أحدث الأخبار مع #أحمدبنمحمدالعامري


جريدة الرؤية
٢٣-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
جزيرة إبستين.. الوجه الخفي لحرب السيطرة على القرار الدولي
أحمد بن محمد العامري ahmedalameri@ في عالم السياسة الدولية لا تُدار كل الحروب بالسلاح ولا تُخاض كل المعارك في ميادين القتال. هناك صراعات أخطر تدور خلف الكواليس، حيث تُستخدم الفضائح، وتُدار الملفات السوداء وتُصادر الإرادات قبل أن تتخذ قرارها. في هذا السياق، تطفو على السطح قصة جزيرة "سانت جيمس كوكر" التي تحولت إلى صندوق أسرار أسود يمتلك مفاتيحه "الموساد" الإسرائيلي، عبر رجل يدعى جيفري إبستين. إبستين، الذي عرفه العالم كرجل أعمال وفاعل خير ظاهريًا كان في الحقيقة يدير واحدة من أخطر أدوات الابتزاز في العصر الحديث، من خلال جزيرته الصغيرة في البحر الكاريبي، لم تكن منتجعًا عاديًا، بل فخًا مُحكمًا نُصِب لكبار الشخصيات العالمية في السياسة والمال والإعلام ورجال دولة، رؤساء، أمراء، مليارديرات، ومشاهير، جميعهم مرّوا من هناك، حيث كانت تنتظرهم جولات من الرذيلة والانحراف الجنسي، استُخدمت فيها قاصرات وقصر، وتم إعداد المشهد بكامل تفاصيله لتسجيل كل لحظة. الهدف لم يكن المتعة العابرة، بل تحويل هذه اللحظات إلى قيد دائم على هؤلاء الأشخاص، كل غرفة، كل زاوية، وكل مكان خاص في تلك الجزيرة كانت تملؤه كاميرات التجسس، ترصد بالصوت والصورة، من لحظة الوصول حتى المغادرة، ويتم إرسال كل ما يُصور إلى غرف مظلمة تابعة لجهاز الموساد حيث تُحفظ هذه الملفات لا للذكرى، بل كأداة تحكم سياسي وأمني واقتصادي طويل الأمد. هذه العملية ليست سابقة في التاريخ، لكنها بلا شك الأوسع والأخطر من حيث الحجم والدقة والتنظيم، فالابتزاز الجنسي كان دائمًا أداة فعالة استُخدمت عبر القرون للسيطرة على الساسة وتجنيد العملاء وإخضاع النخب، لكن ما جرى في جزيرة إبستين فاق كل ما سُجل من قبل في كتب التاريخ من حيث التنوع الطبقي للضحايا وتشابك المصالح بين أجهزة الاستخبارات والمال والنفوذ الإعلامي. في أوروبا والولايات المتحدة، كانت هناك سوابق مشابهة وإن لم تكن بنفس الاتساع، ففي أوائل القرن العشرين وخصوصًا في نيويورك، انتشرت شبكات دعارة سرية كانت تدار من قبل شخصيات يهودية نافذة، استخدمت هذه الشبكات للربح، ولكن أيضًا لجمع المعلومات وتوريط الشخصيات المؤثرة. واحدة من أشهر هذه الشبكات كانت تلك التي تديرها اليهودية بيرل أدلر "بولي"، التي عُرفت باسم "ملكة الدعارة" في نيويورك، بولي كانت تدير بيوت دعارة يرتادها الساسة وكبار الضباط والمسؤولون، وتم استغلال هذه الأماكن لتوثيق الفضائح وابتزاز الشخصيات المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا. في أوروبا أيضًا، وتحديدًا في باريس وبرلين، برزت خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي شبكات مشابهة كان يديرها يهود مرتبطون بحركات صهيونية أو بشبكات جريمة منظمة، هذه الشبكات لم تكن تقتصر على الربح المالي، بل كانت تتعاون كذلك مع أجهزة استخبارات للحصول على معلومات حساسة أو للسيطرة على القرار السياسي عبر الابتزاز الأخلاقي. لكن رغم كل تلك السوابق، فإن ما فعله إبستين يمثل نقلة نوعية، لقد تحول من مجرد مدير شبكة دعارة إلى "سمسار أسرار دولية". الجزيرة التي امتلكها كانت أشبه بإستوديو تجسس كامل صممته عقول أمنية محترفة، حيث يتم رصد الضيوف من لحظة الوصول إلى لحظة مغادرتهم، وكل شيء بين هاتين اللحظتين يُوثق: العلاقات الجنسية، المحادثات الجانبية، التصرفات الخاصة، وكل ما يمكن أن يشكل ورقة ضغط مستقبلية. هذه الملفات لم تكن محفوظة للفرجة أو الابتزاز المالي فقط، بل لتشكيل مستقبل السياسات الدولية. شخصيات ذات ثقل اقتصادي عالمي، ورجال دولة يتحكمون في قرارات سيادية، أصبحوا أسرى لهذه الأشرطة والصور. من هنا يصبح مفهومًا لماذا يصمت بعض القادة عن جرائم إسرائيل ولماذا هرولت بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع رغم الجرائم اليومية التي ترتكب بحق الفلسطينيين. ببساطة، لأنهم لا يملكون قرارهم. الابتزاز الأخلاقي الذي تمت ممارسته من خلال شبكة إبستين، بإشراف مباشر من الموساد، يمثل أخطر أشكال الحرب غير التقليدية، حرب لا تُستخدم فيها الصواريخ ولا الجيوش، بل تُخاض بالكاميرات الخفية وبملفات الفيديو التي تحطم الشخصيات وتقيد الإرادات، كلما واجه هؤلاء القادة خيارًا سياسيًا حساسًا تذكّروا الملفات التي تملكها إسرائيل عنهم، وتراجعوا عن المواجهة. هذا النمط من السيطرة عبر الفضائح الشخصية ليس جديدًا، ولكنه في قضية عميل الموساد "إبستين" وصل إلى درجة غير مسبوقة من التنظيم، لم يعد الأمر عشوائيًا بل صار منظومة عمل كاملة يتم من خلالها اختيار الضحايا، استدراجهم، تصويرهم، ثم التحكم في قراراتهم المستقبلية، وهنا تتحول "الرذيلة" من فعل شخصي إلى سياسة دولة. إن العالم اليوم يقف أمام مشهد بالغ الخطورة، فصناعة القرار الدولي في كثير من الأحيان لم تعد تدار في قاعات الاجتماعات ولا وفق مصالح الشعوب، بل في غرف مغلقة تحكمها صور مسربة ولقطات مصورة لأفعال مشينة، من هنا نفهم لماذا تتبدل المواقف، ولماذا يسكت العالم عن الاحتلال، ولماذا تتجه بعض الدول إلى الانبطاح الكامل أمام إسرائيل رغم وضوح جرائمها. قضية جزيرة إبستين ليست ملف فضيحة شخصية، بل هي جريمة أمن قومي عالمي، جريمة سُلبت فيها إرادات الشعوب عبر السيطرة على قادتها، وتحولت فيها أدوات الرذيلة إلى أسلحة أكثر فتكًا من البنادق والصواريخ، وإذا لم تُفتح هذه الملفات وإذا لم تتم محاسبة المتورطين، فإن العالم سيظل يدور في دائرة الفساد والابتزاز، وستظل الشعوب رهينة لقرارات تُتخذ في الخفاء تحت تهديد الصور والفضائح، لا تحت راية السيادة ولا وفقًا لمصالح الإنسانية.


ساحة التحرير
٢١-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
فلسطين… بوصلة الأمة التي لا ينبغي أن تضيع!أحمد بن محمد العامري
فلسطين… بوصلة الأمة التي لا ينبغي أن تضيع! أحمد بن محمد العامري في زمن تعالت فيه أصوات الشعارات، وازدحمت فيه المنابر بالخطب الرنانة، تقف الأمة العربية والإسلامية اليوم أمام سؤال مصيري: هل الحكام العرب يؤمنون حقًا أن الله فوق الأعلام التي يرفعونها في أوطانهم؟ وهل الشعارات التي يرفعونها تعبّر عن قناعات صادقة، أم أصبحت مجرد زينة تُعلّق في المناسبات وتُطوى مع انتهاء الخطاب؟ إن صدق الإيمان لا يقاس بما يقال في الإعلام أو بما يُرفع من شعارات، إنما بما يُترجم إلى أفعال تحمي الكرامة، وتصون الحقوق، وتدافع عن المقدسات. فالأوطان لا تصان بالتصريحات، ولا تُحفظ هيبة الأمة بالتلويح بالأعلام، إنما بصون الحق ودفع الباطل والقيام بالواجب الشرعي والتاريخي. اليوم، كما مرّت علينا من قبل أيام عجاف، تعيش الأمة العربية ذات الأيام العجاف من تاريخها، فالقضية الفلسطينية تتعرض لأبشع صور التصفية؛ الناس تُقتل والأرض تُنتهك والمقدسات تُدنّس، في حين يقف العالم الحر ليعلن تضامنه مع الحق الفلسطيني، للأسف، نجد بعض حكام العرب في موقف المتفرج أو المتواطئ، وكأن الأمر لا يعنيهم. ولكن ما يثلج الصدر ولله الحمد والمنة، أننا نجد أحرار العرب من المحيط إلى الخليج ما زالوا يرددون بصوت واحد: فلسطين هي القضية المركزية، والعودة حق لا يسقط بالتقادم، و'حل الدولتين' هو الحل والمطلب وهو الكرامة، والكرامة العربية لا تقبل أن تُداس تحت أقدام الاحتلال. فلسطين ليست مجرد قضية سياسية عابرة وليست ملفًا تفاوضيًا على طاولة المصالح. فلسطين هي البوصلة الأخلاقية والشرعية التي تحدد موقع الأمة بين الأمم. فمن وقف معها فهو مع الحق، ومن تخلى عنها فقد خان الأمانة التي سيُسأل عنها أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام الشعوب. لقد أثبتت الأحداث أن فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم؛ كون فلسطين ليست قضية حدود، إنما قضية عقيدة ووجود، قضية قرآن وتوراة وتلمود، لذا هي قضية العرب والمسلمين جميعًا، وكذلك هي قضية الإنسانية كلها، لذا نشاهد أحرار العالم من كل دين وجنس ولون يلتفون اليوم حول فلسطين لأنها تمثل الضمير الحي في هذا الزمن الذي طغت فيه المصالح، وتجاهلت فيه بعض حكومات العالم والمنظمات الدولية صوت العدالة. أما في العالم العربي، فإن عيون الشعوب شاخصة نحو الحكام، تنتظر منهم موقفًا يليق بحجم المسؤولية. أنتم اليوم أمام امتحان عظيم: هل ستكونون على قدر المهمة التي وضعها الله في أعناقكم، أم ستتكرر خيبات التاريخ ويُضاف إلى صفحات الذل والهوان العربي صفحة جديدة؟ خذلان القضية الفلسطينية ليس مجرد موقف سياسي عابر، إنما خيانة للأمة وتفريط في الأمانة، ومن يفرّط في القدس والأقصى يفرّط في شرف الأمة، ومن يترك الفلسطينيين وحدهم في الميدان، يخسر احترام الشعوب ويفقد مكانته أمام الله أولًا، ثم أمام الضمير العربي والعالمي. لكن ما زال هناك متسع من الوقت للعودة إلى الطريق الصحيح، ولا تزال في اليد فرصة للتدارك. لأن فلسطين هي الشمال الحقيقي لبوصلة الأمة وهي المعيار الأخلاقي الذي يحدد من يقف مع العدل والحق، ومن اختار أن يكون في صف الباطل والتطبيع والخضوع. إن حق العودة ليس شعارًا سياسيًا، بل هو التزام تاريخي لا يسقط، ومطلب أحرار العرب من المحيط إلى الخليج اليوم هو 'حل الدولتين'. فالكرامة العربية ليست ورقة في مفاوضات، بل هي جوهر وجود الأمة وبقاؤها، والتاريخ علّمنا أن الشعوب قد تصبر لكنها لا تنسى. كونوا بقدر المهمة، واعلموا أن الأمة من خلفكم تنتظر موقفًا يعيد لها ثقتها بقياداتها. وبعون الله وبصدق الموقف وبوحدة الكلمة، سيكون لهذه الأمة مكان تحت الشمس يليق بها وبكرامتها. التاريخ يُكتب الآن، فاختاروا موقعكم فيه. إما مع الله والأمة… أو مع الشيطان والصهاينة. 2025-07-21


جريدة الرؤية
١٩-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
فلسطين… بوصلة الأمة التي لا ينبغي أن تضيع
أحمد بن محمد العامري ahmedalameri@ في زمن تعالت فيه أصوات الشعارات، وازدحمت فيه المنابر بالخطب الرنانة، تقف الأمة العربية والإسلامية اليوم أمام سؤال مصيري: هل الحكام العرب يؤمنون حقًا أن الله فوق الأعلام التي يرفعونها في أوطانهم؟ وهل الشعارات التي يرفعونها تعبّر عن قناعات صادقة، أم أصبحت مجرد زينة تُعلّق في المناسبات وتُطوى مع انتهاء الخطاب؟ إن صدق الإيمان لا يقاس بما يقال في الإعلام أو بما يُرفع من شعارات، إنما بما يُترجم إلى أفعال تحمي الكرامة، وتصون الحقوق، وتدافع عن المقدسات. فالأوطان لا تصان بالتصريحات، ولا تُحفظ هيبة الأمة بالتلويح بالأعلام، إنما بصون الحق ودفع الباطل والقيام بالواجب الشرعي والتاريخي. اليوم، كما مرّت علينا من قبل أيام عجاف، تعيش الأمة العربية ذات الأيام العجاف من تاريخها، فالقضية الفلسطينية تتعرض لأبشع صور التصفية؛ الناس تُقتل والأرض تُنتهك والمقدسات تُدنّس، في حين يقف العالم الحر ليعلن تضامنه مع الحق الفلسطيني، للأسف، نجد بعض حكام العرب في موقف المتفرج أو المتواطئ، وكأن الأمر لا يعنيهم. ولكن ما يثلج الصدر ولله الحمد والمنة، أننا نجد أحرار العرب من المحيط إلى الخليج ما زالوا يرددون بصوت واحد: فلسطين هي القضية المركزية، والعودة حق لا يسقط بالتقادم، و"حل الدولتين" هو الحل والمطلب وهو الكرامة، والكرامة العربية لا تقبل أن تُداس تحت أقدام الاحتلال. فلسطين ليست مجرد قضية سياسية عابرة وليست ملفًا تفاوضيًا على طاولة المصالح. فلسطين هي البوصلة الأخلاقية والشرعية التي تحدد موقع الأمة بين الأمم. فمن وقف معها فهو مع الحق، ومن تخلى عنها فقد خان الأمانة التي سيُسأل عنها أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام الشعوب. لقد أثبتت الأحداث أن فلسطين لا تخص الفلسطينيين وحدهم؛ كون فلسطين ليست قضية حدود، إنما قضية عقيدة ووجود، قضية قرآن وتوراة وتلمود، لذا هي قضية العرب والمسلمين جميعًا، وكذلك هي قضية الإنسانية كلها، لذا نشاهد أحرار العالم من كل دين وجنس ولون يلتفون اليوم حول فلسطين لأنها تمثل الضمير الحي في هذا الزمن الذي طغت فيه المصالح، وتجاهلت فيه بعض حكومات العالم والمنظمات الدولية صوت العدالة. أما في العالم العربي، فإن عيون الشعوب شاخصة نحو الحكام، تنتظر منهم موقفًا يليق بحجم المسؤولية. أنتم اليوم أمام امتحان عظيم: هل ستكونون على قدر المهمة التي وضعها الله في أعناقكم، أم ستتكرر خيبات التاريخ ويُضاف إلى صفحات الذل والهوان العربي صفحة جديدة؟ خذلان القضية الفلسطينية ليس مجرد موقف سياسي عابر، إنما خيانة للأمة وتفريط في الأمانة، ومن يفرّط في القدس والأقصى يفرّط في شرف الأمة، ومن يترك الفلسطينيين وحدهم في الميدان، يخسر احترام الشعوب ويفقد مكانته أمام الله أولًا، ثم أمام الضمير العربي والعالمي. لكن ما زال هناك متسع من الوقت للعودة إلى الطريق الصحيح، ولا تزال في اليد فرصة للتدارك. لأن فلسطين هي الشمال الحقيقي لبوصلة الأمة وهي المعيار الأخلاقي الذي يحدد من يقف مع العدل والحق، ومن اختار أن يكون في صف الباطل والتطبيع والخضوع. إن حق العودة ليس شعارًا سياسيًا، بل هو التزام تاريخي لا يسقط، ومطلب أحرار العرب من المحيط إلى الخليج اليوم هو "حل الدولتين". فالكرامة العربية ليست ورقة في مفاوضات، بل هي جوهر وجود الأمة وبقاؤها، والتاريخ علّمنا أن الشعوب قد تصبر لكنها لا تنسى. كونوا بقدر المهمة، واعلموا أن الأمة من خلفكم تنتظر موقفًا يعيد لها ثقتها بقياداتها. وبعون الله وبصدق الموقف وبوحدة الكلمة، سيكون لهذه الأمة مكان تحت الشمس يليق بها وبكرامتها. التاريخ يُكتب الآن، فاختاروا موقعكم فيه. إما مع الله والأمة… أو مع الشيطان والصهاينة.


جريدة الرؤية
٠٩-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
هل مكافحة الكراهية ترف محصور على جالية دون أخرى؟
أحمد بن محمد العامري في المجتمعات الغربية، وبريطانيا على وجه الخصوص، تمثّل منظمات مثل مجلس نواب اليهود البريطانيين (Board of Deputies of British Jews)، ومجلس القيادة اليهودية (Jewish Leadership Council)، وهيئة أمن الجالية (Community Security Trust - CST)، نماذج بارزة للتنظيم المدني الفعّال. تعمل هذه الهيئات على تمثيل الجالية اليهودية سياسيًا، ومراقبة مظاهر معاداة السامية، وتوفير الدعم الأمني للمؤسسات والمدارس والمعابد اليهودية. وتُعد شريكة للحكومة في جهود مكافحة الكراهية والتعصب، وتحظى بدعم رسمي واحترام مجتمعي واسع. أمام هذا النموذج الناجح، يثور سؤال جوهري: ماذا لو سارت الجالية المسلمة على النهج نفسه؟ ماذا لو أُنشئ "مجلس نواب المسلمين البريطانيين"، أو "مجلس القيادة الإسلامية"، وهيئة متخصصة لمراقبة الإسلاموفوبيا وتوفير الأمن للمساجد والمدارس الإسلامية؟ هل سيُرحَّب بهذه المبادرات بنفس الحماسة؟ أم أن هذا النمط من التنظيم والتأثير هو امتياز محصور بجالية دون أخرى؟ الواقع يشير، للأسف، إلى وجود ازدواجية واضحة في التعامل مع الكراهية الموجّهة ضد الجاليات المختلفة. فبينما تُعامل معاداة السامية كجريمة خطيرة تُهدد الديمقراطية، كثيرًا ما تُقابل مظاهر الإسلاموفوبيا بالتجاهل، أو تُبرَّر باعتبارها "حرية تعبير". وقد وثّقت منظمات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (Council on American-Islamic Relations - CAIR)، ومنظمة "تيل ماما" (Tell MAMA UK)، تزايدًا لافتًا في جرائم الكراهية ضد المسلمين بعد أحداث كبرى مثل هجمات باريس عام 2015 أو هجوم 7 أكتوبر 2023. الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا تتعرض لتغطية إعلامية سلبية ممنهجة، تُربط فيها مرارًا بالتطرف، ويُساءل أفرادها عن ولائهم الوطني، وتُحمّل الجالية جماعيًا تبعات أعمال أفراد لا تمثلها. وقد وثّقت دراسات إعلامية، مثل تقرير جامعة كامبريدج (University of Cambridge, 2017)، هذا التحيز بوضوح، حيث وُجد أن الأخبار المتعلقة بالمسلمين أكثر سلبية بثلاثة أضعاف مقارنة بالأخبار المتعلقة بجماعات دينية أخرى. وتتجلى هذه الازدواجية بوضوح فيما يواجهه السياسي المسلم زهران ممداني، المترشح لمنصب عمدة نيويورك، من حملات تشويه قذرة واتهامات علنية بسبب دعمه لغزة وانتقاده لإسرائيل. لم يكن الهجوم عليه مبنيًا على برنامجه السياسي أو كفاءته، بل استُهدف بسبب خلفيته الدينية ومواقفه الإنسانية. وسائل إعلام أمريكية كـ CNN وThe Intercept رصدت هذه الهجمات التي شارك فيها حتى الرئيس الأمريكي نفسه، ما يكشف عن حجم الكراهية التي يواجهها المترشح المسلم لمجرد انتمائه الديني. هذه الحادثة لم تكن استثناءً، بل جزءًا من نمط أوسع يعكس كيف تحولت الإسلاموفوبيا إلى أداة إقصاء سياسي واجتماعي في بعض الأوساط الغربية. وتتّضح المفارقة أكثر في طريقة تعامل السلطات الغربية مع حرية التعبير. منذ السابع من أكتوبر 2023، تعرضت التظاهرات الداعمة لفلسطين في بريطانيا وأمريكا وعدد من المدن الأوروبية إلى تضييق ممنهج من قبل قوات الأمن، شمل العنف والاعتقال وتقييد الحق في التظاهر. أصبح الوقوف مع المظلوم تهمة، والتنديد بالعدوان جريمة. هذا المشهد يناقض كليًا ما حدث مع التظاهرات الداعمة لأوكرانيا عام 2022، التي حظيت بالحماية والدعم والتغطية الإعلامية الإيجابية. ما كان الغرب يسوّقه لسنوات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، سقطت ورقة التوت في اللحظة التي أصبح فيها الانحياز للعدالة فضيحة، والصمت عن الجرائم فضيلة. وعند الحديث عن معاداة السامية، يبرز تناقض آخر في التعريف والممارسة. فمصطلح "معاداة السامية" (Antisemitism) يُستخدم حصرًا تقريبًا للإشارة إلى الكراهية ضد اليهود، رغم أن الساميين، بحسب التصنيف اللغوي والتاريخي، يشملون العرب والعبرانيين أيضًا. ومع ذلك، حين يتعرض العرب، مسلمون أو مسيحيون، للتحريض أو الكراهية، لا يُعامل ذلك كمعاداة للسامية، بل قد يُتّهم الضحية نفسه بمعاداة السامية لمجرد انتقاده لإسرائيل أو تضامنه مع الفلسطينيين. هذا الاستخدام الانتقائي للمصطلح أثار انتقادات واسعة، سواء من باحثين مثل نورمان فنكلستين (Norman Finkelstein) في كتابه "صناعة الهولوكوست" (The Holocaust Industry)، أو من مؤسسات حقوقية ترى أن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (International Holocaust Remembrance Alliance - IHRA) لمعاداة السامية يُستخدم أحيانًا لقمع حرية التعبير بدلًا من حماية ضحايا الكراهية الحقيقيين. من هنا، فإنَّ حق الجاليات المسلمة في تنظيم صفوفها، وإنشاء مؤسسات تمثيلية تُدافع عنها وتراقب مظاهر الإسلاموفوبيا، يجب أن يُنظر إليه كضرورة وليس ترفًا. ما حققته الجالية اليهودية من تنظيم وتمكين ذاتي يجب أن يكون مصدر إلهام، لا مثار توجس. المجتمعات الغربية لم تعد متجانسة، بل باتت فسيفساء من الهويات والثقافات، والمكوّن الإسلامي فيها ليس غريبًا ولا طارئًا، بل جزءٌ أصيل من النسيج المجتمعي. المساواة الحقيقية لا تُقاس بالشعارات، بل بالمعايير التي تُطبّق على الجميع. حين تُعامل الجاليات الإسلامية بالاحترام نفسه، ويُعترف بالإسلاموفوبيا كخطر حقيقي لا يقل عن معاداة السامية، يمكن حينها فقط الحديث عن عدالة شاملة. وحتى يتحقق ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستمنح الديمقراطيات الغربية هذا "الترف الإنساني" لجميع مواطنيها؟ أم سيظل حكرًا على فئة دون أخرى؟ ahmedalameri@


جريدة الرؤية
٢٨-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
مسار النظام العالمي في خطاب ترامب: قيادة أم هيمنة؟
أحمد بن محمد العامري في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم خلال العقدين الأخيرين، عاد إلى الواجهة الحديث عن "النظام العالمي" وتوازناته الجديدة خاصة مع صعود قوى كبرى مثل الصين، وتنامي أدوار إقليمية فاعلة في الشرق الأوسط وأزمات ممتدة مثل الحرب في أوكرانيا والحرب الصهيوامريكية على إيران. في هذا السياق برز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كصوت صريح، يتحدث بوضوح عن رغبته في إعادة رسم "مسار النظام العالمي". هذه العبارة التي يستخدمها ترامب، وإن بدت في ظاهرها سياسية أو استراتيجية، تحمل في طياتها دلالات أعمق، تتعلق برؤية أحادية للقيادة الدولية وربما تعكس رغبة في إعادة إنتاج الهيمنة الأمريكية مدعومة بشراكة إستراتيجية وثيقة مع إسرائيل. عندما يستعمل ترامب عبارة "مسار النظام العالمي"، لا يتحدث عن نظام تشاركي تعددي تقوده التفاهمات الدولية، بل عن تصور أحادي يعيد تمركز الولايات المتحدة في قلب النظام الدولي كقوة لا تقبل المزاحمة، ولا تسمح بظهور منافسين مؤثرين. إن هذا التصور يقوم على منطق النفوذ لا الشراكة، وعلى فرض المعايير الأمريكية في السياسة والاقتصاد والثقافة، لا تبادلها أو التفاوض بشأنها. الدول، وفق هذا التصور، إما أن تكون "مع أمريكا بالكامل"، أو توضع في خانة الدول "التي يجب مواجهتها" عبر أدوات الضغط والعقوبات والعزل. الأمر اللافت في خطاب ترامب حول "مسار النظام العالمي" هو تماهيه شبه الكامل مع الأجندة الإسرائيلية خصوصًا في الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط. لقد أعاد ترامب صياغة العلاقة مع إسرائيل ليس فقط كحليف إستراتيجي بل كامتداد طبيعي للسياسات الأمريكية، حتى بدا أن مصالح الطرفين تندمج في مشروع واحد. تجلى ذلك في سلسلة من الخطوات المثيرة للجدل، أبرزها: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، دعم ضم الجولان، إلغاء الدعم الأمريكي لوكالة الأونروا، وتقديم "صفقة القرن" التي حاولت تصفية القضية الفلسطينية على المستوى السياسي والاقتصادي وحرب غزة وقصف إيران. كل هذه السياسات لم تكن عشوائية أو ظرفية، بل تعكس جزءًا من تصور أوسع يرى أن "المسار الصحيح" للعالم يجب أن يتبنى الرؤية الأمريكية–الإسرائيلية، سواء من حيث التحالفات أو إعادة تعريف العدو والصديق. الدول التي لا تدخل هذا المسار - سواء الصين، روسيا، إيران، أو حتى بعض الدول الأوروبية التي تحاول الحفاظ على استقلالية نسبية توضع تحت ضغط سياسي واقتصادي مباشر، وتُحمّل مسؤولية "تقويض النظام العالمي". من هذا المنظور، فإن عبارة "مسار النظام العالمي" في خطاب ترامب لا تُفهم إلا كدعوة مبطنة إلى الامتثال والخضوع. ليست دعوة للحوار الدولي، بل إنذار بأن من لا يسير وفق الرؤية الأمريكية–الإسرائيلية الجديدة سيُستبعد، أو يُعاقب، أو يُواجه. هو منطق يقوم على فكرة التفوق والوصاية، لا على مبدأ الشراكة والمساواة بين الدول. لكن ما يغفله هذا الخطاب هو أن العالم لم يعد ذلك الذي خرج من الحرب الباردة في التسعينيات. تعدد الأقطاب أصبح أمرًا واقعًا وصعود قوى اقتصادية وعسكرية جديدة مثل الصين وروسيا يعيد تشكيل توازنات القوة. كما أن الشعوب، وخصوصًا في العالم العربي والإفريقي، لم تعد تقبل بالتبعية المطلقة، بل باتت تطالب بالاستقلال في القرار والتنمية وفقًا لأولوياتها، لا وفقًا لما يُرسم لها من الخارج. في ختام القول، فإن "مسار النظام العالمي" كما يراه ترامب ليس إلا محاولة لإعادة تمركز القوة الأمريكية وفرض الرؤية الإسرائيلية كشريك أساسي في صياغة مستقبل العالم، خصوصًا في في منطقتنا العربية وجوارها الجغرافي. لكن هذه الرؤية رغم قوتها الإعلامية والسياسية، تصطدم بواقع دولي يتغير بسرعة وبتنامي رفض شعبي ونخبوي عالمي لأي مشروع هيمنة جديد، مهما حاول أن يرتدي ثوب "القيادة". فالمستقبل لن يُبنى على الإملاء، بل على الشراكة والاحترام المتبادل، وإلا فإن النظام العالمي سيعاد تشكيله رغمًا عن إرادة من يريد احتكاره. ahmedalameri@