
توريث المناصب السياسية خطر يتهدد مستقبل جنوب السودان
من اللافت تزايد تعيين أبناء وبنات قادة حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان ورفاق الرئيس سلفاكير ميارديت ، المنتمين إلى جيل المناضلين الذين خاضوا حرب التحرير في ثمانينيات القرن الماضي، وصولا إلى استقلال البلاد عام 2005، في مواقع قيادية رفيعة، وهو ما يُنظر إليه كترسيخ للولاءات العائلية داخل أجهزة الدولة.
وقد أثارت التعيينات الأخيرة التي أجراها الرئيس سلفاكير، منذ مطلع الشهر الماضي جدلا واسعا، إذ شملت أبناء وبنات قادة سابقين في الحزب أُعفُوا من مناصبهم، مثل كوال منيانق جووك ودانيال أويت أكوت، والأمين العام السابق للحزب والنائب السابق أيضا لرئيس الجمهورية جيمس واني إيقا.
فقد عُينت أتونق كوال منيانق وزيرة للتجارة، كما تولت ابنة أكوت منصب وكيلة وزارة الشباب والرياضة، وشملت التعيينات أيضا نجل الأمين العام للحزب جيمس واني إيقا، الذي أصبح مستشارا فنيا بوزارة الطرق.
وتُفسَّر هذه الخطوات على أنها شكل من أشكال التعويض السياسي لقادة سابقين، تأكيدا لمكانتهم في الحكومة واعترافا بتضحياتهم خلال مسيرة التحرير.
توريث المناصب
لم تقتصر تلك التعيينات على المناصب الوزارية العليا فحسب، بل امتدت لتشمل البرلمان القومي ومجلس الولايات وغيرها من المؤسسات والمناصب الرفيعة، حيث يُعين أبناء المسؤولين مكان آبائهم بعد وفاتهم. وتبرر الحكومة هذه الممارسة بغياب قانون واضح للمعاشات يكفل لأسر المتوفين وأقاربهم تعويضات أو مكافآت عن خدمتهم، ما يدفعها إلى اللجوء إلى ما يشبه توريث المنصب لأحد أفراد الأسرة.
ويرى مراقبون أن هذه الممارسات تعكس ضعف المؤسسات الحزبية والرسمية في البلاد، واعتماد النظام السياسي على الولاءات الشخصية وروابط الدم أكثر من اعتماده على الكفاءة والمعايير المؤسسية.
كما يحذر محللون من أن تكريس هذه الظاهرة قد يقود إلى تآكل الثقة العامة في الدولة، ويُغذي مشاعر التهميش لدى الشباب غير المنتمين إلى النخب الحاكمة. الأمر الذي قد يفاقم من حالة الانقسام السياسي والاجتماعي في جنوب السودان.
يقول الكاتب والمحلل السياسي أديسون جوزيف، لفهم تعيينات أبناء وبنات قدامى المحاربين وقيادات الحركة والجيش الشعبي، لا بد من النظر إليها في إطار ما يسمي بـ"منطق السوق السياسية"، -وفي رأيه-، يجري توظيف توزيع الثروة والامتيازات من السلطة كأداة لضمان الولاء السياسي لأسر القادة، بمنح أبنائهم مناصب حكومية وإدارية رفيعة.
ويضيف أديسون في تصريح للجزيرة نت، "يحاول الرئيس سلفاكير أن يُظهر نفسه بمظهر الراعي لأسر القادة الراحلين، فيوفر لهم سبل حياة كريمة، ويمنحهم نصيبًا من السلطة والثروة، وبهذا يسعى أيضا إلى كسب تأييد جزء من القاعدة الاجتماعية المرتبطة بهذه الأسر، لتكون سندا أساسيا له في أي معركة سياسية تخوضها الحكومة".
ويرى جوزيف أنه ومن خلال ذلك، يضمن النظام إعادة إنتاج نفسه في أشكال جديدة، عبر دعاية ترفع شعار ضرورة إتاحة القيادة للشباب، غير أن المقصود هنا هو شباب السلطة الحاكمة نفسها، وليس عموم الأجيال الجديدة.
مرحلة مأزومة
وبحسب محللين، فإن إغلاق المجال السياسي على الأجيال الجديدة، يمثل أحد أخطر تداعيات ظاهرة توريث المناصب في جنوب السودان، إذ يُحرم الشباب من فرص المشاركة في صنع القرار والمنافسة على المواقع القيادية مما يخلق حالة من الانسداد السياسي التي من شأنها أن تقلل من احتمالات تداول السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
وهو ما يهدد بإطالة أمد الأزمة السياسية القائمة ويزيد من احتمالات تعميق الانقسامات الاجتماعية في الدولة الوليدة.
ويشير الكاتب الصحفي سايمون أتير إلى أن ظاهرة التوريث السياسي في جنوب السودان قد تبدو للوهلة الأولى وسيلة لشراء صمت المناضلين، لكن التحليل العميق يوضح أنها تعكس سياسة "مرحلة مأزومة".
ويضيف في تصريحات للجزيرة نت، "ترى القيادة أن احتواء الدائرة الداخلية وضمان ولائها أهم من توسيع المشاركة، ومع تآكل الثقة داخل المنظومة الحزبية، يصبح دفع أبنائهم إلى مواقع السلطة الوسيلة الوحيدة لضمان الولاء، فهناك شعور لدى القادة بأن السلطة لا بد أن تبقى ضمن دائرة محددة".
ويمضي أتير "إن توريث المناصب يحول الوظائف من أمانة تُمنح بالكفاءة إلى إرث بالمحسوبية، ويضعف ثقة الشارع في الإصلاح المزعوم، ويكرس حكما أسريا هشا، ويقلص فرص التداول الديمقراطي للسلطة، ويُعمّق الإقصاء داخل الدولة الوليدة".
تهديد للديمقراطية
وبالنسبة للناشط في المجتمع المدني بجنوب السودان جيمس دانيال، فإن ظاهرة توريث المناصب في جنوب السودان تشكل تهديدا حقيقيا لوحدة الدولة، لأنها تحصر السلطة داخل دائرة محدودة من النخبة الحاكمة وتُبعد الأجيال الجديدة عن المشاركة السياسية، هذه الممارسة لا تعيق فقط تداول السلطة ديمقراطيا، إنما تجعل بناء أمة موحدة ومستقرة أكثر صعوبة".
وأضاف دانيال في حديثه للجزيرة نت، أن التوريث السياسي في جنوب السودان سيؤدي إلى ظهور طبقة سياسية جديدة، قوامها المناضلون وأبناء المناضلين، ويُظهر المناضلين السابقين وكأنهم قاتلوا من أجل تحقيق مكاسب شخصية أكثر من النضال من أجل الشعب.
وأضاف أن هذا الانغلاق على النخبة الواحدة يهدد وحدة الدولة ويضعف فرص المشاركة الديمقراطية للأجيال الجديدة، كما أنه سيخلق إحباطا سياسيا وسط الشباب الأكفاء الذين يتوقعون أن يجدوا فرصهم في التمثيل السياسي عبر مؤسسات الحزب والدولة بناء على قدراتهم وليس الولاء أو الانتماء العائلي المباشر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
مهمة لصندوق النقد بالسنغال وسط نقاش حول السياسات الاقتصادية
بدأ وفد من صندوق النقد الدولي زيارة إلى العاصمة السنغالية دكار، تمتد من 19 إلى 26 أغسطس/آب الجاري، في إطار مهمة فنية تهدف إلى تقييم الأداء الاقتصادي الكلي للبلاد، وذلك بالتزامن مع نقاش داخلي متواصل حول توجهات السياسات المالية وعلاقات السنغال بالمؤسسات الدولية. ووفق بيان صادر عن وزارة المالية والميزانية يوم 18 أغسطس/ آب الجاري، تأتي هذه الزيارة ضمن سلسلة لقاءات فنية تُعقد منذ تشكيل الحكومة الجديدة، وتهدف إلى فتح حوار مع الجهات الرسمية حول التوجهات الاقتصادية والميزانية العامة للفترة المقبلة. تقييم اقتصادي وتوقعات للتعاون تشمل أجندة الوفد مراجعة تنفيذ الميزانية الحالية، وتحليل الفرضيات الاقتصادية التي تستند إليها مسودة قانون المالية لعام 2026، إضافة إلى متابعة التقدم في عدد من الإصلاحات الهيكلية. كما يُتوقع أن تسهم هذه الزيارة في تحديد ملامح التعاون المستقبلي بين السنغال وصندوق النقد الدولي، في ظل استمرار المشاورات بين الجانبين. تباين في المواقف السياسية في المقابل، تبرز مواقف سياسية متباينة تجاه دور صندوق النقد، لا سيما في ضوء تصريحات سابقة لرئيس الوزراء عثمان سونكو، عبّر فيها عن تحفظه إزاء بعض السياسات المرتبطة بالمؤسسة، واصفا إياها بأنها "مقيدة"، ومشيرا إلى ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقة معها. سياق متعدد الأبعاد وبينما تُصنّف المهمة رسميا ضمن الزيارات الفنية، يرى مراقبون أن توقيتها وسياقها السياسي يمنحانها أبعادا إضافية، خاصة في ظل النقاشات الجارية حول أولويات الحكومة الجديدة. وتُعد هذه الزيارة محطة ضمن مسار أوسع من التفاعل بين السنغال وصندوق النقد، في وقت تتزايد فيه التساؤلات بشأن مستقبل التعاون المالي بين الطرفين.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
ماذا دار في الكواليس الخفية بين البرهان ومستشار ترامب؟
في وقت تتسارع فيه الأحداث جاء لقاء رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، مع مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية في سويسرا، ليشكل محطة مفصلية. الاجتماع لم يكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل نافذة لفهم إستراتيجيات الحرب، والأمن البحري والتوازنات الإقليمية؛ ليكسر جمودا سياسيا دام شهورا، ويعيد السودان إلى قلب حسابات البيت الأبيض. الاجتماع، الذي جرى في سويسرا واستمر ساعات، كان أشبه بجلسة "تحديد مصير" بين طرف يملك قوة السلاح على الأرض، وآخر يملك مفاتيح التأثير الدولي. مسعد بولس.. رجل البيت الأبيض في السودان مسعد بولس ليس دبلوماسيا عاديا، هو شخصية لها وصول مباشر إلى الرئيس الأميركي، بخبرة واسعة في الملفات الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط وأفريقيا. اختياره لحمل رسالة واشنطن إلى البرهان يعني أن السودان أصبح موضوع صفقات دبلوماسية مباشرة، حيث تتداخل الاعتبارات الأمنية مع الاستثمارات الاقتصادية، وتصبح المنطقة الإستراتيجية للبحر الأحمر محور اهتمام أميركي خليجي متزامن. رسائل الداخل السوداني.. قراءة معمقة اللقاء حمل إشارات داخلية دقيقة، تعكس توازن الجيش بين الاستقرار السياسي والمكاسب الميدانية: وقف شامل لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية: هذه الرسالة تؤكد حرص الجيش على الاستقرار الإنساني وتقليل الخسائر المدنية، بينما تشير إلى التزام واشنطن بالضغط على جميع الأطراف. الارتباط بين الدعم الأميركي والمسار الانتقالي: أي انفتاح سياسي أو اقتصادي على الجيش، مشروط بإظهار التزام واضح بمسار انتقال مدني، مما يعكس رغبة المجتمع الدولي في ضمان استقرار مؤسسات الدولة. تحديد دور الجيش في المستقبل السياسي: البرهان أوضح أن الدعم السريع لن تكون جزءا من السلطة المقبلة، وأن الجيش سيعيد هيكلة السلطة لصالح مؤسسات الدولة، ما يوضح إستراتيجيات الجيش لدمج القوة الميدانية في تفاوض سياسي محسوب. رسائل للطبقة السياسية والمجتمع المدني: اللقاء يوصل إشارة ضمنية بأن أي تسوية أو دعم داخلي يجب أن يراعي المكاسب الميدانية للجيش، مع استمرار إشراف دولي لتقوية المسار الانتقالي. الجيش السوداني حقق تقدما واضحا على الأرض، خصوصا في العاصمة وأمدرمان والريف الجنوبي ومحيط كرري، ما أعاد توزيع النفوذ في الخرطوم والمناطق المحيطة تحول السياسة الأميركية شهدت السياسة الأميركية نحو السودان تحولا ملموسا، من سياسة التوازن بين الأطراف إلى سياسة تحديد المسؤولية، بحيث أصبحت واشنطن أكثر وضوحا في تحميل الدعم السريع مسؤولية الجرائم والانتهاكات، مع فرض عقوبات مباشرة على قياداتها وشبكات تمويلها في الوقت نفسه. وقد أبقت الإدارة على قنوات ضغوط دقيقة على الجيش، مؤطرة ضمن إستراتيجية العصا والجزرة، تهدف إلى تعزيز الالتزام بمسار سياسي واضح، وضمان أن أي دعم أميركي أو استثماري مرتبط بالنتائج الميدانية والالتزام المؤسساتي. هذا التغيير يعكس إدراك واشنطن أن الاستقرار في السودان مرتبط مباشرة بمكاسب الجيش الميدانية، وفاعليته في السيطرة على النزاع الداخلي. ميزان القوى الميداني.. تفوق الجيش الجيش السوداني حقق تقدما واضحا على الأرض، خصوصا في العاصمة وأم درمان والريف الجنوبي ومحيط كرري، ما أعاد توزيع النفوذ في الخرطوم والمناطق المحيطة، وقد تمكن الجيش من تنفيذ ضربات دقيقة على مواقع لوجيستية للدعم السريع، ما ساهم في تقليص قدراتها الميدانية. وبينما تظل الدعم السريع مسيطرة على بعض مناطق دارفور، فإن معظم الوسط أصبح تحت سيطرة الجيش المباشرة، مع ميل الكفة بوضوح في الشمال والعاصمة والوسط وتخوم كردفان. هذه المكاسب الميدانية تعطي الجيش أوراق قوة تفاوضية مباشرة، وتعيد تشكيل التوازن الداخلي بطريقة تصب في صالح مؤسسات الدولة. رغم خروج السودان من قوائم الإرهاب الأميركية في 2020 فإن الحرب أعادت فتح "ممرات الظل" للتهريب، بما في ذلك الذهب والسلاح والبشر، إضافة إلى نشاط الجريمة المنظمة البحر الأحمر وأهمية التجارة الدولية البحر الأحمر يمثل قلب الإستراتيجية الدولية للسودان، لما يحمله من موقع جغرافي إستراتيجي يربط شرقي أفريقيا بخطوط التجارة العالمية. والولايات المتحدة تركز على حماية الممرات البحرية الحيوية، ومنع أي تحولات نحو نفوذ شرقي لضمان حرية الملاحة الدولية. بدلا من الاعتماد على دول محددة كممر استثماري إقليمي، يركز السودان على توسيع التجارة الدولية عبر تطوير الموانئ والمنافذ البحرية، واستقطاب شركاء دوليين للتجارة والاستثمار، بما يعزز دور السودان كمركز إقليمي تجاري ولوجيستي مستقل. أي اضطراب أمني في البحر الأحمر يهدد مشاريع بمليارات الدولارات في التجارة العالمية، ما يجعل استقرار المنطقة أولوية إستراتيجية للسودان والشركاء الدوليين. مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة رغم خروج السودان من قوائم الإرهاب الأميركية في 2020 فإن الحرب أعادت فتح "ممرات الظل" للتهريب، بما في ذلك الذهب والسلاح والبشر، إضافة إلى نشاط الجريمة المنظمة، ما يمثل تهديدا مباشرا لأمن البحر الأحمر، ويخلق مجالا للتعاون الأمني إذا توصل الطرفان إلى تفاهم سياسي. ما يريده الجيش إبعاد الدعم السريع نهائيا: تفكيك القوة وشبكاتها، مع إدماج الأفراد القابلين للتأهيل في الجيش النظامي. إعادة هندسة السلطة الانتقالية وحفظ دور الجيش الضامن للأمن القومي. تأمين العمق الإستراتيجي البحري والبري: حماية البحر الأحمر والحدود، ومنع أي نفوذ خارجي غير مرغوب فيه. تعزيز المواقف الدولية: تقديم نفسه كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب وحماية الممرات البحرية؛ ما يفتح الباب أمام دعم اقتصادي واستثمارات. ما يمكن أن يقدمه الجيش.. حزمة تفاوضية موسعة ضمانات أمنية للبحر الأحمر: ترتيبات مع قوى إقليمية ودولية لحماية الملاحة. ضبط الحدود ومنع التهريب: آليات مشتركة مع دول الجوار لتأمين السلاح والذهب والبشر. دمج لقوى محلية: استيعاب الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا. إصلاح اقتصادي تحت إشراف مشترك: قبول برامج دعم اقتصادي مقابل شفافية في إدارة الموارد الإستراتيجية. تحييد داعمي التمرد الإقليميين والدوليين: اتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية لتقليل النفوذ الخارجي الذي يمول أو يدعم الدعم السريع. تعزيز قدرة الجيش على الضبط والسيطرة: تقديم خطط عملية لتأمين المدن والطرق الرئيسية، ومراكز الاقتصاد الحيوية. فتح قنوات تجارة دولية مستقلة: تطوير الموانئ والممرات البحرية لاستقطاب شركاء عالميين للتجارة والاستثمار، ما يعزز مكانة السودان كمركز تجاري مستقل، ويقلل الاعتماد على الشركاء الإقليميين التقليديين. السودان عاد إلى دائرة الاهتمام الأميركي المباشر، وأي تسوية ستكون رهينة بالالتزام الميداني، وسيطرة الجيش على ميزان القوى، مع ربط الأمن الداخلي بالمصالح الدولية في معادلة العصا والجزرة السيناريوهات المحتملة شراكة أمنية سياسية مشروطة: يقدم الجيش مرونة سياسية مقابل اعتراف دولي بدوره كضامن للأمن والاستقرار، مع دعم مالي وتقني، وفتح قنوات استثمارية دولية مستقلة. الفرصة تكمن في تهيئة البيئة الدولية لبناء اقتصادات مستقرة، بينما تكمن المخاطر في فقدان بعض السيطرة إذا توسع نفوذ القوى المدنية أو الإقليمية. الحسم الميداني قبل التفاوض: يعتمد الجيش على تفوقه الميداني لإخراج الدعم السريع من مناطق ذات عمق إستراتيجي، وفرض شروط تفاوضية قوية. الفرصة تكمن في تعزيز نفوذ الجيش في الترتيبات السياسية المستقبلية، والمخاطر تتمثل في ارتفاع كلفة الاستنزاف العسكري وتأثر الاقتصاد والأزمة الإنسانية. صفقة إستراتيجية كبرى: تسعى إلى تسوية شاملة تشمل حزمة اقتصادية من شركاء دوليين، مقابل إنهاء الحرب. الفرصة تكمن في استقرار شامل وتدفق الاستثمارات، أما المخاطر فتتمثل في اعتماد بعض الملفات الإستراتيجية على شركاء خارجيين. خاتمة إستراتيجية لقاء البرهان ومسعد بولس يختزل تلاقي ملفات الحرب، والبحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب، والتوازنات الإقليمية، في نقطة واحدة. السودان عاد إلى دائرة الاهتمام الأميركي المباشر، وأي تسوية ستكون رهينة بالالتزام الميداني، وسيطرة الجيش على ميزان القوى، مع ربط الأمن الداخلي بالمصالح الدولية في معادلة العصا والجزرة . الخيارات أمام الجيش تشمل التفاوض بمرونة محسوبة، والحسم العسكري لتقوية شروط التفاوض، أو صفقة إستراتيجية كبرى تضمن إنهاء الحرب ودعما اقتصاديا واسعا، مع بقاء النفوذ الأميركي والإقليمي حاضرا في أي مسار مستقبلي.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
السودان ليس سوريا الأسد: تفنيد تقرير "نيو لاينز" حول الكبتاغون
في 12 أغسطس/ آب 2025، نشر معهد نيو لاينز الأميركي تقريرا مطولا حمل عنوان: "بروز السودان كمركز جديد للكبتاغون".. حاول التقرير أن يصور السودان وكأنه دخل نادي الدول الراعية لتجارة المخدرات الصناعية، وأن الحرب الأهلية قد حولت بلادنا إلى نسخة مكررة من سوريا الأسد. ورغم غلافه البحثي، فإن مضمون التقرير يكشف عن أجندة سياسية واضحة: ضرب شرعية الدولة السودانية وتشويه صورتها في لحظة مصيرية من معركتها مع مليشيا الدعم السريع المتمردة. قلب الحقائق أول ما يثير الانتباه في التقرير هو الانتقائية المفضوحة في عرض الوقائع؛ فالمختبرات التي تم ضبطها في الخرطوم لم تُنشئها الدولة السودانية ولا الجيش السوداني، بل كانت تحت مظلة انتشار مليشيا الدعم السريع أثناء احتلالها أحياء العاصمة. وعندما استعاد الجيش السوداني السيطرة، بادر إلى مصادرة المعدات وتعطيل الإنتاج، في خطوة تؤكد التزامه بمكافحة المخدرات لا رعايتها. لكن التقرير تعمد أن يصور المشهد كما لو أن السودان الرسمي هو من يدير هذه الأنشطة، ليدفع القارئ الدولي إلى الاستنتاج الخطأ: أن الحكومة الشرعية شريكة في تجارة الكبتاغون! هذا تزوير متعمد يخلط بين الفاعل الحقيقي (المليشيا) والدولة التي تحاربها. أجندة التشبيه المضلل التقرير لم يكتفِ بعرض بيانات، بل انزلق إلى مقارنة خطيرة ومقصودة: مساواة السودان بسوريا الأسد.. الهدف من هذه المقارنة واضح: فتح الباب أمام شيطنة السودان دوليا، وإلحاقه بدائرة العقوبات والعزلة. تقويض الدعم الإقليمي والدولي للجيش السوداني عبر تصويره كنسخة جديدة من "نظام راعٍ للمخدرات". تعويم رواية تساوي بين الدولة الشرعية والمليشيا المتمردة، بحيث يُفرض على السودانيين "حل وسط" يشرعن الانقلاب المليشياوي. القراءة المنصفة للبيانات تكشف العكس: أن السودان -برغم ظروف الحرب وانهيار البنية الأمنية- ما زال قادرا على كشف وتفكيك هذه الأنشطة الأرقام لا تقول ما يقوله التقرير يعتمد التقرير على إحصائية منسوبة لقاعدة بيانات مصادرة الكبتاغون: 19 حادثة ضبط خلال عشر سنوات، بينها 3 مختبرات. هذه الأرقام -حتى لو صحت- ضئيلة مقارنة بما كُشف في سوريا أو لبنان أو حتى العراق وتركيا. لكن نيو لاينز ضخمها، وصاغ منها حكاية "مركز عالمي ناشئ"! القراءة المنصفة للبيانات تكشف العكس: أن السودان -برغم ظروف الحرب وانهيار البنية الأمنية- ما زال قادرا على كشف وتفكيك هذه الأنشطة. بدلا من الإشادة بهذا الجهد، يحوَّل إلى دليل إدانة، وهذا الفعل هو قمة التلاعب. السياق السياسي وراء التقرير لا بد أن نقرأ التقرير في سياق أوسع: هناك حملة إعلامية منظمة تستهدف الجيش السوداني منذ دحر المليشيا عن الخرطوم. هناك محاولة لتجريد السودان من شرعية مقاومته للغزو المليشياوي عبر وصمه بالفساد وتجارة المخدرات. هناك رغبة في إيجاد "بديل للسردية السورية" بعد سقوط نظام الأسد؛ والسودان يوفر مادة خام لإعادة تدويرها في غرف صناعة السرديات الغربية. إذن، فالمسألة ليست "بحثا علميا"، بل سردية سياسية مدفوعة الثمن، هدفها تهيئة الأرضية لخطوات ضغط دولي جديدة. أهي صدفة أن يظهر "تقرير بحثي" يساوي بين الجيش والمليشيا في هذا التوقيت، أم إن الغرض هو تجريد السودان من رصيده الأخلاقي والسياسي أمام الرأي العام الدولي؟ السودان: ضحية لا راعٍ الحقيقة التي يتجاهلها التقرير أن السودان ليس بلدا راعيا للمخدرات، بل ضحية لهذه التجارة: مليشيا الدعم السريع -التي ارتكبت جرائم حرب موثقة- هي التي أدارت هذه الأنشطة لتمويل نفسها، بعد أن استنزفت ذهب دارفور، ونهبت البنوك والمستودعات. الجيش السوداني، بدعم شعبي واسع، هو الذي اكتشف وأوقف هذه المصانع. المجتمع السوداني نفسه يعاني من نتائج هذه التجارة، إذ تستغل المليشيا ضعف الدخل وانعدام الأمن الغذائي لتسويق "حبوب الهروب" للشباب. الدرس القانوني والسياسي تجارب العالم واضحة: من كولومبيا إلى أفغانستان، تجارة المخدرات تتغذى على غياب الدولة، وتنهار حين تستعيد مؤسسات الدولة سيطرتها. السودان اليوم يعيد إنتاج هذه التجربة: كلما استعاد الجيش السيطرة على إقليم أو مدينة، تلاشى معها نشاط المليشيا في المخدرات. هذه هي القصة الحقيقية التي كان يجب أن تروى. السودان اليوم يخوض حربا على جبهتين: جبهة ضد مليشيا تريد تمزيقه، وجبهة ضد اقتصاد إجرامي عابر للحدود.. محاولات التشويه لن تغير هذه الحقيقة، بل ستكشف أكثر فأكثر حجم التواطؤ الدولي مع مشروع المليشيا لماذا الآن؟ نُشر التقرير في لحظة مفصلية: بعد أن نجح الجيش السوداني في دحر المليشيا من الخرطوم، واستعاد المبادرة الميدانية؛ وهنا يأتي السؤال: أهي صدفة أن يظهر "تقرير بحثي" يساوي بين الجيش والمليشيا في هذا التوقيت، أم إن الغرض هو تجريد السودان من رصيده الأخلاقي والسياسي أمام الرأي العام الدولي؟ دعوة لموقف موحد إن تقرير نيو لاينز ليس دراسة محايدة، بل جزءا من حملة تستهدف السودان.. المطلوب اليوم أن تتحرك الحكومة السودانية بوزاراتها المختلفة (الإعلام والخارجية ورئاسة الوزراء) بخطاب واضح ومنسق، بلغات متعددة، يضع النقاط على الحروف ليوضح: أن السودان يحارب هذه الظاهرة لا يرعاها. أن قوات الدعم السريع هي الفاعل الحقيقي في تجارة الكبتاغون. أن المقارنة مع سوريا باطلة ومغرضة. السودان اليوم يخوض حربا على جبهتين: جبهة ضد مليشيا تريد تمزيقه، وجبهة ضد اقتصاد إجرامي عابر للحدود.. محاولات التشويه لن تغير هذه الحقيقة، بل ستكشف أكثر فأكثر حجم التواطؤ الدولي مع مشروع المليشيا.