logo
#

أحدث الأخبار مع #أحمدخالدتوفيق

الناس.. وبعض أحوالهم وعجائبهم
الناس.. وبعض أحوالهم وعجائبهم

المدينة

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • المدينة

الناس.. وبعض أحوالهم وعجائبهم

- يرى (برتراند راسل)، أنَّ معظم الناس ليسوا سعداء، فالظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة العالميَّة، أسباب قهريَّة لانحسار الطمأنينة، وحضور القلق. لقد أصبحت رغباتهم أقل حيويَّة، وحياتهم أقل كثافة، واتَّجهوا إلى فرط الاستهلاك الماديِّ، والرغبة في الشهرة الزائفة. «يتمتَّع النَّاس بدرجة عالية من الجشع تثير ذهولهم، لكنَّهم لا يكفُّون عن الكلام عن الزُّهد والرِّضا بما قسمه الله لهم»... هكذا قال: (أحمد خالد توفيق).- يحدث أنْ يكون أحدهم فارغًا في داخله، تافهًا في فكره، فيحاول ملء فراغه بالتطفُّل على النَّاس، والتعليق على أشكالهم وسلوكيَّاتهم، وانتقاد تصرُّفاتهم، والتنمُّر عليهم.. هذا ما يحدث لأناس يقتاتون على حياة غيرهم؛ ليشعروا بشبه حياة.- أحِبَّ النَّاس ولكنْ لا ترهقهم بتوقُّعاتك، فمعظمهم مساكين لا تسعفهم عقولهم وقدراتهم، وبعضهم -ببساطة- لا يهتمون، وآخرون ليسوا سوى أوغاد!. خُذ منهم قدر عطائهم، ولا تحمِّلهم زيادة ثمَّ اعذرهم.. فكثير من علاقاتهم يغشاها التوجس والأنانيَّة وسوء الظن.. هكذا يفعل فيهم الخذلان.. يتركهم بجروح غائرة وعُقد نفسيَّة.- وعلى قدر الانخفاض الشديد في القدرات العقليَّة والمهنيَّة والذكاء العاطفيِّ والاجتماعيِّ لدى أحدهم، إلَّا أنَّ مستوى استحقاقه العالي يدعو للسخرية والتعجُّب!. فبمجرد كونه صاحب ثروة كبيرة، وجاه عريض، يصبح شخصيَّة فذَّة يريده النَّاس ويطلبونه ويبالغون في مدحه، ويعدُّونه من أحسنهم حكمة، بغضِّ النظر عن استحقاقه الفكريِّ والثقافيِّ والأخلاقيِّ!.- واعلم أنَّ النَّاس يتغيَّرون.. يغيرهم الوقت.. أو الألم أو الملل.. أو الخذلان.. والتجارب.. الظلم.. الانتظار.. أو حتَّى الحب.. أو أنَّهم ينكشفون أو ينقلبون.. لا تهتم.. المهم أنَّهم يتغيَّرون.. وأكثرهم إلى الأسوأ!.- مهما حاولت، فأنت متفرِّد في مشاعرك، لا أحد يستطيع فهمها أو حتى التعاطف معها كما ترغب. نحن نعيش في كبسولات منفصلة، لا أحد يشعر بنا، ولا نشعر بأحد في الواقع.. كُن لطيفًا فحسب في كل أحوالك مع النَّاس، ولا تعجز.. ثم اسأل الله اللُّطف والطمأنينة.- السَّلام على الذين يستيقظون وهم متسامحون مع غيرهم، محبُّون لعزلتهم، متماهون مع ذواتهم، متعايشون مع آلامهم، متصالحون مع قصورهم، مشغولون بتأملاتهم وهواياتهم.. يؤذونهم النَّاس، ولا يؤذون، ويبخلون عليهم، ويكرمون.. إنَّهم الهاربون من جحيم الحياة، المغتربون وسط أناسهم.. لله درهم.

مآسي إضعاف الطبقة الوسطى عربيا
مآسي إضعاف الطبقة الوسطى عربيا

كواليس اليوم

time٢٥-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • كواليس اليوم

مآسي إضعاف الطبقة الوسطى عربيا

الأبعاد السياسية لرواية يوتوبيا للكاتب المصري الدكتور أحمد خالد توفيق الكاتب الحسين بوخرطة أود في البداية أن استهل هذه المقالة بأربع نقط أساسية: • تعتبر الرواية من فصيلة روايات الفانتازيا بأبعاد سياسية محضة. لقد تنبأت بخطورة الاحتقان الاجتماعي في مصر مبكرا. لقد وصف لنا الكاتب بإبداع الكبار تطور حدته، أي حدة الاحتقان والتوتر الشعبي، وقابليته في تفجير ثورة عارمة. لقد قدم للقارئ نصا من صنف الديستوبيا أو أدب الفوضى، وبين بمشاهد مبهرة ومخيفة كيف تحول هذا القطر العربي إلى فضاء استقوى فيه الشر وساد فيه الظلم والقهر. الرواية صدرت سنة 2008، وتوقعت انفجار الأوضاع سنة 2023، وحل الربيع العربي بمصر الشقيقة سنة 2011. توقعات الكاتب كانت صادقة ووطنية محضة (دق ناقوس الخطر مبكرا، ولم يجد الآذان الصاغية لدى مصادر القرار السياسي في بلاده). • الرسالة السياسية القوية في الرواية تتجلى في إبراز الدور المحوري للطبقة الوسطى كصمام أمان، وعماد الاستقرار، ومحرك دائم للنمو، ومرسخ لمقومات التربية على الديمقراطية والعقلانية. التاريخ يشهد لها بذلك. لقد كانت أساس نجاح عصر الأنوار الغربي. لقد كانت وراء انفجار الثورات العلمية والثقافية والسياسية والصناعية الكبرى في التاريخ، وتحولت بعد انتصار النيوليبرالية إلى الآلية القارة الحامية للتوازن وديمومة التفوق الحضاري. بفضل قوة هذه الطبقة الاجتماعية تم القضاء على المعتقدات البالية والأفكار الرجعية وعلى رأسها الفكرة التي روجتها الكنيسة لمدة قرون 'الفقير أقرب إلى الله من الغني'. • عكس ما وقع في أقطار الدول العربية من ثورات شعبية إبان ما عرف بالربيع العربي، وعلى رأسها تونس ومصر، تمكنت الخصوصية المغربية من تجاوز هذا المنعطف الصعب. فتطورات الأحداث في إطار '20 فبراير' أبانت أن لحمة المجتمع المغربي غير منفكة وغير منحلة. لقد عرفت الطبقة الوسطى انتعاشة ما بين 1999 و2000. كما كان للانفتاح السياسي وتراكماته الدستورية والسياسية منذ مطلع التسعينات وقع إيجابي على تطور النظام السياسي المغربي. سقف المطالب حركة 20 فبراير اقتصر على المطالبة بالإصلاح، وتوج المسار برمته في إطار الاستمرارية بتراكم المكتسبات بالإصلاحات الدستورية والسياسية المعروفة. تقدمت البلاد في العهد الجديد بشكل ملموس في تشييد بنياتها التحتية والصناعية والخدماتية والتكنولوجية. هناك كذلك جهود لإضفاء نوع من المناعة على مشروعي التغطية الصحية والحماية الاجتماعية….. • مغرب اليوم في حاجة إلى الانتباه لآفة تراجع الطبقة الوسطى. البلاد تعيش موجات تصخم مربكة للقدرات الشرائية ومضعفة للادخار والاستثمار الوطنيين. إنها الموجات المرتبطة بالظرفية الاقتصادية العالمية والظروف الداخلية للبلاد (اختلالات في الحكامة السياسية). على السلطات بمختلف مشاربها الانتباه إلى المكانة المحورية للأسرة والمدرسة العمومية كصانعة للطبقة الوسطى. هذه الأخيرة في حاجة لدعم متواصل من طرف الدولة، دعم ينسجم مع تطلعاتها واحتياجاتها. الدولة في حاجة في هذا الشأن لتشييد مصاعد قارة بين الطبقات وتوطيد ديمومة آثارها الإيجابية على البنية المجتمعية بشكل عام. عودة إلى الرواية وعنوان المداخلة نتساءل: كيف عالج الكاتب معضلة التناحر الطبقي ووأد الطبقة الوسطى وانفجار الأوضاع في مصر الشقيقة في الرواية؟ جوابا على هذا السؤال الهام، واعتمادا على المنهاج البرهاني المعتمد في قراءتي التأويلية لهذا النص، سأبين للقارئ كيف أبدع الكاتب في عتبات النص الروائي ومتنه للرفع من قوة تأثير مضمونهما والوصول إلى أهدافه التي حددها مسبقا بإتقان الأدباء الكبار. لقد استثمر في جملة من الوحدات الأيقونية واللغوية والإشارية مستهدفا أفق انتظار القارئ وإثارة اشتهائه لقراءة الرواية، بل وتحريك فضوله ودفعه بحماس لمعرفة تفاصيل أكثر تخص النص الحكائي في مجمله. إن ثقافته السياسية والعلمية والفكرية والأدبية العالية، التي يشهد له بها كبار رواد الفكر والأدب عربيا، والتي سخرها بإتقان لنسج متخيل إبداعي في خدمة السياسة، يمكن القول أن توفيق تمكن بنجاح في إحكام صياغة عبارات نصه الروائي، موجها إياها إلى المتلقي العارف، المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام، مخاطبا العقل والوجدان، ومحرضا إياه في نفس الآن على التعلم والتطور والوعي بأوضاع واقعه وبالوقع السلبي للتذبذب في منطق ممارسة السلطة في دولة الجمهورية العربية المصرية الشقيقة منذ الاستقلال. إنه عمل تخيلي مرعب عكس صورة واقع اجتماعي أصيب بآفة الترهل والتفسخ القاتلين. لقد دحرج توفيق الكلمات المختارة بانتظام وعناية وتدبر الأدباء الكبار. لقد انتقاها الواحدة تلو الأخرى، محولا إياها إلى تعبير موضوعي صادق عن هموم الشعب المصري، متعمدا شحن هذا التعبير برسائل مبطنة داعية للتغيير قبل فوات الأوان. لقد صوب سهام كلماته مركزا على استنهاض الهمم الشعبية والمؤسساتية ملتمسا برفق ورحمة حاجة الشعب المصري الاستعجالية لخلق منعطف سياسي يليق بتاريخ حضارته. الأولوية بالنسبة له، كما ورد في عبارات الرواية تتجلى في مناهضة الظلم والاستبداد الوائد لعزائم الأفراد والجماعات، والحاجة إلى إنتاج الزعامات السياسية والمجتمعية المسؤولة والشجاعة، والقادرة على تامين الانتقال إلى أوضاع مغايرة تتوج بنجاح الثورة الهادئة المنشودة، وبالتالي خلق نسق سياسي جديد يساعد المصريين على استرداد حقوقهم المسلوبة. لقد عبرت بجلاء عن الأدوار المحورية التي يلعبها الأدب في التصوير الإبداعي لأوضاع وأحوال المجتمع المصري في مختلف المجالات وبالأخص في المجال السياسي. ما توقعه الكاتب بالفعل تحول إلى واقع معاش. توترت الأوضاع في الأقطار العربية مجسدة إلى حد بعيد أحداث الرواية. النص تحول في مضمونه إلى ما يشبه دعوة أو صرخة وصلت إلى الناس بسرعة بعدما فضحت لهم حقيقة مآسي أوضاعهم. في نفس الآن، سجل المتتبعون نوع من التماهي أو اللامبالاة في منطق ممارسة السلطة لدى الطبقة الحاكمة. استمر التذبذب في تدبر شؤون البلاد إلى أن خرجت التطورات الخطيرة عن السيطرة. انفجرت الأوضاع، وتفاقم الاحتقان عربيا، وازداد الاقتناع لدى جمهور القراء بالأدوار الريادية للأدباء والمفكرين في حياة مجتمعاتهم ومنعطفاتها السلبية والإيجابية. النظرة العلمية الثاقبة للكاتب كطبيب جعلته يتفوق عربيا وبامتياز في تعرية مخاطر التماهي مع استفحال الانكسار في روح وجسم المجتمع الواحد، وما يترتب عن ذلك من نشر للمآسي والظلم والتناقضات القاتلة وسوء الأحوال. لقد استثمر توفيق في العتبات بعبقرية ليعكس للقارئ الأبعاد السياسية التي خالجته منذ البداية: العنوان الرئيس، العناوين الفرعية، التنويه، التصدير، الاستهلال…. لقد تحول البعد السياسي إلى الهدف الأكثر حضورا منذ بوابة النص وفتح مغاليقه باحترافية على المتن الروائي. إجمالا، تخللت النص عبارات مؤثرة جدا قدمت إضاءات جمالية راقية أعانت وتعين المتلقي عن فك شيفرات النص في مجمله وحمولاته الدلالية والإيديولوجية. الانشغال بالهموم السياسية جعل الكاتب يختار عنوانا مدويا في تاريخ الفكر والفلسفة: 'يوتوبيا' أي 'المكان الطيب'. كلنا يستحضر العبارة ومكانتها في فلسفة كل من أفلاطون، وتوماس مور مدشن أدب المدينة الفاضلة، و'مدينة الله' للقديس سانت أوغسطين، و'آراء أهل المدينة الفاضلة 'للفرابي'، و'أطلانطس الجديدة' لفرانسيس بيكون، و'مدينة الشمس' لتوماس كامبيلا. الامتعاض من أوضاع الحياة الدنيا وتدني مستوى العدالة والكرامة بها جعل الفلاسفة والمفكرين ورجال الدين يفكرون في مكان مثالي متخيل لا وجود له في الواقع، وهو مكان يتجاوز نطاق الوجود المادي، ويترجم الأفكار المثالية السامية المجسدة لأهداف العصر ونوازعه غير المحققة. عقائديا، الشائع في الأوساط الشعبية العربية يبرز أن مفهوم 'يوتوبيا' يصنف ب'اللامكان'، أي أنه من الحقائق الربانية التي يجب أن يصبو إليها الإنسان كمستخلف في الأرض. فهو مرادف في القرآن الكريم لكلمة 'طوبى': 'الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب'. وكلمة 'طوبى' هي اسم الجنة بالحبشية، وبذلك تكون عبارة 'طوبى لهم' تعني 'الجنة لهم'، وهو في حد ذاته دعوة للبحث عن مكان تتحقق فيه السعادة الكاملة. فبحث الفرد مع مجتمعه عن تحقيق جزء منها على وجه الأرض هو السبيل الوحيد المعبر عن اشتياقه للمكان الطيب الموجود في الآخرة المعد للصالحين. في نفس الآن، إثارة كلمة 'يوتوبيا' في الرواية هي مماثلة لإثارة اليوتوبيات في مختلف مراحل التاريخ. ترديدها من حين لحين لا يتم إلا في حالة الحاجة للاحتجاج جراء رفض الواقع وما فيه من شقاء ومتاعب، بحيث يعبر مرددوها عن حلمهم بمستقبل مشرق تلفه السعادة والسعي لدنوه من الكمال في جميع جوانبه الإنسانية. يتم إثارتها بسبب الامتعاض من 'الديستوبيا' كفضاء أكثر قسوة وجور للإنسان، فضاء يفيض بالظلم والبشاعة، ويعني المكان الخبيث الشرير المغرق في الفساد والقهر والمرارة. الرواية هي عبارة عن صرخة سياسية محضة تحذيرية مسبقة أكثر من كونها معالجة لمشكلات الواقع. العنوان 'يوتوبيا' كتب بلون معبر عن الضجر والسخط والانحطاط والقسوة لجعله مرادفا لكلمة 'الديستوبيا'. فناس يوتوبيا عالجوا الملل الذي يعتري حياة الترف والمجون بالبحث عن الإثارة في إيذاء فقراء أرض الأغيار 'شبرا'، والتلذذ بتعذيبهم بممارسة البطش والتجبر المتوحش عليهم. التسلية بالنسبة لهم لا ترتقي إلى أعلى المستويات إلا بالعبث بجسد الفقراء المستباح مجانا. لقد أشاع الكاتب للقراء مآسي الشرخ الطبقي على صعيد الأمة الواحدة. لقد أبرز بحبكته السردية من البداية إلى النهاية كيف يضيع روح الأمن ويستفحل العداء الداخلي. تفاقم حدة الاضطراب لا تقتصر على الأغنياء المترفين، بل عمت كذلك الفقراء في مجتمع الأغيار كذلك. الكل يعاني من اضطراب في الفكر وخلل في السلوك. الفقراء كذلك يسوغون قبح أفعالهم بحاجتهم وعوزهم. بدورهم يمارسون العنف والقتل والاغتصاب والإدمان. الفقر لم يجعل القلوب رحيمة ببعضها البعض بسبب تلاشي معنى الحياة لديهم. صور الكاتب انكسار روح الأمة متعمدا إبراز التقابل المروع لسلوك طبقتين متناحرتين. إنه تقابل بتفاعلات أدت إلى غرق شعب الأغيار في الفقر والضياع والظلام والتشرذم واختفاء كلي للسلطة العمومية، وانعزال سكان يوتوبيا الحاكمة المتحكمة والمسيطرة على زمام السلطة بدعم عمالقة الرأسماليين معتقدين أن ديمومة الاستقرار مرتبطة بحماية الأجنبي. شباب يوتوبيا، الذي جرب كل شيء إلى أن أصبح سجين واقع البذخ والضجر والملل، باحثا تحت ضغط الإدمان عن الإثارة والحماس وتجرع ملذات العبث بأجساد الفقراء، وممارسة الإثم والتعدي وخرق القواعد وكسر التابو والتمرد على كل القيم الإنسانية…… إنهم جيل لا يعمل، عشش الكسل والملل في نفوس شبابه. إنهم جيل فاشل وفاسد لا يأبه بأي شيء. مشاعرهم خالية من أي عاطفة أو مشاعر نبيلة. سيطر عليهم الكبر والاستعلاء بسبب تنشئتهم في مدينة يوتوبيا. يشعرون بالنشوة والسعادة حد الثمالة عندما يتمكنون من إلغاء ووأد الآخر المهمش بوحشية معتبرين إياه لا يستحق الحياة. في المقابل، في بلاد الأغيار (بلاد شبرا بمصر القديمة) يجثم شبح الفقر بوطأته الثقيلة على قلوب الناس ساحقا وجودهم اليومي. يعيشون بلا مأكل ولا مشرب ولا ثياب ولا سقف ولا كرامة ولا تلفزة أو جهاز هاتف …. هم غارقون في سوء التنشئة والانعدام الكلي لقيم التربية والتعليم. تتفشى بينهم كل موبقات الانحراف كالسرقة والنهب والخوف والنذالة والجبن والعنف… يصفهم شباب يوتوبيا بكونهم يتظاهرون أنهم أحياء. عبر الكاتب عن هذا المكان الموحش بعبارة: 'نحن في قلب اللامكان بالمعنى الحرفي للكلمة'. إنهما المكانين اللذان دفعا بالكاتب إلى عنونة فروع الرواية بتوالي كلمتين : الصياد (شباب يوتوبيا الذي يمثله علاء) والفريسة (أهل الأغيار الذي يمثلهم ضمير الرواية جابر المثقف). أبشع عبارة وردت في الرواية وعبرت عن هذا التوحش والعداء المرعب: 'راسم فعلها (شاب يوتوبي).. اختطف واحدا من هؤلاء الأغيار العاطلين وعاد به إلى يوتوبيا. قضى ورفاقه أياما ممتعة في ملاحقة هذا المخطوف بالسيارات، ثم قتلوه واحتفظ راسم بيده المبتورة بعدما قام بتحنيطها'. أما حدث الغدر بجابر من طرف علاء والتنكر لجميله، بعدما نجح في إنقاذه من مخالب الأغيار بمعية صديقته، فبين بجلاء قسوة الطبقة الرأسمالية المحتكرة للسلطة وخيرات البلاد. لقد طفى على سطح الأحداث في الرواية وواقع الأقطار أن النعومة في السياسة على المستويين الوطني والدولي في طريقها للاضمحلال. لقد غمر الكاتب عتبة التنويه بالرسائل السياسية. لقد كشف عن نواياه المكنونة والمعلنة. لقد أفشى في هذه العتبة أن المكان سيكون موجودا عما قريب أو سيكون هناك مكان يشبهه وإن اختلفت التسمية. في نفس العتبة وجه احمد خالد توفيق تحذيرا من مآل استمرار نفس منطق ممارسة السلطة في التفاعل الرسمي مع الواقع المعاش للمصريين. لقد أنذر مبكرا بتحول أحداث الرواية إلى واقع. وبذلك يكون التنويه قد أدى وظيفة الإغراء وتوجيه القارئ نحو دلالة النص السياسية. بدورها عتبة التصدير كانت بمثابة تحذير سياسي. عنونها الكاتب ب 'إلى الأجيال القادمة' مبرزا العلاقة بين الاقتباس والمتن الروائي، محذرا بذلك من خطر قادم ومصير أسود ينتظره المصريون. والحالة هاته، يكون الكاتب محقا عندما عبر سياسيا عن مآسي صراع الطبقتين الاجتماعيتين بترديد كلمة 'الظلام' كمرادف لعقم الإنتاج والفقر والإهمال. لذلك تم تكرار هذه اللفظة بكثرة في المواطن التي تتحدث فيها الرواية عن أرض الأغيار: 'خرائب مظلمة'، 'ممرات مظلمة'، … لم يتحدث لا عن الشمس ولا عن القمر في وصفه لهذا الموطن. الفضاءات التي يتحرك فيها شباب الأغيار بممراتها وأنفاقها مظلمة حالكة كما هي حياتهم. فباستثناء جابر، والذي يمكن تصنيفه كضمير للرواية، وضع الأغيار الاجتماعي لا يجعلهم يستحضرون في حياتهم أي قيمة من القيم الإنسانية الدالة على كونهم يعيشون فوق تراب وطن واحد. فبروز الطيبة في بعض اللحظات والأمكنة، يعتبرها شباب يوتوبيا غباء وسداجة. إنه الاعتبار الذي مكن علاء من استغلال إنسانية جابر والإطاحة به، واغتصاب شقيقته صفية. لم يجد هذا الشاب اليوتوبي، بتوحشه الرأسمالي الليبرالي، أي رادع للنيل من أثمن شيء يملكه جابر، ألا وهو شرف وعذرية أخته وكرامتها. لقد عبر عن ذلك، وهو يتحدث عن الأغيار، بالعبارة التالية :' لم يكن فقركم ذنبنا … تدفعون ثمن حماقاتكم وغبائكم وخنوعكم … '. إنها مآسي نشر ثقافة الإنتاج والاستهلاك المفرطين. تجبرت النوازع المصلحية ووئدت الروح الإنسانية وتأزمت الأوضاع النفسية والاجتماعية للفقراء والمهمشين. تحقيقا لأهدافه السياسة المرسومة مسبقا، أسهب الكاتب في التعبير السياسي عن تعالي القيم الرأسمالية الليبرالية على لسان علاء الشاب اليوتوبي : 'عندما كان آباؤنا يقتنصون الفرص كان آباؤكم يقفون أمام طوابير الرواتب في المصالح الحكومية' …. 'أنتم لم تفهموا اللعبة … عندما هب الجميع ثائرين من كل قطر في الأرض هززتم أنتم رؤوسكم وتذرعتم بالإيمان والرضا بما قسم لكم … تدينكم زائف تبررون به ضعفكم … أنتم أقل منا في كل شيء…'. لقد ردد هذه العبارات مبررا استباحة شرف صفية وقتل جابر وقطع يده والاحتفاظ بها كتذكار. في نفس السياق، منطق الرواية صنف الطبقة الشعبية في مصر بمثابة ديكور رخيص وشكلي لا قيمة له، لكن وجوده ضروري لعلية القوم (العمل الشاق، الترفيه، الاستهلاك، ……). على المستوى الفني، استثمر الكاتب في المجال السينمائي لإثارة الانتباه أن الفنون الجميلة في خدمة الثقافة والسياسة. في عتبة الاستهلال استعرض الكاتب فيلم 'الفصيلة' Platoon الذي جرت أحداثه في الفيتنام. وهو تعبير واضح عن فترة الحرب الباردة. الفيلم حائز على عدة جوائز لكون القضية الفيتنامية تحولت إلى رمز للمقاومة في العالم. فبالرغم من الأوضاع المتردية بالفيتنام لم تستطع أمريكا من فرض سيطرتها عليها. في نفس الوقت تبين القضية أن إرادة الشعوب لا تقهر. منذ عتبة الاستهلال حافظ الكاتب على استرساله في تقديم الإضاءات السياسية الساطعة متعمدا إنارة طريق القارئ في مسار كل فصول الرواية. الصراع بين الصياد والفريسة شكل واقعا تاريخيا أفرز بشكل دائم الحقيقة السياسية الآتية: استفحال الصراع الطبقي يزيد من حدة الكراهية والحقد ما بين أبناء الشعب الواحد وما بين شعوب الدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو وشعوب الدول المتقدمة المستفيدة من تطورات القرن الماضي. لقد عبر مشهد اتلاف عين جابر على قساوة التوحش الديستوبي، وبشاعة استباحة استغلال القوي بغناه وعلمه وتفوقه التكنولوجي للضعيف بفقره وجهله وتخلفه. فحتى اليد الملقاة على الأرض والغارقة في بركة من الدماء على صفحة الواجهة من الغلاف كانت لها دلالة سياسية معبرة عن عجز السواعد في الوطن العربي وتخليها عن واجبها. اليد البيضاء للمواطن المعتنى بوجوده هي رمز للإحسان والقدرة والسلطان والعمل والإنتاج. وئدت اليد الوطنية في مصر، بحيث أصبحت ترمز للذل والخضوع وتشي بالحاجة والفقر المدقع. الحياة في مكان الرواية تشبه أي شيء عدا الحياة. إنها حياة ينعدم فيها النظام وينتفي فيها العدل وتتلاشى فيها المساواة في أبسط أشكالها. استثمر الكاتب في التناص الديني والأدبي والتاريخي مركزا على إبراز الأبعاد السياسية للرواية.  التناص الديني: تم استحضار قصة بني آدم وقابيل وهابيل مبرزا طبيعة التجبر والبطش ما بين الأخ وأخيه في بداية استخلاف الإنسان أرضا. تم الفتك بجابر من طرف الشاب اليوتوبي في الرواية حيث تم تعمد إثارة عبارة 'لم يكن هناك غراب … لم يكن هناك غراب' مرتين متتابعتين (التوكيد اللفظي). الإحالة على قصة قابيل وهابيل هي مجرد تذكير بطغيان الصراع كطبيعة بشرية بين الأخوة. بفعل تطور استفحال دوافع الصراع بين البشر، تم تجاوز الدوافع التقليدية كالغيرة والحسد والطمع كمحرضات على الصراع الدموي، وإبراز المرور إلى دوافع جديدة لا تمت بسابقاتها بصلة. اليوتوبيون يقتلون الأغيار بدون ذنب لمجرد الرغبة في التسلية وحب المغامرة وتلذذ سفك الدماء البشرية. في هذا الصدد، قتل جابر بعد الغدر به. في هذا الحادث قابل الكاتب الخير/الشر وصراعهما التاريخي في الحياة البشرية. تم قتل جابر ببرودة دم بعدما غامر بحياته من أجل إنقاذ الشاب اليوتوبي وصديقته.  التناص الأدبي: لقد استحضر الكاتب نصوصا أدبية دامجا إياها في نسق حبكة سردية مدروسة منذ العنوان، مرورا بالمتن ووصولا إلى النهاية. لقد اقتبس الكاتب من منهجية ومواضيع جورج أوربيل، كاتب رواية الديستوبيا سنة 1984، والتي تحكي عن مستقبل تسيطر فيه سلطة استبدادية وعالم لا تهدأ فيه الحرب والرقابة الحكومية والتلاعب بالجماهير. لقد قام أوربيل بتصور المستقبل المظلم حيث توجد التكنولوجيا في المجال العام كأداة في يد النخبة للسيطرة على المجتمع. إنه التصور الذي بدأت معالم تحققه اليوم تبرز بالواضح. استحضر كذلك أشعار عبد الرحمان الأبنودي وقصيدته التي كتبت بالعامية 'احنا شعبين شعبين شعبين … شوف الأول فين والثاني فين'. لقد استثمر توفيق في الأدب لاستحضار التقابل التاريخي لطبقتين مجتمعيتين، تارة بمنطق السيطرة والاستغلال، وتارة بنشوب شرارات الثورات (الأغنياء محتكري سلطة السياسة والاقتصاد والفقراء المهمشين)، مبرزا صعوبة هدم الحاجزين بين الشعبين: الحاجز المادي (الأسوار والبوابات والأسلاك المكهربة والحراس)، والنفسي الذي يتجلى في الحقد الاجتماعي الطبقي الأعمى.  التناص التاريخي: استحضر الثورات التاريخية التي أسقطت الأنظمة كالثورة الفرنسية، منبها القارئ إلى ظهور سمات جديدة في العالم العربي سماها بالزمن الغريب. وذكر بوعد بلفور وحكم نابليون بونابارت وعبارته الشهيرة 'أنا إمبراطوركم فاقتلوني … لكن الجند لم يفعلوا .. هيبته جعلتهم يجثون على ركبهم أمامه وهم يبكون'. فجابر طغت عليه صورة الأقوى المتفوق وسقط ضحيتها… الخاتمة يتضح من خلال التمعن في فصول الرواية ومضمونها، أن الهم الذي سيطر على الكاتب منذ عتبات الرواية إلى النهاية كان أساسه تمرير الدلالات السياسية من خلال تطور الصراع الطبقي في المجتمعات العربية. لقد عبر أدبيا وبإبداع تخيلي متميز إلى المآل الزمني لهذا الصراع السياسي ما بين أبناء المجتمع الواحد (مصر) ووصوله إلى درجات متوحشة في العقود الأولى من الألفية الثالثة. لقد اعتمد في حبكته السردية على التتابع الزمني للأحداث. الزمن بالنسبة للكاتب في هذه الرواية أعم وأشمل من المكان، وبذلك يكون قد نجح في جعل مضمون الرواية في رمتها فنا زمانيا ملتصقا بامتياز بتطور حياة مجتمع بلاده كنموذج. لقد جسد لنا طوال فقرات صفحاتها أن زمن الإنسان المصري وتطور وعيه وأوضاعه منذ الاستقلال إلى مرحلة تفاقم تردي الأوضاع في مختلف المجالات. إجمالا، لقد اكتسى مفهوم الزمن في الرواية بطابع العمق السياسي المرتبط بالتطورات الحضارية العالمية. الرواية تجاوزت النظرة السطحية في تحليل الظواهر. الأنظمة الحاكمة العربية تعيش في حلقات مفرغة لم تراكم من خلالها إلا الضعف وهشاشة اللحمة الشعبية المؤيدة لها. لقد ربط بإتقان زمن الحكاية بزمن الكتابة وزمن القراءة وزمن الكاتب والزمن التاريخي. الرواية في توالي أحداثها حزينة ومقلقة بفعل تجسيدها لحقيقة مطاردة القوي للضعيف تاريخيا. المطاردة التي وصلت إلى حدود لا تطاق في عصرنا الحالي. ما جعل الرواية متميزة يتجلى في كونها ركزت على تقنيات المفارقات الزمنية في خدمة البعد السياسي. تخللتها الاستذكارات والاسترجاعات من الماضي. لجأ الكاتب كذلك إلى الإستباقات والتنبؤات والاستشرافات وتقنية المشهد المبهر والمخيف في نفس الآن، ليتوج عمله هذا بتقنية الخلاصة المؤثرة. انكسار لحمة المجتمع الواحد وصلت إلى حد ملل شباب يوتوبيا من كل أنواع الترف وفقدان أهالي شبرا الإحساس والمشاعر وغرقهم في مستنقع العنف والقتل والاعتداء. إنه الواقع المتناقض الوائد لطموحات ترسيخ الوعي بأهمية القراءة والمعرفة والتدين العقلاني في المجتمع المصري. فسكان يوتوبيا يعتمرون ويلجؤون للعبادة لكن ليس حبا في الدين، بل بسبب خوفهم من فقد الثراء والنعيم الذي يعيشونه. على عكس ذلك لا يمارس أهل شبرا التدين إلا من باب تشبثهم بالأمل في حياة النعيم بعد الموت. القراءة عند جابر لا تفيده إلا في تحقيق تغييبه عن الواقع المرير الذي يعيشه، بينما عند الشاب اليوتوبي ما هي إلا نوعا رخيصا من المخدرات تغيب مستهلكيه عن الوعي. إنه مآل مخيف في زمن مرعب. الأهداف النبيلة للقراءة التي يتوخى منها المرء اكتساب وتراكم المعارف وتطوير وعيه بمعاني الحياة أصبحت تضمحل لتحل محلها التفاهة والإدمان والكسل.

بدك العنب ولا تقاتلي الناطور
بدك العنب ولا تقاتلي الناطور

عمون

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • عمون

بدك العنب ولا تقاتلي الناطور

بسمِ اللهِ الرحمٰنِ الرحيمِ أمّا بعد… قالَ لي جدي في مرةٍ بجلسةٍ كنتُ بها بالِغَةَ الرُشدِ ولستُ سفيهةَ العقلِ؛ "بدك العنب ولا تقاتلي الناطور؟"، قالها جدي يُرسِّخُ في قلبي أن حربَ النّاطورِ لن يجعلَ العنبَ حُلوَ المذاقِ بفاهي! ولعلّهُ ودَّ لو يُخبرني أنَّ تكلفةَ العنبِ من غيرِ سرقةِ النّاطورِ أهونُ من أن أُقاتلهُ بِلا جدوًى وأقلُ تكلفةً… أيّها السادةُ... حربُها خاسرةٌ! حربكم الباردةُ بأسلحةِ استهدافِ الغيرِ وجعلهِ المذنبَ حتى تشعرَ بلِذَّةِ أنكَ غيرُ مقصِّرٍ خاسِرَةٌ! هذهِ حربٌ خاسِرَةٌ! دعكَ أخي من حربِ ماذا فعلَ ذاك وانظر إلى نفسك ماذا فعلت! واللهِ يا أخي أنَّ لمستكَ الحانِيَةَ على ظهرِ أخيكَ فتأخذهُ ونفسكَ بها إلى الجنّةِ أرقى وأصدقُ عندَ اللهِ من دفشةِ لسانٍ تجرفكَ وحدكَ إلى النارِ بِلا وعيٍّ! إيّاكَ وأن تجعلَ ذنوبَ الآخرينِ سببًا في تبريرِ ذنوبكَ بحُجَّةِ أنّها أقلُ! وإن كانَ لا بدَّ من المقارنةِ؛ فقارن نفسكَ بالأفضلِ والأقربِ إلى اللهِ! حربنا في الدنيا لربّما نكونُ جمعًا بها، ولكن حسابنا فرادًى يا أخي! حينما تصلُ إلى الجنَّةِ -بإذنِ الله-، وتسألُ حينها أينَ أصحابي؟! فتجِدُ ذاكَ ولا تجِدُ الآخرَ، ألن يُشعِركَ الأمرُ بتأنيبِ الضميرِ بعدَ أن لم تكن سببًا في هدايته؟! ثم أمّا بعد، يدخلُ الجنّةَ واحدٌ من كلِ ألفٍ، بقولُ الحبيبُ المصطفى صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ "يأمرُ اللهُ يومَ القيامةِ، يدعو اللهُ آدمَ يومَ القيامةِ، فيقولُ اللهُ لآدمَ يومَ القيامةِ: ابعث بعثَ النارِ، فيقولُ: يا ربي ما بعثُ النار؟ قالَ: من كلِ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وتسعونَ في النّارِ، وواحدٌ في الجنّةِ" فخُذ بيدهم إلى الجنّةِ ولا تدفعهم بذنوبهم إلى النّارِ! قالَ الدكتورُ أحمد خالد توفيق في كتابٍ لهُ "مِن متجرِ علاجِ الإكتئابِ" "كلُ البلدةِ تُمارسُ الخطيئةَ وتنافقُ وتكذبُ، لكنهم جميعًا لا ينسونَ أن يشتِموا موران لأنَّ هذا يُشعرهم بأنهم أفضلُ!" وأنا أقولُ لكَ لا تجعل من ذنوبِ النّاسِ مُبرِّرًا لذنوبكَ؛ فتقولُ في عقلكَ… الكذبِ أقلُّها ليسَ كالسرقةِ! على الأقلِ أُصلّي حتى وإن كنتُ أقطعُ فغيري لا يُصلّي! تذكَّر حسابُ الرحمٰنِ لنا فرادًى.. خُذ بيدِ أخيكَ إلى الجنّةِ..

مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل
مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل

موقع كتابات

time١٨-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • موقع كتابات

مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل

يقول أحمد خالد توفيق : (( مُشكلتي ياصديقي هي التفاصيل , أنا لا أُجيد تجاهل التفاصيل , كلمة واحدة في حديثٍ طويل تجعلني حزيناً , التفاصيل الصغيرة التي أراها و أتذكرها و أتمعنها تقتلني بوحشيّة )) , للأسف حقيقية متعبة , وآفة تتلف الروح وتجعل الجسد مسكونا بالهواجس , ((الشيطان يكمن في التفاصيل ((The devil is in the details , عبارةٌ تُشير إلى خدعةٍ أو عنصرٍ غامضٍ مخفيٍّ في التفاصيل , وتشير إلى أن الأمر قد يبدو بسيطًا , لكن في الواقع التفاصيل مُعقّدةٌ ومن المُحتمل أن تُسبّب مشاكل , وهناك من يقول God is in the details الله في التفاصيل , وهي مقولة معاكسة تؤكد على أهمية التفاصيل في تحقيق الكمال والجودة , وغالبًا ما تُستخدم في سياقات إيجابية . هناك مصطلح لاتيني أكثر شيوعًا للتعبير عن هذا المعنى هو : (( Diabolus in machina est )) , مرتبط بمفهوم أن الأخطاء والمشاكل غالبًا ما تكمن في التفاصيل الصغيرة التي يتم تجاهلها , وهذه العبارة تعني حرفيا : (( الشيطان في الآلة )) , وعلى الرغم من أنها ليست ترجمة حرفية للمقولة الإنجليزية ((The devil is in the details )) , إلا أنها تحمل معنى مشابهًا جدًا , ففكرة (( الشيطان في الآلة )) , تشير إلى أن المشكلة أو الخلل يكمن في جزء صغير أو تفصيلة دقيقة داخل نظام أو عملية ما , وقد لا يكون واضحًا للوهلة الأولى , لذا , يمكن اعتبار المصطلح اللاتيني يعبر عن نفس فكرة أن المشاكل غالبًا ما تختبئ في التفاصيل. يقول المعمارى الألمانى ( لودويج ميز) المولود فى القرن التاسع عشر: (( إن الله يكمن فى التفاصيل )) , وقد سبقه إلى هذا المعنى الروائى الفرنسى (( جوستاف فلوبرت )) الذى ولد قبل ( ميز) بنحو 65 عاما , تحولت العبارة فى استخدامات علوم إنسانية حديثة مثل الاقتصاد والعلوم السياسية والإدارة إلى مقولة : (( إن الشيطان يكمن فى التفاصيل )) وعلى أى حال فمقصود العبارتين واحد , وهو أن كثيرا من الأمور تبدو سهلة ومباشرة حتى تتبين التفاصيل , فالله فى التفاصيل دلالة على الإلمام والإحاطة وحسن التقدير , والشيطان بدوره فيها دلالة على التربص ووضع العقبات والعراقيل, وإنك لتقتحم التفاصيل كل يوم حتى تصيب بعلمك وعملك شيئا يسيرا من أحلامك وأمانيك. إذا أعمتك نجاحاتك الصغيرة فى تجاوز العقبات الروتينية عن إدراك موقعك الحقيقى من الإنجاز , فقد وقعت فى فخ التفاصيل , وإذا ظننت أن جميع الأزمات يمكن حلها برسم خط مستقيم بين نقطتين , فأنت واهم , ولا تعرف شيئا عن شيطان التفاصيل , خيط رفيع فقط يفصل بين هذا وذاك , لقد أهمل الدبلوماسيون العرب التدقيق قي قرار مجلس الأمن (( 242 )) الصادر بعد معركة حزيران 1967 , ولم ينتبهوا الى ضرورة تطابق النصين العربي والأنكليزي للقرار , حيث أن الأمم المتحدة تأخذ بالنص الأنكليزي في حال ألأختلاف بالترجمة بين النصوص , وفي حين ورد النص العربي : (( ألانسحاب الفوري للقوات الأسرائيلية من ألأراضي العربية المحتلة بعد الرابع من حزيران 1967)) , ذكر النص الأنكليزي : ((Immediate Israel forces withdrawal from Arab occupied lands after the fourth June 1967)) , وحاجج الوفد الصهيوني حينها ان الأنسحاب من أراض عربية Arab lands , كما وردت بالنص الأنكليزي , وليست ألأراضي العربية The Arab lands . في عالمنا المعاصر, الذي يتسم بالتعقيد والتداخل في كل شيء , تزداد أهمية مقولة (( الشيطان يكمن في التفاصيل )) بشكل ملحوظ , فهي حكمة عميقة تتجاوز معناها الحرفي لتلامس جوهر الكثير من جوانب حياتنا , إنها تحذير من مغبة إهمال الجوانب الصغيرة والدقيقة في أي مسعى , مؤكدة على أن الإغفال اليسير قد ينقلب إلى كارثة عظيمة , وأن النجاح الحقيقي غالبًا ما يتوارى خلف ستار من الاهتمام الدقيق بكل جزئية , وسواء كنا نتحدث عن مشروع تجاري ضخم , أو تصميم هندسي دقيق , أو حتى علاقة إنسانية عميقة , فإن التفاصيل الصغيرة هي اللبنات الأساسية التي تحدد جودة البناء ومتانته , وقد يبدو التركيز على هذه التفاصيل مضيعة للوقت أو ضربًا من ضروب الوسوسة , لكن التجربة تثبت مرارًا وتكرارًا أن إهمالها هو الباب الخلفي الذي يتسلل منه الفشل. هناك أبيات شعرية عربية تحمل معاني قريبة من مقولة (( الشيطان يكمن في التفاصيل )) , وإن لم تستخدم هذا التعبير الحرفي , وغالبًا ما تتناول هذه الأبيات أهمية الدقة , والحذر من الإهمال , والتأثير الكبير للأمور الصغيرة , فمن قصيدة (( لا تشتكِ )) لإيليا أبو ماضي : (( كنوز الأرض لا تغنيكَ نفعًا إذا أنتَ لم تكنْ نفسًا قنوعا أتُحسبُ أنَّكَ بالجُهدِ تُدرِكُ مَا تَبغي إذا أغفلتَ اليسيرا؟ )) , وهناك بيت من الشعر العربي القديم (غير محدد القائل بدقة) : (( صغيرُ الجُرمِ يأتي بالعظيمِ كما النارُ العظيمةُ من شَرَرِ )) , وهذا البيت يوضح كيف أن أمرًا صغيرًا أو تفصيلة دقيقة (مثل الشرارة) يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عظيمة أو كارثة كبيرة (مثل الحريق) , وهذا يتماشى مع فكرة أن التفاصيل الصغيرة قد تحمل في طياتها عواقب وخيمة , (( وفي دقيقِ الصنعِ سرُّ البقاءِ فلا تحسبْ صغيرَ الأمرِ هباءُ )) , هذا البيت يؤكد على أن سر الاستمرار والنجاح يكمن في دقة الصنع والاهتمام بالتفاصيل , محذرًا من الاستهانة بالأمور الصغيرة.

7 أعوام على رحيل "العراب".. كيف بدأ أحمد خالد توفيق مشواره الأدبي؟
7 أعوام على رحيل "العراب".. كيف بدأ أحمد خالد توفيق مشواره الأدبي؟

الدستور

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الدستور

7 أعوام على رحيل "العراب".. كيف بدأ أحمد خالد توفيق مشواره الأدبي؟

7 أعوام مرّت على وفاة الكاتب د. أحمد خالد توفيق، الذي رحل عن عالمنا في 2 أبريل لعام 2018، ويُعتبر أول كاتب عربي في مجال أدب الرعب والأشهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمي، ولُقِب بـ"العراب". بداية مشواره الأدبي بدأ أحمد خالد توفيق العمل في المؤسسة العربية الحديثة عام 1992 ككاتب رعب في سلسلة "ما وراء الطبيعة"، حيث تقدم بأولى رواياته "أسطورة مصاص الدماء"، ولم تلقَ في البداية قبولًا من المؤسسة، نصحه أحد المسؤولين بأن يكتب أدبًا بوليسيًا، ولكن أحمد المقدم اقتنع بالفكرة التي كانت ترى أن أدب الرعب ليس منتشرًا وقد ينجح لأنه لون جديد. رتب له لقاء مع حمدي مصطفى مدير المؤسسة، الذي قابله بلطف وأخبره أنه سيكوّن لجنة لدراسة قصته، وبعد مراجعتها أصدرت اللجنة تقريرًا يفيد بأن الأسلوب ركيك، وتنقصه الحبكة الروائية، وفكرة الرواية غامضة، ورغم الإحباط الذي أصابه، أخبره حمدي مصطفى أنه سيعرض القصة على لجنة أخرى، وكانت النتيجة النهائية إيجابية، حيث تم وصف الأسلوب بالممتاز، والمترابط، مع حبكة روائية واضحة، وفكرة مثيرة، ليوقع التقرير باسم "د. نبيل فاروق". وقد ظل د. أحمد خالد توفيق يُشيد بالفضل الكبير للدكتور نبيل فاروق في دخوله إلى المؤسسة، حيث كان له دور حاسم في تحفيزه للاستمرار وعدم التخلي عن المشروع. إسهاماته الأدبية يُعدّ د. أحمد خالد توفيق من الكتاب العرب النادرين الذين يكتبون في هذا المجال بمثل هذا التخصص، وقدّم سلسلة "ما وراء الطبيعة" التي تميزت ببطلها رفعت إسماعيل، الذي كان شخصية ساخرة وعجوزًا، وبهذا الشخصية أظهر لنا د. أحمد اعتزازه بعروبته، ومدى تدينه وعبقريته. تلتها سلسلة فانتازيا التي قدمت البطلة عبير، وهي سلسلة أظهرت لنا كرهه للواقع من خلال خياله الواسع. بعدها أخرج لنا سلسلة سافاري التي جسدت بطلها علاء عبد العظيم، والتي عكست حبه لمهنته كطبيب. وقد قدم أحمد خالد توفيق ستة سلاسل للروايات التي وصلت إلى ما يقرب من 236 عددًا، وقام بترجمة العديد من الروايات الأجنبية ضمن سلسلة روايات عالمية للجيب، كما قدّم الترجمات العربية الوحيدة لعدد من الروايات الشهيرة مثل "نادي القتال" (لـ تشاك بولانيك) و"ديرمافوريا" (لـ كريج كليفنجر)، وكذلك كتاب "المقابر" (لـ نيل جايمان)، بالإضافة إلى ترجمة الرواية الطويلة "عداء الطائرة الورقية" للأفغاني خالد حسيني إلى رواية مصورة. كما قام ببعض التجارب الشعرية. الكتابة في الصحف والمجلات في نوفمبر 2004، انضم أحمد خالد توفيق إلى مجلة الشباب ليكتب قصصًا في صفحة ثابتة تحت عنوان الآن نفتح الصندوق. كما كتب في العديد من الإصدارات الدورية الأخرى. بجانب رواياته وسلاسل الكتب، كان أحمد خالد توفيق يكتب العديد من المقالات في الصحف والمجلات. في نوفمبر 2004، انضم إلى مجلة الشباب ليكتب فيها تحت عنوان "الآن نفتح الصندوق"، كما كان له مقالات أسبوعية ثابتة في عدة جرائد، وكانت مقالاته تتناول موضوعات متنوعة بين الأدب والفكر والثقافة العامة، كما نشر له مقال أسبوعي في جريدة الاتحاد الإماراتية بعنوان "هلاوس". السلاسل الأدبية التي قدمها أحمد خالد توفيق 1. "ما وراء الطبيعة" بدأت هذه السلسلة في عام 1992، وكانت بمثابة انطلاقة حقيقية لدكتور أحمد خالد توفيق في عالم الأدب العربي، حيث قدم من خلالها بطلها "رفعت إسماعيل"، وهو شخصية عجوز ساخر كان يعتبر من أبرز الشخصيات في عالم أدب الرعب العربي. انتهت السلسلة في عام 2014 بعد أن أصدرت آخر أعمالها بعنوان "أسطورة الأساطير". هذه السلسلة حملت العديد من المغامرات المثيرة والمشوقة التي مزجت بين الرعب والفانتازيا. 2. "فانتازيا" بدأت في عام 1995، وكانت مختلفة عن سابقتها من حيث المضمون والموضوعات. في هذه السلسلة، قدم توفيق شخصية "عبير"، وهي شخصية تتسم بالخيال الواسع والرغبة في الهروب من الواقع إلى عوالم أخرى غريبة. هذه السلسلة تناولت العديد من الأفكار الإبداعية والمبتكرة في عالم الفانتازيا. 3. "سافاري" تبدأ هذه السلسلة في عام 1996، وتتميز بأنها تروي مغامرات "علاء عبد العظيم"، وهو بطل مصري شاب يعشق السفر والمغامرة في بيئات غير تقليدية. من خلال هذه السلسلة، عبّر توفيق عن حبه لمهنته كطبيب، حيث يتفاعل بطل السلسلة مع الكثير من التحديات التي تتطلب مهارات طبية وحياتية عالية. 4. "روايات عالمية للجيب" وهي سلسلة مكونة من روايات مترجمة من الأدب العالمي، قام أحمد خالد توفيق بترجمتها إلى العربية، ليقدم للقارئ العربي بعضًا من أهم الأعمال الأدبية العالمية. هذه السلسلة تضم روايات من مختلف الأنواع الأدبية، مثل الخيال العلمي، والرعب، والدراما. 5. "رجفة الخوف" تتضمن هذه السلسلة مجموعة من الروايات الرعب المترجمة، والتي أضافت لونًا مميزًا في عالم الأدب العربي المتعلق بالرعب. توفيق عمل على تقديم بعض من أهم الأعمال الأدبية الأجنبية التي تتعلق بعالم الرعب. 6. "WWW" بدأت في عام 2006، وهي سلسلة تعتمد على موضوعات الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة في الأدب العربي. السلسلة تأخذ القارئ في رحلة عبر الإنترنت وعالمه المثير، وتستكشف تأثير هذه التكنولوجيا على حياة الإنسان وعلاقاته. مؤلفات أحمد خالد توفيق تعدّ أعمال أحمد خالد توفيق من أبرز الأعمال الأدبية التي أثرت في جيل كامل من القراء، ومن بين أبرز مؤلفاته: 1. "يوتوبيـا" (2008) هذه الرواية، التي صدرت في أوائل عام 2008، تُعد واحدة من أبرز رواياته. تدور أحداثها في المستقبل القريب، وتتناول فكرة الفجوة الطبقية والاقتصادية بين فئات المجتمع، مما يعكس حالة من التشاؤم والقلق حول مصير الإنسانية. 2. "السنجة" (2012) صدرت هذه الرواية عام 2012، وهي واحدة من الأعمال التي أظهرت براعة توفيق في تناول المواضيع الاجتماعية والسياسية. الرواية تنقلك إلى عالم مليء بالخيال والجريمة، مع التركيز على علاقة الشخصيات بالواقع المحيط. 3. "عداء الطائرة الورقية" (2012) ترجم أحمد خالد توفيق هذه الرواية الشهيرة للأديب الأفغاني خالد حسيني إلى رواية مصورة، ليضيف لمسته الخاصة في تقديم هذه القصة الإنسانية المليئة بالمشاعر والأحداث المؤثرة. 4. "شآبيب" (2018) هذه هي الرواية الأخيرة التي كتبها أحمد خالد توفيق قبل وفاته. طرحت الرواية أفكارًا جريئة، حيث تأخذنا في رحلة مثيرة عبر العديد من البلدان مثل النرويج، الولايات المتحدة، ليبيريا، مصر، أستراليا، قبل أن تنتهي عند خط الاستواء. تدور أحداث الرواية حول شخص يعتقد أنه هو الشخص المناسب لإصلاح العالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store