
غوتيريس ينتقد انعدام الإنسانية بحق غزة: الكلمات لا تُشبع الجائعين
أنطونيو غوتيريس
الصورة
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس
أنطونيو غوتيريس سياسي ودبلوماسي برتغالي، ولد في مدينة لشبونة البرتغالية في 30 إبريل/ نيسان عام 1949، شغل منصب رئيس وزراء البرتغال من عام 1995 إلى عام 2002، ومنصب المفوض السامي للأمم المتحدة بين 2005 و2015، ويشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة منذ عام 2017، وهو الشخص التاسع الذي يحمل هذا اللقب في تاريخ المنظمة
، الجمعة، انتفاء "الإنسانية" و"التعاطف" مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذي لا يعاني من أزمة إنسانية فحسب، بل "أزمة أخلاقية تشكل تحدياً للضمير العالمي"، وذلك مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وأزمة الجوع المميتة. وقال في كلمة عبر الفيديو لمنظمة العفو الدولية "لا أستطيع تفسير مدى اللامبالاة والتقاعس الذي نراه من كثر في المجتمع الدولي. انعدام التعاطف. انعدام الحقيقة. انعدام الإنسانية".
وأضاف "هذه ليست مجرد أزمة إنسانية، بل هي أزمة أخلاقية تشكّل تحدياً للضمير العالمي. سنواصل رفع الصوت في كل فرصة". وكانت منظمات إغاثة حذّرت من ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد في قطاع غزة، الذي أحكمت إسرائيل حصاره، ومنعت إدخال المساعدات إليه في مارس/ آذار في خضم حرب الإبادة التي تشنّها على القطاع. وأصبحت المساعدات التي تدخل القطاع خاضعة لسيطرة "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، لتحل مكان نظام التوزيع الذي كانت تديره الأمم المتحدة.
ورفضت منظمات الإغاثة والأمم المتحدة العمل مع هذه المؤسسة، متهمة إياها بمواءمة الأهداف العسكرية الإسرائيلية. وقال غوتيريس إنه دان منذ البداية عملية طوفان الأقصى التي شنّتها حركة حماس فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن "لا شيء يمكن أن يبرر ارتفاع عدد الوفيات والدمار منذ ذلك الحين ... حجمهما ونطاقهما يتجاوز أي شيء رأيناه في عصرنا الحديث". وتابع "يتحدث الأطفال عن رغبتهم في الذهاب إلى الجنة لأنهم يقولون إنه يوجد طعام هناك على الأقل. نجري مكالمات فيديو مع عاملينا الذين يتضورون جوعا أمام أعيننا... لكن الكلمات لا تُشبع الأطفال الجائعين".
وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة "يواصل موظفونا الأبطال عملهم في ظروف لا تصدق. كثير منهم في حالة ذهول وإرهاق شديدين لدرجة أنهم يقولون إنهم لا يشعرون بأنهم أموات ولا أحياء". ودان غوتيريس أيضاً استشهاد أكثر من ألف فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية منذ 27 مايو/ أيار، عندما بدأت "مؤسسة غزة الإنسانية" عملياتها. وقال "نحن نحتاج إلى أن نتحرك: وقف إطلاق نار فوري ودائم، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، ووصول الإغاثة على نحو فوري ومن دون عوائق". وأضاف أن الأمم المتحدة مستعدة "لزيادة العمليات الإنسانية بشكل كبير" في غزة إذا توصلت إسرائيل و"حماس" إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
الصليب الأحمر الدولي: لتحرك جماعي عاجل
بدورها، دعت رئيسة
اللجنة الدولية للصليب الأحمر
ميريانا سبولياريتش الجمعة إلى "تحرك جماعي عاجل". وأكدت في بيان أنه "لا يوجد أي مبرر لما يحدث في غزة. إن حجم المعاناة الإنسانية وانتهاك الكرامة الإنسانية تجاوزا منذ فترة طويلة أي شيء مقبول قانونياً وأخلاقياً". وتابعت سبولياريتش "يجب أن تنتهي هذه المأساة الآن، فوراً وبحزم. أي تردد سياسي، وأي محاولة لتبرير الفظائع المرتكبة أمام أعين المجتمع الدولي، ستُعتبر إلى الأبد فشلاً جماعياً في إنقاذ البشرية من الحرب"، وأشارت إلى 350 عضواً في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة يكافح الكثير منهم أيضاً "لتوفير ما يكفي من الغذاء والمياه الصالحة للشراب".
"أوتشا": الأنظمة والخدمات في غزة على وشك الانهيار
من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، الجمعة، إن الظروف الكارثية بالفعل في غزة تتدهور بسرعة، مع تفاقم أزمة الجوع المميتة، وسط العمليات العسكرية التي تجلب الموت والدمار. وأوضح "أوتشا" أن "الحياة تتعرض للاستنزاف من غزة، حيث أصبحت الأنظمة والخدمات على وشك الانهيار، وبالأمس فقط، أعلنت السلطات الصحية المحلية وفاة شخصين آخرين بسبب الجوع".
أخبار
التحديثات الحية
احتجاج أمام منزل مدير "مؤسسة غزة" في فيرجينيا الأميركية: مجرم حرب
وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن الجوع وسوء التغذية يزيدان من خطر الإصابة بأمراض تضعف جهاز المناعة، خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة أو الأمراض المزمنة. وقال: "يمكن أن تتحول العواقب إلى الوفاة بسرعة، ندرة الغذاء تؤثر أيضاً بشكل كبير على النساء الحوامل والمرضعات، حيث تزداد احتمالية ولادة أطفالهن بمضاعفات صحية".
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الإمدادات القليلة التي تدخل قطاع غزة لا تكفي بأي حال من الأحوال لتلبية الاحتياجات الهائلة. وقال المكتب: "يواجه عمال الإغاثة خطراً مستمراً، والمعابر غير موثوقة، والعناصر الحيوية يتم حظرها بشكل روتيني". "إذا فتحت إسرائيل المعابر، وسمحت بدخول الوقود والمعدات، وسمحت للموظفين الإنسانيين بالعمل بأمان، فإن الأمم المتحدة ستسرع في تقديم المساعدات الغذائية، والخدمات الصحية، والمياه النظيفة، وإدارة النفايات، وإمدادات التغذية، ومواد المأوى".
وأشار المكتب إلى أن القيود المختلفة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على إيصال المساعدات لا تزال تعرقل قدرة العاملين في المجال الإنساني على الاستجابة، مؤكداً أنه مع استمرار قيود الوصول، من بين 15 محاولة لتنسيق التحركات الإنسانية داخل غزة يوم الخميس، تم رفض أربع محاولات بشكل مباشر، بينما تمت إعاقة ثلاث محاولات أخرى. واختتم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بيانه بالقول: "كميات الوقود التي تدخل غزة لا تزال غير كافية للحفاظ على المرافق الحيوية".
"أونروا": المجاعة في غزة متعمّدة
إلى ذلك، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "
أونروا
"، مساء الجمعة، إن
المجاعة الجماعية
في قطاع غزة "مدبّرة ومتعمّدة"، حيث يخدم نظام توزيع المساعدات المسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المدعوم إسرائيلياً وأميركياً أهدافاً "عسكرية وسياسية". وأضافت الوكالة الأممية، في بيان: "مجاعة جماعية مُدبّرة ومُتعمّدة. مات اليوم المزيد من الأطفال، وأجسادهم منهكة من الجوع". وأكدت أن "نظام توزيع المساعدات الخاطئ المسمى بمؤسسة غزة الإنسانية غير مُصمّم لمعالجة الأزمة الإنسانية".
وشددت "أونروا"، على أن هذا النظام "يخدم أهدافاً عسكرية وسياسية"، واصفة إياه "بالقاسي لأنه يُزهق أرواحاً أكثر مما يُنقذ أرواحاً". وأوضحت أن إسرائيل وفق هذا النظام، تُسيطر على "جميع جوانب وصول المساعدات الإنسانية، سواءً خارج غزة أو داخلها". وذكرت "أونروا" أنها خلال فترة وقف إطلاق النار الذي سرى في وقت سابق من عام 2025 (بدأ في يناير/ كانون الأول الماضي، وتهربت إسرائيل منه في مارس/ آذار الماضي)، نجحت في "عكس مسار الجوع المُتفاقم".
وتابعت: "اليوم، لدى "أونروا" وحدها ما يُعادل 6 آلاف شاحنة من المساعدات الغذائية والطبية عالقة في مصر والأردن". ومراراً، طالبت "أونروا" بإعادة تفعيل نظام توزيع المساعدات الذي تشرف عليه الأمم المتحدة من أجل التخفيف من وطأة المجاعة في القطاع. ومنذ 2 مارس الماضي، تغلق إسرائيل معابر قطاع غزة أمام شاحنات مساعدات إغاثية وإنسانية وغذائية وطبية مكدسة على الحدود.
وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد 9 فلسطينيين بينهم طفلان، خلال 24 ساعة، جراء سياسة التجويع الإسرائيلية، ما يرفع عدد الوفيات الناجمة عن التجويع وسوء التغذية إلى 122 منذ 7 أكتوبر 2023 بينهم 83 طفلاً، وفق تصريح أدلى به مدير العام للوزارة منير البرش، لوكالة الأناضول.
(فرانس برس، أسوشييتد برس، الأناضول، العربي الجديد)
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
هل فقدت إسرائيل حقّها في الوجود؟
تتحمّل إسرائيل مسؤولية سلسلة لا تنتهي من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، تعود إلى بدايات تأسيسها عام 1948. بل كان القادة الصهاينة مسؤولين عن جرائم فظيعة، حتى قبل إعلان قيام "دولة إسرائيل". وبذلك، يمكن القول إن إسرائيل تأسّست على أساس جرائم حرب، وتطهير عرقي، وأشكال أخرى من انتهاك حقوق الإنسان. ومع ذلك، جرى قبولها عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة عام 1949، بشرط أن تحترم الوضع الدولي للقدس، وأن تقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم (كما ورد في قراري الأمم المتحدة 181 لعام 1947 و194 لعام 1948)، غير أنها لم تلتزم مطلقاً بأيٍّ من هذين القرارين الأمميين، تماماً كما تجاهلت قراراتٍ عديدة للأمم المتحدة الأخرى. وفي انسجام مع هذا النمط من السلوك، مزّق المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة ميثاق الأمم المتحدة في جلسة عامة عام 2024، لمجرّد أن إسرائيل لم توافق على قرار صادر عن الأمم المتحدة، في تعبير أقصى عن الغطرسة والاستفزاز الصهيوني. ودولة تتصرّف على هذا النحو لا مكان لها في الأمم المتحدة إطلاقاً. إلى جانب الحرب على غزّة، ارتكبت إسرائيل سنوات طويلة جرائم حربٍ لا تُحصى في الضفة والقدس الشرقية. وقصفت بلدانا عربية، ونفذت اغتيالات فاقت ما نفذته دول أخرى منذ الحرب العالمية الثانية وإذا كانت إسرائيل قد امتلكت يوماً ما يمكن تسميته "حقّ الوجود"، فإن السؤال المطروح حالياً ما إذا كانت قد فقدته منذ زمن بعيد. وقد أصبحت هذه المسألة أكثر إلحاحاً خلال الحرب على غزة (2023 - ...). فإلى جانب هذه الحرب، ارتكبت إسرائيل سنوات طويلة جرائم حربٍ لا تُحصى في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. ولتسهيل الأمر، لن أتطرّق هنا إلى القصف الإسرائيلي (حسب الترتيب الأبجدي) لكل من: الأردن، إيران، السودان، العراق، اليمن، تونس، سورية، لبنان، ومصر، ولا إلى حقيقة أن إسرائيل، من خلال آلاف عمليات الاغتيال التي نفذتها، قد قتلت أشخاصاً عديدين خارج حدودها بما يفوق أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية. قامت معظم الدول الغربية، التي طالما رفعت شعار "لن يتكرّر ذلك أبدًا" بعد الحرب العالمية الثانية، ليس فقط بتجاهل هذه السياسات الإسرائيلية الإجرامية، بل وبدعمها بشكل مباشر. وبهذا تكون شريكةً في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل. وهكذا أصبح "لن يتكرّر أبداً" في الواقع "يتكرّر مراراً وتكراراً"، لأن كثيرين، على ما يبدو، لم يتعلموا شيئاً من دروس الماضي. ولا يوجد أي مؤشّر على أن إسرائيل ستغيّر سياساتها الإجرامية إلى الأفضل، بل تزداد الأفعال الإسرائيلية عنفاً وإجراماً. ومن ثم، تزداد احتمالية زوال إسرائيل بصفتها دولة صهيونية يوماً بعد يوم. وقد كتبتُ من قبل عن هذا الموضوع التاريخي، ومفادُه بأن التاريخ يُظهر أن "الدول تأتي وتذهب". من الناحية النظرية، كان في وسع الولايات المتحدة أن تجبر إسرائيل على تقديم تنازلاتٍ للوصول إلى تسوية سلمية، لكنها لا تفعل، ففي الظروف الحالية، لا يمكن لأي مرشّح رئاسي أميركي أن يُنتخب من دون أن يقدّم دعماً شبه غير مشروط لإسرائيل. ويُعزى ذلك إلى قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وخارجها. قد يستغرق زوال إسرائيل الدولة الصهيونية أجيالًا عدة من الناحية العملية، لكن قادتها المتطرّفين الحاليين قد ضمنوا، في كل الأحوال، أن هذا الاحتمال بات أكثر ترجيحاً من أي وقت مضى، ما لم تُجبر إسرائيل بطريقةٍ ما على القبول بحل سلمي مقبول، غير أن ميزان القوى القائم حاليّاً لا يشير إلى أن ذلك سيحدُث. ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، قام رئيس جهاز "الموساد"، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بحملة ضغط في الولايات المتحدة في يوليو/ تموز الجاري للحصول على دعم لخطة "الترانسفير" (التطهير العرقي) للفلسطينيين من قطاع غزّة، وحثّ الولايات المتحدة على إقناع دول أخرى باستيعاب مئات آلاف من الفلسطينيين. ولكن لا ينبغي مكافأة إسرائيل على جرائمها، ولذلك ينبغي قلب منطق هذا المقترح رأساً على عقب، فالدول التي دعمت إسرائيل دعماً غير مشروط عقوداً هي التي ينبغي تشجيعها على استقبال ملايين اليهود الصهاينة من إسرائيل، حتى يتمكّن الفلسطينيون أخيراً من العودة إلى وطنهم. يمكن لليهود الصهاينة في إسرائيل أن يستقروا بسهولة في نحو 75 دولة يبدو أنهم مرحّب بهم فيها بشكل خاص: في الولايات المتحدة بولاياتها الخمسين، وفي حوالي 25 من دول الاتحاد الأوروبي. ومؤكّد أن هذه الدول ستكون متحمّسة لاستقبال "أصدقائها" من اليهود الصهاينة المجرمين، على الأقل، هذا ما يُفترض استنادًا إلى دعمها غير المشروط لإسرائيل. ولكن الواقع، بالطبع، مختلف تماماً، فكما أن اللورد بلفور المعادي للسامية (صاحب وعد بلفور الشهير عام 1917) لم يكن يريد لليهود المضطهدين في أوروبا الشرقية وروسيا أن يأتوا إلى أوروبا الغربية، بل فضّل أن يُرسلوا إلى فلسطين، فإن معظم داعمي إسرائيل المتحمّسين اليوم لا يرغبون، في حقيقة الأمر، باستقبال اليهود الصهاينة من إسرائيل في بلدانهم أيضاً. إنهم يفضّلون تحميل العبء على دول وشعوب أخرى. والشعار السائد لا يزال: "يجب حل المشكلة داخل المنطقة". المشكلات التي تسبّبت بها إسرائيل، وهي دولة وُلدت من رحم معاداة السامية الأوروبية، يُراد تحميلها للشعوب العربية في الشرق الأوسط المشكلات التي تسبّبت بها إسرائيل، وهي دولة وُلدت من رحم معاداة السامية الأوروبية، يُراد تحميلها للشعوب العربية في الشرق الأوسط، التي لم تكن لها أي علاقة أصلًا بمعاداة السامية الأوروبية. ولا تزال لدى دول الاتحاد الأوروبي فرصة لتغيير المسار، إذا ما اتخذت الإجراءات اللازمة ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض العقوبات: مثل وقف تصدير الأسلحة إليها، ووقف استيراد البضائع من الأراضي التي تحتلها إسرائيل أو من الحكومة المسؤولة عنها، وإلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وحظر المعاملات المالية مع البنوك المرتبطة بإسرائيل، ومنع دخول الإسرائيليين المتورّطين في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إلى دول الاتحاد الأوروبي، وملاحقتهم قضائيّاً. وسيكون اتخاذ مثل هذه الإجراءات في مصلحة بقاء إسرائيل نفسها. لذلك، من يريد الخير الحقيقي لإسرائيل عليه أن يفرض عليها السلام فرضاً. أما إذا استمرّت دول الاتحاد الأوروبي في رفض محاسبة إسرائيل على كل هذه الجرائم الخطيرة، ورفضت أيضاً اتخاذ تدابير مناسبة ضدها، بما في ذلك فرض العقوبات، فإنها تساهم بذلك في فقدان إسرائيل، في لحظة ما، حقّها في الوجود، تماماً كما حصل مع ألمانيا النازية وكمبوديا في عهد بول بوت. للشعوب، بما في ذلك الفلسطينيون واليهود، حقّ في الوجود؛ لكنه لا ينطبق تلقائيّاً على الدول التي تمثل هذه الشعوب، ولا سيما عندما تكون مسؤولة عن جرائم حرب جسيمة وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان.


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
فرانشيسكا ألبانيز
منذ عام 2022، تشغل فرانشيسكا ألبانيز منصب المقرّرة الخاصّة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ضمن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. محامية إيطالية متخصّصة في القانون الدولي، عملت سابقاً في المفوّضية الأممية لشؤون اللاجئين، وتوجّه اهتمامها نحو تحليل أنماط العنف والتمييز، تركيباتٍ بنيويةً لا أحداثاً منفصلةً. لم يكن ظهور اسمها أخيراً نتيجةً لحملة إعلامية أو مواقفَ مثيرة، وإنما بسبب تقاريرها التي زعزعت منطقاً راسخاً في النظام الدولي، ليس بما كشفته من مضمون فقط، بل بكيفية قولها ما لا يُقال. في تقريرها أخيراً "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة"، رسمت ألبانيز خريطةً دقيقةً لاقتصاد قائم على القتل، يربط بين الهجمات العسكرية في غزّة والمصالح المالية لشركات غربية، تتقاطع أنشطتها مع دائرة العنف اليومي. استخدمت الوثيقة لغةً حقوقيةً صارمةً، ووضعت قائمةً صريحةً بمؤسّساتٍ متورّطةٍ في تمويل الإبادة أو الاستفادة منها. لم تترك الموضوع في مستوى الإدانة المجرّدة، بل نقلته إلى مستوى المساءلة القانونية المحتملة. جاءت ردّة فعل إدارة ترامب على التقرير في هيئة عقوبات شخصية، محاولة لتحويل النقاش من مضمونه إلى صاحبه. لكن ما جرى لا يمكن قراءته تحرّكاً سياسياً عابراً، بقدر ما يعتبر (ويجب فهمه ضمن) منظومةً دفاعيةً أطلقها النظام الدولي عندما شعر بتهديد صادر من قلب النظام نفسه. لم تأتِ ألبانيز هنا من موقع احتجاجي خارجي، ولم تُقدّم نفسها صوتاً معارضاً، بل استخدمت شرعيّتها المؤسّسية لتقويض لعبة التوازن التي تُملي على الخبراء الدوليين ضبط نغمتهم بما لا يزعج المركز. لم تكتف ألبانيز بتقديم سردية مضادّة، بل زعزعت الانسجام الخطابي الذي يُتيح استمرار الجريمة تحت غطاء الحذر المؤسّسي الذي أدمنته البشرية في مواجهة توحّش الشركات الكُبرى. لم يكن موقفها انفعالاً أخلاقياً، بقدر ما كان ممارسةً دقيقةً للوظيفة الحقوقية بأقصى ما يمكن أن تحمله من دلالة. هي استخرجت من اللغة القانونية إمكاناتها القصوى، وربطت مفاهيم السيادة والربح والعنف ضمن شبكة من العلاقات القابلة للتفكيك والمحاسبة. تقاريرها لا تحتمل التجاهل، لأنّها تُصاغ في بنية تُغلق ممرّات الهروب، وتدفع السلطة إلى المواجهة المباشرة. حين تردّ السلطة بالعقوبات، فهي لا تستهدف إسكات صوت، بل ضبط حدود القول داخل المنظومة. ما يُعاقَب ليس فقط التقرير، وإنما النموذج الذي يجسّده: خطاب قانوني لا يُهادن، صادر من امرأة مستقلّة، لا تمرّ عبر شبكات المصالح، ولا تخضع لاعتبارات الجغرافيا السياسية. تلجأ السلطة في مثل هذه الحالات إلى الردع، لا لأنها تمتلك تفنيداً مضادّاً، بل لأنها تريد إعادة ترسيم ما يُعدُّ "معقولاً" داخل المجال الدولي. العقوبة هنا هي من أشكال تنظيم اللغة، محاولة أخيرة لإبقاء القانون تحت السيطرة. تقف فرانشيسكا ألبانيز اليوم باعتبارها نموذجاً نادراً للوضوح في زمن اختلطت فيه الحقائق بالخطابات المنمّقة. لا تدّعي البطولة، ولا تدّعي حتى انحيازاً للضحية، فتؤدّي مهمّتها فقط، بشرف وبجدّية لا تسمح للنظام بأن يُدير وجهه. حضورها الحقوقي ليس احتفالاً بالثبات، بقدر ما يشكّل ممارسةً ذكيةً للوظيفة الحقوقية في أقصى درجات صدقها الممكن. وسط بحر من التقارير الرمادية والمواقف المائعة، تخرج وثائقها أدلّةً يمكن البناء عليها، لا بوصفها رأياً، بل بنية معرفة قادرة على إنتاج أثر قانوني وواقعي. لهذا تستحق ألبانيز أكثر من ترشيح لجائزة نوبل للسلام. تستحق أن تُروى سرديةً قائمةً بذاتها، لا لأنها تخوض (شبه وحيدة) في موقعها معركةً ضدّ أنظمة كُبرى ونظام دولي متوحّش، بل لأنها أثبتت أن اللغة، حين تُستخدم بانضباط ومسؤولية، قادرة على فضح أكثر الشبكات تعقيداً. لهذا، يكفي أن تكون فرانشيسكا ألبانيز موجودةً بيننا كي نتذكّر أن البشرية، رغم كلّ ما أنتجته من خراب، ما زالت قادرةً على إنجاب امرأة تُعيد تعريف العدالة من داخل صلبها الصلب، لا قيمةً مثاليةً، بل حرفةً واعيةً، دقيقةً، لا تتراجع أمام فظاعة الواقع. وجودها نفسه حجّة لصالح الإنسان، شاهد نادر على أن اللغة حين تنجو من الاستعمال البليد، يمكنها أن تكون أداةَ مقاومة، وأن تكون امرأةً واحدةً، في هيئة دولية مثقلة بالتوازنات، وقادرةً على إعادة ترتيب الكفّة (ولو قليلاً) نحو العدالة، أو نحو محاولة العدالة.


القدس العربي
منذ 14 ساعات
- القدس العربي
صحيفة عبرية: نتنياهو فزع وحماس تتحسن… هل يستنجد بترامب مرة أخرى؟
خطورة الوضع الإنساني في قطاع غزة والرد الدولي الشديد تجاهها تجلى أول أمس في خطوات إسرائيلية متسرعة. في الوقت الذي أرسل فيه ضباط الجيش الإسرائيلي إلى وسائل الإعلام نافين موضوع الجوع في القطاع، نفذ نتنياهو انعطافة كاملة في سياسته. سلاح الجو ألقى رزم مساعدات بالمظلات للمرة الأولى، وأعلن الجيش الإسرائيلي عن هدنة إنسانية في القتال، وسيسمح بوجود ممرات آمنة لقوافل الأمم المتحدة. القرارات اتخذت. بذعر وبسرعة، خلال السبت – دون إطلاع رؤساء أحزاب اليمين المسيحانية في الحكومة. بعد أكثر من أربعة أشهر على خرق وقف إطلاق النار مع حماس والعودة إلى القتال، تضطر إسرائيل للاعتراف بوضع نفسها في طريق مسدود. فزيادة الضغط العسكري أو السيطرة على المساعدات الإنسانية لم تقربها من صفقة لإعادة المخطوفين. وللمفارقة، وضع حماس تحسن. في هذه المرة، كان الأمر واضحاً تماماً. ببساطة، أغلقت الحكومة عيونها كي لا ترى، وأغلقت أذنها كي لا تسمع. في 'هآرتس' وفي وسائل إعلام أخرى، كتب في آذار الماضي في الوقت الحقيقي بأن استئناف الحرب يستهدف إعادة قائمة 'قوة يهودية' إلى الائتلاف، بعد انسحابها منه عقب صفقة المخطوفين الأخيرة في كانون الثاني الماضي، وأنه من غير المتوقع تحقيق أي تغيير في سير الحرب. بعد ذلك، وصفت عبثية الخطوات العسكرية وأبعاد القتل والدمار، وأيضاً عجز صندوق المساعدات الأمريكي (الذي وراءه تدخل إسرائيلي واضح) عن تحقيق الأهداف الطموحة التي وضعت بشأن توفير الغذاء للسكان. في الأسبوع الماضي، تدهورت الأمور إلى كارثة فعلية وفي صورة إسرائيل. ظاهرة الجوع أو مشهد سكان على شفا الجو أخذت تنتشر في أرجاء العالم. ورغم عدم الوثوق بكل التقارير موثوقة، وأن حماس تستخدم الأزمة دعائياً لأغراضها، فثمة شك في أن يكون وزن لذلك. أبعاد الكارثة كبيرة بما فيه الكفاية لإثارة الاهتمام الدولي من جديد بمعاناة أكثر من 2 مليون غزي. ليس فقط في أوروبا والعالم العربي، بل حتى الرئيس الصديق في البيت الأبيض لم يعد بإمكانه البقاء غير مبال إزاء التطورات. المفاوضات حول الصفقة التي هي في الأصل عالقة، تشوشت كلياً. فهمت حماس أن فرصة ثمينة وقعت في يديها إزاء غضب العالم من إسرائيل، واستغلت ذلك للتمترس في مواقفها في المحادثات. إسرائيل والولايات المتحدة أعلنتا عن وقف المفاوضات في قطر، والرئيس الأمريكي اتهم حماس بإفشال المفاوضات، وأضاف تفسيراً لذلك: ربما يريد رؤساء حماس الموت. ولكن لم ينبت أي شيء عملي حتى الآن من وعود إسرائيلية وأمريكية بفحص طرق أخرى للمضي بالمفاوضات. في هذه الأثناء، ينشغل المجتمع الدولي في البحث عن وسائل سريعة لتخفيف المعاناة في غزة والضغط على إسرائيل لوقف القتال. وربما تدرك حكومة نتنياهو أن هذا ليس الوقت المناسب للانقضاض العسكري. المسؤول الرئيسي في لحظة بائسة كهذه، من الجدير تذكر الأشخاص الذين قادوا إسرائيل إلى الوضع الحالي في القطاع. حدث هذا بالتحديد بعد أن ضرب الجيش الإسرائيلي حماس خلال السنة الماضية، وكان يبدو أن جهود ترامب قد وضعت الطرفين في كانون الثاني على مسار عقد صفقة لإنهاء الحرب، حتى لو كانت مليئة بالعيوب والنواقص. الوزير المصاب بجنون العظمة الصبياني، وزير المالية سموتريتش، اقترح على متابعيه في اكس (تويتر سابقاً) قبل شهرين بالضبط: 'تذكروا هذا اليوم (البدء في توزيع المساعدات من خلال الشركة الأمريكية مباشرة إلى المواطنين وبشكل لا يسمح لحماس بالسيطرة على المساعدات)، هذه انعطافة في الحرب ستجلب، بعون الله، النصر وتدمير حماس. يفضل أن تأتي بشكل متأخر أفضل من ألا تأتي أبدا'. سموتريتش، شأنه شأن أبواق نتنياهو الإعلامية، تجاهل التحذيرات بشأن عدم قدرة صندوق المساعدة لغزة على تحقيق الأهداف الطموحة، حيث مراكز توزيع قليلة في جنوب القطاع. عرفوا أن الطريق إليها خطيرة، وأن في المنطقة فوضى كبيرة، الكثير منها نابع من عمليات الجيش الإسرائيلي، لكنهم ركزوا على تخيل سيطرة إسرائيلية كاملة على المنطقة وعلى المساعدات، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى 'هجرة طوعية' للفلسطينيين من غزة عبر شبه جزيرة سيناء. حتى الآن، المسؤول الرئيسي هو نتنياهو. رئيس الحكومة يعرف أنه لا طريقة عسكرية لإنقاذ المخطوفين وهم على قيد الحياة، وأن حماس لا تشعر بالمسؤولية عن مصير السكان، وأن الخطوات الحالية لا فائدة منها سوى أنها تطيل الحرب بدون هدف وبلا جدوى. كانت أمام إسرائيل فرص لإنهاء الحرب منذ بداية السنة. تجاهل نتنياهو هذه الفرص لأن مصير الائتلاف كان أهم كما يرى. وقد خشي من انسحاب سموتريتش وبن غفير من الحكومة وفرض انتخابات مبكرة عليه. الآن، يرتجل رئيس الحكومة تحت ضغط دولي متزايد. ربما أصبح الوقت متأخراً جداً للتصحيح: حماس ستتخندق في مواقفها، مع دعم دولي للفلسطينيين، وستقف الحكومة أمام معضلة بين عار خطوات عسكرية وبين الاستسلام لإملاء وقف قسري لإطلاق النار بدون نجاح في إعادة العشرين مخطوفاً الأحياء والثلاثين جثة. التوقعات والآمال موجهة نحو ترامب. إذا تحرر الرئيس الأمريكي من تشتيت الانتباه، وركز، ربما يتمكن من فرض اتفاق معين على الأطراف. مع ذلك، ما زال يسعى للفوز بجائزة نوبل للسلام في هذه السنة، ويواجه صعوبة في تقديم إنجازات دبلوماسية مدهشة في ساحات أخرى. في هذه الأثناء، يستمر سقوط القتلى والجرحى من الجنود في قطاع غزة، ولا يعرف الكثير من الجمهور الهدف الحالي للقتال. لقد توفي جندي (مهندس في الاحتياط) متأثراً بجروحه بعد إصابته بانفجار عبوة ناسفة في الأسبوع الماضي. صباح أمس، نشرت تقارير عن قتل جنديين من لواء 'غولاني' بانفجار عبوة ناسفة أُلصقت بناقلة جنود مدرعة (النمر). عاموس هرئيل هآرتس 28/7/2025