أحدث الأخبار مع #تيجباريخ


البيان
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- البيان
فقاعة التقييمات تهدد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»
تيج باريخ تعتمد التنبؤات السنوية لأسواق الأسهم بشكل أساسي، على رؤية المستثمرين للاقتصاد خلال العام، بالإضافة إلى تقييمهم للعوامل الهيكلية المؤثرة، وفي مقدمها الذكاء الاصطناعي، ومفهوم الاستثنائية الأمريكية في الاقتصاد العالمي. وبينما يتوقع المحللون استقرار مؤشر «إس آند بي 500» في عام 2025 عند مستويات العام السابق - وهو ما يمثل تباطؤاً ملحوظاً، بعد نمو على أساس سنوي تجاوز 20% على مدى عامين متتاليين - يبقى التساؤل: هل لا تزال هذه التوقعات تنطوي على قدر كبير من التفاؤل؟. على صعيد الأسس الاقتصادية، كنت قد طرحت الشهر الماضي رؤية مفادها أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو الركود، استناداً إلى مؤشرات الضعف الاقتصادي التي تزامنت مع بداية الولاية الرئاسية الثانية لترامب، والغموض المحيط بسياساته، والحديث عن تطبيق الرسوم الجمركية، لكن هذه رؤية لم تتبنها دوائر وول ستريت بعد. ويُركز المحللون اهتمامهم حالياً على إعلانات التعريفات الجمركية الفعلية، حيث انخفضت توقعات النمو لعام 2025 منذ «يوم التحرير»، وارتفعت احتمالات حدوث ركود خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، لتصل إلى 45%، فيما يتوقع غالبية المحللين استقرار معدل التعريفة الأمريكية الفعلي (قبل احتساب التأثيرات الناجمة عن تغيير مصادر الاستيراد) بين 10% و20% هذا العام، بينما تُقدر حالياً بنحو 28%، بعد أن بدأت عام 2025 قريبة من 2.5%. ورغم واقعية هذه التوقعات، التي تشير إلى تعريفات أعلى بشكل ملحوظ من العام الماضي، ونمو أبطأ -حتى في حال عدم حدوث ركود- إلا أن تسعير السوق لا يزال يعكس نظرة أكثر تفاؤلاً. وتظل توقعات أرباح الشركات لهذا العام مرتفعة أكثر مما ينبغي، إذ يسهل على وول ستريت اتخاذ قرارات البيع والشراء، بناءً على مؤشرات المخاطرة أو تجنبها، بينما قد يستغرق تقييم تأثيرها في الأرباح الصافية للشركات وقتاً أطول. وقد يُبالغ المحللون في تقدير قدرة الشركات على تمرير تكاليف التعريفات للمستهلكين، فالقطاعات الأكثر اعتماداً على الاستيراد -وهي الصناعات والمواد والسلع الاستهلاكية الكمالية- تمتلك قدرة محدودة على التحكم بالأسعار، وفق ما يؤكده فريق استراتيجية الأسهم الأمريكية في مؤسسة «بي سي إيه ريسيرش». وبافتراض عدم قدرة الشركات على رفع الأسعار بشكل ملموس، تشير التقديرات إلى أن تعريفات ترامب ستخفض هوامش صافي دخل «إس آند بي 500» بمقدار 2.2 نقطة مئوية، ما سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 19.2% في ربحية السهم للمؤشر -مع ثبات العوامل الأخرى- استناداً إلى معدلات تعريفة بنسبة 10% لجميع الدول، وعودة رسوم الواردات الصينية إلى مستواها قبل الإجراءات الانتقامية البالغ 54%، بالإضافة إلى فرض رسوم خاصة على الصلب والألمنيوم والسيارات بنسبة 25%. وتشير تقديرات «جولدمان ساكس»، إلى أن كل ارتفاع بمقدار 5 نقاط مئوية في معدلات التعريفة الأمريكية، يقود إلى تراجع ربحية سهم مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة تتراوح بين 1% و2%. وبغض النظر عن الرؤى المستقبلية للتعريفات الجمركية، تبرز مفارقة صارخة بين التوقعات الإجماعية التي تتنبأ بنمو ملموس في ربحية الأسهم لعام 2025، والواقع الاقتصادي الراهن بكل تحدياته: حالة عدم اليقين المتصاعدة، وتآكل ثقة المستهلكين والمستثمرين، وتصاعد الرسوم الجمركية على الواردات، فيما تُنذر مؤشرات ميناء لوس آنجلس بانخفاض حاد في حركة السفن التجارية المجدولة خلال الأسبوعين القادمين على أساس سنوي. وتتسارع وتيرة المراجعات النزولية للأرباح المتوقعة، إذ بلغت عمليات خفض توقعات الأرباح من قِبل المحللين لعام 2025 - وللمفارقة - مستويات تُشاهد عادةً في فترات الركود الاقتصادي، رغم أن حجم التخفيض الفعلي لا يزال أقل حدة نسبياً. ومع استمرار تعديل توقعات الأرباح نحو الانخفاض، ستهوي أسعار الأسهم تباعاً، مع إعادة المحللين معايرة تقييماتهم. ويقف مضاعف السعر إلى الأرباح المستقبلية (الذي يعكس استعداد المستثمرين للدفع مقابل أرباح الشركات المستقبلية)، عند مستوى 19 حالياً، متجاوزاً متوسطه البالغ 17 خلال السنوات الخمس السابقة للجائحة، وبعيداً كل البعد عن متوسطه البالغ 10 خلال فترات الركود الاقتصادي منذ عام 1980. وباستخدام نموذج تحليل الحساسية لمؤشر «إس آند بي 500» من «جولدمان ساكس»، فإن مجرد افتراض نمو متواضع في ربحية السهم بنسبة 3% هذا العام، مع تراجع مضاعفات السعر إلى مستويات قريبة من متوسطاتها قبل الجائحة، كفيل بدفع المؤشر نحو مستوى 4,550 نقطة. ورغم إمكانية تفادي المؤشر لهذا الانحدار الحاد، إذا وفرت العوامل الهيكلية زخماً شرائياً، تصطدم السردية المتفائلة حول الذكاء الاصطناعي بعراقيل متزايدة، إذ سلط إطلاق نموذج «ديب سيك» منخفض التكلفة في الصين، الضوء على المليارات المهدرة في استثمارات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، بينما ألقت إعلانات ترامب التجارية - بما فيها الرسوم المرتقبة على مراكز التصنيع التكنولوجية الآسيوية، وتشديد قيود تصدير الرقائق - بظلال قاتمة على آفاق القطاع. وتعرضت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة لانخفاضات حادة منذ تنصيب ترامب، فيما يسود الغموض بين المحللين، حول ما تم تسعيره بالفعل في السوق. وتستحوذ هذه الشركات على ثلث القيمة السوقية لمؤشر «إس آند بي 500»، كما أنها تسهم في تضخيم تقديرات هوامش الربح الصافية للسوق ككل، ما يجعل بيعها استراتيجية سهلة لتقليص المخاطر، في خضم التقلبات المتلاحقة التي تؤججها الأخبار المتسارعة. مع ذلك، لا تزال مضاعفات السعر إلى الأرباح المستقبلية لهذه الشركات (منفردة ومجتمعة)، تتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، ما ينذر بمزيد من الانخفاض في الأسعار، مع إعادة تقييم ربحيتها، سواء في ضوء التعريفات الجمركية، أو الكشف عن المبالغات المحيطة بالذكاء الاصطناعي. وبالنسبة لسردية الاستثنائية الأمريكية، فقد استقطبت الولايات المتحدة على مدى سنوات، التدفقات الرأسمالية بفضل ثلاثية السيولة العميقة والاستقرار ووضع الملاذ الآمن لأصولها، ما مكّن مؤشر «إس آند بي 500» من تجاوز النمو المستند إلى الأسس الاقتصادية البحتة. غير أن هذه السردية آخذة في التراجع، ففي مارس، قلّص المشاركون في استطلاع مديري الصناديق، الذي أجراه «بنك أوف أمريكا»، حيازاتهم من الأسهم الأمريكية بأكبر وتيرة مسجلة، فيما تُلقي التعريفات الجمركية بثقلها بشكل غير متكافئ على الاقتصاد الأمريكي، إذ تُعد شركاته المستفيد الأكبر من نموذج «صُنع في آسيا»، وفق ما يشير إليه مات كينغ مؤسس «ساتوري إنسايتس»، علماً بأن الإجراءات الانتقامية ستلحق الضرر بالشركات الأمريكية أيضاً. ويسهم الاضطراب السياسي وعدم اليقين الجذري، وتزايد مخاطر الاستقرار المالي، والهجمات على المؤسسات الاقتصادية المستقلة (مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مؤخراً)، في جعل الولايات المتحدة وجهة أقل موثوقية لتوظيف رؤوس الأموال. ويقول مات كينغ: «تحولت الولايات المتحدة من كونها «أنظف قميص متسخ»، إلى واحدة من أكثر العناصر قبحاً، مع بقائها الأغلى ثمناً في خزانة الاستثمار»، مضيفاً أنه «حتى بعد تصحيح هذا العام، لا تزال الأسهم الأمريكية تحتفظ بعلاوة استثنائية كبيرة، إذ تتداول بمضاعفات سعر إلى أرباح مستقبلية تفوق نظيراتها غير الأمريكية بنسبة 50%». وهذا الوضع يُعرّض الولايات المتحدة لمزيد من هروب رؤوس الأموال، اعتماداً على جاذبية الفرص في الخارج، وإجراءات ترامب، وللمفارقة، فإنه إذا استمرت فترة الرئاسة كما بدأت، ستصبح الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على تحسين الأسس الاقتصادية، لبناء زخم الشراء. وقد تذبذب مؤشر «إس آند بي 500» نحو الانخفاض بنحو 10% من ذروته في فبراير، إلا أن تدفق الأخبار المتواصل، يجعل من الصعب تحديد ما تم تسعيره في السوق، وما لم يتم بعد. ويؤدي التغير المستمر في إعلانات السياسة والإعفاءات والتأجيلات والنفي، إلى إعادة المستثمرين تسعير المخاطر كل يوم، بالمقارنة مع اليوم السابق، ما يُغيّر معايير الحكم على توقعات النمو والربحية. ورغم كل هذا الضجيج، يبدو أن السوق لا يزال يميل نحو نتيجة متفائلة، فالأسهم ليست مسعرة، حتى باتجاه نحو انكماش اقتصادي طفيف، لكن لكي يرتفع «إس آند بي 500» إلى المستوى الذي تتوقعه آراء المحللين حالياً، سيحتاج ترامب إلى التراجع فوراً عن التعريفات الجمركية. ويمكن للتراجعات الأخيرة أن تسهم في تليين موقف الرئيس نسبياً، لكن السؤال المطروح: إلى أي مدى وفي أي توقيت؟ فإذا كان غالبية المستثمرين يتوقعون بصورة منطقية استقرار معدلات التعريفة الجمركية في نهاية المطاف عند مستويات تفوق بأضعاف ما كانت عليه مع بداية 2025، في ظل إدارة ترامب، فإنهم لم يدمجوا هذه التوقعات بالكامل في أسعار الأصول، ناهيك عن التأثير المتواصل لحالة عدم اليقين الاقتصادي. ولا تزال تقديرات وول ستريت للأرباح والنمو، عرضة لمزيد من الانخفاض، وفي ظل هذا المسار، قد تخضع الأسواق المالية لمزيد من التدقيق في سرديات الذكاء الاصطناعي، والاستثنائية الأمريكية، وهذا ما يدفعني للتخوف من أن ينهي مؤشر «إس آند بي 500» العام، ليس عند نطاق 5 آلاف نقطة، بل عند مستوى 4 آلاف نقطة.


البيان
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- البيان
لماذا لن تدوم رسوم ترامب الجمركية طويلاً؟
تيج باريخ قبل أسبوعين، قدمت رؤية تضمنت خمسة سيناريوهات متفائلة محتملة للاقتصاد العالمي، كان أبرزها «تراجع ترامب عن سياساته الحمائية المتعلقة بالرسوم الجمركية». لكن بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن حزمة رسوم جمركية غير مسبوقة على الواردات، أجدني مضطراً للعودة إلى ذلك السيناريو، بعد أن استقصيت خلال الأيام الماضية مختلف المؤشرات والحجج التي تدعم فرضية أن المستويات المرتفعة للرسوم الجمركية الأمريكية لن تدوم طويلاً، وإليكم خلاصة ما توصلت إليه من نتائج. أولاً، الوطأة الشديدة للألم الاقتصادي، حيث يتوقع غالبية المحللين أن تتسبب حزمة الرسوم الجمركية التي أقرها ترامب، في ارتفاع الأسعار، وتباطؤ الحركة الاقتصادية على المدى القريب، غير أن البيت الأبيض ربما بالغ في تقدير قدرته على مقاومة الضغوط السياسية، عندما تبدأ تلك الرسوم بالتأثير الفعلي. وتشهد ثقة المستهلكين تراجعاً ملحوظاً، توقعاً للأوقات الصعبة المقبلة، لكنها ستنهار بشكل حاد، عندما تضرب الموجة الأخيرة من الرسوم سلاسل التوريد بالفعل. وتشكل السلع المعمرة وغير المعمرة، كالمواد الغذائية والملابس، نحو 30 في المئة من إنفاق الأسر الأمريكية، حيث ستتأثر بمستويات متفاوتة جراء الرسوم المرتفعة، (وعلى سبيل المثال، تشير بعض التقديرات إلى احتمالية أن يقفز سعر هاتف آيفون 16 برو ماكس، من 1,599 دولاراً إلى 2,300 دولار، في حال تم تمرير كامل تكاليف الرسوم الجمركية إلى المستهلكين). وكانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، قبل الثاني من أبريل، قد دفعت بالفعل أسعار الشركات المصنعة إلى الارتفاع، ومع اتساع نطاق الحزمة الأخيرة وشمولها، فقد يرتفع التضخم بمعدلات أسرع وأعلى من المتوقع، إذ تُحد الرسوم الشاملة من قدرة الموردين الأمريكيين على إيجاد بدائل أرخص بسرعة، فيما تتوقع وحدة أبحاث أليانز أن نحو ثلثي الشركات ستضطر لتمرير الزيادات إلى المستهلكين. كذلك ستتراكم التأثيرات غير السعرية لأجندة ترامب، حيث بلغت إعلانات تسريح العمال المرتبطة بما يُعرف بـ «وزارة الكفاءة الحكومية»، أكثر من 280 ألف حالة خلال الشهرين الماضيين، في حين ستعمل الرسوم القائمة وحالة عدم اليقين، على تقييد خطط التوظيف والاستثمار. ويأتي هذا ليضاف إلى المخاوف الاقتصادية التي سبقت عودة ترامب للحكم، فمن الجدير بالذكر، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 20 في المئة في المتوسط، منذ مطلع يناير 2021 (مع معاناة السلع الأقل تكلفة من معدلات تضخم أعلى)، وتتزايد أزمات الديون في الولايات الجمهورية (والتي قد تتفاقم إذا حافظ الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول، لمواجهة دوامات التضخم المرتبطة بالرسوم)، وعليه، فإن قدرة الأمريكيين على تحمل المزيد من الآلام الاقتصادية السريعة، أقل بكثير مما يعتقد الرئيس الأمريكي. وسيتفاقم هذا الوضع بسبب النهج الذي ستتبناه الدول الشريكة تجارياً في ردودها المضادة، فالاتحاد الأوروبي - على سبيل المثال - يعكف حالياً على وضع رسوم تستهدف الولايات ذات الأغلبية الجمهورية، بما فيها فرض رسوم على فول الصويا في لويزيانا، ولحوم البقر في كانساس، والمنتجات الزراعية في ألاباما، رداً على رسوم ترامب على الصلب والألمنيوم. وتكمن أهمية ذلك، في كون نسب التأييد الشعبي تتحرك بالتوازي مع مؤشرات ثقة المستهلك، خاصة بين الجمهوريين، حيث تظهر البيانات التي نشرتها صحيفة فايننشال تايمز من استطلاعات ليوغوف، تراجعاً حاداً في التأييد الاقتصادي لترامب بين ناخبيه من غير أنصار حركة «ماغا». كما بلغت ثقة المستهلكين الجمهوريين بشكل عام الآن، نقطة تحول حرجة. ومنذ إعلان ترامب عن حزمة الرسوم الأخيرة، اتسعت دائرة الاستياء، فقد أقر مجلس الشيوخ قراراً رمزياً في جوهره لإلغاء الرسوم المفروضة على كندا، بدعم من الجمهوريين. كما كشفت فايننشال تايمز عن تصدع بدأ يظهر بين قيادات الحزب الجمهوري حول السياسة التجارية، كما حذر السيناتور الجمهوري تيد كروز - وهو من أشد المؤيدين لترامب - من احتمال حدوث «فشل ذريع للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر 2026». وقد تتخذ الشركات أيضاً موقفاً أكثر جرأة في التعبير. ويشير ماركو بابيتش، كبير الاستراتيجيين في مؤسسة «بي سي إيه» للأبحاث، قائلاً: «ستواجه الشركات الأمريكية القائمة - التي توظف الأمريكيين بمعدلات أعلى مما قد تحققه أي نهضة تصنيعية نظرية - تكاليف باهظة، وستفقد حصصها في الأسواق الخارجية». وقد شهدت أسهم كبرى شركات التكنولوجيا والبنوك والصناعة المدرجة في مؤشر «إس آند بي 500» انهيارات حادة، وتكبدت شركة أبل أكبر خسارة في قيمتها السوقية خلال يوم واحد في تاريخها، وستمارس نخبة التقنية وشبكات الأعمال الكبرى، ضغوطاً على معارفها داخل الإدارة، كما ستتأثر المحافظ الاستثمارية لكبار المسؤولين سلباً. أما أصحاب الأعمال الصغيرة - الذين يوظفون قرابة نصف القوى العاملة في القطاع الخاص، ويمثلون قاعدة انتخابية جمهورية مهمة - فقد بدأوا هم أيضاً يقلصون شعورهم بالتفاؤل، حيث ستكون خطط إلغاء الإعفاءات الجمركية «الضئيلة» عالمياً، مؤلمة بشكل خاص لهم. وفي ما يتعلق بالأسواق المالية، فسيتطلب الأمر حدثاً استثنائياً لتغيير موقف ترامب، نظراً لاستخفافه الواضح بانهيار أسعار الأسهم حتى الآن. فهل يمكن لأسواق السندات أن تجبره على تغيير مساره؟ حالياً، تشهد عوائد سندات الخزانة الأمريكية انخفاضاً واضحاً، حيث لا يزال المستثمرون يعتبرونها ملاذات آمنة. لكن في سيناريو خطير محتمل، قد تتسبب مجموعة من العوامل في حدوث موجة بيع جماعية، خاصة حال تبنّي إجراءات مالية متهورة، مثل تطبيق إجراءات تحفيزية، في ظل إيرادات غير مستقرة من الرسوم الجمركية، أو الاعتماد على وفورات «وزارة الكفاءة الحكومية»، أو توقعات النمو، وارتفاع علاوة الأجل، نظراً لعدم إمكانية التنبؤ بقرارات ترامب، وارتفاع معدلات التضخم، أو توقعات أسعار الفائدة، في حال أصبحت الأسعار المرتفعة واقعاً مستداماً. وهكذا، من المتوقع أن تتسارع وتيرة الضغوط على ترامب من قبل الأسر والشركات والأسواق والجمهوريين، مع دخول حزمة الرسوم الجمركية حيز التنفيذ الكامل، ما يفتح الباب أمام إمكانية حدوث تأخيرات أو منح إعفاءات أو إقرار تخفيضات قريباً. وفي محاولة لتلطيف تأثيرات الصدمة الاقتصادية، قد تلجأ الإدارة إلى تسريع إجراءات خفض الضرائب، لكن غاريت واتسون مدير تحليل السياسات في مؤسسة الضرائب، يرى أن الـ 2.9 تريليون دولار المتوقع تحصيلها من الرسوم الجمركية، لن تكفي حتى لتعويض تمديد التخفيضات الضريبية المقبلة على الانتهاء. وحتى مع افتراض صمود الرئيس أمام العاصفة السياسية، تبقى هناك مسارات عدة لخفض الرسوم، فحالات النقص المؤقتة في السلع، قد تفرض تخفيضات محدودة، إذ يؤكد سيمون إيفنيت، الأستاذ في كلية آي إم دي للأعمال، أن «أي قفزات سعرية ناجمة عن الرسوم على السلع الأساسية، ستدفع نحو تحركات طارئة لخفض الأسعار، وهو ما يتطلب حتماً فتح الأبواب أمام الواردات». كما يلوح في الأفق سيناريو التراجع الجزئي، في حال قدم الشركاء التجاريون تنازلات كافية، لا سيما أن ترامب أبدى استعداداً للتفاوض بالفعل، وهو ما يدعم توقعات أبحاث أليانز بإبرام صفقات ثنائية متعددة بنهاية العام الجاري، تخفض معدل الرسوم الأمريكية الفعلي بنحو 40 %. وعلى الصعيد الاستراتيجي، يراهن ترامب على توطين استثمارات أجنبية داخل الولايات المتحدة، هرباً من الرسوم، غير أن عوامل الوقت والتكلفة، تجعل حدوث طفرة وظيفية واستثمارية سريعة تعوض الخسائر المحلية أمراً مستبعداً، فالمصنعون العالميون يتجنبون بيئات عدم اليقين، ويفضلون سلاسل توريد مستقرة، فضلاً عن عدم معرفتهم بالمدة المتوقعة لاستمرار الرسوم. كذلك، فإن تحويل أمريكا إلى مركز تصنيع مكتفٍ ذاتياً، يمثل عملية أكثر كلفة وأطول أمداً، وأقل جدوى مما يتصور ترامب، فالصناعة العالمية اليوم، أكثر تشابكاً وتعقيداً، مقارنة بأواخر القرن التاسع عشر، عندما فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية مرتفعة لفترة طويلة. ويدرك المصنعون العالميون هذه الحقيقة، ومن المرجح أن يختار معظمهم انتظار انقشاع الغبار، ما سيضاعف الضغط على ترامب، كما يعني أن نمو قطاع التصنيع الأمريكي إلى مستوى يصعّب تخفيض الرسوم مستقبلاً، يبقى احتمالاً ضعيفاً، علماً بأن الصناعات الراسخة التي تحظى بحماية حكومية، تميل عادة إلى الضغط للحفاظ على هذه الحماية. إن الرسوم قد تبقى مرتفعة على المدى القريب، لكن مع تصاعد الألم الاقتصادي السريع، وتزايد الضغوط السياسية، وولع الرئيس بالمفاوضات، تتزايد احتمالات انخفاض الرسوم الجمركية في وقت أقرب مما يتوقعه الكثيرون. وحتى إذا لم يرضخ ترامب للضغوط خلال فترة ولايته، فمن الصعب تصور كيف يمكن لأي إدارة لاحقة تبرير الإبقاء على هذه الرسوم.


البيان
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- البيان
هل يمكن إطلاق العنان لكندا لتكون قوة عظمى؟
تيج باريخ لا تبدو التوقعات الاقتصادية الكندية على المدى القريب مبشرة، فالخطة الأمريكية لفرض رسوم جمركية بنسبة 25 % على السلع الكندية، قد تؤدي إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الكندي بنحو 4 نقاط مئوية خلال عامين، وذلك بافتراض التنفيذ الفعلي لهذه الرسوم، ورد كندا بالمثل، حسب تقديرات البنك المركزي الكندي. لكن هناك وجهة نظر قائمة منذ عقود، تذهب إلى أن الدولة العضو في مجموعة السبع، يمكن لها أن تصبح قوة اقتصادية عظمى، وفقاً لأجندة سياسية طموحة. وتعد كندا ثاني أكبر بلدان العالم من حيث المساحة، وتتمتع بأطول شريط ساحلي، مقارنة بدول العالم قاطبة. ويحد البلاد المحيطان الهادئ والأطلسي، ما يجعلها مثالية للتجارة العالمية. ويعتقد ماركو بابيك كبير الخبراء الاستراتيجيين لدى «بي سي إيه ريسيرش»، أن كندا قد تكون أفضل حالاً في عالم أكثر دفئاً. وقال: «يمكن للاحتباس الحراري أن يزيد من المحاصيل الزراعية، وأن يفتح المجال لأجزاء شاسعة من البلد أمام التنقيب عن المعادن، وأن يسمح بمسارات تجارية جديدة عبر القطب الشمالي». ومن المهم الإشارة إلى استقلالية كندا، في ما يتعلق بالطاقة، حيث تحظى بأكبر احتياطات العالم من اليورانيوم عالي الجودة، وثالث أكبر احتياطات نفطية مؤكدة عالمياً. وتحل البلاد في المرتبة الخامسة ضمن أكبر منتجي الغاز الطبيعي. كما تمتاز كندا بمعروض وفير من مواد أخرى، بما في ذلك أكبر احتياطي من مادة البوتاس، التي تُستخدم في صناعة الأسمدة. علاوة على ذلك، تمتلك البلاد ثلث الغابات المُعتمدة عالمياً، وخُمس المياه العذبة على وجه الأرض. بالإضافة إلى ذلك، لدى كندا وفرة من عناصر الكوبالت، والغرافيت، والليثيوم، ومعادن أرضية نادرة أخرى، من التي تُستخدم في التقنيات المتجددة. وأضاف بابيك: «بكل تأكيد، تتمتع كندا بإمكانية أن تصبح قوة عظمى عالمية»، لكن البلاد تفتقر إلى القيادة البصيرة والإطار السياسي المطلوبين للاستفادة من ميزاتها. ومع ذلك، فقد تغيّر نصاب الأمور في ظل تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض تعريفات جمركية. ويوجد حالياً إجماع سياسي متنامٍ على إطلاق العنان أمام الإمكانات الاقتصادية لكندا، وتقليص اعتمادها على التصدير لجارتها الجنوبية. وسيحمل هذه المهمة، إما رئيس الوزراء، مارك كارني، أو زعيم المعارضة، بيير بواليفير، بعد الانتخابات التي ستُجرى في وقت لاحق من العام. لطالما تخلّف نمو الناتج المحلي الإجمالي لكندا عن ركب نظرائه في مجموعة السبع، ليحل في المرتبة الـ 16 عالمياً من حيث مقياس تعادل القوة الشرائية. يمكن لبلد بمثل هذه الجغرافيا الفسيحة، أن يولّد ناتجاً أعلى بوضوح. ومن أجل فعل ذلك، يحتاج الاقتصاد الكندي إلى أن يصبح أكثر كفاءة، وأن يحشد الاستثمارات، وأن يجتذب المزيد من العمالة الماهرة. لكن كيف يمكنه فعل ذلك؟. تعيق التضاريس الجبلية للبلاد إمكاناتها الديناميكية. لكن كندا تضع أعباء بيروقراطية هائلة على حركة الأشخاص والسلع أيضاً. ويشمل ذلك فرض كندا لقيود على مبيعات سلع بعينها عبر الحدود الإقليمية، علاوة على تباين التراخيص والمعايير الفنية التي تعرقل التوسّع، والمنافسة، والتخصيص الكفء للموارد في ربوع البلاد. وعلى سبيل القياس، تصدّر المقاطعات الكندية كميات أكبر من السلع للولايات المتحدة، مقارنة بما تصدّره إلى بعضها بعضاً. وتوصلت دراسة أجراها معهد «ماكدونالد - لورييه» في عام 2022، إلى إمكانية نمو الاقتصاد الكندي بما يتراوح بين 4.4 % و7.9 % على المدى الطويل، وبما يصل إلى 200 مليار دولار أمريكي سنوياً، إذا تخلصت البلاد من الحواجز التجارية، عن طريق سياسات اعتراف متبادل. وقد أسهمت إصلاحات مماثلة في أستراليا خلال تسعينيات القرن الماضي، في تعزيز الإنتاجية في البلاد. لكن ثمة اتفاق آخذ في الازدياد بين المقاطعات وبعضها، مع مواجهتها للتهديدات التي تمثلها التعريفات الجمركية الأمريكية. وتوصل استطلاع أجرته «أنغوس ريد»، إلى أن 95 % من الكنديين يدعمون في الوقت الراهن التخلّي عن الحواجز التجارية الداخلية. ومن شأن تبسيط النظام الضريبي المُعقّد، وتسريع عمليات التخطيط، وتخفيف الروتين الذي يواجه الاستثمار الأجنبي المباشر، والتوصل إلى آليات للشراكة الاقتصادية، تستهدف السكان الأصليين، جنباً إلى جنب مع إصلاحات تجارية داخلية، أن يدعم الشركات في الاستفادة من الموارد الفسيحة للبلاد، في ما يتعلق بالطاقة والمعادن عبر سلسلة التوريد الصناعية. كما يمكن لكندا أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في تلبية الطلب العالمي على كل من الغاز الطبيعي، واليورانيوم المُستخدم في المفاعلات النووية، والمعادن الأرضية النادرة، خاصة في ضوء الطفرة التي يشهدها قطاعا الطاقة المتجددة والدفاع. وتُعد الموارد الطبيعية الموجودة في كندا، بالإضافة إلى إمكاناتها في ما يتعلق بالإنتاج ذي القيمة المُضافة العالية، وأنشطة التكرير، أصولاً قيّمة، مع نظر الدول في تنويع سلاسل توريدها بعيداً عن الصين، وروسيا، وحتى الولايات المتحدة. ومن شأن تطوير الموارد الطبيعية المنتشرة في ربوع البلاد أن تدعم تجمّع الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة، بما في ذلك التصنيع المتقدم، والتمويل، والبحث والتطوير. ويسلّط هذا الضوء على أهمية تعزيز الاتصال لدعم منافذ التجارة إلى آسيا وأوروبا. وفي الوقت الراهن، يتوجه نحو ثلاثة أرباع الصادرات الكندية من السلع إلى الولايات المتحدة. وستكون أي إدارة أمريكية مستقبلية أكثر وداً تجاه البلاد مكسباً إضافياً. ويرى فارون سريفاتسان مدير السياسة لدى «رويال بنك أوف كندا»، أن «كندا يجب أن تواصل تعزيز بنيتها التحتية في التجارة والطاقة من الساحل إلى الساحل، بما في ذلك الموانئ، والطرق، والسكك الحديدية، وخطوط أنابيب النقل». وتحل البلاد في المرتبة 103 من بين 113 دولة في أزمنة التسليم داخل الموانئ، بحسب بيانات البنك الدولي. يأتي بعد ذلك دور الحديث عن السكان، حيث تُعد كندا، التي تضم 40 مليون نسمة فقط، واحدة من أقل الدول كثافة سكانية عالمياً، لكن لديها في الوقت نفسه واحدة من أسوأ أزمات الإسكان في العالم المتقدم. لذلك، فقد تضاعف متوسط أسعار المنازل ثلاث مرات على مدى العقدين المنصرمين، وتقيّد ديون الرهن العقاري إنفاق المستهلكين. والمشكلة هنا مشكلة عرض وطلب. فقد قفزت معدلات الهجرة تحت إدارة رئيس الوزراء السابق، جاستن ترودو، ما أسهم في توسيع سوق العمل الضيقة في البلاد. ومع ذلك، فهذه الهجرة تفرض ضغوطاً على البنية التحتية العامة، التي لم تتطور بالوتيرة ذاتها. وسيكون فرض قيود أكثر صرامة على الهجرة حلاً مؤقتاً. لكن كندا تحتاج إلى مواصلة اجتذاب المهارات على المدى الطويل، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار شيخوخة السكان، وكذلك ضآلة القوى العاملة لديها. ولا يمكن للذكاء الاصطناعي وعلوم الروبوتات، وكلاهما يتطلب استثمارات، أن يساعدا كثيراً في هذا الصدد. ولا يجب أن يكون كل هذا شديد الصعوبة، حيث يشي مؤشر الحياة الأفضل الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بأن كندا تتفوق من حيث الأداء على المتوسط في كل من التعليم، والصحة، والرضا عن الحياة. وتحل كالغاري وفانكوفر وتورونتو بين أفضل المدن التي يمكن العيش فيها. علاوة على ذلك، تُعد كندا أكثر الوجهات جذباً لخريجي الجامعات، بحسب مجلة «إيكونوميست»، التي تشير تقديراتها إلى إمكانية انتقال حوالي 17 مليون خريج إلى البلاد، لو أمكنهم ذلك. وسيضمن بناء المزيد من المنازل، أن تظل كندا جذابة وأيسر من حيث التكلفة لكل من الموظفين المحليين والدوليين. ولا تستغل كندا مهارات المهاجرين بالكفاءة المطلوبة. ولفتت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن الاعتراف الموحّد على المستوى الوطني بالمؤهلات الأجنبية سيكون داعماً. وما سبق كله، لا يمثّل قائمة شاملة بالسياسات التي يجدر بكندا اتباعها، لكن يجب أن تكون هذه السياسات من بين الأولويات طويلة المدى، التي يتعين على أي إدارة كندية تسعى إلى الاستفادة من الإمكانات الهائلة والكامنة في البلاد اتباعها. لكن هل توجد لدى كندا القدرة المادية؟ يُشار إلى أن كندا لديها أقل صافي ديون بين دول مجموعة السبع، ولديها كذلك أقل معدلات عجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن للاستثمارات المحفزة للنمو أن تُموّل جزئياً عن طريق الاقتراض. وتوجد لدى كندا أيضاً الكثير من رؤوس الأموال والخبرات في صناديقها الرائدة عالمياً للمعاشات التقاعدية. وتشرف صناديق المعاشات التقاعدية الثمانية الأبرز، والتي تُعرف باسم «مابل 8»، على أصول بقيمة 1.6 تريليون دولار أمريكي. لذلك، يمكن لهذه الصناديق أن تدعم استثمارات رأسمالية مربحة في البلاد. ويمكن أيضاً توجيه إيرادات الموارد الطبيعية الموجودة في كندا إلى صندوق ثروة سيادي، مثلما هو الحال في النرويج. إن الاقتصاد الكندي يقف في مفترق الطرق اليوم. وتثير عدوانية شريكتها التجارية الأساسية، إجماعاً حول ضرورة تعزيز الاقتصاد الوطني. كذلك، يحتاج العالم إلى الوفرة التي تتمتع بها كندا، وتحظى البلاد اليوم بفرصة فريدة لبلوغ إمكاناتها، فقط إن كانت ترغب بذلك.