أحدث الأخبار مع #غانيةملحيس


ساحة التحرير
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
تحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية!غانية ملحيس
تحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية! غانية ملحيس تشهد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ملامح تحول في نمط الانخراط، يتجلى في تعامل مباشر مع القوى الإقليمية بعيدا عن البوابة الإسرائيلية التي لطالما مثلت حجر الزاوية في الرؤية الأميركية التقليدية للمنطقة منذ تأسيس إسرائيل قبل 77 عام. هذا التحول، الذي أخذ شكل خطوات ملموسة خلال الأشهر الأخيرة، وأثار أوهاما لدى النخب السياسية والثقافية العربية باعتبارها تحولا نوعيا يبنى عليها. لكنه في الواقع لا يرقى – في جوهره – إلى مستوى التحول الاستراتيجي، بل يندرج في إطار تعديل تكتيكي تستدعيه مستلزمات تكريس الهيمنة الأميركية على عموم المنطقة الذي لا غنى عنه لاطالة أمد الهيمنة والتفرد الأمريكي بالقيادة العالمية وتعطيل انبثاق النظام الدولي متعدد الأقطاب الذي بات وشيكا. تتعدد مؤشرات التحوّل التكتيكي التي تدفع إلى رصد تغير في نمط التعاطي الأميركي مع ملفات المنطقة: 1. إعادة فتح قنوات التفاوض مع إيران لتطويعها سلما، بعد التراجع الكبير في نفوذها الاقليمي، وانفراط عقد حلفائها في لبنان وسوريا. دون استبعاد التصعيد العسكري عند استعصائها، فما تزال مآلات الصراع مفتوحة على كل الاحتمالات. 2. التوصل إلى تفاهمات مع جماعة الحوثيين حول وقف إطلاق النار، بعيدا عن إسرائيل. لارتفاع كلفة المواجهة وتعذر الحسم السريع. 3. إدارة مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، أفضت إلى إطلاق سراح الجندي الأسير الإسرائيلي الأمريكي (عيدان إسكندر)، وهو ما كان سابقا يتم التفاوض عليه عبر وسطاء ضمن ملف الأسرى الإسرائيليين. 4. تجاهل إسرائيل في الجولة الإقليمية الأخيرة لدونالد ترامب، التي اقتصرت على السعودية وقطر والإمارات. 5. رفع جزئي للعقوبات عن سوريا بالتنسيق مع تركيا والسعودية، دون الإفصاح عن الشروط، وهو ما جعله يبدو كمرونة أمريكيه مستجدة. هذه التحركات – على أهميتها الرمزية – لا تعكس تحولا في البنية العميقة للسياسة الأميركية، بقدر ما تعبّر عن محاولة لإعادة ضبط الإيقاع التكتيكي في ضوء المتغيرات الإقليمية، خصوصا بعد زلزال 'طوفان الأقصى'. فبغض النظر عن تباين المواقف من طوفان الأقصى، إلا ان هناك توافقا يرقى الى مستوى الإجماع على اعتباره حدثا تكوينيا أعاد خلط أوراق المنطقة وأربك وشغل العالم بأسره. فقد مثل الهجوم الفلسطيني في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ 2023، والعدوان الإسرائيلي غير المسبوق في حجمه ووحشيته، حدثا تكوينيا أعاد ترتيب المشهد الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي. وقد أفرز هذا الحدث جملة من النتائج الجوهرية: • انكشاف هشاشة القدرة الإسرائيلية على الصمود دون دعم أميركي وغربي مباشر. وانتهاء أوهام القوة التي لا تقهر التي استحوذت على الوعي العربي الجمعي واحتمى بها الكيان الصهيونى على مدى 75 عام. • اهتزاز صورة الردع الإسرائيلي ما أثار شكوك مستوطنيها اليهود ويهود العالم بمدى أهلية إسرائيل كملاذ آمن، وبقدرتها على حل المسألة اليهودية مقارنة بالشتات. وبين لشعوب المنطقة والعالم محدودية قدرة حق القوة على التفوق على حق القوة عند تفعيل ارادة المظلومين لإحقاقه. • إعادة الاعتبار للسردية الفلسطينية عالميا حول استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي. • تنامي الاختلافات والتباينات داخل النخب السياسية والثقافية الغربية عموما وفي الولايات المتحدة حول الدعم اللامشروط لإسرائيل. • تكشف خواء المنظومة القيمية والأخلاقية الغربية وزيف ادعاءاتها المتصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. • انكشاف عوار النظام الدولي، وظهور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري عربيا واقليميا ودوليا كجزء من بنية الهيمنة الاستعمارية الغربية. ما يتعذرمعه فهم هذه التحولات خارج الإطار البنيوي العميق الذي يمثله المشروع الاستيطاني الصهيوني ككيان وظيفي وأداة استعمارية غربية في قلب العالم العربي. فالمشروع الصهيوني لم يصمم ليكون كيانا قوميا لليهود فحسب، وإنما كإمتداد للغرب ورأس جسر ديموغرافي وديني وحضاري مغاير لطبيعة المنطقة يسعى لمنع نشوء إقليم عربي وازن. وعليه، فإن جميع الاتفاقيات الدولية منذ توصيات لجنة بيل (1937) وقرار التقسيم (1947) واتفاقيات الهدنة (1949)وقرار مجلس الامن الدولي رقم 242 (1967) والقرار رقم 338 (1973) ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية (1979)ومؤتمر مدريد للسلام (1991)واتفاقات أوسلو (1993)، واتفاقية وادي عربة (1994 )، ومفاوضات كامب ديفيد (2000 ) وصولا الى اتفاقات ابراهام (2020). ، لم تكن تستهدف النفاذ، وإنما كانت سياسات مرحلية لتثبيت وتشريع مكتسبات المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري، ضمن مسار تدريجي وتراكمي لاستكمال تنفيذ وعد بلفور. وعليه، فما يبدو من خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حاليا، لا يتجاوز حدود الخلاف بين أصحاب المشروع على نسب الشراكة لا على طبيعة المشروع ذاته. فالصراع الجاري ليس سوى صراع بيني داخل المعسكر الصهيوني ذاته – بين المسيحيين الإنجيليين واليهود الصهاينة – ليس حول فلسطين، بل حول قيادة المشروع الاستعماري ذاته • فالصهيونية اليهودية، التي تتمحور حول إسرائيل كمركز عابر للقوميات، باتت تسعى لتحسين موقعها النسبي في الشراكة مع الإمبريالية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، بعد أن بات لها دورا فاعلا ومؤثرا في سياساتها الداخلية والخارجية. ما قد يمكنها من التفوق على الصهيونية المسيحية الإنجيلية، التي تسعى جاهدة في عهد دونالد ترامب، لبناء قومية أمريكية عظمى تنفرد بالقيادة العالمية. • فيما الصهيونية المسيحية الإنجيليّة، ترى في إسرائيل شريكا استراتيجيا ووكيلا تنفيذيا لها في مركزالعالم. وتخشى في الآن ذاته من تمردها ونزعتها الاستقلالية، خصوصا مع انفتاحها على الصين وروسيا والهند. وبناء علاقات تعاون معها، قد تتعارض مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. وتتوجس من سيناريو مشابه لما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين بريطانيا قبل قرنين ونصف، بفقدان السيطرة البريطانية – الأم، على الحليف الأمريكي – الابن. غير ان ذلك التباين بين أطراف المعسكر الصهيوني/ اليهودي والمسيحي الانجيلي/ لا يطال الاستراتيجية اتجاه الإقليم العربي المرتكزة على التفكيك والاحتواء. فالاستراتيجية الغربية- الصهيونية في المنطقة العربية الإسلامية الممتدة / الشرق الأوسط/ منذ الحرب العالمية الثانية، وتخليق دولة إسرائيل في مركزها اتخذت مسارين متوازيين: – 1- بناء تحالفات إسرائيلية مع مكونات إسلامية غير عربية (إيران، تركيا، الأكراد)، ومع مكونات عربية غير إسلامية. ومع مكونات طائفية داخل الإسلام. ثم العمل لاحقا على تأليبها جميعا على بعضها البعض، واستنزافها في صراعات بينية وأهلية، لإضعاف مناعتها في مواجهة الكيان الاستعماري الاستيطاني الغربي الصهيوني العنصري المستحدث في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري لعموم الأمة المستهدفة جلها بالسيطرة والإخضاع. 2. تفكيك الهويات العربية والاسلامية الجامعة، عبر تأجيج الانقسامات العرقية والقومية/ عرب وفرس وترك وكرد/والدينية/ يهود ومسيحيون ومسلمون/ والمذهبية /سنّة وشيعة ودروز وعلويين). ومنع نشوء إقليم عربي وازن بعزل وتقويض المراكز العربية المؤهلة لقيادة الأمة العربية/ مصر وسوريا والعراق/ ونقل مركز القيادة لدول الأطراف التي تمتلك موارد نفطية ومالية وفيرة، وتعتمد في تنميتها والحفاظ على موقعها القيادي على العلاقات مع القوى الدولية المتنفذة. إذ تفتقر إلى المقومات الذاتية للقيادة تاريخيا، أو ديموغرافيا، أو حضاريا، أو سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا. نخلص من ذلك الى ضرورة التمييز بين الثابت والمتحول في السياسة الأمريكية. فرغم ما يبدو من مرونة تكتيكية راهنا، فإن الثابت البنيوي لم يتغير. فما يزال تصفية القضية الفلسطينية هدفا مركزيا للقوى الاستعمارية الغربية الصهيونية العنصرية. وما يزال حلها باقتسام فلسطين الانتدابية / حل الدولتين/ خارج الحسابات الاستراتيجية الفعلية للغرب عموما، وللولايات المتحدة الأمريكية خصوصا. وما تزال إسرائيل الحليف الاستراتيجي المؤتمن على المصالح الاستعمارية الغربية في عموم المنطقة، والمفضل على جميع المكونات الإقليمية الأصيلة في المنطقة . فالتجربة الإيرانية قبل 46 عام ما تزال ماثلة في الأذهان. والتوجس في نوايا الأتراك يفوق الثقة بهم رغم عضويتهم في حلف الأطلسي /الناتو/. وهو ما يحول دون عضويتهم في الاتحاد الأوروبي، رغم انخراطهم في المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة. وعليه فإن الفصل بين العلاقات الغربية والأمريكية مع دول المنطقة وإسرائيل خطوة مهمة. لكنها لا تعبر عن تحول جوهري في الموقف الأمريكي والغربي من جوهر الصراع. ومخرجات زيارة دونالد ترامب للسعودية وقطر، والتي لن تختلف عنها غدا في الإمارات، وغابت عنها القضية الفلسطينية كليا، واقتصرت إشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأنها على المطالبة بإدانة طوفان الأقصى باعتبار ذلك موقفا حضاريا ضدّ 'الهمجيه والاغتصاب' والدعوة لإطلاق سراح بقية الرهائن الإسرائيلين (21 احياء و38 اموات)، فيما تحتجز إسرائيل اكثرمن 10 الاف أسير فلسطيني بينهم عشرات الاطفال والنساء في ظروف غير إنسانية، علاوة عن احتجازها مئات جثث الشهداء منذ عقود. ودون التفات ترامب إلى حرب الإبادة المتواصلة والتطهير العرقي والتجويع والتعطيش لأكثر من مليوني غزي، وحرب الاستئصال المتنامي للمخيمات والقرى والضم المتسارع للضفة الغربية. أكبر دليل على ثبات السياسات الأمريكية والغربية وسعيهم لمحو الوجود الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني داخل فلسطين الانتدابية، والانطلاق منها للسيطرة على عموم المنطقة العربية والإسلامية، ونهب ثرواتها، واخضاع جميع دولها وشعوبها. وعليه فالمطلوب عدم الانخداع بهذا التكتيك، بل توظيفه للنهوض بالوعي الجمعي، وانتهاج مشروع تحرري يعيد ترتيب أولويات الأمة. ويعيد الاعتبار للهوية الجامعة كأداة مقاومة في وجه المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري المتجدد. 2025-05-15


ساحة التحرير
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة!ترجمة: غانية ملحيس
عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة! إيلان بابيه -ترجمة: غانية ملحيس* لا يملك الفلسطينيون ترف السماح للذعر الأخلاقي الغربي بأن يُحدث فرقا أو يؤثر عليهم. إن عدم الاستسلام لهذا الذعر خطوة صغيرة، لكنها مهمة، في بناء شبكة عالمية تعنى بفلسطين، وهي حاجة ماسة. تثير ردود فعل العالم الغربي تجاه الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية سؤالا مقلقا: لماذا يبدي الغرب الرسمي، وأوروبا الغربية الرسمية تحديدا، هذه اللامبالاة تجاه معاناة الفلسطينيين؟ لماذا يتواطأ الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، بشكل مباشر وغير مباشر، مع استمرار الظلم اليومي في فلسطين – وهو تواطؤ واضح لدرجة أنه ربما كان أحد أسباب خسارتهم الانتخابات. إذ لا يمكن للأصوات العربية الأمريكية والتقدمية في ولايات رئيسية، ولسبب وجيه، أن تغفر لإدارة بايدن دورها في الإبادة الجماعية في قطاع غزة؟ هذا سؤال وجيه، نظرا لأننا نتعامل مع إبادة جماعية متلفزة تجددت الآن على أرض الواقع. إنها تختلف عن الفترات السابقة التي تجلت فيها اللامبالاة والتواطؤ الغربي، سواء خلال النكبة أو سنوات الاحتلال الطويلة منذ العام 1967. خلال النكبة وحتى عام 1967، لم يكن من السهل الحصول على المعلومات، وكان القمع بعد عام 1967 تدريجيا في الغالب. وبالتالي، تجاهلته وسائل الإعلام والسياسات الغربية، التي رفضت الاعتراف بتأثيره التراكمي على الفلسطينيين.لكن الأشهر الثمانية عشر الماضية مختلفة تماما. إن تجاهل الإبادة الجماعية في قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية لا يمكن وصفه إلا بأنه متعمد وليس عن جهل. إن أفعال الإسرائيليين والخطاب المصاحب لها جليّان لا يمكن تجاهلهما، إلا إذا اختار السياسيون والأكاديميون والصحفيون ذلك. هذا النوع من الجهل هو، في المقام الأول، نتيجة لنجاح جماعات الضغط الإسرائيلية التي نمت وازدهرت على أرضية خصبة من عقدة الذنب الأوروبية والعنصرية وكراهية الإسلام. وفي حالة الولايات المتحدة، هو أيضا نتاج سنوات طويلة من آلة ضغط فعّالة وقاسية، لا يجرؤ على عصيانها إلا قلة قليلة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، والسياسية خصوصا. تُعرف هذه الظاهرة في الدراسات الحديثة بالذعر الأخلاقي، وهي سمة مميزة للفئات الأكثر وعيا في المجتمعات الغربية: المثقفون والصحفيون والفنانون. الذعر الأخلاقي هو حالة يخشى فيها الشخص التمسك بقناعاته الأخلاقية،لأن ذلك يتطلب شجاعة قد تكون لها عواقب. لا نختبر دائما في مواقف تتطلب الشجاعة، أو على الأقل النزاهة. وعندما يحدث ذلك، نكون في مواقف لا تكون فيها الأخلاق مجرد فكرة مجردة، بل دعوة إلى العمل. لهذا السبب التزم الكثير من الألمان الصمت عندما أُرسل اليهود إلى معسكرات الإبادة. ولهذا السبب وقف الأمريكيون البيض مكتوفي الأيدي عندما تعرض الأمريكيون الأفارقة للشنق، أو عندما تم استعبادهم وإساءة معاملتهم قبل ذلك. ما هو الثمن الذي سيدفعه كبار الصحفيين الغربيين، والسياسيين المخضرمين، والأساتذة الجامعيين، أو الرؤساء التنفيذيين لشركات مرموقة، إذا ما ألقوا باللوم على إسرائيل في ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة؟ يبدو أنهم قلقون من نتيجتين محتملتين:- – الأولى هي إدانتهم كمعادين للسامية أو منكري الهولوكوست. – والثانية هي خوفهم من أن يشعل ردهم الصادق نقاشا يتضمن تواطؤ بلادهم، أو أوروبا، أو الغرب عموما في تمكين الإبادة الجماعية، وجميع السياسات الإجرامية التي سبقتها ضد الفلسطينيين. هذا الذعر الأخلاقي يؤدي إلى ظواهر مذهلة. فهو، عموما، يحوّل المثقفين والواعين إلى بلهاء تماما عندما يتحدثون عن فلسطين. وهذا الذعر يمنع أعضاء الأجهزة الأمنية الأكثر إدراكا وتفكيرا من دراسة المطالب الإسرائيلية بإدراج المقاومة الفلسطينية بأكملها على قائمة الإرهاب. كما أنه يحط من قدر الضحايا الفلسطينيين في وسائل الإعلام الرئيسية. انكشف غياب التعاطف والتضامن الأساسي مع ضحايا الإبادة الجماعية من خلال المعايير المزدوجة التي أظهرتها وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب، وخاصة الصحف الأمريكية العريقة، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست. عندما فقد رئيس تحرير صحيفة 'فلسطين كرونيكل'، الدكتور رمزي بارود، 56 فردا من عائلته – قتلوا في حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة – لم يُكلف أحد من زملائه في الصحافة الأمريكية نفسه عناء التحدث إليه أو إبداء أي اهتمام بمعرفة المزيد عن هذه الفظائع. من ناحية أخرى، أثار ادعاء إسرائيلي ملفق بوجود صلة بين 'كرونيكل' وعائلة احتجز رهائن في بنايتها السكنية اهتماما كبيرا من قبل هذه المنافذ الإعلامية ولفت انتباهها. هذا الخلل في الإنسانية والتضامن ليس سوى مثال واحد على التشوهات التي يجلبها الذعر الأخلاقي. لا أشكّ كثيرا في أن الإجراءات المتخذة ضد الطلاب الفلسطينيين، أو المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة. أو ضد نشطاء معروفين في بريطانيا وفرنسا. بالإضافة إلى اعتقال رئيس تحرير 'الانتفاضة الإلكترونية' علي أبو نعمة في سويسرا، كلها مظاهر لهذا السلوك الأخلاقي المنحرف. وشهدت أستراليا مؤخرا قضية مماثلة. فقد قدمت ماري كوستاكيديس، الصحفية الأسترالية الشهيرة ومقدمة البرامج المسائية السابقة على قناة SBS World News Australia، إلى المحكمة الفيدرالية بسبب تغطيتها للوضع في قطاع غزة – التي يمكن وصفها بأنها متواضعة -. إن عدم رفض المحكمة لهذا الادعاء فور وصوله يظهر مدى تجذر الذعر الأخلاقي في الشمال العالمي. لكن لحسن الحظ هناك جانب آخر للأمر.، هناك فئة أكبر بكثير من الناس لا يخشون المخاطرة بالتعبير بوضوح عن دعمهم للفلسطينيين، ويظهرون هذا التضامن مع علمهم بأنه قد يؤدي إلى الإيقاف عن العمل أو الترحيل أو حتى السجن. لا يعثر عليهم بسهولة في الأوساط الأكاديمية أو الإعلامية أو السياسية السائدة، لكنهم الصوت الأصيل لمجتمعاتهم في أنحاء كثيرة من العالم الغربي. – [ ] لا يملك الفلسطينيون ترف السماح للذعر الأخلاقي الغربي بأن يحدث فرقا أو يؤثر عليهم . إن عدم الاستسلام لهذا الذعر خطوة صغيرة، لكنها مهمة، في بناء شبكة عالمية من أجل فلسطين، وهي حاجة ماسة – – [ ] – أولا لوقف تدمير فلسطين وشعبها. – [ ] – وثانيا لتهيئة الظروف لفلسطين مُحررة ومنزوعة من الاستعمار في المستقبل. عن صحيفة فلسطين كرونيكل 2025-04-21 The post عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة!ترجمة: غانية ملحيس first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس
واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى! غانية ملحيس* قراءة في المقال الثري لعماد شقور المعنون 'تآكل عناصر القوة الإسرائيلية' والمنشور بتاريخ 6/4/2025 في العدد(36) من المجلة الفصلية 'أوراق فلسطينية' التي تصدر عن 'مؤسسة ياسر عرفات' والمرفق رابطه. يتسم المقال بأهمية فائقة. للتمييز الدقيق بين عناصر القوة الثابتة ، التي تمتلكها وتتفوق بها الدول العربية وتفتقر إليها اسرائيل(الموقع الجغرافي وعدد السكان، ومساحة الدولة،والثروة الطبيعية والمعدنية ) وجميعها عناصر ثابتة ممنوحة وغير مكتسبة. وتكسب الدول العربية أوراق قوة هائلة مؤثرة عند تفعيلها، لكنها ما تزال غير مفعلة. وبين عناصر القوة المتغيرة التي تمتلكها اسرائيل وتتفوق بها على جميع الدول العربية (القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والبناء المؤسسي والانسجام الاجتماعي والتحالفات الدولية ونوعية القيادة والقوة الناعمة – كالتفوق العلمي، والتكنولوجي والإبتكار والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، واللوبيات الصهيونية الفاعلة والنفوذ الإعلامي ، والحضور الثقافي عالميا -). وجميعها عناصر قوة مكتسبة بفعل إرادي. يبين المقال أن امتلاك عناصر القوة الثابتة، رغم أهميته الجوهرية في حسم الصراع غير كاف لوحده لبلوغ النصر، ما لم يتم تفعيله الواعي عبر رؤية نهضوية ومشروع تحرري شامل وخطط عمل طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى لإحقاق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعوب في أوطانها . ويبين إمكانية تفوق عناصر القوة المتغيرة المكتسبة، وقدرتها على تغيير الوقائع وخلق حقائق جديدة عبر تفعيل الإرادة والتخطيط والبرمجة ومقدرتها على التغلب على القوة الثابتة الهائلة الممنوحة لأصحابها، الذين يغفلون أهميتها الاستراتيجية، ويعجزون عن تفعيلها لهزيمة الغزاة والبقاء. يخصص الكاتب المقال للتبصير بتآكل عناصر القوة الإسرائيلية وما طرأ عليها من تغيرات جوهرية، أسهم ببعضها وكشفها طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول / أكتوبر/ 2023 ، وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني المحتدمة منذ تسعة عشر شهرا، وبين بجلاء التناقض بين الأوهام والأساطير التأسيسية التي قام عليها الكيان الصهيونى في فلسطين، وبين الواقع القائم . فإسرائيل بعد طوفان الأقصى لم تعد ككانت عليه قبله، اذ كشف طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/ 2023 فشلا استخباراتيا وعملياتيا اسرائيليا فاجأ الجميع. وقوّض ما استقر في الأذهان من مسلمات . حيث عجزت الدولة النووية المنيعة المحصنة عن تحقيق نصر حاسم في مواجهة حركة مقاومة فلسطينية صغيرة محاصرة محدودة الإمكانات والقدرات. رغم فداحة الوحشية والقتل والتدمير غير المسبوق تاريخيا لمحو كامل قطاع غزة متناهي الصغر مساحة وسكانا وقدرات عسكرية. والسجن المفتوح الأكبر في التاريخ الحديث، المكشوف والمحاصر برا وبحرا وجوا لعقود من أعدائه وذويه على السواء. فعلى الرغم من حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ما يزال يشنها عليه الكيان الصهيونى للقرن الثاني على التوالي والمحتدمة حلقتها الأخيرة منذ ثمانية عشر شهرا متصلة بدعم ومشاركة أمريكية وغربية غير مسبوقة، وتخل كامل من النظام العربي والفلسطيني الرسمي. فقد تكشف للشعب الفلسطيني والعربي والإقليم والعالم أجمع ، وليهود إسرائيل وعموم اليهود أن إسرائيل ليست منيعة ، وانها ليست ملاذا آمنا لمستوطنيها اليهود، وأن العقيدة الصهيونية ليست حلا للمسألة اليهودية كما استقر في الأذهان، وأن أسطورة إسرائيل القادرة والمحصنة نوويا والمدعومة يهوديا وعالميا بلا حدود، لا تهزم، وأن تماسكها داخليا ليس سوى وهما دون الانتقاص من حقيقة توافق جميع مستوطنيها على هدف إبادة الشعب الفلسطيني، ودون التقليل من قدرتها التدميرية الهائلة، وتحالفاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب، ودون التهوين من تواطؤ بعض أطراف النظام العربي الرسمي وعجز وتخاذل بقيته بما في ذلك النظام الرسمي الفلسطيني. إلا أن إسرائيل بدت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر / 2023 على حقيقتها- قابلة للهزيمة عند توفر موجبات وشروط هزيمتها ، مثل باقي القوى الاستعمارية الاستيطانية التي عرفها التاريخ الإنساني وهزمتها الشعوب الأصلية عندما فعلت ارادتها ، وصممت على إحقاق حقوقها، وظهرت كدولة استعمارية استيطانية عنصرية مهزوزة استراتيجيا، ومنهكة عسكريا وسياسيا واقتصاديا ،وممزقة اجتماعيا. وتبين أن الجيش الإسرائيلي ليس كما اعتقد الجميع ، الضامن المطلق لأمن المستعمرين المستوطنين اليهود، والمؤهل لحماية المصالح الاستعمارية الأمريكية والغربية في عموم المنطقة العربية- الاسلامية المستهدفة جلها بالإخضاع. وأظهر الطوفان وحرب الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني حقيقة إسرائيل كمحمية استعمارية استيطانية غربية وظيفية في مركز المنطقة العربية الممتدة، عاجزة عن البقاء الذاتي، عند تفعيل الإرادة الشعبية الفلسطينية والعربية لمواجهة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري في معقله الأخير، وأنها تعاني من تفكك اجتماعي عميق بين مكوناتها الاستيطانية -المتباينة عرقيا وإثنيا وأيديولوجيا وثقافيا – ما يهدد هوية الدولة ووحدة جيشها ونظامها السياسي. وأن تحالفاتها مع اليهود وعموم العالم لم تعد بعد طوفان الأقصى وحرب الابادة الجماعية المتواصلة صلبة كما كانت عليه منذ النشأة وطوال العقود الماضية، وأنها رغم التوسع والتوغل في كامل فلسطين ومحيطها العربي / لبنان وسوريا/ مهددة بالتفكك، وباتت عبئا أمنيا واقتصاديا وسياسيا على مستوطنيها اليهود وحماتها الدوليين ، وعبئا اخلاقيا ثقيلا على يهود العالم والإنسانية جمعاء . يسجل لعماد شقور هذا الإسهام العلمي النوعي في تناول عناصر القوة الإسرائيلية، والتركيز على خاصيتها المتغيرة المكتسبة، والتمييز بينها وبين عناصر القوة الثابتة العربية غير المفعلة حتى الآن ، المتصلة بالجغرافيا والديموغرافيا والثروات، ما حال دون تحولها إلى قوة استراتيجية مؤثرة، لاستمرار افتقار الأمة منذ هزيمتها الكبرى في الحرب العالمية الأولى ، إلى رؤية نهضوية شاملة ، ومشروع تحرري إنساني نقيض للمشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري. والظن بإمكانية الخلاص الفردي للأقطار العربية المستحدثة بالتزامن وبالتوازي مع الكيان الصهيونى . والتبعية السياسية والاقتصادية للنخب العربية المتغربة للقوى الاستعمارية، وفسادها، وغياب المؤسسات، والتخلف العلمي والحداثي للبلاد العربية، وتفتت القرار السياسي والاقتصادي والعسكري، فالعالم العربي لم يشكل وحدة استراتيجية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية متماسكة مثل القوى الإقليمية الأصيلة التركية والفارسية بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية، ويعاني من تباينات وصراعات مع شركائه الإقليمين الأصليين لعداءات متوهمة زرعها الغرب الاستعماري بينهم. ومن صراعات داخلية بين مكوناته الأصيلة تفوق أحيانا صراعه مع المستعمرة الصهيونية (وجميعها عوامل تعيق تحويل عناصر القوة العربية الثابتة إلى قوة فاعلة). في حين أن إسرائيل نجحت في تحويل عوامل القوة المكتسبة العسكرية والاقتصادية والسياسية عموما والناعمة خصوصا (التكنولوجيا، السيبرانية، الذكاء الاصطناعي، الطب، والتعليم العالي والتحالفات مع المسلمين غير العرب ، ومع العرب غير المسلمين، ومع النخب العربية المتغربة الخ…) إلى قوة فاعلة مؤثرة إقليميا وعالميا. يشكل استكمال مقال عماد شكور المهم حول تآكل القوة الإسرائيلية ، بمقالات تتناول بذات العمق عوامل القوة العربية الثابتة، وتتمعن في أسباب تبددها، وتبصر في موجبات ومستلزمات تفعيلها ، ضرورة لا غنى عنها لتطوير الوعي المعرفي الجمعي بحقائق اختلال الواقع العربي القائم، والتبصير بمستلزمات النهوض، وهو جهد ضروري وحيوي يتوجب على الباحثين والمفكرين الفلسطينيين والعرب إيلائه الأولوية لبلورة مشروع نهضوي لبناء إقليم عربي وازن، يتحالف مع القوى الإقليمية الأصيلة في المنطقة/ الفرس والترك والكرد، وفقا لقاعدة المصالح العليا والقاسم المشترك الأعظم بينها، ولمبدأ تساوي حقوق جميع الشعوب الأصيلة في الحياة والحرية وتقرير المصير، والسيادة على أوطانها ومواردها، وتسوية الخلافات البينية للتصدي للغزاة المستعمرين الطامعين في عموم بلادنا، والتأسيس بذلك لإعادة بناء إقليم حضاري ثري بتنوعه ، فاعل وقادر ومؤثر في النظام الدولي قيد التشكل. يمكن الاطلاع على مقال الكاتب عماد شقور عبر الرابط التالي: أبريل 16, 2025 The post واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
١٣-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
قضية الأسرى والشهداء والجرحى: بين الابتزاز الدولي وخيارات الصمود الوطني! غانية ملحيس
قضية الأسرى والشهداء والجرحى: بين الابتزاز الدولي وخيارات الصمود الوطني! غانية ملحيس قضية الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين ليست مجرد ملف إنساني.بل هي قضية وطنية بامتياز، وركيزة أساسية في النضال الوطني التحرري الفلسطيني. والعبث بها بتحويلها من استحقاق وطني إلى مساعدات اجتماعية للأقل حظا يرقي الى مستوى الخطيئة الاستراتيجية بحق عموم الشعب الفلسطيني. وليس فقط بحق من افتدوا حرية وطنهم وشعبهم بأرواحهم. والذين لولا دماءهم الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة على مدى خمسة أجيال متتابعة. لما كان لنا منظمة تحرير فلسطينية يعترف بها العالم ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. ولما كان لنا دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بها 124 دولة، ولما كان لنا سلطة حكم ذاتي ورئيسا وحكومة ووزراء وسفارات ومقرات. وقطاعا حكوميا متضخما ( 200.000 بين مدني وأمني ) وعبء إنفاق حكومي من بين الأعلى عالميا قياسا بالناتج المحلي الاجمالي. وبالدور المحدود المناط بسلطة حكم ذاتي محدود متناقض الصلاحيات. فالدور المناط بالحكومات سواء كانت ديمقراطية أم استبدادية يتلخص في وظائف رئيسية ثلاث: – توفير الأمن وحماية الشعب وحفظ الاستقرار بتوفير الأمن الداخلي، وحماية الحدود من التهديدات الخارجية، وحماية حقوق الأفراد وضمان سلامتهم من أي انتهاكات داخلية أو خارجية. – إدارة الاقتصاد الوطني عبر وضع سياسات اقتصادية انتاجية وتشغيلية وتوفير فرص العمل ،ومحاربة البطالة. وتوفير بيئة استثمارية مستقرة وتشجيع الاستثمارات. وانتهاج سياسات مالية ونقدية تحقق النمو والاستقرار. وتحقيق التوازن في توزيع الثروات عبر سياسات ضريبية منصفة وإنفاق حكومي يقلص التفاوت الطبقي ويحفظ الاستقرار المجتمعي. – توفير الخدمات العامة الأساسية كالتعليم المجاني أو الميسر .وتقديم الرعاية الصحية عبر بناء المستشفيات وتوفير العلاج المجاني أو المدعوم. وتحسين البنية التحتية مثل الطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي والمواصلات العامة والإسكان الميسر لمحدودي الدخل،ورعاية الفئات الضعيفة مثل الأيتام وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. ويتقلص دور الحكم الذاتي تحت الاحتلال إلى إدارة شؤون السكان الخاضعين للاحتلال مثل التعليم والصحة والاقتصاد والخدمات العامة وحفظ الأمن والنظام الداخلي . وفي حالات كثيرة، يصبح مجرد إدارة مدنية محلية تحت إشراف الاحتلال، عوضا عن أن يكون مرحلة تؤسس للاستقلال الحقيقي. ويختلف الوضع جذريا عندما يكون الحكم الذاتي تحت سلطة استعمار استيطاني إجلائي وإحلالي، كما هو الحال في فلسطين مع الاستعمار الصهيوني. الذي ينفرد عن أي نموذج آخر من نماذج الحكم الذاتي الذي عرفه التاريخ البشري قديمه وحديثه. ذلك أن الاستعمار الاستيطاني الإجلائي- الإحلالي أخطر أشكال الاستعمار. فهو لا يسعى إلى السيطرة على الأرض والموارد والسكان الأصليين فحسب. بل يستهدف اجتثاثهم تماما كما هو جار منذ أكثر من 76 عام في فلسطين. واستبدالهم عبر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير بالغزاة المستوطنين الصهاينه المستجلبين من كافة بقاع الأرض للحلول مكانهم. ما يجعل أي شكل من أشكال الحكم الذاتي محفوفا بالمخاطر. لأنه قد يتحول إلى أداة لشرعنة الاستعمار وتقليص كلفته عوضا عن مقاومته. غير أنه بالرغم من ارتفاع حجم المخاطر. وبالنظر إلى حقائق الواقع الذي تسبب فيه سوء خيارات القيادة الفلسطينية لافتقارها للوعي المعرفي بطبيعة العدو الذي تواجهه. وقيامها بمبادرة منفردة خارج الأطر التشريعية والتنفيذية الرسمية الفلسطينية. ووقوعها طوعا أو كرها بفخ أوسلو الذي نصبه التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري وأتباعه. وورط عموم الشعب الفلسطيني وقسمه. وقوّض مناعته الذاتية، ورفع كلفة صموده ومقاومته، وأبعده عن بلوغ أهدافه التحررية. وأخذا بالاعتبار عدم إمكانية العودة بالزمن إلى الوراء وتغيير الوقائع. فما جرى قد جرى. وجميعنا نتحمل مسؤولية تشاركية بدرجات متفاوتة. سواء عبر اتخاذ قرارات خاطئة، أم بالسماح باتخاذها أم بعدم منعها. وبالنظر إلى خطورة المرحلة التاريخية التي نواجه فيها جميعا خطرا وجوديا يطال الوطن والشعب والقضية. ما يتعذر معه مواصلة الانخراط باللوم المتبادل حد التخوين. ويهدد بتمكين العدو المأزوم بنيويا وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا ومعنويا من تحقيق ما عجز عنه لكسر الإرادة التحررية الفلسطينية، رغم حرب الإبادة الجماعية والتدمير والتهجير التي تستهدف محوه وإنهاء القضية الفلسطينية . ما يتوجب معه الارتفاع إلى مستوى تضحيات شعبنا الفلسطيني العظيم . لالتقاط الفرصة التاريخية التي يتيحها توفر تضامن شعبي ورسمي عربي وإقليمي ودولي غير مسبوق ضد مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. وسعيه لاستملاك قطاع غزة وتهجير أكثر من 2 مليون فلسطيني هم من تبقى من سكان قطاع غزة. وإعادة توطينهم خارج فلسطين. في مرحلة أولى قد يليها تهجير سكان الضفة الغربية. وتوافق العالم على ضرورة إنصاف الشعب الفلسطيني على الأقل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين. ما يوفر فرصة للشعب الفلسطيني لتحقيق مكاسب وطنية . وتوحيد كافة مكوناته حول القاسم المشترك الأعظم لجميع مكونات الشعب الفلسطيني وأساسه وحدة الشعب والوطن والقضية. ومنطلقه التمسك بإحقاق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في أرض وطنه. من رأس الناقورة شمالا إلى أم الرشراش جنوبا. ومن نهر الأردن شرقا إلى البحر الأبيض المتوسط غربا مهما طال الزمن وعظمت التضحيات. وإبداء المرونة في صيغ إحقاقها عبر مشروع تحرري إنساني نقيض. والتعامل الخلاق مع الحقائق الديموغرافية الناجمة عن الصراع بعد هزيمة الصهيونية وتفكيك النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري. واستلهام نماذج التعايش في الدول الديمقراطية متنوعة الأعراق والأجناس والألوان والثقافات والديانات والطوائف والمذاهب التي يتساوى جميع المواطنين فيها أمام القانون. والبناء على نموذج التعايش الذي عرفته فلسطين وعموم المنطقة العربية – الاسلامية قبل الغزو الاستعماري الغربي ونشوء الحركة الصهيونية. عندما تعايش المسلمين والمسيحيين واليهود وتفاعلوا وتطوروا وازدهروا معا على مدى قرون طويلة. ويستوجب ذلك: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني فلسطيني جامع لكافة مكونات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه. مؤهل لقيادة المشروع التحرري الفلسطيني. ومرجعية سياسية عليا إشرافية ورقابية. وإعادة هيكلة سلطة الحكم الذاتي كإدارة لشؤون الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. تضطلع بدور جوهري في تمكين الشعب الفلسطيني لإنجاز مهمة التحرر الوطني. حيث الحكم الذاتي في ظل استعمار استيطاني إجلائي – إحلالي سلاح ذو حدين. إذ يمكن أن يكون جزء من مشروع التحرير الوطني إن تم استثماره استراتيجيا كأداة للتمكين المجتمعي والوطني . ويمكن أن يكون أداة لتكريس الاستعمار وإدامته بتخفيض كلفته ورفع عوائده. ما يتوجب معه إعادة النظر في تعريف دور السلطة الفلسطنية. وتبني استراتيجية جديدة مغايرة مدركة لمكامن القوة الذاتية للشعب الفلسطيني الذي ما يزال يحتفظ بوجود وازن في فلسطين رغم اقتلاع وتهجير نصفه خارج وطنه. وواعية في الوقت ذاته لمواطن الضعف الذاتي وأسباب تفاقمها خلال العقود الثلاثة الماضية. منذ دخول اتفاق الحكم الذاتي الانتقالي المحدد بخمس سنوات، حيز التنفيذ عام 1993. وتواصل ثلاثة عقود بسبب تهرب الاحتلال من تنفيذ التزاماته التعاقدية من جهة. وتواطؤ النظام الدولي من جهة ثانية. والأهم الإخفاق الفلسطيني في توظيف الفرصة الضئيلة التي أتاحها الاتفاق للتأسيس للاستقلال. بسبب ضياع المرجعيات وتعددها وفقدان البوصلة. والتيه الناجم عن ضبابية الرؤى والأهداف.واختلاط الأولويات. وفوضى السياسات والمناهج. والجهل بممكنات النصر وموجباته، وبمسببات الهزيمة وتداعياتها. وانقسام النظام السياسي الفلسطيني واستقواء أطرافه على بعضهم بالقوى الخارجية. وانتشار المحسوبيات. والتنافس على السلطة والنفوذ. وغياب المساءلة والمحاسبة. ما أحدث صدوعا عميقة في البنيان الوطني الفلسطيني. وسهل الاختراقات والاستفراد بمكونات الشعب الفلسطيني، الذي ما يزال للقرن الثاني على التوالي يخوض صراع البقاء. وبالرغم من قتامة اللحظة الراهنة الناجمة عن حرب عالمية يشنها التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري منذ ستة عشر شهرا متصلة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة ومخيمات وقرى الضفة الغربية والقدس الشرقية.وعلى قوى المقاومة العربية والإسلامية المساندة. وتمكنه من قتل أكثر من خمسين الف فلسطيني وعشرة آلاف مفقود تحت الأنقاض.وجرح أكثر من 200 ألف فلسطيني، وأسر أكثر من 10 آلاف، وتشريد مليوني فلسطيني. وتدمير نحو 90 % من قطاع غزة ومخيم جنين ونور شمس في طولكرم . ونجاحه في تسديد ضربات قوية لمحور المقاومة، وخصوصا في لبنان وسوريا وإيران. فبدا للبعض أن التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري بات يتحكم بمصير الشعب الفلسطيني والعرب وعموم الشرق الأوسط. خصوصا مع وجود نظام صهيوني عنصري إرهابي فاشي. وإدارة أمريكية شريكة. وحكومات غربية متآمرة. ثم تولي رئاسة الدولة الأمريكية الأعظم قوة. رئيس عنصري لا حدود لجشعه. ولا روادع قيمية أو أخلاقية تلجم عدوانه. وتهوره بالمغامرة بتوظيف إمكانات وقدرات الولايات المتحدة الأمريكية لإخضاع العالم لجبروته. والسعي لإرهاب الجميع عبر استهداف الشعب الفلسطيني الصغير المحاصر وتوعده بجحيم يفوق ما ألفه على مدار 76 عاما. واستباحة الدول العربية. وإعلانه عن النية بالتوسع في جواره الإقليمي بضم كندا لتصبح الولاية 51. والاستيلاء على قناة بنما. وأمركة خليج المكسيك.وعزمه على شراء جرينلاند من النرويج. وأحدثها استملاك قطاع غزة وإخلائه من سكانه لإنشاء مشروعه الاستثماري 'ريفيرا الشرق الأوسط'. واستقطاع أراض من الأردن ومصر لتوطين الفلسطينيين المقتلعين من وطنهم فيها. وتهديدهم بقطع المساعدات عنهما ان لم ينصاعا لقراره. وإلزام دول أخرى باستيعاب بعضهم . ومساومة أوكرانيا على مقايضة الدعم الذي منحته لها الولايات المتحدة لمحاربة روسيا بالوكالة عنها. ومبادلته بثرواتها المعدنية الوفيرة، وإمهالها فترة وجيزة للدخول بمفاوضات لإنهاء الحرب. وفرض رسوم جمركية على الصين وكندا والمكسيك وأستراليا والدول الأوروبية. ومطالبة دول الناتو بمضاعفة الإنفاق الدفاعي وشراء الأسلحة الأمريكية. وتهديد مجموعة البريكس ان تجرؤوا على استبدال الدولار الأمريكي في التبادل التجاري. ومطالبة الدول النفطية بزيادة إنتاجها لزيادة الطلب وخفض الأسعار لمحاصرة إيران وروسيا. وتشديد العقوبات على إيران وتهديدها. وقطع التمويل عن الأونروا. وفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية. والانسحاب من منظمة الصحة العالمية ومن اتفاقية المناخ ومن مجلس حقوق الإنسان. علاوة عن إجراءاته في الداخل الأمريكي بحل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التابعة للحكومة الفيدرالية والمسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية للمدنيين. وفرض التقاعد المبكر على عشرات آلاف الموظفين. والتوعد بطرد ملايين المهاجرين، والطلبة المتضامنين مع مظلومية الشعب الفلسطيني. ما يوحي بإحكام السيطرة على العالم. غير أن التحديات على خطورتها، توفر في الوقت ذاته فرصا غير مسبوقة، أتاحتها بداية عملية 'طوفان الأقصى' التي شكلت تطورا نوعيا غير مسبوق في الأداء الفلسطيني المقاوم إعدادا وتخطيطا وتنفيذا. وأحدثت المقاومة الفلسطينية الباسلة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني على مدى ستة عشر شهرا ، انعطافا تاريخيا يؤسس لتصويب اعوجاج مسار التاريخ الفلسطيني والعربي والإقليمي والعالمي. وقد تناولت في مقالات سابقة -كما فعل كثيرون- بعض التحولات التي أحدثها طوفان الأقصى على الصعد الفلسطينية والاسرائيلية واليهودية والعربية والإقليمية والدولية. وأعيد التذكير بأهم التحولات التي أحدثها في الكيان الصهيونى مركز الصراع على الصعد كافة: العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والقانونية. داخل إسرائيل، وعلى صعيد الحركة الصهيونية العالمية، ويهود العالم ،ورعاة إسرائيل. فقد أعادت معركة طوفان الأقصى للنقاش اليهودي داخل إسرائيل وخارجها ذات التساؤلات اليهودية التي رافقت إنشاء الحركة الصهيونية قبل 128 عام حول الصهيونية كأيديولوجية تمثل اليهودية. وتزايدت الشكوك بجدوى الحل الصهيوني وإنشاء إسرائيل في حل المسألة اليهودية. ودفعت الكثيرين من يهود إسرائيل إلى إعادة النظر في مستقبلهم داخل إسرائيل. فانخفضت الهجرة اليهودية إليها ، وتصاعدت الهجرة العكسية منها. فوفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، غادر أكثر من 370 ألف إسرائيلي البلاد خلال الشهر الأول من عملية طوفان الأقصى.ولم يعد حوالي 800 ألف من المسافرين الإسرائيليين الذين غادروا لقضاء العطلات. وزاد الطلب على الهجرة، إذ شهدت السفارات الأجنبية في إسرائيل ارتفاعا ملحوظا في طلبات الحصول على الجنسية. فزادت طلبات الجنسية البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%. أشارت تقارير إلى أن نسبة كبيرة من المهاجرين الروس عادوا إلى روسيا بعد حصولهم على الجنسية الإسرائيلية. و ذكرت قناة '13' الإسرائيلية أن 41% من اليهود الروس الذين وصلوا إلى إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة عادوا إلى روسيا بعد حصولهم على الجنسية. وتصاعد تمرد الشباب اليهودي في الغرب على السردية الصهيونية، وبدأ بعضهم يتبنى سردية تدعم الحق والعدل. وتراجع التأييد الدولي لإسرائيل. وطرأ تحول ملموس في مواقف بعض الدول الغربية/ إيرلندا وإسبانيا والنرويج/،وازداد التأييد الدولي لانهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. ولأول مرة صدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/9/2024 بأغلبية 124 عضوا ومعارضة 14 عضوا منهم 9 من الدول والجزر التي تدور في فلك الولايات المتحدة. يطالب بأن تنهي إسرائيل 'وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة' ويربطه بزمن محدد /خلال عام/ . و بتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي تعرض لها منذ العام 1967″. ولأول مرة منذ بدء الصراع تصدر محكمة العدل الدولية قرارات بالنظر بشبهة ارتكاب إسرائيل جريمة ابادة جماعية. وتطالبها باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقفها. ولأول مره ،أيضا، تصدر محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال لرئيس الوزراء ووزير الحرب الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. علاوة عن التعاطف الشعبي غير المسبوق على امتداد العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية خصوصا، مع حقوق الشعب الفلسطيني . وتنامت حركات المقاطعة ونجحت (BDS) في زيادة الضغوط على إسرائيل اقتصاديا وثقافيا. وتزايدت الإدانات الدولية للجرائم الإسرائيلية وأصبحت القضية الفلسطينية والموقف من اسرائيل عنصرا مهما في التجاذبات السياسية والحزبية في غالبية دول العالم. وارتفع الانفاق العسكري والأمني الإسرائيلي بوتائر غير مسبوقة. وتكبدت إسرائيل خسائر غير مسبوقة. فكشف رئيس الأركان الإسرائيلي المعين مؤخرا إيال زامير في 7/2/2025 ، أنه تم استيعاب أكثر من 15 ألف جندي تعرضوا لإصابات جسدية وعقلية في منظومة إعادة التأهيل بوزارة الدفاع. وانضم 5942 فردا إلى العائلات الثكلى' منذ بدء الاجتياح البري لغزة. وأضاف : 'اشترت وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال 2024 أسلحة ولوجستيات بقيمة 220 مليار شيكل (61.5 مليار دولار)، أي أكثر من أربعة أضعاف المبلغ في عام عادي'. وتم استثمار أكثر من 150 مليار شيكل (42 مليار دولار) في عمليات الشراء المحلية بهدف تعزيز الصناعات الدفاعية الإسرائيلية وتقليل الاعتماد على الخارج'. وفي 30 كانون الثاني/ يناير/ الماضي، ذكرت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' العبرية أن تكاليف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة بلغت 42 مليار دولار. بمعدل 83.8 مليون دولار يوميا. وتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر جسيمة، وازدادت معدلات التضخم، وارتفعت تكاليف المعيشة وأسعار السكن بسبب الهجرة الداخلية. وتفاقمت الأزمات الداخلية والخارجية. ويتزامن تنامي الحضور الفلسطيني دوليا والتراجع الإسرائيلي مع صعود قوى إقليمية ودولية وازنة تؤذن بتغيير جوهري في ميزان القوى العالمية. ما يتيح الإمكانية لاستعادة حضور فلسطين جغرافيا على الخريطة العربية والإقليمية والدولية. بعد أن أعادها طوفان الأقصى سياسيا . غير أن توفر الفرص لا يعني تحققها. ولالتقاطها فلسطينيا لا بد من المسارعة بتبني استراتيجية وطنية نهضوية شاملة تراهن على الشعب الفلسطيني أولا. وتعزز علاقاتها البنيوية بالعمق القومي العربي ثانيا. الذي بات جميعه / شعوبا وحكاما/ يدركون ويتحسسون خطر استهدافهم كدول وأمة. والتعاون مع المكونات الإقليمية الثلاث الأخرى الأصيلة / الفرس والكرد والترك/الذين تشاركوا العيش مع العرب لآلاف السنين الممتدة. والسعي لتسوية الخلافات البينية، وبناء أسس تعاون جديدة تنطلق من وحدة المستقبل والمصير. وترتكز على مبدأ تساوي الحقوق الوطنية والقومية لجميع المكونات الأصيلة في السيادة وتقرير المصير. والتعاون مع شعوب ودول العالم الذين باتوا جميعا يستشعرون خطر انفلات الطغاة عليهم. وعليه، فإن مواجهة خطر التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري، الذي يعتمد مبدأ تاجر البندقية 'شايلوك' في التفاوض مع الشعب الفلسطيني والشعوب والدول العربية والإسلامية وشعوب ودول العالم لا يكون بالرضوخ. وإنما بالتضامن والتعاون والتنسيق والحنكة التي تقلب الموازين . وعودة إلى عنوان المقال. فان التعامل مع قضية الشهداء والجرحى والأسرى. بالاستجابة لضغوط إسرائيلية وأمريكية، لاشتراط تحويل المقاصة واستمرار المساعدات المالية للسلطة، بإلغاء أو تقليص رواتب الأسرى وعائلات الشهداء. والقيام بتحويل ملفهم إلى 'مؤسسة تمكين'. وفصل ملف الأسرى والشهداء والجرحى عن البعد الوطني. وتحويله إلى قضية خدماتية يسهل التحكم فيها وفق المصالح السياسية والضغوط الخارجية. ليس سوى هروب من مواجهة الحقيقة. ووصفة لإضعاف موقف السلطة الفلسطينية سياسيا. وإظهارها وكأنها تتخلى عن أبنائها مقابل المال. ومقدمة لنزع الشرعية عنها ورفع الحماية الشعبية لها. وتعزيز بدائلها. وربما انهيار شرعيتها بالكامل. وعليه فإنه يتوجب على السلطة الفلسطينية تعزيز البعد السياسي لملف الشهداء والجرحى الأسرى عوضا عن اختزاله في قضية مالية. وتحويله من أزمة داخلية تستغل لإضعاف السلطة، إلى معركة نضالية دولية تُستخدم لتقويض الاحتلال وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني. وورقة ضغط دبلوماسية على المستوى الدولي. وذلك بانتهاج استراتيجية وطنية لإدارة ملف الأسرى والشهداء والجرحى. وتصويب منهج التعامل مع الملف كجزء من مشروع التحرر الوطني وليس كقضية مالية. ويمكن استلهام التجارب الدولية للجزائر وجنوب أفريقيا وإيرلندا الشمالية-رغم تباين الظروف- لتحويل ملف الأسرى والشهداء والجرحى إلى قوة دافعة للتغيير، بدلا من تركهم رهينة للضغوط الاسرائيلية والمساعدات الدولية المشروطة. والحل ممكن بإعادة هيكلة الاستراتيجية الفلسطينية في مرحلة مفصلية مليئة بالتحديات الوجودية، التي تتيح بذات القدر فرصا تاريخية للنهوض . بفصل السياسة عن الإدارة. والانطلاق من كون السلطة الفلسطينية منجز وطني يتوجب الحفاظ عليه، بتحويلها إلى أداة تمكين لمقاومة تصفية القضية الفلسطينية. وليس مجرد إدارة مدنية محكومة بشروط الاحتلال. والبحث في جذر المشكلة الراهنة لحلها، بالحفاظ على البعد السياسي والوطني لقضية الاسرى والجرحى وأسر الشهداء . ومعالجة جوانبها المالية دون المس بالحقوق الوطنية والاستحقاقات المالية. وبإمعان النظر في الإشكالية المتصلة بمخصصات الأسرى والشهداء والجرحى في موازنة السلطة الفلسطينية يتبين ما يلي:- أولا : النظام السابق للمخصصات: كانت السلطة الفلسطينية تقدم مخصصات مالية شهرية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى ، تتفاوت قيمتها بناء على مدة الأسر وظروف الاستشهاد. وينظر إلى هذا النظام كجزء من التزام وطني تجاه من ضحوا من أجل القضية الفلسطينية. ثانيا : التغيير الأخير في النظام: فقد أصدر الرئيس محمود عباس في 10/2/2925 مرسوما يلغي النظام السابق لمخصصات الشهداء والجرحى والأسرى، محولا إياه إلى نظام يعتمد على الاحتياجات الاجتماعية للعائلات، بغض النظر عن مدة الأسر أو ظروف الاستشهاد. لتلبية مطالب إسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية التي كانت تنتقد النظام السابق باعتباره 'تحفيز للعنف'. والحصول على عائدات المقاصة المحتجزة في اسرائيل وتبلغ نحو 6 مليار شيكل. وإعادة تدفق المساعدات الدولية لدعم السلطة. وبالتمعن في موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2024 يتبين ما يلي:- قدرت النفقات في موازنة السلطة لعام 2024 بحوالي 19.4 مليار شيكل، بانخفاض بنسبة 7.6% عن موازنة عام 2023. وفي المقابل، قدرت الإيرادات بحوالي 14 مليار شيكل، مما يشير إلى عجز متوقع يقارب 5.4 مليار شيكل. وتوزعت النفقات في موازنة 2024 على النحو التالي: • الأمن: 21.3% • التعليم: 20.5% • الصحة: 14.3% • الحماية الاجتماعية: 17.6% • خدمات الجمهور العام: 13.1% ويشمل بند 'الحماية الاجتماعية' المخصصات المقدمة لعائلات الأسرى والشهداء، إلى جانب برامج دعم اجتماعي أخرى. وعليه ،فإن السلطة الفلسطينية تواجه تحديات مالية جدية تتمثل باحتجاز إسرائيل أموال المقاصة بذريعة أن هذه الأموال تستخدم لدعم عائلات الأسرى والشهداء والجرحى. وانخفاض المساعدات الدولية لذات السبب. وتنامي العجز المالي في موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2024 بنسبة 172% مقارنة بالعام 2023. ما أضعف قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، بما في ذلك دفع رواتب موظفيها ومخصصات الأسرى والجرحى والشهداء. وباتت تدفع 50-70% من الرواتب. وتعجز عن سداد ديونها للنظام المصرفي والقطاع الخاص. ولمعالجة المشكلة اجتهدت السلطة خطأ باختزال قضية الأسرى والشهداء والجرحى وهي قضية سياسية ووطنية بامتياز بقضية مالية . عبر تحويل نظام المخصصات لعائلات الأسرى والشهداء إلى نظام يعتمد على الاحتياجات الاجتماعية لتقليص النفقات المخصصة لهذا البند. وإناطتها بمؤسسة أهلية تم إنشاؤها عام 2019 للتعامل مع الاحتياجات الاجتماعية للفئات الأقل حظا . وإغفال الأسس الوطنيه المتصلة بالسجل النضالي لاحتساب الاستحقاقات المالية. وهو ما يواجه معارضة فلسطينية شاملة محقة. ما يوجب البحث في استراتيجية وطنية ومنج جديد لحل الأزمة. بدمج الحلول السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية لملف الأسرى والشهداء والجرحى. بهدف الحفاظ على الحقوق الوطنية والمالية للأسرى والشهداء والجرحى وتعزيز الموقف الوطني الفلسطيني وفي الآن ذاته تجنيب السلطة الفلسطينية الضغوط الإسرائيلية والأمريكية،. وهذا يتطلب :- – تحركا فلسطينيا موحدا داخليا. – تصعيدا دبلوماسيا وقانونيا دوليا. – إعادة هيكلة الدعم المالي للأسرى والشهداء بطريقة لا تخضع للابتزاز الخارجي . بتحويل قضيتهم إلى قوة دافعة للتغيير، بدلا من تركهم رهينة للضغوط الاسرائيلية والدولية والمساعدات المشروطة. وبمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، عبر مقاربة شاملة لقضيتهم تأخذ بعين الاعتبار البعدين الوطني والمالي من خلال : ١ – إعادة تعريف دور السلطة الفلسطينية بتحويلها من كيان إداري تابع للاحتلال إلى كيان وطني داعم للمقاومة السياسية والقانونية والمجتمعية. 2- إعادة هيكلة آلية صرف المخصصات دون المساس بالحقوق الوطنية والمالية من خلال : أ. إنشاء صندوق وطني مستقل للأسرى والشهداء والجرحى عبر هيئة وطنية مستقلة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وإدارته خارج ميزانية السلطة الفلسطينية حتى لا يكون خاضعا للضغوط الإسرائيلية وشروط الدول المانحة. وتمويله من الضرائب، وتبرعات رجال الأعمال الفلسطينيين وأموال الوقف، ومساهمات الجاليات الفلسطينية في الخارج. والمساهمات العربية والإسلامية. والمساهمات الشعبية.وهناك أمثلة ناجحة يمكن احتذاؤها لتوفير التمويل الشعبي للصندوق نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الاقتطاعات الضريبية على رواتب العاملين الفلسطينيين في الدول العربية والبالغة قيمتها 5%. وحملة 'كلنا جنين' في حزيران 2023 التي أطلقتها جمعية إنعاش الأسرة لمساندة ودعم أهالي مخيم جنين، وتم خلالها جمع تبرعات عينية ونقدية من المجتمع الفلسطيني لدعم المتضررين. وحملة واجب فلسطين' في قطر في كانون الثاني 2023 التي أُطلقت لمساعدة المتضررين من العدوان على قطاع غزة، وبلغت محصلتها النهائية 200,048,750 ريال قطري . ب. تقديم الدعم لأسر الشهداء والجرحى والأسرى وفق أسس تنموية وليس كرواتب شهرية فقط مثل: • برنامج دعم المشاريع الصغيرة للأسرى المحررين وأسر الشهداء والجرحى . بحيث يحصلون على تمويل لإطلاق مشاريع إنتاجية تولد دخلا يسهم في تقليص الاعتماد مستقبلا على رواتب ثابتة. • توفير قروض بدون فوائد، لتمكين الأسرى المحررين وعائلات الشهداء والجرحى من بدء أعمال خاصة تضمن لهم مصدر دخل مستدام. • إطلاق برامج تدريب مهني وتعليمي للأسرى المحررين لضمان اندماجهم في سوق العمل. 3- التصعيد الدبلوماسي والقانوني على الساحة الدولية. أ . تكثيف العمل الدبلوماسي في منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لعزل إسرائيل. ولاعتبار الأسرى الفلسطينيين 'معتقلين سياسيين' وفق القانون الدولي. ب . تصعيد المعركة القانونية ضد إسرائيل بتقديم شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ضد انتهاك إسرائيل لحقوق الأسرى بالتصفية والتعذيب والاغتصاب والاعتقال الإداري. 4 – تفعيل دور الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية للضغط على البرلمانات الدولية، لفرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها لحقوق الأسرى. 5 – استثمار الزخم الشعبي الدولي المؤيد لإنهاء المظلومية الفلسطينية بإطلاق حملات إعلامية منظمة على مستوى العالم حول أوضاع الأسرى الفلسطينيين ، على غرار الحملات التي دعمت نيلسون مانديلا أثناء سجنه. 6- العمل مع حركة المقاطعة (BDS) لفرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على إسرائيل بسبب انتهاكاتها لحقوق الأسرى الفلسطينيين. 7- تحويل الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى قوة وطنية لحماية الفلسطينيين ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي يستهدف الأسرى المحررين والنشطاء السياسيين. 8- تبني استراتيجية اقتصادية تهدف إلى تعزيز القدرة الذاتية الفلسطينية الإنتاجية والتشغيلية وتنمية قطاعات الإنتاج السلعي الزراعي والصناعي الموجه لتلبية الطلب المحلي لخفض الواردات من اسرائيل. وتطوير القطاع التجاري والخدمي المرتبط بها . وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول العربية والإسلامية لتقليص الارتهان الاقتصادي والمعيشي الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي وللمساعدات الخارجية. وتوقف الالتزام الأحادي الفلسطيني باتفاقية باريس الاقتصادية . 9- تكثيف حملات المقاطعة الاقتصادية (BDS) والتي أثبتت نجاحا ملموسا لحملات التبرعات والمقاطعة الاقتصادية في دعم القضية الفلسطينية والضغط على الجهات المتواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : أنهت شركات كبرى نتيجة لضغوط حركة BDS، مثل 'G4S' و'Veolia' و'Orange' و'HP' و'PUMA' تواطؤها كليا أو جزئيا في الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. وفي ايار / مايو/ 2024 أعلن ثاني أكبر صندوق استثماري في النرويج، 'Storebrand'، سحب استثماراته البالغة 141 مليون دولار من شركة IBM بسبب تزويدها إسرائيل بقاعدة بيانات بيومترية تُستخدم لتنفيذ نظام الأبارتهايد. وقامت جامعة مانشستر في بريطانيا عام 2020 بسحب نحو مليوني جنيه إسترليني من شركات متورطة في الاحتلال الإسرائيلي، مثل 'كاتربيلر' و'سيميكس' و'بوكينج.كوم'. 10- تصعيد حملات المقاطعة الاقتصادية الفلسطينية. • دعوة الجماهير الفلسطينية إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية بالكامل والاعتماد على المنتجات المحلية. • إطلاق حملة 'كل شي فلسطيني' لتعزيز ثقافة الاقتصاد المقاوم والاكتفاء الذاتي. 11- توحيد الصف الوطني خلف قضية الأسرى والشهداء والجرحى. أ. عقد مؤتمر وطني شامل حول الأسرى والشهداء لصياغة استراتيجية موحدة للدفاع عن حقوق الأسرى والشهداء والجرحى ، وتحديد آليات الدعم المالي والسياسي لهم. ب. إشراك المجتمع المدني في دعم الأسرى والجرحى وأسر الشهداء • إطلاق حملات تبرع شعبية لدعم صندوق الأسرى والجرحى وأسر الشهداء، كما حدث في الانتفاضتين الأولى والثانية. • تنظيم فعاليات ومظاهرات دورية للحفاظ على حقوق الأسرى والجرحى وأسر الشهداء وعدم التنازل عنها تحت أي ظرف. 12 – تعزيز المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال أ – تكثيف الاحتجاجات والمسيرات السلمية • تنظيم مظاهرات أسبوعية للمطالبة بتحرير الاسرى ووقف الاعتقالات الإدارية، وربطها بحركة مقاومة سلمية واسعة ضد الاحتلال. • دعوة الدول العربية والإسلامية لعقد قمم عربية خاصة بملف الأسرى والجرحى وأسر الشهداء لزيادة التضامن السياسي والمالي. 2025-02-13 The post قضية الأسرى والشهداء والجرحى: بين الابتزاز الدولي وخيارات الصمود الوطني! غانية ملحيس first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
٠٦-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
الزومبي * ترامب والاستعمار الجديد: قطاع غزة كواجهة لحلم إمبراطوري أمريكي-صهيوني!غانية ملحيس
الزومبي * ترامب والاستعمار الجديد: قطاع غزة كواجهة لحلم إمبراطوري أمريكي-صهيوني! غانية ملحيس * شهد التاريخ الاستعماري العالمي أنماطا متكررة من التوسع والهيمنة، بدءا من الاستيطان الإسباني والبرتغالي في الأمريكتين، إلى الاستعمار الفرنسي والبريطاني في إفريقيا، ثم الاستيطان الأبيض في أستراليا ونيوزلندا وجنوب إفريقيا. واليوم، نشهد نسخة جديدة لهذا المخطط، حيث تحاول القوى الإمبريالية استخدام الأدوات الاقتصادية والسياسية لتحقيق أهدافها، كما يفعل ترامب في قطاع غزة، مقدما استعمارا جديدا لا يعتمد على الاحتلال العسكري المباشر، بل على تحويل الأرض إلى سلعة تباع وتشترى بعد أن يتم التخلص من سكانها الأصليين. ففي خطوة مفاجئة ، أبدى ترامب، العائد منذ أسبوعين إلى البيت الأبيض، رغبته في استملاك قطاع غزة. معتبرا أنه الآن بات جاهزا للاستثمار. بعد عمليات الهدم والدمار والقتل والتهجير، التي نفذها جيش الدولة الصهيونية بمشاركة أمريكية ودعم غربي خلال خمسة عشر شهرا متصلة. فتحدث بثقة مطلقة عن مشروعه 'العبقري'، الذي يرى أنه يستحق عليه جائزة نوبل للسلام . ويفترض تحويل غزة إلى 'ريفيرا الشرق الأوسط'، مع تهجير سكانها إلى الأردن ومصر ودول أخرى'، زاعما أن بعضها رحّب بالفكرة وأبدى جاهزية للتمويل. في تجاهل كامل للقانون الدولي ولاتفاقيات جنيف لعام 1949. حيث يعتبر التهجير القسري للسكان المدنيين جريمة حرب. فضلا عن أن مشاريع الاستيطان الاقتصادي على أنقاض السكان الأصليين تندرج ضمن السياسات الاستعمارية المحرّمة دوليا. لكن الزومبي ترامب، يقفز عن القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، ويرى أحقيته بفرض رؤيته القائمة على استبدال السكان الأصليين بمشاريع رأسمالية عالمية، في تكرار لذات النمط الاستعماري الاستيطاني العنصري الذي طبق في الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا سابقا. والمفارقة الكبرى أن الزومبي الصهيوني الأصغر بنيامين نتنياهو، فوجئ بهذا الطرح. فرغم أنه يعتبر نفسه مهندس مشروع صهيوني أوسع يمتد ليشمل الشرق الأوسط بأسره . فإن ترامب لا يرى بإسرائيل سوى أداة ضمن مخططه الأشمل لبناء الإمبراطورية الأمريكية العظمى. في تباين بيّن بين الطموح الصهيوني والطموح الإمبراطوري الأمريكي، رغم أن كليهما يستند إلى ذات الأيديولوجيات الاستعمارية التوسعية العنصرية الاستيطانية الإجلائية -الإحلالية. يقدم ترامب رؤيته لمستقبل قطاع غزة كما لو كانت أرضا فارغة، متجاهلا تاريخ فلسطين العريق الذي يمتد لآلاف آلسنين. وبأنها جزء من منطقة عربية إسلامية ممتدة.ما تزال مأهولة بسكانها الأصليين الذين ينتمون إلى أمة عربية إسلامية يقارب تعدادها ملياري نسمة. ويعتبرون قضية فلسطين قضيتهم المركزية لانها قضية حق ضد الباطل . وأن الشعب الفلسطيني المرابط ما يزال صامدا ، رغم حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ما تزال تتواصل ضده للقرن الثاني على التوالي. ورغم تهجير نصفه خارج وطنه ، واستقدام نحو 7 مليون من المستوطنين اليهود الأوروبيين أساسا، ومن مختلف أنحاء العالم لاحقا لاستيطانها . ما يزال الفلسطينيون يشكلون أكثر من نصف المقيمين في فلسطين. وما يزال التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري بعد نحو قرنين من المحاولات المستميتة يعتقد بإمكانية تكرار النموذج الاستعماري الذي تعامل مع الأمريكتين وأستراليا وكأنها 'أراضي بلا شعب لشعب بلا أرض'. لكن ما يميّز سلوكه في العصر الحديث ، استبدال الاحتلال العسكري بالاستملاك الاقتصادي، بحيث تتحول الأرض إلى مشروع استثماري ضخم، في خدمة رأس المال العالمي والشركات العابرة للحدود والقوميات والاديان. مشروع ترامب ليس جديدا، إذ سبق أن طرحه صهره الصهيوني جاريد كوشنر في بداية حرب الإبادة على قطاع غزة قبل خمسة عشر شهرا. تحدث فيه عن تحويل قطاع غزة إلى 'سنغافورة الشرق الأوسط'، في محاولة لإخفاء الطابع الإجرامي للإبادة والاقتلاع القسري للسكان تحت غطاء التنمية الاقتصادية والاستثمار المجدي . ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنفصل عن الواقع، وتاجر العقارات المطلوب في عدة قضايا جنائية وأخرى مدنية تتعلق بالاحتيال -تم إسقاط وتعليق بعضها لأن وضعه كرئيس يمنحه حصانة معينة خاصة في القضايا الفيدرالية، نظرا لسياسة وزارة العدل الأمريكية التي تمنع مقاضاة الرئيس الحالي. وما يزال يواجه قضايا مدنية ويحاول استخدام نفوذه السياسي والمالي لتسويتها خارج القضاء وإسقاطها، أو لتعليقها وتأجيلها- وحيث أن القانون الأمريكي، كما الإسرائيلي، لا يمنع المجرمين من تبوء المناصب القيادية فيهما. فقد انتخبه الشعب الأمريكي والمحفل الانتخابي رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية المأزومة على الصعد كافة. والتي ما تزال تنفرد بقيادة النظام العالمي الآيل للسقوط. يقوم في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مساء أمس مع ضيفه الصهيوني نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب والمطلوب ،أيضا، محليا بقضايا جنائية، والملاحق من محكمة الجنايات الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. عرض مشروعه القائم على فكرة أن تهجير الفلسطينيين من غزة ليس جريمة، بل 'فرصة' لتوفير حياة أفضل لهم في أماكن أخرى، ولتحويل القطاع إلى وجهة سياحية لأثرياء العالم. وأغفل حقيقة أن هذا الطرح ليس سوى نسخة جديدة من مخططات التهجير القسري التي اعتمدتها القوى الاستعمارية عبر التاريخ، من طرد السكان الأصليين في أمريكا إلى تهجير الفلسطينيين عام 1948. وبالرغم من الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل. فإن الاستراتيجية الأمريكية التي تعتمد على إدارة الفوضى في العالم عموما والشرق الأوسط خصوصا. حيث تسعى إسرائيل لفرض سيطرتها على كامل فلسطين الانتدابية والتمدد في جوارها العربي. فقد كشف ترامب، أمام ضيفه نتنياهو، عن نظرته الحقيقية لإسرائيل ككيان وظيفي، واصفا الكيان الصهيوني بأنه 'قلم صغير على مكتبه الكبير'. وأداة ضمن مشروعه الإمبراطوري. وهذه النظرة ليست جديدة. فمنذ وعد بلفور عام 1917، كانت الصهيونية مشروعا وظيفيا يخدم مصالح القوى الاستعمارية الغربية ، بدءا من بريطانيا ووصولا إلى الولايات المتحدة. واليوم، يواصل ترامب ذات النهج، لكن وفق رؤيته الخاصة، التي ترى أن على إسرائيل الالتزام بتنفيذ الأجندة الأمريكية الكبرى . وأن القرارات التي سيتخذها خلال الأسابيع الأربعة المقبلة حول الضفة الغربية ومستقبل الفلسطينيين تندرج في ذات الإطار. نتنياهو المأزوم المحاصر بين الطموح الصهيوني والطموح الإمبراطوري الأمريكي. بدى في المؤتمر الصحفي مرتبكا في هذيانه بعبقرية ترامب التي تفوق التصور ، وفي لغة الجسد . فلم يستطع الزومبي الصغير الذي يسعى لتحقيق مشروع 'إسرائيل الكبرى'، أن يواري وقع المفاجأة. لاكتشافه أن لدى الزومبي الكبير مشروعا لبناء الإمبراطورية الأمريكية العظمى. وفي كل الآخرين أدوات تنفيذية. بمن فيهم الحركة الصهيونية وإسرائيل الصغيرة. حتى لو كان المستعمر الصغير نفسه قوة استعمارية على الأرض. *الزومبي' في السياسة هو كائن ميت أعيد إحياؤه بوسائل غير طبيعية، لكنه يفتقد الوعي الذاتي، ويتحرك وفق برمجة محددة تسيطر عليه. ويمكن إسقاط هذا المفهوم على شخصيات مثل ترامب ونتنياهو، اللذان يكرران ذات السياسات الميتة تاريخيا، دون إدراك أن مصيرهما الفشل المحتوم. فقد شهد التاريخ قادة مأفونين بأوهام العظمة، مثل نيرون، ونابليون، وهتلر، الذين سعوا لفرض مشاريعهم الاستعمارية بالقوة القاهرة، معتقدين أنهم سيعيدون تشكيل العالم وفق تصوراتهم. لكن مغامراتهم أدت إلى دمارهم الشخصي ودمار بلدانهم. واليوم، ترامب ونتنياهو في ذات الطريق. فكلاهما يتوهم أنه قادر على فرض مشروعه بالقوة. إذ يعتقد الطغاة أنهم قادرون على السيطرة المطلقة، دون إدراك أن الشعوب ليست أدوات خاملة يمكن إعادة تشكيلها وفق الرغبات الإمبراطورية. فيما أثبت التاريخ أن مشاريعهم تنهار تحت وطأة المقاومة الشعبية والتناقضات الداخلية. ليس هناك من سبيل لمواجهة الطغاة المأفونين بجنون العظمة. إلا بتعزيز المقاومة الشاملة بكل أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والقانونية للدول والشعوب المستهدفة بالإخضاع والاستعباد. وفضح المخططات التي تحاول تغليف الإبادة والتطهير العرقي بمفاهيم الاستثمار والتنمية. وتفعيل الضغط القانوني الدولي: عبر تقديم دعاوى ضد الإدارة الأمريكية أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتسريع الحكم في القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بشبهة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. وتسريع تنفيذ الحكم القضائي لمحكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت. وتقديم جميع مجرمي الحرب الاسرائيلين والأمريكيين والأوروبين للقضاء في المحاكم الدولية والمحلية في دول العالم كافة. وتعزيز المقاطعة الاقتصادية: عبر حشد الجهود لفرض عقوبات على الدول والقادة والشركات والأفراد الذين يشاركون في العدوان والسلب والتهجير والاستثمار في تدمير فلسطين واستيطانها. وإعادة تعريف القضية الفلسطينية عالميا بإبراز مقاومتها كقضية تحرر وطني وجزء من النضال التحرري الإنساني العالمي ضد الغزو والنهب والتوسع والاستيطان والاستعباد والعنصرية. ومهما حاولت القوى الاستعمارية إعادة رسم الخرائط، تبقى الشعوب هي صاحبة الأرض. فلم تنجح فرنسا في طمس هوية الجزائر رغم 132 عاما من الاستيطان. ولم تستطع جنوب إفريقيا الحفاظ على نظام الفصل العنصري رغم عقود طويلة من القمع . واليوم، يكرر ترامب ونتنياهو ذات الأخطاء، متناسييْن أن فلسطين ليست للبيع، وأن قطاع غزة ليس مشروعا عقاريا، بل أرضا لشعب حيّ عاش فيها منذ آلاف السنين وهزم كل الغزاة وباتو أثرا عابرا في تاريخه . وأن الشعب الفلسطيني العظيم الذي ما يزال يقاوم الاستعمار الغربي الصهيوني العنصري للقرن الثاني على التوالي سيواصل نضاله حتى إسقاط جميع الاستعمار الجديد والتطهير العرقي. وسيهزم الطغاة الذين يسعون إلى إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني. فكما فشلت مشاريع الاستيطان في الجزائر وجنوب إفريقيا، سيفشل مشروع 'ريفيرا غزة'، لأن الشعوب لا تموت، حتى لو بدا للعالم أن الزومبيين يتحكمون بمصيرها مؤقتا. وإن كان ترامب ونتانياهو يريان قطاع غزة كأرض بلا شعب، فإن التاريخ سيؤكد مجددا أن هذه الأرض باقية أبد الدهر ، وأن أصحابها الحقيقيين باقون، وأن فلسطين عصية على الاندثار وشعبها العربى الأبيّ عصي على الفناء . مهما حاول الزومبيون فرض واقع جديد. * الزومبي مصطلح للتخويف وإثارة الرعب في نفوس المهزومين . فوفقا لويكيبيديا. المصطلح بالإنجليزية يعني الموتى الأحياء. أي الجثة المتحركة التي تم إعادة إحيائها بوسائل سحرية. وينسب المصطلح إلى الفولكلور الهايتيّ. حيث الزومبي هو كائن ميت يتم إحياؤه بطرق مختلفة معظمها تنطوي على السحر. وتصوره أفلام الخيال العلمي جثة تم حقنها بفيروس أو جرثومة داخل عروقها فانتقلت إلى المخ وأعادت الحركة للدماغ المسؤول عن حركة باقي الأعضاء. فعادت الجثة للحياة، لكن الفيروس أو الجرثومة غيرت مجرى الأعصاب فأصبحت لدى الجثة الرغبة في افتراس غيرها. وفي قاموس كيمبوندو البرتغالي الزومبي هو 'روح تتجول على الأرض لتعذيب الأحياء'. وتم تسجيل الكلمة الإنجليزية 'زومبي' لأول مرة عام 1819، في كتاب تاريخ البرازيل للشاعر روبرت ساوذي في شكل 'zombi'، في إشارة إلى زعيم المتمردين الأفروبرازيلي / إحدى القبائل من السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية/ . ويعيد قاموس اكسفورد الإنجليزي أصل الكلمة إلى وسط إفريقيا ويقارنها بكلمتي الكونغو (إله) نزامبي'و 'زومبي' (تعويذة). وفي المخيال الفرنسي الزومبي هو العبد الميت الحي في الفودو الهايتي . وفي المخيال العربي فإن الزومبي هو الغول. وفي التراث الديني، الزومبي هو الشيطان الذي ينقلب على صحيح الأديان ويخترع دينا جديدا لإخضاع الخلق طبيعة وإنسانا لخدمته. 5/2/2025