ 10 ساعات
- مصراوي
بعد استخدامها لضرب منشآت إيران النووية.. ما هي قاذفات "بي 2 سبيريت" الأمريكية؟
في تصعيد خطير للأزمة بين واشنطن وطهران، أعلنت الولايات المتحدة تنفيذ ضربات جوية استهدفت ثلاثة مواقع نووية داخل إيران، وذلك وفق ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور على حسابه بمنصة "تروث سوشيال". وأكد ترامب أن العملية نُفذت بنجاح واستهدفت منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان، مشيرًا إلى أن الطائرات المشاركة عادت بسلام، في حين دعا إلى "وقت للسلام" عقب العملية. وفي تأكيد على حجم العملية العسكرية، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي أن قاذفات الشبح الأمريكية من طراز "بي-2 سبيريت" شاركت في تنفيذ الضربات على الأراضي الإيرانية. وتُعد هذه الطائرات من أكثر الأسلحة تقدما في الترسانة الأمريكية، إذ لا تمتلكها سوى الولايات المتحدة، وتُستخدم في مهام استراتيجية عالية الخطورة. وكانت تقارير سابقة قد تحدثت عن تحريك قاذفات "بي-2" من قاعدتها في ولاية ميزوري إلى جزيرة غوام الأمريكية في المحيط الهادئ، وهو ما اعتبره مراقبون تمهيدًا لاستخدامها في عمليات محتملة ضد أهداف إيرانية شديدة التحصين، وعلى رأسها منشأة "فوردو" المدفونة تحت جبل وتُعد من أكثر المنشآت النووية حماية في إيران. وتُعرف "بي-2" بقدرتها الفائقة على التخفي عن الرادارات، وهي الطائرة الوحيدة في العالم القادرة على حمل قنابل خارقة للتحصينات مثل قنبلة GBU-57 التي تزن أكثر من 13 طناً، والتي صممت خصيصًا لضرب المخابئ والمنشآت المدفونة عميقًا في الأرض. ويُنظر إلى هذه القاذفات باعتبارها ركيزة أساسية في "الثالوث النووي" الأمريكي، حيث يمكنها حمل الذخائر التقليدية والنووية على حد سواء، وتنفيذ ضربات بعيدة المدى دون الحاجة للتزود بالوقود. ودخلت القاذفات الخدمة فعليًا في نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلا أن استخدامها ظل محدودًا في النزاعات الكبرى فقط، مثل حربي كوسوفو والعراق، وأخيرا في ليبيا وأفغانستان. وعلى الرغم من قِدم تصميمها، فإن القوات الجوية الأمريكية تواصل تطوير قدراتها التكنولوجية لضمان تفوقها في ساحة القتال. وبحسب خبراء عسكريين، فإن إرسال هذه الطائرات إلى قواعد أمريكية خارج البلاد لا يُعد مجرد إجراء عسكري، بل هو رسالة سياسية واضحة تعكس جدية واشنطن في التعامل مع التهديدات. ويؤكد محللون أن قاذفة "بي-2" ليست فقط آلة حرب ضخمة، بل رمز لقوة الردع الأمريكية، بينما يُقدر عددها بـ19 طائرة فقط، ما يجعل استخدامها في أي عملية مؤشرًا على تحول نوعي في مسار المواجهة، كما أن قدرتها على حمل قنابل خارقة للتحصينات يمنحها تفوقًا نوعيًا على أي طائرة أخرى، بما في ذلك "بي-52" الأقدم والأكبر حجمًا.