
هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي*ممدوح المهيني
تعرضت عائلة الفيلسوف سبينوزا للملاحَقة من قبل محاكم التفتيش في البرتغال. العائلة اليهودية وجدت ملجأ لها من المطاردات في أمستردام، عاصمة التسامح والأفكار الحرة. سبينوزا نفسه تعرض للنبذ من قبل اليهود بسبب أفكاره الجريئة في نقد اللاهوت، التي كان أبرزها في كتابه الشهير: «علم الأخلاق». ومع هذا، فإنه لم يكن مضطراً لمغادرة أمستردام التي، على عكس المدن الأوروبية الأخرى، رحَّبت بوجوده. امتهن صناعة العدسات، وخارج ساعات العمل خصَّص وقته للقراءة والكتابة.
لم يكن سبينوزا المثقف الوحيد الذي لجأ إلى العاصمة الهولندية للتعبير عن أفكاره بحرية. الفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت أيضاً عاش في أمستردام معظم حياته، ونشر مؤلفاته هناك. في عاصمة بلاده، باريس، لم يكن قادراً على إنتاج أفكاره القائمة على الشك. أفكاره التي غيرت العالم ترعرعت جذورها الأولى في التربة الهولندية. البروتستانت المطرودون من المدن والقرى الأوروبية وجدوا أيضاً في أمستردام الملاذ الآمن. ورغم وصولهم إليها مضطهدين مفلسين، فإنه لم يمضِ وقت طويل حتى بدأوا تجارتهم وكوَّنوا منها ثروات.
الحرية الفكرية والدينية أكسبت أمستردام سمعة عاصمة التسامح. ومع أجواء الحرية الفكرية ازدهرت التجارة، ورأى فيها الأثرياء مكاناً مثالياً للعيش. في المدن الأوروبية المتسخة والمتخلفة عمرانياً، كانت الطبقة الدينية نخبتها الفكرية، وعزلت نفسها عن بقية المجتمع، وكانت العواصم واجهات للأباطرة. نسبة التمدن في تلك العواصم لم تتجاوز الـ9 في المائة. أما في أمستردام، فقد وصلت إلى 56 في المائة. وفي وقت كانت فيه تلك العواصم خاملة اقتصادياً، ضمَّت هولندا مراكز تجارية تتنافس مع بعضها.
التجار، والمحامون، والمصرفيون، والمهندسون، والفنانون، وأصحاب المدن، كلهم اجتمعوا في تلك المدن المزدهرة. في المدن الهولندية اجتمعت الحرية الشخصية والفكرية، التجارة المفتوحة، والشوارع النظيفة والباحات الأنيقة. البحث عن الكسب الشخصي لم يكن، للمرة الأولى في أوروبا، فعلاً آثماً أو غير أخلاقي، بل كان مرغوباً. وللمرة الأولى ظهر من نعرفهم برواد الأعمال، وبزغ رجال أعمال من نوع جديد: من تجار مصانع الأجبان إلى تجار البهارات والتوابل الهندية والإندونيسية. «سوق الأسهم» اختراع هولندي، والشركة «الهولندية الهندية الشرقية» هي الشركة المساهمة الأولى في العصر الحديث في «بورصة أمستردام».
بهذه الصورة الزاهية يرسم الكاتب فريد زكريا صورة هولندا، ويجعلها الاستثناء عن أوروبا في القرن السادس عشر. وهي من أولى الثورات في كتابه: «عصر الثورات». وهي ثورة فكرية ودينية وتجارية، وليست ثورة سياسية. نظام حكمها لم يعرف حكم الإمبراطور المركزي السائد في أوروبا، بل تمتعت الأقاليم السبعة التي تشكلها بكثير من السلطة، وكانت قادرة على استخدام «الفيتو» ضد التشريعات القومية التي لا تعجبها. الطريقة الوحيدة لكي تعمل هذه الأقاليم السبعة هي عبر آليات التعاون والتسويات.
أمستردام القرن السابع عشر هي نيويورك القرن العشرين. كسرت، كما يقول أحد المؤرخين في ذلك الوقت، القواعد بين الرجال والنساء، والسادة والعبيد، والجنود والمدنيين، والنبلاء والعاديين. النمو الاقتصادي قبل هولندا شيء، وبعدها شيء آخر. في خريطة التاريخ البشري، يمثل النمو الاقتصادي خطاً مسطحاً في الأسفل لأن التجارة كانت عبارة عن الاستيلاء ونهب الثروات. مع التجارة الحرة والانفتاح الاقتصادي واختراع السفن التي تنقل البضائع، تغير هذا الخط، وبدأ في الصعود من ذلك الحين.
التحول الكبير، مهما كان ناجحاً، كان له معارضون. المحافظون دينياً عارضوا المتسامحين. القوميون عارضوا الليبراليين. المحتكرون عارضوا دعاة التجارة الحرة. سكان مدن الداخل الراكدة عارضوا سكان مدن الساحل المزدهرة. النوستالجيون عارضوا المستقبليين. نشب صراع حول الفكرة الليبرالية. هناك من رآها دعوة لعالم أفضل، وآخرون عدوها بذرة تدمير لكل ما عرفوه. تشكل هذا الصراع سياسياً بين حزب الولايات (The States Party) الليبرالي، وحزب أورانج (The Orangist Party) القومي.
النجاح يجذب الحاسدين والأعداء. وهذا ما حدث لهولندا التي كانت تعيش عصرها الذهبي رغم الخلافات السياسية داخلها. أكثر مَن كرهها هو لويس الرابع عشر، ملك فرنسا. رأى الهولنديين متعجرفين. وجودهم يهدد حُكمه، وتحولت أمستردام إلى ملجأ للهاربين من بلاده. 150 ألفاً هربوا من أرض الاضطهاد الديني إلى أرض التسامح، من أرض الإقطاع إلى أرض التجارة. لم يحتمل لويس الرابع عشر هذا المشهد، وقرر غزوها في عام 1672.
سقطت المدن تلو الأخرى، وقرر الهولنديون المقاومة عبر تحطيم السدود وإغراق الأراضي وبناء الخنادق. مقاومة أشبه بإطلاق النار على أقدامهم. دمروا أسباب نجاحهم. تُعَد هذه الحرب نهاية العصر الذهبي الهولندي، ولكن لويس الرابع عشر ارتكب غلطة كبيرة، وهي أنه لم يدرك أن ويليام الثالث، أمير أورانج، الذي عاد إلى الواجهة بضغط شعبي وتم تنصيبه كقائد عسكري، سيتحول لاحقاً إلى ملك بريطانيا، وينقل بذور الليبرالية ليزرعها في البلد الذي تحول إلى قوة عظمى. التجربة الهولندية المحدودة أصبحت أكبر وأوسع مع القوة الإنجليزية الصاعدة، وهذا ما سأتحدث عنه في المقال المقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Amman Xchange
١٢-٠٧-٢٠٢٥
- Amman Xchange
بنك أمستردام في لندن: كيف استنسخت بريطانيا معجزة هولندا؟*ممدوح المهيني
الشرق الاوسط أطلقت هولندا الثورة الليبرالية بصيغتها الحديثة: تجارة حرة، واختراعات جديدة، وحرية التنقل. تسامح ديني، وفلاسفة لا يخشون أن تُقطع رؤوسهم بتهمة الهرطقة. مدن حقيقية، لا ريفية. رواد أعمال وفنانون ورجال تجارة يمتزجون ويشكلون ملامح العصر الحديث. انتقلت بعد ذلك العدوى إلى بريطانيا. لكن السؤال: لماذا وجدت الأفكار الليبرالية موطئ قدم لها في الجزيرة الإنجليزية؟ الطريق لم يكن سهلاً، كما يوضح الكاتب فريد زكريا في كتابه «عصر الثورات». رغم أن البلدين ينتميان إلى الطائفة البروتستانتية، فإنهما كانا متنافسين. دخلت أساطيلهما البحرية في صراعات للسيطرة على التجارة وخطوط الملاحة. كان الإنجليز يكرهون أن تلعب هولندا دور القطب العالمي للتجارة الدولية. ورغم أن «شركة الهند الشرقية البريطانية» تأسست عام 1600، قبل «شركة الهند الشرقية الهولندية» التي تأسست عام 1602، فإن الأخيرة توسعت سريعاً، وازدادت قوتها في وقت قصير. حكم الرومان الجزيرة البريطانية، ولكن بقبضة مرتخية. وعندما انهارت الإمبراطورية الرومانية، كانت بريطانيا من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرتها. لم تترسخ فيها البنى الإمبراطورية؛ ما منحها فرصة لتعيش في أجواء من الحرية الفوضوية. كانت مشابهة لهولندا وتملك نفس المواصفات التي ساعدتها على التغيير: برلمان، وجماعات متنافسة، وقوى سياسية متعددة. بريطانيا في العصور الوسطى امتلكت حكومات محلية مستقلة. تمرد البارونات عام 1215 حدَّ من سلطة الملك جون لاكلاند، وأُقرت «وثيقة الماغنا كارتا». بقيت الملكية، لكنها راعت وجود قوى أخرى: النبلاء، والتجار، ورجال الدين. وكان على الملك أخذ رأيهم في القضايا الأساسية، مثل فرض الضرائب والتشريعات. الملك هنري الثامن قرر الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية بسبب خلاف حول زواجه. رفض البابا طلاقه؛ فقطع علاقته مع الفاتيكان. هذا الانفصال منح الملكية قوة غير مسبوقة؛ إذ وضعت يدها على ممتلكات الكنيسة من أراضٍ وأموال وأوقاف. لكنه أضعفها من جانب آخر؛ إذ خلق معارضة من الداخل. غياب الكنيسة الكاثوليكية أفسح المجال للإصلاح البروتستانتي الذي شجّع الأصوات المطالبة بمساءلة السلطة لا الخضوع لها. الملك تشارلز الأول لم تعجبه طريقة الحكم الإنجليزية القائمة على تشارك السلطة. لم ترُق له التسويات والتنازلات للنبلاء، وفضّل الطريقة الفرنسية في الحكم المطلق. لم تمضِ خطته كما رسم لها؛ دخل في صراعات مع البرلمان، وفي عام 1642 اندلعت الحرب الأهلية، وراح ضحيتها نحو 150 ألف شخص. انتهت بإعدامه عام 1649، وأُلغيت الملكية وأُعلنت الجمهورية. لكن الاحتفالات بالنصر وولادة الجمهورية لم تدم طويلاً. أولئك الذين اعتقدوا أنها بداية لحكم إنساني كانوا مخطئين. دخلت إنجلترا في فوضى، وظهرت نزعات قمعية غير ليبرالية. أبرزها الحركات التطهرية المتشددة (البيوريتانيون) التي شنت حروباً على الغناء والرقص والاحتفالات. الفنون، في نظرهم، خطيئة. حتى أعياد الميلاد عُدّت طقوساً وثنية. ومع تصاعد هذا الضغط، انفجرت الثورة المجيدة عام 1688. الثورة المجيدة الليبرالية كانت لحظة فاصلة. أطاحت بالملك جيمس الثاني. كان ملكاً كاثوليكياً مثيراً للجدل. أراد إخضاع البرلمان، وعندما فشل، وواجه معارضة شديدة، قرر البرلمان دعوة ويليام أوف أورانج، الحاكم الهولندي المتزوج من ماري ابنة جيمس الثاني، لتولي العرش. هذه الخطوة غيّرت مجرى التاريخ الإنجليزي. جلب ويليام معه أفكاراً ومؤسسات هولندية في التجارة والسياسة. الهولنديون والإنجليز لم يكونوا أصدقاء. خاضوا ثلاث حروب كبرى بين 1652 و1674. فرضوا تعريفات مرتفعة على بعضهم، وتنافسوا في الأسواق الأوروبية والآسيوية. لكنهم اتفقوا على عداء الملك لويس الرابع عشر الفرنسي الذي تحالف مع جيمس الثاني. ولهذا تحالفوا للإطاحة به، وقاموا بمغامرة تتويج الحاكم الهولندي. التف حوله التجار، ورجال الدين البروتستانت، والنبلاء، والساسة. الملك الهولندي – الذي أصبح ملكاً إنجليزياً – مُنح السلطة من البرلمان، ولأول مرة في التاريخ أصبحت سلطات الملك محدودة ودستورية. لم تكن مطلقة على الطريقة الفرنسية، ولا مدعومة بنظرية «الحق الإلهي». كانت نسخة محسّنة من النموذج الهولندي: تأخذ من الملكية قيادتها واستقرارها، ومن القوى المتنافسة مرونتها وقدرتها على المراقبة والمساءلة. لم تكن ديمقراطية، لكنها لم تكن سلطوية. ويليام الذي عُرف بدهائه استطاع أن يضع حداً للصراعات الدينية والسياسية بعد أن استقرت الأمور. وللمرة الأولى تنفست إنجلترا هواءً نقياً، بعد عقود من المؤامرات والصدامات. لم تعد الأولوية للتطرف السياسي أو الديني، بل لنجاح إنجلترا الاقتصادي. ووجد التجار في هذا المشروع مصلحتهم؛ فدعموا الدولة الجديدة. رغم الخلافات بين المحافظين والليبراليين، اتفقوا على أن مستقبل البلاد يعتمد على دعم هذا الشكل من الدولة. صدر قانون التسامح الديني عام 1689، فأقر الحرية والتعددية الدينية، وسمح للكنائس «المهرطقة» بالازدهار. تراجعت ملاحقة الساحرات، وأُزيح الدين عن كونه أداة تقسيم، وخرجت إنجلترا من فوضى الصراعات الطائفية. عاد المفكر جون لوك من منفاه في هولندا، بعدما أصبحت إنجلترا ترحب بالأفكار الجديدة. رسّخ الاستقرار السياسي هوية قومية صلبة، وشجّع الهجرة من أمستردام إلى لندن. رجال المال افتتحوا مشاريع في البلد المستقر الجديد. رجال الدولة المقربون من ويليام رافقوه ونصحوه في السياسة والاقتصاد. الطائفة البروتستانتية الفرنسية المضطهدة؛ الهوغونوت التي لجأت أولاً إلى هولندا، هاجرت إلى إنجلترا، حاملين معهم ثرواتهم ومهاراتهم في صناعة الزجاج والمنسوجات والساعات. طبقة ماهرة ومتعلمة خسرتها فرنسا وكسبتها إنجلترا. أُسّس بنك إنجلترا على غرار بنك أمستردام، وكانت 15 في المائة من ودائعه تعود للهوغونوت. يقول فريد زكريا إن ثورة 1688 حققت ثلاثة أشياء: أولاً، دمجت الإمبراطوريتين الهولندية والإنجليزية في التجارة والأسطول البحري. ثانياً، هدّأت من الصراع الحزبي بين المحافظين والليبراليين. ثالثاً، كرّست النموذج الهولندي المنفتح على حساب النموذج الفرنسي المغلق. ولم يمضِ وقت طويل حتى تجاوز البريطانيون الهولنديين. في مطلع القرن الثامن عشر، ومع انطلاق الثورة الصناعية، تسلّمت لندن زمام القيادة في التجارة والصناعة، في حين تقوقعت أمستردام على أمجادها. يُفرّق المؤرخون الاقتصاديون بين لحظتين فاصلتين في التاريخ الاقتصادي: الانفصال الصغير الذي قادته هولندا في القرن السادس عشر، وأسّس لاقتصاد السوق الحديث. والانفصال الكبير الذي قادته إنجلترا لاحقاً، فصارت قوة صناعية وتجارية عالمية. أخذت إنجلترا الابتكارات الهولندية – مثل البورصة والبنوك والملاحة – وعمّمتها على نطاق عالمي. الثورة المجيدة كانت لحظة الخروج من العصر الوسيط، وظهور هرمية جديدة لا تستند إلى النسب أو الدين، بل إلى الثروة والمكانة. صار الجنيه الإسترليني أهم من الأصل النبيل والانتماء الطائفي. أسهمت اللغة الإنجليزية في دفع هذه التجربة إلى مستوى أعلى، خصوصاً بعد الاتحاد مع اسكوتلندا عام 1707. أصبحت وسيلة للانصهار القومي، وأداة تجارية حملها البريطانيون إلى مستعمراتهم. جمعت اللغة والمشروع الإمبراطوري بين سكان المملكة في هوية مشتركة. وهكذا تحولت «بريطانيا الصغيرة» إلى «بريطانيا العظمى». مع زيادة الدخل وصعود الاقتصاد، ازدادت قوة الدولة. ارتفع دخل الأفراد لا النخب فقط، وازدادت عوائد الضرائب. الدولة المقسّمة والفقيرة تحولت إلى دولة ثرية وقوية. أصبح العمال البريطانيون يكسبون أكثر من نظرائهم الأوروبيين، وأكثر بكثير من نظرائهم في آسيا وأفريقيا. ومع التجارة الحرة، زادت وفرة المنتجات، وارتفع الاستهلاك. صار المواطن الإنجليزي الذي لم يكن يملك وقتاً أو مالاً للإفطار، يشرب الشاي من الصين والسكر من الكاريبي. ازدهرت النزعة الاستهلاكية، وصارت الدولة تجمع 60 إلى 80 في المائة من ضرائبها من سلع مثل الشاي والقهوة والسكر والتبغ. منتجات لم تكن متاحة سوى للأثرياء أصبحت في متناول الجميع. ماذا فعلت الدولة الصاعدة بهذه الأموال المتدفقة؟ استثمرتها في بناء الأسطول الملكي البريطاني الذي وسّع نفوذها حول العالم. السفن البريطانية الضخمة والمتقدمة تقنياً، لم يكن لها مثيل، وبدأ معها عصر الصناعات العسكرية الثقيلة. المال والتقنية جعلا الأسطول البريطاني بلا منافس، وأكبر من مجموع كل أساطيل العالم الأخرى. استُخدم في الحروب، لكنه خُصص أساساً لحماية طرق التجارة وملاحقة القراصنة، ومن هناك بدأت بذور العولمة. استعارت إنجلترا التجربة الهولندية وطوّرتها. استمدت منها بذور الليبرالية الفكرية والاقتصادية. توّجت الملك الهولندي على عرشها، وعدّت الملكية ركيزة للاستقرار ومصدراً للشرعية. التغيّرات العميقة، كما يقول الكاتب، أتت من الأسفل وليس الأعلى، ومن داخل المجتمع وليس خارجه. ماذا يحدث عندما تأتي التغيّرات من الأعلى وبالقوة والإكراه؟ هذا ما كانت عليه الثورة الفرنسية، وهو موضوع المقال القادم.


العرب اليوم
١٢-٠٧-٢٠٢٥
- العرب اليوم
بنك أمستردام في لندن: كيف استنسخت بريطانيا معجزة هولندا؟
أطلقت هولندا الثورة الليبرالية بصيغتها الحديثة: تجارة حرة، واختراعات جديدة، وحرية التنقل. تسامح ديني، وفلاسفة لا يخشون أن تُقطع رؤوسهم بتهمة الهرطقة. مدن حقيقية، لا ريفية. رواد أعمال وفنانون ورجال تجارة يمتزجون ويشكلون ملامح العصر الحديث. انتقلت بعد ذلك العدوى إلى بريطانيا. لكن السؤال: لماذا وجدت الأفكار الليبرالية موطئ قدم لها في الجزيرة الإنجليزية؟ الطريق لم يكن سهلاً، كما يوضح الكاتب فريد زكريا في كتابه «عصر الثورات». رغم أن البلدين ينتميان إلى الطائفة البروتستانتية، فإنهما كانا متنافسين. دخلت أساطيلهما البحرية في صراعات للسيطرة على التجارة وخطوط الملاحة. كان الإنجليز يكرهون أن تلعب هولندا دور القطب العالمي للتجارة الدولية. ورغم أن «شركة الهند الشرقية البريطانية» تأسست عام 1600، قبل «شركة الهند الشرقية الهولندية» التي تأسست عام 1602، فإن الأخيرة توسعت سريعاً، وازدادت قوتها في وقت قصير. حكم الرومان الجزيرة البريطانية، ولكن بقبضة مرتخية. وعندما انهارت الإمبراطورية الرومانية، كانت بريطانيا من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرتها. لم تترسخ فيها البنى الإمبراطورية؛ ما منحها فرصة لتعيش في أجواء من الحرية الفوضوية. كانت مشابهة لهولندا وتملك نفس المواصفات التي ساعدتها على التغيير: برلمان، وجماعات متنافسة، وقوى سياسية متعددة. بريطانيا في العصور الوسطى امتلكت حكومات محلية مستقلة. تمرد البارونات عام 1215 حدَّ من سلطة الملك جون لاكلاند، وأُقرت «وثيقة الماغنا كارتا». بقيت الملكية، لكنها راعت وجود قوى أخرى: النبلاء، والتجار، ورجال الدين. وكان على الملك أخذ رأيهم في القضايا الأساسية، مثل فرض الضرائب والتشريعات. الملك هنري الثامن قرر الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية بسبب خلاف حول زواجه. رفض البابا طلاقه؛ فقطع علاقته مع الفاتيكان. هذا الانفصال منح الملكية قوة غير مسبوقة؛ إذ وضعت يدها على ممتلكات الكنيسة من أراضٍ وأموال وأوقاف. لكنه أضعفها من جانب آخر؛ إذ خلق معارضة من الداخل. غياب الكنيسة الكاثوليكية أفسح المجال للإصلاح البروتستانتي الذي شجّع الأصوات المطالبة بمساءلة السلطة لا الخضوع لها. الملك تشارلز الأول لم تعجبه طريقة الحكم الإنجليزية القائمة على تشارك السلطة. لم ترُق له التسويات والتنازلات للنبلاء، وفضّل الطريقة الفرنسية في الحكم المطلق. لم تمضِ خطته كما رسم لها؛ دخل في صراعات مع البرلمان، وفي عام 1642 اندلعت الحرب الأهلية، وراح ضحيتها نحو 150 ألف شخص. انتهت بإعدامه عام 1649، وأُلغيت الملكية وأُعلنت الجمهورية. لكن الاحتفالات بالنصر وولادة الجمهورية لم تدم طويلاً. أولئك الذين اعتقدوا أنها بداية لحكم إنساني كانوا مخطئين. دخلت إنجلترا في فوضى، وظهرت نزعات قمعية غير ليبرالية. أبرزها الحركات التطهرية المتشددة (البيوريتانيون) التي شنت حروباً على الغناء والرقص والاحتفالات. الفنون، في نظرهم، خطيئة. حتى أعياد الميلاد عُدّت طقوساً وثنية. ومع تصاعد هذا الضغط، انفجرت الثورة المجيدة عام 1688. الثورة المجيدة الليبرالية كانت لحظة فاصلة. أطاحت بالملك جيمس الثاني. كان ملكاً كاثوليكياً مثيراً للجدل. أراد إخضاع البرلمان، وعندما فشل، وواجه معارضة شديدة، قرر البرلمان دعوة ويليام أوف أورانج، الحاكم الهولندي المتزوج من ماري ابنة جيمس الثاني، لتولي العرش. هذه الخطوة غيّرت مجرى التاريخ الإنجليزي. جلب ويليام معه أفكاراً ومؤسسات هولندية في التجارة والسياسة. الهولنديون والإنجليز لم يكونوا أصدقاء. خاضوا ثلاث حروب كبرى بين 1652 و1674. فرضوا تعريفات مرتفعة على بعضهم، وتنافسوا في الأسواق الأوروبية والآسيوية. لكنهم اتفقوا على عداء الملك لويس الرابع عشر الفرنسي الذي تحالف مع جيمس الثاني. ولهذا تحالفوا للإطاحة به، وقاموا بمغامرة تتويج الحاكم الهولندي. التف حوله التجار، ورجال الدين البروتستانت، والنبلاء، والساسة. الملك الهولندي – الذي أصبح ملكاً إنجليزياً – مُنح السلطة من البرلمان، ولأول مرة في التاريخ أصبحت سلطات الملك محدودة ودستورية. لم تكن مطلقة على الطريقة الفرنسية، ولا مدعومة بنظرية «الحق الإلهي». كانت نسخة محسّنة من النموذج الهولندي: تأخذ من الملكية قيادتها واستقرارها، ومن القوى المتنافسة مرونتها وقدرتها على المراقبة والمساءلة. لم تكن ديمقراطية، لكنها لم تكن سلطوية. ويليام الذي عُرف بدهائه استطاع أن يضع حداً للصراعات الدينية والسياسية بعد أن استقرت الأمور. وللمرة الأولى تنفست إنجلترا هواءً نقياً، بعد عقود من المؤامرات والصدامات. لم تعد الأولوية للتطرف السياسي أو الديني، بل لنجاح إنجلترا الاقتصادي. ووجد التجار في هذا المشروع مصلحتهم؛ فدعموا الدولة الجديدة. رغم الخلافات بين المحافظين والليبراليين، اتفقوا على أن مستقبل البلاد يعتمد على دعم هذا الشكل من الدولة. صدر قانون التسامح الديني عام 1689، فأقر الحرية والتعددية الدينية، وسمح للكنائس «المهرطقة» بالازدهار. تراجعت ملاحقة الساحرات، وأُزيح الدين عن كونه أداة تقسيم، وخرجت إنجلترا من فوضى الصراعات الطائفية. عاد المفكر جون لوك من منفاه في هولندا، بعدما أصبحت إنجلترا ترحب بالأفكار الجديدة. رسّخ الاستقرار السياسي هوية قومية صلبة، وشجّع الهجرة من أمستردام إلى لندن. رجال المال افتتحوا مشاريع في البلد المستقر الجديد. رجال الدولة المقربون من ويليام رافقوه ونصحوه في السياسة والاقتصاد. الطائفة البروتستانتية الفرنسية المضطهدة؛ الهوغونوت التي لجأت أولاً إلى هولندا، هاجرت إلى إنجلترا، حاملين معهم ثرواتهم ومهاراتهم في صناعة الزجاج والمنسوجات والساعات. طبقة ماهرة ومتعلمة خسرتها فرنسا وكسبتها إنجلترا. أُسّس بنك إنجلترا على غرار بنك أمستردام، وكانت 15 في المائة من ودائعه تعود للهوغونوت. يقول فريد زكريا إن ثورة 1688 حققت ثلاثة أشياء: أولاً، دمجت الإمبراطوريتين الهولندية والإنجليزية في التجارة والأسطول البحري. ثانياً، هدّأت من الصراع الحزبي بين المحافظين والليبراليين. ثالثاً، كرّست النموذج الهولندي المنفتح على حساب النموذج الفرنسي المغلق. ولم يمضِ وقت طويل حتى تجاوز البريطانيون الهولنديين. في مطلع القرن الثامن عشر، ومع انطلاق الثورة الصناعية، تسلّمت لندن زمام القيادة في التجارة والصناعة، في حين تقوقعت أمستردام على أمجادها. يُفرّق المؤرخون الاقتصاديون بين لحظتين فاصلتين في التاريخ الاقتصادي: الانفصال الصغير الذي قادته هولندا في القرن السادس عشر، وأسّس لاقتصاد السوق الحديث. والانفصال الكبير الذي قادته إنجلترا لاحقاً، فصارت قوة صناعية وتجارية عالمية. أخذت إنجلترا الابتكارات الهولندية – مثل البورصة والبنوك والملاحة – وعمّمتها على نطاق عالمي. الثورة المجيدة كانت لحظة الخروج من العصر الوسيط، وظهور هرمية جديدة لا تستند إلى النسب أو الدين، بل إلى الثروة والمكانة. صار الجنيه الإسترليني أهم من الأصل النبيل والانتماء الطائفي. أسهمت اللغة الإنجليزية في دفع هذه التجربة إلى مستوى أعلى، خصوصاً بعد الاتحاد مع اسكوتلندا عام 1707. أصبحت وسيلة للانصهار القومي، وأداة تجارية حملها البريطانيون إلى مستعمراتهم. جمعت اللغة والمشروع الإمبراطوري بين سكان المملكة في هوية مشتركة. وهكذا تحولت «بريطانيا الصغيرة» إلى «بريطانيا العظمى». مع زيادة الدخل وصعود الاقتصاد، ازدادت قوة الدولة. ارتفع دخل الأفراد لا النخب فقط، وازدادت عوائد الضرائب. الدولة المقسّمة والفقيرة تحولت إلى دولة ثرية وقوية. أصبح العمال البريطانيون يكسبون أكثر من نظرائهم الأوروبيين، وأكثر بكثير من نظرائهم في آسيا وأفريقيا. ومع التجارة الحرة، زادت وفرة المنتجات، وارتفع الاستهلاك. صار المواطن الإنجليزي الذي لم يكن يملك وقتاً أو مالاً للإفطار، يشرب الشاي من الصين والسكر من الكاريبي. ازدهرت النزعة الاستهلاكية، وصارت الدولة تجمع 60 إلى 80 في المائة من ضرائبها من سلع مثل الشاي والقهوة والسكر والتبغ. منتجات لم تكن متاحة سوى للأثرياء أصبحت في متناول الجميع. ماذا فعلت الدولة الصاعدة بهذه الأموال المتدفقة؟ استثمرتها في بناء الأسطول الملكي البريطاني الذي وسّع نفوذها حول العالم. السفن البريطانية الضخمة والمتقدمة تقنياً، لم يكن لها مثيل، وبدأ معها عصر الصناعات العسكرية الثقيلة. المال والتقنية جعلا الأسطول البريطاني بلا منافس، وأكبر من مجموع كل أساطيل العالم الأخرى. استُخدم في الحروب، لكنه خُصص أساساً لحماية طرق التجارة وملاحقة القراصنة، ومن هناك بدأت بذور العولمة. استعارت إنجلترا التجربة الهولندية وطوّرتها. استمدت منها بذور الليبرالية الفكرية والاقتصادية. توّجت الملك الهولندي على عرشها، وعدّت الملكية ركيزة للاستقرار ومصدراً للشرعية. التغيّرات العميقة، كما يقول الكاتب، أتت من الأسفل وليس الأعلى، ومن داخل المجتمع وليس خارجه. ماذا يحدث عندما تأتي التغيّرات من الأعلى وبالقوة والإكراه؟ هذا ما كانت عليه الثورة الفرنسية، وهو موضوع المقال القادم.


Amman Xchange
١١-٠٧-٢٠٢٥
- Amman Xchange
هولندا: سبينوزا وسوق الأسهم... بداية العصر الليبرالي*ممدوح المهيني
الشرق الاوسط تعرضت عائلة الفيلسوف سبينوزا للملاحَقة من قبل محاكم التفتيش في البرتغال. العائلة اليهودية وجدت ملجأ لها من المطاردات في أمستردام، عاصمة التسامح والأفكار الحرة. سبينوزا نفسه تعرض للنبذ من قبل اليهود بسبب أفكاره الجريئة في نقد اللاهوت، التي كان أبرزها في كتابه الشهير: «علم الأخلاق». ومع هذا، فإنه لم يكن مضطراً لمغادرة أمستردام التي، على عكس المدن الأوروبية الأخرى، رحَّبت بوجوده. امتهن صناعة العدسات، وخارج ساعات العمل خصَّص وقته للقراءة والكتابة. لم يكن سبينوزا المثقف الوحيد الذي لجأ إلى العاصمة الهولندية للتعبير عن أفكاره بحرية. الفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت أيضاً عاش في أمستردام معظم حياته، ونشر مؤلفاته هناك. في عاصمة بلاده، باريس، لم يكن قادراً على إنتاج أفكاره القائمة على الشك. أفكاره التي غيرت العالم ترعرعت جذورها الأولى في التربة الهولندية. البروتستانت المطرودون من المدن والقرى الأوروبية وجدوا أيضاً في أمستردام الملاذ الآمن. ورغم وصولهم إليها مضطهدين مفلسين، فإنه لم يمضِ وقت طويل حتى بدأوا تجارتهم وكوَّنوا منها ثروات. الحرية الفكرية والدينية أكسبت أمستردام سمعة عاصمة التسامح. ومع أجواء الحرية الفكرية ازدهرت التجارة، ورأى فيها الأثرياء مكاناً مثالياً للعيش. في المدن الأوروبية المتسخة والمتخلفة عمرانياً، كانت الطبقة الدينية نخبتها الفكرية، وعزلت نفسها عن بقية المجتمع، وكانت العواصم واجهات للأباطرة. نسبة التمدن في تلك العواصم لم تتجاوز الـ9 في المائة. أما في أمستردام، فقد وصلت إلى 56 في المائة. وفي وقت كانت فيه تلك العواصم خاملة اقتصادياً، ضمَّت هولندا مراكز تجارية تتنافس مع بعضها. التجار، والمحامون، والمصرفيون، والمهندسون، والفنانون، وأصحاب المدن، كلهم اجتمعوا في تلك المدن المزدهرة. في المدن الهولندية اجتمعت الحرية الشخصية والفكرية، التجارة المفتوحة، والشوارع النظيفة والباحات الأنيقة. البحث عن الكسب الشخصي لم يكن، للمرة الأولى في أوروبا، فعلاً آثماً أو غير أخلاقي، بل كان مرغوباً. وللمرة الأولى ظهر من نعرفهم برواد الأعمال، وبزغ رجال أعمال من نوع جديد: من تجار مصانع الأجبان إلى تجار البهارات والتوابل الهندية والإندونيسية. «سوق الأسهم» اختراع هولندي، والشركة «الهولندية الهندية الشرقية» هي الشركة المساهمة الأولى في العصر الحديث في «بورصة أمستردام». بهذه الصورة الزاهية يرسم الكاتب فريد زكريا صورة هولندا، ويجعلها الاستثناء عن أوروبا في القرن السادس عشر. وهي من أولى الثورات في كتابه: «عصر الثورات». وهي ثورة فكرية ودينية وتجارية، وليست ثورة سياسية. نظام حكمها لم يعرف حكم الإمبراطور المركزي السائد في أوروبا، بل تمتعت الأقاليم السبعة التي تشكلها بكثير من السلطة، وكانت قادرة على استخدام «الفيتو» ضد التشريعات القومية التي لا تعجبها. الطريقة الوحيدة لكي تعمل هذه الأقاليم السبعة هي عبر آليات التعاون والتسويات. أمستردام القرن السابع عشر هي نيويورك القرن العشرين. كسرت، كما يقول أحد المؤرخين في ذلك الوقت، القواعد بين الرجال والنساء، والسادة والعبيد، والجنود والمدنيين، والنبلاء والعاديين. النمو الاقتصادي قبل هولندا شيء، وبعدها شيء آخر. في خريطة التاريخ البشري، يمثل النمو الاقتصادي خطاً مسطحاً في الأسفل لأن التجارة كانت عبارة عن الاستيلاء ونهب الثروات. مع التجارة الحرة والانفتاح الاقتصادي واختراع السفن التي تنقل البضائع، تغير هذا الخط، وبدأ في الصعود من ذلك الحين. التحول الكبير، مهما كان ناجحاً، كان له معارضون. المحافظون دينياً عارضوا المتسامحين. القوميون عارضوا الليبراليين. المحتكرون عارضوا دعاة التجارة الحرة. سكان مدن الداخل الراكدة عارضوا سكان مدن الساحل المزدهرة. النوستالجيون عارضوا المستقبليين. نشب صراع حول الفكرة الليبرالية. هناك من رآها دعوة لعالم أفضل، وآخرون عدوها بذرة تدمير لكل ما عرفوه. تشكل هذا الصراع سياسياً بين حزب الولايات (The States Party) الليبرالي، وحزب أورانج (The Orangist Party) القومي. النجاح يجذب الحاسدين والأعداء. وهذا ما حدث لهولندا التي كانت تعيش عصرها الذهبي رغم الخلافات السياسية داخلها. أكثر مَن كرهها هو لويس الرابع عشر، ملك فرنسا. رأى الهولنديين متعجرفين. وجودهم يهدد حُكمه، وتحولت أمستردام إلى ملجأ للهاربين من بلاده. 150 ألفاً هربوا من أرض الاضطهاد الديني إلى أرض التسامح، من أرض الإقطاع إلى أرض التجارة. لم يحتمل لويس الرابع عشر هذا المشهد، وقرر غزوها في عام 1672. سقطت المدن تلو الأخرى، وقرر الهولنديون المقاومة عبر تحطيم السدود وإغراق الأراضي وبناء الخنادق. مقاومة أشبه بإطلاق النار على أقدامهم. دمروا أسباب نجاحهم. تُعَد هذه الحرب نهاية العصر الذهبي الهولندي، ولكن لويس الرابع عشر ارتكب غلطة كبيرة، وهي أنه لم يدرك أن ويليام الثالث، أمير أورانج، الذي عاد إلى الواجهة بضغط شعبي وتم تنصيبه كقائد عسكري، سيتحول لاحقاً إلى ملك بريطانيا، وينقل بذور الليبرالية ليزرعها في البلد الذي تحول إلى قوة عظمى. التجربة الهولندية المحدودة أصبحت أكبر وأوسع مع القوة الإنجليزية الصاعدة، وهذا ما سأتحدث عنه في المقال المقبل.