الفصام.. اضطراب مزمن يتطلب تفهمًا مجتمعيًا ورعاية مستمرة
إن هذا الاضطراب العقلي المزمن لا يغير فقط من طريقة تفكير الشخص وشعوره وسلوكه، بل غالبًا ما يخلق لديه انفصالًا عن الواقع المحسوس، لذا يأتي هذا اليوم ليكون فرصة ذهبية لرفع مستوى الوعي المجتمعي، وتحدي الوصمة المرتبطة بالمرض، وتقديم يد العون والدعم لأولئك المرضى ولأسرهم التي تخوض غمار تحديات يومية جسيمة، وهو ما تؤكد عليه منظمة الصحة العالمية دائمًا في حملاتها ومبادراتها.
وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص حول العالم، أو ما يعادل شخصًا واحدًا من كل 300 شخص. وبينما لا يُعد الفصام شائعًا بالقدر نفسه لبعض الاضطرابات النفسية الأخرى، إلا أنه يرتبط بمجموعة من الأعراض الأكثر خطورة، وضعف شديد في مجالات الحياة الشخصية والأسرية والاجتماعية والتعليمية والمهنية. المثير للقلق أن أكثر من ثلثي المصابين بالذهان حول العالم، بما في ذلك الفصام، لا يحصلون على الرعاية المتخصصة في مجال الصحة النفسية، وهي فجوة تعكس الحاجة الماسة إلى تعزيز الخدمات الصحية.
أسباب الفصام
تتجه الأنظار نحو استكشاف أسباب الفصام المتعددة، والتي لا تزال محط بحث وتفسير مستمر،وتعتقد منظمة الصحة العالمية أن هذا الاضطراب ينشأ عن تفاعل متشابك بين مجموعة من العوامل الوراثية، والتأثيرات البيئية، والتغيرات الكيميائية الحيوية في الدماغ. فالخيط الوراثي يلعب دورًا واضحًا، حيث يزيد التاريخ العائلي للمرض من احتمالية الإصابة، وتصل هذه النسبة إلى 10% لدى الأشخاص الذين لديهم قريب من الدرجة الأولى مصاب بالمرض، كما أن التعرض لضغوط نفسية شديدة، أو الإصابة بعدوى فيروسية في فترة الطفولة المبكرة، وحتى تعاطي المخدرات في سن المراهقة - خاصةً - قد تكون كلها عوامل مهيئة لظهور المرض.
وتؤكد الدراسات، كما يشير موقع "National Today" ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، أن أي اضطراب في التوازن الكيميائي لمواد معينة في الدماغ، مثل الدوبامين والسيروتونين، له دور كبير في ظهور الأعراض وتفاقمها. يُلاحظ أيضًا أن الأشخاص الذين نشأوا في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان قد يكونون أكثر عرضة للإصابة مقارنة بمن يعيشون في المناطق الريفية.
عندما يتغير الإدراك والسلوك
يشجع اليوم العالمي للفصام على فهم شامل للأعراض المتنوعة التي قد يعاني منها المرضى، التي تظهر في الغالب خلال أواخر سن المراهقة أو بداية العشرينات. وتبدأ الأعراض عادة لدى الرجال في بداية العشرينات إلى منتصفها، بينما تظهر لدى النساء في أواخر العشرينات، وتشمل هذه الأعراض الهلاوس التي غالبًا ما تكون سمعية، والأوهام الثابتة التي قد تجعل الشخص يعتقد أن الآخرين يتآمرون عليه، وتصيب الأوهام حوالي 4 من كل 5 أشخاص يعانون من الفصام، كما يظهر اضطراب في نمط التفكير والكلام، مع تبلد واضح في المشاعر، وضعف في التحفيز، وانسحاب اجتماعي ملحوظ. تتفاوت حدة هذه الأعراض بشكل كبير من شخص لآخر، وقد تتطور بشكل تدريجي أو تظهر فجأة. ولعل التغيرات المفاجئة في الشخصية أو الأداء الوظيفي قد تكون بمثابة المؤشر الأول على بداية هذا المرض، وهو ما تنبه إليه منظمة الصحة العالمية في إرشاداتها للتشخيص المبكر، ومن النادر جدًا أن تظهر الأعراض قبل سن العاشرة أو بعد سن الأربعين، وإن كانت هناك حالات تعرف ب "الفصام الطفولي" التي تتطلب تحديات خاصة في التشخيص والعلاج.
بصيص أمل في طريق التعافي
يسلط اليوم العالمي للفصام الضوء بقوة على الأهمية القصوى للدعم والعلاج. وعلى الرغم من أن الفصام لا يُشفى تمامًا في الوقت الحالي، إلا أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن التشخيص المبكر والعلاج المناسب يمكن أن يُحدثا تحولًا جذريًا وإيجابيًا في حياة المرضى.
وتشير الإحصائيات إلى أن شخصًا واحدًا على الأقل من بين كل ثلاثة أشخاص مصابين بالفصام يمكن أن يتعافى بشكل كامل مع الرعاية المناسبة،ويشمل العلاج عادة مزيجًا من الأدوية المضادة للذهان التي تساعد في السيطرة على الأعراض، إلى جانب العلاج النفسي الذي يقدم الدعم اللازم، ولا ننسى أهمية الدعم المجتمعي والتعليمي والمهني الذي يعزز من اندماج المريض، ويكمنالأمر الجوهري في إشراك العائلة وتثقيفها حول المرض، فالدعم الأسري القوي يقلل من حالات الانتكاس ويعزز من الاستقرار النفسي للمريض بشكل كبير، وهو ما توصي به منظمة الصحة العالمية كجزء لا يتجزأ من خطة العلاج الشاملة. لسوء الحظ، أكثر من 50% من الأشخاص الذين يعانون من الفصام لا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة، وترتفع هذه النسبة إلى 90% في البلدان النامية.
احتواء إنساني ومجتمع متفهم
إن اليوم العالمي للفصام يتجاوز كونه مجرد مناسبة للتوعية، ليصبح تذكيرًا إنسانيًا عميقًا بأهمية الاحتواء والتفهم. المصابون بالفصام ليسوا، كما تصوّرهم بعض الصور النمطية، "مجانين" أو خطرين، بل هم أفراد يعانون من حالة طبية تستدعي كل التفهم والرعاية. ولعل أعظم ما يمكن أن يقدمه المجتمع لهؤلاء الأفراد هو توفير بيئة متقبلة خالية من الوصمة، مع ضمان حصولهم على علاج فعّال ومتاح، وبث الأمل في نفوسهم بأن التعافي ممكن، والعيش حياة كريمة ومنتجة حق مشروع لهم. هذا هو جوهر الرسالة التي تسعى منظمة الصحة العالمية لنشرها، مؤكدة على حق كل فرد في الحصول على أفضل رعاية صحية نفسية، والعمل على سد الفجوة الهائلة في توفير الرعاية للمتضررين من هذا الاضطراب حول العالم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 10 ساعات
- الوئام
يونيسف: 815 إصابة بالكوليرا في الخرطوم يوميا
كشفت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة 'يونيسف'، اليوم الأربعاء، عن تزايد مضطرد في حالات الإصابة بالكوليرا بالخرطوم. وتتضارب إحصائيات الكوليرا في الخرطوم، حيث تقول وزارة الصحة إن الإصابات خلال أسبوع بلغت 2729 حالة تشمل 172 وفاة، فيما تفيد اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء بأن الحالات في أم درمان وصلت إلى 1335 إصابة و500 وفاة، بينما تتحدث منظمة الصحة العالمية عن 6223 حالة. وقالت يونيسف، في بيان تلقته صحيفة (سودان تربيون)، إن 'حالات الكوليرا في الخرطوم ارتفعت من 90 حالة يوميًا إلى 815 حالة يوميا بين 15 و25 مايو الحالي، أي بزيادة تسعة أضعاف خلال عشرة أيام فقط'. وأشارت إلى أن الحالات التي أُبلغ عنها في ولاية الخرطوم منذ يناير السابق تصل إلى 7700 إصابة و185 وفاة مرتبطة بالمرض. وأفادت بأنها تحتاج إلى 2ر3 مليون دولار إضافية لتمويل الاستجابة الطارئة للكوليرا في الخرطوم، في مجالات الصحة والمياه والنظافة والصرف الصحي والتغيير الاجتماعي والسلوك للحد من انتشار المرض ومنع فقدان الأرواح. وأوضحت أنها تُقدّم خدمات التغذية المنقذة للحياة عبر 105 برامج لإدارة المرضى الخارجيين في المرافق الصحية وأربعة مراكز استقرار في ولاية الخرطوم. وأطلقت وزارة الصحة أمس الثلاثاء حملة تطعيم فموي ضد الكوليرا في جنوب الخرطوم تشمل 115 ألف جرعة، يُنتظر توسعها إلى ثلاثة ملايين جرعة هذا الأسبوع.


الوئام
منذ 13 ساعات
- الوئام
'الصحة العالمية' تحذر من متحور جديد لكوفيد-19
تعود حالات الإصابة بكوفيد-19 للارتفاع مجددا مع بداية انتشار متحور جديد في بعض مناطق العالم. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، اليوم الأربعاء، أن الزيادة في حالات الإصابة تتركز بشكل أساسي في مناطق شرقي البحر المتوسط وجنوب شرق آسيا وغربي المحيط الهادئ. وكشفت عمليات الفحص في المطارات الأمريكية عن وجود المتحور الجديد لدى مسافرين قادمين من تلك المناطق إلى وجهات في كاليفورنيا وواشنطن وفرجينيا ونيويورك. ويطلق على المتحور الجديد اسم 'إن بي. 1.8.1'. وينتشر هذا المتحور الجديد في الوقت الذي يتغير فيه الموقف الرسمي للولايات المتحدة بشأن التطعيم ضد كوفيد-19. وأعلن وزير الصحة الأمريكي روبرت كينيدي الابن، أمس الثلاثاء، أن لقاحات كوفيد-19 لم يعد موصى بها للأطفال الأصحاء والنساء الحوامل – وهو قرار قوبل على الفور بتشكيك من جانب العديد من خبراء الصحة العامة. وقد تم تسجيل المتحور الجديد، الذي يتزايد انتشاره على مستوى العالم، بحلول منتصف شهر مايو، فيما يقرب من 11% من العينات المتسلسلة المبلغ عنها. وقامت منظمة الصحة العالمية بتصنيفه كـ'متحور تحت المراقبة'، وتعتبر أن خطره على الصحة العامة على المستوى العالمي منخفض، مع توقع أن تظل اللقاحات الحالية فعالة ضده. وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن بعض دول غربي المحيط الهادئ سجلت زيادة في حالات الإصابة بكوفيد-19 ودخول المستشفيات، لكن لا توجد حتى الآن أي دلائل تشير إلى أن المرض المرتبط بالمتحور الجديد أشد خطورة مقارنة بالمتحورات الأخرى.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
انهيار النظام الصحي يعمق مأساة مرضى الكوليرا بالسودان
تسببت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، التي لا تزال تعبث بجغرافيا السودان، في تفشي الأوبئة الفتاكة بصورة مخيفة خصوصاً وباء الكوليرا، جراء تلوث مصادر المياه نتيجة لتوقف عمل محطات المياه، في ضوء الهجوم الذي شنته "الدعم السريع" عبر طيرانها المسير على محطات الكهرباء، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في معظم أنحاء البلاد. ويأتي تصاعد حالات الإصابة بوباء الكوليرا، في ظل تحديات معقدة تمثلت في انهيار القطاع الصحي والنقص الحاد في الدواء والغذاء. وبحسب وزارة الصحة، جرى تسجيل 2700 إصابة بالكوليرا، 90 في المئة منها بولاية الخرطوم، فضلاً عن 172 حالة وفاة خلال أسبوع، في وقت يوجد مستشفى وحيد بمدينة أم درمان (إحدى مدن العاصمة الثلاث) يستقبل حالات الإصابة، مما جعل المصابين يفترشون أروقة المستشفى وظلال الأشجار وهم يتلقون العلاج. تدخلات عاجلة في الأثناء أطلقت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان نداء عاجلاً طالبت فيه بالتدخل العاجل لمواجهة تفشي وباء الكوليرا، الذي يشهد تصاعداً وسط أوضاع صحية وغذائية متدهورة جراء طول أمد الحرب، محذرة من ازدياد معدلات الوفيات إذا لم يجر العلاج المبكر واتباع سبل الوقاية. وأكدت اللجنة أن تفاقم الكوليرا يمثل تحدياً إضافياً لنظام صحي منهك، إذ تأتي هذه الأمراض والأوبئة في ظل نقص حاد للمحاليل الوريدية والمستلزمات الطبية والكوادر الصحية. وناشدت اللجنة المنظمات الدولية، على رأسها "منظمة الصحة العالمية" و"الصليب الأحمر" و"أطباء بلا حدود"، بضرورة دعم جهود وزارة الصحة الاتحادية والولائية والمبادرات الشعبية للسيطرة على الوباء ومنع تمدده في ولايات أخرى، إلى جانب تفادي خسائر جديدة في الأرواح. وطالبت السلطات الصحية في البلاد بإجراء تطهير للأماكن العامة وإغلاق الأسواق الشعبية، ومنع بيع الأطعمة المكشوفة ووقف نقل المياه بوسائل بدائية تفتقر لمعايير الصحة. يأتي تصاعد حالات الإصابة بوباء الكوليرا بالسودان، في ظل تحديات معقدة تمثلت في انهيار القطاع الصحي والنقص الحاد في الدواء والغذاء (اندبندنت عربية - حسن حامد) تداعيات كارثية في أعقاب تردي الأوضاع الصحية شرع متطوعون وناشطون في العمل الإنساني في إطلاق مبادرات تحت شعار "دعونا نكافح وباء الكوليرا" تهدف إلى توعية المواطنين بالتدابير الوقائية من المرض، إلى جانب نقل المصابين إلى المستشفى، وكذلك توفير الأكفان ودفن الموتى. في السياق، قال أمين عبدالقادر، المتطوع في العمل الإنساني في أم درمان، إن "الحرب منذ اندلاعها أفرزت تداعيات كارثية أثرت في صحة المواطن من نقص في الغذاء والدواء وانتشار الأمراض والأوبئة، بخاصة وباء الكوليرا الذي ينتشر بصورة متسارعة في أم درمان التي تشهد اكتظاظاً بالسكان سواء العالقين أم العائدين من مناطق النزوح". وأضاف عبدالقادر "في تقديري أن السبب الأساس في الإصابة بوباء الكوليرا هو تلوث مصادر المياه بعد استهداف مسيرات الدعم السريع محطات توليد الكهرباء، التي قادت بدورها إلى توقف شبكات المياه، مما جعل المواطنين يلجأون إلى الشرب من مياه النيل الملوثة بالجثث المتحللة، إلى جانب الآبار القديمة المهجورة التي لم تخضع للتعقيم طوال أشهر الحرب، وبالتالي تكاثرت البكتيريا والطفيليات، إلى جانب فضلات الحشرات والضفادع". وتابع "في ظل هذا الواقع المرير الذي بات مقلقاً ويبث الرعب والذعر وسط السكان كان لا بد من النهوض لمجابهة المرض ومساعدة المواطنين، إذ نشطت مبادرات واسعة شعارها العمل لمكافحة وباء الكوليرا، تشمل حملات توعوية لتعريف المواطنين بأسهل طرق الوقاية من الإصابة، تمثلت بمحاربة التلوث الناتج من مصادر المياه، وتجنب تناول الأطعمة المكشوفة والمعروضة في الأسواق وطهي الطعام جيداً وغسل اليدين بين فترة وأخرى، فضلاً عن استعمال المعقمات". ومضى في القول إنه "من ضمن المبادرات، توفير الأكفان والمغاسل حال حدوث وفيات ودفن الجثث، إضافة إلى توزيع فرق تطعيم في الأحياء السكنية بالتنسيق مع وزارتي الصحة الاتحادية والولائية لتخفيف حدة الوباء، فضلاً عن حملات العناية بالبيئة وجمع الجثث المتناثرة في الشوارع العامة، إذ يستوجب معها اتباع إرشادات السلامة والوقاية حتى يجري دفنها، بخاصة المتحللة ومجهولة الهوية، إضافة إلى تلك التي تقبر في المنازل والمدارس على يد أهلها لدواع أمنية، أو التي وجدها العائدون داخل البيوت المغلقة منذ هجرها". ولفت المتطوع في العمل الإنساني إلى أن "الأوضاع الصحية الحالية تتطلب اليقظة وتضافر الجهود من السلطات والمواطنين، بخاصة الطبقات الهشة التي تقيم في المناطق العشوائية، مع ضرورة التنبيه إلى استخدام المراحيض لقضاء الحاجة للحد من انتشار الأمراض المعدية والنواقل التي تسهم في تفاقمها". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) شح المحاليل من جهته يرى أحمد عبدالرحمن، عضو غرفة طوارئ أم درمان، أن "الأوضاع في مستشفى النو، وهو المستشفى الوحيد العامل في العاصمة، سيئة للغاية وتنذر بحدوث معضلة لا يحمد عقباها نظراً إلى انعدام الاهتمام من السلطات الصحية، فهذا المستشفى يستقبل في اليوم الواحد نحو 100 حالة بوباء الكوليرا من أجزاء واسعة بأم درمان بخاصة محلية كرري، لكنه يعاني محدودية قدرة الاستجابة لمثل هذه الحالات الطارئة وبهذا الحجم، فضلاً عن شح المحاليل الوريدية وأسرة التنويم". واستطرد عبدالرحمن "بسبب انتشار الوباء يجب وضع حلول للجثث المتحللة الملقاة في الطرقات، إلى جانب تطهير الأحياء السكنية، فهناك جثث اكتشفت متحللة داخل صناديق وآبار، إلى جانب مشارح المستشفيات. وأسهم في تفاقم الوباء رمي الجثث في مياه النيل بواسطة عناصر الدعم السريع، مما أدى إلى تسمم المياه بينما تعاني البلاد أزمة ماء خانقة، مما اضطر كثيرين إلى الشرب من النيل مباشرة". وأشار عضو غرفة الطوارئ إلى أن "الناشطين في غرف الطوارئ يبذلون جهوداً مضاعفة من أجل توفير مياه نظيفة للشرب للتقليل من الطوابير الطويلة للحصول على مياه نظيفة في ظل ارتفاع درجة الحرارة التي وصلت إلى 49 درجة مئوية، إضافة إلى توفير سيارات لنقل المصابين والمساهمة في تخفيف الضغط على مستشفى النو". انهيار صحي على الصعيد نفسه، قال طبيب الباطنية محمد مصطفى، الذي يعمل في أحد المركز الصحية بأم درمان إن "تفشي الكوليرا جاء نتيجة للتدهور البيئي، فضلاً عن أن البلاد تشهد بداية موسم الخريف الذي يسهم في تزايد نواقل الأوبئة، إلى جانب انتشار نفايات الحرب التي تعد من أكبر التحديات في تلوث المياه، وبالتالي فاقمت من انتشار الأوبئة بخاصة الكوليرا". وواصل مصطفى "من المؤكد أن استمرار الحرب كان عاملاً أساساً في تفشي بهذا الوباء، لكن المشكلة أن ارتفاع معدلات الاصابة به جاء نتيجة طبيعية لانهيار النظام الصحي وخروج نحو 80 في المئة من المستشفيات عن الخدمة، إلى جانب المراكز الصحية التي كانت تقدم الخدمات في الأحياء بسهولة ويسر، وباتت الآن تفتقر للمستلزمات الطبية العلاجية، فضلاً عن أن الوباء يتمدد جغرافياً ويعبث بالمواطنين في ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والقضارف وكسلا وغيرها، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية في البلاد". ولفت الطبيب إلى أنه "من المؤسف أن المرفق الوحيد الدي يستقبل الحالات هو مستشفى النو في أم درمان، ويشهد تكدساً بالمصابين والمرافقين الذين يحملون المحاليل الوريدية من دون توافر شروط احترازية أو السلامة الصحية، لذلك فإن الأمر يستدعي إعلان حالة الطوارئ في البلاد".