logo
عربات جدعون.. حين تتحول التوراة إلى خطة حرب

عربات جدعون.. حين تتحول التوراة إلى خطة حرب

الشروق٢٦-٠٥-٢٠٢٥
لم تكن 'عربات جدعون' مجرد تسمية عسكرية عابرة، بل مرآة تعكس التحول الأخطر في العقيدة الصهيونية، حيث تتحول الحرب من عمل سياسي إلى طقس ديني، ومن صراع على الأرض إلى معركة مقدسة ضد 'الشعوب المدنّسة'، كما تصفهم النصوص التوراتية التي يستند إليها الاحتلال.
'جدعون'، القائد التوراتي الذي خاض حربه باسم الرب ضد 'المديانيين'، يعود اليوم على شكل دبابات تُحاصر غزة، وصواريخ تهدم ما تبقّى من الحياة، وجنودٍ يرون في أنفسهم ورثة لوعد إلهي يجب تحقيقه ولو على جثث الأبرياء. ليس الأمر رمزيًا فحسب، بل عقائديًا بامتياز.
في سفر القضاة (7:2-7)، تُروى قصة جدعون الذي اختار الرب له ثلاثمئة مقاتل فقط، ليثبت أن النصر ليس بالكثرة بل 'ببركة الرب'، وجاء في النص:
'وقال الرب لجدعون: إن الشعب الذي معك كثير عليّ… فقل لهم: من كان خائفًا فليرجع… فبقي من الشعب ثلاثمئة رجل… فقال الرب لجدعون: بهؤلاء أخلصكم.'
هذه القصة تُدرّس اليوم في الأوساط الدينية العسكرية في إسرائيل، ليس كدرسٍ روحي، بل كمنهج تعبئة، يُعزز الإيمان بأن 'القلة المختارة' قادرة على سحق 'المدن الوثنية' كما سُحقت مدن كنعان.
وفي سفر التثنية (20: 16-17)، تُورد التوراة نصًا صريحًا بالإبادة:
'أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا بها، فلا تستبقِ منهم نسمة ما، بل حتمًا تحرمهم… كما أمرك الرب إلهك.'
هذا النص لم يُدفن في صفحات التاريخ، بل بُعث حيًا في رفح، وفي دير البلح، وفي كل مخيم فلسطيني يتعرض لـ'تحريم' جماعي بالمعنى التوراتي: محو كل أثرٍ للناس، للحياة، للهوية.
وهكذا تُصبح غزة في الرواية الصهيونية ليست مدينة يسكنها بشر، بل مدينة 'ملعونة' تُخضع لـ'الهلاك المقدّس'. وما الطائرات والدبابات إلا امتداد لتلك 'العربات' التي ساقها جدعون ضد أعداء الرب، وفق روايتهم.
الصهيونية الدينية اليوم لم تعد تيارًا هامشيًا، بل صارت محرّكًا رئيسيًا للقرار الإسرائيلي، تحكم في الجيش والحكومة، وتغذّي خطابًا يُسوّق القتل كفريضة، والاستيطان كخلاص، والتهجير كتحقيق للوعد.
والمؤسسة العسكرية، التي تُفترض أنها علمانية، لم تعد تفصل بين المعركة والسيطرة الروحية، بل تحتضن الحاخامات في صفوفها، وتسمح للمستوطنين بنقل التوراة إلى ساحات القتال، ليباركوا الجنود قبل دخولهم غزة، تمامًا كما كان الكهنة يباركون جنود 'يشوع بن نون' قبل اقتحام أريحا.
لكن أمام هذا الهوس التوراتي، يقف الفلسطيني بلحمه ودمه، لا كعدو في سفر قديم، بل كإنسان حي، صاحب حق، ومالك الأرض والتاريخ. يقاوم لا بوهم النبوءات، بل بيقين أن العدل لا يُصنع بنصوص الإبادة، وأن الحق لا يُلغى بآية مجتزأة من كتابٍ مقدس.
وإذا كانت إسرائيل تُعيد إحياء نصوص 'الإبادة المقدسة'، فإن فلسطين تكتب كتابها بدم الشهداء: لا قداسة فوق الركام، ولا خلاص على أنقاض الأطفال. وإن كان الرب بريئًا من سفك الدماء، فإن من يستخدم اسمه لتبرير القتل، إنما يعبد القوة لا الإله.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طريقة إنزال القط من الشجرة
طريقة إنزال القط من الشجرة

الشروق

time١٢-٠٧-٢٠٢٥

  • الشروق

طريقة إنزال القط من الشجرة

فيما تتوالى ضربات المقاومة في غزة ضد فلول 'عربات جدعون' الخرافية، وتتباكي أمهات المجرمين في حق شعب أعزل توّاق لحريته وأرضه ومستعد للنزال إلى آخر حجر، يبدو الخلاف قويا بين إدارة البيت الأبيض ورئيس وزراء الكيان بشأن طريقة الصفقة والحل مع الجيران، الذي يعني 'التطبيع'. الزيارة الأخيرة لنتن ياهو للولايات المتحدة ولقاءه الثاني مع ترامب خلال 24 ساعة، يؤكد أن ترامب يستعجل حلًّا في غزة عبر صفقة شاملة ولو على شكل مرحلتين: وقف إطلاق نار مؤقت يمهد لوقف إطلاق نار دائم. هذا المسار، لا يرى فيه نتن ياهو، وهو مكبَّل اليدين والقدمين من خلاف بحبال أهدافه المعلنة المبالغ فيها، والتي لا يستطيع التراجع عنها بسهولة بعد كل هذه الخسائر التي لحقت بكيانه في كل من حرب غزة ولبنان وإيران، وعليه أن يجد مخرجا وسلّما غير مكشوف العتبات، للنزول من على الشجرة من دون أن يتفطن جمهوره من اليمين واليسار والمستوطنين، وهذا في حد ذاته حلمٌ آخر، لكابوس مشهور في وجهه. رئيس وزراء الكيان، في وضع لا يحسد عليه: إما قبول الصفقة كما تريدها المقاومة، وبالتالي خسارته للحرب ولكرسيه ولتحالفه ولمستقبله السياسي برمّته، وانتحار فظيع له، أو أن يقبل بحل وسط في صيغة لا رابح ولا خاسر التي تحاول إدارة ترامب أن توفّرها له في شكل رابح بالنقاط وليس بالضربة القاضية، كون مطلب نتن ياهو بتجريد المقاومة من سلاحها بات وهمًا أمام الجميع، بما فيهم الولايات المتحدة وحتى نتن ياهو نفسه، خاصة بعد الضربات الموجعة للمقاومة في الدقائق الأخيرة من نهاية المواجهة. الولايات المتحدة والوسطاء، يعملون على حل خلافات تقنية، يبدو أنها تنال موافقة الجميع، لكن مسألة نزع السلاح، تبقى الخط الأحمر الأكثر قوة وإصرارا عليه من طرف المقاومة، حتى ولو قبلت حماس أن تترك الساحة السياسية لسلطة محلية توافقية، لكن السلاح خط أحمر في ظل احتلال الكيان وعدوانه، وفي ظل قانون دولي يبيح للمقاومة الدفاع عن نفسها في ظل الاحتلال. هذه النقطة بالذات هي حجر عثرة في طريق أي تسوية سريعة. ذلك أن كل أحلام نتن ياهو وتصوراته وادعاءاته بأنه سيحقق 'النصر المطلق'، ليس على صعيد غزة والضفة فحسب، بل ضمن جغرافيا الشرق الأوسط كله، باتت أمام المحك بعد أن فشلت كل مخططات التهجير والترويع والتجويع والإبادة أمام شعب يفضِّل الموت على ترك الأرض ورفع الراية البيضاء. هذه القناعة وصل إليها الراعي الأمريكي، كما وصل إليها نتن ياهو ذاته، إنما المكابرة، والبحث عن البقاء في السلطة إلى آخر جندي ومستوطن صهيوني، ولو عبر إشعال المنطقة كلها، يجعل رؤية ترامب المتماهية تماما مع المشروع الصهيوني، تتعارض في طريقة الإخراج. وهذا ما يجعل ترلمب يضغط على نتن ياهو، ليس حبا فيه، بل خوفا على الكيان من رئيس وزراء، كبَّل نفسه بأغلال الوهم اليميني المتطرف المتمسك به والماسك له في السلطة على حين. هذا الحين، هو ما يحاول نتن ياهو اللعب عليه، ولو أدى ذلك إلى إفساد مشروع ترامب في المنطقة من تسويات وتطبيع وصفقات مع العرب خوفا من التنين الصيني والدب الروسي، ودعما لاقتصاده الذي بدأ يتأثر بما اقترفت يداه من حرب اقتصادية على العالم بأسره. التعارض في الطريقة لا في الأهداف، ونتن ياهو بات حجرا في حذاء ترمب، وقد نشهد تحولات قريبة، تسمح بإنزال 'القط العالق من فوق الشجرة'.

المقاومة تعطب "عربة جدعون" والدور على التطبيع
المقاومة تعطب "عربة جدعون" والدور على التطبيع

الخبر

time٠٦-٠٧-٢٠٢٥

  • الخبر

المقاومة تعطب "عربة جدعون" والدور على التطبيع

من جديد تتجه الأنظار إلى واشنطن الراعي الرسمي لـ"إسرائيل" لرؤية هلال اتفاق يوقف حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بقيادة رئيس الحكومة الصهيوني المتطرف بنيامين نتنياهو، هذا الاتفاق الذي وصل إلى مرحلة نضج متقدم بعدما وافق عليه الكيان وأيضا المقاومة بقيادة "حماس"، فهل حقق نتنياهو أهدافه من خلال عملية "عربة جدعون" أم أعطبت المقاومة "العربة"؟ قطع اتفاق وقف إطلاق النار أشواطا كبيرة بعد أيام قليلة من وقف حرب 12 يوما التي شنتها إسرائيل بمعاونة أمريكية، أظهر الكيان خلالها قصورا كبيرا في إدارة الحرب التي توعد على مدار سنوات بأن تكون مدمّرة لإيران ونظامها، ولولا التدخل الأمريكي العسكري والدبلوماسي لوقف الحرب لكانت تبعاتها مدمرة على مستقبل "إسرائيل" في المنطقة. ومن جديد تظهر يد ترامب الممدودة لـ"إسرائيل" لإنقاذه وهذه المرة من مستنقع غزة، حيث منعت المقاومة "النتنياهو" من تحقيق ولا هدف من الأهداف التي أعلن عنها غداة إطلاق عملية "عربة جدعون" في ماي الماضي، أو مسلسل إبادة غزة 2، بعد فشل هدنة جانفي الماضي. وهدفت عملية "عربة جدعون" لتحقيق حسم عسكري وسياسي في قطاع غزة عبر عملية منظمة من 3 مراحل، مع استخدام 5 عوامل ضغط ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في محاولة لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى وتفكيك بنيتها العسكرية. لكن للمرة الثانية ولا هذا تحقق، والكيان ذاهب لا محالة لتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت ينتظر أن يتحول إلى دائم بعد 60 يوما من إقراره، لكن دون أن يتمكن جيش الاحتلال من إنهاء حكم "حماس"، ولم يتمكن من تفكيك قدراتها العسكرية ولا قدرات باقي الفصائل، على غرار حركة الجهاد ولم يتمكن من استرجاع الأسرى. والملفت للانتباه أنه رغم كل القوة العسكرية التي تم نشرها في القطاع واحتلال 65 بالمائة من مساحته حسب تقديرات الاحتلال، ورغم الحصار، إلا أن المقاومة رفعت، خلال الأسابيع القليلة الماضية، من منسوب عملياتها ونفّذت عمليات أربكت الاحتلال وخلّفت في صفوفه خسائر بشرية ومادية كبيرة، منها عمليات استعراضية على غرار عملية خان يونس أربكت الاحتلال وهزت معنويات الجيش والشارع. كما لم تتوقف صواريخ المقاومة عن ضرب غلاف غزة، ما أكد للصهاينة وحلفائهم أن المقاومة حافظت على قدراتها العسكرية واستطاعت أن تجدد قدراتها البشرية موازاة مع إدارة يوميات الحرب وقادرة على خوض حرب استنزاف. هذه المعطيات على الأرض فتحت نقاشا واسعا داخل الكيان حول الجدوى من هذه الحرب، والجدوى من أن يرسل الجنود إلى غزة وعودتهم في توابت دون أن يكون لهذا التواجد العسكري وهذه الحرب العبثية أي جدوى. وارتفعت الأصوات المطالبة باتخاذ قرار سياسي يوقف النزيف العسكري والبشري والمادي في مستنقع غزة. بالنسبة لأصحاب القرار في واشنطن أدركوا أن إعطاء المزيد من الوقت لنتنياهو ليحقق ولو بعضا من أهدافه في غزة أصبح غير ممكنا، بل الإبادة التي يرتكبها في غزة ستدفع ثمنها أيضا واشنطن بحكم أنها الراعية والحامية لنتنياهو والداعمة لحربه، ولم يعد لتواصل الإبادة أي مبرر لا عسكري ولا سياسي يمكن أن تدافع عنه "إسرائيل" أو تقبل به المجموعة الدولية، كما وضعت حرجا للأنظمة العربية التي توصف بالمعتدلة أمام شعوبها، وهي الأنظمة المطبعة أو في طريق التطبيع. هذا في وقت تسعى الولايات المتحدة لتوسيع دائرة التطبيع مع الكيان في المنطقة العربية، حيث يجري الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاقات مع كل من العربية السعودية وسوريا ولبنان في إطار مشروع "درع أبراهام" كخطوة لإخراج "إسرائيل" من مستنقع غزة وتوسيع تحالفات التطبيع. وهو ربما ما يفسر تصريحات نتنياهو، في اجتماع مغلق، قال فيها إنه "يرغب بشدة ومصمم على التوصل إلى صفقة بأي ثمن تقريباً"، وأنه يعتقد أن نافذة الفرص السياسية التي تقف أمام "إسرائيل" الآن "تحدث مرة واحدة في كل جيل"، وقال أيضا "أمامنا فرص سياسية نادرة وخيالية". وفهم من هذه التصريحات أن نتنياهو يرغب في إنهاء الحرب لاستغلال فرص توسيع التطبيع وجعلها كطوق نجاة له من المحاكمات التي تنتظره بسبب تورطه في قضايا فساد بعدما تيقّن، ومعه الولايات المتحدة، أن إبادته لغزة وفشله في تحقيق أهداف الحرب ستدفعه دفعا نحو القضاء والسجن. في حال وضعت الحرب أوزارها، فإن الثابت أن المقاومة لم تخسر الحرب، والثابت أيضا أن إسرائيل خسرت الحرب بفشلها في تحقيق أهدافها على مدار سنتين من العدوان، كما أن ما عاشه الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة لا يعدو أن يكون فصلا من فصول الحرب التي لن تنطفئ نارها في فلسطين ما دام الاحتلال قائما ولم تتم تسوية الصراع من أساسه، ألا وهو تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره ومن كل حقوقه، وسيكون مآل التطبيع و"حلف ابراهام" الفشل كما فشلت مثل هذه المخططات في مواطن أخرى لأنها حاولت عبثا أن تقفز على الحقوق الشرعية للشعوب.

غزة ما بين 'حجار داود' و'ركاب جدعون'
غزة ما بين 'حجار داود' و'ركاب جدعون'

الشروق

time٠٢-٠٦-٢٠٢٥

  • الشروق

غزة ما بين 'حجار داود' و'ركاب جدعون'

في قلب المأساة، حيث تتقاطع النيران مع الصمت الدولي، وتعلو صرخات الأطفال فوق ركام البيوت، تقف غزة مجددًا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية. وبينما تطلق إسرائيل على عدوانها الأخير اسم 'ركاب جدعون'، أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة اسم 'حجار داود' على عملية الرد. ليست مجرد تسميات عسكرية، بل معركة رموز ومعانٍ تعكس جوهر الصراع القائم منذ عقود. بين التاريخ والواقع: مواجهة متجددة 'ركاب جدعون' هو اسم مستمد من سرديات توراتية، يُرمز فيه إلى القائد جدعون الذي خاض حروبًا باسم 'الشعب المختار'. تستخدمه إسرائيل اليوم لتغليف عدوانها بلغة دينية مغموسة بالعنف والتفوق. في المقابل، جاء اسم 'حجار داود' استحضارًا لقصة النبي داود في مواجهته الشهيرة مع جالوت، بسلاح بدائي وقلب ثابت. وبين جدعون وداود، تكتب غزة حكايتها الحديثة؛ حكاية من يواجه طاغوت العصر بحجر، وصاروخ محلي الصنع، وإرادة لا تلين. هذه ليست مجرد حرب بين قوتين غير متكافئتين، بل معركة بين مشروع استعماري يسعى لتكريس نفسه بالقوة، وشعب أعزل يقاتل من أجل حقه في الحياة والحرية والكرامة. العملية الإسرائيلية: نار لا تفرّق منذ بدء عملية 'ركاب جدعون'، تواصل إسرائيل تنفيذ حملة قصف شرسة على قطاع غزة، استهدفت كل شيء: المنازل، المساجد، المستشفيات، المدارس، وحتى مراكز الإيواء. تُبرَّر هذه الهجمات بما يسمى 'الردع الاستباقي'، بينما المشهد الحقيقي يظهر شعبًا يُذبح تحت أنقاض بيته، ويُهجّر من أرضه مرة بعد أخرى. المجازر اليومية ليست ناتجة عن خطأ أو خلل، بل هي جزء من عقيدة عسكرية تتعامل مع الفلسطيني كتهديد وجودي. لقد تحولت غزة في العقل الإسرائيلي من مجرد جغرافيا إلى 'مشكلة أمنية' يجب التخلص منها، مهما كانت الكلفة البشرية. الرد المقاوم: إرادة لا تُقهر رغم الحصار، والقصف، والدمار، خرجت المقاومة الفلسطينية لتعلن بدء عملية 'حجار داود'. وقد شكّل ذلك مفاجأة استراتيجية لإسرائيل، حيث كشفت المقاومة عن جاهزية عالية، وقدرة على المناورة والرد، وفرضت معادلات جديدة في الميدان. لم تكن 'حجار داود' مجرد رد فعل، بل إعلانًا صريحًا بأن المقاومة قادرة على الدفاع عن شعبها، وعلى التصعيد حين يلزم. الرسالة الأهم: أن الغطرسة العسكرية لن تمر دون ثمن، وأن الشعب الذي يُذبح نهارًا، يمكنه أن يفاجئ العالم ليلًا بقوته وثباته. المعركة ليست فقط في الميدان ما بين 'حجار داود' و'ركاب جدعون'، هناك معركة أخرى تُخاض بالتوازي: معركة الرواية. الإعلام الغربي، كعادته، يختزل الصراع في عناوين سطحية: 'تبادل إطلاق نار'، 'صراع معقّد'، أو 'دفاع إسرائيلي'. يُحجَب السياق، وتُطمَس الحقيقة، وتُغسل يد الجلاد. لكن أمام هذه الهيمنة الإعلامية، ظهرت أصوات حرّة – عربية وعالمية – تنقل الحقيقة كما هي: غزة ليست عدوًا، بل ضحية مقاومة. الأطفال الذين يُقتلون ليسوا أضرارًا جانبية، بل أجسادًا شاهدة على جريمة مستمرة. عار الصمت العربي في الوقت الذي تنهمر فيه الصواريخ على غزة، تلتزم أنظمة عربية الصمت، بل وتفتح لبعض المعتدين أبواب التطبيع. لم تعد الخيانة تهمس في الظل، بل تعلن عن نفسها على الملأ، بتبريرات باردة ومواقف مخزية. وكأن غزة لا تعنيهم، وكأن أطفالها لا يشبهون أبناءهم. لكن في المقابل، شعوب هذه الأمة – رغم القهر – لا تزال تنبض بالحياة. خرجت التظاهرات، ارتفعت الأصوات، وامتلأت الشوارع بالرايات والدموع. لا تزال فلسطين تعني شيئًا حقيقيًا في وجدان الأحرار، وستبقى. غزة تُلخّص الصراع غزة ليست مجرد جغرافيا ضيقة على الخريطة، إنها البوصلة الأخلاقية للعالم. إما أن تكون مع الحق أو مع القتل. لا حياد في هذه اللحظة. من يصمت على الظلم، يشارك فيه، ومن يبرر الإبادة، يسقط من إنسانيته. 'حجار داود' ليست فقط اسم عملية، بل إعلان عن ولادة زمن جديد في المقاومة الفلسطينية. زمن يُصنع من بين الأنقاض، وتُكتب فيه معادلات الردع بحروف الدم، لا باتفاقات القهر. زمنٌ تقول فيه غزة: أنا هنا، أقاتل، وأصمد، وأصوغ من وجعي مستقبلًا حرًّا رغم الألم. وفي الخاتمة: بين الحجر والدبابة في النهاية، ما بين 'حجار داود' و'ركاب جدعون'، تنتصر الروح على الآلة، والحقيقة على الدعاية، والحق على القوة. ستبقى غزة رمزًا للشرف الإنساني، وستبقى مقاومتها عنوانًا لعصر لا يزال يرفض الخنوع. ولن تنتهي القصة هنا… فكل قصف يولّد مقاومة جديدة، وكل شهيد يخلّف ألف مقاتل، وكل دم يُسفك يكتب صفحة أخرى في سفر الحرية الفلسطيني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store