
الـ"تريند السياسي"... هل هو جديد "قصف العقول"؟
على طريقة "الأكثر رواجاً" يبدو بعض قادة العالم مهووسين بتصدر الـ"تريند"، يبتكرون "ميمز"، ويصنعون صوراً بالذكاء الاصطناعي، ويتحدثون عن كواليس قضايا كبرى من واقع ما يجري في الغرف المغلقة، مستبقين الأحداث كي يقودوا هم محركات البحث، والأمر لا يخلو من الفيديوهات الساخرة، والتصريحات التي لا نعرف إن كانت هزلية أم جادة. وأبرز هؤلاء دونالد ترمب الذي يطلق منذ دخوله البيت الأبيض للمرة الثانية تصريحاً يبدو غريباً، وهو حتى إن تراجع عنه فإنه سيكون قد حقق مراده وتربع به على عرش "الأكثر تداولاً".
ربما يتبع ترمب وغيره تعليمات ونصائح تتعلق بمخاطبة الجماهير، بخاصة أنصاره الذين يحتفون بكل ما يصدر عنه، ومثله زعماء آخرون في مناصب سياسية متباينة، لكن غالبيتهم يبدو أنهم لا يزالون متأثرين بكتاب "سيكولوجية الجماهير" للمفكر الفرنسي غوستاف لوبون على رغم مرور 130 عاماً على إصداره، إذ إن بعض ما جاء فيه لا يزال صالحاً للتطبيق ـ بالنسبة إلى بعضهم ـ حتى في عصر الـ"سوشيال ميديا"، لكن الأمر ينفلت في مواضع كثيرة لا سيما في ظل وجود وسيط هائج مثل مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تتحول السياسة شيئاً فشيئاً إلى عرض مستمر للثرثرة والبوح بلا سقف، بعدما كانت مهنة الأسرار والحكمة والاقتصاد في الكلام.
اتهامات وهواجس
من أبرز ما يقر به كتاب لوبون، الذي يعتبر من أوائل الأعمال التي حللت سلوك الجماهير وتعمقت في ما يسمى علم النفس السياسي، أن الجماهير سريعة التأثر والانفعال وتميل لتبني الإشاعات المبالغ فيها وليس الحقائق، وتنجذب إلى الصور الرمزية والشعارات العاطفية، والتكرار دوماً يجدي نفعاً معها. ومن ضمن ما جاء فيه أيضاً من طريقة إرشادية لتعامل القادة مع الجمهور أن "تكرار الفكرة يجعلها مقبولة كحقيقة مهما كان سخفها".
وبتفنيد سلوكيات بعض السياسيين سنجدهم يتبنون هذا النهج بحذافيره، فمن أبرز ما صرح به دونالد ترمب منذ وصوله إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى على سبيل المثال، ما أدلى به في مارس (آذار) 2017 عما سماه "أوباما غيت"، مدعياً أن الرئيس الأميركي السابق تجسس على مكالماته الهاتفية، من دون أي دليل، وقد فاز ببلبلة كبرى، وسبب فوضى عارمة، فيما التحقيقات لم تثبت شيئاً، كذلك فإن اتهاماً هائلاً بهذا الحجم لم يكن ليخرج من رئيس دولة أبداً بلا دلائل ومن دون أن يفكر ملياً في الطريقة التي سيعلن بها عن الأمر، فهو يكيل الاتهامات ويدلي بتصريحات وكأنها هواجس يفكر بها، وبدلاً من أن يسرها في نفسه يختار أن يطلقها في العلن، وهو إلى جانب كثر في إدارته الأولى والثانية يعتمدون على العبارات المختصرة التي تبدو رنانة وتصلح كمقاطع قصيرة تُتداول ويُبنى عليها من قبل مرتادي مواقع مثل "تيك توك" وغيره، حيث التدقيق والتريث بعيدان تماماً من هذا العالم.
يقول المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، المتخصص في الإعلام الرقمي والتسويق، فادي رمزي، إن أنماط الجمهور تتغير بصورة سريعة، وفي عالم السياسة لم يعد موقع "إكس" هو الأكثر تفضيلاً مثلما كان في وقت سابق، فقد دخل "تيك توك" بقوة وأصبح الانتشار عليه هدفاً مهماً للسياسيين ووسائل الإعلام الرسمية، إذ يتطلب نمط محتوى مختلفاً يعتمد على الدعابة والفيديوهات الخفيفة، لهذا يحاول العاملون في هذا الحقل مجاراته بكل الطرق التي قد تضرهم على المدى البعيد.
ويضيف أن "دخول الأجيال الأصغر سناً المعترك السياسي جعل المتنافسين يتصارعون للفوز بأصواتهم، ولهذا فإن أساليب التأثير فيهم تتطور بسرعة فائقة".
ويتابع رمزي "ترمب أيضاً في ولايته الثانية ركز بصورة أساسية على الأمور الاقتصادية، وتحدث مراراً عن فرض ضرائب باهظة على الدول التي تورد لبلاده كل السلع تقريباً، واهتزت الأسواق بين يوم وليلة وانهارت البورصات، لكنه ظل يشدد على قراراته، ثم بعد وقت قصير تراجع جزئياً أو كلياً، ثم بدأت الفكرة في التلاشي، وكلما كان في حاجة إلى (تريند) جديد استدعاها مجدداً"، ويستطرد "كذلك في مسألة غزة اعتمد ترمب التكرار، وعلى رغم حساسية التناول وصدامية المقترح بتحويل غزة إلى منتجع وتهجير أهلها، فإنه كان يسوقه كأنه أمر واقعي سيمر بسهولة، هذه الخطة التي قالها بشكل مباشر جرت العادة أن ينتقي السياسيون الأكثر رزانة أساليب أخرى في عرضها، إذ يمهدون أولاً للأمر بشكل غير مباشر، ثم يسربون معلومة هنا وأخرى هناك، ولكن ترمب هو من يتولى المهام كأنه يختبر ردود الفعل".
بالطبع القضايا كبيرة، ولا تُدار بالمصادفة، ولا يمكن اختصارها في بضعة تصريحات، ولكن الأسلوب الذي يختاره ترمب يعتمد على الرغبة في "الفرقعة" والانتشار أولاً، ثم تأتي التفاصيل الكبرى في ما بعد، إذ ينجح في إثارة الجدل وما هو أكبر من الجدل، ويربح الـ"تريند" أياماً وأسابيع، مفضلاً أن يستأثر هو بالاهتمام ويستحوذ عليه ولا يترك شيئاً تقريباً لأفراد المكتب الإعلامي للبيت الأبيض، الشيء نفسه حينما تبنى صورته بملابس البابا، على رغم الصدى السلبي والاستياء الذي خلفته هذه الصورة، إذ نصب نفسه كبابا افتراضي للفاتيكان عقب وفاة فرنسيس، وهو يفضل دوماً أن ينعم بالألقاب الكبرى بما يتماشى مع شعار حملته "سنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى".
طموحات وسطوة
يرى المتخصص في مجال العلوم السياسية والأمن القومي، زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، رامي عاشور، أن كل ما يفعله ترمب سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، موجه بصورة مباشرة إلى الناخب الأميركي، وأسلوبه في إدارة هذه المرحلة من ولايته يصب تماماً لمصلحة شعاره الشهير المتعلق بعودة عظيمة للولايات المتحدة.
ويضيف "هذا الأسلوب المعتمد على التصريحات المثيرة للجدل، حتى لو لم تكن مؤكدة، وحتى لو كانت مجرد انطباعات، يهدف إلى اللعب على الجماهير لا أكثر، فالسياسات والمواقف والرؤية الترمبية لها خصائصها التي تبحث عن السطوة الاقتصادية والسياسية والجماهيرية أيضاً، لذا فإن طريقته في التواصل الإعلامي تتبع هذا النهج الذي قد يجده بعض المتابعين صادماً".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير عاشور إلى أن "هناك بعض القرارات التي من المستحيل تنفيذها على أرض الواقع، ولكن ترمب يطلقها ليجذب الاهتمام، ثم في ما بعد يمكنه أن يتراجع عنها لأسباب قانونية أو غيره، لأن طموحاته مقيدة بفعل أمور كثيرة، لهذا فهو يعلن عنها بصفته الشخصية ليحقق منها ما يريد".
لكن المبالغة في تبني هذه الأساليب يمكن أن تخصم من رصيد الصدقية بسهولة، وتعبث بالصور الذهنية الراسخة، ويمكن أن تربك الناخب، مثلما فعلت عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري مارغوري تايلور غرين حتى وقت قريب، إذ كانت تتبنى مجموعة من نظريات المؤامرة البعيدة كل البعد من المنطق، وبينها أن حرائق الغابات التي تنتشر في الولايات المتحدة من حين لآخر هي نتاج شعاع ليزر يهوي من الفضاء، كما دعت صراحة إلى قتل رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي برصاصة في الرأس لاختلافها مع أفكارها.
فكيف تحول فن الدبلوماسية، المرادف للرزانة والدقة والثقة والصدقية، إلى لعبة للتنافس على السخرية والإضحاك والسبق غير المدروس الذي يشغل العالم أياماً وليالي، ثم يتضح أن الأمر كان مجرد "اقتراح" أو "مزحة" أو "توقع" أو أفكار بصوت عالٍ، هل باتت علوم السياسة في حاجة إلى تحديثات جديدة تتماشى مع نمط "الزعيم الإنفلونسر"؟
دبلوماسية المسار الثاني
يصف المتخصص في مجال العلوم السياسية رامي عاشور هذه الطريقة التي تميل إلى التسويق أكثر منها إلى السياسة التقليدية، بأنها يمكن أن تصنف ضمن أنواع دبلوماسية المسار الثاني، لافتاً إلى أنها "أداة سياسية ضمن أدوات القوة الناعمة، إذ يتباين استخدامها بصورة كبيرة، وتتطور بصورة ملحوظة. ووفق أدبيات السياسة فإن دبلوماسية المسار الثاني تشير إلى الحوار غير الرسمي وأنشطة حل المشكلات بين الأفراد أو الجماعات، ويتيح هذا النهج بحسب التعريفات المعمول بها إتاحة الفرصة لإجراء مناقشات مفتوحة من دون قيود المفاوضات الرسمية، مما يسهل بناء جسور ودية وتعزيز الثقة.
طريقة "الفرقعة السياسية" تنسحب أيضاً على زعماء ومسؤولين سياسيين في مناصب شديدة الحساسية، وبينهم الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو الذي عرف بأسلوبه الذي يشكك في الحقائق العلمية والبيئية ويطلق نصائح لا سند لها، إذ كان يتصدر محركات البحث بينما يسهم في تشويه صورة إدارته بطريقته غير المفهومة ولا المسؤولة.
كذلك لم يختلف عنه كثيراً الرئيس الفيليبيني السابق رودريغو دوتيرتي، وأيضاً تحول نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الحالي، رئيس الوزراء سابقاً، ديميتري ميدفيديف، إلى أحد نجوم السياسة الذين يشعلون مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم وآخر بتغريدة معادية تماماً للدبلوماسية، إذ يطلق تهديدات ومقولات هنا وهناك من دون أن يحاول التحقق مما يدلي به، بل عادة يلقي ما لديه ثم يستمتع بعاصفة الردود التي لا تتوقف.
كذلك لم يكن أحد يتوقع أن ينقاد وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف وراء تلك الحال، وأن ينشر فيديو في خضم الصراع العسكري بين بلاده والهند يسخر فيه من أعدائه، حين لجأ لنشر مشهد تمثيلي يعتمد على المبالغة، والرسالة المقصودة كانت هي التقليل من شأن الهند، اعتماداً على الصورة السينمائية النمطية وهي أنهم يعيشون في عالم غير واقعي وقوتهم مفتعلة، فقد كان مجمل المشهد أن الباكستانيين قادرون على هزيمة الهنود بأقل جهد. وهو هنا اعتمد على تكنيك كان قاصراً على من هم بعيدون كل البعد من دوائر صنع القرار ولا سيما في الأمور العسكرية، إذ تضمنت الرسالة إثارة الجدل ونشر رأي متطرف بصورة معلنة في توقيت شديد الحساسية، فالجيش الهندي هو الرابع عالمياً من جهة القوة في بلد تعداده يقترب من المليار ونصف المليار نسمة، لكن ما فعله آصف حقق التأثير المتوقع، إذ انتشرت تغريدته بصورة موسعة عبر العالم، وصادفت هوى الجماهير الهندية، وتصدر الـ"تريند" ببساطة، إنها طريقة الحرب النفسية والحرب على "الأكثر مشاهدة" و"الأكثر تداولاً".
الصدقية تتلاشى
استخدام الـ"سوشيال ميديا" في الترويج لمواقف الدول وقراراتها وتوجهاتها أمر معتاد، فهي في النهاية وسيلة أساسية لإيصال الرسالة للجماهير، وقد تكون أكثر تأثيراً من طرق الإعلام التقليدية، لا سيما للفئات الأقل رغبة في القراءة الطويلة، وبالطبع هناك أساليب وطرق مختلفة للتعامل مع هذه المنصات بما يتوافق مع طبيعتها، لكنها عادة لا تخرج عن المألوف.
لكن الأعوام الأخيرة شهدت تحولاً كبيراً في إدارات حسابات مواقع التواصل لبعض كبار القادة السياسيين في العالم، إذ تحولت بعض حسابات ذوي المناصب السياسية الفرعية إلى مصدر للنكات، وبالطبع أسلوب السخرية السياسية هو أسلوب ذكي ولكنه خطر للغاية، ويغذي فكرة الاستقطاب ويخلط الهزل بالجد، وهي أمور من المفترض أن تكون بعيدة من مصائر الشعب وقرارات الدول، بخاصة حينما يتعلق الموقف بالسلاح والحروب على الأرض.
أستاذ الإعلام الرقمي بالجامعة الأميركية بالقاهرة فادي رمزي، يعدد أهمية الـ"سوشيال ميديا" كعنصر أساس في الحياة السياسية الآن لتأثيرها الكبير في تشكيل وتوجيه الرأي العام، لا سيما في الحملات الانتخابية الكبيرة مثل انتخابات الرئاسة الأميركية على سبيل المثال، لكن هذا الاهتمام بها أصبح يحيد عن هدفه في بعض الأوقات، إذ لم تعد الدقة أو الصدقية والرصانة قيماً يُحتكم إليها، بل إن ما يجري في بعض الأوقات ـ وفقاً لرأيه ـ لا يليق بالواجهة السياسية التي يعبر عنها، إذ دخلت فيها وسائل تُوظف أو حتى تُزيف بالذكاء الاصطناعي من أجل السيطرة على انتباه المتابعين أطول فترة ممكنة.
وبعيداً من التوتر العسكري، فإن لدى الهند كذلك أحد أكثر السياسيين اهتماماً بأن يكونوا في بؤرة الضوء، وهو رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي يحضر بقوة على مواقع التواصل، وقد وصفته "بي بي سي" بأنه أحد قادة العالم الأكثر متابعة على "يوتيوب" و"إكس" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، فهو يحافظ بشدة على اسمه كعلامة تجارية، مخاطباً أنصاره بلغة شعبوية عاطفية، وحتى لو كانت تصريحاته غير دقيقة فإنهم يتفانون لأجله بسبب حرصه على الحديث إليهم بطريقة غير رسمية، حتى إن أحد أبرز معارضيه، السياسي الهندي شاشي ثارور، قال عنه إنه "موهوب في مخاطبة الجماهير. يأتي بشعارات ومقاطع صوتية وصور فوتوغرافية بطريقة لا مثيل لها"، قاصداً طريقته في إدارة حساباته عبر الـ"سوشيال ميديا"، التي لا تلتزم البيانات الرسمية أو المعلومات المؤكدة، وإنما تسعى إلى جذب الجمهور بطريقة الترويج التي يلجأ إليها المؤثرون.
المعروف أن الـ"سوشيال ميديا" تكافئ الضجة حتى لو كان الأمر مجرد شائعة، فمقارنة بطريقة السياسيين القديمة في إدارة الجدل بات الوضع أكثر تأزماً وتفاقماً مع كل هذه التطورات التكنولوجية، سواء في الإنتاجات البصرية التي تعزز وجهة النظر حتى لو كانت محض خيال وهواجس، وصولاً إلى المنصات المتشعبة التي تضمن الانتشار، لكن المثير للقلق أن هذا الأسلوب بات يخرج من رأس الدولة مباشرة، أو أرفع مسؤوليها، من دون حنكة، ولكن على طريقة التراشق، فتبدو وجهة النظر مزاجية تبتعد عن الحكمة، وكأن ساحة السياسة أصبحت مثل لعبة "فيديو جيم" أو سباق نحو الـ"لايك" والـ"شير".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 17 دقائق
- الوئام
ترمب يطالب جامعة هارفارد بحد أقصى 15% للطلاب الأجانب
هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اليوم الأربعاء جامعة هارفارد، مطالبًا إياها بفرض حد أقصى بنسبة 15% على عدد الطلاب الأجانب الذين تقبلهم، مطالبًا الجامعة بأن تعرض على إدارته قائمتها الحالية للطلاب من الدول الأخرى. وقال ترمب للصحافيين في المكتب البيضاوي: 'على هارفارد أن تحسن التصرف، تعامل هارفارد بلدنا بعدم احترام كبير وكل ما يفعلونه هو المزيد من الإصرار'. تأتي تصريحات ترمب في ظل توتر متزايد بين الإدارة الأمريكية والجامعات الكبرى. فقد ألغت الحكومة بالفعل ما يتجاوز 2.6 مليار دولار من المنح البحثية الاتحادية لرابطة جامعات Ivy League، التي تضم ثماني من أشهر وأقدم وأعرق جامعات الولايات المتحدة والعالم. جاء هذا الإلغاء بعد قرار الرابطة مقاومة مطالب الإدارة لها بإجراء تغييرات على العديد من سياساتها. ومن المتوقع أن تؤدي التخفيضات في العقود إلى سحب ملايين أخرى من ميزانية جامعة هارفارد.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
هل تقبل إيران بالتعليق الموقت؟
لم تبتعد سلطنة عمان من دورها بالعمل على نزع فتائل أي اختلاف قد يؤدي إلى نسف المسار التفاوضي غير المباشر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وهو ما يقتضيه الدور الذي اختارته القيادة العمانية بالوساطة بين الطرفين، بهدف تخفيف التوتر بينهما، ومنع استغلال أزمة البرنامج النووي لجر المنطقة إلى نزاع مفتوح وحروب جديدة قد تضع الإقليم أمام تحديات مفتوحة، تضاف إلى ما نتج من تحديات بعد معركة "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكما كانت مسقط المبادِرة إلى كسر حاجز انعدام الثقة بين طرفي التفاوض، ودفعت من أجل عودة الطرفين إلى طاولة الحوار، يبدو أنها وانطلاقاً من مهمتها ودورها كوسيط معنية بتقديم المقترحات التي تساعد على تدوير الزوايا والتخفيف من حدة التوتر نتيجة تصعيد مواقف طرفي التفاوض المرتبطة بالخلاف حول مسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، بين التشدد الأميركي المطالب بالتفكيك الكامل لهذه الأنشطة، والتمسك الإيراني بها باعتبارها خطاً أحمر لا مجال للتفاوض عليه. في ظل المخاوف من إمكانية انهيار المفاوضات على خلفية الصراع على الخطوط الحمر بين واشنطن وطهران، التي تزايدت قبيل انعقاد الجولة الخامسة بين الطرفين في العاصمة الإيطالية روما، تأتي الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مسقط واللقاء مع السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، التي من المفترض أن تحدد مصير الرؤية العمانية لحل الاختلافات بين طرفي التفاوض وتساعد على استمرارها، خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استبق هذه الزيارة بتأكيد إيجابية الجولة الخامسة واقتراب موعد التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال الأيام المقبلة، والتي قد لا تصل إلى أسبوعين. زيارة بزشكيان إلى مسقط، سبقها اتصال بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد فيه زعيم البيت الأبيض ضرورة التزام تل أبيب بالضوابط الأميركية وعدم تعريض المفاوضات لأية أخطار قد تقوضها، وتزامن أيضاً مع زيارات لمسؤولين ووزراء من حكومة ترمب إلى تل أبيب، أبرزهم وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم التي أعادت تأكيد موقف الرئيس من أي إجراء أو تصرف إسرائيلي أحادي ومنفرد ضد المنشآت النووية الإيرانية، لما له من تأثير سلبي على المفاوضات وقد يدخل المنطقة في نزاعات جديدة لا ترغب فيها واشنطن. الأهم في هذه الزيارة الرئاسية الإيرانية إلى مسقط، أنها تأتي في ظل المبادرة العمانية التي طرحها وزير خارجيتها بدر البوسعيدي لحل الخلافات التي نشأت بين طرفي التفاوض حول أنشطة تخصيب اليورانيوم، باعتبارها خطاً أحمر لدى كل منهما، وأن البحث حول هذه المبادرة سيكون محور المحادثات المباشرة التي سيجريها وزيرا خارجية البلدين الإيراني والعماني على هامش هذه الزيارة، ونتائج هذه المحادثات ستلعب دوراً رئيساً في تسهيل قرار تحديد الجولة السادسة للتفاوض والتي يأمل الرئيس الأميركي أن تصل إلى نتائج نهائية أو تضعها في مراحلها الأخيرة. التفاؤل الأميركي على لسان الرئيس ترمب بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع طهران قريباً، يدفع إلى الاعتقاد أن الجانب الأميركي وضع بتصرف الوسيط العماني أجوبته على ورقة المقترحات الإيرانية التي تم تبادلها مع الجانب الإيراني في الجولة الخامسة من المفاوضات بما ينسجم مع المبادرة العمانية، وأن المطلوب من الجانب الإيراني أن يقدم للوسيط العماني أجوبته على الورقة الأميركية، ورؤيته للخروج من مأزق الخطوط الحمر التي رفعها الطرفان. ما بين التكتيك الذي تنجح إيران بتحقيق الربح فيه، والفشل في ترجمة هذا التكتيك إلى ربح في البعد الاستراتيجي، وأبرز المؤشرات إلى هذه المعادلة غير المنسجمة بين التكتيك والاستراتيجية، الفرص الكثيرة التي أضاعها النظام الإيراني خلال العقدين الماضيين بالوصول إلى تفاهمات وتسويات مع الإدارة الأميركية، وبخاصة بعدما تجمع، بين يديه كثير من الأوراق والأرباح، ساعده في امتلاكها توسع نفوذه ودوره في منطقة غرب آسيا بمساعدة من حلفائه وأذرعه، إلا أن المماطلة ومحاولة الربح المطلق تحولتا إلى فشل استراتيجي وخسارة قاسية بعد الضربات التي تعرضت لها أذرعه وخسارته مناطق نفوذه في الإقليم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) التسريبات أو المؤشرات الأولى المتعلقة بالمبادرة العمانية تتحدث عن رؤية وسط قدمتها مسقط عبر وزير الخارجية البوسعيدي، تقوم على قبول إيران مبدأ تعليق كامل أنشطة تخصيب اليورانيوم على أراضيها لمدة ستة أشهر، مع إجراء عمليات تفتيش ورقابة مشددة غير مسبوقة لمواقعها ومنشآتها النووية، مقابل قيام واشنطن بإلغاء الجزء المتعلق أو المرتبط بالأنشطة النووية من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران. وبناء على التجارب السابقة، وبخاصة اتفاق أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004 بين إيران والترويكا الأوروبية برعاية منسق العلاقات والسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، آنذاك، خافيير سولانا، فإن التعليق الموقت الذي وافقت عليه إيران لأنشطة التخصيب استمر أكثر من عامين بدلاً من ستة أشهر، ولم تحصل إيران على الوعود التي قدمتها هذه الدول. لذلك فإن أي قبول إيراني بهذا الحل الوسط الذي قدمته عُمان لا بد أن تقابله شروط والتزامات واضحة ومكتوبة وقابلة للثقة من الجانب الأميركي، بعودة أنشطة التخصيب بعد انتهاء المهلة الزمنية، مع الاحتفاظ بحقها في التملص من هذا التعهد في حال لم يلتزم الطرف الآخر شروط التسوية المقترحة. لا شك أن الوسيط العماني، ومن ورائه الطرف الأميركي، لا ينتظران أن يلعن الرئيس الإيراني بزشكيان الموقف النهائي من المبادرة أو المقترحات الأميركية هذه، وأن الأخير، أيضاً، يدرك ويعرف الخطوط الحمر المرسومة له في هذه المفاوضات، بالتالي فإن الجهة التي من المفترض أن تكشف عن الموقف الإيراني ليست سوى وزير الخارجية عباس عراقجي كونه المكلف من المرشد الأعلى للنظام بهذا الأمر، وأن أية نتيجة تنتهي لها الاتصالات المستمرة بين الوزير الإيراني ونظيره العماني هي التي ستحدد مستقبل المفاوضات وطبيعة القرار الإيراني، خصوصاً أن المرشد الأعلى سبق أن رفض مبدأ التفكيك ولم يقارب مسألة التعليق الموقت، مما يترك الباب مفتوحاً أمام هذا المخرج الذي يضمن لإيران حقها في التخصيب على أراضيها، ويعطي للأميركي ما ينسجم مع الخط الأحمر الذي رسمه، ويسمح له بالتفرغ لمعالجة الضغوط الإسرائيلية التي يتعرض لها في هذا المجال، فضلاً عن معالجة كثير من الملفات العالقة في الإقليم بما فيها العلاقة المتوترة مع رئيس الوزراء نتنياهو.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
غضب ترمب يتفاقم مع ظهور عجزه أمام بوتين
مع استقرار الأجواء في واشنطن خلال عطلة "يوم الذكرى الأميركي" Memorial Day الهادئة كالمعتاد، وبعد إقرار مجلس النواب مشروع القانون الذي وصفه دونالد ترمب بأنه "كبير وجميل"، أطلق الرئيس الأميركي أحد تصريحاته الغاضبة المعهودة على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، لكن ما فاجأ الجميع هذه المرة هو الهدف الذي اختاره. فغضبه المستجد لم يكن موجهاً نحو أي من أعدائه السياسيين المعهودين، لا "الديمقراطيين" الذين صوتوا بالإجماع ضد حزمة الموازنة التي دعمها، ولا قلة من الجمهوريين الذين خرجوا عن طوعه، ولا حتى المسؤولين الأمنيين الذين سعوا على مر الأعوام إلى محاسبته. هجوم ترمب مساء الأحد كان موجهاً بصورة مباشرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فعلى رغم حديثه سابقاً عن "علاقة جيدة جداً" تجمعه ببوتين، إلا أنه انتقد بشدة سيد الكرملين، ووصفه في أحدث تصريحاته المتعلقة بالحرب الأوكرانية الروسية، بأنه "مجنون تماماً". كتب الرئيس الأميركي على موقع "تروث سوشال": "أنه يقتل بلا داع أعداداً كبيرة من الناس، ولا أتحدث عن الجنود فقط". وأضاف: "تطلق الصواريخ والطائرات المسيرة على مدن أوكرانية من دون أي مبرر"، وتابع محذراً: "كثيراً ما قلت إن هدف بوتين هو 'السيطرة على أوكرانيا بأكملها'، لا على جزء منها فقط. وإذا صح ذلك، فإن النهاية ستكون سقوط روسيا!". كرر ترمب التصريحات نفسها التي كان تضمنها حديثه مع الصحافيين في ولاية نيوجيرسي يوم الأحد، قبل أن يعود في اليوم نفسه لواشنطن، وقال: "إن بوتين يقتل عدداً كبيراً من الناس. لا أدري ما الذي حدث له، فأنا أعرفه منذ زمن طويل". كان تحول ترمب المفاجئ والحاد كاشفاً، وإن لم يكن على النحو الذي أراده. فقد تضمن منشوره ذاته انتقاداً عابراً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال فيه: "كل ما يخرج من فمه يسبب مشكلات، ومن الأجدر به أن يتوقف"، وهو ما كشف عن النية الحقيقية خلف نوبة الغضب، وهو أن الرئيس الأميركي إنما كان يداوي غروره المجروح. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محاطاً برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ ف ب/ غيتي) وبينما أصيب غروره في مقتل، بدأ ترمب يهاجم بوتين، الزعيم الروسي الذي بات الآن علناً يدحض مزاعمه المتكررة بأنه قادر على إنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في غضون "24 ساعة". وبعد أربعة أشهر على توليه الرئاسة، وكان يفترض أنه مستعد لوضع حد فوري للنزاع، تصاعدت الهجمات الروسية على الأراضي الأوكرانية خلال عطلة نهاية الأسبوع، في أعنف هجوم جوي تشنه موسكو منذ اندلاع الحرب. وعلى رغم كره الرئيس الأميركي للإقرار بأي فضل لفولوديمير زيلينسكي في توقعه الصحيح بأن القيادة الروسية لم تكن لديها نيات حقيقية لإنهاء الحرب، فإن الانفعال العاطفي لدونالد ترمب يأتي في الوقت الذي يبدو فيه أنه يدرك أن هذه المسألة يمكن أن تلحق ضرراً كبيراً بصورته كـ"صانع الصفقات" التي عمل جاهداً على الترويج لها وترسيخها. لكن الأهم من أن تشكل هذه الهجمات تهديداً لصورة ترمب كـ"صانع صفقات" قادر على الوفاء بتعهداته، هي أنها تنسف أيضاً كثيراً من تصريحاته الأخيرة في شأن الرئيس الروسي ورغبته المفترضة في إنهاء الحرب. فترمب، المعروف بعدم تقبله الظهور بمظهر المغفل أمام حلفائه، قال عن بوتين يوم الإثنين الماضي فقط: "أنا أؤمن بأنه يريد إنهاءها". لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رأى من جانبه أن دونالد ترمب بدأ يدرك أخيراً حقيقة موقف فلاديمير بوتين من الحرب في أوكرانيا، فقد قال ماكرون يوم الإثنين: "أعتقد أن الرئيس الأميركي بدأ يعي الآن أن بوتين كان يكذب عندما أبلغه بأنه مستعد للسلام"، مشيراً إلى ضراوة الهجمات الروسية الأخيرة كعامل حاسم في تغيير موقفه. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أضاف الرئيس الفرنسي: "لا يمكن لأحد أن يزعم الانفتاح على المفاوضات في وقت يواصل فيه شن هجمات في الميدان، إن هذا النوع من الازدواجية في الخطاب يكشف بوضوح عن زيف أي حديث عن الحوار". والآن، تتزايد التساؤلات في العاصمة الأميركية، عما إذا كان الرئيس ترمب سيترجم كلامه إلى أفعال. فقد توعد مراراً عدة بفرض عقوبات صارمة على روسيا إذا ما واصلت غزوها لأوكرانيا من دون بلورة حل، وكان آخر تعهد له في هذا الإطار جاء في المقابلة التي أجراها معه هذا الشهر بريت باير من قناة "فوكس". إلا أنه بعد أيام قليلة من إدلاء الرئيس ترمب بهذه التصريحات، ألمح في مؤتمر صحافي إلى أن إدارته - وفي حال لم يجر التوصل إلى اتفاق - قد "تنأى بنفسها" عن هذا الصراع، الأمر الذي قد يسمح بـ"استمرار" الحرب من دون أي تدخل من جانب الولايات المتحدة. هذه الإشارة إلى الانكفاء، يبدو أنها لا تلقى استحساناً داخل الكونغرس الأميركي، إذ تزايد الزخم للدفع قدماً بمشروع قانون جديد يحظى بدعم الحزبين في البلاد، ويقضي بفرض حزمة إضافية من العقوبات على روسيا، بحيث وقع عليه 81 عضواً من رعاة القرار في "مجلس الشيوخ" يوم الأربعاء الماضي، وفقاً لبيان مشترك صدر عن السيناتورين ليندسي غراهام ("جمهوري") وريتشارد بلومنثال ("ديمقراطي"). مشروع القانون الذي من المنتظر أن يوضع فوراً موضع التنفيذ في حال انهيار محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، ينص على فرض عقوبات على مجموعة واسعة من كبار الوزراء الروس، إضافة إلى الشركات والكيانات التي تتعامل مع القوات المسلحة الروسية. وقال السيناتوران في البيان المشترك: "لقد أعلنت روسيا أنها ستقدم خلال الأيام القليلة المقبلة مسودة مقترح لوقف إطلاق النار، وسيكشف مضمون هذا المقترح عن مدى جدية موسكو في السعي إلى السلام، لكننا نخشى أنها ستواصل نهجها المعتاد". وختم البيان بالتحذير: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه ولم يطرأ أي تغيير حقيقي، فعلى روسيا أن تستعد لرد حاسم من 'مجلس الشيوخ' الأميركي".