
'سبعة'.. ظلام مرعب بارد صنع مدرسة فنية وإرثا سينمائيا
متى يسمح لنا بوصف فيلم ما بأنه كلاسيكي أو تحفة فنية؟ أرى أن ثلاثين عاما تكفي، ومع ذلك فإني أرى فيلم 'سبعة' (Se7en) لـ'ديفيد فينشر' كلاسيكية معاصرة قبل ذلك بكثير. لا أظن أن هذه التحفة ستخلو منها أي قائمة لأفضل أفلام القتلة المتسلسلين، وهي نوع فرعي لسينما الجريمة والغموض.
شاهدت الفيلم مرة أخرى مع إعادة إصداره في ترميم جديد بدقة 'فور كي' (4K) بإشراف مخرجه 'فينشر'، وقد عُرض في قاعات السينما بتقنية آيماكس' (IMAX). ولا يزال جوهرة سينمائية مذهلة، جريئة وحزينة، لا تخلو من روح دعابة تتخلل أشد اللحظات قتامة.
أُصدر فيلم 'سبعة' منتصف التسعينيات، وسرعان ما أبهر الجماهير حول العالم، بسرده المظلم ومزاجه البصري الفريد، إلى جانب ذروة لا تنسى.
كان الفيلم في سياقه الزمني كابوسا عبثيا لنهاية القرن، وتعبيرا غاضبا عن نوع من الاغتراب وخيبة الأمل. والآن وبعد ثلاثة عقود من عرضه الأول لا يزال عالم الفيلم هو عالمنا، ولا يزال الإنسان هو الإنسان.
يلامس الفيلم سؤالين جوهريين متصلين: كيف يحافظ الإنسان على اتزانه في عالم اختل توازنه منذ زمن بعيد، مواصلا سقوطه الحر في فراغ الاحتمالات؟ ثم هل يمكن أن يولد أمل في وضع كهذا؟
'ليس كل شيء على ما يرام'.. عودة بعد انكسار
يقول المخرج الأمريكي 'ديفيد فينشر': يذهب بعض الجمهور إلى السينما لتذكيرهم بأن كل شيء على ما يرام، أنا لا أصنع مثل هذه الأفلام، وأراها نوعا من الخداع؛ فليس كل شيء على ما يرام.
حين وصل سيناريو 'سبعة' إلى يد 'فينشر' كان يداوي جراح الفشل المروع لفيلمه الأول 'الفضائي3' (Alien3) الذي عُرض عام 1992، وكان تجربة فظيعة تركته يائسا وغير راغب بالعودة لصناعة السينما.
يتذكر 'فينشر' إحساس الدهشة الذي منحه إياه سيناريو 'أندرو كيفن ووكر'، وما أعاد له من رغبة في الإخراج السينمائي مرة أخرى، وإن ظل متشككا في القدرة على تنفيذه ضمن المنظومة الهوليودية؛ فقد كان السيناريو معقدا ومظلما بشكل مذهل، وخاليا تماما من التنازلات.
هذا فيلم لن يمنحك أي طمأنينة عند نهايته، على عكس ما تفعله السينما الهوليودية. فـ'فينشر' يمسك بدقة بتفرد النص، ويصر على الحفاظ عليه كما هو، فما كان عليك أن تعلمه من تجربته الأولى هو أن عليك أن تكافح من أجل رؤيتك، لأنك وحدك من سيتلقى اللوم في النهاية.
ظلام مطلق يمزق عباءة البهجة في هوليود
جزء من غرابة الفيلم أنه فيلم 'تيار سائد' (Mainstream Cinema)، ففي النهاية هو فيلم 'براد بيت' الذي كان نجمه قد بدأ يلمع في هوليود، ويدور حول محققيْ شرطة يسعيان لإيقاف قاتل متسلسل يختار ضحاياه طبقا للخطايا السبع.
لكن تخمين النتيجة النهائية في الفيلم ضرب من المستحيل، ويصفه 'روجر إيبرت' في مقاله 'عظات مكتوبة بالدم' بأنه من أكثر الأفلام قتامة ووحشية على الإطلاق في التيار السائد لسينما هوليود.
كان الظلام المطلق الذي يسود الفيلم شيئا نادرا مما نراه في الأفلام الأمريكية يومئذ، فقد كانت سينما التسعينيات محافظة إلى حد بعيد، وترغب في إرضاء الجمهور، بتقديم ما هو متوقع ومطمئن، ومن هنا تأتي صدمة فيلم 'فينشر'.
هذا فيلم يصعب أيضا تصنيفه عند تحليله النهائي. نعم إنه يحوي كل العناصر التقليدية لأفلام الجريمة والغموض وسينما المحققين، لكنه في الطريق إلى نهايته الصادمة يقلب كل شيء رأسا على عقب. فقد خلق 'فينشر' هنا جمالية متفردة، معتمدا على نص 'ووكر'، وقد نسخت تلك الجمالية مرات عدة، وتركت أثرا باقيا على أفلام الجريمة التالية.
'الطريق من الجحيم إلى النور طويل وشاق'
تدور أحداث فيلم 'سبعة' في مدينة تظل مجهولة حتى النهاية، مدينة لا تكف سماؤها عن المطر، ولا يخفت ضجيجها أبدا، إنها حاضرة دائما لكنه حضور شبحي، فهي معزولة خلف النوافذ والمطر، إنها أشبه بمجسم معماري مثالي لعالم مظلم حتى النخاع، ففي كل زاوية جريمة، وكل شيء خارج عن السيطرة. هذه التفاصيل والدلالات عن عالم 'سبعة' تجعله يتجاوز فيلم الإثارة والجريمة القياسي.
العالم الفيلمي، وطبيعة الجرائم ذات الطابع التكفيري، وكذلك أساليب القتل، كلها أكثر انسجاما مع سينما الرعب. إذا كان للضحايا خطايا مميتة، فإن موتهم يأتي مروعا.
أستعيد مشهد التحقيق مع ذلك الرجل الذي أجبره القاتل على الرذيلة مع بائعة هوى بمدية قاتلة، أتذكر شحوب وجهه وارتعاد جسده كاملا، وصرخته 'ساعدني يا رب'، فيبدو لي وكأنه شاهد وحشا خارجا من فيلم مرعب.
يصف الطبيب ضحية أخرى لوحش 'جون دو' (الممثل كيفن سبايسي) بما يلي: 'لقد مر بتجربة من الألم والعذاب أكثر من أي إنسان آخر صادفته في حياتي، ولا يزال لديه الجحيم ليتطلع اليه'. تظل مفارقة الرعب الأكثر نفاذا في فيلم 'فينشر'، أنك حين تقابل الوحش في النهاية ستجده مجرد رجل عادي.
'الطريق الصاعد من الجحيم إلى النور طويل وشاق'. هكذا يعظ 'جون دو'، ويذهب 'سومرست' (الممثل مورغان فريمان) ليطالع الفردوس المفقود الذي اقتبس القاتل عظته منه، وهناك يطالع أيضا 'جحيم دانتي' وحكايات 'كانتربري لتشوسر'.
جحيم الرعب البارد يهز الأعماق
يقدم 'فينشر' لمحات من رسوم 'غوستاف دوري' لـ'جحيم دانتي'، لرؤى المعذبين هناك، بما في ذلك التصوير الشهير لامرأة لها أرجل عنكبوت. وهي لمحات تعزز أجواء الرعب في الفيلم.
لكن جحيم 'فينشر' بارد؛ يميل إلى ألوان باردة وغير مشبعة. تفتقر المساحات الداخلية إلى إضاءة كافية، فيبدو الأثاث الداخلي دافئا أحيانا مثل شقة 'سومرست' أو مسكن 'ميلز'، عبر اللون الأصفر الدافئ، لجعلها مساحات أمان قليلة داخل هذا الجحيم، لكنك تعرف أن الجحيم سيطال كل مكان في النهاية.
يستخدم 'فينشر' أيضا عدسات طويلة تعزل الشخصيات عن المحيط، معززة حس العزلة وعدم المبالاة، كما تضغط المساحات أيضا فتبدو الإطارات خانقة. فإذا كانت القتامة سمة رئيسية في سينما 'فينشر'، فلا يوجد من أفلامه ما هو أكثر قتامة من هذا الفيلم.
إذا كان فيلم الرعب الجيد يفعل دائما ما هو أكثر من إثارة اشمئزازنا، بصور مروعة ودموية، بل يخيفنا حقا بطريقة تهزنا حتى النخاع، عبر ملامسة مخاوفنا وقلقنا الحقيقي، فإن هذا ما يفعله سبعة.
ما الذي يثير رعب 'سومرست' حقا؟ إنه ليس شيئا يخضع لمنطق، وكل شيء بات خارج السيطرة وعصيا على الفهم أو التوقع.
يثير رعبه أيضا عدم مبالاة الناس، فهناك ظلمة باردة ومهددة عالقة في الأجواء، هذا هو الإحساس الذي يخلقه 'فينشر' هنا، في حين تركز أفلام الرعب الأخرى على الدماء، ولكن نادرا ما يسمح لنا 'فينشر' برؤية الطبيعة الكاملة لبشاعة الجرائم، بل تبقى الجرائم بعيدا عن الشاشة، تاركا الباقي لخيال المشاهد.
'لا بد أن يكون الأمر مخيفا'.. فلسفة الصورة
يقول المصور السينمائي 'داريوس خوندجي' إن 'ديفيد فينشر' حين أراد أول مرة أن يمنحه تصوره عن الفيلم همس له: لا بد أن يكون الأمر مخيفا.
ما هو مثير في صورة 'فينشر' هو عمق الظلام ووحدة الظلال، وهذا ما يحدد نغمة الفيلم المرئية الفريدة، فيمتزج الظلام الحقيقي مع ظلام الحكاية المجازي.
فيلم 'فينشر' ذو مظهر واقعي جدا، لكنه يلجأ لأسلبة واضحة للوصول لذلك المظهر، ويعكس مظهره ومزاجه الغريبان الانحلال الأخلاقي وعدم المبالاة الطاغية على سكان المكان، فنحن أمام عمل واقعي ذي جوهر تعبيري، وهو ما يقرّب 'سبعة' أيضا من سينما النوار.
'لن تكون لهذه الحكاية نهاية سعيدة'
نحن أمام فيلم يمزج تقاليد سينما الجريمة بسينما الرعب، ومع ذلك فإن قلبه ينتمي للفيلم الأسود أو الفيلم 'نوار' (بالفرنسية: Noir).
حين أتحدث هنا عن النوار، فإنني أتجاوز أسلوبيته البصرية، المعتمدة على التباين الواضح بين النور والظلال، أو حتى سرديات الجريمة والرغبات المريضة، بل أمضي نحو جوهر النوع، وهو التيار الخفي للتشاؤم بداخل هذه السرديات، الذي يقوض كل محاولة للنهايات السعيدة، ويمنع الأفلام من أن تجسد الهروب النموذجي، الذي أتقنته السينما الهوليودية التقليدية.
في لحظة قرب النهاية، يجلس المحقق 'سومرست' بجانب المحقق ميلز (الممثل براد بيت) في حانة، بعد أن رأيا ما يكفي من جرائم 'جون دو'، ثم يقول له: 'أتعرف أمرا؟ لن تكون لهذه الحكاية نهاية سعيدة'. فيرد 'ميلز': 'إذا اعتقلناه فسأكون سعيدا بما يكفي'.
يعرف كل من شاهد الفيلم ما سيشعر به 'ميلز حين يلقى 'جون دو' وجها لوجه. لا أعرف طريقة أخرى يمكن أن ينتهي بها الفيلم، لأنها ستكون في تناقض صارخ مع كل ما سبقها، في خصام مع قلب الفيلم نفسه، سيلفظها كأنها عضو لا يتوافق مع بقية الجسد.
السينما المظلمة.. عالم تتلاشى فيه حدود الخير والشر
يلاحظ الكاتب الأمريكي 'ألفريد أبل' في كتابه 'سينما نابوكوف المظلمة' بأن 'ما يوحد شتى أطياف الفيلم النوار، ويخلق شعبيتها، إلى جانب أسلوبها البصري المظلم ورؤيتها القاتمة لليأس والوحدة، هو تأكيد أن الدوافع والعواطف التي تحرك هذه الحكايات، هي دوافع وعواطف إنسانية مشتركة.
يطرح 'سبعة' هذه الأسئلة 'هل أصحاب الخطيئة مختلفون عنا؟ هل نحمل جميعا إمكانية الخطيئة بداخلنا؟ هل نحن جميعا قادرون على فعل الشر؟
في سينما النوار، يتلاشى الخط الفاصل بين الخير والشر، لأن الشخصيات تدفع نحو ظروف قصوى للوجود. هذا ما يدركه 'سومرست' من البداية، فلا فرق بين 'نحن' و'هم'، بين الخاطئين والأبرياء.
يرفض 'سومرست' دائما محاولة 'ميلز' إلصاق تهمة الجنون بالقاتل الذي يتعقبانه معا، ويخبره أنه إذا اتضح لهم أنه الشيطان نفسه، فهذا ما سيخالف توقعه، لأنه يعرف جيدا أنه مجرد إنسان آخر.
مدينة الفيلم.. فخ يغرق الأبطال في متاهة حقيقية
يعرف بطل الفيلم الأسود كيف يحافظ على انخراطه العاطفي في حده الأدنى، مما يمنحه لونا من القوة، لكنه يعمده بوحدة يظن أنها تحميه من أن ينكسر قلبه. يناسب 'سومرست' هذا الوصف بسهولة. إنه المحقق القادم من الأيام الخوالي إلى عالم حديث أنهكه تغيره.
يمثل 'سومرست' البطل التقليدي للنوار الكلاسيكي، الذي تتناقض حكمته المحبطة عن الحياة مع الحماس المتفائل للمحقق 'ميلز' الغريب، الذي يأتي إلى المدينة بنيات طيبة، وبينما يتعمق أكثر فأكثر في متاهتها، يقع ضحية لإرادة المدينة.
عالم الفيلم الأسود هو عالم بلا مخرج، مثل متاهة حقيقية. توفر مدينة 'سبعة' فخا لشخصيات الفيلم، كما تعكس المسار المتحول الذي يتبعه البطل على طول متاهته الداخلية.
ملامح شخصيات رسمتها أثقال الزمان
في الفيلم 3 شخصيات كبرى، تحمل عبء الوجود في هذا العالم، وهم 'سومرست' و'ميلز' و'جون دو'، وتمثل 'تريسي' زوجة 'ميلز' (الممثلة غوينيث بالترو) لمسة اللطف الوحيدة هنا في هذا الجحيم، ويبرر مقتلها انفجار 'ميلز' الأخير.
يحتل 'سومرست' الشاشة من البداية إلى النهاية، كما تمثل شخصيته سمة الفيلم الرئيسية، فرحلته الداخلية هي التي تغلق قوس السرد والمعنى، وتشكل سمة عدم المبالاة في عالم مليء بالخطايا المميتة فكر السرد.
يقول 'سومرست' في حديثه مع 'ميلز': 'الناس لا يريدون بطلا. إنهم يريدون أكل شطائر البرغر بالجبن، ومشاهدة التلفزيون'. أما 'ميلز' فهو النقيض في جدل الحكاية.
يفرط السيناريو في إيجاد تناقضات الشخصيتين، بداية من تحكم الأول في مشاعره لحدودها القصوى، في حين يتغذى الآخر على مشاعره، وصولا لأبسط التفاصيل، كأن يربط 'سومرست' عقدة عنقه بصبر وأناة، ويضع 'ميلز' نافذ الصبر عقدة عنق جاهزة.
كل ما يريده 'سومرست' هو الخروج من قوة الشرطة، والهروب من هذا المكان، الذي لم تعد له بوصلة يمكن الاهتداء بها في ظلماته، فيقول في يأس: لم أعد أفهم هذا المكان.
أما 'ميلز' فهو ضحية تصوره عن نفسه، بصفته المحارب الوحيد لظلام العالم، في صباحه الأول في هذا المكان يودع زوجته قائلا: 'على سيربيكو أن يذهب إلى عمله'، و'سيربيكو' هو بطل فيلم يحمل الاسم نفسه، قام ببطولته 'آل باتشينو'، وأخرجه 'سيدني لوميت'، ويدور حول شرطي يقف وحيدا في وجه الفساد.
يأتي 'جون دو' من أرضية اليأس الذي يخرج منها 'سومرست'، لكنه يرى نفسه عميل الرب الغامض، الذي يحمل مطرقته الثقيلة ضد الخاطئين وغير المبالين، ليسنّ سنة لمن سيأتي من بعده ويمضي على دربه.
وحده 'سومرست' ليست لديه تصورات مضللة عن ذاته، فنراه في الليلة الأولى يأوي إلى سريره مع 'المترونوم' ولا يزال يتناهى إلى سمعه ضجيج العالم. ويبدأ الضجيج يتلاشى مع علو صوت 'المترونوم'، حتى يصبح الصوت الأعلى، وحينها تسترخي ملامحه وينام. هذا العالم يؤرقه تماما لدرجة تجعل النوم هدية انفصاله عنه.
'سومرست'.. شخصية تتجسد بين جملتين
تصير رحلة 'ميلز' متضمنة في رحلة الرعب الكبيرة في الفيلم، فيصير ممثلا لإحدى الخطايا، وجزءا من لعبة 'جون دو' السادية.
تمثل رحلة 'سومرست' المسافة بين جملتين في الفيلم؛ هما 'إلى مكان بعيد هنا'، حين يستقل سيارة أجرة في بداية الفيلم، لتقله من قلب المدينة، والأخرى 'سأكون بالجوار' في نهاية الفيلم، مجيبا سؤال رئيسه بالعمل عما سيفعله الآن.
رفض 'سومرست' كلفة الحب، حين تخلى عن المرأة التي أحبها، والولد الذي تمناه في قلبه، لكن هذا عالم لا يمكنك أن تعيش فيه ولا ينكسر قلبك؛ لقد أحب 'ميلز' وزوجته، لهذا نراه محطما في النهاية.
حتى لو لم يقع 'سومرست' في الحب مرة أخرى، فقد اكتشف عبر رحلته أن عليه أن يظل هنا، عليه أن يفعل ما يستطيعه، فهناك دائما ما يستحق الإنقاذ.
مصباح تهتدي به الأفلام المظلمة
تتجسد قمة رعب هذا الفيلم في مشهد النهاية، حين يجرى 'سومرست' لاهثا باتجاه 'ميلز'، الذي يصوب سلاحه تجاه 'جون دو' المقيد بالسلاسل، في حين يخبر المراقبين أن لدى 'جون دو' اليد العليا.
منذ فيلم 'سبعة'، أصبح مألوفا وصف الأفلام القاسية والقاتمة بأنها 'مظلمة'. إنه فيلم ذو إرث حقيقي؛ ترك بصمة واضحة على السينما من بعده، وربما المسلسلات أيضا.
أفلام مثل 'المنشار' أو 'باتمان' نسخة 'مات ريفيس' أو مسلسل كبير مثل 'المحقق الحقيقي' (True Detective)، كلها تدين بشيء حقيقي لتحفة 'فينشر'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
'سبعة'.. ظلام مرعب بارد صنع مدرسة فنية وإرثا سينمائيا
متى يسمح لنا بوصف فيلم ما بأنه كلاسيكي أو تحفة فنية؟ أرى أن ثلاثين عاما تكفي، ومع ذلك فإني أرى فيلم 'سبعة' (Se7en) لـ'ديفيد فينشر' كلاسيكية معاصرة قبل ذلك بكثير. لا أظن أن هذه التحفة ستخلو منها أي قائمة لأفضل أفلام القتلة المتسلسلين، وهي نوع فرعي لسينما الجريمة والغموض. شاهدت الفيلم مرة أخرى مع إعادة إصداره في ترميم جديد بدقة 'فور كي' (4K) بإشراف مخرجه 'فينشر'، وقد عُرض في قاعات السينما بتقنية آيماكس' (IMAX). ولا يزال جوهرة سينمائية مذهلة، جريئة وحزينة، لا تخلو من روح دعابة تتخلل أشد اللحظات قتامة. أُصدر فيلم 'سبعة' منتصف التسعينيات، وسرعان ما أبهر الجماهير حول العالم، بسرده المظلم ومزاجه البصري الفريد، إلى جانب ذروة لا تنسى. كان الفيلم في سياقه الزمني كابوسا عبثيا لنهاية القرن، وتعبيرا غاضبا عن نوع من الاغتراب وخيبة الأمل. والآن وبعد ثلاثة عقود من عرضه الأول لا يزال عالم الفيلم هو عالمنا، ولا يزال الإنسان هو الإنسان. يلامس الفيلم سؤالين جوهريين متصلين: كيف يحافظ الإنسان على اتزانه في عالم اختل توازنه منذ زمن بعيد، مواصلا سقوطه الحر في فراغ الاحتمالات؟ ثم هل يمكن أن يولد أمل في وضع كهذا؟ 'ليس كل شيء على ما يرام'.. عودة بعد انكسار يقول المخرج الأمريكي 'ديفيد فينشر': يذهب بعض الجمهور إلى السينما لتذكيرهم بأن كل شيء على ما يرام، أنا لا أصنع مثل هذه الأفلام، وأراها نوعا من الخداع؛ فليس كل شيء على ما يرام. حين وصل سيناريو 'سبعة' إلى يد 'فينشر' كان يداوي جراح الفشل المروع لفيلمه الأول 'الفضائي3' (Alien3) الذي عُرض عام 1992، وكان تجربة فظيعة تركته يائسا وغير راغب بالعودة لصناعة السينما. يتذكر 'فينشر' إحساس الدهشة الذي منحه إياه سيناريو 'أندرو كيفن ووكر'، وما أعاد له من رغبة في الإخراج السينمائي مرة أخرى، وإن ظل متشككا في القدرة على تنفيذه ضمن المنظومة الهوليودية؛ فقد كان السيناريو معقدا ومظلما بشكل مذهل، وخاليا تماما من التنازلات. هذا فيلم لن يمنحك أي طمأنينة عند نهايته، على عكس ما تفعله السينما الهوليودية. فـ'فينشر' يمسك بدقة بتفرد النص، ويصر على الحفاظ عليه كما هو، فما كان عليك أن تعلمه من تجربته الأولى هو أن عليك أن تكافح من أجل رؤيتك، لأنك وحدك من سيتلقى اللوم في النهاية. ظلام مطلق يمزق عباءة البهجة في هوليود جزء من غرابة الفيلم أنه فيلم 'تيار سائد' (Mainstream Cinema)، ففي النهاية هو فيلم 'براد بيت' الذي كان نجمه قد بدأ يلمع في هوليود، ويدور حول محققيْ شرطة يسعيان لإيقاف قاتل متسلسل يختار ضحاياه طبقا للخطايا السبع. لكن تخمين النتيجة النهائية في الفيلم ضرب من المستحيل، ويصفه 'روجر إيبرت' في مقاله 'عظات مكتوبة بالدم' بأنه من أكثر الأفلام قتامة ووحشية على الإطلاق في التيار السائد لسينما هوليود. كان الظلام المطلق الذي يسود الفيلم شيئا نادرا مما نراه في الأفلام الأمريكية يومئذ، فقد كانت سينما التسعينيات محافظة إلى حد بعيد، وترغب في إرضاء الجمهور، بتقديم ما هو متوقع ومطمئن، ومن هنا تأتي صدمة فيلم 'فينشر'. هذا فيلم يصعب أيضا تصنيفه عند تحليله النهائي. نعم إنه يحوي كل العناصر التقليدية لأفلام الجريمة والغموض وسينما المحققين، لكنه في الطريق إلى نهايته الصادمة يقلب كل شيء رأسا على عقب. فقد خلق 'فينشر' هنا جمالية متفردة، معتمدا على نص 'ووكر'، وقد نسخت تلك الجمالية مرات عدة، وتركت أثرا باقيا على أفلام الجريمة التالية. 'الطريق من الجحيم إلى النور طويل وشاق' تدور أحداث فيلم 'سبعة' في مدينة تظل مجهولة حتى النهاية، مدينة لا تكف سماؤها عن المطر، ولا يخفت ضجيجها أبدا، إنها حاضرة دائما لكنه حضور شبحي، فهي معزولة خلف النوافذ والمطر، إنها أشبه بمجسم معماري مثالي لعالم مظلم حتى النخاع، ففي كل زاوية جريمة، وكل شيء خارج عن السيطرة. هذه التفاصيل والدلالات عن عالم 'سبعة' تجعله يتجاوز فيلم الإثارة والجريمة القياسي. العالم الفيلمي، وطبيعة الجرائم ذات الطابع التكفيري، وكذلك أساليب القتل، كلها أكثر انسجاما مع سينما الرعب. إذا كان للضحايا خطايا مميتة، فإن موتهم يأتي مروعا. أستعيد مشهد التحقيق مع ذلك الرجل الذي أجبره القاتل على الرذيلة مع بائعة هوى بمدية قاتلة، أتذكر شحوب وجهه وارتعاد جسده كاملا، وصرخته 'ساعدني يا رب'، فيبدو لي وكأنه شاهد وحشا خارجا من فيلم مرعب. يصف الطبيب ضحية أخرى لوحش 'جون دو' (الممثل كيفن سبايسي) بما يلي: 'لقد مر بتجربة من الألم والعذاب أكثر من أي إنسان آخر صادفته في حياتي، ولا يزال لديه الجحيم ليتطلع اليه'. تظل مفارقة الرعب الأكثر نفاذا في فيلم 'فينشر'، أنك حين تقابل الوحش في النهاية ستجده مجرد رجل عادي. 'الطريق الصاعد من الجحيم إلى النور طويل وشاق'. هكذا يعظ 'جون دو'، ويذهب 'سومرست' (الممثل مورغان فريمان) ليطالع الفردوس المفقود الذي اقتبس القاتل عظته منه، وهناك يطالع أيضا 'جحيم دانتي' وحكايات 'كانتربري لتشوسر'. جحيم الرعب البارد يهز الأعماق يقدم 'فينشر' لمحات من رسوم 'غوستاف دوري' لـ'جحيم دانتي'، لرؤى المعذبين هناك، بما في ذلك التصوير الشهير لامرأة لها أرجل عنكبوت. وهي لمحات تعزز أجواء الرعب في الفيلم. لكن جحيم 'فينشر' بارد؛ يميل إلى ألوان باردة وغير مشبعة. تفتقر المساحات الداخلية إلى إضاءة كافية، فيبدو الأثاث الداخلي دافئا أحيانا مثل شقة 'سومرست' أو مسكن 'ميلز'، عبر اللون الأصفر الدافئ، لجعلها مساحات أمان قليلة داخل هذا الجحيم، لكنك تعرف أن الجحيم سيطال كل مكان في النهاية. يستخدم 'فينشر' أيضا عدسات طويلة تعزل الشخصيات عن المحيط، معززة حس العزلة وعدم المبالاة، كما تضغط المساحات أيضا فتبدو الإطارات خانقة. فإذا كانت القتامة سمة رئيسية في سينما 'فينشر'، فلا يوجد من أفلامه ما هو أكثر قتامة من هذا الفيلم. إذا كان فيلم الرعب الجيد يفعل دائما ما هو أكثر من إثارة اشمئزازنا، بصور مروعة ودموية، بل يخيفنا حقا بطريقة تهزنا حتى النخاع، عبر ملامسة مخاوفنا وقلقنا الحقيقي، فإن هذا ما يفعله سبعة. ما الذي يثير رعب 'سومرست' حقا؟ إنه ليس شيئا يخضع لمنطق، وكل شيء بات خارج السيطرة وعصيا على الفهم أو التوقع. يثير رعبه أيضا عدم مبالاة الناس، فهناك ظلمة باردة ومهددة عالقة في الأجواء، هذا هو الإحساس الذي يخلقه 'فينشر' هنا، في حين تركز أفلام الرعب الأخرى على الدماء، ولكن نادرا ما يسمح لنا 'فينشر' برؤية الطبيعة الكاملة لبشاعة الجرائم، بل تبقى الجرائم بعيدا عن الشاشة، تاركا الباقي لخيال المشاهد. 'لا بد أن يكون الأمر مخيفا'.. فلسفة الصورة يقول المصور السينمائي 'داريوس خوندجي' إن 'ديفيد فينشر' حين أراد أول مرة أن يمنحه تصوره عن الفيلم همس له: لا بد أن يكون الأمر مخيفا. ما هو مثير في صورة 'فينشر' هو عمق الظلام ووحدة الظلال، وهذا ما يحدد نغمة الفيلم المرئية الفريدة، فيمتزج الظلام الحقيقي مع ظلام الحكاية المجازي. فيلم 'فينشر' ذو مظهر واقعي جدا، لكنه يلجأ لأسلبة واضحة للوصول لذلك المظهر، ويعكس مظهره ومزاجه الغريبان الانحلال الأخلاقي وعدم المبالاة الطاغية على سكان المكان، فنحن أمام عمل واقعي ذي جوهر تعبيري، وهو ما يقرّب 'سبعة' أيضا من سينما النوار. 'لن تكون لهذه الحكاية نهاية سعيدة' نحن أمام فيلم يمزج تقاليد سينما الجريمة بسينما الرعب، ومع ذلك فإن قلبه ينتمي للفيلم الأسود أو الفيلم 'نوار' (بالفرنسية: Noir). حين أتحدث هنا عن النوار، فإنني أتجاوز أسلوبيته البصرية، المعتمدة على التباين الواضح بين النور والظلال، أو حتى سرديات الجريمة والرغبات المريضة، بل أمضي نحو جوهر النوع، وهو التيار الخفي للتشاؤم بداخل هذه السرديات، الذي يقوض كل محاولة للنهايات السعيدة، ويمنع الأفلام من أن تجسد الهروب النموذجي، الذي أتقنته السينما الهوليودية التقليدية. في لحظة قرب النهاية، يجلس المحقق 'سومرست' بجانب المحقق ميلز (الممثل براد بيت) في حانة، بعد أن رأيا ما يكفي من جرائم 'جون دو'، ثم يقول له: 'أتعرف أمرا؟ لن تكون لهذه الحكاية نهاية سعيدة'. فيرد 'ميلز': 'إذا اعتقلناه فسأكون سعيدا بما يكفي'. يعرف كل من شاهد الفيلم ما سيشعر به 'ميلز حين يلقى 'جون دو' وجها لوجه. لا أعرف طريقة أخرى يمكن أن ينتهي بها الفيلم، لأنها ستكون في تناقض صارخ مع كل ما سبقها، في خصام مع قلب الفيلم نفسه، سيلفظها كأنها عضو لا يتوافق مع بقية الجسد. السينما المظلمة.. عالم تتلاشى فيه حدود الخير والشر يلاحظ الكاتب الأمريكي 'ألفريد أبل' في كتابه 'سينما نابوكوف المظلمة' بأن 'ما يوحد شتى أطياف الفيلم النوار، ويخلق شعبيتها، إلى جانب أسلوبها البصري المظلم ورؤيتها القاتمة لليأس والوحدة، هو تأكيد أن الدوافع والعواطف التي تحرك هذه الحكايات، هي دوافع وعواطف إنسانية مشتركة. يطرح 'سبعة' هذه الأسئلة 'هل أصحاب الخطيئة مختلفون عنا؟ هل نحمل جميعا إمكانية الخطيئة بداخلنا؟ هل نحن جميعا قادرون على فعل الشر؟ في سينما النوار، يتلاشى الخط الفاصل بين الخير والشر، لأن الشخصيات تدفع نحو ظروف قصوى للوجود. هذا ما يدركه 'سومرست' من البداية، فلا فرق بين 'نحن' و'هم'، بين الخاطئين والأبرياء. يرفض 'سومرست' دائما محاولة 'ميلز' إلصاق تهمة الجنون بالقاتل الذي يتعقبانه معا، ويخبره أنه إذا اتضح لهم أنه الشيطان نفسه، فهذا ما سيخالف توقعه، لأنه يعرف جيدا أنه مجرد إنسان آخر. مدينة الفيلم.. فخ يغرق الأبطال في متاهة حقيقية يعرف بطل الفيلم الأسود كيف يحافظ على انخراطه العاطفي في حده الأدنى، مما يمنحه لونا من القوة، لكنه يعمده بوحدة يظن أنها تحميه من أن ينكسر قلبه. يناسب 'سومرست' هذا الوصف بسهولة. إنه المحقق القادم من الأيام الخوالي إلى عالم حديث أنهكه تغيره. يمثل 'سومرست' البطل التقليدي للنوار الكلاسيكي، الذي تتناقض حكمته المحبطة عن الحياة مع الحماس المتفائل للمحقق 'ميلز' الغريب، الذي يأتي إلى المدينة بنيات طيبة، وبينما يتعمق أكثر فأكثر في متاهتها، يقع ضحية لإرادة المدينة. عالم الفيلم الأسود هو عالم بلا مخرج، مثل متاهة حقيقية. توفر مدينة 'سبعة' فخا لشخصيات الفيلم، كما تعكس المسار المتحول الذي يتبعه البطل على طول متاهته الداخلية. ملامح شخصيات رسمتها أثقال الزمان في الفيلم 3 شخصيات كبرى، تحمل عبء الوجود في هذا العالم، وهم 'سومرست' و'ميلز' و'جون دو'، وتمثل 'تريسي' زوجة 'ميلز' (الممثلة غوينيث بالترو) لمسة اللطف الوحيدة هنا في هذا الجحيم، ويبرر مقتلها انفجار 'ميلز' الأخير. يحتل 'سومرست' الشاشة من البداية إلى النهاية، كما تمثل شخصيته سمة الفيلم الرئيسية، فرحلته الداخلية هي التي تغلق قوس السرد والمعنى، وتشكل سمة عدم المبالاة في عالم مليء بالخطايا المميتة فكر السرد. يقول 'سومرست' في حديثه مع 'ميلز': 'الناس لا يريدون بطلا. إنهم يريدون أكل شطائر البرغر بالجبن، ومشاهدة التلفزيون'. أما 'ميلز' فهو النقيض في جدل الحكاية. يفرط السيناريو في إيجاد تناقضات الشخصيتين، بداية من تحكم الأول في مشاعره لحدودها القصوى، في حين يتغذى الآخر على مشاعره، وصولا لأبسط التفاصيل، كأن يربط 'سومرست' عقدة عنقه بصبر وأناة، ويضع 'ميلز' نافذ الصبر عقدة عنق جاهزة. كل ما يريده 'سومرست' هو الخروج من قوة الشرطة، والهروب من هذا المكان، الذي لم تعد له بوصلة يمكن الاهتداء بها في ظلماته، فيقول في يأس: لم أعد أفهم هذا المكان. أما 'ميلز' فهو ضحية تصوره عن نفسه، بصفته المحارب الوحيد لظلام العالم، في صباحه الأول في هذا المكان يودع زوجته قائلا: 'على سيربيكو أن يذهب إلى عمله'، و'سيربيكو' هو بطل فيلم يحمل الاسم نفسه، قام ببطولته 'آل باتشينو'، وأخرجه 'سيدني لوميت'، ويدور حول شرطي يقف وحيدا في وجه الفساد. يأتي 'جون دو' من أرضية اليأس الذي يخرج منها 'سومرست'، لكنه يرى نفسه عميل الرب الغامض، الذي يحمل مطرقته الثقيلة ضد الخاطئين وغير المبالين، ليسنّ سنة لمن سيأتي من بعده ويمضي على دربه. وحده 'سومرست' ليست لديه تصورات مضللة عن ذاته، فنراه في الليلة الأولى يأوي إلى سريره مع 'المترونوم' ولا يزال يتناهى إلى سمعه ضجيج العالم. ويبدأ الضجيج يتلاشى مع علو صوت 'المترونوم'، حتى يصبح الصوت الأعلى، وحينها تسترخي ملامحه وينام. هذا العالم يؤرقه تماما لدرجة تجعل النوم هدية انفصاله عنه. 'سومرست'.. شخصية تتجسد بين جملتين تصير رحلة 'ميلز' متضمنة في رحلة الرعب الكبيرة في الفيلم، فيصير ممثلا لإحدى الخطايا، وجزءا من لعبة 'جون دو' السادية. تمثل رحلة 'سومرست' المسافة بين جملتين في الفيلم؛ هما 'إلى مكان بعيد هنا'، حين يستقل سيارة أجرة في بداية الفيلم، لتقله من قلب المدينة، والأخرى 'سأكون بالجوار' في نهاية الفيلم، مجيبا سؤال رئيسه بالعمل عما سيفعله الآن. رفض 'سومرست' كلفة الحب، حين تخلى عن المرأة التي أحبها، والولد الذي تمناه في قلبه، لكن هذا عالم لا يمكنك أن تعيش فيه ولا ينكسر قلبك؛ لقد أحب 'ميلز' وزوجته، لهذا نراه محطما في النهاية. حتى لو لم يقع 'سومرست' في الحب مرة أخرى، فقد اكتشف عبر رحلته أن عليه أن يظل هنا، عليه أن يفعل ما يستطيعه، فهناك دائما ما يستحق الإنقاذ. مصباح تهتدي به الأفلام المظلمة تتجسد قمة رعب هذا الفيلم في مشهد النهاية، حين يجرى 'سومرست' لاهثا باتجاه 'ميلز'، الذي يصوب سلاحه تجاه 'جون دو' المقيد بالسلاسل، في حين يخبر المراقبين أن لدى 'جون دو' اليد العليا. منذ فيلم 'سبعة'، أصبح مألوفا وصف الأفلام القاسية والقاتمة بأنها 'مظلمة'. إنه فيلم ذو إرث حقيقي؛ ترك بصمة واضحة على السينما من بعده، وربما المسلسلات أيضا. أفلام مثل 'المنشار' أو 'باتمان' نسخة 'مات ريفيس' أو مسلسل كبير مثل 'المحقق الحقيقي' (True Detective)، كلها تدين بشيء حقيقي لتحفة 'فينشر'.


الجزيرة
٠٦-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
سان جيرمان أول من طبق الفكرة.. نظارات الواقع الافتراضي تغزو الرياضة
خلال السنوات القليلة المقبلة سيشهد عالم الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص ثورة في مجال البث الافتراضي للمباريات، بحيث يمكن لمئات الآلاف من المشجعين حضور مباريات فرقهم وكأنهم على المدرجات. وذكرت صحيفة "ماركا" الإسبانية أن نظارات الواقع الافتراضي بدأت فعليا في إحداث ثورة رياضية، بعد نجاح تجربة بث مباراة باريس سان جيرمان وموناكو في الدوري الفرنسي بهذه التقنية، وذلك في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وعن ذلك قالت الصحيفة "كان النادي الباريسي أول نادٍ يحقق تصور فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد في رؤية ملعب سانتياغو برنابيو بسعة لا نهائية"، في إشارة إلى إمكانية إضافة ملايين المشجعين لمشاهدة مباريات الفريق وتشجيعه من المنزل، إلى جانب 80 ألفا متواجدين على مدرجات الملعب الشهير. وتتيح هذه النظارات لعشاق كرة القدم مشاهدة المباراة من منازلهم وكأنهم في الملعب باستخدام كاميرات 360 درجة موزعة داخله. وبإمكان الشخص اختيار زاوية المشاهدة كما يشاء وكأنه مخرج المباراة، وهو جالس على أريكة منزله أو حتى على السرير لكنه سيشعر وكأنه وسط المشجعين على المدرجات حيث يرى كل شيء من حوله بزاوية 360 درجة ويستمع لصوت الجماهير بتقنية ثلاثية الأبعاد، كل ذلك دون التعرض للبرد أو الحر. وعن تطبيق ذلك تقول الصحيفة "الفكرة ليست باهظة الثمن من الناحية التقنية كما أن الكاميرات المستخدمة صغيرة جدا ولا تؤثر على تجربة الجماهير في الملعب، لكن التحدي الأكبر هو بث المباريات بشكل مستقر وعالي الجودة لمئات الآلاف من المشتركين في الوقت نفسه". فهذه التقنية تدعم البث بجودة 4K و8K لكن ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على نوع النظارات المستخدمة مع ضرورة توفّر اتصال جيد بالألياف البصرية حتى يحصل الجميع على تجربة مشاهدة ممتازة. وصرّح بيريز في وقت سابق "سيأتي يوم يكون لدينا 300 ألف مشجع لكن بدون تذاكر موسمية إلا إذا بنينا ملعبا ضخما بلا سعة نهائية". وأضاف "أدرس التعاون مع شركة آبل فالأمر سهل جدا، مع هذه النظارات يمكن أن تحصل على تذكرة موسمية افتراضية وتشاهد المباريات وكأنك داخل الملعب، بل أقول إنها أفضل من المشاهدة من الملعب نفسه". وعدّدت الصحيفة بعضا من فوائد هذا المشروع وهي: يتيح للأندية التواصل مباشرة مع جماهيرها حول العالم كل أسبوعين. يُنهي مشكلة إعادة بيع التذاكر. تجربة ثرية للجماهير لحضور المباريات دون الحاجة للسفر أو دفع مبالغ ضخمة. أتلتيكو مدريد السباق في إسبانيا بدأ أتلتيكو مدريد بالفعل في بث مبارياته لكبار الشخصيات باستخدام نظارات الواقع الافتراضي من داخل ملعب واندا ميتروبوليتانو وهو أحد أفضل الملاعب المجهزة بالاتصال السريع. ووضع مسؤولو النادي المدريدي 4 كاميرات بزاوية 360 درجة توزّعت في نفق اللاعبين، المرمى، منطقة الصحافة ومركز التحكم في البث. وكشفت "ماركا" عن نتيجة هذه التجربة فقالت "بعض المشاهدين أُصيبوا بالذعر عندما يسدد أحد اللاعبين الكرة نحو المرمى حيث يشعرون وكأن الكرة في طريقها إليهم مباشرة". أما أحد مسؤولي أتلتيكو مدريد فقال "الناس مندهشون من هذه التجربة، حيث بات بإمكانهم دخول مناطق لم يكن مسموحا بها من قبل والاستمتاع بالمشاهدة وكأنهم داخل الملعب، كل ذلك من بيوتهم". ويُمكن استيعاب نحو نصف مليون مشاهد للمباراة في الوقت نفسه ومن أي مكان بالعالم إذا تمت إدارة الخوادم بشكل صحيح. ويؤكد خواكين مارتينيز الرئيس التنفيذي لشركة "بي ستديوم" (Bstadium) أن هذه التقنية جاهزة للاستخدام ولكنها ليست مثالية بشكل كامل. وقال "التقنية موجودة بالفعل لكن ليست جاهزة للجميع بعد، مشاهدة مباراة كاملة لمدة 90 دقيقة بالنظارات قد تكون متعبة جدا". البدائل المتوفرة لهذه التقنية بدلا من ارتداء النظارات يكمن الحل في بث المباريات على شاشات ضخمة بزاوية 360 درجة عبر نظام يُطلق عليه "الحانة الغامرة" (Immersive Bar). فعلي سبيل المثال تم بث مباراة مانشستر يونايتد وفولهام في افتتاح الموسم الحالي من الدوري الإنجليزي في مدينة لوس أنجلوس الأميركية داخل مقهى، حيث جلس المشجعون فيه وهم يشعرون كأنهم داخل ملعب أولد ترافورد. ومن المتوقع أن يصل سوق الواقع الافتراضي في الرياضة إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2027، مما يجعل هذه التكنولوجيا فرصة ذهبية للأندية الكبرى.


الجزيرة
١٣-١١-٢٠٢٤
- الجزيرة
نجل العقاد عمل على المشروع 3 سنوات.. عرض نسخة مرممة من "عمر المختار" بالقاهرة
من المنتظر أن تشهد النسخة الـ45 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عرض نسخة مرممة بدقة "كيه 4" (4K) من فيلم "عمر المختار" الذي حملت نسخته الإنجليزية اسم "أسد الصحراء" (Lion of the Desert). ويروي الفيلم قصة المجاهد الليبي الشهير عمر المختار ضد الاحتلال الإيطالي ونضاله ضد قوّات الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني. وقد أخرجه وأنتجه السوري الأميركي الراحل مصطفى العقاد، ويشارك في بطولته نخبة من النجوم، من بينهم أوليفر ريد وأنتوني كوين. وبحسب مجلة "فاراييتي" الأميركية، فقد قامت شركة "ترانكاس إنترناشيونال فيلمز" بترميم العمل الصادر سنة 1981، بالتعاون مع أستوديوهات "ديلاكس" في لندن و"برايفت آيلند ساوند" في هوليود. وشملت هذه العملية تحسين جودة المشاهد الصحراوية الخلابة والمعارك الملحمية للفيلم، إضافة إلى إحياء الموسيقى التصويرية للمؤلف موريس جار. وفي مقابلة "فاراييتي" قال مالك نجل المخرج مصطفى العقاد"كان هذا العمل بالنسبة لي مشروع حب ووفاء. عملية الترميم شملت ثلاثة من أفلام والدي: (الرسالة)، والنسخة الإنجليزية من نفس الفيلم بعنوان (Ar-Risalah)، و(أسد الصحراء). وكل فيلم يتجاوز طوله 3 ساعات، مما جعل العملية تستغرق أكثر من 3 سنوات". وأضاف العقاد الابن "قمنا بمسح كل إطار من الفيلم، وتصحيح العيوب والخدوش، وتحسين درجات الألوان، وأعدنا مزج الصوت بالكامل. كان العمل مرهقا للغاية، لكن النتيجة النهائية جعلت كل هذا الجهد مستحقا". أما الرئيس التنفيذي لشركة "فرونت رو فيلمد إنترتينمنت" جيانلوكا شاكرا، فأشار بدوره إلى الأهمية الثقافية لترميم هذا النوع من الأفلام. وفي تصريح للمجلة الأميركية، قال شاكرا إن "ترميم أفلام مثل (أسد الصحراء) يُعد جزءا من الحفاظ على التراث الثقافي العالمي. وهذه الأفلام تروي قصصا خالدة عن الصمود الإنساني والنضال من أجل العدالة. ومن خلال إعادة إحيائها، نضمن استمرار هذه القصص في إلهام الأجيال القادمة وتذكيرهم بالأحداث التاريخية التي شكلت عالمنا". وفي فيلم "عمر المختار" يؤدي الممثل البريطاني أوليفر ريد دور الجنرال غراتسياني الذي كلفه موسوليني (رود ستايغر) بسحق الثورة الليبية التي وقفت في وجه خطط الدكتاتور الإيطالي لتأسيس "الشاطئ الرابع" والذي كان من المفترض أن يكون حجر الزاوية في إعادة بعث الإمبراطورية الرومانية. أما الممثل الأميركي كوين، فيلعب دور الثائر الليبي عمر المختار الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي. ولاقى "عمر المختار" أو "أسد الصحراء" استحسان النقاد لدى عرضه سنة 1981، فقال عنه المؤرخ السينمائي ستيوارت غالبرايث إنه يقدم "نظرة رائعة داخل جانب من الثقافة العربية ذي أهمية عميقة لكنه غير معروف عمليًا خارج شمال أفريقيا والعالم العربي. وأسد الصحراء قصة ملحمية على طراز سبارتاكوس وقصة داود ضد جالوت التي تستحق احترامًا أكبر مما حصلت عليه حتى الآن. وربما (لا يعد) فيلمًا عظيمًا، لكنه يصبح مثيرًا للاهتمام بحلول نهايته". أما الناقد السينمائي فنسنت كانبي، فقال -عبر صحيفة نيويورك تايمز- إن هذا الفيلم قدم "مشاهد ملحمية وسلسلة شبه متواصلة من المعارك الكبرى". يُذكر أن إيطاليا حظرت عرض "عمر المختار" إبان طرحه عالمياً، إذ قال رئيس الوزراء آنذاك جوليو أندريوتي إنه يسيء إلى قوات بلاده المسلحة. لكنه عرض لاحقاً سنة 2009، خلال زيارة رسمية للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي إلى هذا البلد.