أحدث الأخبار مع #سميراليوسف

الدستور
منذ 7 أيام
- ترفيه
- الدستور
أنفاس مكتومة... جسد صغير وصرخة مؤجلة
سمير اليوسف في عالم القصة القصيرة، عالمٍ تتضارب فيه الصور وتتماهى فيه الحقائق مع الظلال، تتكثف الحياة ضمن لحظات، وتتجلى الشخصيات في لمحات، وتُرسم العوالم الداخلية من خلال أنفاس متقطعة وأصوات خافتة. تأتي مجموعة أنفاس مكتومة للقاص الدكتور زياد أبو لبن، كصرخة مكتومة في برية الأدب، كأنّها زفرة حارة تخرج من صدرٍ مثقلٍ بالتجربة، نابضٍ بالرؤية، ومشحونٍ بفهمٍ عميقٍ للطبيعة الإنسانية. ليست هذه المجموعة القصصية مجرّد لوحات سريعة للحياة اليومية، بل هي مشاهد ملتقطة بعينٍ فاحصة، وروحٍ تمتح من الفلسفة رموزها، ومن الشعر إيحاءاته، ومن الإنسان هشاشته ومجده. فيجد القارئ نفسه أمام باقة من القصص التي تستنطق المسكوت عنه، وتُصغي لهمس الذات في لحظات توترها أو انكسارها أو اكتشافها البطيء لذاتها. المجموعة مؤلفة من تسع عشرة قصة هي: أنفاس مكتومة، في السر، دينا، ليلى، سارة، سعاد، دلال، لبنى، بيسان، نوران، رنيم، نيدانة، فرح، حلم وردي، حبّة الكستناء، حلم، وطن، قنطرة، والشطرنج. وتمتدّ على 76 صفحة من التكثيف السردي والانسياب اللغوي، متنقّلة بين عوالم الطفولة، والعائلة، والوطن، والأنوثة، والوجع الوجودي، والاغتراب. ما يلفت النظر ابتداءً، هو أن 11 قصة في هذه المجموعة تحمل عناوين بأسماء فتيات: دينا، ليلى، سارة، سعاد، دلال، لبنى، بيسان، نوران، رنيم، نيدانة، فرح، ابتسام، وسلوى، وهو ما يُحيل إلى أن التجربة الأنثوية هي جوهر هذه المجموعة. ومع أن بعض القصص تحضر فيها شخصيات ذكورية أو تنطلق من رؤية ذكورية، إلا أن القاص زياد أبو لبن اتخذ في معظم الأحيان صوتًا نسائيًا يعبّر عن مكبوت أو يُقاوم سلطة أو يكتشف الذات في ظل تقييد اجتماعي. تعتمد الحبكة في هذه المجموعة غالبًا على لحظة اكتشاف أو وعي داخلي، لا تصعيد درامي تقليدي فيه عقدة وذروة وانفراج، بل لحظة تأمل أو صدمة أو قلق. في قصة نوران، مثلًا، تنكسر الطفولة حين تموت دميتها، لكنها تستعيد الحياة حين تعيد الأم الحياة للدُمية بتبديل البطاريات. هنا الحبكة ليست في الحدث بقدر ما هي في التحوّل الداخلي، فالموت والحياة لا يُقاسان بنبضات القلب فقط، بل بما يُلامس وجدان الطفلة. الرمزية في المجموعة تحضر عبر الأشياء اليومية التي تحمل دلالة أعمق: الدمية في نوران، القط في دلال، السن المكسور في لبنى، المربع الخماسي في سارة، ورق اللعب في الشطرنج. كلها رموز لا توضع في مكانها عرضًا، بل تشير إلى أزمنة الطفولة، ومراحل التحوّل، ومكامن الرغبة أو الخوف. كما تتسم الصور البلاغية بالنعومة والانزياح غير الصاخب. في قصة دينا مثلًا، حين «تذوب في ملابسها كشَمعةٍ لامسها الحياء»، يتحول الحياء من شعور إلى نار، في صورة شاعرية تمزج بين البراءة والاحتراق الداخلي. وفي أنفاس مكتومة، حين تقول: «كانت تنظر من خلف الباب، وتكتم ضحكتها بأنفاس الخوف»، يصبح الخوف كائنًا مجسّدًا، لا شعورًا داخليًا فقط، في لعبة بلاغية بسيطة لكنها دالة. أما الإحالات الزمانية والمكانية في المجموعة ليست مركزية، بل عابرة، لكنها تخدم القصص بخفة. الزمان غالبًا داخلي، ممتد داخل وعي الشخصية، رغم وجود إشارات إلى «زمن المدرسة» أو «الحمّام» أو «عيد الفطر» أو «الحظر أثناء الكورونا»(( قصة بيسان). المكان أيضًا ضيق – غرفة، ممر، شارع، مطبخ – وهو ما يعكس الضيق النفسي الذي تعيشه الشخصيات، خاصة الإناث. في قصة نيدانة، البيت يصبح ملجأً للقطط كما هو ملجأ للفتاة، كلاهما يبحث عن دفء وأمان في عالم قاسٍ. الشخصيات في المجموعة، كما ذُكر، يغلب عليها العنصر الأنثوي. النساء هنا طفلات أو فتيات في طور النمو أو أمهات حاضنات أو غائبات. حتى الذكور – حين يحضرون – فهم غالبًا أبناء، أو آباء متعبون، أو ذكور طفوليون. وهذا التركيز على الأنثى لا يأتي من باب التحيّز، بل لأن الأنثى – بوصفها موضوعًا للرقابة والسلطة والتربية – تعيش تعقيدًا سرديًا غنيًا يصلح للبناء القصصي. في قصة ليلى، مثلًا، يتداخل صوت الراوية الطفلة مع مشهد اكتشاف الأنوثة والبكارة والبلوغ، وسط بيت لا يحتمل الخصوصية، مما يجعل الشخصية تواجه صدمة النمو في غياب الإعداد النفسي. في حين تتراوح نهايات القصص بين المفاجئ والتأملي والساخر أحيانًا، لكنها في معظمها نهايات مفتوحة، تُركت لتُسائل القارئ. في فرح، تنتهي القصة بوعي الطفلة أن الشيخوخة ليست ضعفًا فقط، بل امتداد للحب. وفي سعاد، تُختتم القصة بدعاء الطفلة لله أن لا ينسى «ملابس العيد» في رسالة وجهتها إلى والدها المتوفى، مشهد ينطوي على براءة جارحة وعمق فلسفي عن مفهوم العدالة والغياب. ما يُميّز هذه المجموعة هو قدرتها على التقاط الأنفاس المكتومة فعلًا، ليس كعنوان فقط، بل كجوهرٍ لكل قصة فيها. تتبعثر الأنفاس بين قمع الأم، وخوف الفتاة، وكبت الصبي، وانكسار الرغبة، وهي كلها أنفاس لا تصل إلى التمام، كما لو أن كل شخصية هنا تعيش في عالم من الاختناق العاطفي والنفسي والاجتماعي. اللغة السردية في القصص هادئة، متأنية، تخلو من الزخرفة الثقيلة، وتعتمد على حيوية الجملة القصيرة والصورة الحسية والعبارة الحانية أو الصادمة. ثمة نبرة حنينية في معظم النصوص، تجعل من كل قصة لوحة داخل ألبوم حياة؛ كل قصة فيها لحظة «أخذ نفس» من زمن الغرق. إن «أنفاس مكتومة» ليست فقط توثيقًا للحظات هشاشة داخل الطفولة أو العائلة أو الذات، بل هي أيضًا تجربة فنية ناضجة، تثبت قدرة القاص على المزاوجة بين البساطة الظاهرة والتعقيد الداخلي، بين اللغة المتقشفة أحيانًا والانفجار المجازي حين يتطلب المعنى ذلك، بين الأنوثة كموضوع والأنثى كذات لها صوتها ووجعها وسؤالها الخاص. إنها مجموعة لا تكتفي بالوقوف عند حدود القصة القصيرة التقليدية، بل تنبش في البنية النفسية للسرد، وتضع القارئ في مواجهة نفسه، وتدعوه لأن يصغي لأنفاسه التي كتمها ذات خيبة، أو قمعها في صغره، أو ضاعت منه في زحمة الحياة. ختامًا، فإن مجموعة أنفاس مكتومة ليست مجرد قصص عن الفتيات، بل هي مرآة لمرحلة التحول، لوجع النمو، لأسئلة الطفولة البكر. هي نصوص تُصغي لما لا يُقال، وتمنح المهمّش صوتًا. لا شيء صارخ هنا، لكن كل شيء موجِع؛ كأن الكتابة نفسها تحاول أن تتنفس.

الدستور
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الدستور
الجزء الثاني من الصعود إلى النص.. كتاب جديد يحتفي بالمنجز النقدي لإبراهيم خليل
عمانفي سلسلة (بعضُ وفاء) التي يُعنى فيها القاصّ سمير اليوسف بالنابهين من الأدباء، والكتاب، في فلسطين والأردن، صدر حديثا الجزءُ الثاني من الكتاب الموسوم بعنوان «الصعود إلى النص». وهو تتمة لجزء سابق بهذا العنوان يلقي الضوء على المُنجز النقدي للدكتور إبراهيم خليل الذي أغنى المكتبة الأدبية بعشرات التصانيف والمؤلفات.وقد جمعَ اليوسف في هذا الكتاب ثلاث عشرة مقالة، واثنتي عشرة مقابلة نُشرت سابقًا في الصحف المحلية والعربية كالوطن القطرية والنهار اللبنانية والقدس العربي فضلا عن الرأي والدستور الأردنيتين، وفي مجلات كالأقلام العراقية، والمجلة الثقافية. أما المقالات، فقد أسهم فيها كلٌ من: عزيزة علي، ود. أحمد البزور، وسمير اليوسف، و القاص محمود الريماوي، و الروائي المغربي أحمد المديني، و دة. حنين معالي، والشاعر الناقد اللبناني سلمان زين الدين، والإعلامي وليد حسني، والأديب محمد عبدالله قواسمة، وعوّاد علي، وفرح العلان، ود. شفيق طه النوباني.ومن المقابلات التي ينطوي عليها هذا الكتاب مقابلة مع مجلة الأقلام العراقية لمحمد المشايخ. وهي قديمة جدا تعود إلى عام 1983 ومقابلة أجراها المرحوم تيسير النجار حول كتاب أساسيات الرواية (2014) ومقابلة مع صحيفة القدس التي تصدر في فِلَسْطين، أجراها سليم النجار. وأخرى مع ثقافة الجزيرة أجراها توفيق عابد تدور حول كتاب محمود درويش قيثارة فلسطين، وقضايا أخرى. وحوار عن الكتاب الموسوم بعنوان واقع الدراسات النقدية العربية في مائة عام كان قد أجراه المرحوم تيسير النَجار. ولقاءٌ آخر نشر في القدس العربي اللندنية في عددين أجراه القاص الروائي الراحل رشاد أبو شاور نشر في العام 2001 وحوارٌ مع ملحق «أوراق» لصحيفة الوطن القطريّة، أجراهُ القاصّ عزمي خميس. وآخر مع الرأي الأردنية أجراهُ في العام 1999 الشاعر المرحوم زياد العناني. وحوارٌ أجراهُ لملحق « ألف باء» الذي يصدر عن جريدة الزمان اللندنية وسام نصرالله. وحوارٌ أجرته آية الخوالدة للعرب اليوم. وحوار آخر أجراهُ للدستور الأردنية اليوميّة عمر أبو الهيجا عن الكتاب الموسوم بعنوان «فصول في نقد النقد». وأخيرًا المقابلة المطوَّلة مع المجلّة الثقافية التي تصدر عن العلاقات العامة في الجامعة الأردنية، وهي من إعداد زياد أبو لبن. ونشرت في أحد أعدادها في العام 1998.ومما يستثيره المؤلف الذي جمَعَ هذه المقالات، والحوارات، من مختلف المصادر والمظان، وبوبها في الكتاب، قوله أن من أبرز ما يميز شخصية ابراهيم خليل المزج المتناغم بين صرامة الباحث وشغف القارئ، وإحساس الأديب وشعوره. فقد تشكلت أدواته النقدية من تراكم معرفي، وتجاربَ أكاديميّةٍ مصقولةٍ امتدتْ عقودًا، وتَواصُلٍ مباشر مع المنجز النقدي العربي عامةً، والأردني الفلسطيني خاصّةً. وهو إلى ذلك ناقدٌ صلبٌ، لا يُسلِّمُ بما ذاع، وشاع، ومجَّتْهُ النواظر والأسماع، من المسلمات النقدية، أو شبه النقدية، التي تقود إلى المُجاملات، وصَرْفِ النظر عن العيوب والهنات.وهذا ما يعرفه عنه الكتاب سواء منهم الأردنيون أو غيرهم ممن تواصلوا معه، وقرأوا غير قليل من كتبه، واطلعوا على مقالاته جُلّها، أو بعضها. فهو لا يصغي لما يُقال من مقولات في النقد، ومذاهبه، إذ يلحّ إلحاحًا شديدًا على محاورتها، ونبذ ما هو خاطئ، أو غير دقيق، منها. كالزعم بموت المؤلف، أوموت الناقد، أو قدسيّة العُنْوان، والتهليل لما يسمى عَتَبات. أو صرْف النظر عن النَصّ، والاهتمام بالغلاف، وبالإهداءات، وما شابه ذلك من تركيز على القُشور لا على اللُباب. أو التخلي عن جماليّات النصّ لصالح القُبْحيّات فيما يسمى تضليلا « نقدًا ثقافيًا « أو شبه ثقافيّ. فهذا كله، أو أكثرهُ، في رأيه أقاويل كاذبة، وخُزَعْبلاتٌ لا يخشى إنكارَها، وإنكار ما جرَّته على الأدب من مآسٍ مُغلَّفةٍ بما يشبه الورق البرّاق الملوَّن الذي تُغلَّفُ به الهدايا. شأنُ هذا الحديث شأنُ الموضة الجديدة المسماة تداولية. فقد سئم القدماء من كثرة الحديث عن التداول، والسماع، وعن اختلاف المعنى باختلاف السياق. ويظن بعض الناس أنَّ ما يقال في التداولية اليوم شيء جديد. والصحيح انه ينم على جهلهم بالقديم الغابر، الذي طوته العصور فيما طوت، واكلت عليه الدهور وشربت. فهو ناقدٌ لا تُرْهبه العودة بالنقد إلى مساره الصحيح بعد الذي رانَ عليه من تشويهٍ، وتحريفٍ، يصل إلى درجةِ الشعوْذة والتَخْريف، بسبب التقاليع التي تجود بها ماكينة الأكاذيب في بعض العواصم الأوروبية.يذكر أن هذا هو الكتاب الخامس الذي يَحتفي بتجربة الناقد خليل؛ فالأول بعنوان إبراهيم خليل ناقدًا من إعداد زياد أبو لبن وتقديمه ومشاركته (2012) والثاني مرافئ التأويل(2016) من تقديم نضال قاسم وإعداده ومشاركته. والثالث بعنوان القراءة الشاعرية الفاحصة: عن التجربة النقدية لإبراهيم خليل من تأليف أماني حاتم بسيسو (2019) والرابع وهو « الصعود إلى النص « من تقديم سمير اليوسف، وإعداده (2023). وكان اليوسف قد أصدَر أربعة من هذه السلسلة الموسومة بـ (بعض وفاء) أولها بعنوان رؤيا النقد والإبداع - وهو عن الراحل عبد الله رضوان. ومرايا الحضور، وهو عن الكاتب الشاعر إبراهيم العجلوني. وصدرت منه طبعتان، الأخيرة منهما في العام2021 والثالث بعنوان « العجلوني آفاق الفكر والمعرفة « وهو مشترك مع صالح البوريني 2023.