logo
#

أحدث الأخبار مع #ديكارت

هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي*ممدوح المهيني
هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي*ممدوح المهيني

Amman Xchange

timeمنذ 6 أيام

  • سياسة
  • Amman Xchange

هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي*ممدوح المهيني

الشرق الاوسط تعرضت عائلة الفيلسوف سبينوزا للملاحَقة من قبل محاكم التفتيش في البرتغال. العائلة اليهودية وجدت ملجأ لها من المطاردات في أمستردام، عاصمة التسامح والأفكار الحرة. سبينوزا نفسه تعرض للنبذ من قبل اليهود بسبب أفكاره الجريئة في نقد اللاهوت، التي كان أبرزها في كتابه الشهير: «علم الأخلاق». ومع هذا، فإنه لم يكن مضطراً لمغادرة أمستردام التي، على عكس المدن الأوروبية الأخرى، رحَّبت بوجوده. امتهن صناعة العدسات، وخارج ساعات العمل خصَّص وقته للقراءة والكتابة. لم يكن سبينوزا المثقف الوحيد الذي لجأ إلى العاصمة الهولندية للتعبير عن أفكاره بحرية. الفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت أيضاً عاش في أمستردام معظم حياته، ونشر مؤلفاته هناك. في عاصمة بلاده، باريس، لم يكن قادراً على إنتاج أفكاره القائمة على الشك. أفكاره التي غيرت العالم ترعرعت جذورها الأولى في التربة الهولندية. البروتستانت المطرودون من المدن والقرى الأوروبية وجدوا أيضاً في أمستردام الملاذ الآمن. ورغم وصولهم إليها مضطهدين مفلسين، فإنه لم يمضِ وقت طويل حتى بدأوا تجارتهم وكوَّنوا منها ثروات. الحرية الفكرية والدينية أكسبت أمستردام سمعة عاصمة التسامح. ومع أجواء الحرية الفكرية ازدهرت التجارة، ورأى فيها الأثرياء مكاناً مثالياً للعيش. في المدن الأوروبية المتسخة والمتخلفة عمرانياً، كانت الطبقة الدينية نخبتها الفكرية، وعزلت نفسها عن بقية المجتمع، وكانت العواصم واجهات للأباطرة. نسبة التمدن في تلك العواصم لم تتجاوز الـ9 في المائة. أما في أمستردام، فقد وصلت إلى 56 في المائة. وفي وقت كانت فيه تلك العواصم خاملة اقتصادياً، ضمَّت هولندا مراكز تجارية تتنافس مع بعضها. التجار، والمحامون، والمصرفيون، والمهندسون، والفنانون، وأصحاب المدن، كلهم اجتمعوا في تلك المدن المزدهرة. في المدن الهولندية اجتمعت الحرية الشخصية والفكرية، التجارة المفتوحة، والشوارع النظيفة والباحات الأنيقة. البحث عن الكسب الشخصي لم يكن، للمرة الأولى في أوروبا، فعلاً آثماً أو غير أخلاقي، بل كان مرغوباً. وللمرة الأولى ظهر من نعرفهم برواد الأعمال، وبزغ رجال أعمال من نوع جديد: من تجار مصانع الأجبان إلى تجار البهارات والتوابل الهندية والإندونيسية. «سوق الأسهم» اختراع هولندي، والشركة «الهولندية الهندية الشرقية» هي الشركة المساهمة الأولى في العصر الحديث في «بورصة أمستردام». بهذه الصورة الزاهية يرسم الكاتب فريد زكريا صورة هولندا، ويجعلها الاستثناء عن أوروبا في القرن السادس عشر. وهي من أولى الثورات في كتابه: «عصر الثورات». وهي ثورة فكرية ودينية وتجارية، وليست ثورة سياسية. نظام حكمها لم يعرف حكم الإمبراطور المركزي السائد في أوروبا، بل تمتعت الأقاليم السبعة التي تشكلها بكثير من السلطة، وكانت قادرة على استخدام «الفيتو» ضد التشريعات القومية التي لا تعجبها. الطريقة الوحيدة لكي تعمل هذه الأقاليم السبعة هي عبر آليات التعاون والتسويات. أمستردام القرن السابع عشر هي نيويورك القرن العشرين. كسرت، كما يقول أحد المؤرخين في ذلك الوقت، القواعد بين الرجال والنساء، والسادة والعبيد، والجنود والمدنيين، والنبلاء والعاديين. النمو الاقتصادي قبل هولندا شيء، وبعدها شيء آخر. في خريطة التاريخ البشري، يمثل النمو الاقتصادي خطاً مسطحاً في الأسفل لأن التجارة كانت عبارة عن الاستيلاء ونهب الثروات. مع التجارة الحرة والانفتاح الاقتصادي واختراع السفن التي تنقل البضائع، تغير هذا الخط، وبدأ في الصعود من ذلك الحين. التحول الكبير، مهما كان ناجحاً، كان له معارضون. المحافظون دينياً عارضوا المتسامحين. القوميون عارضوا الليبراليين. المحتكرون عارضوا دعاة التجارة الحرة. سكان مدن الداخل الراكدة عارضوا سكان مدن الساحل المزدهرة. النوستالجيون عارضوا المستقبليين. نشب صراع حول الفكرة الليبرالية. هناك من رآها دعوة لعالم أفضل، وآخرون عدوها بذرة تدمير لكل ما عرفوه. تشكل هذا الصراع سياسياً بين حزب الولايات (The States Party) الليبرالي، وحزب أورانج (The Orangist Party) القومي. النجاح يجذب الحاسدين والأعداء. وهذا ما حدث لهولندا التي كانت تعيش عصرها الذهبي رغم الخلافات السياسية داخلها. أكثر مَن كرهها هو لويس الرابع عشر، ملك فرنسا. رأى الهولنديين متعجرفين. وجودهم يهدد حُكمه، وتحولت أمستردام إلى ملجأ للهاربين من بلاده. 150 ألفاً هربوا من أرض الاضطهاد الديني إلى أرض التسامح، من أرض الإقطاع إلى أرض التجارة. لم يحتمل لويس الرابع عشر هذا المشهد، وقرر غزوها في عام 1672. سقطت المدن تلو الأخرى، وقرر الهولنديون المقاومة عبر تحطيم السدود وإغراق الأراضي وبناء الخنادق. مقاومة أشبه بإطلاق النار على أقدامهم. دمروا أسباب نجاحهم. تُعَد هذه الحرب نهاية العصر الذهبي الهولندي، ولكن لويس الرابع عشر ارتكب غلطة كبيرة، وهي أنه لم يدرك أن ويليام الثالث، أمير أورانج، الذي عاد إلى الواجهة بضغط شعبي وتم تنصيبه كقائد عسكري، سيتحول لاحقاً إلى ملك بريطانيا، وينقل بذور الليبرالية ليزرعها في البلد الذي تحول إلى قوة عظمى. التجربة الهولندية المحدودة أصبحت أكبر وأوسع مع القوة الإنجليزية الصاعدة، وهذا ما سأتحدث عنه في المقال المقبل.

هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي
هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي

الشرق الأوسط

timeمنذ 6 أيام

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي

تعرضت عائلة الفيلسوف سبينوزا للملاحَقة من قبل محاكم التفتيش في البرتغال. العائلة اليهودية وجدت ملجأ لها من المطاردات في أمستردام، عاصمة التسامح والأفكار الحرة. سبينوزا نفسه تعرض للنبذ من قبل اليهود بسبب أفكاره الجريئة في نقد اللاهوت، التي كان أبرزها في كتابه الشهير: «علم الأخلاق». ومع هذا، فإنه لم يكن مضطراً لمغادرة أمستردام التي، على عكس المدن الأوروبية الأخرى، رحَّبت بوجوده. امتهن صناعة العدسات، وخارج ساعات العمل خصَّص وقته للقراءة والكتابة. لم يكن سبينوزا المثقف الوحيد الذي لجأ إلى العاصمة الهولندية للتعبير عن أفكاره بحرية. الفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت أيضاً عاش في أمستردام معظم حياته، ونشر مؤلفاته هناك. في عاصمة بلاده، باريس، لم يكن قادراً على إنتاج أفكاره القائمة على الشك. أفكاره التي غيرت العالم ترعرعت جذورها الأولى في التربة الهولندية. البروتستانت المطرودون من المدن والقرى الأوروبية وجدوا أيضاً في أمستردام الملاذ الآمن. ورغم وصولهم إليها مضطهدين مفلسين، فإنه لم يمضِ وقت طويل حتى بدأوا تجارتهم وكوَّنوا منها ثروات. الحرية الفكرية والدينية أكسبت أمستردام سمعة عاصمة التسامح. ومع أجواء الحرية الفكرية ازدهرت التجارة، ورأى فيها الأثرياء مكاناً مثالياً للعيش. في المدن الأوروبية المتسخة والمتخلفة عمرانياً، كانت الطبقة الدينية نخبتها الفكرية، وعزلت نفسها عن بقية المجتمع، وكانت العواصم واجهات للأباطرة. نسبة التمدن في تلك العواصم لم تتجاوز الـ9 في المائة. أما في أمستردام، فقد وصلت إلى 56 في المائة. وفي وقت كانت فيه تلك العواصم خاملة اقتصادياً، ضمَّت هولندا مراكز تجارية تتنافس مع بعضها. التجار، والمحامون، والمصرفيون، والمهندسون، والفنانون، وأصحاب المدن، كلهم اجتمعوا في تلك المدن المزدهرة. في المدن الهولندية اجتمعت الحرية الشخصية والفكرية، التجارة المفتوحة، والشوارع النظيفة والباحات الأنيقة. البحث عن الكسب الشخصي لم يكن، للمرة الأولى في أوروبا، فعلاً آثماً أو غير أخلاقي، بل كان مرغوباً. وللمرة الأولى ظهر من نعرفهم برواد الأعمال، وبزغ رجال أعمال من نوع جديد: من تجار مصانع الأجبان إلى تجار البهارات والتوابل الهندية والإندونيسية. «سوق الأسهم» اختراع هولندي، والشركة «الهولندية الهندية الشرقية» هي الشركة المساهمة الأولى في العصر الحديث في «بورصة أمستردام». بهذه الصورة الزاهية يرسم الكاتب فريد زكريا صورة هولندا، ويجعلها الاستثناء عن أوروبا في القرن السادس عشر. وهي من أولى الثورات في كتابه: «عصر الثورات». وهي ثورة فكرية ودينية وتجارية، وليست ثورة سياسية. نظام حكمها لم يعرف حكم الإمبراطور المركزي السائد في أوروبا، بل تمتعت الأقاليم السبعة التي تشكلها بكثير من السلطة، وكانت قادرة على استخدام «الفيتو» ضد التشريعات القومية التي لا تعجبها. الطريقة الوحيدة لكي تعمل هذه الأقاليم السبعة هي عبر آليات التعاون والتسويات. أمستردام القرن السابع عشر هي نيويورك القرن العشرين. كسرت، كما يقول أحد المؤرخين في ذلك الوقت، القواعد بين الرجال والنساء، والسادة والعبيد، والجنود والمدنيين، والنبلاء والعاديين. النمو الاقتصادي قبل هولندا شيء، وبعدها شيء آخر. في خريطة التاريخ البشري، يمثل النمو الاقتصادي خطاً مسطحاً في الأسفل لأن التجارة كانت عبارة عن الاستيلاء ونهب الثروات. مع التجارة الحرة والانفتاح الاقتصادي واختراع السفن التي تنقل البضائع، تغير هذا الخط، وبدأ في الصعود من ذلك الحين. التحول الكبير، مهما كان ناجحاً، كان له معارضون. المحافظون دينياً عارضوا المتسامحين. القوميون عارضوا الليبراليين. المحتكرون عارضوا دعاة التجارة الحرة. سكان مدن الداخل الراكدة عارضوا سكان مدن الساحل المزدهرة. النوستالجيون عارضوا المستقبليين. نشب صراع حول الفكرة الليبرالية. هناك من رآها دعوة لعالم أفضل، وآخرون عدوها بذرة تدمير لكل ما عرفوه. تشكل هذا الصراع سياسياً بين حزب الولايات (The States Party) الليبرالي، وحزب أورانج (The Orangist Party) القومي. النجاح يجذب الحاسدين والأعداء. وهذا ما حدث لهولندا التي كانت تعيش عصرها الذهبي رغم الخلافات السياسية داخلها. أكثر مَن كرهها هو لويس الرابع عشر، ملك فرنسا. رأى الهولنديين متعجرفين. وجودهم يهدد حُكمه، وتحولت أمستردام إلى ملجأ للهاربين من بلاده. 150 ألفاً هربوا من أرض الاضطهاد الديني إلى أرض التسامح، من أرض الإقطاع إلى أرض التجارة. لم يحتمل لويس الرابع عشر هذا المشهد، وقرر غزوها في عام 1672. سقطت المدن تلو الأخرى، وقرر الهولنديون المقاومة عبر تحطيم السدود وإغراق الأراضي وبناء الخنادق. مقاومة أشبه بإطلاق النار على أقدامهم. دمروا أسباب نجاحهم. تُعَد هذه الحرب نهاية العصر الذهبي الهولندي، ولكن لويس الرابع عشر ارتكب غلطة كبيرة، وهي أنه لم يدرك أن ويليام الثالث، أمير أورانج، الذي عاد إلى الواجهة بضغط شعبي وتم تنصيبه كقائد عسكري، سيتحول لاحقاً إلى ملك بريطانيا، وينقل بذور الليبرالية ليزرعها في البلد الذي تحول إلى قوة عظمى. التجربة الهولندية المحدودة أصبحت أكبر وأوسع مع القوة الإنجليزية الصاعدة، وهذا ما سأتحدث عنه في المقال المقبل.

ديكارت يصارع الظلام والظلاميين
ديكارت يصارع الظلام والظلاميين

الشرق الأوسط

time٠٨-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

ديكارت يصارع الظلام والظلاميين

عبقرية الأمم، كل الأمم، تتجسَّد عادة في كبار الأدباء والشعراء والفلاسفة. ولهذا السبب نقول إن ديكارت هو فرنسا، وشكسبير هو إنجلترا، وسيرفانتس هو إسبانيا، ودانتي هو إيطاليا، والمتنبي هو الأمة العربية... إلخ. هذا لا يعني أنه لا يوجد عباقرة آخرون غيرهم. أبداً لا. ولكن نقول هذا على سبيل المثال لا الحصر. وفيما يخص ديكارت، فهو بالفعل أشهر فيلسوف في تاريخ فرنسا. ولا يستطيع أحد أن ينافسه على قمة الشهرة والمجد. فمن هو هذا الشخص الذي وصلت شهرته إلى شتى أصقاع الأرض؟ ما من جامعة في العالم إلا وتدرِّس الفلسفة الديكارتية؛ فمن هو هذا «البطل المقدام للفكر»، كما وصفه هيغل يوماً ما؟ قد يستغرب القارئ إذا ما قلنا له إن ديكارت كان مهدداً في حياته باستمرار. ولهذا السبب نصحه أصدقاؤه بعد أن توسموا فيه أمارات العبقرية بأن يغادر فرنسا فوراً. قالوا له بما معناه: أنت وحدك القادر على كشف الحقيقة والمنهج المؤدي إلى تنويرنا وخلاصنا. وبالتالي فأنت لم تعد ملك نفسك وإنما ملك فرنسا كلها بل والبشرية جمعاء. ونحن لسنا سعداء لأن تغادرنا وتتركنا. ولا نطلب منك ذلك عن طيبة خاطر. ولكن إذا ما بقيت في البلاد فسوف تكون رأسك في الدائرة الحمراء للخطر. وعندئذ قد يطيحون بك قبل أن تكتشف الحقيقة وتضع مؤلفاتك الكبرى. وهذه خسارة لا تعوض. لماذا قالوا له هذا الكلام؟ لأن فرنسا وقتها كانت أصولية ظلامية متعصبة، كبعض عالمنا العربي والإسلامي. كانت كاثوليكية بأبوية في أغلبيتها الكبرى. وكانت تسحق المذاهب الأخرى وتكفرها ولا تدعها تتنفس، مجرد تنفس. كانت الحرية الفكرية معدومة فيها، على عكس إنجلترا وسويسرا وهولندا. ولكن هذه بلدان بروتستانتية تمثل أقلية داخل البحر العرمرم للمسيحية الكاثوليكية البابوية. وبما أن الحق دوماً مع الأكثرية، حتى ولو كانت على خطأ، فإن من مصلحة ديكارت الكاثوليكي أن يعيش عند البروتستانتيين الزنادقة الأكثر عقلانية وتسامحاً في فهم الدين المسيحي. نقول ذلك على الرغم من أنهم كانوا مكفرين من قبل الأغلبية الكاثوليكية التي تستبيح دمهم وتتقرب إلى الله تعالى بذبحهم. على هذا النحو كانت الأمور في ذلك الزمان. لشدّما تغيرت أوروبا. كيف كانت في العصور الخوالي وكيف أصبحت؟! ينبغي العلم أن ديكارت كان يعيش في عهد الكاردينال الشهير ريشيليو والملك لويس الثالث عشر. وقد اضطر الكاردينال العتيد إلى التعاون مع الأصوليين المسيحيين الذين كانوا يسيطرون على عامة الشعب آنذاك. ينبغي العلم أن الشعب البسيط الجاهل دائماً مع الأصوليين ورجال الدين «بتوع ربنا». انظروا ما يحصل عندنا أو في إيران وتركيا والعالم الإسلامي كله على سبيل المثال... ولكن ديكارت كان يعيش في القرن السابع عشر، ونحن نعيش في عز القرن الحادي والعشرين، أي بعد 400 سنة من ديكارت. ومع ذلك، فلا نزال غارقين في الظلامية الدينية ذاتها. ولا نزال مرعوبين من الأصوليين مثله، وربما أكثر منه... كان الأصوليون المسيحيون آنذاك يمثلون غلاة المذهب الكاثوليكي، ويضمهم تنظيم خطير يدعى «رابطة القربان المقدس». وكان هذا التنظيم مرتبطاً بالمخابرات العامة، وتكمن مهمته في ملاحقة من يعتبرونهم أعداء الدين أو المنحرفين عن الصراط المستقيم. كانت مهمته تكمن في ملاحقة من يدعونهم «أعداء الله»، أي كل العلماء والمثقفين المتنورين الذين يريدون أن يفكروا خارج إطار الأصولية المسيحية الساحقة، أو الامتثالية الاجتماعية الخانقة. لم يكن ديكارت ملحداً أبداً، وإنما كان مؤمناً عميق الإيمان بالله. ولكنه كان متحللاً أو متحرراً من أداء الطقوس والشعائر المسيحية. لا يستطيع أن يمضي سحابة يومه في حضور القُداسات والصلوات والعبادات. يُضاف إلى ذلك أنه كان مهووساً بالبحث عن الحقيقة كأي شخص عبقري، هذا في حين أن الحقيقة موجودة، جاهزة، بالنسبة للأصوليين، ولا داعي للبحث عنها. إنها موجودة في الكتب التراثية القديمة، أي الكتب الصفراء التي علاها الغبار، والتي كانت تشكل القاعدة الإيديولوجية والغذاء الروحي للشعب المسيحي وللمجتمع ككل. كان الكهنة يقولون: يا أيها الفيلسوف المتغطرس؛ لماذا تبحث عن الحقيقة والحقيقة موجودة في كتبنا الدينية المقدسة؟ ومن أنت يا سيد ديكارت حتى تتطاول على القدرة الإلهية؟ على هذا النحو كان الأصوليون يرعبون الفلاسفة والعلماء في ذلك الزمان. يضاف إلى ذلك أن الكاثوليكيين كانوا يعتبرون أنفسهم بمثابة المذهب الوحيد الصحيح في المسيحية. ولذلك كانوا يكفرون الآخرين كالبروتستانتيين وسواهم ويعتبرونهم هراطقة أو زنادقة. وكانت «رابطة القربان المقدس» الكاثوليكية تشكل أخطر جهاز مخابراتي شديد السرية. كانت منبثّة أو متغلغلة في جميع فئات الشعب، ولكن غير مرئية. وكان هدفها الوشاية بأي شخص تبدر عنه أي رغبة في التحرر، حتى ولو كان تحرراً محدوداً جداً. وكان فقهاء السوربون، أو علماء اللاهوت المسيحي، يراقبون جميع الكتب التي تصدر ويحذفون منها كل ما يعتقدون أنه مخالف للدين. والأنكى من ذلك أن عملاء ريشيليو كانوا يشكلون «مخابرات على المخابرات». فقد كانوا يتجسسون على جميع الناس بمن فيهم البوليس ورابطة القربان المقدس ذاتها! فكيف يمكن لديكارت أن يعيش في مثل هذا الجو الخانق؟ كيف يمكن له أن يكتب، أو يتنفس، أو يبدع الفلسفة الجديدة التي أخذت تختلج في أعماقه؟ لهذا السبب غادر بلاده الكاثوليكية إلى هولندا البروتستانتية حيث عاش معظم عمره ونشر كل كتبه. في الواقع، فإنه غادرها تحت جنح الظلام، بعد أن سمع بأن الكاردينال ريشيليو يخطط لاغتياله عن طريق أحد رجالات القربان المقدس... ولم يعرف أحد وجهته للوهلة الأولى، ولم يعط عنوانه فيما بعد إلا لبعض أصدقائه الخلَّص بعد أن أمرهم بالحفاظ على الكتمان والسرية المطلقة. وكانوا حريصين عليه أكثر من حرصه على نفسه كما ذكرنا، لأنهم كانوا يعرفون بأنه المفكر الوحيد القادر على خلافة الإنجليزي فرانسيس بيكون، واكتشاف الحقيقة المطموسة التي لا تعطي نفسها إلا للعباقرة أو عباقرة العباقرة. وهكذا، أقسم يميناً بالله أمام أصدقائه الخلص بأنه سيكون حذراً جداً، منذ الآن فصاعداً، وأنه سيحافظ على نفسه وحياته بقدر المستطاع، وسيكرس كل جهوده من أجل كشف الحقيقة العلمية - الفلسفية وخدمة الجنس البشري. ووعدهم بالتوصل إلى المنهج العقلاني والمفتاح الفلسفي الصحيح في أقرب وقت ممكن. وقد توصل إليه وعمره واحد وأربعون عاماً عندما ألف كتابه الشهير «مقال في المنهج». ولكنه نشره من دون توقيع خوفاً من غضب الكنيسة، بعد أن سمع بمحاكمة غاليليو. وهكذا صدر في 8 يونيو (حزيران) 1637 واحد من أعظم النصوص الفلسفية على مدار التاريخ. ثم تلاه نص آخر لا يقل أهمية عنه أن لم يزد هو: «التأملات الميتافيزيقية». صحيح أنهم وصلوا إلى ديكارت في نهاية المطاف عندما اغتاله الأصولي الكاثوليكي فرنسوا فيوغيه في أقاصي الأرض، في السويد، عن طريق دس السم له غيلة وغدراً في قلب الكنيسة. ولكنه كان قد وضع مؤلفاته الكبرى وحقق كشوفاته العظمى. في الواقع كانوا يخشون من فلسفته العقلانية المستنيرة على مفهومهم الطائفي والتكفيري الظلامي للدين المسيحي. ولهذا السبب اغتالوه ثم اغتالوا فكره عندما وضع «الفاتيكان» مؤلفاته على قائمة الكتب المحرمة. ولكن هيهات... فقد انتشر فكره في كل أنحاء أوروبا انتشار النار في الهشيم. وفي الختام، دعونا نطرح هذا السؤال: في أي عصر يعيش المثقف العربي حاليا؟ هل يعيش في القرن الحادي والعشرين أم في العصور الوسطى؟ والجواب هو أنه يعيش في عصر الأصولية والأصوليين تماماً مثل ديكارت أيام زمان. نعم، فإنه يعيش في عصر أبو مصعب السوري الذي قال مرة لا فض فوه: «الإرهاب فريضة والاغتيال سنّة». وهو غير ذلك الشخص الشنيع سيئ الذكر أبو مصعب الزرقاوي الذي أدمى العراق يوماً ما، وفرّخ «داعش» في نهاية المطاف. ثم أضاف أبو مصعب السوري قائلاً: اغتيال المثقفين أهم بكثير من اغتيال الرؤساء والزعماء والقادة السياسيين. لماذا؟ لأنهم قادة الفكر في العالم العربي وبالتالي فهم أخطر علينا من القادة السياسيين. إنهم ينافسوننا على قلوب الأجيال الصاعدة وعقولها. إنهم يريدون انتزاع الجماهير الشعبية من أيدينا. وهذا ما لن نسمح به مطلقاً. هذا خط أحمر بالنسبة لنا. ولذلك فاغتيالهم يُعتبر فريضة دينية مطلقة. بهذا المعنى. هكذا نلاحظ أنه ستندلع قريباً معركة فكرية كبرى بين المثقف الأصولي والمثقف التنويري في العالم العربي. وسوف تستخدم فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة. وسوف تكون شديدة الشراسة والضراوة. ولن تنتهي إلا بغالب ومغلوب.

لعبة الأمم وتطبيقات القوة… الاستعمار الجديد في القرن الحادي والعشرين
لعبة الأمم وتطبيقات القوة… الاستعمار الجديد في القرن الحادي والعشرين

موقع كتابات

time٠٦-٠٧-٢٠٢٥

  • أعمال
  • موقع كتابات

لعبة الأمم وتطبيقات القوة… الاستعمار الجديد في القرن الحادي والعشرين

تطرح تطورات الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة تساؤلات عما يمكن ان يكون في استشراف المستقبل، من حيث نموذج القوة وتطبيقاته في العلاقات داخل الدول وفيما بينها وفق اعتبارات متغيرة لثوابت الجغرافية السياسية، اذا حاولت مقارنة ذلك ما بين فلسفة 'هيغل' في حتمية الامتثال التاريخي ودورته الزمنية وبين شكوك 'ديكارت' وإرادة القوة والانسان الأعلى في عهود الحداثة الأولى، انتهت الى حقبة الاستعمار الكولونيالي، فهل تطرق أبواب الشرق الأوسط الجديد نموذجه الاستعماري مجددا ؟؟ لم تتغير تطبيقات القوة على مر العصور، اذ تنبع من الفوائد التي تجنى أموالا في الغزوات او الفتوحات ومن ريع الضرائب على الأرض والتجارة، حتى صح قول هارون الرشيد للغمامة 'أمطري أينما شئت فخراجك عائد لي'!! اليوم.. يكرر الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الصيني شي جين بيغ، وأيضا دول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن روسيا الاتحادية والهند ودول النمور الاسيوية، يضاف لها دول في أمريكا اللاتينية والقارة الافريقية، ان يقولون كل بطريقته لتلك الغمامة التي تمر فوق أراضيهم، وتلك التي يرغبون النفوذ اليها.. ما قاله هارون الرشيد بشتى العناوين ومختلف التبريرات. لكن، يقول ذلك كل منهم ، وفق قدراته الذاتية في مقاييس القوة المتجددة التي تجمع في بوتقة المال لشركات متعددة الجنسيات، يترجم العرس الأسطوري لجيف بيزوس، رئيس شركة الامازون هذا النموذج، فهناك شركات كبرى اعتمدت نموذج 'متعدد الجنسيات' الذي ظهر ما بعد الازمة النفطية 1973 ، لتكون لها القدرة على المواجهة في القفز من مركب موجات الركود الاقتصادي، وهناك اكثر من مدرسة اقتصادية في جامعات مرموقة تتعامل مع الأفكار التي تتعدل وفق متغيرات السوق والمنافسة لعل ابرزها مدارس لندن وفرانكفورت وسان فرانسيسكو، التي تتعامل مع هذا الطيف المتوسع من الشركات متعددة الجنسيات لتحاكي منظومة القوة المالية وتأثيراتها على الدول بما فيها الولايات المتحدة الامريكية. وفق هذا المنظور منحت الولايات المتحدة الملاذ الآمن لأصول الشركات متعددة الجنسيات، تراكم وجودها في الصناعة المصرفية الامريكية جعل 'الدولار' عملة دولية تدير اكثر المعاملات النقدية عبر جهات العالم الأربع ، وبذات معايير' المصالح' التي تحركت فيها السفن لنقل الجيوش الاوربية بحثا عن المستعمرات ومنها الأرض الجديدة التي تحولت الى الولايات المتحدة ، تتنقل الاساطيل الامريكية في قواعدها عبر جهات العام لحماية مصالح هذه الشركات، التي يتعامل معها الكثير من متعصبي الايدولوجيات الثورية، فلم ينجح مصدق في تأمم نفط ايران، وكان تأميم نفط العراق اعلانا للحرب عليه، كما لم ينجح كاسترو في الحد من نفوذ شركات زراعة قصب السكر، وانتهت الثورة الصينية الى نظام اقتصادي مزدوج، ما بين الاستثمار المفتوح لذات الشركات التي كان الشعب الصيني يقاتل ضد الدول 'الامبريالية' التي تمثلها، كذلك فعلت فيتنام، وأيضا النمور الاسيوية، بعد ان توصلوا الى ذات قناعة هارون الرشيد، ان تلك الغمامة التي تمر فوق سيادة أراضيهم لابد و…ان يعود لهم خراجها !! في نهاية القرن العشرين، كلفت مجموعة من مراكز الأبحاث الامريكية بتصميم مشروع 'القرن الأمريكي الجديد' ولعلي أتذكر تلك الندوات التي كانت تعقد في قناة CNN لمناقشة المصالح التي يمكن ان تجنيها الشركات متعددة الجنسيات من تلك الأفكار التي انطلقت من ذات المدراس الفكرية الاقتصادية باعتبار الاقتصاد المحرك الحيوي لعجلة الاستراتيجيات السياسية والعسكرية، فهناك ثلاثة كارتلات الأولى مصرفية والثانية صناعية تشارك فيها الصناعات العسكرية والثقيلة وصناعة الادوية، والثالثة صناعات الاتمتة التي تطورت الى الذكاء الاصطناعي، وكانت برامج البحث والتطوير الامريكية، مثل أبحاث وكالة ناسا للفضاء التي انتجت ما يعرف اليوم بنظام الانترنيت، او مؤسسة العلوم الوطنية (National Science Foundation) التي تدعم الأبحاث الأساسية والتعليم في جميع المجالات. لذلك اثارت تلك العقود التي وقعها الرئيس ترامب مع السعودية والامارات وقطر للمشاركة في هذه البرامج حفيظة اليمين الأمريكي المتشدد، فيما تعد هذه البرامج حصرية لولاية الملكية الفكرية الامريكية، وهناك منازعات كبرى بين واشنطن وبكين في هذا المجال، فقد أعلن الرئيس ترامب قبل زيارته لهذه الدول تخصيص 500 مليار دولار في برامج البحث والتطوير المستقبلية، لإنتاج معارف متجددة لها السبق في مضاهاة ما يمكن ان تصل اليه الدول المنافسة بما فيها الدول الحليفة في الاتحاد الأوربي على سبيل المثال. وقد سبق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ان صرح في أحد احتفالات إطلاق مشروعه 'نيويم 2030' ان التطور الاقتصادي والصناعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، ستحول السعودية والشرق الأوسط الى اوروبا جديدة وقارن بين نموذجي الموبايل القديم والأكثر تطورا وسط تصفيق كبار المدراء التنفيذين لذات الشركات متعددة الجنسيات!! لست متعلقا بنموذج المؤامرة وتحليلاتها، بل هي وقائع منشورة في المشروع الأمريكي للقرن الحادي والعشرين، افصح عنها الرئيس ترامب في رئاسته الأولى بعنوان مشروع 'القرن' وفق طرفي معادلة، الأول تصفية القضية الفلسطينية واطلاق مشاريع تنموية ضخمة في المنطقة احد روافعها الاتفاقات الابراهيمية، وكان من المتوقع ان تمضي السعودية لتوقيع ذات الاتفاقية او على اقل تقدير المضي بالمفاوضات مع إسرائيل لولا معركة السابع من تشرين الثاني في غزة ، وما صاحبها من تداعيات امتدت الى تصفيه حزب الله وتغيير نظام بشار الأسد والحرب الإسرائيلية على ايران، وما زالت تداعيات الدومينو تمضي بإدارة الرئيس ترامب، فيما لم تظهر أي قراءة واقعية لكل ذلك غير ما نشره الأمير تركي الفيصل على صفحات مجلة ' THE NATHION' الامريكية مقارنا بين حتمية القوة النووية الإسرائيلية وازدواجية قرار الرئيس ترامب في المشاركة بهذا العدوان، لكن فات الأمير السعودي ان في ذلك اثمانا لابد وان تدفع ، ومنها ما سبق وان دفعته بلاده في المتغير الثقافي من دولة توصف سنويا في تقارير حقوق الانسان الامريكية بالدولة ' الراديكالية المتشددة' التي أضحت اليوم دولة رفاهية، جعلت هيئة الأمر بالمعروف تنأى جانبا، فيما مازالت تلك التقارير تتهم ايران بتلك التهم، وربما لم تفهم ايران مغزى احاديث ترامب عن رفضه استهداف المرشد الأعلى خامنئي خلال الحرب الإسرائيلية الاخيرة، فقط لأنه قدم له هذا العرض على 'طبق القنابل العميقة' التي قصفت المواقع النووية الإيرانية، لينتهج ذات تطبيقات النموذج السعودي وصولا الى قبول المشاركة وان كان في الأقسام الخلفية لقطار الشرق الأوسط الجديد ، الذي بات على ترامب اعلان انطلاقه بموافقة ايران او رفضها، مما يجعلها تدفع اثمانا باهظة، بعد ان دفعت الامة العربية في سنوات الكفاح العربي عامة والفلسطيني خاصة ولم تحصل غير تلك الوعود ب'مشروع الدولتين' فقط لا غير. وفق كلما تقدم، تبدو أفكار 'هيغل' عن دورة التاريخ تستشرف عودة ' الاستعمار' في تسريبات الصحافة الإسرائيلية عن إعلانات كبرى لتوسيع الاتفاقات الابراهيمية، لتشمل ماليزيا وإندونيسيا وربما حتى الباكستان بعد توقيع السعودية، فهل ننتظر سفن الغزاة ام انها بين جدران سيادة دولنا بعناوين الذكاء الاصطناعي، وان بقي الشك غالبا كما عند 'ديكارت'.. لكن الإفصاح عنه، فقط على طاولات الأبواب الدوارة في لعبة الأمم للقرن الحادي والعشرين!!

أوبرا الناي السحري
أوبرا الناي السحري

صحيفة الخليج

time٠٥-٠٧-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • صحيفة الخليج

أوبرا الناي السحري

أصعب سؤال ليس الذي لا نعرف إجابة له، بل الذي نرفض طرحه أو نخشى معرفة إجابته! والأصعب أن الحق لا يصرخ أبداً، وإنما يهمس لمن يستطيع سماعه! فالحكمة ليست أن تعرف كيف تقول كل شيء، ولكن أن تعرف متى لا تقول أي شيء! حسناً، تفكَّروا جيداً وتأمَّلوا قبل أن تتمنوا أو تَأْمَلوا... فقد قالها الفيلسوف ديكارت «أنا أفكر، إذن أنا موجود»! معادلةٌ بسيطة، لقضيةٍ معقدة! هو عبقريٌ نمساوي، لا يفقه معنى التكافؤ أو التساوي، يتحدث الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واللاتينية، ملحنٌ وموزعٌ وعازفٌ ومايسترو، ومؤلف أوبرا «زواج فيغارو»، وكذلك «قداس الموت» و«ليلة موسيقية صغيرة» و«أوبرا الناي السحري»، إنه (فولفغانغ أماديوس موزارت)، أيقونة الفن في جميع الأوقات، وأعجوبة الزمن ضد تكنولوجيا الآلات، صاحب الأذن الموسيقية الحساسة، واللسان الساخر المعروف بالشراسة، والاستهتار المُغطَّى باللباقة والكياسة! تناقضٌ متوافق أم توافقٌ متناقض! المهم أنه معجزة تستحق الدراسة، حيث ما زال يثير فضول المعجبين والمؤيدين، وجنون المعارضين والمنتقدين، فقد افتتن بالموسيقى في سن الثالثة، وبدأ العزف الاحترافي في الرابعة، وألَّف أول ألحانه في الخامسة، وشارك بحفلاته الموسيقية في السادسة، وقام بأول جولة أوروبية في السابعة! أما في الرابعة عشرة، فقد عزف مقطوعة دينية شديدة التعقيد، ولم يكن حينها قد سمعها أكثر من مرتين بالتحديد، حيث كان قادراً على قراءة وحفظ أي نوتة من النظرة الأولى، بما يفوق القدرات البشرية الطبيعية المعقولة، فلقد تميّز بذاكرةٍ قويةٍ تستحضر أعداداً مهولة، من الصور والمشاهد والأحداث على المدى الطويل، وهي خاصية ربانية لا تحتاج للتدريب أو التأهيل، كما تميزت بها بعض الشخصيات باختلاف التفاصيل، مثل نابليون بونابرت، القائد العسكري الفرنسي، وكاسباروف بطل الشطرنج الروسي، وكلود مونيه، الرَّسام الانطباعي الحسي. مع شديد الأسف، وبكثيرٍ من التَّلف، يُقال إنه كان عضواً في الماسونية، وإنه أهداها أكثر من أوبرا وسيمفونية، ولكن لا أحد يعرف حقاً حقيقة حياته، كما لم يُحدَّد يوماً سبب وفاته، فهنالك مئات الافتراضات، التي تقابلها آلاف الاعتراضات، حتى إنه دُفن في مقبرةٍ جماعية عامة، ولم تلقَ جثته أي معاملة أرستقراطية خاصة. وعلى الرغم من ذلك أبت أعماله أن تُدفن معه، وأصرت أن يسمعها العالم الذي لم يسمعه، فاحتلت منزلة لم يحظَ بها أحد، لتعيش مؤلفاته بلا كَبَد إلى الأبد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store