
مسار النظام العالمي في خطاب ترامب: قيادة أم هيمنة؟
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم خلال العقدين الأخيرين، عاد إلى الواجهة الحديث عن "النظام العالمي" وتوازناته الجديدة خاصة مع صعود قوى كبرى مثل الصين، وتنامي أدوار إقليمية فاعلة في الشرق الأوسط وأزمات ممتدة مثل الحرب في أوكرانيا والحرب الصهيوامريكية على إيران.
في هذا السياق برز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كصوت صريح، يتحدث بوضوح عن رغبته في إعادة رسم "مسار النظام العالمي". هذه العبارة التي يستخدمها ترامب، وإن بدت في ظاهرها سياسية أو استراتيجية، تحمل في طياتها دلالات أعمق، تتعلق برؤية أحادية للقيادة الدولية وربما تعكس رغبة في إعادة إنتاج الهيمنة الأمريكية مدعومة بشراكة إستراتيجية وثيقة مع إسرائيل.
عندما يستعمل ترامب عبارة "مسار النظام العالمي"، لا يتحدث عن نظام تشاركي تعددي تقوده التفاهمات الدولية، بل عن تصور أحادي يعيد تمركز الولايات المتحدة في قلب النظام الدولي كقوة لا تقبل المزاحمة، ولا تسمح بظهور منافسين مؤثرين.
إن هذا التصور يقوم على منطق النفوذ لا الشراكة، وعلى فرض المعايير الأمريكية في السياسة والاقتصاد والثقافة، لا تبادلها أو التفاوض بشأنها. الدول، وفق هذا التصور، إما أن تكون "مع أمريكا بالكامل"، أو توضع في خانة الدول "التي يجب مواجهتها" عبر أدوات الضغط والعقوبات والعزل.
الأمر اللافت في خطاب ترامب حول "مسار النظام العالمي" هو تماهيه شبه الكامل مع الأجندة الإسرائيلية خصوصًا في الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط.
لقد أعاد ترامب صياغة العلاقة مع إسرائيل ليس فقط كحليف إستراتيجي بل كامتداد طبيعي للسياسات الأمريكية، حتى بدا أن مصالح الطرفين تندمج في مشروع واحد.
تجلى ذلك في سلسلة من الخطوات المثيرة للجدل، أبرزها: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، دعم ضم الجولان، إلغاء الدعم الأمريكي لوكالة الأونروا، وتقديم "صفقة القرن" التي حاولت تصفية القضية الفلسطينية على المستوى السياسي والاقتصادي وحرب غزة وقصف إيران.
كل هذه السياسات لم تكن عشوائية أو ظرفية، بل تعكس جزءًا من تصور أوسع يرى أن "المسار الصحيح" للعالم يجب أن يتبنى الرؤية الأمريكية–الإسرائيلية، سواء من حيث التحالفات أو إعادة تعريف العدو والصديق.
الدول التي لا تدخل هذا المسار - سواء الصين، روسيا، إيران، أو حتى بعض الدول الأوروبية التي تحاول الحفاظ على استقلالية نسبية توضع تحت ضغط سياسي واقتصادي مباشر، وتُحمّل مسؤولية "تقويض النظام العالمي".
من هذا المنظور، فإن عبارة "مسار النظام العالمي" في خطاب ترامب لا تُفهم إلا كدعوة مبطنة إلى الامتثال والخضوع. ليست دعوة للحوار الدولي، بل إنذار بأن من لا يسير وفق الرؤية الأمريكية–الإسرائيلية الجديدة سيُستبعد، أو يُعاقب، أو يُواجه. هو منطق يقوم على فكرة التفوق والوصاية، لا على مبدأ الشراكة والمساواة بين الدول.
لكن ما يغفله هذا الخطاب هو أن العالم لم يعد ذلك الذي خرج من الحرب الباردة في التسعينيات. تعدد الأقطاب أصبح أمرًا واقعًا وصعود قوى اقتصادية وعسكرية جديدة مثل الصين وروسيا يعيد تشكيل توازنات القوة. كما أن الشعوب، وخصوصًا في العالم العربي والإفريقي، لم تعد تقبل بالتبعية المطلقة، بل باتت تطالب بالاستقلال في القرار والتنمية وفقًا لأولوياتها، لا وفقًا لما يُرسم لها من الخارج.
في ختام القول، فإن "مسار النظام العالمي" كما يراه ترامب ليس إلا محاولة لإعادة تمركز القوة الأمريكية وفرض الرؤية الإسرائيلية كشريك أساسي في صياغة مستقبل العالم، خصوصًا في في منطقتنا العربية وجوارها الجغرافي.
لكن هذه الرؤية رغم قوتها الإعلامية والسياسية، تصطدم بواقع دولي يتغير بسرعة وبتنامي رفض شعبي ونخبوي عالمي لأي مشروع هيمنة جديد، مهما حاول أن يرتدي ثوب "القيادة". فالمستقبل لن يُبنى على الإملاء، بل على الشراكة والاحترام المتبادل، وإلا فإن النظام العالمي سيعاد تشكيله رغمًا عن إرادة من يريد احتكاره.
ahmedalameri@live.com

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشبيبة
منذ ساعة واحدة
- الشبيبة
أسعار الذهب تنخفض مع ترقب المستثمرين للمحادثات الأمريكية الروسية بشأن أوكرانيا
الشبيبة - العمانية انخفضت أسعار الذهب اليوم مع ترقب المستثمرين للمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الحرب في أوكرانيا وكذلك البيانات حول التضخم في يوليو التي قد تقدم مزيدًا من الوضوح حول قرارات البنك المركزي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة. وتراجع الذهب في المعاملات الفورية 0.6 بالمائة مسجلًا 3378.49 دولار للأوقية (الأونصة)، بعد أن سجل أعلى مستوى منذ 23 يوليو يوم الجمعة. وانخفضت العقود الأمريكية الآجلة للذهب لشهر ديسمبر 1.4 بالمائة إلى 3441.20 دولار. وقال ترامب يوم الجمعة إنه سيلتقي بوتين في 15 أغسطس في ألاسكا للتفاوض بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا. وينصب التركيز أيضًا على بيانات أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة المقرر صدورها غدًا الثلاثاء، إذ يتوقع المحللون أن يسهم تأثير الرسوم الجمركية في ارتفاع التضخم الأساسي 0.3 بالمائة ليصل المعدل السنوي إلى ثلاثة بالمائة ويبقى بعيدًا عن هدف البنك المركزي البالغ اثنين بالمائة. وعزز تقرير الوظائف الأمريكي الأحدث، الذي جاء أضعف من المتوقع، التوقعات بخفض مجلس الاحتياطي لأسعار الفائدة في سبتمبر. وتشير الأسواق إلى احتمالية تبلغ 90 بالمائة تقريبًا لخفض الفائدة في سبتمبر، وخفض واحد آخر على الأقل بحلول نهاية العام. ويميل الذهب إلى الاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة. وتحظى المناقشات التجارية بين الصين والولايات المتحدة أيضًا باهتمام كبير مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده ترامب في 12 أغسطس لإبرام اتفاق تجاري بين البلدين.


جريدة الرؤية
منذ يوم واحد
- جريدة الرؤية
ترامب يرشح بروس لمنصب نائب رئيس المندوب الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة
واشنطن- رويترز أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترشيح المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس لمنصب نائب المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال": "يسعدني أن أعلن ترشيح تامي بروس - الوطنية العظيمة، ومقدمة البرامج التلفزيونية، ومؤلفة الكتب الأكثر مبيعا - لمنصب نائبة الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بدرجة سفير". وأضاف: "منذ بداية فترتي الثانية، شغلت تامي بكل فخر منصب المتحدثة باسم وزارة الخارجية، حيث قامت بعمل رائع. ستقوم تامي بروس بتمثيل بلادنا بشكل ممتاز في الأمم المتحدة". وفي مايو الماضي، رشح ترامب مستشاره السابق للأمن القومي مايك والتز لمنصب الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وأفادت قناة "فوكس نيوز" بأن إبعاد والتز كان مرتبطا بحادثة تطبيق "سيغنال" المثيرة للجدل، عندما دُعي رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" جيفري غولدبيرغ بالخطأ إلى محادثة تضم ممثلين رفيعي المستوى من إدارة الولايات المتحدة. وفي نهاية يوليو، أوصت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ في الكونغرس بالموافقة على ترشيح والتز لمنصب الممثل لدى الأمم المتحدة.


جريدة الرؤية
منذ 3 أيام
- جريدة الرؤية
ترامب يستضيف زعيمي أذربيجان وأرمينيا لتوقيع اتفاق سلام
واشنطن - رويترز قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الخميس إنه سيستضيف زعيمي أذربيجان وأرمينيا في "مراسم رسمية لتوقيع اتفاق سلام" في البيت الأبيض غدا الجمعة. وفي منشور على منصة تروث سوشيال، قال ترامب إن الولايات المتحدة ستوقع أيضا اتفاقيات اقتصادية ثنائية مع البلدين.