logo
#

أحدث الأخبار مع #ماوتسيتونغ

لعبة الأمم: من حرب الرّسوم إلى حرب النّجوم
لعبة الأمم: من حرب الرّسوم إلى حرب النّجوم

الشرق الجزائرية

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق الجزائرية

لعبة الأمم: من حرب الرّسوم إلى حرب النّجوم

«أساس ميديا» حرب الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، وعلى الاتّحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وهي الدول الأكثر تعاملاً اقتصاديّاً مع الولايات المتّحدة، ليست جديدة. فالقلق الأميركي من سرعة التطوّر الصناعي في الصين ومن انفتاحها على أسواق العالم (طريق الحرير)، حمل الإدارة الأميركية الجديدة على انتهاج سياسة عدائيّة تجاه الصين، كما حدث في مرّات عديدة سابقة. الجديد في الصراع الأميركي – الصيني هو أنّ الدولتين الكبيرتين معنيّتان بالشرق الأوسط وبدول العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي يجعل من هذه الدول مسرحاً أو أحد مسارح الصراع الجديد. نشبت صراعات أميركية – صينية كثيرة، وكانت الدول العربية والإسلامية بمنأى عنها. من ذلك مثلاً اعتقاد الولايات المتّحدة أنّ ماوتسي تونغ بنجاح ثورته في الصين سيشكّل خطراً على المصالح الأميركية الاستراتيجيّة. وفي محاولة من واشنطن للالتفاف على هذا التطوّر وتطويقه، شنّت حرباً على كوريا في الخمسينيات من القرن الماضي، أي بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية. اعتقدت واشنطن في ذلك الوقت أنّ الصين بقيادة ماوتسي تونغ ستصبح قوّة معزّزة للاتّحاد السوفياتي، ويقتضي قطع الطريق أمام التحالف الصيني – السوفياتي الالتفاف على الصين وتطويقها من خلال كوريا. انتهزت واشنطن فرصة تغيّب المندوب السوفياتي في مجلس الأمن، مستفيدةً من تعطيل دور الفيتو، لاتّخاذ قرار إعلان الحرب على كوريا باسم الأمم المتّحدة. دفعت الولايات المتّحدة ثمناً غالياً سياسيّاً وعسكريّاً لتكتشف، ولو بعد فوات الأوان، أنّ ماوتسي تونغ لم يكن حليفاً لموسكو، بل إنّ الصراع الصيني – السوفياتي على الحدود أدّى إلى مناوشات عسكرية بينهما. عرف الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيّته هنري كيسنجر كيف يمكن التسلّل من ثغرات الخلافات الصينية – السوفيتية لبناء جسر من الثقة بين بكين وواشنطن. وهو الجسر الذي عبرت عليه العلاقات بين العاصمتين عقوداً طويلة… ولا تزال بقاياه قائمة حتّى اليوم. ترامب بالاتّجاه المعاكس لنيكسون يبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحاول الآن القيام بالعملية السياسية ذاتها التي قام بها الرئيس الأسبق نيكسون، لكن باتّجاه معاكس. فبدلاً من أن ينفتح على بكين، كما فعل نيكسون، لقطع الطريق أمام تحالف موسكو – بكين، قرّر الانفتاح على موسكو لقطع هذا الطريق. يتمثّل هذا الانفتاح في الوساطة غير المتعثّرة التي يقوم بها الآن بين موسكو وكييف لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وكانت الترجمة العمليّة الأولى لهذه الوساطة إدانة سياسة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن (وحلف شمال الأطلسي) وسوء معاملة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض وإخراجه منه شبه مطرود. ويبدو واضحاً الآن أنّ المحادثات التمهيدية بين الجانبين الروسي والأوكراني في المملكة العربية السعودية، بمشاركة أميركية مباشرة، قد حقّقت الهدف المرحليّ الانتقالي من الحرب إلى التسوية. هذا يعني دخول العلاقات بين الاتّحاد الروسيّ والولايات المتّحدة مرحلة جديدة من التعاون المشترك الذي يضع الصين خارج معادلة التفاهم الصيني – السوفياتي السابق. يذكر المؤرّخ الأميركي ديفيد هلبيرشتاين في كتابه 'الشتاء الأبرد: أميركا والحرب الكوريّة'، كيف أنّ الصينيين في ذلك الوقت لم يكونوا يملكون طائرات عسكرية مقاتلة، وأنّ رئيس الاتّحاد السوفياتي آنذاك جوزف ستالين نكث بوعده لهم بتزويدهم بالطائرات. ويذكر أيضاً كيف أنّ القوّات الصينية (300 ألف جندي) عانت المجاعة أثناء الحرب بسبب انقطاع طريق الإمداد، وأنّها لم تكن تملك سوى 300 سيّارة شحن لنقل الجنود والمعدّات والذخيرة… وبقايا الطعام. الصّين اليوم والصّين بالأمس لكنّ الصين اليوم هي غير الصين بالأمس. تعرف الولايات المتحدة أنّ بكين أصبحت قوّة نووية، وتملك أساطيل جويّة وبحريّة قادرة على انتزاع تايوان من بين براثن النفوذ الأميركي وإعادتها بالقوّة العسكرية إلى الوطن الأمّ من جديد. ثمّ إنّ النفوذ الصيني المعنويّ (السياسي والاقتصادي) امتدّ إلى أميركا اللاتينية وإفريقيا، وإلى الشرق الأوسط، وإنّ هذا الامتداد يفرض معادلات سياسية – عسكرية تعيد رسم مسرح لعبة الأمم من جديد. من أجل ذلك يحاول الرئيس ترامب التودّد إلى روسيا عن طريق تسوية الحرب في أوكرانيا لقطع الطريق أمام أيّ تحالف روسي – صيني في مواجهة النفوذ الأميركي المتعثّر في الشرق الأقصى تحديداً، وفي مناطق عديدة أخرى من العالم، نتيجة سياسة الرئيس ترامب الاستعلائية والضريبية الجديدة. من المعروف عن الرئيس الأميركي ترامب أنّه قد لا يكون رجل دولة ناجحاً، لكنّه بالتأكيد رجل أعمال ناجح جدّاً. ومن المعروف أيضاً أنّه يدير شؤون الدولة الكبرى في العالم بحسابات رجل الأعمال وبعقليّة رجل السياسة. فهو يعرف أنّ الصين اليوم التي وصلت إلى القمر، هي ليست الصين في الأمس التي غرقت في وحول كوريا وفيتنام. ولكنّه يعرف أيضاً أنّ موسكو اليوم المتعثّرة في أوكرانيا ليست موسكو الأمس التي وصلت إلى كوبا. أين يقف العالم العربي من هذه التحوّلات التي نقلت العالم من حرب الرسوم إلى حرب النجوم، والتي تصنع مستقبل عالم القرن الواحد والعشرين؟!

فون دير لاين «تنعى» موت الغرب
فون دير لاين «تنعى» موت الغرب

الشرق الأوسط

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

فون دير لاين «تنعى» موت الغرب

الغربُ مقابل الشرق مصطلحٌ جغرافي، إلا أنّه تجاوز ذلك الإطار ليدل على منظومة متكاملة: فلسفية وسياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية واجتماعية ودينية، ولدت ونشأت في أوروبا الغربية. الغرب يعني البلدان الأوروبية الرأسمالية اقتصادياً. كما يعني سياسياً البلدان ذات الأنظمة السياسية الديمقراطية المؤسسة على الفلسفة الليبرالية. أي أن المصطلح يشير ويؤكد منظومة متكاملة تقودها أميركا تقابلها منظومة مخالفة لها سُميّت الشرقية، كان يقودها النظام السوفياتي - الاشتراكي في موسكو ونظيره في بكين. بانهيار الاتحاد السوفياتي، واختفائه من خريطة العالم، لم يعد لتلك المنظومة المناوئة للغرب وجود. والدول التي كانت تدور في مدار موسكو، وتنهج نهجه السياسي والاقتصادي، انتقلت إلى الضفة الأخرى، وأضحت جزءاً منها. ورغم ذلك، فإن مصطلح الغرب لدى التطبيق، ما زال في كثير من مناحيه يضيق ليقتصر على دول أوروبا الغربية المتقدمة صناعياً، ولا يتسع ليشمل دول وسط أوروبا الاشتراكية سابقاً. فيما يتعلق بالصين، فإن الحزب الشيوعي الصيني، على عكس نظيره ومنافسه الروسي، ما زال قائماً. لكن التطبيق الاشتراكي لحقه التغيير، واختلف تطبيقه عما كان عليه في عهد المؤسس ماو تسي تونغ. ويبقى من المفيد الإشارة إلى أن روسيا، على سبيل المثال، كانت لدى دول الشرق تُحسب على الغرب، ولدى دول الغرب تُحسب على الشرق. ولعلنا نتذكر أن اليابان حين هزمت روسيا عام 1905، وُصفت بأنها أول دولة شرقية تهزم دولة غربية في العصر الحديث! نحن لم نكن في حاجة إلى هذه المقدمة للتذكير والتدليل على معنى مصطلح الغرب، لو لم تبادر رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، خلال مقابلة صحافية أجرتها مؤخراً مع صحيفة «دير يت» الألمانية، ونشرتها مترجمة صحيفة «التايمز» اللندنية يوم الخميس، الموافق 17 أبريل (نيسان) الحالي، إلى نعي موت الغرب، بتأكيدها أن «الغرب كما نعرفه مات». وتقصد بذلك نهايته سياسياً، في صيغته بصفته تحالفاً ليبرالياً رأسمالياً ديمقراطياً عسكرياً، يمتد من واشنطن إلى أوروبا الغربية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. «موت الغرب»، كما تقصده رئيسة المفوضية الأوروبية ارتبط، في رأيها، بفك الارتباط الذي أعلنه ونفّذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الحلفاء الأوروبيين، بداية من التهديد بالانسحاب من حلف «الناتو»، مروراً بالموقف من أوكرانيا وروسيا، وانتهاءً بقرار فرض الرسوم الجمركية على جميع الدول، وفي المقدمة دول الاتحاد الأوروبي، مضافاً إليه موقفه المعادي لحرية التعبير في الجامعات، وتضييق الحريات... إلخ. في تحليل الثورات، يتفق الكثير من المفكرين على أنها تبدأ في الأطراف، بعيداً عن أعين السلطات في المراكز، ثم تتمدّد باتجاهها. الأمر نفسه ينطبق على السقوط والانهيار، فهو يبدأ من الأطراف ويزحف نحو المركز. من الممكن الاستشهاد بما حدث في روسيا. انهيار الاتحاد السوفياتي لم يبدأ من موسكو، بل جاء زحفاً من الأطراف، أي في البلدان التي كانت تدور في مدار موسكو. ثم أخيراً وصل إلى موسكو، وكانت نهاية التاريخ، حسب رأي فوكوياما. ما انطبق على الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية يطول كذلك الغرب، ومركزه واشنطن. يمكن الإشارة بصفته بداية إلى تتالي ظهور الحركات والأحزاب الشعبوية في بلدان أوروبا الغربية، وبشكل متسارع. ذلك البروز من الهامش إلى المتن، ترتبت عليه أشياء كثيرة يأتي في مقدمتها تضييق مساحة الحريات على عدة مستويات، والتوجه إلى بناء الحواجز والجدران العازلة، والعداء للمهاجرين من كل الجنسيات، خاصة المسلمين منهم، بمزاعم الحفاظ على الجنس الأوروبي والثقافة والتقاليد الأوروبية. ما بدأ في الأطراف وصل إلى المركز في واشنطن، واقتحم الكونغرس في 6 يناير(كانون الثاني) 2021. يبدو لي من خلال المتابعة، أن نعي موت الغرب على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية جاء متأخراً. وفي رأيي أنه تأكد بفقدان مصداقيته الأخلاقية في قطاع غزة، حيث وقف موقف المتفرج في آنٍ، لما يحدث من إبادة على يد أكبر قوة عسكرية في المنطقة ضد مليوني فلسطيني. في قطاع غزة، أدار الغرب الليبرالي الديمقراطي ظهره إلى كل تراثه وأدبياته في حماية حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، وإدانة العسف والقمع والاضطهاد والاحتلال، بتجاهله عمداً حملة إسرائيل لإبادة وتهجير مليوني فلسطيني في القطاع. وكأن مَن يُقتل من أطفال ونساء وعجزة وشباب ليسوا بشراً، ويقابل ذلك موقفه لما يحدث في أوكرانيا، حيث يتدفق السلاح والمال والمقاتلون لنجدة الشعب الأوكراني من غطرسة وعدوانية الغزو الروسي! الموت يأتي في أشكال مختلفة. ربما أحدها ما نعايشه من أحداث في أوروبا وأميركا. والعصر الشعبوي العنصري الذي بدأ زحفه لا يقتصر على معاداة النخبة الحاكمة في أوروبا وأميركا والقضاء عليها، وإقامة الأسوار والجدران بينها وبين دول العالم الأخرى، بل هو نذير بمرحلة ظلامية قادمة، تشبه، إلى حد ما، ما تعرّضت له بلداننا العربية والإسلامية من موجات إرهابية ظلامية دموية حدّ التوحش.

الاكتفاء الذاتي شكل من أشكال السيادة التامة
الاكتفاء الذاتي شكل من أشكال السيادة التامة

البلاد البحرينية

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • البلاد البحرينية

الاكتفاء الذاتي شكل من أشكال السيادة التامة

الزعيم الصيني ماو تسي تونغ رأى أن الاكتفاء الذاتي هو حجر الأساس في استقلال الأمم، وكان يؤمن أن الدولة التي تعتمد على الخارج في قوتها ودوائها وسلاحها، تُعرّض نفسها للهيمنة، مهما رفعت من شعارات السيادة. فالاكتفاء الذاتي، في نظره، ليس مجرد خيار اقتصادي، بل شكل من أشكال السيادة الكاملة. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومعه عادت لغة العقوبات والمقاطعات الاقتصادية التي لطالما استخدمها كأداة ضغط، فإنني أرى فيما يراه البعض محنة او تهديدًا، منحة وفرصة ثمينة للدول التي طالما تعودت على الاستيراد والاعتماد على الخارج. ففي عالم يموج بهوج العواصف، لم تعد السيادة الاقتصادية ترفًا، بل ضرورة. والمقاطعة تفضح العيوب وتفضح نقاط الضعف، وتدفع إلى سؤال يظل يطرح بإلحاح عند كل نازلة: لماذا نعتمد على غيرنا في غذائنا ودوائنا وتعليم أبنائنا؟ صحيح أن المقاطعة قد تكون موجعة في بدايتها، لكنها صفعة توقظ الكسول الغافل، وتدفع الدول لأن تزرع ما تأكل وتصنع ما تحتاج، فالأمن الغذائي والدوائي ليس مجرد ملفات في الأدراج، بل هو خط الدفاع الأول أمام أي تهديد خارجي. ولنا في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة وهو القائل 'لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي الجبل فيحتطب، فيبيع، فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه'، وهي دعوة نبوية كريمة إلى العمل والكسب الذاتي ولو كان بسيطًا، ففيه كرامة أعظم من التكسّب بالسؤال. الاعتماد على الذات ليس حلمًا بعيد المنال. لدينا الأرض، والماء، والعقول، والإرادة، ونحتاج إلى قرار، نحتاج أن نؤمن بأن ما نزرعه ونصنعه، ولو كان أغلى، فهو أغلى لأنه يحفظ كرامتنا. في عهد ترامب العائد، حيث السياسة تقوم على القوة والمصلحة، لا بد أن نتحرك، لا ننتظر ما يُملى علينا، بل نكتب مصيرنا بأيدينا، فالمقاطعة ليست نهاية، بل بداية جديدة، لأمم قررت أن تكون حرة، لا رهينة لحسابات الغير.

مجتمع الاستخبارات الأميركي وتقييم مخاطر دول "كرينك"
مجتمع الاستخبارات الأميركي وتقييم مخاطر دول "كرينك"

الميادين

time١١-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الميادين

مجتمع الاستخبارات الأميركي وتقييم مخاطر دول "كرينك"

مع نهاية الربع الأول من كلّ سنة، يصدر مجتمع الاستخبارات الأميركي (Intelligence Community) تقريراً خاصاً بعنوان "تقييم المخاطر" (Threat Assessment). ويضمّ مجتمع الاستخبارات الأميركي 18 وحدة متخصصة تشكّل الهيكل العامّ للاستخبارات الأميركية (الـ CIA هي واحدة منها فقط). أما التقرير فيعرض ما يسمّيه المخاطر التي يتعرّض لها "الأمن القومي الأميركي"، وعادة ما يصنّف المخاطر إلى مخاطر من غير الدول (تجارة المخدرات والمواد الخطرة، التنظيمات من غير الدول) ومخاطر دولية (الدول التي تشكّل حالة عدائية للولايات المتحدة وسياساتها). ليس غريباً أن يختصر التقرير المخاطر الدولية في 4 دول، بات العديد من الكتّاب يفضّلون اختصارهم بـ "كرينك" CRINK (الصين، روسيا، إيران، وكوريا الشمالية). في التقييم الاستراتيجي، الذي يعرضه التقرير عن الصين، يأتي على ذكر عام 2049 باعتباره عام "التجديد العظيم للأمة الصينية". إنه الوقت وكيفية التعامل معه؛ أكثر ما يُشعر الولايات المتحدة بالخطر من الصين، فالتقرير يعتبر أنّ الصين تشتري الوقت لتحسين الوضعية التنافسية في لحظة الحسم، أو لحظة التحوّل من التنافس (competition) إلى التنازع (Dispute) إلى الصراع (Conflict). آلية التعامل الصيني مع الوقت، وتحديد لحظة الانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الثاني في المواجهة، تربك طريقة التعامل الأميركي، القائم على العمليات الجراحية السريعة، مع تحمّل أضرارها الجانبية كاملة، والبحث في علاجها لاحقاً، وما زالت الدبلوماسية الأميركية تتذكّر كلمات ماو تسي تونغ لهنري كسنجر "لا مشكلة لدينا في تايوان، يمكن أن نضع خطة من 100 سنة لاستعادتها". لذلك علاقة بالموروث الثقافي الصيني الأوسع، وأدبيات صن تزو في "فنّ الحرب"، واعتماد قواعد حرب الاستنزاف البطيئة والمملّة إلى حين أن تتحوّل إلى قاتلة! 1. تعاظم الإمكانات العسكرية الصينية، بما يجعلها التهديد العسكري الأكبر بحسب التقييم الأميركي، وظهرت ملامح ذلك في عدة مناسبات؛ امتنعت فيها القوات الأميركية من المناورات التدريبية قرب المحيط الجغرافي الصيني. يرصد التقرير إمكانات الصين العسكرية، ومن ذلك حاملة الطائرات فوجيان، التي تدخل الخدمة بشكل رسمي في 2025، ومنظومة الصواريخ الباليستية والفرط صوتية (DF ـــــ27)، التي تستطيع استهداف الأراضي الأميركية بشكل مباشر، وجزيرة غوام في المحيط الهادئ التي تمثّل قاعدة عسكرية أميركية مهمة، ناهيك عن هاواي وألاسكا. بحسب التقرير، تستطيع المعدّات العسكرية الصينية إصابة الهدف، إما عن بعد، أو باستخدام الغوّاصات النووية أو الطائرات الحربية. 2. تمثّل الصين بالنسبة للولايات المتحدة خطراً سايبرانياً عالياً، وتؤشّر في تقريرها على مجموعات عمل وأحداث مثل Volt Typhoon، وSalt Typhoon. وتعتبر أنّ الإمكانات السيبرانية الصينية قادرة على إثارة الهلع الاجتماعي أو تعطيل الحياة الاجتماعية وتعطيل في البنية التحتية العسكرية. 3. ليس جديداً الحديث عن القلق من الدور الاقتصادي في العالم، باعتباره عموداً أساسياً (Main Pillar) في سياق مواجهة الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي. بل إنّ الصين قادرة على اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية، ولكن من دون أن تعلن ذلك، كما هو الحال في الولايات المتحدة، وقد عمدت أكثر من مرة إلى تعقيد الإجراءات البيروقراطية ضدّ كيانات معيّنة كنوع من العقاب الاقتصادي (تحدّثت عدد من التقارير سابقاً عن ممارسة ذلك مع "إسرائيل" خلال طوفان الأقصى، تحديداً فيما يتعلّق بالمنتجات ذات الاستخدامات المتعدّدة). 4. يفرد التقرير مساحة كافية للحديث عن أشباه الموصلات، وتتّضح الصورة أكثر من الرواية الحالية القائلة إنّ الولايات المتحدة تعاقب الصين بالشرائح (IC) والصين تعاقبها بالمنتج الأخير (الهاتف، السيارة الكهربائية، التلفاز، إلخ...)، ويورد التقرير ما مفاده: · أنّ الصين تنتج شرائح الـ 7 نانوميتر ويعمل باحثوها على تسهيل إنتاج شرائح الـ 3 نانوميتر بكميات أكبر. · إذا كانت الولايات المتحدة تحارب الصين بالشرائح كسلع رأسمالية (مدخلات إنتاجية)، فالصين لا تهدّدها بالمنتج الأخير فقط، وإنما بالعناصر التي تصنع منها الشرائح نفسها، والتي تسيطر الصين على تنقيبها (غاليوم، جرمانيوم، إلخ...). 5. تتحسّس الولايات المتحدة خطراً صينياً في الأركتيك (القطب الشمالي)، وتعتبر أنّ ذوبان القمم الجليدية هناك، سوف يمنح فرصة صينية للتجارة واستخراج المزيد من مصادر الطاقة، كي لا يتمّ الاكتفاء بمصادره من الشرق الأوسط. تأتي خطوة ترامب في غرينلاند مفهومة في إطار هذا الصراع، فالعلاقة بين غرينلاند والصين كانت تتسارع خلال السنوات الماضية، ووزيرة الخارجية في غرينلاند، فيفيان موتزفيلد، زارت الصين لمدّة أسبوع عام 2023 لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والشراكات التجارية. 6. تشير التقديرات الأميركية إلى أنّ حصة التكنولوجيا من الاقتصاد الصيني سوف تكون 23% العام المقبل، ويمثّل ذلك زيادة بالضعف عن عام 2018. والقلق الأميركي الأساسي، هو العمل الصيني على إزاحة الولايات المتحدة عن المنافسة في الذكاء الاصطناعي عام 2030، ومجدّداً يشكّل التعامل الصيني مع الوقت هاجساً أميركياً. يكمن القلق الأميركي في أن تتوسّع حالة التفوّق الصيني في ميدان الذكاء الاصطناعي، فالصين متفوّقة في ميادين الذكاء الاصطناعي المتعلّقة بتحليل الفيديو وبصمات الصوت والوجوه، ويكمن القلق في أن يطال ذلك مختلف قطاعات الذكاء الاصطناعي التوليدي (generative AI). 14 شباط 09:56 10 شباط 08:08 7. عندما أشعل ريغان "حرب النجوم" ضدّ الاتحاد السوفياتي، لم تكن الإمكانات الصينية في الفضاء تذكر، واليوم تعتبر الولايات المتحدة أنّ الصين هي المنافس الأساسي في الفضاء، ويعود ذلك للأسباب الآتية: · القدرة التنموية في الفضاء لأقمار صناعية ومنها low earth orbit، وقاعدة على القمر. · قدرة الاستغناء عن التكنولوجيا الغربية، "بيدو" بديلاً عن جي بي أس الأميركي أو غاليليو الأوروبي. ما زالت الولايات المتحدة تعتبر القدرة الروسية على منع توسّع الناتو شرقاً هي مصدر القلق الأساسي، وأنّ عزل روسيا عبر فائض العقوبات لم يعطِ النتائج المرجوّة، بعد تعزيز روسيا علاقاتها الدولية بعيداً عن الغرب، وتركيزها على الصين وإيران وكوريا الشمالية، واعتمادها منظّمات مثل البريكس. يسرد التقرير مجموعة من المخاطر، أهمها: 1. أنّ الضغوطات الاقتصادية على روسيا لم تعطِ النتائج المرجوّة، ولا سيما أنّ الاقتصاد الروسي ما زال يحتلّ المركز الرابع عالمياً بحسب مؤشّر الناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية PPP. ويتطابق ذلك مع تقارير أخرى صادرة عن الـ CIA بشكل منفصل. 2. الخسائر البشرية الروسية في الحرب في أوكرانيا، والتي يقدّرها التقرير بـ 750 ألفاً بين قتيل وجريح، لم تؤثّر على الواقع الاستراتيجي للقوة العسكرية الروسية، ومن ذلك أنّ مؤشرات القوة البحرية والجوية مثلاً تعاظمت ولم تتراجع. 3. ما زالت دبلوماسية العداء للولايات المتحدة تجد أصداء واسعة (Anti-US Diplomacy). 4. أعطت الحرب في أوكرانيا بنكاً غزيراً لروسيا من الدروس المستفادة والتجربة في مواجهة الأسلحة الغربية، الأمر الذي يعطيها أفضلية في مواجهات مباشرة مستقبلية إن حدثت، وهذا يشكّل تحدّياً كبيراً للسياسة الدفاعية الأميركية. 5. ما زالت القوة السيبرانية وإمكانات التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية حاضرة. 6. لم تكتفِ روسيا بتركة الاتحاد السوفياتي من الترسانة النووية، وإنما قامت بتحديثها بشكل ملحوظ على مستوى الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية. 7. إذا كانت روسيا لا تشكّل تهديداً مماثلاً للصين في الفضاء لجهة المشاريع التطويرية والتقنية الحديثة، إلا أنها تمتلك أسلحة الفضاء التدميرية (Anti Satellite Weapons – Jamming systems)، التي ستجعل الصين في وضعيّة تنافسية أعلى، بحكم أنها غير معرّضة لها، بل الغرب قد يكون عرضة لاستهدافها. 8. في ميدان الذكاء الاصطناعي، لا تشكّل روسيا الخطر الأكبر (إنما الصين)، ولكن مجدّداً، فإنّ الحرب في أوكرانيا طوّرت أنظمة معزّزة بالذكاء الاصطناعي في روسيا، ومن ذلك مضادات المسيّرات AI-Enabled Anti Drone Systems. 9. في ميدان صناعة أشباه الموصلات، أيضاً لا يماثل القلق من روسيا الحالة في الصين، حيث إنّ معظم الإنتاج الروسي في هذا الميدان، ما زال في حدود شرائح 65 نانوميتر، وهو نموذج قديم نسبياً. يقول التقرير إن إيران سوف تستمر في جهودها لمواجهة "إسرائيل" والضغط على الولايات المتحدة لمغادرة المنطقة، ويقول إنه على الرغم من التحوّلات في المنطقة مؤخّراً إلّا أنّ ثمّة تهديدات من محور المقاومة ما زالت حاضرة: · إمكانية تهديد القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا. · ثغرات إسرائيلية عرضة للخطر من حماس وحزب الله. · تهديد اليمن عبر المسيّرات والصواريخ في فلسطين المحتلة أو في البحر. فيما يتعلّق بإيران بالتحديد، يعتبر التقرير أنّ إيران قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالمهاجم، بسبب امتلاكها للمخزون الأكبر في المنطقة من الصواريخ والمسيّرات، وإمكانات الهجوم على أهداف في المنطقة، والتأثير على اقتصادات الطاقة وسلاسل التوريد عبر مضيق هرمز، وامتلاكها عمقاً استراتيجياً عبر دائرة الحلفاء. تشكّل الدبلوماسية الإيرانية عنصراً من عناصر القلق الأميركي، ويعتبر أنها حقّقت نجاحات متباينة من وقت إلى آخر. يوحي التقرير أنّ الرهان الأميركي الأكبر في إيران على الاضطرابات في الداخل، كالأحداث في نهاية عام 2022 وبداية 2023، ويعتبر أنه على الرغم من الإمكانات الإيرانية، إلا أنّ التركيز الإيراني خلال المرحلة المقبلة هو ترميم الإمكانات في محور المقاومة. ينظر التقرير إلى كوريا الشمالية باعتبارها قوة عسكرية قادرة على استهداف أراضي الولايات المتحدة، وأنّ الاتفاقيات الاستراتيجية مع روسيا عزّزت من إمكاناتها، وجعلتها تخرج من الارتهان لعلاقة واحدة (الصين). في تقييم المخاطر المقبلة من كوريا الشمالية، يعتبر مجتمع الاستخبارات أنّ الهامش التفاوضي الضيّق لكيم جونغ أون أساسيّ، ولا سيما عند الحديث عن برنامج التسليح العسكري، كما يعتبر دخول كوريا الشمالية عالم العملات المشفّرة خطراً إضافياً. يعتبر التقرير أنّ الروابط التي جمعت بين هذه الدول تمثّل خطراً حقيقياً، وأنّ التعاون عزّز إمكانات المواجهة لديها، سواء بشكل فردي أو جماعي، وأنّ الحرب في أوكرانيا سرّعت في وتيرة هذا التعاون (تعاون عسكري روسي مع إيران وكوريا الشمالية، اعتماد روسيا على واردات متعددة الاستخدامات من الصين، تحويل صادرات روسيا باتجاه الصين، اتفاقيات استراتيجية بين روسيا وإيران، وبين روسيا وكوريا الشمالية، فتح روسيا الطريق أمام الصين باتجاه الأركتيك، إلخ...)، وسوف يستمر بصرف النظر عن نتائج هذه الحرب. الصين في نظر التقرير هي اللاعب الأكبر، وروسيا هي عنصر التحفيز للتعاون، والتعاون الصيني الروسي هو الأكثر خطورة؛ ولكن تبدو السمة العامّة في التقرير أنّ واشنطن تفضّل المواجهات المنفردة مع خصومها، وأنّ المواجهة الجماعية في ظلّ تعزيز روابط التعاون، لن تكون إلا انتحاراً أميركياً!

غزة في لحظة فارقة.. هل تتحرك روسيا والصين؟
غزة في لحظة فارقة.. هل تتحرك روسيا والصين؟

الجزيرة

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

غزة في لحظة فارقة.. هل تتحرك روسيا والصين؟

إلى ما قبل طوفان الأقصى (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، استقر في وعي صُناع السياسات في الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، وبالتحديد منذ أوباما واللاحقين عليه، أن الصّراعَ الإسرائيلي- الفلسطيني، لم يعد بحاجةٍ إلى الاستثمار السياسي في منطقة الشرق الأوسط. يستند ذلك إلى أن المساحات العربية الصلبة قد باتت رخوةً إلى حدٍّ بعيدٍ أمام سيناريوهات التطبيع الكبرى والأكثر جُرأةً، وهي المناطقُ التي انتقلت إليها مراكزُ التأثير السياسي والحضاري، وصاحبة "الكلمة المسموعة"، والهيبة الإقليمية التي لا يمكن تجاهلُها حال نضجَ توافقٌ دوليٌّ وإقليميٌّ على صورةٍ مقبولةٍ لمستقبل المنطقة. وذلك بالتزامن مع قناعات الإدارة الأميركية بأن المقاومة ـ قبل (7 أكتوبر/ تشرين الأول) ـ أضعفُ من أن تثير الفوضى، ويمكن السيطرة على "العنف المُحتمل" والمتوقع بطبيعة الحال، بالطرق والخبرات المتوارثة. انطلاقًا من هذه المُقاربة، أعادت الولاياتُ المتحدة ترتيبَ أجندة أولوياتها، وأدرجت "المحور الآسيوي" على رأسها، مع خفض الاستثمار السياسي والعسكري الأميركي في الشرق الأوسط، حتى تتمكنَ من التركيز بشكلٍ أكبر على التحديات المتزايدة للبيئة الأمنية في منطقة المحيطَين: الهندي والهادئ، وخاصة الصعود الصيني، الذي ما انفك الخطابُ السياسي الرسمي الأميركي يصفُهُ بـ"العدواني". بيدَ أن حرب غزة قلبت هذه الإستراتيجية رأسًا على عقب، وأجبرت الولايات المتحدة على الانخراط بشكلٍ أكبر في مشاكل المنطقة، أكثر من أي وقت مضى. لم تنخرط واشنطن فقط في "حل" الأزمة، كما دأبت على تقديم صورتها إلى العالم، وإنما أصبحت شريكًا رئيسيًّا في حرب الإبادة. لم توفر الغطاءَ السياسي والدبلوماسي للتوحّش الإسرائيلي وحمايته من الملاحقات القانونية فحسب، بل وفرت الدعمَ اللوجيستي والاستخباراتي وملأت مخازن السلاح الإسرائيلية بما لم تستخدمه الإدارة الأميركية ذاتُها في أيٍّ من الحروب التي خاضتها خارج حدودها، فضلًا عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن، في مواجهة تزايد الخسائر البشرية والأدلة على اللامبالاة الإسرائيلية الصادمة تجاه الضحايا الفلسطينيين. أضاف ذلك الدور المزيدَ من الأضرار الجسيمة بالمكانة الأميركية في المنطقة، والتي لم تكن أصلًا عاليةً على الإطلاق، ترتب عليها فراغٌ كان من المتوقع بالتبعية أن تتمددَ فيه القوتان العالميتان الصاعدتان: روسيا والصين، ولو من قبيل امتلاك أوراق "المشاغبة بالمثل"؛ لتخفيف الضغط الأميركي عليهما في أوكرانيا وتايوان على الترتيب. الثابت تاريخيًا أن الصين، مُنذ ماو تسي تونغ (1893 ـ 1976)، وهي تدعمُ القضيةَ الفلسطينية، من مُنطلق أن كل ما تؤيده الولايات المتحدة، يتعين على الصين أن تقفَ ضده، بوصفها داعمًا رئيسيًا للجنوب العالمي، والذي يشملُ معظم الدول العربية التي تحتفظ ـ في ذات الوقت ـ بعلاقات ودية مع الصين، والتي توفر معظم احتياجات الأخيرة من النّفط، فضلًا عن تعويض القلق في العالمين: الإسلامي والعربي بشأن معاملة بكين للمسلمين الإيغور في منطقة شينجيانغ شمال غرب الصين، فيما تحتلُّ المركزَ من مبادرة "الحزام والطريق" (Belt and Road Initiative)، وهو مشروعُ البنية الأساسية الطموح الذي أطلقه الرئيس شي جين بينغ؛ بهدف ربط الأسواق في جميع أنحاء العالم، وبالتالي توسيع نفوذ بكين. بالتوازي، فإن القضية الفلسطينية لم تتغير منزلتُها في سياسات "الاتحاد السوفياتي" سابقًا طوال الحرب الباردة، ثم روسيا لاحقًا من بعده: فالنّضال الفلسطيني من أجل الاستقلال، وجدَ في الفكر السياسي الروسي ـ الذي ارتبطَ بالحركات المناهضة للاستعمار ـ حاضنةً لشرعيةٍ لم تسلم من الانقسام الدولي بشأنها، والملاحقات الأمنية والتصفية الجسدية والاغتيالات. ظل هذا الإرث حاضرًا ـ وإن بدرجةٍ أقل ـ في خزانة أدوات موسكو ما بعد الحرب الباردة، وذلك لخصم ما يسعها خصمه من الحضور الغربي، وعلى رأسه الأميركي، في المنطقة العربية، فاحتفظت في العقود الأربعة الأخيرة بعلاقاتٍ متوازيةٍ مع مخرجات التحولات العنيفة في منطقةٍ شديدة الهشاشة، وتتوالدُ فيها التنظيماتُ المقاتلة بشكلٍ يُغري أيةَ قوى إقليمية أو عالميةٍ على أن تُضيفَها إلى حُزمة أوراق اللعب والحضور والتأثير في أوعية وقنوات تمرير القرارات الدولية الكبرى. فاحتفظت موسكو بعلاقاتٍ موازية ـ ولكن لا تسلم منَ الاختلالات ـ مع القوى المتناقضة: إسرائيل، والفلسطينيين، وجماعاتٍ مثل حماس، وحزب الله، ومع إيران، والقوى العربية الكبرى. بيدَ أنها ظلت علاقاتٍ "على حَرف" أو "على الحافة"، يعوزُها العمق والثقةُ والاعتماد على روسيا كسندٍ دوليٍّ موثوقٍ به. في بداية حريق غزةَ، بذلت موسكو وبكين جهودًا جادةً لتعزيز مصداقيتهما الدبلوماسية، وإظهار قدرتهما على القيادة، وقد فعلَ كلٌّ منهما ذلك بطرقٍ مختلفة بشكلٍ لافتٍ للنظر. فبعدَ وقتٍ قصيرٍ من بدء العدوان الإسرائيلي الانتقامي والهمجي على القطاع في أواخر (أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الهجومَ الإسرائيلي ينتهكُ القانونَ الدولي؛ وقارنَ الرئيسُ بوتين حصارَ إسرائيل لغزةَ، بحصار ألمانيا النازية للينينغراد. وقد رددَ العديدُ من الشخصيات السياسية والمُشرعين الروس هذا الخط الرسمي، ولم يصدر منهم ـ في الوقت ذاته ـ أيةُ إدانة لهجوم حماس كما فعلت العواصمُ التي تَتبع إثرَ واشنطن شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراع، وذلك قبل خلافاتها العميقة الحالية مع ترامب بعد توليه السلطة، وسلسلة قراراته بالتخلي الناعم عن الناتو (NATO)، وبيع أوكرانيا لبوتين. وبعدَ ثلاثة أسابيعَ فقط من ضربة حماس في جنوب إسرائيل، استضافت موسكو وفدًا رفيعَ المستوى من الحركة، برئاسة أحد أعضائها المُؤسسين، موسى أبو مرزوق، وعلى الرغم من أن روسيا استقبلت وفودًا من حماس مرتين في وقتٍ سابق من عام 2023، فإن توقيتَ هذه الزيارة اعتُبرَ تحديًا لافتًا لحالة الهياج الغربي، وانفلاته، وانحيازه الفجّ والمُتبجّح لتل أبيب. بررت الحيثياتُ الروسية الرسميةُ هذا المنحى الجريء ـ أمام الانتقادات الدولية ـ بأنه منَ الضروري، مدُّ جسور التواصل مع كلّ الأطراف، من أجل التوصل لصيغةٍ ترضيها لوقف ما وصفته بـ"العنف" في الأراضي المحتلة. صحيح أن المفاوضات أسفرت عن إطلاق رهائنَ يحملون الجنسيةَ الروسية، إلا أنها وُصفت حينها بـ"النتائج الهزيلة"، وأنها لم تُسفر عن تأمين دور دبلوماسي لروسيا في حلحلة الأزمة، وندرة أي أفكارٍ روسيةٍ دبلوماسيةٍ بناءة. وفي حين سجّلت روسيا مانشيتًا بالفونت الأحمر الواضح، عن علاقتها بـ"حماس" بكلّ حمولته ورمزيته وثقله السياسي، جاء الموقفُ الصينيُّ فضفاضًا ولا يمكنُ البناءُ عليه من جهة، كما لا يعكسُ أي طموحٍ صينيٍّ كبديلٍ مُحتمل للحضور الأميركي الذي اتسعت مساحةُ الكراهية له في العالم العربي، فقد اتبعت بكين دبلوماسيةَ "لا مع ولا ضد"، والتي تشبه ـ إلى حدٍّ بعيد ـ الماكينات الثقيلة صينية الصنع! وبصرف النظر عن جهودهما المُعلنة على نطاقٍ واسع لاستمالة الحكومات العربية والرأي العام، وتعزيز صورتهما الدولية على حساب واشنطن، لم تثبت موسكو أو بكين قدرتَهما على لعب الدُّور الدبلوماسي الذي قد يساعدُ في تهيئة المسرح لأفقٍ سياسي قد يؤدي إلى تسويةٍ نهائية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. كان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ـ ومن بعدهما ترامب وفريقه ـ هما الأكثر انخراطًا مع الحكومات الإقليمية، وليس بوتين أو الزعيم الصيني شي جين بينغ، أو وزراء خارجيتهما. وكانت واشنطن – وليس موسكو أو بكين- هي القادرةَ على العمل بشكلٍ وثيقٍ مع الدوحة، والقاهرة، وتل أبيب، لهندسة سلسلةٍ من فترات التوقف الإنسانية في القتال، وتحقيق تبادل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس وإسرائيل. ولا تزال الأطرافُ الإقليميةُ ترى واشنطن وحدها- على مضضٍ في كثيرٍ من الأحيان- قادرةً على القيام بالعمل الشاق المطلوب لإحداث عملية سلامٍ قابلة للتطبيق، إذا اختارت القيام بذلك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store