أحدث الأخبار مع #آيةاللهخامنئي

يمرس
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- يمرس
السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية
السوبرمان اليهودي اذ شبّه النظام في ايران ب"النظام النازي" في المانيا والذي أشعل الحرب العالمية الثانية , قال , في حفل احتفالي بذكرى الهولوكوست "ان الصراع بين اسرائيل وايران سيحدد مصير المجتمعات البشرية جمعاء" , معتبراً أن "خسارة المعركة المصيرية أمام ايران ستضع دول الغرب في دائرة الاستهداف اللاحق لمخططاتها التوسعية؟" ! لا نتصور أن ثمة مقاربة للمشهد أكثر كاريكاتورية (وأكثر غباء) من مقاربة رئيس الحكومة الاسرائيلية . لن نجد آية الله خامنئي في قصر الاليزيه , أو في قصر بكنغهام , فقط , سيجتاح البيت الأبيض أيضاً . حقاً من أين سيأتي الايرانيون بتلك القوة الجبارة التي تمكنهم من تهديد البشرية جمعاء . لا نعتقد أن حيازة القنبلة النووية تكفي لذلك . لا بد من قوة ماورائية تتعدى الخيال البشري . وعلى الولايات المتحدة, كجزء من المعسكر الغربي , أن تدرك أن ايران لا الصين هي التي لا تهدد فقط قيادتها للكرة الأرضية , وانما تهدد حتى وجودها . لن نسأل "في هذه الحال , لحساب من يعمل الله ؟" اذا كان قد بعث بترامب لانقاذ أميركا , وبعث بنتنياهو لانقاذ العالم . هنا نستعيد قول هنري كيسنجر أن الصراع في الشرق الأوسط , كحوض لاهوتي , هو بين نصف الله والنصف الآخر . لا بد أن يكون هناك نصف , كما قايين وهابيل , يقتل النصف الآخر . كلام رئيس الحكومة الاسرائيلية في منتهى الوضوح . هو موجه الى كل من واشنطن وطهران . لا اتفاق لأننا سنضرب , في أية لحظة , حتى لو احترق الشرق الأوسط . لا أحد يعلق على ذلك خوفاً من "تكشيرة يهوه" . لكن الأكثرية تعلم من هي الدولة التي تمسك بكرة النار , ان من خلال الترسانة النووية , أو من خلال الايديولوجيا التي تتقيأ الدم , كضرورة وجودية بالنسبة الى بقاء اسرائيل . هكذا رأى الفيلسوف اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي . الضجيج الاسيارطي الذي يزعزع حتى الهياكل العظمية لدى الأعداء . الكاتب الألماني غانتر غراس كتب عن "ذلك النوع من قارعي الطبول الذين ينتهون تماماً كما قوالب الفحم الحجري على أرصفة جهنم" . من يقرأ ما في رأس نتنياهو الآن لآ بد أن يلاحظ أن رأسه بات يشبه قالب الفحم الحجري . هذا ما لاحظه عاموس هارئيل الذي يقارن بين الاتفجار الذي حصل داخل البيت الفلسطيني والانفجار الذي حصل داخل البيت الاسرائيلي , اعتبر أن الحرب , بأهوالها , جعلت مصير الاسرائيليين كما مصير الفلسطينيين في عنق الزجاجة . ماذا لو قفز نتنياهو فوق ترامب ؟ لن يكتفي بضرب المنشآت النووية والنفطية . على طريق , وطريقة , الفوهرر , تحويل العدو الى حطام . في هذه الحال , كيف ستتعامل اسرائيل مع البلدان العربية , بل مع بلدان الشرق الأسط ؟ لعل رجب طيب اردوغان الذي قال ان المشروع الاسرائيلي يلحظ اقتطاع أجزاء من الأناضول , سيستبدل الطربوش العثماني بالقلنسوة اليهودية . لطالما قلنا ان الرئيس التركي احترف التسلل , بديبلوماسية الثعبان أو باستراتيجية الثعبان , من الأبواب الخلفية . هذا ما فعله في سوريا, ليفاجأ بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي يرفع العصا في وجهه . وها هو يستعد للحلول محل الأميركيين في قاعدة "النتف" , ما يمكنه من السيطرة , وكما ذكرنا أكثر من مرة , على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني . هل ترانا نضرب في الخيال اذا ما قلنا أن الموساد سيتولى ادارة "تنظيم الدولة الاسلامية" (داعش) في المنطقة . في هذه الحال , ما حال اردوغان الذي عرض على رئيس الحكومة الاسرائيلية أكثر من صفقة حول سوريا. نتنياهو الذي يسعى لتقويض النظام الايراني لن يدع دمشق في قبضة النظام التركي . لا أحد سوى دونالد ترامب يستطيع الحد من جنون بنيامين نتنياهو , ومنعه من ضرب ايران. ولكن لماذا زوده بتلك الكمية الهائلة من القنابل التي باستطاعتها اختراق التحصينات الايرانية وكذلك ملاحقة محطات الرادار وتعطيلها . وكما هو معروف , تقنياً , لا يمكن أن تكون كل المنشآت النووية في قلب الجبال . ثمة أجزاء هامة ويفترض أن تترك في العراء . هذه حال مفاعل ديمونا الذي اقيم في صحراء النقب . الايرانيون هددوا بتدميره , لكن المنظومات الدفاعية جاهزة لحمايته . ثم ما الجدوى العسكرية من ضربه , بعدما شاخ , وتردد أنه بات خارج الخدمة . ولكن من تراه يعلم أين تم خزن الرؤوس النووية التي بعضها تم نصبه في غواصات "دلفين" , وقد تم تأهيلها لحمل , واطلاق , تلك الرؤوس ؟ ما يستشف من وسائل الاعلام الاسرائيلية أن ترامب أبلغ نتنياهو بأن مفعول الضربة الديبلوماسية , بالنسبة الى أميركا واسرائيل , أكثر جدوى من الضربة العسكرية التي قد تستدعي تدخلاً برياً بات شبه مستحيل بعد ذلك الخروج الفضائحي من أفغانستان. لكن زعيم الليكود ما زال قادرأ أن يقنع الرأي العام الاسرائيلي بأن تقويض النظام الثيوقراطي في ايران يؤمن للدولة العبرية سلام الألف عام , كما يؤمن له الآ يبقى يتأرجح بين ليل الزنزانة وليل المقبرة . ماذا يقول البنتاغون لا ما يقوله ويتمناه قائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا ؟ لا حرب ...


إيطاليا تلغراف
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
لعبة الكبار: أين ستقف الصين وروسيا في المواجهة بين أميركا وإيران؟
إيطاليا تلغراف رمضان بورصة صحفي وباحث تركي متخصص في الشأن الإيراني اكتسبت الأزمة النووية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران بعدًا جديدًا مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة. وتفسّر طهران سعي ترامب إلى إدراج عدة قضايا – مثل الملف النووي الإيراني وتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وعلاقات إيران مع القوى الإقليمية، مثل حزب الله وأنصار الله، ضمن أجندة المفاوضات المحتملة- على أنه 'محاولة لإلغاء سيادتها أو تقييدها'. وفي حين يصرح ترامب برغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإنه في الوقت نفسه يفضل اتباع سياسة أكثر عدوانية تجاهها. أما إسرائيل، فتتبنى موقفًا متشددًا، مؤكدة أنه 'لا يوجد خيار سوى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وجعلها غير صالحة للاستخدام'. وبينما يعيد ترامب تطبيق 'سياسة الضغط الأقصى' على إيران، فإنه يزيد الضغط على طهران من خلال تحميلها مسؤولية العمليات التي تنفذها حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر دعمًا لغزة. وفي ظل تصاعد التوتر بين البلدين يومًا بعد يوم، تأثرًا بالتطورات الإقليمية، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني آية الله خامنئي. ومع دخول العلاقات بينهما مرحلة أكثر توترًا وازدياد حدة الأزمة، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إيران. كما اجتمع وزراء خارجية إيران، وروسيا، والصين، في 14 مارس/ آذار 2025، في بكين؛ لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والتطورات الجارية. ومن جانبها، ترتبط إيران باتفاقيات تعاون إستراتيجي منفصلة مع كل من روسيا، والصين. وفي ظل تصاعد الضغوط والتهديدات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران، يبقى السؤال مطروحًا حول 'مدى تأثير هذه الاتفاقيات الإستراتيجية بين طهران، وموسكو، وبكين لصالح إيران'. رسالة ترامب إلى خامنئي أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر دولة الإمارات، رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. ولم تصدر أي تصريحات تفصيلية من طهران أو واشنطن حول مضمون الرسالة. ومع ذلك، أكد كل من آية الله خامنئي والرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في العديد من الخطابات، أن 'الولايات المتحدة تسعى لممارسة الضغوط على إيران، وأنهم لن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط'. كما شدد نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على أن 'إيران لا ترفض المفاوضات من حيث المبدأ، لكنها لن تدخل في مفاوضات في ظل الظروف الحالية'. هل ستؤدي رسالة ترامب إلى تغيير في موقف إيران؟ حتى الآن، لم يظهر أي تغيير ملحوظ في تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين بعد وصول الرسالة إلى طهران. لكن يمكن القول إن 'الرسالة لقيت معاملة جدية كبيرة في إيران'. ووفقًا لمصدر أكاديمي إيراني فضل عدم الكشف عن هويته، فقد عُقدت اجتماعات مكثفة ضمت شخصيات إصلاحية ومحافظة بارزة عقب وصول الرسالة إلى آية الله خامنئي. وأوضح المصدر أن 'الرسالة لم تُكتب بلغة دبلوماسية، بل احتوت على العديد من العبارات التهديدية'. وأضاف أن ترامب قدم في رسالته شرطًا مسبقًا لاستئناف المفاوضات، يتمثل في الوقف الكامل لدعم جميع القوى الإقليمية الحليفة لإيران، كما حدد موضوع المفاوضات بأنه 'التخلي التام عن تخصيب اليورانيوم وإغلاق المنشآت النووية'. وختم رسالته بالقول إنه 'في حال التوصل إلى اتفاق ضمن هذا الإطار، ستُرفع العقوبات المفروضة على إيران'. أما إذا لم يُتوصل إلى اتفاق، فستواجه إيران أولًا ضغوطًا اقتصادية ساحقة، تليها أقسى عملية عسكرية ضدها. وقد تزامنت هذه الرسالة مع تصريحات ترامب الأخيرة التي حمّل فيها إيران مسؤولية التطورات في اليمن وغزة، مما يدعم صحة المعلومات التي نقلها المصدر الأكاديمي الإيراني حول مضمون الرسالة. لكن هل تعني تلك الرسالة أن الولايات المتحدة باتت على وشك شن هجوم عسكري على إيران؟ ليس بالضرورة، فقد شهدت فترة ترامب الأولى توترات حادة مع كوريا الشمالية؛ بسبب برنامجها النووي والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ووصلت التهديدات إلى مستويات خطيرة. ومع ذلك، أرسل ترامب رسالة إلى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في تلك الفترة، أعقبها عقد قمة سنغافورة عام 2018، التقى فيها ترامب وكيم وجهًا لوجه لأول مرة. لذلك، قد تكون رسالة ترامب إلى خامنئي 'جزءًا من دبلوماسية التهديد والضغط'، وليست بالضرورة مؤشرًا على اقتراب مواجهة عسكرية مباشرة. زيارة لافروف إلى طهران تثير الجدل زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، العاصمة الإيرانية طهران في نهاية شهر فبراير/ شباط 2025، حيث التقى بنظيره الإيراني، عباس عراقجي، وذلك في وقت بدا فيه أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم مبدئي حول حل أزمة أوكرانيا، وفي ظل تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين رسائل ودية. ولهذا السبب، فسّرت الأوساط السياسية في طهران زيارة لافروف بأنها 'إشارة إلى احتمال تخلّي روسيا عن إيران، خاصة مع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن وازدياد تعقيد الأزمة وارتفاع احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري مقارنة بالسابق'. وقالت وسائل إعلام إيرانية إن لافروف عرض خلال زيارته التوسّط بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي. وفي ذلك الوقت، صرح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، خلال ظهوره في برنامج تلفزيوني، بأن 'روسيا لعبت دورًا معرقلًا وليس بناء في المفاوضات النووية التي أُجريت خلال فترة إدارة أوباما'. وأشارَ العديد من الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية إلى أن 'زيارة لافروف عززت الشكوك بشأن نوايا موسكو تجاه طهران'، مشددة على أن 'روسيا خانت إيران في سوريا، وهو ما أدّى إلى تراجع ثقة طهران في موسكو'. اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين إيران وروسيا قبل أيام من تولّي دونالد ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موسكو، حيث وقّع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية 'الشراكة الإستراتيجية الشاملة' بين البلدين. وتشمل الاتفاقية مجالات متعدّدة، من التجارة والطاقة إلى التعاون العسكري والثقافي. وأصدر الكرملين بيانًا حول تفاصيل الاتفاقية، وكان أبرز ما ورد فيه هو البند المتعلّق بالتعاون العسكري. ووفقًا للاتفاقية: سيتحرك البلدان معًا ضد التهديدات العسكرية المشتركة، وسيجريان مناورات مشتركة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في المجال العسكري والتقني. إذا تعرض أحد البلدين لهجوم، فإن الطرف الآخر يتعهد بعدم تقديم أي دعم للدولة المعتدية. يلتزم الطرفان بعدم السماح باستخدام أراضيهما من قبل أي حركات انفصالية قد تضر باستقرار الدولة الأخرى. سيُعزز التعاون بين أجهزة المخابرات والأمن في البلدين، مع زيادة تبادل المعلومات والخبرات. ويتضح من بيان الكرملين أن روسيا لا تتعهد بالدفاع عن إيران في حال تعرضها لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كلتيهما معًا، بل تقتصر التزاماتها على عدم دعم الدول المهاجمة فقط. ويمكننا القول، استنادًا إلى التجارب التاريخية، أن 'التعاون العسكري والتقني بين روسيا وإيران سيكون محدودًا من قبل موسكو'. على سبيل المثال، تكشف الوثائق الاستخباراتية السوفياتية أن الاتحاد السوفياتي رفض، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، طلب إيران تزويدَها بنظام صواريخ تكتيكية، رغم أنّ إيران كانت تعتبر قدرات إسرائيل الصاروخية تهديدًا إستراتيجيًا لها آنذاك. وفي عام 1989، طلبت إيران من الاتحاد السوفياتي المساعدة التقنية في تصميم نظام صواريخ تكتيكية بمدى 300 كيلومتر وقدرة حمولة 500 كيلوغرام، بالإضافة إلى تزويدها بصواريخ 'R-17Eh'، لكن جهاز الاستخبارات السوفياتي 'KGB' رفض هذا الطلب، بحجة أنه يتعارض مع سياسة منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ التي ناقشتها موسكو مع واشنطن. كما تكشف الوثائق أن القيادة السوفياتية اعتبرت أن هدف إيران لم يكن مجرد الحصول على صاروخ تكتيكي بسيط، بل امتلاك التكنولوجيا اللازمة لتطوير صواريخ متوسطة المدى مشابهة لتلك التي تمتلكها إسرائيل. وفي اجتماع مجموعة العمل الوزارية السوفياتية بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1989، تقرَّر رسميًا رفض طلب إيران للحصول على المساعدة التقنية. وفي عهد ترامب، كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت في عهد بايدن. ومن المتوقع أن يكون لهذا الاختلاف تأثير سلبي على العلاقات بين موسكو وطهران. فروسيا تسعى حاليًا إلى إعادة بناء علاقاتها مع واشنطن عبر ملف الحرب الأوكرانية. وفي ظل هذا التقارب، من غير المرجح أن تتخذ موسكو خطوات من شأنها تعكير صفو علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، حتى مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. باختصار، رغم توقيع 'اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة' بين روسيا وإيران، فإن التجارب التاريخية والتطورات الجيوسياسية تشير إلى أن 'روسيا لن تخاطر بعلاقتها مع واشنطن من أجل الدفاع عن طهران'. ماذا ستفعل الصين؟ في عام 2021، وقّعت إيران والصين اتفاقية 'التعاون الشامل لمدة 25 عامًا'، وهي اتفاقية اقتصادية وليست عسكرية، تتجاوز بموجبها الصين العقوبات الأميركية لشراء النفط الإيراني بأسعار منخفضة، وفي المقابل، ستستثمر في إيران. وتعد هذه الاتفاقية جزءًا من مشروع الصين الضخم 'الحزام والطريق'، الذي يهدف إلى توسيع نفوذ بكين كقوّة عالمية من خلال إنشاء روابط اقتصادية وإستراتيجية. ولذلك، فإنها لا تشمل التعاون العسكري أو الدفاع المشترك بين البلدَين. ويمكن اعتبار هذه الاتفاقية امتدادًا للعلاقات التاريخية بين إيران والصين، والتي كانت قائمة في الغالب على التعاون الاقتصادي لا العسكري. فتاريخيًا، فضلت الصين دائمًا البقاء على مسافة من الصراعات العسكرية المباشرة، وكانت علاقتها بإيران قائمة على المصالح الاقتصادية. وأثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، لجأت إيران إلى الصين لسد احتياجاتها من الأسلحة. ومع ذلك، لم تقتصر الصين على دعم إيران، بل سعت إلى تحقيق توازن في صادراتها العسكرية، مستغلة الصراع كفرصة اقتصادية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الصين باعت أسلحة لإيران، فإنها لم تقف بجانبها ضد العراق. وخلال الحرب، بلغ إجمالي مبيعات الصين العسكرية لإيران 1.843 مليار دولار، بينما باعت للعراق بأكثر من 5 مليارات دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف صادراتها إلى إيران. وكان أهم سلاح قدمته الصين لإيران خلال الحرب هو الصواريخ المضادة للسفن، التي لعبت دورًا مهمًا في الهجمات الانتقامية الإيرانية ضد السفن التي كانت تنقل النفط والسلع إلى العراق خلال ما عُرف بـ 'حرب ناقلات النفط'. ورغم أهمية هذا السلاح، باعت الصين 80 صاروخًا فقط من طراز 'سيلك وورم' لإيران، بينما باعت أكثر من 200 صاروخ من نفس الطراز للعراق. ومن ناحية أخرى، لم يكن موقف الصين داعمًا لإيران في القضايا النووية أيضًا. ففي 15 فبراير/ شباط 2006، عندما صوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على 'إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي'، صوتت الصين ضد إيران إلى جانب روسيا والهند. وعلى مدار السنوات، وفي العديد من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيران، امتنعت الصين عن دعم طهران، بل فضلت الامتثال للعقوبات الأميركية. في مقالته 'السياسة الخارجية الصينية تجاه الحرب العراقية- الإيرانية'، يقدم الأكاديمي الإيراني، محمد حسين جمشيدي، تحليلًا مهمًا لفهم موقف الصين من إيران، سواء في الحرب الباردة، أو في العصر الحالي. حيث يقول: 'لم تدعم الصين أيًا من الطرفين المتحاربين. فمنذ اندلاع الحرب بين إيران والعراق، كان القادة البراغماتيون في الصين يوجهون سياستهم الخارجية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، وكانوا يتخذون مواقفهم تجاه القضايا العالمية بناء على هذه الأولوية'. وتابع: 'من هذا المنظور، لم تكن الحرب سوى فرصة للصين لاختبار سياستها الخارجية المستقلة، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة. في الواقع، استغل الصينيون الحرب لتعزيز نفوذهم الاقتصادي والسياسي في المنطقة'. وفي ظل سعي الصين المستمر لتصبح قوة عالمية، يمكننا القول إن 'بكين ستواصل نهجها التاريخي في تجنب التدخل العسكري المباشر لصالح المصالح الاقتصادية'. وفي طهران، يُطرح كثيرًا تساؤل حول 'ما إذا كانت الصين حليفًا حقيقيًا لإيران'. وبعد الحرب الباردة، كانت إيران تثق بالصين أكثر من روسيا، لكن في الوقت الحالي، وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات إستراتيجية مع بكين، تدرك إيران أن الصين ليست دولة يمكن الاعتماد عليها عسكريًا في حال وقوع أزمة كبرى. ولا سيما في حال نشوب نزاع عسكري ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن إيران تعلم أنها ستكون وحدها في مواجهة التهديدات العسكرية.


الجزيرة
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
لعبة الكبار: أين ستقف الصين وروسيا في المواجهة بين أميركا وإيران؟
اكتسبت الأزمة النووية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران بعدًا جديدًا مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة. وتفسّر طهران سعي ترامب إلى إدراج عدة قضايا – مثل الملف النووي الإيراني وتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وعلاقات إيران مع القوى الإقليمية، مثل حزب الله وأنصار الله، ضمن أجندة المفاوضات المحتملة- على أنه "محاولة لإلغاء سيادتها أو تقييدها". وفي حين يصرح ترامب برغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإنه في الوقت نفسه يفضل اتباع سياسة أكثر عدوانية تجاهها. أما إسرائيل، فتتبنى موقفًا متشددًا، مؤكدة أنه "لا يوجد خيار سوى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وجعلها غير صالحة للاستخدام". وبينما يعيد ترامب تطبيق "سياسة الضغط الأقصى" على إيران، فإنه يزيد الضغط على طهران من خلال تحميلها مسؤولية العمليات التي تنفذها حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر دعمًا لغزة. وفي ظل تصاعد التوتر بين البلدين يومًا بعد يوم، تأثرًا بالتطورات الإقليمية، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني آية الله خامنئي. ومع دخول العلاقات بينهما مرحلة أكثر توترًا وازدياد حدة الأزمة، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إيران. كما اجتمع وزراء خارجية إيران، وروسيا، والصين، في 14 مارس/ آذار 2025، في بكين؛ لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والتطورات الجارية. ومن جانبها، ترتبط إيران باتفاقيات تعاون إستراتيجي منفصلة مع كل من روسيا، والصين. وفي ظل تصاعد الضغوط والتهديدات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران، يبقى السؤال مطروحًا حول "مدى تأثير هذه الاتفاقيات الإستراتيجية بين طهران، وموسكو، وبكين لصالح إيران". رسالة ترامب إلى خامنئي أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر دولة الإمارات، رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. ولم تصدر أي تصريحات تفصيلية من طهران أو واشنطن حول مضمون الرسالة. ومع ذلك، أكد كل من آية الله خامنئي والرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في العديد من الخطابات، أن "الولايات المتحدة تسعى لممارسة الضغوط على إيران، وأنهم لن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط". كما شدد نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على أن "إيران لا ترفض المفاوضات من حيث المبدأ، لكنها لن تدخل في مفاوضات في ظل الظروف الحالية". هل ستؤدي رسالة ترامب إلى تغيير في موقف إيران؟ حتى الآن، لم يظهر أي تغيير ملحوظ في تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين بعد وصول الرسالة إلى طهران. لكن يمكن القول إن "الرسالة لقيت معاملة جدية كبيرة في إيران". ووفقًا لمصدر أكاديمي إيراني فضل عدم الكشف عن هويته، فقد عُقدت اجتماعات مكثفة ضمت شخصيات إصلاحية ومحافظة بارزة عقب وصول الرسالة إلى آية الله خامنئي. وأوضح المصدر أن "الرسالة لم تُكتب بلغة دبلوماسية، بل احتوت على العديد من العبارات التهديدية". وأضاف أن ترامب قدم في رسالته شرطًا مسبقًا لاستئناف المفاوضات، يتمثل في الوقف الكامل لدعم جميع القوى الإقليمية الحليفة لإيران، كما حدد موضوع المفاوضات بأنه "التخلي التام عن تخصيب اليورانيوم وإغلاق المنشآت النووية". وختم رسالته بالقول إنه "في حال التوصل إلى اتفاق ضمن هذا الإطار، ستُرفع العقوبات المفروضة على إيران". أما إذا لم يُتوصل إلى اتفاق، فستواجه إيران أولًا ضغوطًا اقتصادية ساحقة، تليها أقسى عملية عسكرية ضدها. وقد تزامنت هذه الرسالة مع تصريحات ترامب الأخيرة التي حمّل فيها إيران مسؤولية التطورات في اليمن وغزة، مما يدعم صحة المعلومات التي نقلها المصدر الأكاديمي الإيراني حول مضمون الرسالة. لكن هل تعني تلك الرسالة أن الولايات المتحدة باتت على وشك شن هجوم عسكري على إيران؟ ليس بالضرورة، فقد شهدت فترة ترامب الأولى توترات حادة مع كوريا الشمالية؛ بسبب برنامجها النووي والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ووصلت التهديدات إلى مستويات خطيرة. ومع ذلك، أرسل ترامب رسالة إلى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في تلك الفترة، أعقبها عقد قمة سنغافورة عام 2018، التقى فيها ترامب وكيم وجهًا لوجه لأول مرة. لذلك، قد تكون رسالة ترامب إلى خامنئي "جزءًا من دبلوماسية التهديد والضغط"، وليست بالضرورة مؤشرًا على اقتراب مواجهة عسكرية مباشرة. زيارة لافروف إلى طهران تثير الجدل زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، العاصمة الإيرانية طهران في نهاية شهر فبراير/ شباط 2025، حيث التقى بنظيره الإيراني، عباس عراقجي، وذلك في وقت بدا فيه أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم مبدئي حول حل أزمة أوكرانيا، وفي ظل تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين رسائل ودية. ولهذا السبب، فسّرت الأوساط السياسية في طهران زيارة لافروف بأنها "إشارة إلى احتمال تخلّي روسيا عن إيران، خاصة مع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن وازدياد تعقيد الأزمة وارتفاع احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري مقارنة بالسابق". وقالت وسائل إعلام إيرانية إن لافروف عرض خلال زيارته التوسّط بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي. وفي ذلك الوقت، صرح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، خلال ظهوره في برنامج تلفزيوني، بأن "روسيا لعبت دورًا معرقلًا وليس بناء في المفاوضات النووية التي أُجريت خلال فترة إدارة أوباما". وأشارَ العديد من الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية إلى أن "زيارة لافروف عززت الشكوك بشأن نوايا موسكو تجاه طهران"، مشددة على أن "روسيا خانت إيران في سوريا، وهو ما أدّى إلى تراجع ثقة طهران في موسكو". اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين إيران وروسيا قبل أيام من تولّي دونالد ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موسكو، حيث وقّع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين البلدين. وتشمل الاتفاقية مجالات متعدّدة، من التجارة والطاقة إلى التعاون العسكري والثقافي. وأصدر الكرملين بيانًا حول تفاصيل الاتفاقية، وكان أبرز ما ورد فيه هو البند المتعلّق بالتعاون العسكري. سيتحرك البلدان معًا ضد التهديدات العسكرية المشتركة، وسيجريان مناورات مشتركة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في المجال العسكري والتقني. إذا تعرض أحد البلدين لهجوم، فإن الطرف الآخر يتعهد بعدم تقديم أي دعم للدولة المعتدية. يلتزم الطرفان بعدم السماح باستخدام أراضيهما من قبل أي حركات انفصالية قد تضر باستقرار الدولة الأخرى. سيُعزز التعاون بين أجهزة المخابرات والأمن في البلدين، مع زيادة تبادل المعلومات والخبرات. ويتضح من بيان الكرملين أن روسيا لا تتعهد بالدفاع عن إيران في حال تعرضها لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كلتيهما معًا، بل تقتصر التزاماتها على عدم دعم الدول المهاجمة فقط. ويمكننا القول، استنادًا إلى التجارب التاريخية، أن "التعاون العسكري والتقني بين روسيا وإيران سيكون محدودًا من قبل موسكو". على سبيل المثال، تكشف الوثائق الاستخباراتية السوفياتية أن الاتحاد السوفياتي رفض، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، طلب إيران تزويدَها بنظام صواريخ تكتيكية، رغم أنّ إيران كانت تعتبر قدرات إسرائيل الصاروخية تهديدًا إستراتيجيًا لها آنذاك. وفي عام 1989، طلبت إيران من الاتحاد السوفياتي المساعدة التقنية في تصميم نظام صواريخ تكتيكية بمدى 300 كيلومتر وقدرة حمولة 500 كيلوغرام، بالإضافة إلى تزويدها بصواريخ "R-17Eh"، لكن جهاز الاستخبارات السوفياتي "KGB" رفض هذا الطلب، بحجة أنه يتعارض مع سياسة منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ التي ناقشتها موسكو مع واشنطن. كما تكشف الوثائق أن القيادة السوفياتية اعتبرت أن هدف إيران لم يكن مجرد الحصول على صاروخ تكتيكي بسيط، بل امتلاك التكنولوجيا اللازمة لتطوير صواريخ متوسطة المدى مشابهة لتلك التي تمتلكها إسرائيل. وفي اجتماع مجموعة العمل الوزارية السوفياتية بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1989، تقرَّر رسميًا رفض طلب إيران للحصول على المساعدة التقنية. وفي عهد ترامب، كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت في عهد بايدن. ومن المتوقع أن يكون لهذا الاختلاف تأثير سلبي على العلاقات بين موسكو وطهران. فروسيا تسعى حاليًا إلى إعادة بناء علاقاتها مع واشنطن عبر ملف الحرب الأوكرانية. وفي ظل هذا التقارب، من غير المرجح أن تتخذ موسكو خطوات من شأنها تعكير صفو علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، حتى مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. باختصار، رغم توقيع "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين روسيا وإيران، فإن التجارب التاريخية والتطورات الجيوسياسية تشير إلى أن "روسيا لن تخاطر بعلاقتها مع واشنطن من أجل الدفاع عن طهران". ماذا ستفعل الصين؟ في عام 2021، وقّعت إيران والصين اتفاقية "التعاون الشامل لمدة 25 عامًا"، وهي اتفاقية اقتصادية وليست عسكرية، تتجاوز بموجبها الصين العقوبات الأميركية لشراء النفط الإيراني بأسعار منخفضة، وفي المقابل، ستستثمر في إيران. وتعد هذه الاتفاقية جزءًا من مشروع الصين الضخم "الحزام والطريق"، الذي يهدف إلى توسيع نفوذ بكين كقوّة عالمية من خلال إنشاء روابط اقتصادية وإستراتيجية. ولذلك، فإنها لا تشمل التعاون العسكري أو الدفاع المشترك بين البلدَين. ويمكن اعتبار هذه الاتفاقية امتدادًا للعلاقات التاريخية بين إيران والصين، والتي كانت قائمة في الغالب على التعاون الاقتصادي لا العسكري. فتاريخيًا، فضلت الصين دائمًا البقاء على مسافة من الصراعات العسكرية المباشرة، وكانت علاقتها بإيران قائمة على المصالح الاقتصادية. وأثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، لجأت إيران إلى الصين لسد احتياجاتها من الأسلحة. ومع ذلك، لم تقتصر الصين على دعم إيران، بل سعت إلى تحقيق توازن في صادراتها العسكرية، مستغلة الصراع كفرصة اقتصادية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الصين باعت أسلحة لإيران، فإنها لم تقف بجانبها ضد العراق. وخلال الحرب، بلغ إجمالي مبيعات الصين العسكرية لإيران 1.843 مليار دولار، بينما باعت للعراق بأكثر من 5 مليارات دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف صادراتها إلى إيران. وكان أهم سلاح قدمته الصين لإيران خلال الحرب هو الصواريخ المضادة للسفن، التي لعبت دورًا مهمًا في الهجمات الانتقامية الإيرانية ضد السفن التي كانت تنقل النفط والسلع إلى العراق خلال ما عُرف بـ "حرب ناقلات النفط". ورغم أهمية هذا السلاح، باعت الصين 80 صاروخًا فقط من طراز "سيلك وورم" لإيران، بينما باعت أكثر من 200 صاروخ من نفس الطراز للعراق. ومن ناحية أخرى، لم يكن موقف الصين داعمًا لإيران في القضايا النووية أيضًا. ففي 15 فبراير/ شباط 2006، عندما صوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على "إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي"، صوتت الصين ضد إيران إلى جانب روسيا والهند. وعلى مدار السنوات، وفي العديد من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيران، امتنعت الصين عن دعم طهران، بل فضلت الامتثال للعقوبات الأميركية. في مقالته "السياسة الخارجية الصينية تجاه الحرب العراقية- الإيرانية"، يقدم الأكاديمي الإيراني، محمد حسين جمشيدي، تحليلًا مهمًا لفهم موقف الصين من إيران، سواء في الحرب الباردة، أو في العصر الحالي. حيث يقول: "لم تدعم الصين أيًا من الطرفين المتحاربين. فمنذ اندلاع الحرب بين إيران والعراق، كان القادة البراغماتيون في الصين يوجهون سياستهم الخارجية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، وكانوا يتخذون مواقفهم تجاه القضايا العالمية بناء على هذه الأولوية". وتابع: "من هذا المنظور، لم تكن الحرب سوى فرصة للصين لاختبار سياستها الخارجية المستقلة، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة. في الواقع، استغل الصينيون الحرب لتعزيز نفوذهم الاقتصادي والسياسي في المنطقة". وفي ظل سعي الصين المستمر لتصبح قوة عالمية، يمكننا القول إن "بكين ستواصل نهجها التاريخي في تجنب التدخل العسكري المباشر لصالح المصالح الاقتصادية". وفي طهران، يُطرح كثيرًا تساؤل حول "ما إذا كانت الصين حليفًا حقيقيًا لإيران". وبعد الحرب الباردة، كانت إيران تثق بالصين أكثر من روسيا، لكن في الوقت الحالي، وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات إستراتيجية مع بكين، تدرك إيران أن الصين ليست دولة يمكن الاعتماد عليها عسكريًا في حال وقوع أزمة كبرى. ولا سيما في حال نشوب نزاع عسكري ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن إيران تعلم أنها ستكون وحدها في مواجهة التهديدات العسكرية.


الجزيرة
٢٥-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
ما يعنيه توقيع ترامب قرار "الضغط الأقصى" بخصوص إيران
أثناء العملية الانتخابية الرئاسية، أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسائل دافئة إلى كل من العالم وإيران، لكنه بعد أسبوعين فقط من توليه منصب الرئاسة، وقّع على أمر رئاسي لتنفيذ سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران. وخلال فترة الانتخابات، أكد ترامب مرارًا أنه "يريد إبرام اتفاق جديد مع إيران" وليس لديه "نية لخوض حرب مع إيران"، إلا أنه عند توقيعه على الأمر التنفيذي لإعادة تنفيذ سياسة "الضغط الأقصى"، صرح بأنه "غير سعيد بالتوقيع عليه". توقيع الرئيس الأميركي ترامب على القرار الذي يفرض مجددًا عقوبات صارمة على إيران، دفع إيران إلى اتخاذ خطوة جديدة فيما يتعلق بالمفاوضات. ففي اجتماع مع كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين، صرح قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله خامنئي، قائلًا: "لن تُحل أي مشكلة في البلاد من خلال التفاوض مع الولايات المتحدة". وقد لاقت هذه التصريحات الصارمة من آية الله خامنئي حول المفاوضات ردود فعل مختلفة داخل إيران، وكذلك في المنطقة والعالم. هناك من يرى أن هذه التصريحات تعني إغلاق ملف التفاوض مع الولايات المتحدة نهائيًا، بينما يرى آخرون أنها لا تعني بالضرورة انتهاء الملف تمامًا. هل يعني توقيع الرئيس الأميركي ترامب على الأمر التنفيذي لتنفيذ سياسة "الضغط الأقصى" أنه تخلَّى عن سياسته التي وعد بها في الانتخابات بشأن إبرام اتفاق جديد مع إيران؟ هل تعني تصريحات آية الله خامنئي الصارمة بشأن عدم التفاوض مع الولايات المتحدة أن إيران أغلقت تمامًا ملف المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق جديد مع واشنطن؟ خطة ترامب الرئيس الأميركي ترامب، المعروف بشخصيته الفريدة من نوعها، يشتهر بتقديم تصريحات مفاجئة واقتراح خطط لحل القضايا التي تهم العالم من كثب. يفضل ترامب حل المشكلات وفقًا لمقترحاته الخاصة، ويمكن القول إنه يهدف إلى حل القضية الإيرانية بأسلوب مشابه. ففي حين رأى أن حل القضية الفلسطينية- الإسرائيلية يكمن في نفي الفلسطينيين من غزة، واقترح لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية حلًا يتضمن خسارة أوكرانيا أراضيَ، من المعروف أن ترامب فرض على طهران اقتراحًا مختلفًا وأكثر شمولًا من الاتفاق النووي الذي تُوُصّل إليه خلال فترة الرئيس الأميركي السابق أوباما. وأثناء توقيعه على الأمر التنفيذي المتعلق بسياسة "الضغط الأقصى"، قال ترامب: "لست سعيدًا بتوقيع هذا القرار، لكن يجب أن أكون صارمًا مع إيران. آمل ألا نضطر لاستخدام هذا القرار التنفيذي". استُقبلت تصريحات ترامب هذه على أنها رسالة إيجابية إلى إيران، كما أُثيرت مزاعم بأن الإدارة الأميركية أرسلت سرًا رسالة خاصة إلى طهران بشأن الاتفاق. ورغم نفي السلطات الإيرانية هذه الادعاءات، فإن مصادر إعلامية مقربة من الحرس الثوري الإيراني ذكرت أن الرئيس الأميركي ترامب قدم إلى إيران قائمة مطالب تتضمن 9 بنود تتعلق بالاتفاق. ونقل موقع Sabeerin News، المقرب من الحرس الثوري الإيراني، تفاصيل هذه المطالب تحت عنوان "مفاوضات أم استعمار؟"، والتي تضمنت ما يلي: إغلاق جميع منشآت تخصيب اليورانيوم. إبقاء مستوى تخصيب اليورانيوم أقل من 5% للاستخدام في الأنشطة النووية السلمية. أن تكون جميع الأنشطة النووية السلمية الإيرانية خاضعة لتفتيش الولايات المتحدة وليس الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقف إنتاج الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وإغلاق جميع منشآت تصميم وإنتاج الصواريخ. تقديم تقارير عن جميع الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الإيرانية، وجمعها وتدميرها. إغلاق جميع مراكز الأبحاث والتطوير في مجال التكنولوجيا الفضائية والأقمار الصناعية، أو إخضاعها بالكامل لرقابة الولايات المتحدة. تفكيك ما يُعرف بـ "محور المقاومة" بالكامل. امتناع إيران عن القيام بأي عمل عدائي ضد إسرائيل. الإفراج غير المشروط عن جميع السجناء الأميركيين والأوروبيين المحتجزين في إيران. وفي هذا الصدد، لم يصدر أي نفي رسمي من إيران أو الولايات المتحدة بشأن التقرير الذي نشره موقع Sabeerin News حول هذه المطالب التسعة. قد يكون الحرس الثوري الإيراني يسعى إلى تشكيل رأي عام ضاغط ضد واشنطن عبر وسائل الإعلام التي يسيطر عليها، من خلال التركيز على مطالب تُعتبر تهديدًا لسيادة البلاد. بيدَ أن الأخبار المنشورة وردّ الفعل الإيراني القوي على خطوات الولايات المتحدة، يشيران إلى أن ترامب لا يريد التفاوض مع إيران بشأن البرنامج النووي فقط، بل يسعى إلى التفاوض بشأن الصناعة العسكرية والسياسات الإقليمية أيضًا، ضمن ملف شامل. وفي الوقت الذي يعلن فيه ترامب عن رغبته في التفاوض مع إيران، فإنه يوقع في الوقت ذاته على قرار تنفيذ سياسة "الضغط الأقصى"، مما يعني أنه يسعى لإجبار طهران على الجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشة جميع القضايا المطروحة. بعبارة أخرى، لم يختر ترامب استخدام سياسة "العصا والجزرة" لإجبار إيران على التفاوض بشأن برنامجها النووي وصناعتها العسكرية وسياساتها الإقليمية، بل اختار سياسة "العصا" فقط. خلال اجتماعه مع كبار قادة القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي الإيرانية، أدلى آية الله خامنئي بتصريحات صارمة بشأن التفاوض مع الولايات المتّحدة. وفي حديثه إلى القادة، قيّم خامنئي مسألة المفاوضات مع الولايات المتحدة على النحو التالي: "أولًا، لا يؤثر التفاوض مع الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال على حل مشاكل البلاد. يجب أن نفهم هذا بشكل صحيح؛ لا ينبغي أن يُصور لنا الأمر وكأن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تلك الدولة سيحل هذه المشكلة أو تلك. لا.. لا يمكن حل أي مشكلة من خلال التفاوض مع الولايات المتحدة. لماذا؟ لأن لدينا تجربة". "خلال سنة 1390 وفقًا للتقويم الإيراني (2011-2021)، تفاوضنا مع الولايات المتحدة لمدة عامين تقريبًا، وتُوصل إلى اتفاق. بالطبع، لم تكن الولايات المتحدة وحدها، بل شاركت عدة دول أخرى، لكن الولايات المتحدة كانت العمود الرئيس للاتفاق والطرف الأكثر تأثيرًا. جلس مسؤولو حكومتنا آنذاك للتفاوض؛ ذهبوا، عادوا، جلسوا، قاموا، تفاوضوا، تحدثوا، ضحكوا، تصافحوا، أقاموا صداقات، وفعلوا كل شيء، وتوصل إلى اتفاق. وقد تصرفت إيران بكرم شديد في هذا الاتفاق، وقدمنا تنازلات كبيرة للطرف الآخر. لكن الأميركيين لم يلتزموا بهذا الاتفاق. ترامب مزق الاتفاقية، وقال إنه سيمزقها، وفعلها. حتى قبل مجيء ترامب، لم يلتزم أولئك الذين أبرموا الاتفاقية بهذه الاتفاقية. كان الهدف من الاتفاقية رفع العقوبات الأميركية، لكن العقوبات لم تُرفع. كما وضعوا غطاء على الجرح في الأمم المتحدة ليظل تهديدًا دائمًا لإيران. هذا الاتفاق كان نتاج مفاوضات استمرت عامين". "هذه تجربة؛ فلنستفد منها. لقد قدمنا تنازلات، وتفاوضنا، وتراجعنا، لكننا لم نحقق هدفنا. وفي النهاية، رغم كل هذه العيوب، خرق الطرف الآخر الاتفاقية وانتهكها ومزقها". "لا ينبغي التفاوض مع مثل هذه الدولة، فالتفاوض معها ليس عقلانيًا وليس منطقيًا، ولا يتماشى مع الكرامة". أثارت تصريحات خامنئي تعليقات تفيد بأن إيران أغلقت ملف المفاوضات نهائيًا. لكن من أجل تحليل تصريحات خامنئي بشكل صحيح، لا بد من الاستعانة بالتاريخ. في الفترة التي أشار إليها خامنئي، أُجريت مفاوضات نووية بين إيران والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، وأسفرت عن اتفاق في يوليو/ تموز 2015. خلال تلك الفترة، وبينما كان حسن روحاني رئيسًا لإيران، عارض خامنئي المفاوضات النووية بنفس الحدة التي يعارض بها اليوم. لكنه مع مرور الوقت خفف من موقفه. وفي اجتماع عقده مع حكومة روحاني ومجلس الوزراء، أعلن أنه سيدعم المفاوضات إذا ما التُزم بـ "ثمانية خطوط حمراء". كما دافع عن المفاوضات وفريق التفاوض الإيراني في مواجهة انتقادات السياسيين المحافظين. لكن عندما انسحب الرئيس الأميركي ترامب من الاتفاق النووي بشكل أحادي في عام 2018، قال خامنئي إن أربعة من الخطوط الحمراء الثمانية قد انتُهكت، وإن إيران قدمت تنازلات غير مبررة، وألقى باللوم على حكومة روحاني. بأخذ هذه الخلفية التاريخية في الاعتبار، يمكننا أن نستنتج أن تصريحات خامنئي الأخيرة لا تعني بالضرورة إغلاق ملف المفاوضات تمامًا، بل هي جزء من إستراتيجيته في التفاوض. يبدو أن خامنئي يسعى إلى إعادة تركيز المحادثات على القضية النووية فقط، بدلًا من الخطة التي يسعى ترامب لفرضها، والتي تشمل أيضًا برامج إيران العسكرية وسياساتها الإقليمية. وفقًا لمصدر مقرب من مكتب خامنئي، فإن تصريحات خامنئي القوية بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة تهدف إلى "رفع مستوى التوتر، وإشراك دول مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا في الوساطة، من أجل تشكيل طاولة مفاوضات تستند إلى مطالب أكثر معقولية". خيار التدخل العسكري منذ عام 1979، أبقت الولايات المتحدة خيار التدخل العسكري ضد إيران دائمًا على الطاولة. ومع ذلك، لم تضع أميركا في أي مرحلة من الـ 46 عامًا الماضية التدخل العسكري كأولوية في سياساتها تجاه إيران. فضلت واشنطن استخدام أدوات أخرى للحد من نفوذ إيران ومنعها من امتلاك أسلحة نووية، مثل العقوبات الاقتصادية ودعم منافسيها الإقليميين، بدلًا من اللجوء إلى الخيار العسكري. عند تحليل تصريحات الرئيس الأميركي ترامب حول إيران، يتضح أن خطة واشنطن لا تضع التدخل العسكري كأولوية. فقد صرّح ترامب خلال رئاسته بأن إيران لن تمتلك أبدًا سلاحًا نوويًا، مؤكدًا أنه سيرى ما إذا كان التوصل إلى اتفاق مع إيران ممكنًا، لكنه سيفعل ما هو ضروري. وقال ترامب: "لا نريد أن نكون صارمين مع إيران أو أي جهة أخرى، لكن إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًا أبدًا". كما أشار إلى انفتاحه على المفاوضات مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران. هذه التصريحات توضح بجلاء أن الخيار العسكري ليس في مقدمة أولويات واشنطن فيما يتعلق بإيران. بدلًا من ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى فرض شروطها وإملاء مطالبها على إيران عبر سياسة الضغط الأقصى، لخلق بيئة تفاوضية تضمن تحقيق أهدافها. هل احتمال التدخل العسكري ضعيف جدًا؟ على الرغم من أن الخيار العسكري ليس الأولوية الأولى، فإنه لا يمكن استبعاده تمامًا. ومن الممكن القول إن هناك حالتين قد تدفعان الولايات المتحدة إلى اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران: امتلاك إيران سلاحًا نوويًا أو اقترابها بشكل خطير من تحقيق ذلك. إقدام إيران على خطوات تشكل تهديدًا وجوديًا خطيرًا لإسرائيل. وما لم تتحقق إحدى هاتين الحالتين، من غير المرجح أن تلجأ الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري ضد إيران، وستستمر في استخدام الضغط السياسي والاقتصادي لتحقيق أهدافها.


الجزيرة
٠٤-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
إيران وأميركا في الولاية الثانية لترامب: عقوبات أم مسار جديد؟
تعتبر الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب -في ولايته الثانية – مع الأزمة النووية الإيرانية ذات أهمية حاسمة من حيث الديناميكيات الإقليمية. خلال فترة الانتخابات الرئاسية، بعث ترامب برسائل إيجابية لكل من العالم وإيران. فكانت رسالته إلى العالم مفادها: "أنا من سيمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة"، بينما وجه إلى إيران رسالة قال فيها: "لا أريد أن أؤذيك". وقد ردت إيران على هذه الرسائل الإيجابية بنفس الروح. حيث صرّح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، قائلًا: "نأمل أن يفي ترامب بوعده بشأن تجنب الحروب". وفي حديثه خلال اجتماع، عقد في معهد IRAS يوم الأربعاء 29 يناير/ كانون الثاني 2025، تحت عنوان: "منظور التطورات الإقليمية والعالمية في عهد ترامب"، قيّم جواد ظريف موقف ترامب حتى الآن بأنه "ليس إيجابيًا جدًا، لكنه أيضًا ليس سلبيًا جدًا"، وقال: "قد لا يؤمن ترامب بأن إيران تتجه نحو امتلاك سلاح نووي، ويريد إبرام اتفاق مع إيران لمنع هذا الخطر"، وهو ما يشير إلى أن طهران تستعد لاستئناف المفاوضات النووية في عهد ترامب. وفي حين أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وأعضاء حكومته يؤيدون بدء عملية تفاوض نووي جديدة مع الولايات المتحدة، فإن موقف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، والقادة المحافظين تجاه عملية التفاوض، كان باردًا بشكل ملحوظ. فبعد انسحاب ترامب بشكل أحادي من الاتفاق النووي في عام 2018، أدلى آية الله خامنئي بتصريح لافت، حيث رفض المفاوضات مع الولايات المتحدة في ظل الظروف الحالية، قائلًا في خطابه في أغسطس/ آب 2018: "لقد ارتكبنا خطأ خلال مفاوضات الاتفاق النووي". ففي تصريح نشرته وكالات الأنباء الإيرانية أولًا ثم حُذف لاحقًا من الأخبار، قال آية الله خامنئي: "مفاوضات الاتفاق النووي كانت خطأ. لقد ارتكبت أخطاء في المفاوضات، وبناءً على إصرار المسؤولين، سمحت بهذه المحاولة التي تجاوزت الخطوط الحمراء المحددة". استمر آية الله خامنئي في تبني موقف صارم ضد المفاوضات النووية لفترة طويلة، لكنه بعد سنوات، في 11 يونيو/ حزيران 2023، استقبل وفدًا من العلماء النوويين الإيرانيين، ثم أبدى موقفًا أكثر ليونة تجاه المفاوضات النووية مقارنة بمواقفه السابقة. ومع انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان، رئيسًا لإيران، بعد وفاة سلفه إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، وتعيين جواد ظريف -مهندس الاتفاق النووي السابق – نائبًا له، أدى ذلك إلى زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، رافائيل ماريانو غروسي، لإيران بعد سنوات من القطيعة. وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2025، ألقى قائد الثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، خطابًا بمناسبة ذكرى بعثة النبي محمد، بحضور مسؤولي الحكومة والدولة وسفراء الدول الإسلامية. وصرَّح خلال كلمته قائلًا: "خلف ابتسامات الدبلوماسية تختبئ دائمًا العداوات والضغائن الشيطانية. يجب أن نفتح أعيننا وننتبه إلى من نواجهه، ومع من نتعامل، ومع من نتحدث. عندما يعرف الشخص خصمه، يمكنه التفاوض، لكنه يعلم ما يجب فعله. وبالتالي يجب علينا أيضًا أن نعرف وندرك". وفُسرت هذه التصريحات على أنها دعم مشروط من خامنئي لحكومة بزشكيان فيما يتعلق بالمفاوضات النووية المرتقبة مع إدارة ترامب. سياسة الضغط الأقصى أم طريق جديد؟ بدأت "سياسة الضغط الأقصى" في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، واستمرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن، الذي لم يلغِ العقوبات، بل زادها في بعض المجالات، بما في ذلك العقوبات الفردية، وقد صرحت وزيرة الخزانة الأميركية في إدارة بايدن، جانيت يلين، بأن سياسة العقوبات تلك لم تُغير سلوك إيران المزعزع للاستقرار. وبعد إعادة انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، صرّح المهندس الرئيسي لسياسة الضغط الأقصى، المبعوث الأميركي السابق الخاص لإيران برايان هوك، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بأن "سياسة الضغط الأقصى قد عادت، لكنها لا تهدف إلى تغيير النظام في إيران". ورغم إعلان برايان هوك عن عودة هذه السياسة، فإن مواقف بقية أعضاء فريق الأمن القومي لترامب بشأن كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني لا تزال غير واضحة تمامًا. وفي حين أن سياسة الضغط الأقصى، قد تدفع إيران إلى قبول اتفاق نووي جديد أو تقييد أنشطتها النووية، إلا أنها تحمل أيضًا عواقب خطيرة على أسواق النفط العالمية، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية على نطاق أوسع. وحتى لو فضلت إدارة ترامب التفاوض مع إيران بدلًا من سياسة الضغط الأقصى، فلن يكون هذا المسار سهلًا. فعندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، الذي وقعه باراك أوباما، عام 2018، وصف الاتفاق بأنه "أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة"، وأعلن عزمه على التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران. لكنه في حال قرر التفاوض مع إيران، فمن المرجح ألا تقتصر المفاوضات على البرنامج النووي فقط، بل قد تشمل أيضًا برنامج الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية لإيران. وإيران من جانبها، ترفض منذ عام 2013 التفاوض على أي موضوع غير نووي، وأكدت مرارًا أنها لن تقبل بأن تكون سياساتها الإقليمية جزءًا من أي مفاوضات. لذلك، فإن إصرار الولايات المتحدة على إدراج هذه القضايا قد يُعرقل التوصل إلى اتفاق جديد. في مثل هذا السيناريو، قد تستخدم الولايات المتحدة سياسة الضغط الأقصى كأداة ضغط لإجبار إيران على قبول إدراج القضايا غير النووية ضمن المفاوضات. وإلا فإن ذلك الضغط الأقصى قد يثير موجة من الاحتجاجات الاقتصادية داخل إيران، مثل تلك التي اندلعت في 2018 و2019 بسبب التدهور الاقتصادي. وبالتالي، فإن إدارة ترامب تملك خيارين أساسيين في تعاملها مع إيران؛ اتباع سياسة الضغط الأقصى لإجبار طهران على تقديم تنازلات في المفاوضات، أو استخدام ذلك الضغط الأقصى كورقة مساومة أثناء المفاوضات، لدفع إيران إلى قبول شروط أميركية أوسع تتجاوز الملف النووي. أزمة الثقة أكبر عائق أمام استئناف المفاوضات النووية المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران، هو أزمة الثقة العميقة بين الطرفين؛ فإيران لا تحمل ذكريات جيدة عن فترة ترامب الأولى. إذ لم يكتفِ بالانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما، بل أدرج في عام 2019 الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية، وأصدر في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 أمرًا باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني. وردًا على هذه الخطوات، طلبت إيران، في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، قبل وقت قصير من انتهاء ولاية ترامب، إصدار نشرة حمراء من الإنتربول ضد ترامب و48 مسؤولًا أميركيًا بتهمة التورط في اغتيال سليماني. واحدة من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في 2021-2022 بوساطة عمانية، كانت مخاوف إيران من أن أي اتفاق يُتَوَصَّل إليه خلال رئاسة بايدن قد يُتَخَلّى عنه إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن في الوضع الحالي، يُنظر إلى تأكيد ترامب بأنه لن ينسحب من أي اتفاق قد تعقده إدارته مع إيران على أنه عامل إيجابي يعزز موقف طهران تجاه المفاوضات. كذلك كانت قضية الثقة بين طهران وواشنطن ضمن أولويات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي شدد على أهمية وجود ضمانات قوية لاستدامة أي اتفاق مستقبلي بين الطرفين. وردًا على سؤال صحفي حول ما إذا كان ترامب قد أرسل رسالة إلى إيران بشأن المفاوضات، أجاب: "لقد توصلنا إلى اتفاق سابقًا، لكنهم أخلّوا به. الآن هناك حالة من انعدام الثقة، وهذه الثقة لا تُستعاد بالكلمات الطيبة فقط، بل يجب أن نرى الأداء على أرض الواقع". بهذا التصريح، أوضح عراقجي مدى عمق أزمة الثقة بين الطرفين، مما يجعل استئناف المفاوضات أكثر تعقيدًا. ورغم أن هناك عقبات كثيرة متعلقة بالماضي قد تؤثر سلبًا على استئناف المفاوضات النووية، فإن هناك أسبابًا إقليمية ودولية قد تدفع البلدين إلى العودة إلى طاولة التفاوض. وربما يكون الحل لتخفيف أزمة الثقة بين البلدين هو اتخاذ خطوات جريئة متبادلة. ووفقًا لمصدر مقرب من مكتب المرشد الأعلى آية الله خامنئي، فإن إيران تناقش اقتراحًا لتقديم عرض دبلوماسي إلى واشنطن، يتمثل في إقامة علاقات دبلوماسية محدودة تقتصر فقط على تقديم الخدمات القنصلية، كإشارة إلى جدية إيران ورغبتها الصادقة في حل الخلافات، وبدء المفاوضات النووية. وبالنظر إلى أن أجندة ترامب السياسية مليئة بالمفاجآت وتركّز على مواجهة الصين، فإن وجود عروض مماثلة من جانبه لن يكون أمرًا مستبعدًا.