
فقاعة التقييمات تهدد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»
تيج باريخ
تعتمد التنبؤات السنوية لأسواق الأسهم بشكل أساسي، على رؤية المستثمرين للاقتصاد خلال العام، بالإضافة إلى تقييمهم للعوامل الهيكلية المؤثرة، وفي مقدمها الذكاء الاصطناعي، ومفهوم الاستثنائية الأمريكية في الاقتصاد العالمي.
وبينما يتوقع المحللون استقرار مؤشر «إس آند بي 500» في عام 2025 عند مستويات العام السابق - وهو ما يمثل تباطؤاً ملحوظاً، بعد نمو على أساس سنوي تجاوز 20% على مدى عامين متتاليين - يبقى التساؤل: هل لا تزال هذه التوقعات تنطوي على قدر كبير من التفاؤل؟.
على صعيد الأسس الاقتصادية، كنت قد طرحت الشهر الماضي رؤية مفادها أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو الركود، استناداً إلى مؤشرات الضعف الاقتصادي التي تزامنت مع بداية الولاية الرئاسية الثانية لترامب، والغموض المحيط بسياساته، والحديث عن تطبيق الرسوم الجمركية، لكن هذه رؤية لم تتبنها دوائر وول ستريت بعد.
ويُركز المحللون اهتمامهم حالياً على إعلانات التعريفات الجمركية الفعلية، حيث انخفضت توقعات النمو لعام 2025 منذ «يوم التحرير»، وارتفعت احتمالات حدوث ركود خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، لتصل إلى 45%، فيما يتوقع غالبية المحللين استقرار معدل التعريفة الأمريكية الفعلي (قبل احتساب التأثيرات الناجمة عن تغيير مصادر الاستيراد) بين 10% و20% هذا العام، بينما تُقدر حالياً بنحو 28%، بعد أن بدأت عام 2025 قريبة من 2.5%.
ورغم واقعية هذه التوقعات، التي تشير إلى تعريفات أعلى بشكل ملحوظ من العام الماضي، ونمو أبطأ -حتى في حال عدم حدوث ركود- إلا أن تسعير السوق لا يزال يعكس نظرة أكثر تفاؤلاً.
وتظل توقعات أرباح الشركات لهذا العام مرتفعة أكثر مما ينبغي، إذ يسهل على وول ستريت اتخاذ قرارات البيع والشراء، بناءً على مؤشرات المخاطرة أو تجنبها، بينما قد يستغرق تقييم تأثيرها في الأرباح الصافية للشركات وقتاً أطول.
وقد يُبالغ المحللون في تقدير قدرة الشركات على تمرير تكاليف التعريفات للمستهلكين، فالقطاعات الأكثر اعتماداً على الاستيراد -وهي الصناعات والمواد والسلع الاستهلاكية الكمالية- تمتلك قدرة محدودة على التحكم بالأسعار، وفق ما يؤكده فريق استراتيجية الأسهم الأمريكية في مؤسسة «بي سي إيه ريسيرش».
وبافتراض عدم قدرة الشركات على رفع الأسعار بشكل ملموس، تشير التقديرات إلى أن تعريفات ترامب ستخفض هوامش صافي دخل «إس آند بي 500» بمقدار 2.2 نقطة مئوية، ما سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 19.2% في ربحية السهم للمؤشر -مع ثبات العوامل الأخرى- استناداً إلى معدلات تعريفة بنسبة 10% لجميع الدول، وعودة رسوم الواردات الصينية إلى مستواها قبل الإجراءات الانتقامية البالغ 54%، بالإضافة إلى فرض رسوم خاصة على الصلب والألمنيوم والسيارات بنسبة 25%.
وتشير تقديرات «جولدمان ساكس»، إلى أن كل ارتفاع بمقدار 5 نقاط مئوية في معدلات التعريفة الأمريكية، يقود إلى تراجع ربحية سهم مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة تتراوح بين 1% و2%.
وبغض النظر عن الرؤى المستقبلية للتعريفات الجمركية، تبرز مفارقة صارخة بين التوقعات الإجماعية التي تتنبأ بنمو ملموس في ربحية الأسهم لعام 2025، والواقع الاقتصادي الراهن بكل تحدياته: حالة عدم اليقين المتصاعدة، وتآكل ثقة المستهلكين والمستثمرين، وتصاعد الرسوم الجمركية على الواردات، فيما تُنذر مؤشرات ميناء لوس آنجلس بانخفاض حاد في حركة السفن التجارية المجدولة خلال الأسبوعين القادمين على أساس سنوي.
وتتسارع وتيرة المراجعات النزولية للأرباح المتوقعة، إذ بلغت عمليات خفض توقعات الأرباح من قِبل المحللين لعام 2025 - وللمفارقة - مستويات تُشاهد عادةً في فترات الركود الاقتصادي، رغم أن حجم التخفيض الفعلي لا يزال أقل حدة نسبياً. ومع استمرار تعديل توقعات الأرباح نحو الانخفاض، ستهوي أسعار الأسهم تباعاً، مع إعادة المحللين معايرة تقييماتهم.
ويقف مضاعف السعر إلى الأرباح المستقبلية (الذي يعكس استعداد المستثمرين للدفع مقابل أرباح الشركات المستقبلية)، عند مستوى 19 حالياً، متجاوزاً متوسطه البالغ 17 خلال السنوات الخمس السابقة للجائحة، وبعيداً كل البعد عن متوسطه البالغ 10 خلال فترات الركود الاقتصادي منذ عام 1980.
وباستخدام نموذج تحليل الحساسية لمؤشر «إس آند بي 500» من «جولدمان ساكس»، فإن مجرد افتراض نمو متواضع في ربحية السهم بنسبة 3% هذا العام، مع تراجع مضاعفات السعر إلى مستويات قريبة من متوسطاتها قبل الجائحة، كفيل بدفع المؤشر نحو مستوى 4,550 نقطة.
ورغم إمكانية تفادي المؤشر لهذا الانحدار الحاد، إذا وفرت العوامل الهيكلية زخماً شرائياً، تصطدم السردية المتفائلة حول الذكاء الاصطناعي بعراقيل متزايدة، إذ سلط إطلاق نموذج «ديب سيك» منخفض التكلفة في الصين، الضوء على المليارات المهدرة في استثمارات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، بينما ألقت إعلانات ترامب التجارية - بما فيها الرسوم المرتقبة على مراكز التصنيع التكنولوجية الآسيوية، وتشديد قيود تصدير الرقائق - بظلال قاتمة على آفاق القطاع.
وتعرضت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة لانخفاضات حادة منذ تنصيب ترامب، فيما يسود الغموض بين المحللين، حول ما تم تسعيره بالفعل في السوق.
وتستحوذ هذه الشركات على ثلث القيمة السوقية لمؤشر «إس آند بي 500»، كما أنها تسهم في تضخيم تقديرات هوامش الربح الصافية للسوق ككل، ما يجعل بيعها استراتيجية سهلة لتقليص المخاطر، في خضم التقلبات المتلاحقة التي تؤججها الأخبار المتسارعة.
مع ذلك، لا تزال مضاعفات السعر إلى الأرباح المستقبلية لهذه الشركات (منفردة ومجتمعة)، تتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، ما ينذر بمزيد من الانخفاض في الأسعار، مع إعادة تقييم ربحيتها، سواء في ضوء التعريفات الجمركية، أو الكشف عن المبالغات المحيطة بالذكاء الاصطناعي.
وبالنسبة لسردية الاستثنائية الأمريكية، فقد استقطبت الولايات المتحدة على مدى سنوات، التدفقات الرأسمالية بفضل ثلاثية السيولة العميقة والاستقرار ووضع الملاذ الآمن لأصولها، ما مكّن مؤشر «إس آند بي 500» من تجاوز النمو المستند إلى الأسس الاقتصادية البحتة.
غير أن هذه السردية آخذة في التراجع، ففي مارس، قلّص المشاركون في استطلاع مديري الصناديق، الذي أجراه «بنك أوف أمريكا»، حيازاتهم من الأسهم الأمريكية بأكبر وتيرة مسجلة، فيما تُلقي التعريفات الجمركية بثقلها بشكل غير متكافئ على الاقتصاد الأمريكي، إذ تُعد شركاته المستفيد الأكبر من نموذج «صُنع في آسيا»، وفق ما يشير إليه مات كينغ مؤسس «ساتوري إنسايتس»، علماً بأن الإجراءات الانتقامية ستلحق الضرر بالشركات الأمريكية أيضاً.
ويسهم الاضطراب السياسي وعدم اليقين الجذري، وتزايد مخاطر الاستقرار المالي، والهجمات على المؤسسات الاقتصادية المستقلة (مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مؤخراً)، في جعل الولايات المتحدة وجهة أقل موثوقية لتوظيف رؤوس الأموال.
ويقول مات كينغ: «تحولت الولايات المتحدة من كونها «أنظف قميص متسخ»، إلى واحدة من أكثر العناصر قبحاً، مع بقائها الأغلى ثمناً في خزانة الاستثمار»، مضيفاً أنه «حتى بعد تصحيح هذا العام، لا تزال الأسهم الأمريكية تحتفظ بعلاوة استثنائية كبيرة، إذ تتداول بمضاعفات سعر إلى أرباح مستقبلية تفوق نظيراتها غير الأمريكية بنسبة 50%».
وهذا الوضع يُعرّض الولايات المتحدة لمزيد من هروب رؤوس الأموال، اعتماداً على جاذبية الفرص في الخارج، وإجراءات ترامب، وللمفارقة، فإنه إذا استمرت فترة الرئاسة كما بدأت، ستصبح الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على تحسين الأسس الاقتصادية، لبناء زخم الشراء.
وقد تذبذب مؤشر «إس آند بي 500» نحو الانخفاض بنحو 10% من ذروته في فبراير، إلا أن تدفق الأخبار المتواصل، يجعل من الصعب تحديد ما تم تسعيره في السوق، وما لم يتم بعد.
ويؤدي التغير المستمر في إعلانات السياسة والإعفاءات والتأجيلات والنفي، إلى إعادة المستثمرين تسعير المخاطر كل يوم، بالمقارنة مع اليوم السابق، ما يُغيّر معايير الحكم على توقعات النمو والربحية.
ورغم كل هذا الضجيج، يبدو أن السوق لا يزال يميل نحو نتيجة متفائلة، فالأسهم ليست مسعرة، حتى باتجاه نحو انكماش اقتصادي طفيف، لكن لكي يرتفع «إس آند بي 500» إلى المستوى الذي تتوقعه آراء المحللين حالياً، سيحتاج ترامب إلى التراجع فوراً عن التعريفات الجمركية.
ويمكن للتراجعات الأخيرة أن تسهم في تليين موقف الرئيس نسبياً، لكن السؤال المطروح: إلى أي مدى وفي أي توقيت؟ فإذا كان غالبية المستثمرين يتوقعون بصورة منطقية استقرار معدلات التعريفة الجمركية في نهاية المطاف عند مستويات تفوق بأضعاف ما كانت عليه مع بداية 2025، في ظل إدارة ترامب، فإنهم لم يدمجوا هذه التوقعات بالكامل في أسعار الأصول، ناهيك عن التأثير المتواصل لحالة عدم اليقين الاقتصادي.
ولا تزال تقديرات وول ستريت للأرباح والنمو، عرضة لمزيد من الانخفاض، وفي ظل هذا المسار، قد تخضع الأسواق المالية لمزيد من التدقيق في سرديات الذكاء الاصطناعي، والاستثنائية الأمريكية، وهذا ما يدفعني للتخوف من أن ينهي مؤشر «إس آند بي 500» العام، ليس عند نطاق 5 آلاف نقطة، بل عند مستوى 4 آلاف نقطة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 16 ساعات
- العين الإخبارية
شراء الطاقة الآن في الولايات المتحدة أرخص من بنائها
بما لا يدع مجالا للشك، أصبحت محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، هي الأهداف الأكثر رواجًا في نظام الطاقة الأمريكي. وأكد على ذلك التوجه، موجة الصفقات التي أبرمت في قطاع طاقة الغاز داخل الولايات المتحدة لتلبية الاحتياج المتزايد بحسب ما أفادت وكالة بلومبرغ. ولفتت شركة NRG Energy Inc. الأنظار في 12 مايو/أيار لهذا الاقبال، بموافقتها على دفع 12 مليار دولار، مقابل 13 غيغاواط من الطاقة - أي ما يعادل 13 مفاعلًا نوويًا. وبعد ثلاثة أيام، قامت شركة Vistra Corp. بخطوة حاسمة باستحواذها على محطات غاز بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل 2.6 غيغاواط. وهذا الأسبوع، وافقت شركة Blackstone Infrastructure Partners على الاستحواذ على شركة TXNM Energy Inc، مالكة أكبر شركة مرافق ضمن قطاع الغاز في نيو مكسيكو، مقابل حوالي 5.7 مليار دولار. والأمر كان واضحا منذ بداية هذا العام، لما شهده من ازدهارًا ملحوظًا في عمليات الدمج والاستحواذ في قطاع الطاقة الأمريكي، وفي يناير/كانون الثاني، وافقت شركة Constellation Energy Corp. على دفع 16.4 مليار دولار لشركة Calpine Corp. لإنشاء أكبر أسطول من وسائل النقل والمعدات في قطاع الغاز بالبلاد. ويكمن وراء كل هذا، الازدهار في الطلب على الكهرباء مدفوعًا بالتطور السريع للذكاء الاصطناعي. ويوفر الغاز موثوقية أكبر من مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى توفره على مدار الساعة، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في تلبية احتياجات مراكز البيانات الجديدة. على الجانب الآخر، فإن النظر لقطاع الغاز من زاوية الإنشاءات، يعاني من مشكلات تشمل تأخيرات طويلة الأمد، كما تتراوح تكلفة إنشاء المحطات الجديدة بين 1.5 مليار دولار و3 مليارات دولار لكل غيغاواط، وفقًا لبلومبرغ إنتليجنس. هذا يجعل المبلغ الذي تدفعه NRG وVistra وConstellation، والذي يتراوح بين 700 مليون دولار و1.1 مليار دولار لكل غيغاواط، يبدو ذا قيمة رائعة. وكتبت نيكي هسو وغابرييلا بريفيتيرا، محللتا بلومبرغ إنتليجنس، في مذكرة الأسبوع الماضي، "الشراء أسرع وأرخص من البناء"، بالنسبة لقطاع طاقة الغاز في أمريكا. ويؤيد المستثمرون هذه الاستراتيجية حتى الآن، حيث ارتفعت أسهم Constellation بنسبة 25% يوم إعلانها عن استحواذها على Calpine. وسجل سهم NRG ارتفاعًا بنسبة 26% بعد الإعلان. وفي مثل هذه الصفقات الضخمة - وخاصة في قطاع الطاقة المحافظ، الذي لم يحظَ حتى وقت قريب باهتمام كبير من وول ستريت - فإن هذا النوع من النشوة بالأسعار والإقبال يكاد يكون غير مسبوق. ومع تعزيز الذكاء الاصطناعي للأسواق، أصبح تأثير الذكاء الاصطناعي قويًا، وبسبب هذا التأثير، أصبح أداء شركات الطاقة الأمريكية يشبه أداء شركات التكنولوجيا الكبرى من حيث الارتباط بالتقنيات الحديثة. aXA6IDgyLjIxLjIxMi4yMiA= جزيرة ام اند امز CH


البوابة
منذ 2 أيام
- البوابة
اليابان تؤكد موقفها الرافض لجميع الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب
أكد كبير المفاوضين اليابانيين بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية ريوسي أكازاوا، اليوم الثلاثاء، موقف بلاده الرافض للرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، مشددا على أن طوكيو تريد إلغاء جميع الرسوم الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالكامل. وبهذا حسم أكازاوا موقف اليابان بشكل نهائي بينما تستعد طوكيو وواشنطن لجولة ثالثة من المحادثات رفيعة المستوى بشأن التعريفات الجمركية في وقت لاحق من الأسبوع الجاري، وفقا لصحيفة "جابان تايمز" اليابانية. وقال أكازاوا، بشأن التعريفات الجمركية- في مؤتمر صحفي- "كما ذكرنا مرارا، فإننا نجد سلسلة التدابير الجمركية الأمريكية- بما في ذلك تلك المفروضة على السيارات وقطع غيار السيارات والصلب والألمنيوم والتعريفات المتبادلة- مؤسفة للغاية". ووفقا للصحيفة، لم يكن موقف اليابان في الجولة المقبلة من المفاوضات واضحا، إذ دعا مسؤولون يابانيون مرارا الولايات المتحدة إلى "مراجعة" الإجراءات. وكان هذا المصطلح عرضة للتأويل، وربما يوحي بأن اليابان تشير إلى استعدادها للتسوية.


العين الإخبارية
منذ 2 أيام
- العين الإخبارية
من الإفلاس إلى قمة وول ستريت.. راي داليو مؤسس «بريدجووتر» وقصة صعود استثنائية
تم تحديثه الثلاثاء 2025/5/20 04:00 م بتوقيت أبوظبي لم تكن رحلة راي داليو إلى القمة مفروشة بالورود. بل مرّ الرجل الذي أصبح أحد أنجح المستثمرين في العالم ومؤسس أكبر صندوق تحوط عالمي "بريدجووتر أسوشيتس"، بلحظات سقوط قاسية كادت أن تنهي مستقبله المهني. ومع ذلك، تحوّلت تلك اللحظات إلى دروس غيّرت مجرى حياته. في هذه القصة، نروي تفاصيل صعوده المذهل من الإفلاس إلى قمة وول ستريت، والدروس التي يمكن لأي رائد أعمال أو مستثمر أن يستفيد منها. حياة راي داليو راي داليو هو أحد أبرز المستثمرين في العالم ومؤسس لشركة بريدجووتر أسوشيتس، ومن مواليد الثامن من أغسطس/آب 1949 بحي جاكسون هايتس في نيويورك ضمن أسرة متوسطة الحال. ونشأ في بيئة بسيطة، واكتسب من والده، الذي كان عازفا موسيقيا، حب الإبداع والالتزام، وهما قيمتان أثّرتا بعمق في تشكيل شخصيته ومسيرته المهنية. ورغم محدودية الإمكانات المادية في طفولته، فقد غرست عائلته فيه مبادئ راسخة مثل الاجتهاد، والتفكير المبدع، والطموح، ما مكّنه من تحويل أحلامه إلى واقع ملموس. وبدأ داليو مسيرته العملية منذ سن صغيرة، حيث عمل في وظائف شاقة لتأمين احتياجاته، إلا أن تلك البدايات المتواضعة لم تكن عائقاً أمام طموحه، بل شكّلت دافعاً لمزيد من الإصرار والمثابرة. وواصل دراسته بتفوق حتى نال شهادتيه من جامعتي برينستون وهارفارد، وهما من أعرق المؤسسات الأكاديمية في العالم. وبفضل تعليمه المتميز وطموحه الذي لا يعرف حدوداً، اقتحم راي داليو عالم الاستثمار، ليؤسس لاحقًا شركة بريدجووتر أسوشيتس، التي أصبحت من كبرى شركات الاستثمار العالمية. وتعد مسيرته مثالًا حيًا على أن العمل الجاد والتعليم النوعي والمثابرة قادرة على تحويل الأحلام إلى إنجازات. وعلى الصعيد الشخصي، يعيش داليو مع زوجته باربرا داليو في غرينويتش بولاية كونيتيكت، ويُعرف بشغفه بالتامل، الذي أسهم في منحه صفاءً ذهنيًا وتوازنًا نفسيًا ساعداه في مسيرته المهنية. وفي عام 2011، التحق داليو وزوجته بمبادرة أطلقها بيل غيتس ووارن بافيت، هي التعهد بالعطاء، حيث تعهّد بالتبرع بأكثر من نصف ثروته للأعمال الخيرية خلال حياته، في خطوة تجسّد التزامه الإنساني ومسؤوليته المجتمعية كرائد في ميدان المال والأعمال. سيرته المهنية لم تكن المسيرة المهنية لراي داليو مجرد سلسلة من النجاحات الاستثمارية، بل شكّلت أيضا رحلة فريدة من نوعها في الابتكار والمساهمة الفاعلة في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي. بدأ داليو أولى خطواته الاستثمارية في سن مبكرة للغاية، إذ أقدم وهو في الثانية عشرة من عمره على شراء أسهم في شركة نورث إيست إيرلاينز مقابل 300 دولار. وبعد اندماج هذه الشركة مع دلتا إيرلاينز، تضاعفت قيمة استثماره ثلاث مرات، وهو ما كان بمثابة الشرارة الأولى التي ألهبت شغفه بعالم الأسواق المالية. وعلى امتداد مسيرته، لم يقتصر داليو على تحقيق الأرباح لنفسه، بل حرص كذلك على تقديم تحليلات معمّقة ورؤى استراتيجية أسهمت في توجيه المستثمرين وصنّاع القرار حول العالم. ففي عام 2007، نجح في التنبؤ بالأزمة المالية العالمية بدقة، الأمر الذي عزّز مكانته بين كبار خبراء المال والاقتصاد. وفي العام التالي، أصدر دراسة بعنوان "آلية عمل الاقتصاد: فهم ما يحدث الآن"، تناول فيها أسباب الأزمة وأساليب معالجتها، وهي وثيقة لاقت صدى واسعاً في الأوساط الاقتصادية، وأسهمت في إعادة تشكيل طريقة التفكير بشأن الأزمات الاقتصادية. وفي عام 2013، قدّم داليو فيديو توضيحي عبر منصة يوتيوب بعنوان "آلية عمل الاقتصاد"، استعرض فيه أفكاره الاقتصادية ونظرياته الاستثمارية بأسلوب مبسّط يسهل استيعابه. وقد حصد هذا الفيديو نحو 3.2 مليون مشاهدة، كما تُرجم إلى عدة لغات منها اليابانية، الصينية، الروسية، والإسبانية، مما زاد من تأثيره وانتشاره على الساحة الدولية. ولم يتوقف نجاح داليو عند حدود التحليل والاستثمار، ففي عام 2014، تم تصنيفه كأغنى شخصية في ولاية كونيتيكت بثروة قُدرت بنحو 14.3 مليار دولار. ولقد شكّلت إسهاماته المتعددة في مجالات المال والاقتصاد، سواء من خلال شركة بريدجووتر أسوشيتس التي أسسها، أو عبر مؤلفاته وأفكاره، نموذجاً مُلهماً يستحق التأمل والدراسة. aXA6IDgyLjI2LjIyNy4xMjkg جزيرة ام اند امز CA