logo
واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس

واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس

ساحة التحرير١٧-٠٤-٢٠٢٥

واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!
غانية ملحيس*
قراءة في المقال الثري لعماد شقور المعنون 'تآكل عناصر القوة الإسرائيلية' والمنشور بتاريخ 6/4/2025 في العدد(36) من المجلة الفصلية 'أوراق فلسطينية' التي تصدر عن 'مؤسسة ياسر عرفات' والمرفق رابطه.
يتسم المقال بأهمية فائقة. للتمييز الدقيق بين عناصر القوة الثابتة ، التي تمتلكها وتتفوق بها الدول العربية وتفتقر إليها اسرائيل(الموقع الجغرافي وعدد السكان، ومساحة الدولة،والثروة الطبيعية والمعدنية ) وجميعها عناصر ثابتة ممنوحة وغير مكتسبة. وتكسب الدول العربية أوراق قوة هائلة مؤثرة عند تفعيلها، لكنها ما تزال غير مفعلة.
وبين عناصر القوة المتغيرة التي تمتلكها اسرائيل وتتفوق بها على جميع الدول العربية (القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والبناء المؤسسي والانسجام الاجتماعي والتحالفات الدولية ونوعية القيادة والقوة الناعمة – كالتفوق العلمي، والتكنولوجي والإبتكار والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، واللوبيات الصهيونية الفاعلة والنفوذ الإعلامي ، والحضور الثقافي عالميا -). وجميعها عناصر قوة مكتسبة بفعل إرادي.
يبين المقال أن امتلاك عناصر القوة الثابتة، رغم أهميته الجوهرية في حسم الصراع غير كاف لوحده لبلوغ النصر، ما لم يتم تفعيله الواعي عبر رؤية نهضوية ومشروع تحرري شامل وخطط عمل طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى لإحقاق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعوب في أوطانها . ويبين إمكانية تفوق عناصر القوة المتغيرة المكتسبة، وقدرتها على تغيير الوقائع وخلق حقائق جديدة عبر تفعيل الإرادة والتخطيط والبرمجة ومقدرتها على التغلب على القوة الثابتة الهائلة الممنوحة لأصحابها، الذين يغفلون أهميتها الاستراتيجية، ويعجزون عن تفعيلها لهزيمة الغزاة والبقاء.
يخصص الكاتب المقال للتبصير بتآكل عناصر القوة الإسرائيلية وما طرأ عليها من تغيرات جوهرية، أسهم ببعضها وكشفها طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول / أكتوبر/ 2023 ، وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني المحتدمة منذ تسعة عشر شهرا، وبين بجلاء التناقض بين الأوهام والأساطير التأسيسية التي قام عليها الكيان الصهيونى في فلسطين، وبين الواقع القائم .
فإسرائيل بعد طوفان الأقصى لم تعد ككانت عليه قبله، اذ كشف طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/ 2023 فشلا استخباراتيا وعملياتيا اسرائيليا فاجأ الجميع. وقوّض ما استقر في الأذهان من مسلمات . حيث عجزت الدولة النووية المنيعة المحصنة عن تحقيق نصر حاسم في مواجهة حركة مقاومة فلسطينية صغيرة محاصرة محدودة الإمكانات والقدرات. رغم فداحة الوحشية والقتل والتدمير غير المسبوق تاريخيا لمحو كامل قطاع غزة متناهي الصغر مساحة وسكانا وقدرات عسكرية. والسجن المفتوح الأكبر في التاريخ الحديث، المكشوف والمحاصر برا وبحرا وجوا لعقود من أعدائه وذويه على السواء.
فعلى الرغم من حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ما يزال يشنها عليه الكيان الصهيونى للقرن الثاني على التوالي والمحتدمة حلقتها الأخيرة منذ ثمانية عشر شهرا متصلة بدعم ومشاركة أمريكية وغربية غير مسبوقة، وتخل كامل من النظام العربي والفلسطيني الرسمي. فقد تكشف للشعب الفلسطيني والعربي والإقليم والعالم أجمع ، وليهود إسرائيل وعموم اليهود أن إسرائيل ليست منيعة ، وانها ليست ملاذا آمنا لمستوطنيها اليهود، وأن العقيدة الصهيونية ليست حلا للمسألة اليهودية كما استقر في الأذهان، وأن أسطورة إسرائيل القادرة والمحصنة نوويا والمدعومة يهوديا وعالميا بلا حدود، لا تهزم، وأن تماسكها داخليا ليس سوى وهما دون الانتقاص من حقيقة توافق جميع مستوطنيها على هدف إبادة الشعب الفلسطيني، ودون التقليل من قدرتها التدميرية الهائلة، وتحالفاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب، ودون التهوين من تواطؤ بعض أطراف النظام العربي الرسمي وعجز وتخاذل بقيته بما في ذلك النظام الرسمي الفلسطيني.
إلا أن إسرائيل بدت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر / 2023 على حقيقتها- قابلة للهزيمة عند توفر موجبات وشروط هزيمتها ، مثل باقي القوى الاستعمارية الاستيطانية التي عرفها التاريخ الإنساني وهزمتها الشعوب الأصلية عندما فعلت ارادتها ، وصممت على إحقاق حقوقها، وظهرت كدولة استعمارية استيطانية عنصرية مهزوزة استراتيجيا، ومنهكة عسكريا وسياسيا واقتصاديا ،وممزقة اجتماعيا. وتبين أن الجيش الإسرائيلي ليس كما اعتقد الجميع ، الضامن المطلق لأمن المستعمرين المستوطنين اليهود، والمؤهل لحماية المصالح الاستعمارية الأمريكية والغربية في عموم المنطقة العربية- الاسلامية المستهدفة جلها بالإخضاع.
وأظهر الطوفان وحرب الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني حقيقة إسرائيل كمحمية استعمارية استيطانية غربية وظيفية في مركز المنطقة العربية الممتدة، عاجزة عن البقاء الذاتي، عند تفعيل الإرادة الشعبية الفلسطينية والعربية لمواجهة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري في معقله الأخير، وأنها تعاني من تفكك اجتماعي عميق بين مكوناتها الاستيطانية -المتباينة عرقيا وإثنيا وأيديولوجيا وثقافيا – ما يهدد هوية الدولة ووحدة جيشها ونظامها السياسي. وأن تحالفاتها مع اليهود وعموم العالم لم تعد بعد طوفان الأقصى وحرب الابادة الجماعية المتواصلة صلبة كما كانت عليه منذ النشأة وطوال العقود الماضية، وأنها رغم التوسع والتوغل في كامل فلسطين ومحيطها العربي / لبنان وسوريا/ مهددة بالتفكك، وباتت عبئا أمنيا واقتصاديا وسياسيا على مستوطنيها اليهود وحماتها الدوليين ، وعبئا اخلاقيا ثقيلا على يهود العالم والإنسانية جمعاء .
يسجل لعماد شقور هذا الإسهام العلمي النوعي في تناول عناصر القوة الإسرائيلية، والتركيز على خاصيتها المتغيرة المكتسبة، والتمييز بينها وبين عناصر القوة الثابتة العربية غير المفعلة حتى الآن ، المتصلة بالجغرافيا والديموغرافيا والثروات، ما حال دون تحولها إلى قوة استراتيجية مؤثرة، لاستمرار افتقار الأمة منذ هزيمتها الكبرى في الحرب العالمية الأولى ، إلى رؤية نهضوية شاملة ، ومشروع تحرري إنساني نقيض للمشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري. والظن بإمكانية الخلاص الفردي للأقطار العربية المستحدثة بالتزامن وبالتوازي مع الكيان الصهيونى . والتبعية السياسية والاقتصادية للنخب العربية المتغربة للقوى الاستعمارية، وفسادها، وغياب المؤسسات، والتخلف العلمي والحداثي للبلاد العربية، وتفتت القرار السياسي والاقتصادي والعسكري، فالعالم العربي لم يشكل وحدة استراتيجية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية متماسكة مثل القوى الإقليمية الأصيلة التركية والفارسية بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية، ويعاني من تباينات وصراعات مع شركائه الإقليمين الأصليين لعداءات متوهمة زرعها الغرب الاستعماري بينهم. ومن صراعات داخلية بين مكوناته الأصيلة تفوق أحيانا صراعه مع المستعمرة الصهيونية (وجميعها عوامل تعيق تحويل عناصر القوة العربية الثابتة إلى قوة فاعلة).
في حين أن إسرائيل نجحت في تحويل عوامل القوة المكتسبة العسكرية والاقتصادية والسياسية عموما والناعمة خصوصا (التكنولوجيا، السيبرانية، الذكاء الاصطناعي، الطب، والتعليم العالي والتحالفات مع المسلمين غير العرب ، ومع العرب غير المسلمين، ومع النخب العربية المتغربة الخ…) إلى قوة فاعلة مؤثرة إقليميا وعالميا.
يشكل استكمال مقال عماد شكور المهم حول تآكل القوة الإسرائيلية ، بمقالات تتناول بذات العمق عوامل القوة العربية الثابتة، وتتمعن في أسباب تبددها، وتبصر في موجبات ومستلزمات تفعيلها ، ضرورة لا غنى عنها لتطوير الوعي المعرفي الجمعي بحقائق اختلال الواقع العربي القائم، والتبصير بمستلزمات النهوض، وهو جهد ضروري وحيوي يتوجب على الباحثين والمفكرين الفلسطينيين والعرب إيلائه الأولوية لبلورة مشروع نهضوي لبناء إقليم عربي وازن، يتحالف مع القوى الإقليمية الأصيلة في المنطقة/ الفرس والترك والكرد، وفقا لقاعدة المصالح العليا والقاسم المشترك الأعظم بينها، ولمبدأ تساوي حقوق جميع الشعوب الأصيلة في الحياة والحرية وتقرير المصير، والسيادة على أوطانها ومواردها، وتسوية الخلافات البينية للتصدي للغزاة المستعمرين الطامعين في عموم بلادنا، والتأسيس بذلك لإعادة بناء إقليم حضاري ثري بتنوعه ، فاعل وقادر ومؤثر في النظام الدولي قيد التشكل.
يمكن الاطلاع على مقال الكاتب عماد شقور عبر الرابط التالي:
https://awraq.yaf.ps/ar/page-109.html?fbclid=IwY2xjawJsvl9leHRuA2FlbQIxMQABHnbblzWN7q84rSk49Wgnx83Z4crL0OEHQmA9Pttr1V6Wj7Q8tKz7MpqobzaQ_aem_Sh2QUUdq3toynyNe21gwdg
أبريل 16, 2025
The post واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس first appeared on ساحة التحرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية!غانية ملحيس
تحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية!غانية ملحيس

ساحة التحرير

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • ساحة التحرير

تحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية!غانية ملحيس

تحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية! غانية ملحيس تشهد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ملامح تحول في نمط الانخراط، يتجلى في تعامل مباشر مع القوى الإقليمية بعيدا عن البوابة الإسرائيلية التي لطالما مثلت حجر الزاوية في الرؤية الأميركية التقليدية للمنطقة منذ تأسيس إسرائيل قبل 77 عام. هذا التحول، الذي أخذ شكل خطوات ملموسة خلال الأشهر الأخيرة، وأثار أوهاما لدى النخب السياسية والثقافية العربية باعتبارها تحولا نوعيا يبنى عليها. لكنه في الواقع لا يرقى – في جوهره – إلى مستوى التحول الاستراتيجي، بل يندرج في إطار تعديل تكتيكي تستدعيه مستلزمات تكريس الهيمنة الأميركية على عموم المنطقة الذي لا غنى عنه لاطالة أمد الهيمنة والتفرد الأمريكي بالقيادة العالمية وتعطيل انبثاق النظام الدولي متعدد الأقطاب الذي بات وشيكا. تتعدد مؤشرات التحوّل التكتيكي التي تدفع إلى رصد تغير في نمط التعاطي الأميركي مع ملفات المنطقة: 1. إعادة فتح قنوات التفاوض مع إيران لتطويعها سلما، بعد التراجع الكبير في نفوذها الاقليمي، وانفراط عقد حلفائها في لبنان وسوريا. دون استبعاد التصعيد العسكري عند استعصائها، فما تزال مآلات الصراع مفتوحة على كل الاحتمالات. 2. التوصل إلى تفاهمات مع جماعة الحوثيين حول وقف إطلاق النار، بعيدا عن إسرائيل. لارتفاع كلفة المواجهة وتعذر الحسم السريع. 3. إدارة مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، أفضت إلى إطلاق سراح الجندي الأسير الإسرائيلي الأمريكي (عيدان إسكندر)، وهو ما كان سابقا يتم التفاوض عليه عبر وسطاء ضمن ملف الأسرى الإسرائيليين. 4. تجاهل إسرائيل في الجولة الإقليمية الأخيرة لدونالد ترامب، التي اقتصرت على السعودية وقطر والإمارات. 5. رفع جزئي للعقوبات عن سوريا بالتنسيق مع تركيا والسعودية، دون الإفصاح عن الشروط، وهو ما جعله يبدو كمرونة أمريكيه مستجدة. هذه التحركات – على أهميتها الرمزية – لا تعكس تحولا في البنية العميقة للسياسة الأميركية، بقدر ما تعبّر عن محاولة لإعادة ضبط الإيقاع التكتيكي في ضوء المتغيرات الإقليمية، خصوصا بعد زلزال 'طوفان الأقصى'. فبغض النظر عن تباين المواقف من طوفان الأقصى، إلا ان هناك توافقا يرقى الى مستوى الإجماع على اعتباره حدثا تكوينيا أعاد خلط أوراق المنطقة وأربك وشغل العالم بأسره. فقد مثل الهجوم الفلسطيني في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ 2023، والعدوان الإسرائيلي غير المسبوق في حجمه ووحشيته، حدثا تكوينيا أعاد ترتيب المشهد الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي. وقد أفرز هذا الحدث جملة من النتائج الجوهرية: • انكشاف هشاشة القدرة الإسرائيلية على الصمود دون دعم أميركي وغربي مباشر. وانتهاء أوهام القوة التي لا تقهر التي استحوذت على الوعي العربي الجمعي واحتمى بها الكيان الصهيونى على مدى 75 عام. • اهتزاز صورة الردع الإسرائيلي ما أثار شكوك مستوطنيها اليهود ويهود العالم بمدى أهلية إسرائيل كملاذ آمن، وبقدرتها على حل المسألة اليهودية مقارنة بالشتات. وبين لشعوب المنطقة والعالم محدودية قدرة حق القوة على التفوق على حق القوة عند تفعيل ارادة المظلومين لإحقاقه. • إعادة الاعتبار للسردية الفلسطينية عالميا حول استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي. • تنامي الاختلافات والتباينات داخل النخب السياسية والثقافية الغربية عموما وفي الولايات المتحدة حول الدعم اللامشروط لإسرائيل. • تكشف خواء المنظومة القيمية والأخلاقية الغربية وزيف ادعاءاتها المتصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. • انكشاف عوار النظام الدولي، وظهور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري عربيا واقليميا ودوليا كجزء من بنية الهيمنة الاستعمارية الغربية. ما يتعذرمعه فهم هذه التحولات خارج الإطار البنيوي العميق الذي يمثله المشروع الاستيطاني الصهيوني ككيان وظيفي وأداة استعمارية غربية في قلب العالم العربي. فالمشروع الصهيوني لم يصمم ليكون كيانا قوميا لليهود فحسب، وإنما كإمتداد للغرب ورأس جسر ديموغرافي وديني وحضاري مغاير لطبيعة المنطقة يسعى لمنع نشوء إقليم عربي وازن. وعليه، فإن جميع الاتفاقيات الدولية منذ توصيات لجنة بيل (1937) وقرار التقسيم (1947) واتفاقيات الهدنة (1949)وقرار مجلس الامن الدولي رقم 242 (1967) والقرار رقم 338 (1973) ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية (1979)ومؤتمر مدريد للسلام (1991)واتفاقات أوسلو (1993)، واتفاقية وادي عربة (1994 )، ومفاوضات كامب ديفيد (2000 ) وصولا الى اتفاقات ابراهام (2020). ، لم تكن تستهدف النفاذ، وإنما كانت سياسات مرحلية لتثبيت وتشريع مكتسبات المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري، ضمن مسار تدريجي وتراكمي لاستكمال تنفيذ وعد بلفور. وعليه، فما يبدو من خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حاليا، لا يتجاوز حدود الخلاف بين أصحاب المشروع على نسب الشراكة لا على طبيعة المشروع ذاته. فالصراع الجاري ليس سوى صراع بيني داخل المعسكر الصهيوني ذاته – بين المسيحيين الإنجيليين واليهود الصهاينة – ليس حول فلسطين، بل حول قيادة المشروع الاستعماري ذاته • فالصهيونية اليهودية، التي تتمحور حول إسرائيل كمركز عابر للقوميات، باتت تسعى لتحسين موقعها النسبي في الشراكة مع الإمبريالية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، بعد أن بات لها دورا فاعلا ومؤثرا في سياساتها الداخلية والخارجية. ما قد يمكنها من التفوق على الصهيونية المسيحية الإنجيلية، التي تسعى جاهدة في عهد دونالد ترامب، لبناء قومية أمريكية عظمى تنفرد بالقيادة العالمية. • فيما الصهيونية المسيحية الإنجيليّة، ترى في إسرائيل شريكا استراتيجيا ووكيلا تنفيذيا لها في مركزالعالم. وتخشى في الآن ذاته من تمردها ونزعتها الاستقلالية، خصوصا مع انفتاحها على الصين وروسيا والهند. وبناء علاقات تعاون معها، قد تتعارض مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. وتتوجس من سيناريو مشابه لما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين بريطانيا قبل قرنين ونصف، بفقدان السيطرة البريطانية – الأم، على الحليف الأمريكي – الابن. غير ان ذلك التباين بين أطراف المعسكر الصهيوني/ اليهودي والمسيحي الانجيلي/ لا يطال الاستراتيجية اتجاه الإقليم العربي المرتكزة على التفكيك والاحتواء. فالاستراتيجية الغربية- الصهيونية في المنطقة العربية الإسلامية الممتدة / الشرق الأوسط/ منذ الحرب العالمية الثانية، وتخليق دولة إسرائيل في مركزها اتخذت مسارين متوازيين: – 1- بناء تحالفات إسرائيلية مع مكونات إسلامية غير عربية (إيران، تركيا، الأكراد)، ومع مكونات عربية غير إسلامية. ومع مكونات طائفية داخل الإسلام. ثم العمل لاحقا على تأليبها جميعا على بعضها البعض، واستنزافها في صراعات بينية وأهلية، لإضعاف مناعتها في مواجهة الكيان الاستعماري الاستيطاني الغربي الصهيوني العنصري المستحدث في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري لعموم الأمة المستهدفة جلها بالسيطرة والإخضاع. 2. تفكيك الهويات العربية والاسلامية الجامعة، عبر تأجيج الانقسامات العرقية والقومية/ عرب وفرس وترك وكرد/والدينية/ يهود ومسيحيون ومسلمون/ والمذهبية /سنّة وشيعة ودروز وعلويين). ومنع نشوء إقليم عربي وازن بعزل وتقويض المراكز العربية المؤهلة لقيادة الأمة العربية/ مصر وسوريا والعراق/ ونقل مركز القيادة لدول الأطراف التي تمتلك موارد نفطية ومالية وفيرة، وتعتمد في تنميتها والحفاظ على موقعها القيادي على العلاقات مع القوى الدولية المتنفذة. إذ تفتقر إلى المقومات الذاتية للقيادة تاريخيا، أو ديموغرافيا، أو حضاريا، أو سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا. نخلص من ذلك الى ضرورة التمييز بين الثابت والمتحول في السياسة الأمريكية. فرغم ما يبدو من مرونة تكتيكية راهنا، فإن الثابت البنيوي لم يتغير. فما يزال تصفية القضية الفلسطينية هدفا مركزيا للقوى الاستعمارية الغربية الصهيونية العنصرية. وما يزال حلها باقتسام فلسطين الانتدابية / حل الدولتين/ خارج الحسابات الاستراتيجية الفعلية للغرب عموما، وللولايات المتحدة الأمريكية خصوصا. وما تزال إسرائيل الحليف الاستراتيجي المؤتمن على المصالح الاستعمارية الغربية في عموم المنطقة، والمفضل على جميع المكونات الإقليمية الأصيلة في المنطقة . فالتجربة الإيرانية قبل 46 عام ما تزال ماثلة في الأذهان. والتوجس في نوايا الأتراك يفوق الثقة بهم رغم عضويتهم في حلف الأطلسي /الناتو/. وهو ما يحول دون عضويتهم في الاتحاد الأوروبي، رغم انخراطهم في المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة. وعليه فإن الفصل بين العلاقات الغربية والأمريكية مع دول المنطقة وإسرائيل خطوة مهمة. لكنها لا تعبر عن تحول جوهري في الموقف الأمريكي والغربي من جوهر الصراع. ومخرجات زيارة دونالد ترامب للسعودية وقطر، والتي لن تختلف عنها غدا في الإمارات، وغابت عنها القضية الفلسطينية كليا، واقتصرت إشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأنها على المطالبة بإدانة طوفان الأقصى باعتبار ذلك موقفا حضاريا ضدّ 'الهمجيه والاغتصاب' والدعوة لإطلاق سراح بقية الرهائن الإسرائيلين (21 احياء و38 اموات)، فيما تحتجز إسرائيل اكثرمن 10 الاف أسير فلسطيني بينهم عشرات الاطفال والنساء في ظروف غير إنسانية، علاوة عن احتجازها مئات جثث الشهداء منذ عقود. ودون التفات ترامب إلى حرب الإبادة المتواصلة والتطهير العرقي والتجويع والتعطيش لأكثر من مليوني غزي، وحرب الاستئصال المتنامي للمخيمات والقرى والضم المتسارع للضفة الغربية. أكبر دليل على ثبات السياسات الأمريكية والغربية وسعيهم لمحو الوجود الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني داخل فلسطين الانتدابية، والانطلاق منها للسيطرة على عموم المنطقة العربية والإسلامية، ونهب ثرواتها، واخضاع جميع دولها وشعوبها. وعليه فالمطلوب عدم الانخداع بهذا التكتيك، بل توظيفه للنهوض بالوعي الجمعي، وانتهاج مشروع تحرري يعيد ترتيب أولويات الأمة. ويعيد الاعتبار للهوية الجامعة كأداة مقاومة في وجه المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري المتجدد. ‎2025-‎05-‎15

عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة!ترجمة: غانية ملحيس
عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة!ترجمة: غانية ملحيس

ساحة التحرير

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • ساحة التحرير

عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة!ترجمة: غانية ملحيس

عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة! إيلان بابيه -ترجمة: غانية ملحيس* لا يملك الفلسطينيون ترف السماح للذعر الأخلاقي الغربي بأن يُحدث فرقا أو يؤثر عليهم. إن عدم الاستسلام لهذا الذعر خطوة صغيرة، لكنها مهمة، في بناء شبكة عالمية تعنى بفلسطين، وهي حاجة ماسة. تثير ردود فعل العالم الغربي تجاه الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية سؤالا مقلقا: لماذا يبدي الغرب الرسمي، وأوروبا الغربية الرسمية تحديدا، هذه اللامبالاة تجاه معاناة الفلسطينيين؟ لماذا يتواطأ الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، بشكل مباشر وغير مباشر، مع استمرار الظلم اليومي في فلسطين – وهو تواطؤ واضح لدرجة أنه ربما كان أحد أسباب خسارتهم الانتخابات. إذ لا يمكن للأصوات العربية الأمريكية والتقدمية في ولايات رئيسية، ولسبب وجيه، أن تغفر لإدارة بايدن دورها في الإبادة الجماعية في قطاع غزة؟ هذا سؤال وجيه، نظرا لأننا نتعامل مع إبادة جماعية متلفزة تجددت الآن على أرض الواقع. إنها تختلف عن الفترات السابقة التي تجلت فيها اللامبالاة والتواطؤ الغربي، سواء خلال النكبة أو سنوات الاحتلال الطويلة منذ العام 1967. خلال النكبة وحتى عام 1967، لم يكن من السهل الحصول على المعلومات، وكان القمع بعد عام 1967 تدريجيا في الغالب. وبالتالي، تجاهلته وسائل الإعلام والسياسات الغربية، التي رفضت الاعتراف بتأثيره التراكمي على الفلسطينيين.لكن الأشهر الثمانية عشر الماضية مختلفة تماما. إن تجاهل الإبادة الجماعية في قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية لا يمكن وصفه إلا بأنه متعمد وليس عن جهل. إن أفعال الإسرائيليين والخطاب المصاحب لها جليّان لا يمكن تجاهلهما، إلا إذا اختار السياسيون والأكاديميون والصحفيون ذلك. هذا النوع من الجهل هو، في المقام الأول، نتيجة لنجاح جماعات الضغط الإسرائيلية التي نمت وازدهرت على أرضية خصبة من عقدة الذنب الأوروبية والعنصرية وكراهية الإسلام. وفي حالة الولايات المتحدة، هو أيضا نتاج سنوات طويلة من آلة ضغط فعّالة وقاسية، لا يجرؤ على عصيانها إلا قلة قليلة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، والسياسية خصوصا. تُعرف هذه الظاهرة في الدراسات الحديثة بالذعر الأخلاقي، وهي سمة مميزة للفئات الأكثر وعيا في المجتمعات الغربية: المثقفون والصحفيون والفنانون. الذعر الأخلاقي هو حالة يخشى فيها الشخص التمسك بقناعاته الأخلاقية،لأن ذلك يتطلب شجاعة قد تكون لها عواقب. لا نختبر دائما في مواقف تتطلب الشجاعة، أو على الأقل النزاهة. وعندما يحدث ذلك، نكون في مواقف لا تكون فيها الأخلاق مجرد فكرة مجردة، بل دعوة إلى العمل. لهذا السبب التزم الكثير من الألمان الصمت عندما أُرسل اليهود إلى معسكرات الإبادة. ولهذا السبب وقف الأمريكيون البيض مكتوفي الأيدي عندما تعرض الأمريكيون الأفارقة للشنق، أو عندما تم استعبادهم وإساءة معاملتهم قبل ذلك. ما هو الثمن الذي سيدفعه كبار الصحفيين الغربيين، والسياسيين المخضرمين، والأساتذة الجامعيين، أو الرؤساء التنفيذيين لشركات مرموقة، إذا ما ألقوا باللوم على إسرائيل في ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة؟ يبدو أنهم قلقون من نتيجتين محتملتين:- – الأولى هي إدانتهم كمعادين للسامية أو منكري الهولوكوست. – والثانية هي خوفهم من أن يشعل ردهم الصادق نقاشا يتضمن تواطؤ بلادهم، أو أوروبا، أو الغرب عموما في تمكين الإبادة الجماعية، وجميع السياسات الإجرامية التي سبقتها ضد الفلسطينيين. هذا الذعر الأخلاقي يؤدي إلى ظواهر مذهلة. فهو، عموما، يحوّل المثقفين والواعين إلى بلهاء تماما عندما يتحدثون عن فلسطين. وهذا الذعر يمنع أعضاء الأجهزة الأمنية الأكثر إدراكا وتفكيرا من دراسة المطالب الإسرائيلية بإدراج المقاومة الفلسطينية بأكملها على قائمة الإرهاب. كما أنه يحط من قدر الضحايا الفلسطينيين في وسائل الإعلام الرئيسية. انكشف غياب التعاطف والتضامن الأساسي مع ضحايا الإبادة الجماعية من خلال المعايير المزدوجة التي أظهرتها وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب، وخاصة الصحف الأمريكية العريقة، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست. عندما فقد رئيس تحرير صحيفة 'فلسطين كرونيكل'، الدكتور رمزي بارود، 56 فردا من عائلته – قتلوا في حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة – لم يُكلف أحد من زملائه في الصحافة الأمريكية نفسه عناء التحدث إليه أو إبداء أي اهتمام بمعرفة المزيد عن هذه الفظائع. من ناحية أخرى، أثار ادعاء إسرائيلي ملفق بوجود صلة بين 'كرونيكل' وعائلة احتجز رهائن في بنايتها السكنية اهتماما كبيرا من قبل هذه المنافذ الإعلامية ولفت انتباهها. هذا الخلل في الإنسانية والتضامن ليس سوى مثال واحد على التشوهات التي يجلبها الذعر الأخلاقي. لا أشكّ كثيرا في أن الإجراءات المتخذة ضد الطلاب الفلسطينيين، أو المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة. أو ضد نشطاء معروفين في بريطانيا وفرنسا. بالإضافة إلى اعتقال رئيس تحرير 'الانتفاضة الإلكترونية' علي أبو نعمة في سويسرا، كلها مظاهر لهذا السلوك الأخلاقي المنحرف. وشهدت أستراليا مؤخرا قضية مماثلة. فقد قدمت ماري كوستاكيديس، الصحفية الأسترالية الشهيرة ومقدمة البرامج المسائية السابقة على قناة SBS World News Australia، إلى المحكمة الفيدرالية بسبب تغطيتها للوضع في قطاع غزة – التي يمكن وصفها بأنها متواضعة -. إن عدم رفض المحكمة لهذا الادعاء فور وصوله يظهر مدى تجذر الذعر الأخلاقي في الشمال العالمي. لكن لحسن الحظ هناك جانب آخر للأمر.، هناك فئة أكبر بكثير من الناس لا يخشون المخاطرة بالتعبير بوضوح عن دعمهم للفلسطينيين، ويظهرون هذا التضامن مع علمهم بأنه قد يؤدي إلى الإيقاف عن العمل أو الترحيل أو حتى السجن. لا يعثر عليهم بسهولة في الأوساط الأكاديمية أو الإعلامية أو السياسية السائدة، لكنهم الصوت الأصيل لمجتمعاتهم في أنحاء كثيرة من العالم الغربي. – [ ] لا يملك الفلسطينيون ترف السماح للذعر الأخلاقي الغربي بأن يحدث فرقا أو يؤثر عليهم . إن عدم الاستسلام لهذا الذعر خطوة صغيرة، لكنها مهمة، في بناء شبكة عالمية من أجل فلسطين، وهي حاجة ماسة – – [ ] – أولا لوقف تدمير فلسطين وشعبها. – [ ] – وثانيا لتهيئة الظروف لفلسطين مُحررة ومنزوعة من الاستعمار في المستقبل. عن صحيفة فلسطين كرونيكل ‎2025-‎04-‎21 The post عن 'الذعر الأخلاقي' وشجاعة الكلام: صمت الغرب بشأن غزة!ترجمة: غانية ملحيس first appeared on ساحة التحرير.

واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس
واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس

ساحة التحرير

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • ساحة التحرير

واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس

واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى! غانية ملحيس* قراءة في المقال الثري لعماد شقور المعنون 'تآكل عناصر القوة الإسرائيلية' والمنشور بتاريخ 6/4/2025 في العدد(36) من المجلة الفصلية 'أوراق فلسطينية' التي تصدر عن 'مؤسسة ياسر عرفات' والمرفق رابطه. يتسم المقال بأهمية فائقة. للتمييز الدقيق بين عناصر القوة الثابتة ، التي تمتلكها وتتفوق بها الدول العربية وتفتقر إليها اسرائيل(الموقع الجغرافي وعدد السكان، ومساحة الدولة،والثروة الطبيعية والمعدنية ) وجميعها عناصر ثابتة ممنوحة وغير مكتسبة. وتكسب الدول العربية أوراق قوة هائلة مؤثرة عند تفعيلها، لكنها ما تزال غير مفعلة. وبين عناصر القوة المتغيرة التي تمتلكها اسرائيل وتتفوق بها على جميع الدول العربية (القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والبناء المؤسسي والانسجام الاجتماعي والتحالفات الدولية ونوعية القيادة والقوة الناعمة – كالتفوق العلمي، والتكنولوجي والإبتكار والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، واللوبيات الصهيونية الفاعلة والنفوذ الإعلامي ، والحضور الثقافي عالميا -). وجميعها عناصر قوة مكتسبة بفعل إرادي. يبين المقال أن امتلاك عناصر القوة الثابتة، رغم أهميته الجوهرية في حسم الصراع غير كاف لوحده لبلوغ النصر، ما لم يتم تفعيله الواعي عبر رؤية نهضوية ومشروع تحرري شامل وخطط عمل طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى لإحقاق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعوب في أوطانها . ويبين إمكانية تفوق عناصر القوة المتغيرة المكتسبة، وقدرتها على تغيير الوقائع وخلق حقائق جديدة عبر تفعيل الإرادة والتخطيط والبرمجة ومقدرتها على التغلب على القوة الثابتة الهائلة الممنوحة لأصحابها، الذين يغفلون أهميتها الاستراتيجية، ويعجزون عن تفعيلها لهزيمة الغزاة والبقاء. يخصص الكاتب المقال للتبصير بتآكل عناصر القوة الإسرائيلية وما طرأ عليها من تغيرات جوهرية، أسهم ببعضها وكشفها طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول / أكتوبر/ 2023 ، وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني المحتدمة منذ تسعة عشر شهرا، وبين بجلاء التناقض بين الأوهام والأساطير التأسيسية التي قام عليها الكيان الصهيونى في فلسطين، وبين الواقع القائم . فإسرائيل بعد طوفان الأقصى لم تعد ككانت عليه قبله، اذ كشف طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/ 2023 فشلا استخباراتيا وعملياتيا اسرائيليا فاجأ الجميع. وقوّض ما استقر في الأذهان من مسلمات . حيث عجزت الدولة النووية المنيعة المحصنة عن تحقيق نصر حاسم في مواجهة حركة مقاومة فلسطينية صغيرة محاصرة محدودة الإمكانات والقدرات. رغم فداحة الوحشية والقتل والتدمير غير المسبوق تاريخيا لمحو كامل قطاع غزة متناهي الصغر مساحة وسكانا وقدرات عسكرية. والسجن المفتوح الأكبر في التاريخ الحديث، المكشوف والمحاصر برا وبحرا وجوا لعقود من أعدائه وذويه على السواء. فعلى الرغم من حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ما يزال يشنها عليه الكيان الصهيونى للقرن الثاني على التوالي والمحتدمة حلقتها الأخيرة منذ ثمانية عشر شهرا متصلة بدعم ومشاركة أمريكية وغربية غير مسبوقة، وتخل كامل من النظام العربي والفلسطيني الرسمي. فقد تكشف للشعب الفلسطيني والعربي والإقليم والعالم أجمع ، وليهود إسرائيل وعموم اليهود أن إسرائيل ليست منيعة ، وانها ليست ملاذا آمنا لمستوطنيها اليهود، وأن العقيدة الصهيونية ليست حلا للمسألة اليهودية كما استقر في الأذهان، وأن أسطورة إسرائيل القادرة والمحصنة نوويا والمدعومة يهوديا وعالميا بلا حدود، لا تهزم، وأن تماسكها داخليا ليس سوى وهما دون الانتقاص من حقيقة توافق جميع مستوطنيها على هدف إبادة الشعب الفلسطيني، ودون التقليل من قدرتها التدميرية الهائلة، وتحالفاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب، ودون التهوين من تواطؤ بعض أطراف النظام العربي الرسمي وعجز وتخاذل بقيته بما في ذلك النظام الرسمي الفلسطيني. إلا أن إسرائيل بدت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر / 2023 على حقيقتها- قابلة للهزيمة عند توفر موجبات وشروط هزيمتها ، مثل باقي القوى الاستعمارية الاستيطانية التي عرفها التاريخ الإنساني وهزمتها الشعوب الأصلية عندما فعلت ارادتها ، وصممت على إحقاق حقوقها، وظهرت كدولة استعمارية استيطانية عنصرية مهزوزة استراتيجيا، ومنهكة عسكريا وسياسيا واقتصاديا ،وممزقة اجتماعيا. وتبين أن الجيش الإسرائيلي ليس كما اعتقد الجميع ، الضامن المطلق لأمن المستعمرين المستوطنين اليهود، والمؤهل لحماية المصالح الاستعمارية الأمريكية والغربية في عموم المنطقة العربية- الاسلامية المستهدفة جلها بالإخضاع. وأظهر الطوفان وحرب الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني حقيقة إسرائيل كمحمية استعمارية استيطانية غربية وظيفية في مركز المنطقة العربية الممتدة، عاجزة عن البقاء الذاتي، عند تفعيل الإرادة الشعبية الفلسطينية والعربية لمواجهة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري في معقله الأخير، وأنها تعاني من تفكك اجتماعي عميق بين مكوناتها الاستيطانية -المتباينة عرقيا وإثنيا وأيديولوجيا وثقافيا – ما يهدد هوية الدولة ووحدة جيشها ونظامها السياسي. وأن تحالفاتها مع اليهود وعموم العالم لم تعد بعد طوفان الأقصى وحرب الابادة الجماعية المتواصلة صلبة كما كانت عليه منذ النشأة وطوال العقود الماضية، وأنها رغم التوسع والتوغل في كامل فلسطين ومحيطها العربي / لبنان وسوريا/ مهددة بالتفكك، وباتت عبئا أمنيا واقتصاديا وسياسيا على مستوطنيها اليهود وحماتها الدوليين ، وعبئا اخلاقيا ثقيلا على يهود العالم والإنسانية جمعاء . يسجل لعماد شقور هذا الإسهام العلمي النوعي في تناول عناصر القوة الإسرائيلية، والتركيز على خاصيتها المتغيرة المكتسبة، والتمييز بينها وبين عناصر القوة الثابتة العربية غير المفعلة حتى الآن ، المتصلة بالجغرافيا والديموغرافيا والثروات، ما حال دون تحولها إلى قوة استراتيجية مؤثرة، لاستمرار افتقار الأمة منذ هزيمتها الكبرى في الحرب العالمية الأولى ، إلى رؤية نهضوية شاملة ، ومشروع تحرري إنساني نقيض للمشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري. والظن بإمكانية الخلاص الفردي للأقطار العربية المستحدثة بالتزامن وبالتوازي مع الكيان الصهيونى . والتبعية السياسية والاقتصادية للنخب العربية المتغربة للقوى الاستعمارية، وفسادها، وغياب المؤسسات، والتخلف العلمي والحداثي للبلاد العربية، وتفتت القرار السياسي والاقتصادي والعسكري، فالعالم العربي لم يشكل وحدة استراتيجية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية متماسكة مثل القوى الإقليمية الأصيلة التركية والفارسية بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية، ويعاني من تباينات وصراعات مع شركائه الإقليمين الأصليين لعداءات متوهمة زرعها الغرب الاستعماري بينهم. ومن صراعات داخلية بين مكوناته الأصيلة تفوق أحيانا صراعه مع المستعمرة الصهيونية (وجميعها عوامل تعيق تحويل عناصر القوة العربية الثابتة إلى قوة فاعلة). في حين أن إسرائيل نجحت في تحويل عوامل القوة المكتسبة العسكرية والاقتصادية والسياسية عموما والناعمة خصوصا (التكنولوجيا، السيبرانية، الذكاء الاصطناعي، الطب، والتعليم العالي والتحالفات مع المسلمين غير العرب ، ومع العرب غير المسلمين، ومع النخب العربية المتغربة الخ…) إلى قوة فاعلة مؤثرة إقليميا وعالميا. يشكل استكمال مقال عماد شكور المهم حول تآكل القوة الإسرائيلية ، بمقالات تتناول بذات العمق عوامل القوة العربية الثابتة، وتتمعن في أسباب تبددها، وتبصر في موجبات ومستلزمات تفعيلها ، ضرورة لا غنى عنها لتطوير الوعي المعرفي الجمعي بحقائق اختلال الواقع العربي القائم، والتبصير بمستلزمات النهوض، وهو جهد ضروري وحيوي يتوجب على الباحثين والمفكرين الفلسطينيين والعرب إيلائه الأولوية لبلورة مشروع نهضوي لبناء إقليم عربي وازن، يتحالف مع القوى الإقليمية الأصيلة في المنطقة/ الفرس والترك والكرد، وفقا لقاعدة المصالح العليا والقاسم المشترك الأعظم بينها، ولمبدأ تساوي حقوق جميع الشعوب الأصيلة في الحياة والحرية وتقرير المصير، والسيادة على أوطانها ومواردها، وتسوية الخلافات البينية للتصدي للغزاة المستعمرين الطامعين في عموم بلادنا، والتأسيس بذلك لإعادة بناء إقليم حضاري ثري بتنوعه ، فاعل وقادر ومؤثر في النظام الدولي قيد التشكل. يمكن الاطلاع على مقال الكاتب عماد شقور عبر الرابط التالي: أبريل 16, 2025 The post واقع القوة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى!غانية ملحيس first appeared on ساحة التحرير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store