
لعبة الفلسفة البنيوية وما بعد الحداثة
الوعي أهمل الاهتمام به فترة طويلة بسبب انه موضوع فلسفي شائك متداخل مع جوانب وقضايا فلسفية عديدة. الاهم من كل هذا الاندفاع يتضح لنا حقيقة أن ليس كل فيلسوف كتب عن الوعي كان مصيبا تماما ولا كان غيره مخطئا بمطلق تفكير فلسفي ميتافيزيقي...
الوعي قضية تناولتها الفلسفة عبر تاريخها الطويل مادة اشكالية جديرة بالاهتمام من بين متراكم كمي – نوعي على امتداد عصور طويلة. والوعي أهمل الاهتمام به فترة طويلة بسبب انه موضوع فلسفي شائك متداخل مع جوانب وقضايا فلسفية عديدة. الاهم من كل هذا الاندفاع يتضح لنا حقيقة أن ليس كل فيلسوف كتب عن الوعي كان مصيبا تماما ولا كان غيره مخطئا بمطلق تفكير فلسفي ميتافيزيقي.
وكتبت عدة مقالات حول الوعي ضمنتها كتابي تحت الطبع (الوعي في الفلسفة المعاصرة) وتندرج مواضيعه بين تجاذب الصح والخطأ لدى مجموعة من فلاسفة اوربيين واميركان في اجرائي مقارنة متداخلة معاصرة بينهم زادت من اشكالية المبحث فلسفيا وتداخله الفيزيائي في منظومة العقل الادراكية. الوعي استقر فلسفيا في مقولة انه جوهر لا يدركه تعبير اللغة والفكر ولا يهتم العقل به موضوعا خارج منظومة العقل الادراكية بيولوجيا. الوعي مضمون إجرائي لمدركات العقل في حين يكون تعبير اللغة والفكر تجريد وصفي حيادي في علاقته بالمدركات.
الوعي الفلسفي، الوعي بالفهم البيولوجي التجريدي المعرفي الملازم للإنسان هو قابلية تعبير العقل عن مدركاته معرفيا لا جدليا. بهذا يكون الوعي مرتكزا في التناول الفلسفي الذي نجده اليوم يشكل أحد اهم القضايا الفلسفية ليس في جنبة تعالقه بانتاجية تفكير العقل له، وجنبة تعبيره غير الحيادي مع مدركات العقل.
اللغة والزمن والفكر والنفس والعواطف جميعها تجريدات تعبيرية محايدة في علاقة التأثير بمدركات العقل. ماعدا الوعي الذي تحكمه القصدية وتحكمه المداخلة غير الحيادية مع مواضيع الادراك بالتغيير وتبادل التأثير.
لتكن البداية من فلسفة ديكارت فهو عمد في الكوجيتو انا افكر... ربط الوعي بالتفكير التجريدي الانفرادي في اثباته خاصية الوجود الانطولوجي للإنسان الذي لا تحده الابعاد المادية ولا تلجمه التوقف خاصية التفكير العقلي.
خاصية الوعي هي خاصية التفكير العقلي الناجز الذي يعبر عنه تجريد اللغة. ترك ديكارت في اهتمامه تثبيت الوجود الواقعي للإنسان بوسيلة الاستشعار الفكري اللغوي انا افكر. ميزتان اخذهما عليه معظم الفلاسفة الوجودية وهما:
يتوجب ان يكون للوعي موضوعا محددا يفكر به الانسان سواء اكان الموضوع واقعيا مستمدا من عالمنا الخارجي والطبيعة او خياليا مصدره الذاكرة. واولوية هذا التخطيء الفلسفي وجوب ان يكون للوعي قصدية يهدف تحقيقها. الوعي كما هو اللغة والفكر لا يعبران عن اللامعنى.
كان اول من ادان ديكارت في عدم ربطه الوعي بالقصدية او الهدف المنشود هو برينتانو في طرحه مشروطية الوعي بالإدراك القصدي الذي يحدده تفكير العقل بعد استلام الحواس الانطباعات الذهنية عن الاشياء المدركة. بعدها انتقلت موضوعة الوعي القصدي الى هوسرل وسارتر وهيدجر وقائمة فلاسفة الوجودية التي تطول لعل ابرزهم اخيرا كان ميرلوبونتي.
الوعي تجريد لغوي تعبيري عن فكر لا يدخل في علاقة جدلية مع الموضوع بل يدخل مع الموضوع بخاصية العقل انه يحاول معرفة الاشياء وليس ادراكها فقط، وثانيا يعطي العقل مقولاته التغييرية لذلك الشيء.
فالعقل لا يعقل الاشياء لأثبات كيف يدركها بل في معرفة لماذا يدركها وما اهمية ذلك الادراك لتطوير كلا من الموضوع من جهة وتطوير تفكير العقل ذاته من جهة اخرى.
هذه العلاقة الترابطية التجريدية المحايدة للعقل لا تدخل الوعي في علاقة جدلية مع موضوعات الادراك. بل يدخل الوعي معها بعلاقة تكامل معرفي في ضمان استقلالية كل واحد الموضوع والوعي به في اختلاف الماهية والصفات بينهما.
اود قبل الدخول في تفاصيل موضوع المقالة التنويه الى مسالة متداخلة لها علاقة في مطاولة المعرفة الفلسفية في وعي الزمن. حيث كان هجوم فلاسفة ما بعد الحداثة وخاصة فلاسفة البنيوية من ليفي شتراوس، الى دي سوسير، ثم لاكان، فوكو، ريكور، دريدا، التوسير وغيرهم عديدون ركزوا على مسائل متنوعة لم يحيدوا عنها وكان سبب الاهتمام بهذه التنويعات الفلسفية انبثاق نظرية التحول اللغوي وفلسفة العقل واللغة ونظرية المعنى التي سادت منذ منتصف القرن العشرين مرتبة الفلسفة الاولى في تاريخ الفلسفة المعاصرة.
كانت البنيوية بطروحاتها الفلسفية التجديدية هي الفلسفة التي كان لها اسبقية دفن الفلسفة الوجودية المحتضرة في طروحاتها المستهلكة نهاية الستينيات من القرن العشرين.
المحاور الحديثة التي شغلت الفلسفة يتقدمهم أشهر فلاسفة العقل والوعي مثل ريتشارد روروتي وجون سيرل وسيلارز وغيرهم من الاميركان هم حملة راية تفلسف الوعي المعاصر والعقل بما حشر معظم الفلسفات الاوربية في زاويا التيه الذي فتحته الفلسفة البنيوية نقصد به التحول اللغوي وفلسفة اللغة وتخلت عنه البنيوية لاحقا لأنها لم تستطع اضافة تجديد يعتد الاخذ به في فلسفة التحول اللغوي وفلسفة اللغة واللسانيات ونظرية فائض المعنى فيما اطلق عليه تضليل تعبير اللغة السائدة في تاريخ الفلسفة.
آفاق التجديد في فائض معنى اللغة وما يتعالق بها من امور استلم رايته الفلاسفة الاميركان باجتهاد تجديدي يناصرهم فيه بعض فلاسفة الوضعية التجريبية المنطقية التحليلية مثل بيرتراند راسل وفينجشتين وجورج مور ووايتهيد وكارناب من الإنكليز والنمساويين. ما جعل فلاسفة اوروبا الذين هاجروا الى اميركا بفتحهم مبحث فلسفة اللغة يعودون الاستقرار في فرنسا والمانيا ودول اوربية عديدة في محاولتهم رد الاعتبار لفسفاتهم التي خبا بريقها ومحاولة اعادة تلميع اسمائهم التي غيبّها الطوفان الفلسفي الامريكي التجديدي بعد عصور طويلة كانت فيها الفلسفة الامريكية تعتاش على الفلسفة العملانية التجريبية الوحيدة في تحقيق المنقعة تلك هي الفلسفة البراجماتية او الذرائعية. وجاء ما اكتسحها لدى فلاسفة معاصرين تجديدين اداروا ظهورهم للفلسفات الاوربية التي بقيت تراوح في تنقيبات اركيولوجيا حل مباحث تاريخ الفلسفة بتصحيح تاريخ اوهام اللغة.
لا نجانب الصواب ان مقولات فلسفة البنيوية التي تماهت مع ما بعد الحداثة لا تراجع ولا انفكاك بينهما كانت في المرتكزات الفلسفية المتمردة المشتركة التالية:
1. لا مركزية للإنسان بالحياة والفلسفة ولا عصمة للعقل بالإدراك.
2. تاريخ الفلسفة في غالبيته تاريخ وهمي مصطنع زائف سببه مناقشة قضايا فلسفية لا اهمية لها. تقوم على مماحكات تنظيرية لا رصيد واقعي له اهميته.
3. اللغة وسيلة العقل الادراكية القاصرة التعبير عن مدركاته الحقيقية. هنا نتجاوز عبور غير مسوّغ لحقيقتين في اتهام الفلسفة بالقصور اولا تجاوز لا عصمة للعقل فيه أن يخطأ. ثانيا مصنع الحيوية الفكرية هي تضليل مكمّل تضليل الحواس للعقل في تمكينه دوام تداوله الوعي الخطأ.
4. اللغة والوعي جوهران يخطئان لكنهما ليسا جوهرين ادراكيين سببيين في تضليل العقل فتفكير قصور العقل يتقدمهما سابقا عليهما جوهري الفكر واللغة.
5. العقل يخطأ كما تخطأ الحواس وليس من هناك قيمة عقلية تطابق الاحساسات الواصلة للعقل من العالم الخارجي في تعبير اللغة مطابقة حقيقة المعنى في مدركات وموجودات الواقع.. الادراك المعرفي لا يطابق حقيقة الاشياء في استقلاليتها الموجودية. الادراك الاولي يماثل كينونة الشيء في تأكيد وجوده وليس معرفته. الحواس تدرك والعقل يعرف.
6. جميع السرديات الكبرى التي حكمت تاريخ الانسان في القرن العشرين مثل سرديات الايديولوجيا السياسية وغيرها كانت عقيمة راح ضحيتها الاف من القتلى في الحربين العالميتين والحروب العبثية الاخرى. وبمقدار ما كانت منجزات العلم عامل تقدم ورخاء نسبي للإنسان كانت تلك المنجزات نفسها من اهم وسائل تدمير الحياة السعيدة لشعوب الارض بلا تفريق وعدم مساواة وعدالة في نيل حقوق الانسان ومضامين حريته المسؤولة ضميريا وقانونيا واخلاقيا الى يومنا هذا.
............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- شبكة النبأ
لعبة الفلسفة البنيوية وما بعد الحداثة
الوعي أهمل الاهتمام به فترة طويلة بسبب انه موضوع فلسفي شائك متداخل مع جوانب وقضايا فلسفية عديدة. الاهم من كل هذا الاندفاع يتضح لنا حقيقة أن ليس كل فيلسوف كتب عن الوعي كان مصيبا تماما ولا كان غيره مخطئا بمطلق تفكير فلسفي ميتافيزيقي... الوعي قضية تناولتها الفلسفة عبر تاريخها الطويل مادة اشكالية جديرة بالاهتمام من بين متراكم كمي – نوعي على امتداد عصور طويلة. والوعي أهمل الاهتمام به فترة طويلة بسبب انه موضوع فلسفي شائك متداخل مع جوانب وقضايا فلسفية عديدة. الاهم من كل هذا الاندفاع يتضح لنا حقيقة أن ليس كل فيلسوف كتب عن الوعي كان مصيبا تماما ولا كان غيره مخطئا بمطلق تفكير فلسفي ميتافيزيقي. وكتبت عدة مقالات حول الوعي ضمنتها كتابي تحت الطبع (الوعي في الفلسفة المعاصرة) وتندرج مواضيعه بين تجاذب الصح والخطأ لدى مجموعة من فلاسفة اوربيين واميركان في اجرائي مقارنة متداخلة معاصرة بينهم زادت من اشكالية المبحث فلسفيا وتداخله الفيزيائي في منظومة العقل الادراكية. الوعي استقر فلسفيا في مقولة انه جوهر لا يدركه تعبير اللغة والفكر ولا يهتم العقل به موضوعا خارج منظومة العقل الادراكية بيولوجيا. الوعي مضمون إجرائي لمدركات العقل في حين يكون تعبير اللغة والفكر تجريد وصفي حيادي في علاقته بالمدركات. الوعي الفلسفي، الوعي بالفهم البيولوجي التجريدي المعرفي الملازم للإنسان هو قابلية تعبير العقل عن مدركاته معرفيا لا جدليا. بهذا يكون الوعي مرتكزا في التناول الفلسفي الذي نجده اليوم يشكل أحد اهم القضايا الفلسفية ليس في جنبة تعالقه بانتاجية تفكير العقل له، وجنبة تعبيره غير الحيادي مع مدركات العقل. اللغة والزمن والفكر والنفس والعواطف جميعها تجريدات تعبيرية محايدة في علاقة التأثير بمدركات العقل. ماعدا الوعي الذي تحكمه القصدية وتحكمه المداخلة غير الحيادية مع مواضيع الادراك بالتغيير وتبادل التأثير. لتكن البداية من فلسفة ديكارت فهو عمد في الكوجيتو انا افكر... ربط الوعي بالتفكير التجريدي الانفرادي في اثباته خاصية الوجود الانطولوجي للإنسان الذي لا تحده الابعاد المادية ولا تلجمه التوقف خاصية التفكير العقلي. خاصية الوعي هي خاصية التفكير العقلي الناجز الذي يعبر عنه تجريد اللغة. ترك ديكارت في اهتمامه تثبيت الوجود الواقعي للإنسان بوسيلة الاستشعار الفكري اللغوي انا افكر. ميزتان اخذهما عليه معظم الفلاسفة الوجودية وهما: يتوجب ان يكون للوعي موضوعا محددا يفكر به الانسان سواء اكان الموضوع واقعيا مستمدا من عالمنا الخارجي والطبيعة او خياليا مصدره الذاكرة. واولوية هذا التخطيء الفلسفي وجوب ان يكون للوعي قصدية يهدف تحقيقها. الوعي كما هو اللغة والفكر لا يعبران عن اللامعنى. كان اول من ادان ديكارت في عدم ربطه الوعي بالقصدية او الهدف المنشود هو برينتانو في طرحه مشروطية الوعي بالإدراك القصدي الذي يحدده تفكير العقل بعد استلام الحواس الانطباعات الذهنية عن الاشياء المدركة. بعدها انتقلت موضوعة الوعي القصدي الى هوسرل وسارتر وهيدجر وقائمة فلاسفة الوجودية التي تطول لعل ابرزهم اخيرا كان ميرلوبونتي. الوعي تجريد لغوي تعبيري عن فكر لا يدخل في علاقة جدلية مع الموضوع بل يدخل مع الموضوع بخاصية العقل انه يحاول معرفة الاشياء وليس ادراكها فقط، وثانيا يعطي العقل مقولاته التغييرية لذلك الشيء. فالعقل لا يعقل الاشياء لأثبات كيف يدركها بل في معرفة لماذا يدركها وما اهمية ذلك الادراك لتطوير كلا من الموضوع من جهة وتطوير تفكير العقل ذاته من جهة اخرى. هذه العلاقة الترابطية التجريدية المحايدة للعقل لا تدخل الوعي في علاقة جدلية مع موضوعات الادراك. بل يدخل الوعي معها بعلاقة تكامل معرفي في ضمان استقلالية كل واحد الموضوع والوعي به في اختلاف الماهية والصفات بينهما. اود قبل الدخول في تفاصيل موضوع المقالة التنويه الى مسالة متداخلة لها علاقة في مطاولة المعرفة الفلسفية في وعي الزمن. حيث كان هجوم فلاسفة ما بعد الحداثة وخاصة فلاسفة البنيوية من ليفي شتراوس، الى دي سوسير، ثم لاكان، فوكو، ريكور، دريدا، التوسير وغيرهم عديدون ركزوا على مسائل متنوعة لم يحيدوا عنها وكان سبب الاهتمام بهذه التنويعات الفلسفية انبثاق نظرية التحول اللغوي وفلسفة العقل واللغة ونظرية المعنى التي سادت منذ منتصف القرن العشرين مرتبة الفلسفة الاولى في تاريخ الفلسفة المعاصرة. كانت البنيوية بطروحاتها الفلسفية التجديدية هي الفلسفة التي كان لها اسبقية دفن الفلسفة الوجودية المحتضرة في طروحاتها المستهلكة نهاية الستينيات من القرن العشرين. المحاور الحديثة التي شغلت الفلسفة يتقدمهم أشهر فلاسفة العقل والوعي مثل ريتشارد روروتي وجون سيرل وسيلارز وغيرهم من الاميركان هم حملة راية تفلسف الوعي المعاصر والعقل بما حشر معظم الفلسفات الاوربية في زاويا التيه الذي فتحته الفلسفة البنيوية نقصد به التحول اللغوي وفلسفة اللغة وتخلت عنه البنيوية لاحقا لأنها لم تستطع اضافة تجديد يعتد الاخذ به في فلسفة التحول اللغوي وفلسفة اللغة واللسانيات ونظرية فائض المعنى فيما اطلق عليه تضليل تعبير اللغة السائدة في تاريخ الفلسفة. آفاق التجديد في فائض معنى اللغة وما يتعالق بها من امور استلم رايته الفلاسفة الاميركان باجتهاد تجديدي يناصرهم فيه بعض فلاسفة الوضعية التجريبية المنطقية التحليلية مثل بيرتراند راسل وفينجشتين وجورج مور ووايتهيد وكارناب من الإنكليز والنمساويين. ما جعل فلاسفة اوروبا الذين هاجروا الى اميركا بفتحهم مبحث فلسفة اللغة يعودون الاستقرار في فرنسا والمانيا ودول اوربية عديدة في محاولتهم رد الاعتبار لفسفاتهم التي خبا بريقها ومحاولة اعادة تلميع اسمائهم التي غيبّها الطوفان الفلسفي الامريكي التجديدي بعد عصور طويلة كانت فيها الفلسفة الامريكية تعتاش على الفلسفة العملانية التجريبية الوحيدة في تحقيق المنقعة تلك هي الفلسفة البراجماتية او الذرائعية. وجاء ما اكتسحها لدى فلاسفة معاصرين تجديدين اداروا ظهورهم للفلسفات الاوربية التي بقيت تراوح في تنقيبات اركيولوجيا حل مباحث تاريخ الفلسفة بتصحيح تاريخ اوهام اللغة. لا نجانب الصواب ان مقولات فلسفة البنيوية التي تماهت مع ما بعد الحداثة لا تراجع ولا انفكاك بينهما كانت في المرتكزات الفلسفية المتمردة المشتركة التالية: 1. لا مركزية للإنسان بالحياة والفلسفة ولا عصمة للعقل بالإدراك. 2. تاريخ الفلسفة في غالبيته تاريخ وهمي مصطنع زائف سببه مناقشة قضايا فلسفية لا اهمية لها. تقوم على مماحكات تنظيرية لا رصيد واقعي له اهميته. 3. اللغة وسيلة العقل الادراكية القاصرة التعبير عن مدركاته الحقيقية. هنا نتجاوز عبور غير مسوّغ لحقيقتين في اتهام الفلسفة بالقصور اولا تجاوز لا عصمة للعقل فيه أن يخطأ. ثانيا مصنع الحيوية الفكرية هي تضليل مكمّل تضليل الحواس للعقل في تمكينه دوام تداوله الوعي الخطأ. 4. اللغة والوعي جوهران يخطئان لكنهما ليسا جوهرين ادراكيين سببيين في تضليل العقل فتفكير قصور العقل يتقدمهما سابقا عليهما جوهري الفكر واللغة. 5. العقل يخطأ كما تخطأ الحواس وليس من هناك قيمة عقلية تطابق الاحساسات الواصلة للعقل من العالم الخارجي في تعبير اللغة مطابقة حقيقة المعنى في مدركات وموجودات الواقع.. الادراك المعرفي لا يطابق حقيقة الاشياء في استقلاليتها الموجودية. الادراك الاولي يماثل كينونة الشيء في تأكيد وجوده وليس معرفته. الحواس تدرك والعقل يعرف. 6. جميع السرديات الكبرى التي حكمت تاريخ الانسان في القرن العشرين مثل سرديات الايديولوجيا السياسية وغيرها كانت عقيمة راح ضحيتها الاف من القتلى في الحربين العالميتين والحروب العبثية الاخرى. وبمقدار ما كانت منجزات العلم عامل تقدم ورخاء نسبي للإنسان كانت تلك المنجزات نفسها من اهم وسائل تدمير الحياة السعيدة لشعوب الارض بلا تفريق وعدم مساواة وعدالة في نيل حقوق الانسان ومضامين حريته المسؤولة ضميريا وقانونيا واخلاقيا الى يومنا هذا. ............................................................................................ * الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.


شبكة النبأ
١١-٠٢-٢٠٢٥
- شبكة النبأ
في معنى العقلانية
تظل العقلانية في حالة صيرورة لا تعرف التوقف والثبات، وتتسم بالتغير والتحول الدائم والمتصل، ولا تسير في خط تصاعدي ثابت، أو خط تراجعي ثابت، لأن الإنسان لا يتوقف عن العودة إلى عقله، ولأن العقل يظل ينبه الإنسان دائماً بالعودة إليه، ولأنه أيضاً معرض لكثير من العوامل التي تحجب عنه... العقلانية هي فعل العقل أو فعالية العقل، والعقل هو الذي يولد العقلانية، ولا تولد العقلانية قطعاً من غير العقل. وتشير العقلانية إلى عنصر الحركة في العقل، وتكون ناظرة إلى العقل في تجلياته وأفعاله الظاهرية والخارجية، وبالتالي فإن البحث عن العقلانية ليس بحثاً عن ذات العقل وماهيته، وإنما هو بحث عن فعله وتحققه، وكيف يظهر ويعرف عند الآخرين، وكيف يمارس دوره وفعاليته. والعقل الذي يولد العقلانية، فإن هذا التوليد لا يحدث آلياً وطبيعياً، ومن دون مقدمات أو مؤثرات فكرية وثقافية ومعرفية، وتفسير ذلك أن جميع الناس لهم عقول، ولكن هل جميع الناس عقلانيون، ولو كانوا كذلك لما ظهرت بينهم كل هذه الحروب والصراعات المدمرة والمتوحشة، والتي يصفها العقلاء بالجنون، ولما حصلت مثل هذه الكوارث والمجاعات التي تهتك بالبشر، وكأنهم ليسوا من البشر، ولما هبطت قيمة الإنسان إلى هذا المستوى الذي تسلب فيه وتسحق كرامته وحقوقه… ولما، ولما التي لا تنتهي. ولا يراد من هذا القول، سلب صفة العقلانية عن الإنسان، فكل إنسان له القابلية والقدرة على اكتساب العقلانية وبأعلى دراجاتها لوجود العقل عنده، كما لا يمكن تجريد الإنسان كلياً من سمة العقلانية لوجود العقل عنده أيضاً. وبالتالي فليس هناك إنسان بلا عقلانية بالمطلق، ولكن الناس يختلفون ويتفاوتون فيها قوة وضعفاً، بمعنى أن الناس متساوون في العقل من جهة الطبيعة، ولكنهم متفاوتون في العقلانية من جهة الفعلية، والمقصود أنهم متفاوتون في درجة تنمية عقولهم وإعمالها وتجليتها. والعقل كما قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت في مفتتح كتابه الشهير (مقالة عن المنهج)، هو أحسن الأشياء توزعاً بالتساوي بين الناس، إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية، حتى الذين لا يسهل عليهم أن يقنعوا بحظهم من شيء غيره. فلا يمكن أن يكون الإنسان بهذا العقل الذي أودعه الله فيه، وبهذا العمر الطويل نسبياً، ولا يكون لديه نصيب من العقلانية، لأنه حينئذ سيفقد إنسانيته ولن يكون إنساناً، وهذا يعني أن العقلانية هي صفة نسبية بين الناس لا يتجردون منها كلياً، ولا يتساوون بها أيضاً. وليست هذه هي العقلانية التي نقصدها في هذا المقام، والتي نقصدها هي العقلانية العالمة، الواعية بذاتها، المدركة لوجودها، المتبصرة لنورها، المتجلية بضيائها. وتصوير أن العقلانية تشير إلى عنصر الحركة في العقل، نقصد بذلك المعنى الفلسفي لمفهوم الحركة، الذي يعني انتقال الشيء من القوة إلى الفعل على سبيل التدرج، وعلى هذا الأساس فإن العقلانية لا تولد من العقل في دفعة واحدة، وبصورة فورية، وإنما في دفعات وبطريقة متدرجة. وبفعل هذه الحركة تظل العقلانية في حالة صيرورة لا تعرف التوقف والثبات، وتتسم بالتغير والتحول الدائم والمتصل، ولا تسير في خط تصاعدي ثابت، أو خط تراجعي ثابت، لأن الإنسان لا يتوقف عن العودة إلى عقله، ولأن العقل يظل ينبه الإنسان دائماً بالعودة إليه، ولأنه أيضاً معرض لكثير من العوامل التي تحجب عنه نور العقل، وهذا ما يدركه الإنسان في داخله، ويتنبه إليه دائماً. إن العقلانية بطبيعتها وفي نظر العقلاء والحكماء قديماً وحديثاً لا تعرف الاكتمال أو الانتهاء، وليست هناك عقلانية مكتملة، أو عقلانية بلغت درجة الاكتمال، أو وصلت حد الانتهاء، كما ليس هناك ما يمكن وصفه بالعقل الكامل بين البشر. ومن يدعي امتلاك هذا الوصف، فإنه برهان على نقضه، ودليل على نقصان العقل وليس على كماله أو اكتماله، لأنه عندئذ يصدق عليه إعجاب المرء بنفسه، الذي لا يرتضيه العقلاء والحكماء لأنفسهم، ويوبخون من يدعي ذلك ويستنكرونه، وينهون الناس عنه، وفي حديث للإمام علي يقول فيه (إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله). والله سبحانه اقتضت حكمته العادلة أن يقسم العقل بين الناس، وهذا ما يعرفه العقلاء وغيرهم من الناس، لكي يدركوا حاجة بعضهم لبعض، وبمنطق القرآن الكريم (ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) ـ سورة الزخرف، آية 32ـ وبالعقل يدرك الإنسان حاجته لغيره، وحاجة غيره له، وأعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله، وليس أعقل الناس من تفرد على جميع الناس بعقله، وتظاهر بينهم بوصفه أعقلهم، فهذا ليس من العقل، ولا من سيرة العقلاء والحكماء. ومن يبلغ مرتبة رفيعة في العقلانية، وهي مرتبة سامية وشريفة لا يرتقي إليها إلا صفوة الناس، عليه أن لا يزكي نفسه (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) ـ سورة النجم، آية32ـ، ومن وصل إلى مثل هذه المرتبة السامية، عليه أن يحافظ على ثباته واستقامته، لكي يشع منه نور العقلانية، ويكون قبساً، ويظل الناس يقتبسوا منه هذا النور. وبعد هذه الإشارات، نأتي ونقول إن العقلانية كما ندركها ونتبصرها من حيث المعنى والمفهوم، هي تأكيد ما هو معقول على مستوى النظر والعمل، ونفي ما هو غير معقول على مستوى النظر والعمل، فهناك نفي، وهناك إثبات في معنى العقلانية، وتارة يتحدد المعنى في جانب الإثبات، وتارة يتحدد في جانب النفي، وجانب الإثبات يدل على جانب النفي، والعكس كذلك. وهذا المعنى يأخذ في الاعتبار جانب العقل والمعقول من جهة، وجانب ما هو ضد العقل والمعقول من جهة أخرى، وجانب ما يتقبله العقلاء والحكماء ويقرون ويعملون به، وجانب ما لا يتقبله العقلاء والحكماء ولا يقرون ولا يعملون به، بمعنى أن العقلانية تتجلى تارة فيما يوافق العقل، وتارة تتجلى في نفي ما يناقض العقل. ومن جهة أخرى، فإن العقلانية تتجلى تارة على مستوى النظر نفياً أو إثباتاً، وتارة تتجلى على مستوى العمل نفياً أو إثباتاً أيضاً. بناء على ما توارثه العقلاء في تقسيم العقل، إلى عقل نظري وعقل عملي، ويعرفون العقل النظري في إطار إدراك ما ينبغي أن يعلم، والعقل العملي في إطار ما ينبغي أن يعمل. وعلى مستوى النظر تتجلى العقلانية نفياً وإثباتاً في تقبل ما يقبله العقل والعقلاء، وفي رفض ما لا يتقبله العقل والعقلاء، وفي تحكيم معايير وضوابط العقل والعقلاء، والتي تتجلى في التثبت والتبين والتروي والتذكر والتفكر والتبصر، والدوران مع الدليل أينما دار، والتمسك بالحجة والبرهان (قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين) ـ سورة البقرة، آية 111ـ وهكذا على مستوى العمل.


شبكة النبأ
٠٨-١٠-٢٠٢٤
- شبكة النبأ
أورام الدماغ المشفّرة
ان الدماغ ينشأ كالصفحة البيضاء، نظيفًا من شوائب الشر، وأدران الحياة، ووظيفته تسلُّم المعلومات وتبويبها وتنسيقها حسب رؤية الإنسان وأهدافه المبطنة. لذلك يُصاب دماغُه بأورام خبيثة؛ ورم الشر والكسب والامتلاك، فتبدأ فصوصه بالانجذاب إلى الأفعال المريضة، وتصاب بلوثة نفسية للانتقام والكُرْهِ، والتلذُّذ بعذاب الآخرين بكيمياء السادية... الناس أجناس وطبائع، مثل أصابع اليد مختلفة الشكل والوظيفة، وهم كأجناس الطير، منهم مفاتيح للخير، ومغاليق للشر، ومنهم مغاليق للخير مفاتيح للشر. والله سبحانه وتعالى، جعل في طبع البشر الاختلاف والتضاد فيما بينهم؛ فهناك أمزجة مستقرة وأخرى متقلبة، وهناك يائسون وغيرهم حالمون، وهناك صالحون وضدهم طالحون، وهناك صادقون وعكسهم متملقون! حارت العلوم في معرفة أسرار الدماغ وخفاياه الظاهرة والباطنة؛ فلا علماء النفس والاجتماع والإنسان توصَّلوا إلى يقينٍ أبديٍّ عن كينونة هذا المخلوق الغريب؛ في نشأته، وسلوكه، وتفكيره (المشفَّر). كُتب عن الدماغ الكثير من الكتب والمجلدات، دون الوصول إلى السر الذي يجعله لغزًا محيّرًا، فهو يحتوي على 37 تريليون خلية في الجسم، ومئة مليار خلية عصبية تعمل فيه كألياف مثل الخيوط، حيث تتجدد بمعدل ثلاثمائة مليون مرة في الدقيقة الواحدة بأخرى مستهلكة. ووفقٌا لدراسة أمريكية حديثة نشرت هذا العام بأن سعة الدماغ في نطاق بيتابايت، مثل شبكة الويب بأكملها . في الدماغ، يبدأ سر التكوين، ولغز الوجود. وفيه تبدأ ميكانيكية صناعة سلوك الإنسان وانفعالاته وإحساسه وحركته. وتبدأ معها ألغاز فك شفرة الشخصية، واللغات التي يستخدمها للخير والشر، وبناء قدراته الذهنية والانفعالية، إضافة إلى الوظائف البيولوجية. من الآخر، إن الدماغ هو المتحكم في كامل الجسم (معالجةً ودمجًا وتنسيقًا للمعلومات). وعندما يتضرر الدماغ فأن العقل سيصاب بالعطب، خاصة أنه يمكنه تخزين ما يفوق مليون غيغابايت من البيانات، وهو ما يقدر بنحو 4.7 مليارات كتاب، أو 670 مليون صفحة ويب. ولقد اختلف الفلاسفة حول علاقة الدماغ بالعقل، وقضية فهم الوعي ومسألة العقل والجسم؛ وذلك لصعوبة شرح كيفية تنفيذ الأنشطة العقلية، مثل: الأفكار والعواطف؛ مما دفع ديكارت وآخرين على الاعتقاد بأن العقل مستقل، إلى حدٍّ ما، عن الدماغ. لكن الأمر اختلف بعد ذلك، فقد ثبت علميّاً وجود علاقة قوية بين نشاط الدماغ والنشاط العقلي، واعتبار الظواهر العقلية في النهاية هي ظواهر (فيزيائية). ما نراه في الحياة من سلوكيات للبشر هو (تحصيل حاصل لعمليات المخ المعقدة، والذي هو أكبر من الدماغ)؛ حيث الوظائف تتناسل في عمليات كيماوية وفيزيائية عبر فصوص المخ التي تقوم بوظائف ضبط النفس والإدراك والتخطيط والتحرك الحركي والعاطفة واللغة والرؤية، ولتُشكل، في النهاية، شخصيته بالتعاون مع التنشئة الاجتماعية والبيئة الخارجية. رباط الكلام، هو أن الدماغ ينشأ كالصفحة البيضاء، نظيفًا من شوائب الشر، وأدران الحياة، ووظيفته تسلُّم المعلومات وتبويبها وتنسيقها حسب رؤية الإنسان وأهدافه المبطنة. لذلك يُصاب دماغُه بأورام خبيثة؛ ورم الشر والكسب والامتلاك، فتبدأ فصوصه بالانجذاب إلى الأفعال المريضة، وتصاب بلوثة نفسية للانتقام والكُرْهِ، والتلذُّذ بعذاب الآخرين بكيمياء السادية. بدأت أورام الدماغ الاجتماعية تتكاثر في مجتمعنا؛ فصار لدينا: ورمٌ دماغي للنفاق، والانتهازية، والغيبة والنميمة، والكذب، والحسد، والوشاية، وهوس القتل والانتقام. فكم من أفئدةٍ أُدميت، وكم من أكبادٍ اكتأبت وتفتتت، وكم من أبرياء قتلوا، وكم من مظلومين عُذِّبوا، وتهدمت بيوت، وأُشعلت فتن، وتفكَّكت أسر، وزُرِعت أحقاد. صفاتٌ متواليات، ونعوتٌ متتابعات، كل خصلة أشد وأنكى من الأخرى. ومثلما كثرت الأورام السرطانية بفعل يورانيوم الحروب، أو لقسوة الأنظمة وظلمها للعراقي، فإن (الورم الاجتماعي السرطاني) بدأ يتشكَّل في الدماغ؛ نتيجة نمو خلايا الضغط النفسي لعذابات الحياة التي صنعتها السلطة السياسية على نيران تنُّور السياسة. صار الدماغ العراقي كتلة أورام مركبة، يصعب شفاؤها أو استئصالها طبيًّا، أو بمنظور الحكمة أو العلم أو الرحمة! صحيح أن الحياة داخلنا حياة جامدة لا حركة فيها، وأن علاقتنا بالآخرين تجعلها أكثر حيوية وديناميكية؛ ولكن كيف تستقيم الأمور وأدمغتنا مصابة بأورام (الكره والحقد والرياء)، ومهووسة بـ (المال الحرام)؛ حيث السرقة والنصب والاحتيال، ومتجاوزة لحق المواطنة والعدل، ومبرمجة على القيل والقال، والقبول بالظلم والذل. خلاصة الاكتشاف: خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل، واصل الإنسان عقله، وهو إمبراطور المستقبل.