logo
الجنس: هل ينتهي بعد انقطاع الطمث؟

الجنس: هل ينتهي بعد انقطاع الطمث؟

الوسط٠٨-٠٤-٢٠٢٥

Getty Images
يُعَدّ انخفاض الرغبة الجنسية وجفاف المهبل، والتقلبات المزاجية الحادة - بعضاً من الأعراض التي تواجهها النساء في فترة انقطاع الطمث.
وبالنسبة للعديد من النساء، قد تبدأ هذه التغيرات قبل عشر سنوات من انقطاع الطمث، وهي المرحلة المعروفة بفترة "ما قبل انقطاع الطمث".
سوزان، امرأة في منتصف الأربعينيات من عمرها تعيش في فانكوفر بكندا، تمر الآن بهذه المرحلة، وتقول: "أصبح الجماع مؤلماً للغاية. رغم أنني ما زلت أشعر بالرغبة الجنسية إلا أن الألم يبعدني عن ممارسة العلاقة، لم أكن أدرك ما الذي يحدث، ولأكون صادقة، استغرق الأمر وقتاً قبل أن أخبر طبيبتي عن ذلك".
ومع ارتفاع متوسط عمر البشر، قد تعيش المرأة ما يقارب ثلث حياتها بعد انقطاع الطمث.
ويُعرف انقطاع الطمث بتوقف الدورة الشهرية نتيجة لانخفاض مستويات الهرمونات، مما يُشير إلى نهاية مرحلة الإنجاب لدى المرأة، وقد يصاحبه العديد من التغيرات الجسدية والنفسية.
وتقول الدكتورة عزيزة سيساي، وهي طبيبة عامة ومتخصصة في التثقيف الصحي في المملكة المتحدة، إن جفاف المهبل الذي يمكن أن يسبب ألماً أثناء الجماع، هو نتيجة مباشرة لانخفاض مستويات هرمون الأستروجين. وتضيف: بما أن الحديث عن الحياة الجنسية يُعَدُّ من المحرمات في العديد من الثقافات، "لا تزال هناك نساء يعتقدن أن الألم أثناء الجماع أمرٌ طبيعي، وأنه من مسؤوليتنا كنساء في العلاقات الجنسية تحمُّل هذا الألم لإرضاء شركائنا".
وتضيف الدكتورة عزيزة أنه بسبب هذه المعتقدات، قد لا تلجأ العديد من النساء إلى الطبيب مباشرةً لمعالجة هذه المشاكل، و"قد تستمر معاناتهن في صمت".
الهرمونات والأعراض الخفية
يُعتبر هرمون الأستروجين المسؤول الرئيسي عن الرغبة الجنسية، إلى جانب هرمون التستوستيرون الذي تفرزه المبايض. وعندما تبدأ مستويات هذه الهرمونات في الانخفاض، تشعر النساء بتغيرات في رغبتهن الجنسية.
روزي، التي تبلغ من العمر 45 عاماً وتعيش في ألمانيا، خضعت لعملية استئصال الرحم في سن الثلاثين بعد تشخيصها بسرطان المبيض، وأدى هذا الإجراء إلى انقطاع الطمث المبكر بشكل مفاجئ.
وقالت في حديثها مع بي بي سي إن التغيرات التي مرت بها كانت جذرية، وتوضح: "كنت أستمتع بالجنس كثيراً، وفجأة اختفت المتعة تماماً، لم أعد أشعر بأي تحفيز جسدي".
وتقول الاختصاصية النفسية والمعالجة الجنسية في كاليفورنيا، الدكتورة نازانين معالي، إن النساء اللواتي يمررن بفترة انقطاع الطمث يتوجّهن إليها في أغلب الأحيان بسبب نقص الرغبة الجنسية والألم أثناء الجماع.
وتوضح قائلةً: "في العديد من الحالات، يشعرن بالعجز. لكن هناك العديد من النساء اللائي يرغبن في ممارسة الجنس، لكنهن ببساطة لم يعدن مهتمات بالجماع".
وليس جفاف المهبل أو انخفاض الرغبة الجنسية فقط هما ما يجعلان النساء أقل رغبةً في هذه المرحلة من حياتهن، فبالنسبة لياس، البالغة من العمر 49 عاماً والمقيمة في المملكة المتحدة، كانت التهابات المسالك البولية المتكررة سبباً لفقدانها الرغبة في ممارسة الجنس.
وتقول لبي بي سي: "فقدت تماماً اهتمامي بالجنس لأنه في كل مرة يتبعه التهاب مؤلم للغاية"، وتضيف أن الأطباء لم يشخّصوا مشكلتها حتى فترة طويلة، على أنها مرتبطة بانقطاع الطمث.
وتوضح الدكتورة سيساي أن التهابات المسالك البولية تُعَدُّ من الآثار الجانبية لانخفاض مستويات هرمون الأستروجين، وتضيف: "عندما يفكر الناس في الأستروجين، غالباً ما يتبادر إلى أذهانهم الدورة الشهرية أو الجوانب التناسلية فقط، لكن الأستروجين هو هرمون قوي يعمل في مختلف أنحاء الجسم".
وتوضح أنه "مسؤول عن ترطيب المهبل والإحليل، وعندما تنخفض مستوياته، تصبح الأنسجة المحيطة بالإحليل رقيقة وجافة وأكثر عرضة للإصابة بالعدوى".
وفي العديد من الثقافات، يُنظر إلى الحياة الجنسية للمرأة على أنها مرتبطة بالإنجاب فقط، وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد الخاطئ بأن حياة المرأة الجنسية تنتهي بعد انقطاع الطمث.
وتضيف الدكتورة معالي أن اهتمام المرأة بأن تبدو في مرحلة الشباب قد يجعل هذه المرحلة من حياتها صعبة، حيث "تشعر بعض النساء بالحزن". لكنها تؤكد أن بعض النساء اللاتي يترددن عليها "يبدأن أفضل تجربة جنسية في حياتهن بعد انقطاع الطمث".
Getty Images
يتوفر العلاج بالهرمونات البديلة (HRT) بعدة أشكال، مثل الحبوب، واللصقات، والمواد الهلامية.
ما هي العلاجات المتوفرة؟
ووفقاً للدكتورة معالي، "توجد حلول لجميع تحديات انقطاع الطمث، وهناك العديد من التدخلات الطبية وغير الطبية التي يمكن أن تساعد النساء في مواصلة حياة جنسية نشطة والاستمتاع أكثر".
تعيش هالديتا، البالغة من العمر 65 عاماً، في لندن، وتقول إن حياتها الجنسية ازدهرت مع انقطاع الطمث، الذي تزامن مع طلاقها، وتضيف لبي بي سي: "انفصلت في سن 43، وبدأت أعراض ما قبل انقطاع الطمث تظهر عليّ في سن 45-46. شعرتُ بسعادة غامرة، أخيراً تحررتُ. في الواقع، بدأتُ أتمتع بحياة جنسية صحية ومثيرة للغاية في ذلك الوقت".
وعندما يتعلق الأمر بشغف الحياة الجنسية، فإن نصيحة الدكتورة معالي الأهم هي "إعادة تقييم نمط حياتك الجنسية". تقول "جميعنا لنا تصور لما ينبغي أن يكون عليه الجنس وما هو الجنس الجيد، ولكن مع تغير أجسامنا، نحتاج إلى تطوير وتعديل هذا النمط الذهني. في هذه المرحلة من حياتك، اسأل نفسك: ما هو الجنس الجيد بالنسبة لي؟".
كما تؤكد على أهمية المداعبة واستكشاف المتعة غير الاختراقية. "قد تُؤدي التغيرات في أنسجة المهبل إلى انخفاض حساسيتها، لذا يمكن أن يساعد استخدام ألعاب جنسية مثل الهزازات في تحسين التجربة".
إذا كانت أعراض انقطاع الطمث تؤثر سلباً على حياتك الجنسية، تنصح الدكتورة عزيزة سيساي "بالاستشارة الطبية، وتغيير الطبيب إذا لزم الأمر، وعدم الاستسلام أو الشعور بالحرج".
وتؤكد الدكتورة سيساي أن "العلاج الهرموني البديل (HRT) هو الخيار الأمثل، ويتوفر بعدة أشكال: اللصقات، والجِل، والحبوب، وقد لا يُسمح لبعض النساء باستخدام الهرمونات التي تنتقل عبر مجرى الدم مثل الحبوب، ولكن هناك دائماً علاجات موضعية يمكن استخدامها مباشرة على المهبل".
نيدا التي تعيش في نيوزيلندا، لم تستطع تناول حبوب العلاج الهرموني البديل بسبب إصابتها بالسرطان، تقول: "لكنني تلقيت علاجاً موضعياً عندما أصريت على رغبتي في العلاج الهرموني البديل لتحسين حياتي الجنسية. وتشخيصي بنوع خبيث من السرطان جعل الأطباء لا يعطون حياتي الجنسية الأولوية".
توضح الدكتورة عزيزة أن هناك أيضاً علاجات متاحة دون الحاجة لوصفة طبية، مثل المرطبات والمرطبات المهبلية، لكنها تنصح بالتحقق من مكوناتها لتفادي أي حساسية.
بالنسبة للنساء اللواتي يعانين من ضعف في عضلات قاع الحوض، فإن العلاج الطبيعي متوفر. ومع ذلك، ما تنصح به الدكتورة سواء في فترة انقطاع الطمث أو سواها، هو "تغيير نمط الحياة: ممارسة الرياضة، تناول الفاكهة والخضراوات، التقليل من شرب الكحول أو الامتناع عنه تماماً، الإقلاع عن التدخين، والحفاظ على الوزن".
ومن أبرز الأمور التي تُشدد عليها الدكتورة سيساي أهمية العناية بالنفس، إذ ترى أن "العناية بالنفس ليست أنانية. حاولي أن تزيلي التوتر من بيئتك. كثيراً ما تحاول النساء تحمّل الكثير كما لو كنّ خارقات. اطلبن المساعدة، وإذا لم تشعرن بالرغبة في طلبها، فاقبلنها على الأقل عندما تُعرض عليكن".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إنقاص الوزن السريع: ما الذي لا يخبرنا به "فم أوزمبك"؟
إنقاص الوزن السريع: ما الذي لا يخبرنا به "فم أوزمبك"؟

الوسط

timeمنذ 13 ساعات

  • الوسط

إنقاص الوزن السريع: ما الذي لا يخبرنا به "فم أوزمبك"؟

Getty Images كثيرون هم من يحلمون بإنقاص أوزانهم والحصول على قوام ممشوق. لكن هذا الحلم يبدو في كثير من الأحيان صعب المنال لما يتطلبه من مثابرة وانضباط. وفي عصر تتسم وتيرته بالتسارع، وتنتشر فيه الحلول الفورية والسهلة، ربما تبدو الحميات التقليدية والرياضة طرقا شاقة، ولا سيما مع إغراءات الوجبات السريعات وقضاء ساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية. ومع التطورات العلمية والتقنية تبرز طرق جديدة تعد بتقديم حل سحري: أدوية تعد بنتائج سريعة، وأنظمة غذائية صارمة تختزل المسافة. وفي خضم هذا الهوس بالنحافة، تظهر مصطلحات "ترند" تطالعنا بها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإعلامي مثل "فم أوزمبك" (Ozempic Mouth) لتكشف لنا جانبا آخر من القصة، هو الآثار الجانبية للنتائج السريعة. فما هو "فم أوزمبك"؟ وهل تقتصر الآثار الجانبية لفقدان الوزن السريع على المظهر، أم تشمل أيضا مخاطر صحية محتملة. "فم أوزمبك" و"وجه أوزمبك" أوزمبك هو الاسم التجاري لعقار يحتوي على مادة فعالة تسمى سيماغلوتايد (semaglutide)، وهو عبارة عن حقن أو أقراص توصف بالأساس لمرضى النوع الثاني من مرض السكري وفي بعض الأحيان لمن يعانون من السمنة. وينتمي العقار إلى فئة من الأدوية تعرف باسم أدوية جي. إل.بي-1(GLP-1) التي تعمل من خلال محاكاة تأثير هرمون جي.إل.بي-1 الذي ينظم السكر في الدم ويتحكم في الشهية ويبطئ من عملية الهضم. وقد حظيت تلك الأدوية بشعبية كبيرة في الأعوام الأخيرة، ولا سيما بعد أن تحدث مشاهير عن اللجوء إليها لإنقاص أوزانهم – حتى ولو كان بعضهم لا يعاني من السمنة. و"فم أوزمبك"، أو "وجه أوزمبك" كما كان يشار إليه سابقا، هو مصطلح تستخدمه وسائل الإعلام بالأساس للإشارة إلى التغيرات التي تطرأ على الوجه، وخصوصا حول الفم، والتي تصاحب فقدان الوزن السريع الذي تتسبب فيه أدوية جي.إل.بي-1 مثل أوزمبيك أو ومنجارو أو ويغوفي. هذه التغييرات تشمل ظهور التجاعيد والخطوط وترهل الجلد وإعطاء مظهر غائر أجوف للخدين أو العينين. يقول الدكتور أندرو كرنوهان استشاري الغدد الصماء ومدير عيادة The Weight Loss Medics لـ بي بي سي عربي إن ذلك "يشكل مصدرا حقيقيا للقلق لبعض الأشخاص. ويحدث ذلك بسبب فقدان الدهون تحت الجلد في منطقة الوجه". ما المعدل الآمن والمستدام لنقصان الوزن؟ يقول الدكتور كرنوهان إن فقدان "نصف كيلو غرام إلى كيلوغرام واحد في الأسبوع يعد معدلا آمنا ومستداما. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين بدأوا لتوهم في فقدان الوزن، فإن معدلا أسرع قليلا في الأسابيع القليلة الأولى يعد مقبولا". ويضيف أن تخطي المعدل المشار إليه بعد الشهرين الأولين يعد بشكل عام أسرع مما ينبغي، ويشير إلى أن "اتباع نهج فردي يأخذ بعين الاعتبار الإنفاق الطاقي الكلي والعجز في السعرات الحرارية وتركيبات العناصر المغذية الصغرى والكبرى من الممكن أن يسهم بشكل أفضل في توجيه القرارات العلاجية ومنع فقدان الوزن السريع وما يرتبط به من مخاطر". Getty Images كانت أدوية جي.إل.بي-1 تعطى بالأساس لمرضى النوع الثاني من مرض السكري لتنظيم مستويات الغلوكوز في الدم. مخاطر صحية بالتأكيد فقدان الوزن بسرعة سيشكل مصدر سعادة لمن يتناولون تلك العقارات أو يتبعون حمية صارمة لا تسمح لهم سوى بعدد صغير جدا من السعرات الحرارية. لكن المشكلة أن الخسارة السريعة للوزن تصاحبها آثار سلبية أخرى محتملة لا تقتصر فقط على التغيرات الشكلية التي يشير إليها مصطلح "وجه أوزمبك". تشمل تلك الآثار، وفق الدكتور كرنوهان: زيادة خطر الإصابة بحصوات المرارة ومشكلات صحية في الكبد أو القنوات الصفراوية. وقد يسبب ذلك مشكلة للأشخاص الذين يتناولون عقارات جي إل بي-1، إذ تتضاعف خطورة الإصابة بتلك الأمراض. زيادة خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس. هناك دليل على تسارع فقدان كثافة العظام. زيادة خطر تساقط الشعر. الجفاف مشكلة رئيسية تواجه الأشخاص الذين يفقدون الوزن بسرعة كبيرة. فمعظم السوائل التي نتناولها مرتبطة بالأكل، وعندما تنخفض السعرات الحرارية بشكل كبير من الممكن أن يحدث الجفاف أو يحدث انخفاض حاد في وظائف الكلى. الإرهاق والضعف ربما يكونان إشارة على فقدان الوزن بسرعة غير آمنة. نقص المغذيات الدقيقة. وفي حين يقول الدكتور كرنوهان إنه شهد هذه الآثار الجانبية لدى أشخاص يتعاطون عقاقير جي إل بي-1، فإنه يشدد على أنه "من الصعب للغاية تحديد إلى أي مدى كان السبب في هذه المشكلات فقدان الوزن السريع في حد ذاته أم تلك العقاقير". ولكن تنبغي الإشارة إلى أن ثمة أعراض جانبية مرتبطة بتعاطي حقن إنقاص الوزن على وجه الخصوص، أكثرها شيوعا الدوار والقيء والانتفاخ والإمساك والإسهال. بالنسبة لكثيرين، تتوقف هذه الأعراض مع مرور الوقت، لكن بعضهم يقولون إنهم كفوا عن تعاطيها بسبب تلك الأعراض. ويحذر الخبراء من أن التعقيدات الناتجة عن تعاطي تلك الحقن قد تكون أسوأ في حال سوء استخدامها، على سبيل المثال عندما تؤخذ بدون استشارة الطبيب أوتُشترى عبر الإنترنت من مواقع غير مرخصة ولا تخضع للرقابة. Getty Images تداولت وسائل إعلام غربية صورا للمذيعة البريطانية شارون أوزبورن كمثال على أعراض "وجه أوزمبك" بعد تعاطي حقن إنقاص الوزن. فقدان الدهون مقابل فقدان العضلات الوزن الذي نفقده، سواء باتباع حمية غذائية أو عن طريق الأدوية، عادة ما يكون بالأساس مزيجا من الدهون وكتلة العضلات والماء، فضلا عن بعض المكونات الأخرى. يقول الدكتور كرنوهان إنه "وفق غالبية الدراسات، يشكل فقدان العضلات حوالي 25 في المئة من الوزن المفقود، سواء عن طريق الحمية أو أدوية جي. إل. بي-1. في الأسابيع الأولى من فقدان الوزن، يشكل الماء نسبة أعلى من الوزن المفقود. سبب ذلك على الأرجح هو استنفاد مخزون الغلايكوجين". والغلايكوجين هو نوع من الكربوهيدرات يوصف بـ "النشا الحيواني"، ويتكون من جزيئات عديدة من الغلوكوز. يوجد الغلايكوجين بالأساس في الكبد والعضلات، وينتقل إلى الدم عندما يكون الجسم بحاجة إلى الطاقة بشكل سريع – على سبيل المثال أثناء ممارسة التمرينات الرياضية أو بين الوجبات. وفقدان كتلة العضلات قد يشكل خطرا على الصحة العامة، إذ يؤدي إلى إضعاف القوة البدنية والقدرة على أداء المهام والوظائف ويبطئ معدل الأيض ويزيد من مخاطر التعرض للسقوط والإصابات والكسور. يقول كرنوهان إنه "من خلال التركيز على كميات كافية من الماء والأطعمة الغنية بالبروتين والكثير من الخضروات والفواكه الطازجة، فضلا عن ممارسة التمرينات الرياضية، من الممكن تخفيف مخاطر فقدان العضلات. ينبطق ذلك على أي استراتيجية ناجحة لإنقاص الوزن، لكن المخاطر قد ترتفع مع تعاطي أدوية جي إل بي-1 ببساطة لأنها أكثر فاعلية في كبح الشهية". وفيما يتعلق بفقدان الدهون أسفل الجلد، تقول أخصائية التغذية بريدجيت بنيلام إنه "قد لا يكون من الممكن تفادي بعض المشكلات مثل التجاعيد أو ترهل الجلد عند فقدان كمية كبيرة من الوزن، لا سيما عندما يتم ذلك بسرعة". بعض الأشخاص يتناولون مكملات الكولاجين لتحسين مظهر البشرة وتقليل التجاعيد، ورغم أن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى ان تلك المكملات قد تكون مفيدة لصحة الجلد والبشرة، إلا أن الكثير من الخبراء والهيئات الصحية، ومن بينها هيئة سلامة الغذاء الأوروبية، يرون أن ثمة حاجة إلى المزيد من البحث في هذا المجال وأنه لا يوجد حتى الآن أدلة علمية كافية على تلك الفوائد. Getty Images ممارسة الرياضة وتناول أطعمة غنية بالعناصر الغذائية اللازمة وكميات كافية من الماء في غاية الأهمية لضمان إنقاص الوزن بطريقة آمنة. كيف نحمي صحتنا خلال إنقاص الوزن؟ يشدد الدكتور كرنوهان على أهمية فقدان الوزن الآمن والمستدام وتفادي فقدان الوزن السريع. بالنسبة للأشخاص الذين يتناولون عقاقير جي.إل.بي-1، يقول كرنوهان إنه يوصيهم بإجراء "تغييرات مستدامة في النظام الغذائي والتمرينات الرياضية، مع التأكيد على أهداف يتم الاتفاق عليها مع المرضى، وتوضيح المخاطر المرتبطة بفقدان الوزن بمعدل سريع للغاية. إذا ما حدث فقدان الوزن بسرعة مفرطة، فإنني غالبا ما أنصح بتقليل جرعة أدوية التخسيس مع تقديم نصائح تتعلق بالنظام الغذائي ونمط الحياة". اتباع أنظمة غذائية تشمل تخفيض السعرات الحرارية بشكل كبير ينبغي أن يكون "تحت إشراف أخصائيي تغذية مؤهلين لضمان تلبية احتياجات الجسم من العناصر الغذائية"، وفق بنيلام، التي تضيف أن ذلك قد يشمل "إعطاء إرشادات لاختيار أطعمة غنية بالعناصر الغذائية، بالإضافة إلى نصائح حول تناول المكملات الغذائية أو الأطعمة المدَعّمة للوفاء بالاحتياجات الغذائية". في سباق إنقاص الوزن، أحيانا يكون من السهل التركيز على ما تعكسه المرايا – لا سيما مع تركيز وسائل الإعلام ووسائل التواصل على مصطلحات تلفت الانتباه من قبيل "فم أوزمبك" أو "وجه أوزمبك". لكن مظاهر الصحة الجيدة ليست دائما مرئية. ففقدان الوزن السريع قد يكون له ثمن صحي يدفعه الجسم على المدى الطويل. ورغم أن رحلة إنقاص الوزن يمكن أن تحقق الكثير من الفوائد الصحية مثل تقليل خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري ومرض القلب وارتفاع ضغط الدم، فضلا عن تحسين صحة المفاصل، إلا أنها ليست مقاسا واحدا يناسب الجميع، فكل جسم يستجيب بطريقة مختلفة. لذا تظل استشارة الأطباء والمتخصصين المؤهلين خطوة ضرورية لضمان أن يكون المسار آمنا ومستداما.

عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟
عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟

الوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الوسط

عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟

Getty Images غالباً ما تفشل الأعمال الدرامية والسينمائية في تقديم صورة دقيقة للاضطرابات النفسية كالفصام واضطراب الهوية التفارقي، مما يُسهم في تشويه فهم الجمهور لهذه الحالات ماذا لو شعرت أن ذاتك تُفلت من سيطرتك لساعات دون وعي؟ أو استيقظت ذات صباح لتجد منزلك مطلياً بلونٍ جديد لم تختره؟ ماذا لو وجدت نفسك تخوض جدالاً مع أصوات لا يسمعها سواك، أو تتلقى أوامر من شخصٍ أو كائن لا يراه أحد غيرك؟ هذه ليست مشاهد من رواية تشويق أو فيلم إثارة، بل تجارب واقعية يمر بها الملايين حول العالم، ممن يعانون من حالتين نفسيتين يُساء فهمهما باستمرار في مجتمعاتنا: "الفصام" و"اضطراب تعدد الشخصيات" الذي بات يُعرف اليوم بـ"اضطراب الهوية التفارقي". بين الحكاية والعلم Getty Images كان إسحاق يسرق دجاجة كل يوم، مبرراً ذلك بجنية من نار تُدعى "الساكونة" تهدده بإحراق القرية إن لم يفعل ذلك. من بين حكايات أمي التي كانت ترويها لي قبل النوم، بقيت حكاية إسحاق محفورة في ذاكرتي. كانت أمي تؤكّد أنها حقيقية، ودارت أحداثها في قريتها ديراستيا - قرب نابلس، منتصف القرن العشرين. كان إسحاق يسرق دجاجة كل يوم، مبرراً ذلك بجنية من نار تُدعى "الساكونة" تهدده بإحراق القرية إن لم يفعل ذلك. وكان يأخذ أهل القرية إلى مقام وليّ يُدعى "الشيخ خاطر" ليُريهم الدجاج مذبوحاً. تقول أمي: "قرأ عليه شيخ الحارة رُقية بعدما أجمع أهل القرية أن الجنّ قد تلبّسه، لكن ذلك لم يُجْدِ نفعاً، وبقي يسرق ويذبح الدجاج حتى توفاه الله". في طفولتي، كنت أرتجف من وصف تلك الجنية. أما اليوم، فأرى القصة بعينٍ مختلفة. أدركت أن إسحاق ربّما كان صادقاً، ورأى ما أملاه عليه عقله. وعلى الرغم من تقدم الطب كثيراً مقارنة بما كان عليه قبل سبعين عاماً — حين دارت حكاية إسحاق — لا تزال مفاهيم كثيرة متعلقة بالصحة النفسية يكتنفها الغموض، ويحيط بها قدر كبير من الخلط والتبسيط الخاطئ. من أبرز هذه المفاهيم المغلوطة، الخلط بين "الفصام" و"اضطراب تعدد الشخصيات" الذي بات يُعرف اليوم بـ"اضطراب الهوية التفارقي". توضح الدكتورة مايا بزري، أخصّائية الطب النفسي في كليفلاند كلينك، لبي بي سي أن "الفُصام اضطراب ذُهاني، يتّسم بفقدان القدرة على التمييز بين الواقع والخيال، ويظهر في شكل هلوسات وأوهام، واضطراب في التفكير، إضافة إلى أعراض سلبية مثل الانسحاب الاجتماعي وفقدان الدافعية". والهلوسات هي رؤية أو سماع أشياء لا وجود لها (كجنيّة إسحاق)، أمّا الأوهام فهي معتقدات راسخة لا يزعزعها أي دليل يثبت خطأها. أما اضطراب الهوية التفارقي، فهو "ليس ذهانياً، بل اضطراب يأتي استجابة نفسية لصدمة ما، يتجلى في حضور أكثر من هوية مستقلة داخل المريض"، إلّا أن هذه الهويّات لا تفقد صلتها بالواقع — كما في الفُصام، لكنها تتبدل. هذا التمييز ليس تفصيلاً طبياً فقط، بل مدخل أساسي لفهم الفروقات بين حالتين متمايزتين كثيراً ما يخلط الناس بينهما. الفُصام - حين ينفصل العقل عن الواقع Getty Images يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص أو 1 من كل 300 شخص (0.32 في المئة) في جميع أنحاء العالم. 1 من كل 222 شخص (0.45 في المئة) بين البالغين. (منظمة الصحة العالمية) مصطلح "فُصام" أو شيزوفرينيا جاء من كلمتين يونانيتين: "شيزو" وتعني انقسام، و"فرين" وتعني عقل. وقد يكون هذا الأصل اللغوي مسؤولاً جزئياً عن المفهوم الخاطئ المنتشر بأن الفُصام يعني "انقسام الشخصية" — بينما هو في الحقيقة أمرٌ مختلف. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص أو 1 من كل 300 شخص في جميع أنحاء العالم، ما يشكّل واحداً من كل 222 شخصاً بين البالغين. تروي الدكتورة بزري مثالاً من واقع عملها: "أحد مرضاي من الرجال، في العشرينات من عمره، دخل المستشفى للتو، يعتقد أن جيرانه يتحكّمون بأفكاره عبر الأقمار الصناعية، ويراقبونه بالكاميرات". وتضيف: "هذه الأوهام مثيرة للقلق له ولعائلته، وقد تؤدي إلى سلوك خطير إذا كانت الأصوات تأمره بإيذاء نفسه أو الآخرين". بالإضافة إلى الهلاوس والأوهام، يعاني مريض الفُصام من "الأعراض السلبية" التي قد تكون أقل وضوحاً من الأعراض الذهانية، لكن أثرها يبقى حاضراً في حياته. تشمل هذه الأعراض الانسحاب الاجتماعي، وفقدان الحافز، والتبلد العاطفي، وعدم العناية بالنفس، بحسب بزري — وهي الأعراض التي ربما تفسّر مظهر إسحاق المهلهل في حكاية أمي. عندما تستحوذ الهلاوس والأوهام على المريض، فإنها تطغى على وعيه وتشوه إدراكه للواقع، ليصبح عالمه الداخلي منفصلاً عن العالم المشترك الذي يراه الآخرون، وليس "منقسماً بين شخصيات مختلفة" كما يُشاع. الفُصام ليس تحولاً درامياً نحو الجنون كما تصوره بعض الأعمال الفنية أو الروايات الشعبية، بل هو تشوش في العلاقة مع الواقع، تتداخل فيه الأصوات مع الأفكار، وتتشكل فيه أوهامٌ وهلاوس لها حضور طاغٍ في وعي المريض. لعل إسحاق لم يكن مُخادعاً كما ظنه أهل قريته، ولا مُتلبّساً كما أجمعوا، بل ربما كان شاهداً مبكراً على الإدراك المضطرب للواقع الذي يرافق الفُصام. لم يكن يرى جنية حقيقية (على الأرجح)، بل كان يرى ما أملاه عليه دماغه المضّطرب. اضطراب الهوية التفارقي - عندما تصبح الهوية ملاذاً آمناً Getty Images تشير التقديرات، بحسب دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب، إلى أن اضطراب الهوية التفارقي يصيب حوالي 1.5٪ من سكان العالم. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن معدلات الانتشار يمكن أن تختلف عبر الدراسات المختلفة. أُدخلت ليندا (اسم مستعار) وهي امرأة في الأربعين من عمرها إلى المستشفى على خلفية مشاكل قانونية. فقد تبيّن أنها وقّعت عقد تأجير لأرض ورثتها ولا تتذكر عنها شيئاً. أصرّت عائلتها على أنها 'لم تكن في حالها الطبيعي' وقتها، وأن شيئاً غير معتاد كان يحدث لها. ومع مرور أيام المراقبة في المستشفى، بدأ يتضح ما قصدته عائلة ليندا. لم يكن الأمر مجرد نسيان عادي. لاحظ الفريق الطبي تبدلاً في شخصيتها. كانت أحياناً تظهر كامرأة ناضجة، مرتبة ومنظمة، تتحدث بوضوح وعقلانية. وفي أحيان أخرى، كانت تتحول إلى شخصية مختلفة تماماً؛ تتحدث بصوت طفولي، وتستخدم اسماً مختلفاً لنفسها، وتهدي الممرضين أساور صداقة، وتبحث عن الطمأنينة والدعم العاطفي. تقول الدكتورة بزري: "كانت هذه التحولات واقعية وعميقة، وليست مصطنعة أو متعمدة، والأهم أن ليندا البالغة لم تكن تتذكر شيئاً مما فعلته أو قالته ليندا الطفلة." لم تكن ليندا تعاني من فقدان صلتها بالواقع (كما يحدث في الفُصام)، بل كان عقلها قد لجأ إلى آلية دفاعية معقدة لحمايتها من الألم، كما توضّح بزري. شُخّصت ليندا باضطراب الهوية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصية سابقاً). ينشأ هذا المرض غالباً في مرحلة الطفولة المبكرة، نتيجة صدمات شديدة مثل الإهمال أو العنف الأسري. ولأن الطفل لا يملك الأدوات النفسية الكافية لمواجهة هذا الألم، فإن عقله يلجأ إلى آلية دفاعية شديدة: تفتيت الهوية إلى ذوات متعددة، تحمل كل واحدة منها مشاعر وذكريات وتجارب مختلفة، كما تصف بزري، المختصة في الطب النفسي الجسدي والتكاملي. وقد يكون لكل من هذه الشخصيات البديلة خصائصها الفريدة: كأن تحمل كل شخصية اسماً مختلفاً، أو صوتاً مميزاً، وذاكرة منفصلة، وحتى طريقة كتابة أو خط يد خاص بها. وفي بعض الحالات، قد تختلف في السلوكيات أو حتى في الاحتياجات الجسدية، مثل حاجة إحدى الهويّات، دون غيرها، لنظارة طبية، بحسب مايو كلينيك. وإن جاز التعبير، فإن عقل المريض بهذا الاضطراب يختبئ في غرفة داخلية؛ يهرب فيها من الألم ويُغلق الباب. تشخيصان مختلفان... لكن الارتباك الثقافي مستمر Getty Images كثيراً ما تُقدَّم اضطرابات كالفُصام واضطراب الهوية التفارقي في الأعمال الدرامية بصورة غير دقيقة، مما يُكرّس مفاهيم مغلوطة ويُعمّق الوصمة الاجتماعية غالباً ما تفشل الأعمال الدرامية والسينمائية في تقديم صورة دقيقة للاضطرابات النفسية كالفصام واضطراب الهوية التفارقي، مما يُسهم في تشويه فهم الجمهور لهذه الحالات. يؤكّد ذلك مقال نشره موقع التحالف الوطني للأمراض العقلية، وهي منظمة أمريكية تُعنى بالمصابين بأمراض نفسية وعقلية. كثيراً ما تُقدَّم اضطرابات كالفُصام واضطراب الهوية التفارقي في الأعمال الدرامية، لا سيما في هوليوود، بصورة غير دقيقة، مما يُكرّس مفاهيم مغلوطة ويُعمّق الوصمة الاجتماعية. إذ يُختزل اضطراب الهوية التفارقي، في كثير من الأحيان، إلى تحوّلات مسرحية بين شخصيات متضادة، أو يُصوَّر كحالة مرتبطة بالعنف أو السلوك الإجرامي. أما الفُصام، فنادراً ما يظهر في الإعلام دون أن يُقرَن بالعنف أو السلوك غير المتوقع، وهي صورة تعتبرها منظمات الصحة النفسية "مجحفة وموصِمة". فمرضى الفصام عرضة أن يكونوا ضحايا للعنف لا مسببين له. ويُستخدم في هذا السياق مصطلحات مُسيئة وغير دقيقة، ما يُعزز الربط الخاطئ بين المرض العقلي والعنف، ويُفاقم عزلة المصابين ويجعلهم أكثر تردداً في طلب المساعدة نتيجة للوصمة. وقد يؤدي هذا الوصم أيضاً إلى فقدان البعض لوظائفهم أو تضرر علاقاتهم الاجتماعية، وفق ما يحذر منه المقال. ولا يقتصر أثر هذه الصور غير الدقيقة على المستوى الفني، بل يُشكّل حاجزاً حقيقياً أمام فهم مجتمعي منصف للاضطرابات النفسية، ويُضعف الجهود المبذولة لمكافحة الوصمة وتقديم الرعاية اللازمة لمن يحتاجونها. وتعلق برزي: "أحد مرضاي الذين عانوا من الفصام حصل على درجة الماجستير بامتياز، وأنشأ شركته الخاصة، وكل ذلك أثناء تلقيه العلاج. أذكره دائماً لأُبيّن أن الفُصام لا يعني نهاية الطموح." وهذا مثال حيّ على التصورات المغلوطة التي يبنيها الإعلام والمجتمع على حد سواء، عن المرضى النفسيين. مسارات نحو الشفاء: طرق مختلفة، ولكن إنسانية مشتركة Getty Images أكثر من ثلثي الأشخاص المصابين بالذهان في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على رعاية نفسية متخصصة. (منظمة الصحة العالمية) في حين لا يوجد علاج شافٍ لمرض الفصام، يمكن السيطرة على أعراضه من خلال العلاج مدى الحياة، الذي يتضمن عادة الأدوية كعنصر رئيسي، بحسب مايو كلينك. يشكل العلاج الدوائي حجر الأساس، خاصةً الأدوية المضادة للذهان التي تُعيد التوازن في كيمياء الدماغ. تُستخدم هذه الأدوية لتخفيف الهلاوس والأوهام، وتساعد على استعادة قدر من الاستقرار الذهني والسلوكي. ويُضاف إليها العلاج النفسي (مثل العلاج السلوكي المعرفي)، والدعم الاجتماعي والتأهيلي، خصوصاً في الحالات المزمنة التي تتطلب دخول المستشفى أو إشرافاً طويل الأمد. التدخلات النفسية والاجتماعية ضرورية أيضاً، وتشمل العلاج الفردي لتحسين أنماط التفكير ومهارات التأقلم، والتدريب على المهارات الاجتماعية لتعزيز التواصل والأداء اليومي، والعلاج الأسري للدعم والتثقيف، والتأهيل المهني للمساعدة في التوظيف والحفاظ عليه، ولكنها تأتي ثانياً بعد الأدوية، بحسب مايو كلينيك. أما اضطراب الهوية التفارقي، فالمسار يكون مختلفاً. لا تُعالج الأعراض بالأدوية في المقام الأول، بل تُعالج الصدمة — الجذر النفسي العميق للحالة. وبحسب برزي فإن الأدوية قد تُستخدم لأعراض مصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق، لكن الشفاء الحقيقي يحصل من خلال علاقة علاجية آمنة تعالج الصدمة. كلتا الحالتين إذاً تتطلبان خططاً علاجية مُركّبة، لكن المسار العلاجي لا يبدأ دائماً من المكان ذاته. ومع ذلك، يظل القاسم المشترك هو الإنسان: مريض يبحث عن الاستقرار، ويستحق الفهم لا الوصم. في قاعة المحكمة: متى يكون المريض مذنباً؟ ومتى يكون ضحية؟ Getty Images حوالي 4 في المئة من البالغين المسجونين في جميع أنحاء العالم لديهم طيف من اضطراب الفصام. (دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب) قد لا تكون الحقيقة وحدها كافية داخل قاعة المحكمة، خصوصاً عندما تُصبح "الهوية" نفسها موضع نزاع. اضطراب الهوية التفارقي، بتركيبته النفسية المعقدة، لا يثير الأسئلة الطبية فحسب، بل يُربك أحياناً معايير العدالة: من هو الجاني الفعلي؟ وهل يتحمّل المسؤولية مَن ارتكب الجريمة... إن لم يكن "هو" نفسه؟ بحسب مراجعة منشورة في دورية "فرونتيرز إن سايكولوجي" Frontiers in Psychology، ما يزال اضطراب الهوية التفارقي محل جدل واسع داخل النظام القضائي حول العالم. تختلف المحاكم في تحديد من تقع عليه المسؤولية الجنائية: فبعضها يُحاكم "الشخصية المتحكمة وقت الجريمة"، بينما تذهب أخرى لتقييم وعي "الشخصية الأصلية"، مما يفتح المجال لاجتهادات متناقضة في فهم العلاقة بين المرض والقانون. الدكتور إلياس غصوب، طبيب نفسي شرعي وأستاذ مساعد في الطب النفسي السريري في الجامعة الأمريكية في بيروت، وزميل في المجلس الأوروبي للطب النفسي، يتحدّث لبي بي سي عربي عن الفجوات في الأنظمة القضائية عالمياً وعربياً، ويؤكّد أن المرضى "عرضةٌ للعنف أكثر من كونهم ممارسين له". كما يوضّح غصوب أهمية العلاج وفعاليته، وكذلك أهمية توفير الرعاية الصحية لهم، مشيراً إلى أن "تلقي العلاج النفسي يقلل من احتمالية تكرار الجريمة". ويرى غصوب ضرورة دمج خدمات الصحة النفسية، بما في ذلك الطب النفسي والعلاج النفسي، في "المؤسسات الجنائية، لا بهدف العقوبة، بل لأغراض إعادة التأهيل"، الأمر الذي يستدعي بذل المتخصصين في الصحة النفسية جهوداً لزيادة الوعي والمعرفة بالصحة النفسية بين العاملين في الأنظمة القانونية والسياسية، بهدف حماية حقوق الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية. وهكذا يبقى سؤال المسؤولية النفسية في قاعات المحاكم مطروحاً — لا كمسألة جنائية فحسب، بل كسؤال إنساني يفرض نفسه، ويستدعي فهماً أعمق لحالات هؤلاء الأفراد وتقديم الدعم اللازم لهم. الفهم، لا الوصمة Getty Images مات إسحاق عند مقام "الشيخ خاطر"، حيث طالما قاد أهل قريته ليُريهم الدجاج المذبوح. في أيامه الأخيرة، لم يتراجع، بل ظلّ يناشد الناس أن يتخلّوا عن بُخلهم ويُرضوا الجنيّة. قال لهم: "حرام أن تأكل النار كل شجر الزيتون هذا، مقابل بضع دجاجات". لا أعلم إن كان إسحاق يعاني من الفُصام، فأنا لست مُخوّلاً لتشخيصه، لكن تجاوز خرافة "انفصام الشخصية" — لا كمصطلح لغوي فقط، بل كمنظور اجتماعي اختزل الإنسان في تشخيص، وحوّل المعاناة إلى وصمة، يُسهم في مساعدة المرضى وإدماجهم.

طبيبة فلسطينية تُفجع بوصول جثامين تسعة من أبنائها أثناء عملها في مجمع ناصر الطبي
طبيبة فلسطينية تُفجع بوصول جثامين تسعة من أبنائها أثناء عملها في مجمع ناصر الطبي

الوسط

timeمنذ 4 أيام

  • الوسط

طبيبة فلسطينية تُفجع بوصول جثامين تسعة من أبنائها أثناء عملها في مجمع ناصر الطبي

فُجعت طبيبة الأطفال الفلسطينية آلاء النجار بوصول جثامين تسعة من أطفالها إلى مجمع ناصر الطبي الذي تعمل فيه بقطاع غزة الجمعة، بعد أن قضوا حرقاً إثر غارة جوية إسرائيلية على منزلها في منطقة قيزان النجار جنوبي محافظة خان يونس. وقالت فرق الدفاع المدني في غزة إن القصف أدى إلى تدمير منزل العائلة بالكامل واندلاع حريق هائل، في حين تمكنت طواقم الدفاع المدني من انتشال جثامين تسعة قتلى، بينهم ثمانية أطفال متفحمين بالكامل، بينما أصيب زوجها الطبيب حمدي النجار بجروح خطيرة. وقد تواصلت بي بي سي مع الجيش الاسرائيلي للتعليق، وقال الجيش وفي بيان عام صدر يوم السبت، إنه قصف أكثر من 100 هدف في أنحاء غزة خلال يوم الجمعة. وأكد المدير العام لوزارة الصحة بقطاع غزة منير البرش في منشور له عبر منصة إكس أن الدكتورة آلاء اختصاصية أطفال في مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي، قائلاً: " لديها عشرة أبناء، أكبرهم لم يتجاوز 12 عاماً. خرجت مع زوجها الدكتور حمدي النجار ليوصلها إلى عملها، وبعد دقائق فقط من عودته، سقط صاروخ على منزلهم. استُشهد تسعة من أطفالهما". وبقي طفل وحيد مصاب وزوجها الدكتور حمدي الذي يرقد الآن في العناية المركزة. مضيفاً: "هذا ما يعيشه كوادرنا الطبية في قطاع غزة؛ الكلمات لا تكفي لوصف الألم. في غزة، لا يُستهدف الكادر الطبي فحسب، بل يُمعن الاحتلال الإسرائيلي في الإجرام، ويستهدف عائلات بأكملها". كما قدم مجمع ناصر الطبي العزاء للطبيبة النجار عبر منصة فيسبوك ونشر قائمة بأسماء أطفالها الذين فقدتهم، وهم: يحيى حمدي النجار، ركان حمدي النجار، رسلان حمدي النجار، جبران حمدي النجار، إيف حمدي النجار، ريفان حمدي النجار، وسيدين حمدي النجار. Getty Images وفي سياق متصل، أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة السبت مقتل 15 فلسطينيا على الأقل في غارات إسرائيلية على مناطق مختلفة في القطاع المدمّر مع تكثيف الجيش الإسرائيلي هجومه عليه. وقال الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل لوكالة فرانس برس "قتل 15 فلسطينيا على الأقل عدد منهم من الأطفال والسيدات، وعشرات المصابين، جراء غارات جوية إسرائيلية" في مناطق مختلفة في قطاع غزة. وأضاف بصل أن عشرات الفلسطينيين تعرضوا لقصف إسرائيلي أثناء انتظارهم مرور شاحنات المساعدات على الطريق الساحلي غرب خان يونس. الجيش الإسرائيلي يعلن استمرار عملياته العسكرية في غزة أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، السبت، أن القوات الإسرائيلية تواصل عملياتها العسكرية ضد ما وصفه بـ"التنظيمات الإرهابية" في مختلف مناطق قطاع غزة، ضمن إطار عملية "عربات جدعون". وأوضح المتحدث، في بيان رسمي، أن سلاح الجو الإسرائيلي شن خلال الساعات الـ 24 الماضية غارات جوية استهدفت أكثر من 100 موقع في أنحاء القطاع، شملت مواقع يقول إنها تضم عناصر مسلحة، ومنشآت عسكرية، وطرقاً تحت الأرض، بالإضافة إلى بنى تحتية وصفها بـ"الإرهابية". وأضاف البيان أن قذيفة أُطلقت يوم أمس الجمعة من قطاع غزة باتجاه بلدات إسرائيلية محاذية للقطاع، وقد رد الجيش الإسرائيلي بقصف منصة الإطلاق وتفكيكها. كما أشار إلى أن القوات الإسرائيلية، في إطار العملية ذاتها، نفذت هجمات أسفرت عن "تحييد مسلحين" وتدمير منشآت عسكرية مفخخة ومواقع إطلاق صواريخ مضادة للدبابات، وفق وصف الجيش. وأكد المتحدث العسكري أن "الجيش سيواصل عملياته العسكرية لإزالة أي تهديد محتمل على المدنيين في إسرائيل". "أشعر بالخجل الشديد من نفسي لعدم قدرتي على إطعام أطفالي" وتتزامن الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة مع نقص حاد في المواد الغذائية في القطاع ، الذي حذرت الأمم المتحدة من أنه على شفا مجاعة. إذ قالت الطبيبة ميرفت حجازي لوكالة رويترز إنها وأطفالها التسعة لم يأكلون شيئًا يوم الخميس، باستثناء طفلتها التي تعاني من نقص الوزن، والتي تناولت كيسًا من معجون الفول السوداني. قالت حجازي لرويترز من خيمتها التي نُصبت وسط أنقاض مدينة غزة: "أشعر بالخجل الشديد من نفسي لعدم قدرتي على إطعام أطفالي. أبكي ليلًا عندما تبكي طفلتي، وتؤلمني معدتها من الجوع". من جانبه، حذر مدير الإغاثة الطبية في قطاع غزة، بسام زقوت، من تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع، لاسيما في شمال غزة، الذي يعاني من انقطاع شبه كامل في إمدادات الغذاء والدواء والمياه. وقال زقوت في تصريحات صحفية إن شمال القطاع لم يتلقَ أي مساعدات غذائية أو طبية منذ أسابيع، محذراً من أن هذا النقص الحاد يهدد حياة المرضى الذين يعتمدون على أدوية ومستلزمات طبية لم تعد متوفرة. وأضاف: "الوضع الصحي مأساوي، ولا يوجد أي مصدر لمياه نظيفة في القطاع، ما ينذر بكوارث صحية ومائية وغذائية تهدد حياة السكان". وأشار إلى أن عدد شاحنات المساعدات التي سُمح بدخولها إلى قطاع غزة خلال الأيام الثلاثة الماضية بلغ 92 شاحنة فقط، مقارنة بمتوسط 500 شاحنة يومياً كانت تدخل قبل اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وبدأت إسرائيل هذا الأسبوع السماح بدخول بعض المواد الغذائية إلى الأراضي الفلسطينية لأول مرة منذ الثاني من مارس/آذار، بما في ذلك الدقيق وأغذية الأطفال، لكنها تقول إن نظاماً جديدياً برعاية الولايات المتحدة سيبدأ العمل به قريباً. وتقول السلطات الإسرائيلية إن هناك ما يكفي من الغذاء في غزة لإطعام السكان، وتتهم حماس بسرقة المساعدات من أجل إطعام مقاتليها والحفاظ على السيطرة على القطاع، وهو الاتهام الذي تنفيه الحركة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store