logo
#

أحدث الأخبار مع #فيلسوف

"شوبنهاور" يفكّ شفرات التقدُّم التكنولوجي
"شوبنهاور" يفكّ شفرات التقدُّم التكنولوجي

اليوم الثامن

timeمنذ 5 أيام

  • صحة
  • اليوم الثامن

"شوبنهاور" يفكّ شفرات التقدُّم التكنولوجي

توافر للإنسان في العصر الحديث الكثير من السُّبل التي تسهِّل عليه الحياة، والتي إذا كان متواجدًا ولو بعضًا أو حتى واحدةً منها في الماضي، لكانت الابتهاج له حليفًا دائمًا. لكن ما يحدث حاليًا أمر يدعو للحزن الشديد؛ إذ أن الإنسان وبالرغم من بلوغه مراتب عُلا من التقدُّم التكنولوجي ومعرفته بالعديد من الوصفات التي تجعله مالكًا للسمو الأخلاقي والرقي، إلَّا أنه ينزلق يومًا تلو الآخر في غياهب من الهمجية التي تتأصَّل بداخله وتتزايد يومًا تلو الآخر. بل والأسوأ، باتت الحياة تعجّ بالمرضى النفسيين، وأصبح الاكتئاب مرض مُعتاد، ومصاب به المليارات، بما في ذلك الأطفال. وعلاوة على ذلك، صارت السعادة أمر بعيد المنال يمكن القراءة عنه في الكتب والقصص الخيالية فقط. وبالرغم من كل هذا، يأمل العلماء أن تتعاظم سعادة الإنسان باختراع الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يحاكي التفكير البشري وأساليب وعيه وإدراكه. والغرض المُعلن من ذاك الاختراع الفريد ليس فقط محاكاة الإنسان لمجرَّد المحاكاة، لكن توفير وقته وجهده لأعمال أخرى قد تكون ذات نفع عظيم له وللبشرية ، بما في ذلك توفير الوقت والطاقة لتنمية الروابط الأسرية والإنسانية التي فقدها تقريبًا عند اللهاث وراء تحقيق النجاح والتميُّز. ويحاول العلماء طمأنة البشر أن ذاك الاختراع الذي غيَّر أشكال الحياة، ولسوف يواصل تبديل كل ما هو قديم بقيم ومستحدثات غير مسبوقة، لسوف يكون السبيل لفهم كيفية عمل العقل البشري، الذي لا يزال سرًّا معقَّا لا يستطيع العلم والتقدُّم التكنولوجي فك شفراته. وكذلك يؤكِّد العلماء أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان - في شكلها الأمثل - هي علاقة نفع مُتبادل، وأنه لا يجب أن يصير الذكاء الاصطناعي بديلًا للإنسان الذي اخترعه ولا يزال يعمل على تطويره. وذاك الرأي الذي أتي على لسان زمرة من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم، والتخصصين في البرمجيات والفيزياء وعلوم النفس والأعصاب. إلَّا أن أقوالهم لم تشعر العامة بالاطمئنان الموجو، وأزجت المزيد من التوتُّر على عقولهم وعلى حياتهم. ودون أدنى شك، السبب واضح؛ لأن العلماء وضعوا العقل البشري والإنسان ككيان في مرتبة متساوية مع الذكاء الاصطناعي. ولكي يفهم الإنسان موقفه في هذا العالم الحديث الذي أصبح التقدُّم فيه أمر حتمي، وكذلك هو الحال بالنسبة للإحساس بالتشاؤم من المستقبل وعدم الرضا عنه، كان لا بد من الرجوع لآراء الحكماء الذين وضعوا أسس هذا العالم الحديث من خلال إنشاء ما يشابه المنهاج الذي لا يساعد فقط على فهم ما يحدث حولنا، بل أيضًا التعامل معه بسهولة وأريحية. وواحدًا من الفلاسفة شديدي الحكمة الذي يجب اللجوء لأرائهم في أحلك المواقف، هو الفيلسوف الألماني "آرثر شوبنهاور" Arthur Schopenhauer (1788-1860) المشهور بلقب فيلسوف التشاؤم. لكن بالرجوع إلى كنزه الفكري من مراجع لا تحظى بشعبية كاسحة حتى الآن، يلاحظ أنه لا يصدِّر التشاؤم للبشرية، بل أنه يشرح أسبابه ويحاول قدر الإمكان إيجاد منهاجًا للتعامل معه. وقد يظن البعض أن آراءه بالية قد عفا عليها الزمان لأنه ولد في القرن الثامن عشر وفارق الحياة بعد منتصف القرن التاسع عشر، لكن من يظن هذا قد حاده الصواب؛ لأن "شوبنهاور" عاصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية في مهدهما، وراقب عن كثب التطوُّرات الناشئة والمخاوف العامة من تلك من الآلات المستحدثة، والتي بالقياس تشابه لحد بعيد اختراع الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتعددة في الوقت الحالي، وبالمثل، كان هناك حينئذٍ مخاوف شديدة من استبدال البشر بآلات لا يصيبها الإرهاق ولا تمانع العمل بشكل متواصل وفي أي وقت، حسب الحاجة لها وكلما طُلِب منها. في الماضي، كان الرقي الاجتماعي والأخلاقي مرتبطين بكل ما يُعلي من شأن العلوم وتحصيلها والاطلاع على الفنون وفهمها، وكذلك معرفة المستحدثات والابتكارات. ولهذا السبب، كان الجميع يحرصون على اقتناء مكتبات ضخمة مهيبة بداخل منازلهم؛ للتفاخر بها، وكأنها العلامة الدَّامعة لرفي شخص ما وحصافة رأيه، بينما قد يكون العكس عين الصِّحة. والأنكى من ذلك، أن المكتبات المنزلية تلك تتحول إلى ما يشبه المكتبات التي لا يستفيد منها أي فرد، بل وقد تكون لم يمسسها أحد على الإطلاق، فيما خلا البعض من كتبها. ومن ثمَّ، كان ينتقد "شوبنهاور" من يشترون الكتب ويكدسونها، لأن من يشتري كتابًا من الأحرى أن يشتري أيضًا معه الوقت اللازم لقراءته؛ لأنه جرت العادة على مجرد الرغبة في امتلاك المحتوى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية القراءة بالنسبة ل"شوبنهاور" ليست كل شيء، لأن من يقرأ يجعل شخص آخر يفكر بالأصالة عنه، والقاريء مجرد شخص يكرر إعمال العقل الذي قام به مؤلِّف الكتاب؛ إذًا، فإن القارئ في تلك الحالة ليس بمبتكر، بل كأي تلميذ صغير يتعلَّم الكتابة، ويكون فرضه المدرسي تكرار ما كتبه له المعلِّم وسطره بقلم رصاص، أي أنه من السهل أن يُمحى هذا المحتوى، وتتلاشى من جدار الذَّاكرة المعلومات التي عمل الفرد على جمعها من القراءة. والسبب، أن الجزء الأكبر من عملية التعلُّم والفكر قد أنجزه الكتاب من أجلنا. ولهذا السبب، عندما يرغب أي شخص إلهاء نفسه عن أمر ما، أو تحسين حالته المزاجية، أو حتى محاربة الأرق، فإنه على الفور يلتقط كتابًا ويقرأه؛ كي تلهيه القراءة عن الانشغال بأفكاره. وتأثير القراءة السلبي يكون بنفس تأثيرها الإيجابي؛ لأنها تجعل العقل البشري يتراجع لمرتبة ملعبًا لأفكار الآخرين، سواء أكانت مفيدة أو مغلوطة. ويحذِّر "شوبنهاور" من قضاء المرء يوم بأكمله منكبًّا على القراءة، ثمَّ، يتخلل ذاك اليوم فترات استرخاء يمضيها في تسلية طائشة. ومع اعتياد ذاك الروتين، يفقد العقل القدرة على التفكير تدريجيًا، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للفرد الذي يعتاد الركوب، فإنه يفقد تدريجيًا القدرة على المشي؛ لأن عظامه تتيبَّس وعضلاته تضمر. وما ذكره "شوبنهاور" أثبتت أيضًا العلوم الحديثة صحته. ولهذا السبب كان يتعجَّب الكثير من أن بعض كبار السن يصابون بالخرف أو الزهايمر بالرغم من أنهم يدأبون على القراءة والاطلاع. ويضيف "شوبنهاور" أنه قد اكتشف أيضًا بعض العلماء أنهم أغبياء؛ لأنهم اكتفوا بدور النَّاقل الذي يجمع أفكار البعض دون وضع لمسات تفكيرهم العميق. فالاكتفاء بالمعرفة السطحية التي لا تفضي إلى إعمال العقل والابتكار تجعل الفرد تدريجيًا لا يبالي بما يدور في أذهان الآخرين، لطالما اعتنق أفكار آخرين والتي قد تنطوي على معرفة سطحية ووجهات نظر ضيِّقة وأخطاء متكررة. ومن ثمَّ، فإن محاكاة الآخرين تفقد أي شخص ثلاثة أرباع سماته المميَّزة. وبالتفكير قليلًا فيما يسطره "شوبنهاور"، نلاحظ أن موقفه مطابقًا لموقف الإنسان في عصر السيبرانية والذكاء الاصطناعي؛ فجميع ألوان المعرفة أصبحت متوافرة يضغطة زرّ واحدة، ولهذا اختفت تقريبًا الكتب المطبوعة. وبالرغم من أن جميع ألوان المعارف والفنون أصبحت مُتاحة، فإن نسبة الجهل الثقافي والعزوف عن الاطلاع تزايدت بشكل مرعب؛ والسبب هو الاعتماد أن المعرفة متاحة ويمكن الرجوع إليها في أي وقت. ومن ثمَّ، تزايد الاعتماد في العقدين الماضيين على القراءة فقط، وصارت هناك أجيال لا تحسن الكتابة والإملاء؛ للاعتماد على أن الوسائل التكنولوجية بمقدورها تصحيح الأخطاء الإملائية. ودون أدنى شك، تلازمت مع تلك الظاهرة اختفاء الأسلوب الراقي في الكتابة، حيث أصبحت الكتابة شديدة البرجماتية؛ محتصرة أو على شكل نقاط، وغالبًا بالأسلوب العامي. ومع انتشار المواد العلمية المسموعة، لاحظ العلماء وجود شرائح من الأجيال الجديدة لا تحسن حتى القراءة. ودون أدنى شك، فإن إخلاء السَّاحة للذكاء الاصطناعي لكي يقرأ ويكتب ويفكر ويحلل عوضًا عن الجنس البشري لسوف يجعل نهاية الإنسان محتومة، ألا وهي التراجع إلى مرتبة الحيوانات التي همّها الأكبر إتاحة الطعام لها وإشباع الغرائز الحسِّية، ويرجع ذلك للتواكل على أدوات أخرى تقوم بالمهام التي تتطلَّب إعمال العقل عوضًا عن العنصر البشري. ولا يعني ذلك رفض التقدم أو المستحدثات التكنولوجية أو مهاجمة الذَّكاء الاصطناعي، بل إيجاد السُّبل الصحيحة للاستفادة منها لكي نطوِّر أفكارنا ونجعل عقولنا تستقبل وتصدر المعلومات والأفكار. واحدة من أكبر وأهم النعم التي منَّ بها الخالق على عباده الآدميين هي القدرة على التفكير والتحليل؛ فلا يجب على المرء أن يتوقف عن التفكير ومحاولة تقديم أي اسهام شخصي يصبح بمثابة بصمته المميزة، ويجب المداومة على توكيد ذاك التميُّز من خلال الإضافة له بشكل متواصل، أي أن يجب ألَّا يكف العقل البشري عن التفكير، شريطة أن تكون تلك الأفكار ذات قيمة فعلية، وتنأى عن التفاهات والتسلية الطائشة التي تُزجي الجانب الحيواني لدى الإنسان. فلا تتوقف عن التفكير حتى تحتفظ بمكانة السيِّد ذو اليد الطولى على التقدُّم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، فالحياد عن ذاك الطريق يجعل طريق العبيد هو الخيار الوحيد المتاح.

'شوبنهاور' يتجاوز بوابات الزمن
'شوبنهاور' يتجاوز بوابات الزمن

موقع كتابات

timeمنذ 6 أيام

  • صحة
  • موقع كتابات

'شوبنهاور' يتجاوز بوابات الزمن

توافر للإنسان في العصر الحديث الكثير من السُّبل التي تسهل عليه الحياة، والتي إذا كان متواجدًا ولو بعضًا أو حتى واحدةً منها في الماضي، لكانت الابتهاج له حليفًادائمًا. لكن ما يحدث حاليًا أمر يدعو للحزن الشديد؛ إذ أن الإنسان وبالرغم من بلوغه مراتب عُلا من التقدُّم التكنولوجي ومعرفته بالعديد من الوصفات التي تجعله مالكًا للسمو الأخلاقي والرقي، إلَّا أنه ينزلق يومًا تلو الآخر في غياهب من الهمجية التي تتأصَّل بداخله وتتزايد يومًا تلو الآخر. بل والأسوأ، باتت الحياة تعجّ بالمرضى النفسيين، وأصبح الاكتئاب مرض معتاد، ومصاب به المليارات، بما في ذلك الأطفال. وعلاوة على ذلك، صارت السعادة أمر بعيد المنال يمكن القراءة عنه في الكتب والقصص الخيالية فقط. وبالرغم من كل هذا، يأمل العلماء أن تتعاظم سعادة الإنسان باختراع الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يحاكي التفكير البشري وأساليب وعيه وإدراكه. والغرض المعلن من ذاك الاختراع الفريد ليس فقط محاكاة الإنسان لمجرَّد المحاكاة، لكن توفير وقته وجهده لأعمال أخرى قد تكون ذات نفع عظيم له وللبشرية ، بما في ذلك توفير الوقت والطاقة لتنمية الروابط الأسرية والإنسانية التي فقدها تقريبًا عند اللهاث وراء تحقيق النجاح والتميُّز. ويحاول العلماء طمأنة البشر أن ذاك الاختراع الذي غيَّر أشكال الحياة، ولسوف يواصل تبديل كل ما هو قديم بقيم ومستحدثات غير مسبوقة، لسوف يكون السبيل لفهم كيفية عمل العقل البشري، الذي لا يزال سرًّا معقَّا لا يستطيع العلم والتقدُّم التكنولوجي فك شفراته. وكذلك يؤكِّد العلماء أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان – في شكلها الأمثل – هي علاقة نفع مُتبادل، وأنه لا يجب أن يصير الذكاء الاصطناعي بديلًا للإنسان الذي اخترعه ولا يزال يعمل على تطويره. وذاك الرأي الذي أتي على لسان زمرة من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم، والتخصصين في البرمجيات والفيزياء وعلوم النفس والأعصاب. إلَّا أن أقوالهم لم تشعر العامة بالاطمئنان الموجو، وأزجت المزيد من التوتُّر على عقولهم وعلى حياتهم. ودون أدنى شك، السبب واضح؛ لأن العلماء وضعوا العقل البشري والإنسان ككيان في مرتبة متساوية مع الذكاء الاصطناعي. ولكي يفهم الإنسان موقفه في هذا العالم الحديث الذي أصبح التقدُّم فيه أمر حتمي، وكذلك هو الحال بالنسبة للإحساس بالتشاؤم من المستقبل وعدم الرضا عنه، كان لا بد من الرجوع لآراء الحكماء الذين وضعوا أسس هذا العالم الحديث من خلال إنشاء ما يشابه المنهاج الذي لا يساعد فقط على فهم ما يحدث حولنا، بل أيضًا التعامل معه بسهولة وأريحية. وواحدًا من الفلاسفة شديدي الحكمة الذي يجب اللجوء لأرائهم في أحلك المواقف، هو الفيلسوف الألماني 'آرثر شوبنهاور' Arthur Schopenhauer(1788-1860) المشهور بلقب فيلسوف التشاؤم. لكن بالرجوع إلى كنزه الفكري من مراجع لا تحظى بشعبية كاسحة حتى الآن، يلاحظ أنه لا يصدِّر التشاؤم للبشرية، بل أنه يشرح أسبابه ويحاول قدر الإمكان إيجاد منهاجًاللتعامل معه. وقد يظن البعض أن آراءه بالية قد عفا عليها الزمان لأنه ولد في القرن الثامن عشر وفارق الحياة بعد منتصف القرن التاسع عشر، لكن من يظن هذا قد حاده الصواب؛ لأن 'شوبنهاور' عاصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية في مهدهما، وراقب عن كثب التطوُّرات الناشئة والمخاوف العامة من تلك من الآلات المستحدثة، والتي بالقياس تشابه لحد بعيد اختراع الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتعددة في الوقت الحالي، وبالمثل، كان هناك حينئذٍ مخاوف شديدة من استبدال البشر بآلات لا يصيبها الإرهاق ولا تمانع العمل بشكل متواصل وفي أي وقت، حسب الحاجة لها وكلما طُلِب منها. في الماضي، كان الرقي الاجتماعي والأخلاقي مرتبطين بكل ما يُعلي من شأن العلوم وتحصيلها والاطلاع على الفنون وفهمها، وكذلك معرفة المستحدثات والابتكارات. ولهذا السبب، كان الجميع يحرصون على اقتناء مكتبات ضخمة مهيبة بداخل منازلهم؛ للتفاخر بها، وكأنها العلامة الدَّامعة لرفي شخص ما وحصافة رأيه، بينما قد يكون العكس عين الصِّحة. والأنكى من ذلك، أن المكتبات المنزلية تلك تتحول إلى ما يشبه المكتبات التي لا يستفيد منها أي فرد، بل وقد تكون لم يمسسها أحد على الإطلاق، فيما خلا البعض من كتبها. ومن ثمَّ، كان ينتقد 'شوبنهاور' من يشترون الكتب ويكدسونها، لأن من يشتري كتابًا من الأحرى أن يشتريأيضًا معه الوقت اللازم لقراءته؛ لأنه جرت العادة على مجرد الرغبة في امتلاك المحتوى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية القراءة بالنسبة ل'شوبنهاور' ليست كل شيء، لأن من يقرأ يجعل شخص آخر يفكر بالأصالة عنه، والقاريء مجرد شخص يكرر إعمال العقل الذي قام به مؤلِّف الكتاب؛ إذًا، فإن القارئ في تلك الحالة ليس بمبتكر، بل كأي تلميذ صغير يتعلَّم الكتابة، ويكون فرضه المدرسي تكرار ما كتبه له المعلِّم وسطره بقلم رصاص، أي أنه من السهل أن يمحى هذا المحتوى، وتتلاشى من جدار الذَّاكرة المعلومات التي عمل الفرد على جمعها من القراءة. والسبب، أن الجزء الأكبر من عملية التعلُّم والفكر قد أنجزه الكتاب من أجلنا. ولهذا السبب، عندما يرغب أي شخص إلهاء نفسه عن أمر ما، أو تحسين حالته المزاجية، أو حتى محاربة الأرق، فإنه على الفور يلتقط كتابًا ويقرأه؛ كي تلهيه القراءة عن الانشغال بأفكاره. وتأثير القراءة السلبي يكون بنفس تأثيرها الإيجابي؛ لأنها تجعل العقل البشري يتراجع لمرتبة ملعبًا لأفكار الآخرين، سواء أكانت مفيدة أو مغلوطة. ويحذِّر 'شوبنهاور' من قضاء المرء يوم بأكمله منكبًّا علىالقراءة، ثمَّ، يتخلل ذاك اليوم فترات استرخاء يمضيها في تسلية طائشة. ومع اعتياد ذاك الروتين، يفقد العقل القدرة على التفكير تدريجيًا، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للفرد الذي يعتاد الركوب، فإنه يفقد تدريجيًا القدرة على المشي؛ لأن عظامه تتيبَّس وعضلاته تضمر. وما ذكره 'شوبنهاور' أثبتت أيضًا العلوم الحديثة صحته. ولهذا السبب كان يتعجَّب الكثير من أن بعض كبار السن يصابون بالخرف أو الزهايمر بالرغم من أنهم يدأبون على القراءة والاطلاع. ويضيف 'شوبنهاور' أنه قد اكتشف أيضًا بعض العلماء أنهم أغبياء؛ لأنهم اكتفوا بدور النَّاقل الذي يجمع أفكارالبعض دون وضع لمسات تفكيرهم العميق. فالاكتفاء بالمعرفة السطحية التي لا تفضي إلى إعمال العقل والابتكار تجعل الفرد تدريجيًا لا يبالي بما يدور في أذهان الآخرين، لطالما اعتنق أفكار آخرين والتي قد تنطوي على معرفة سطحية ووجهات نظر ضيِّقة وأخطاء متكررة.ومن ثمَّ، فإن محاكاة الآخرين تفقد أي شخص ثلاثة أرباع سماته المميَّزة. وبالتفكير قليلًا فيما يسطره 'شوبنهاور'، نلاحظ أن موقفه مطابقًا لموقف الإنسان في عصر السيبرانية والذكاء الاصطناعي؛ فجميع ألوان المعرفة أصبحت متوافرة يضغطة زرّ واحدة، ولهذا اختفت تقريبًا الكتب المطبوعة. وبالرغم من أن جميع ألوان المعارف والفنون أصبحت متاحة، فإن نسبة الجهل الثقافي والعزوف عن الاطلاع تزايدت بشكل مرعب؛ والسبب هو الاعتماد أن المعرفة متاحة ويمكن الرجوع إليها في أي وقت. ومن ثمَّ، تزايد الاعتماد في العقدين الماضيين على القراءة فقط، وصارت هناك أجيال لا تحسن الكتابة والإملاء؛ للاعتماد على أن الوسائل التكنولوجية بمقدورها تصحيح الأخطاء الإملائية. ودون أدنى شك، تلازمت مع تلك الظاهرة اختفاء الأسلوب الراقي في الكتابة، حيث أصبحت الكتابة شديدة البرجماتية؛ محتصرة أو على شكل نقاط، وغالبًا بالأسلوب العامي. ومع انتشار المواد العلمية المسموعة، لاحظ العلماء وجود شرائح من الأجيال الجديدة لا تحسن حتى القراءة. ودون أدنى شك، فإن إخلاء السَّاحة للذكاء الاصطناعي لكي يقرأ ويكتب ويفكر ويحلل عوضًا عن الجنس البشري لسوف يجعل نهاية الإنسان محتومة، ألا وهي التراجع إلى مرتبة الحيوانات التي همها الأكبر إتاحة الطعام لها وإشباع الغرائز الحسية، ويرجع ذلك للتواكل على أدوات أخرى تقوم بالمهام التي تتطلَّب إعمال العقل عوضًا عنالعنصر البشري. ولا يعني ذلك رفض التقدم أو المستحدثات التكنولوجية أو مهاجمة الذكاء الاصطناعي، بل إيجاد السبل الصحيحة للاستفادة منها لكي نطوِّر أفكارنا ونجعل عقولنا تستقبل وتصدر المعلومات والأفكار. واحدة من أكبر وأهم النعم التي من بها الخالق على عباده الآدميين هي القدرة على التفكير والتحليل؛ فلا يجب على المرء أن يتوقف عن التفكير ومحاولة تقديم أي اسهام شخصي يصبح بمثابة بصمته المميزة، ويجب المداومة على توكيد ذاك التميُّز زجي الجانب الحيواني لدى الإنسان. فلا تتوقف عن التفكير حتى تحتفظ بمكانة السيِّد ذو اليد الطولى على التقد

برتراند راسل.. أشهر 5 كتب للفيلسوف الشهير
برتراند راسل.. أشهر 5 كتب للفيلسوف الشهير

اليوم السابع

timeمنذ 6 أيام

  • علوم
  • اليوم السابع

برتراند راسل.. أشهر 5 كتب للفيلسوف الشهير

تمر اليوم ذكرى ميلاد الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند راسل ، إذ ولد في مثل هذا اليوم 18 مايو عام 1872، كان فيلسوفًا ومنطقيًا ومصلحًا اجتماعيًا بريطانيًا، وشخصية مؤسسة في الحركة التحليلية في الفلسفة الأنجلو أمريكية، كما حصد جائزة نوبل في الأدب عام 1950، وذلك لمساهماته في المنطق ونظرية المعرفة، ورسّخت فلسفة الرياضيات مكانته كواحد من أبرز فلاسفة القرن العشرين ، ومع ذلك، اشتهر بين عامة الناس بأنه مناضل من أجل السلام وكاتب مشهور في المواضيع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، خلال حياة طويلة ومثمرة، وغالبًا ما كانت مضطربة، نشر أكثر من 70 كتابًا وحوالي 2000 مقال، وحظي بالتكريم والازدراء على قدم المساواة تقريبًا في جميع أنحاء العالم، نُشر مقال راسل عن العواقب الفلسفية للنسبية في الطبعة الثالثة عشرة من الموسوعة البريطانية، وفي ضوء ذلك نستعرض أشهر 5 كتب للفيلسوف الشهير. الفلسفة بنظرة علمية لو كانت معرفتُنا العلمية تامَّةً وكاملة؛ لَعلِمنا كل شيء عن أنفُسنا، وعن العالَم، وعن علاقة أنفُسنا بالعالَم، ولكن نقْص هذه المعرفة العلمية قد أدَّى إلى أن يكون فهْمنا لهذه الجوانب الثلاثة ناقصًا، عبْر أربعة أجزاء يَعرِض لنا برتراند راسل، باعتباره أحد أئمة الواقعية الجديدة، مختصر آرائه في مُختلِف القضايا الفلسفية بنظرته العلمية المتفردة؛ ففي الجزء الأول ينظر للإنسان من الخارج نظرةً سلوكيةً محضة، لا تهتم إلا بالملاحظة الخارجية لسلوكه؛ وفي الجزء الثاني، وعلى ضوء علم الفيزياء الحديث، يبحث في جوانب علم الطبيعة، وعلاقته بالإدراك الحسي والقوانين السببية؛ أما في الجزء الثالث فيعود لدراسة الإنسان، لكنْ من الداخل، فيناقش الصور الذهنية والشعور والانفعال والرغبة والأخلاق؛ ثم يتطرق في الجزء الرابع ليستعرض بعض الفلسفات الكُبرى من خلال عملاقَيها: "ديكارت" و"اسبينوزا". تاريخ الفلسفة الغربية ‎‏"تاريخ الفلسفة الغربية" للفيلسوف البريطاني الشهير "برتراند رسل" يختلف عن غيره في كونه لم يكتفِ ‏بعرض الأفكار والقضايا والأسئلة الكبرى فحسب، بل قدم الفلسفة باعتبارها جزءاً من الحياة السياسية ‏والاجتماعية وليس باعتبارها تأملاتٍ منعزلةٍ لفلاسفةٍ مشهورين.‏ ‎ حكمة الغرب يلتقي في هذا الكتاب اثنان من فلاسفة الغرب والشرق؛ الغرب مُمثَّلًا في "برتراند راسل"، وهو واحدٌ من أساطير الفلسفة الغربية، مع الفيلسوف والمترجم العربي "فؤاد زكريا"؛ الذي استطاع بعُمقِه الفلسفيِّ أن يُقدِّم فكرَ "راسل" بأسلوبٍ سَلِسٍ بسيط، يُؤكِّد "راسل" على أن الفلسفة ظهرَت أولًا في اليونان، حيث بدأ الفلاسفةُ قبل "سقراط" بطرح الأسئلة حول مشكلاتٍ عديدة؛ فشكَّلَت إجاباتُهم بدايةَ الفكر الفلسفي، ثم انتقلت الفلسفةُ إلى دَورٍ آخر لمع فيه فلاسفةُ أثينا: "سقراط" و"أرسطو" و"أفلاطون"، وفي مرحلةٍ لاحقةٍ امتزجَت الفلسفة اليونانية بمثيلتِها الشرقية؛ فتولدَت الفلسفة الهيلينية، إلى أن ظهرَت المسيحية في بداية العصور الوُسطى وحاولت استغلالَ الفلسفة وتطويعَها وَفْق مبادئها، وهو ما ظهر في فلسفةِ "أوغسطين" و"توما الأكويني"، ومن بعدها بدأ نَجمُ الفلسفة المدرسية في الصعود. مباديء الرياضيات جاء مبادئ الرياضيات كمحاولة لتمثيل مجموعة من البديهيات وقواعد الاستنتاج في المنطق الرمزي، ودائمًا ما عُرِف مبادئ الرياضيات بتعقيده، وكذلك هو مشهور باستخدامه عدة مئات من الصفحات لإثبات صحة فرضية أن 1 + 1 = 2، وقد وضعته المكتبة الحديثة في المرتبة 23 من قائمة أفضل 100 كتاب غير خيالي باللغة الإنجليزية في القرن العشرين. مشكلات الفلسفة يمثل كتاب مشكلات الفلسفة عدة أراء وأطروحات حول الفلسفة وفيه نجد نزعة التحرر، كما أننا نجد فيه الروح الأفلاطونية لا زالت باقية، علاوة على هذا، يبقى هذا الكتاب كواحد من أهم كتب راسل التي لم تمل البشرية من العودة إليها.

لعبة الفلسفة البنيوية وما بعد الحداثة
لعبة الفلسفة البنيوية وما بعد الحداثة

شبكة النبأ

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • صحة
  • شبكة النبأ

لعبة الفلسفة البنيوية وما بعد الحداثة

الوعي أهمل الاهتمام به فترة طويلة بسبب انه موضوع فلسفي شائك متداخل مع جوانب وقضايا فلسفية عديدة. الاهم من كل هذا الاندفاع يتضح لنا حقيقة أن ليس كل فيلسوف كتب عن الوعي كان مصيبا تماما ولا كان غيره مخطئا بمطلق تفكير فلسفي ميتافيزيقي... الوعي قضية تناولتها الفلسفة عبر تاريخها الطويل مادة اشكالية جديرة بالاهتمام من بين متراكم كمي – نوعي على امتداد عصور طويلة. والوعي أهمل الاهتمام به فترة طويلة بسبب انه موضوع فلسفي شائك متداخل مع جوانب وقضايا فلسفية عديدة. الاهم من كل هذا الاندفاع يتضح لنا حقيقة أن ليس كل فيلسوف كتب عن الوعي كان مصيبا تماما ولا كان غيره مخطئا بمطلق تفكير فلسفي ميتافيزيقي. وكتبت عدة مقالات حول الوعي ضمنتها كتابي تحت الطبع (الوعي في الفلسفة المعاصرة) وتندرج مواضيعه بين تجاذب الصح والخطأ لدى مجموعة من فلاسفة اوربيين واميركان في اجرائي مقارنة متداخلة معاصرة بينهم زادت من اشكالية المبحث فلسفيا وتداخله الفيزيائي في منظومة العقل الادراكية. الوعي استقر فلسفيا في مقولة انه جوهر لا يدركه تعبير اللغة والفكر ولا يهتم العقل به موضوعا خارج منظومة العقل الادراكية بيولوجيا. الوعي مضمون إجرائي لمدركات العقل في حين يكون تعبير اللغة والفكر تجريد وصفي حيادي في علاقته بالمدركات. الوعي الفلسفي، الوعي بالفهم البيولوجي التجريدي المعرفي الملازم للإنسان هو قابلية تعبير العقل عن مدركاته معرفيا لا جدليا. بهذا يكون الوعي مرتكزا في التناول الفلسفي الذي نجده اليوم يشكل أحد اهم القضايا الفلسفية ليس في جنبة تعالقه بانتاجية تفكير العقل له، وجنبة تعبيره غير الحيادي مع مدركات العقل. اللغة والزمن والفكر والنفس والعواطف جميعها تجريدات تعبيرية محايدة في علاقة التأثير بمدركات العقل. ماعدا الوعي الذي تحكمه القصدية وتحكمه المداخلة غير الحيادية مع مواضيع الادراك بالتغيير وتبادل التأثير. لتكن البداية من فلسفة ديكارت فهو عمد في الكوجيتو انا افكر... ربط الوعي بالتفكير التجريدي الانفرادي في اثباته خاصية الوجود الانطولوجي للإنسان الذي لا تحده الابعاد المادية ولا تلجمه التوقف خاصية التفكير العقلي. خاصية الوعي هي خاصية التفكير العقلي الناجز الذي يعبر عنه تجريد اللغة. ترك ديكارت في اهتمامه تثبيت الوجود الواقعي للإنسان بوسيلة الاستشعار الفكري اللغوي انا افكر. ميزتان اخذهما عليه معظم الفلاسفة الوجودية وهما: يتوجب ان يكون للوعي موضوعا محددا يفكر به الانسان سواء اكان الموضوع واقعيا مستمدا من عالمنا الخارجي والطبيعة او خياليا مصدره الذاكرة. واولوية هذا التخطيء الفلسفي وجوب ان يكون للوعي قصدية يهدف تحقيقها. الوعي كما هو اللغة والفكر لا يعبران عن اللامعنى. كان اول من ادان ديكارت في عدم ربطه الوعي بالقصدية او الهدف المنشود هو برينتانو في طرحه مشروطية الوعي بالإدراك القصدي الذي يحدده تفكير العقل بعد استلام الحواس الانطباعات الذهنية عن الاشياء المدركة. بعدها انتقلت موضوعة الوعي القصدي الى هوسرل وسارتر وهيدجر وقائمة فلاسفة الوجودية التي تطول لعل ابرزهم اخيرا كان ميرلوبونتي. الوعي تجريد لغوي تعبيري عن فكر لا يدخل في علاقة جدلية مع الموضوع بل يدخل مع الموضوع بخاصية العقل انه يحاول معرفة الاشياء وليس ادراكها فقط، وثانيا يعطي العقل مقولاته التغييرية لذلك الشيء. فالعقل لا يعقل الاشياء لأثبات كيف يدركها بل في معرفة لماذا يدركها وما اهمية ذلك الادراك لتطوير كلا من الموضوع من جهة وتطوير تفكير العقل ذاته من جهة اخرى. هذه العلاقة الترابطية التجريدية المحايدة للعقل لا تدخل الوعي في علاقة جدلية مع موضوعات الادراك. بل يدخل الوعي معها بعلاقة تكامل معرفي في ضمان استقلالية كل واحد الموضوع والوعي به في اختلاف الماهية والصفات بينهما. اود قبل الدخول في تفاصيل موضوع المقالة التنويه الى مسالة متداخلة لها علاقة في مطاولة المعرفة الفلسفية في وعي الزمن. حيث كان هجوم فلاسفة ما بعد الحداثة وخاصة فلاسفة البنيوية من ليفي شتراوس، الى دي سوسير، ثم لاكان، فوكو، ريكور، دريدا، التوسير وغيرهم عديدون ركزوا على مسائل متنوعة لم يحيدوا عنها وكان سبب الاهتمام بهذه التنويعات الفلسفية انبثاق نظرية التحول اللغوي وفلسفة العقل واللغة ونظرية المعنى التي سادت منذ منتصف القرن العشرين مرتبة الفلسفة الاولى في تاريخ الفلسفة المعاصرة. كانت البنيوية بطروحاتها الفلسفية التجديدية هي الفلسفة التي كان لها اسبقية دفن الفلسفة الوجودية المحتضرة في طروحاتها المستهلكة نهاية الستينيات من القرن العشرين. المحاور الحديثة التي شغلت الفلسفة يتقدمهم أشهر فلاسفة العقل والوعي مثل ريتشارد روروتي وجون سيرل وسيلارز وغيرهم من الاميركان هم حملة راية تفلسف الوعي المعاصر والعقل بما حشر معظم الفلسفات الاوربية في زاويا التيه الذي فتحته الفلسفة البنيوية نقصد به التحول اللغوي وفلسفة اللغة وتخلت عنه البنيوية لاحقا لأنها لم تستطع اضافة تجديد يعتد الاخذ به في فلسفة التحول اللغوي وفلسفة اللغة واللسانيات ونظرية فائض المعنى فيما اطلق عليه تضليل تعبير اللغة السائدة في تاريخ الفلسفة. آفاق التجديد في فائض معنى اللغة وما يتعالق بها من امور استلم رايته الفلاسفة الاميركان باجتهاد تجديدي يناصرهم فيه بعض فلاسفة الوضعية التجريبية المنطقية التحليلية مثل بيرتراند راسل وفينجشتين وجورج مور ووايتهيد وكارناب من الإنكليز والنمساويين. ما جعل فلاسفة اوروبا الذين هاجروا الى اميركا بفتحهم مبحث فلسفة اللغة يعودون الاستقرار في فرنسا والمانيا ودول اوربية عديدة في محاولتهم رد الاعتبار لفسفاتهم التي خبا بريقها ومحاولة اعادة تلميع اسمائهم التي غيبّها الطوفان الفلسفي الامريكي التجديدي بعد عصور طويلة كانت فيها الفلسفة الامريكية تعتاش على الفلسفة العملانية التجريبية الوحيدة في تحقيق المنقعة تلك هي الفلسفة البراجماتية او الذرائعية. وجاء ما اكتسحها لدى فلاسفة معاصرين تجديدين اداروا ظهورهم للفلسفات الاوربية التي بقيت تراوح في تنقيبات اركيولوجيا حل مباحث تاريخ الفلسفة بتصحيح تاريخ اوهام اللغة. لا نجانب الصواب ان مقولات فلسفة البنيوية التي تماهت مع ما بعد الحداثة لا تراجع ولا انفكاك بينهما كانت في المرتكزات الفلسفية المتمردة المشتركة التالية: 1. لا مركزية للإنسان بالحياة والفلسفة ولا عصمة للعقل بالإدراك. 2. تاريخ الفلسفة في غالبيته تاريخ وهمي مصطنع زائف سببه مناقشة قضايا فلسفية لا اهمية لها. تقوم على مماحكات تنظيرية لا رصيد واقعي له اهميته. 3. اللغة وسيلة العقل الادراكية القاصرة التعبير عن مدركاته الحقيقية. هنا نتجاوز عبور غير مسوّغ لحقيقتين في اتهام الفلسفة بالقصور اولا تجاوز لا عصمة للعقل فيه أن يخطأ. ثانيا مصنع الحيوية الفكرية هي تضليل مكمّل تضليل الحواس للعقل في تمكينه دوام تداوله الوعي الخطأ. 4. اللغة والوعي جوهران يخطئان لكنهما ليسا جوهرين ادراكيين سببيين في تضليل العقل فتفكير قصور العقل يتقدمهما سابقا عليهما جوهري الفكر واللغة. 5. العقل يخطأ كما تخطأ الحواس وليس من هناك قيمة عقلية تطابق الاحساسات الواصلة للعقل من العالم الخارجي في تعبير اللغة مطابقة حقيقة المعنى في مدركات وموجودات الواقع.. الادراك المعرفي لا يطابق حقيقة الاشياء في استقلاليتها الموجودية. الادراك الاولي يماثل كينونة الشيء في تأكيد وجوده وليس معرفته. الحواس تدرك والعقل يعرف. 6. جميع السرديات الكبرى التي حكمت تاريخ الانسان في القرن العشرين مثل سرديات الايديولوجيا السياسية وغيرها كانت عقيمة راح ضحيتها الاف من القتلى في الحربين العالميتين والحروب العبثية الاخرى. وبمقدار ما كانت منجزات العلم عامل تقدم ورخاء نسبي للإنسان كانت تلك المنجزات نفسها من اهم وسائل تدمير الحياة السعيدة لشعوب الارض بلا تفريق وعدم مساواة وعدالة في نيل حقوق الانسان ومضامين حريته المسؤولة ضميريا وقانونيا واخلاقيا الى يومنا هذا. ............................................................................................ * الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

الرئيس والفيلسوف.. سياسات ماكرون و"دموع" بول ريكور؟
الرئيس والفيلسوف.. سياسات ماكرون و"دموع" بول ريكور؟

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

الرئيس والفيلسوف.. سياسات ماكرون و"دموع" بول ريكور؟

واشنطن- عندما فاز إيمانويل ماكرون في السباق نحو قصر الإليزيه عام 2017 وهو دون سن الأربعين وأصبح ثاني أصغر رئيس لفرنسا بعد نابليون بونابارت، توقف كثيرون عند خلفيات هذا "التكنوقراطي" الشاب، وأسرار صعوده الصاروخي رغم أنه ليس نتاجا خالصا للعمل السياسي الحزبي أو النقابي على غرار من سبقوه من قبيل جاك شيراك أو فرانسوا ميتران. هكذا وضع المتابعون والمعلقون سيرة الرجل تحت المجهر وفتشوا في مساره التعليمي وفي مسيرته المهنية وفي شبكة علاقاته الشخصية والسياسية وغيرها من الأمور المتصلة بتشكيل هوية من سيصبح صاحب القرار الأول في بلد أوروبي كبير. في هذا البحث والرصد، برز ملمح خاص في تكوين ماكرون وتحديدا عندما كان في ربيعه العشرين، وهو طالب في معهد العلوم السياسية، في حقبة مفصلية من مساره الأكاديمي بين عامي 1998 و2002 ستكون بمثابة تحول كبير في حياته. بول ريكور.. أسطورة ماكرون الفكرية في هذه السنوات الأربع، سيتعرف ماكرون على واحد من أعمدة الفكر الفرنسي الحديث هو بول ريكور (1913-2005)، فيلسوف خارج عن التصنيفات والمدارس الكلاسيكية المعروفة، استطاع أن يبلور تصورات خاصة عن مفاهيم الزمن، السرد، التاريخ، الذاكرة، النسيان وغيرها من الإشكاليات المتصلة بحياة الإنسان. وحرص ماكرون على استثمار هذه العلاقة عندما كان ريكور على قيد الحياة وبعد مماته وحولها إلى جزء من رصيده الفكري والثقافي، بل جعل منها "أسطورته الفكرية المؤسسة.. ولعِب عليها في الماضي ويلعب عليها في الحاضر، وسيلعب عليها في المستقبل"، كما كتب الصحفي الفرنسي إيتيان كامبيون في كتاب صدر هذا العام بعنوان "الرئيس السام.. تحقيق حول إيمانويل ماكرون الحقيقي". لكن، ما تفاصيل هذه العلاقة بين الطالب (الرئيس المستقبلي) والفيلسوف، وما طبيعتها؟ في روايته الشخصية لتلك العلاقة، يقول ماكرون في كتاب بعنوان "ثورة" أصدره قبل عام على انتخابه رئيسا للجمهورية، "لقد كان لقائي الفكري الأعظم مع بول ريكور، الذي أدين له بالشيء الكثير. التقيت به آنذاك من خلال كاتب سيرته الذاتية، المؤرخ فرانسوا دوس. كان عمري 20 عاما، وكان عمره 80 عاما". وتحدث المؤرخ فرانسوا دوس ومثقفون فرنسيون آخرون من "أتباع" بول ريكور، عن تلك العلاقة بين الطالب والفيلسوف وأجمعوا على أن ماكرون كان وقتها "طموحا للغاية"، ووصفه فرانسوا دوس بأنه "شخص مندفع ويمكن الوثوق به". لهذا السبب لم يتردد فرانسوا دوس في اقتراحه على بول ريكور عندما كان بصدد تأليف كتاب "الذاكرة، التاريخ، النسيان" وكان في حاجة إلى مساعد للتحقق في المكتبة من دقة الحواشي المشار إليها في الكتاب، وهي مهمة قام بها ماكرون على أحسن وجه، وكانت مدخلا لعلاقة بينهما استمرت علاقته 4 أعوام. واتسعت دائرة تلك العلاقة لاحقا، وأصبح ماكرون على اتصال مع وجوه فكرية محسوبة بهذا الشكل أو ذاك على بول ريكور، وكانت له إسهامات في المجلة الفكرية العريقة "روح" (Esprit) ودافع عن أطروحات قوية عن إصلاح الدولة والجامعات، وانتقد الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية. وهنا يُطرح السؤال عما ورثه ماكرون من بول ريكور فكريا وسياسيا ومدى وفائه لذلك "الإرث" الثقافي بعد أن ارتقى في مسالك الإدارة والمال، وفاز برئاسة الجمهورية مرتين، وشهدت البلاد تحت قيادته سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية. فرانسوا دوس وخيانة رؤية بول ريكور في بداية العهدة الرئاسية الأولى لماكرون، كان فرانسوا دوس من المتحمسين للتجربة الجديدة، وبادر إلى الترويج أكثر للعلاقة بين ماكرون وريكور، وأصدر في العام نفسه (2017) كتابا بعنوان "الفيلسوف والرئيس"، قال فيه إنه في ظل قيادة ماكرون فإن "الأمر لا يعني الاستيلاء على السلطة من القمة، ولكن إثارة ثورة ديمقراطية". وأضاف دوس أن سياسات ماكرون بشأن إعادة تأسيس أوروبا من خلال الثقافة، والعلمانية وموضوعات أخرى كانت مستوحاة من فلسفة بول ريكور". لكن الأمور ستتغير تماما في وقت لاحق على خلفية تقلب المواقف السياسية للرئيس ماكرون بشأن ملفات حساسة مثل الهجرة والعلمانية والتعامل مع التيارات اليمينية والانصياع أحيانا للميولات الشعبوية. وهكذا لم يتردد دوس، عام 2019 في توجيه انتقاد حاد للرئيس ماكرون بشأن ملف الهجرة، ونشر مقال رأي في صحيفة لوموند خاطب فيه رئيس الجمهورية بشكل مباشر: "إيمانويل، تعليقاتك على الهجرة تساهم في تفكك هذه الفئات السكانية الضعيفة". ويقول الصحفي إيتيان كامبيون إن ذلك المقال أثار غضب الرئيس ماكرون الذي رد على أستاذه برسالة مكتوبة بخط اليد مكونة من 7 صفحات يؤكد فيها أنه لم يخن الفكر الإنساني لبول ريكور. وشكلت تلك الرسالة، التي اطلع عليها الصحفي كامبيون، نقطة النهاية في العلاقة بين ماكرون وفرانسوا دوس الذي ألف كتابا عام 2022 يوثق تلك القطيعة، واختار له عنوانا مباشرا ومعبرا: "ماكرون أو الأوهام المفقودة. دموع بول ريكور". ويؤكد دوس في ذلك الكتاب أن "ماكرون أدار ظهره لأفكار بول ريكور وفلسفته التي تهدف لحياة طيبة في ظل مؤسسات عادلة"، وأن ما تشهده فرنسا حاليا على كافة المستويات هو "سياسة ظالمة واستبدادية". ومنذ تلك القطيعة، دأب فرانسوا دوس على مهاجمة ماكرون في كل المناسبات، منتقدا "نزوعاته النرجسية وغطرسته واستفراده بالرأي"، وخلص إلى أن ماكرون خان رؤية بول ريكور للصداقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store