أحدث الأخبار مع #منظمةالشفافيةالدولية


سويفت نيوز
منذ 4 أيام
- سياسة
- سويفت نيوز
أيها الفاسدون الفاسقون
بقلم – محمد البكر : كنا ـ أنا وكثيرون داخل المملكة وخارجها ـ نعتقد أن الحملة الكبرى التي انطلقت عام 2017 بتوجيه من سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ، الأمير محمد بن سلمان ، ضد الفساد والمفسدين ، ستكون كافية لردع كل من تسوّل له نفسه التورط في أي شكل من أشكال الفسادفمنذ إنشاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد 'نزاهة' ، ومنحها الاستقلالية التامة والصلاحيات الواسعة لرصد قضايا الفساد وضبطها والتحقيق فيها ، ثم إحالة المتورطين للنيابة العامة ، شهدنا تحركًا جادًا غير مسبوق . استُدعِي العديد ممن تحوم حولهم الشبهات ، دون استثناء لأمير أو وزير أو موظف صغير . ونجحت هذه الحملة في استرداد ما يقارب 400 مليار ريال إلى خزينة الدولة .حينها ، كنا نظن أن أي موظف في الدولة ، أو من له علاقة مباشرة بأعمالها من القطاع الخاص ، لن يجرؤ بعد ذلك على مجرد التفكير في ارتكاب أي جريمة فساد مالي أو إداري . فالعقوبات التي طالت من كانوا يُظَن أنهم فوق القانون ، أرسلت رسالة واضحة : لا أحد بمنأى عن المحاسبة .لكن ، ويا للأسف، خاب هذا الظن . فما زالت قضايا الفساد تظهر بين فترة وأخرى، وما من جهة حكومية تقريبًا إلا وتعرضت لشبهات أو ممارسات فاسدة . فالنفس الضعيفة موجودة ، حتى في أكثر القطاعات حساسية . والنفس التي لا تخاف الله ولا تؤدي الأمانة ، لن تخشى في ' ظنها ' نزاهة ولا غيرها .قبل عام 2017، كانت المملكة في المرتبة 62 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية . لكن ، وبفضل الله ثم بفضل الجهود المتواصلة للدولة ، حققت المملكة في عام 2023 قفزة كبيرة بوصولها إلى المرتبة 48 من بين 180 دولة ) ، وهو التحسّن الأكبر بين دول مجموعة العشرين .)ومع ذلك، لا يرى الفاسدون هذا المؤشر، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، يعتقدون أن الحزم ضد الفساد مرحلة مؤقتة ستزول . ولهذا، لا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن تورط مسؤولين في قضايا رشوة أو استغلال نفوذ أو عبث بالمال العام .كيف يجرؤ هؤلاء على الاستمرار في غيّهم !؟ ، وكأنهم لا يسمعون ولا يبصرون مما يدور حولهم .لقد دشّنت المملكة مؤخرًا 'نظام حماية المبلغين والشهود' ، لتعزيز الشفافية ، وتشجيع المواطنين الشرفاء على التعاون مع الدولة في كشف الفساد ، ضمن شراكة وطنية واضحة بين القيادة والمجتمع . وهذا هو دوركم أيها الشرفاء . ولكم تحياتي مقالات ذات صلة


LE12
١٨-٠٦-٢٠٢٥
- صحة
- LE12
بنعليلو يستعرض مخاطر الفساد في النظم الصحية
'الفساد في النظم الصحية لا يضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة فحسب، بل يقوض القدرة الجماعية على تحقيق التغطية الصحية الشاملة ويهدد الأمن الصحي الوطني' الرباط-le12 اليوم الثلاثاء بالرباط، أشغال ورشة عمل حول 'مخاطر الفساد في قطاع الصحة، سلسلة القيمة الخاصة بالمنتجات الطبية والقطاع الطبي الخاص'، والتي تنظمها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بشراكة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وسفارة مملكة النرويج بالمغرب. وقال رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بنعليلو، في كلمة خلال هذا اللقاء المنظم على مدى يومين بشراكة أيضا مع مركز الموارد لمكافحة الفساد 'يوفور' (U4)، إنه 'من المسلم به عالميا أن الفساد في النظم الصحية لا يضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة فحسب، بل يقوض القدرة الجماعية على تحقيق التغطية الصحية الشاملة ويهدد الأمن الصحي الوطني'. وأبرز، في هذا الصدد، أنه في الوقت الذي ترى فيه تقديرات منظمة الشفافية الدولية أن 7 في المئة من الإنفاق الصحي العالمي يفقد بسبب الفساد، تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الفساد يشكل أحد 'المخاطر النظامية' التي تعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مجال الصحة. وتابع بنعليلو أن الحديث عن الفساد في قطاع الصحة، على المستوى العالمي، ' ليس حديثا عن خلل جزئي أو عن مظاهر معزولة، بل هو نقاش عميق يتعلق بكيفية إدارة حياة الإنسان نفسها، كحق أساسي غير قابل للمساومة، فهو تجمع بين شروط ولادة صحية، وتنشئة سليمة تراعي حاجة الانسان للدواء والرعاية الطبية، وحقه في العلاج بكرامة '. وأضاف أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تجتهد في البحث عن أفضل الممارسات، واقتراح حلول مبتكرة واضحة، والمطالبة إن اقتضى الحال بما يتطلبه الأمر من تعديلات تشريعية أو تنظيمية لتجاوز ما قد يظهر، أو ما قد يكون حقا من خلل، في القطاع الصحي، وذلك بشكل منهجي واضح وبأهداف معلنة. كما أبرز أنه تقرر التطرق خلال الورشة إلى مجالين مركزيين في منظومتنا الصحية ليكونا منطلقا للعمل في هذا المجال ويتعلق الأمر بسلسلة القيمة الخاصة بالأدوية والمنتجات الطبية، والقطاع الصحي الخاص، على أن يكون 'مسار المريض' ضمن المرحلة القادمة في هيكلة المشروع. من جهته، قال سفير مملكة النرويج بالمغرب، سيور لارسن، إن الفساد يؤثر على جميع البلدان، ويضعف التنمية وسيادة القانون والديمقراطية، ويقوض الالتزامات تجاه المناخ وأهداف التنمية المستدامة؛ مضيفا أن التقديرات تشير إلى أن هذه الآفة تستنزف ما بين 5 و7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتعيق النمو الاقتصادي، وتفاقم عدم المساواة وتضعف الثقة في المؤسسات. وثمن لارسن في كلمة مماثلة جهود المغرب الذي 'يجري حاليا إصلاحات جذرية في قطاع الرعاية الصحية'؛ مسلطا الضوء كذلك على انتخاب الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لرئاسة شبكة هيئات الوقاية من الفساد. وذكر بأن هذه الورشة ستركز على مجالين معرضين للفساد بشكل خاص، ويتعلق الأمر بسلسلة قيمة المنتجات الطبية، وقطاع الرعاية الصحية الخاص.


العالم24
١٧-٠٦-٢٠٢٥
- صحة
- العالم24
مخاطـــ..ر الفسا..د في قطاع الصحة: محور ورشة وطنية بالرباط
شهدت العاصمة الرباط، يومه الثلاثاء 17 يونيو 2025، تنظيم ورشة عمل وطنية حول موضوع 'مخاطر الفساد في قطاع الصحة، سلسلة القيمة الخاصة بالمنتجات الطبية والقطاع الطبي الخاص'، بمشاركة مسؤولين حكوميين وخبراء وممثلين عن المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية. الورشة، التي نظمتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، شكلت مناسبة لمناقشة التحديات التي تواجه المنظومة الصحية المغربية، خاصة في ما يتعلق بالشفافية والنزاهة والحكامة الجيدة، وذلك بمقاربة تشاركية جمعت مختلف المتدخلين في القطاع. وفي هذا السياق، ألقى محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، كلمة افتتاحية شاملة، أبرز فيها أهمية اللقاء وانعكاساته المرتقبة على تعزيز الثقة في القطاع الصحي الوطني، مؤكداً على الطابع البنيوي للفساد في الصحة، ومشدداً على ضرورة الانتقال من التشخيص إلى الفعل الميداني، عبر خريطة للمخاطر تشكل أساساً للإصلاح الحقيقي. وفيما يلي النص الكامل لكلمة محمد بنعليلو: السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية المحترم، السيد السفير، السادة الخبراء السيدات والسادة المشاركات والمشاركين، السيدات والسادة ممثلي وسائل الإعلام، الحضور الكريم؛ إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم جميعا في هذا الورش التكويني المتميز، ورش ارتضيناه مجالا للحوار الرصين، والنقاش العميق، والتعبير عن الإرادة الصادقة في أن نجعل من تنوع خلفياتنا مرتكزا لذكاء جماعي قادر على بلورة تصورات مشتركة حول مناطق الظل في منظومتنا الصحية، وأن نجعل من فهمنا المشترك ومن إرادتنا المعلنة سبيلا للاهتداء إلى أفضل السبل ل ضمان الالتقائية المنشودة في بسط الرأي والرأي الآخر لفهم 'مخاطر الفساد في قطاع الصحة' بأهميته وصعوباته ورهاناته وراهنيته. السيدات والسادة من المسلم به عالميًا أن الفساد في النظم الصحية لا يُضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة فحسب، بل يقوّض القدرة الجماعية على تحقيق التغطية الصحية الشاملة ( UHC ) ويُهدد الأمن الصحي الوطني. ففي الوقت الذي ترى فيه تقديرات منظمة الشفافية الدولية أن 7% من الإنفاق الصحي العالمي يُفقد بسبب الفساد، تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الفساد يُشكل أحد 'المخاطر النظامية' التي تعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مجال الصحة. وبالتالي فإن الحديث عن الفساد في قطاع الصحة ليس حديثًا عن خلل جزئي أو عن مظاهر معزولة، بل هو نقاش عميق يتعلق بكيفية إدارة حياة الإنسان نفسها، كحق أساسي غير قابل للمساومة، فهو تجمع بين شروط ولادة صحية، وتنشئة سليمة تراعي حاجة الانسان للدواء والرعاية الطبية، وحقه في العلاج بكرامة. وطبعا لسنا في معزل عن هذا التصور العام بحيث أظهرت بوضوح، الدراسة المسحية التي قامت بها الهيئة، أن الصحة تمثل مطلبا وانشغالا رئيسيين لنسبة معتبرة من المواطنين، وأن هذه المطالب تصطدم في كثير من الأحيان بعوائق الرشوة، وضعف الجودة، وتداخل المصالح، والتمييز الخفي في الولوج للعلاج… فالشكر موصول لكم جميعا على ما وجدته فيكم من استعداد وقبول للانضمام إلى هذا الورش الهام، كشركاء أساسيين، حاملين لانشغالات النزاهة والوقاية من الفساد ومحاربته، ليس فقط كمنظرين ومتكلمين في موضوع تحيط به كثير من التوظيفات السياسية، بل كفاعلين تحدوهم الرغبة الأكيدة في الانخراط في جهود الوقاية والمكافحة. حضرات السيدات والسادة، لأننا على يقين أن فتح ورش النقاش الهادئ حول الموضوع سيكون له انعكاس مباشر على الإدراك العام لموضوع الفساد، فقد ارتأينا اليوم، عبر هذه الورشة التكوينية، أن نهيئ المجال لبسط موضوع 'خارطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة'، من زاوية أكثر علمية وموضوعية؛ خاصة وأننا نهدف إلى جعل هذا النشاط مقاربة جادة ننتقل عبرها من التحليل القطاعي إلى المعالجة البنيوية، لأننا على وعي تام بكون الفساد الصحي ليس دائمًا نتيجة فردية لسوء السلوك، بل هو أيضًا انعكاس لما تسميه منظمة الصحة العالمية 'هشاشة النظم'، بتجلياتها المعروفة المتمثلة في ضعف الحوكمة، وغياب الشفافية في تدبير المشتريات، وضعف آليات المراقبة، وأحيانا تضارب المصالح في التنظيم الصحي. حضرات السيدات والسادة، قد لا نختلف كثيرا حول ما يحمله الإدراك العام للمواطنين من صور غير مرضية حول الموضوع، كما قد لا نختلف حول مجموعة من الجهود المبذولة لتغيير هذه الصورة النمطية أحيانا، لذا أعتقد أننا جميعا مطالبون، كل من جهته، كل من زاوية اهتمامه وتدخله، بإعادة قراءة الواقع الصحي في البلاد، ورصد ما ترسخ من ممارسات ماسة بشروط النزاهة، وتحديد مواطنها ، وما تقتضيه المعايير الدولية من تدخل لتداركها. حضرات السيدات والسادة، إن الهيئة الوطنية للنزا ه ة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، قدرها أن تسمي الأشياء بمسمياتها، وأن تجتهد وأن تبحث عن أفضل الممارسات، وأن تقترح حلولا مبتكرة واضحة، وأن تنادي إن اقتضى الحال بما يتطلبه الأمر من تعديلات تشريعية أو تنظيمية لتجاوز ما قد يظهر، أو ما قد يكون حقا من خلل، وذلك بشكل منهجي واضح وبأهداف معلنة، لذا ونحن نهيئ لهذا اللقاء مع شركا ئ ن ا، وجدنا أنفسنا أمام العديد من المداخل التي تلامس الموضوع، لكننا قررنا أن نبدأ بمجالين مركزيين في منظومتنا الصحية، ليكونا منطلقا لعملنا في هذا المجال و هما: 1. سلسلة القيمة الخاصة بالأدوية والمنتجات الطبية ، حيث تظل مخاطر التلاعب والتزوير والمحسوبية والفساد قائمة رغم كل المجهودات المبذولة. 2. القطاع الصحي الخاص ، الذي تطور بشكل مهم للغاية غير أن بعض الثغرات التنظيمية ومحدودية آليات المراقبة خلقت بيئة مواتية أحيانا لنشوء بعض الممارسات غير النزيهة مثل الفوترة الوهمية، والتدخلات غير الضرورية. على أن يكون 'مسار المريض' ضمن المرحلة القادمة في هيكلة المشروع. فحينما نفتح اليوم هذا الورش التكويني المتخصص، فإننا لا نُطلق فقط دينامية تقنية أو تشاورية، بل نُعبّر – بصوت مرتفع وواضح – عن التزام سياسي وأخلاقي جماعي، من أجل الدفاع عن أحد أقدس الحقوق التي يكفلها الدستور ويطالب بها المواطن المغربي كل يوم: إنه الحق في الولوج العادل والمنصف إلى خدمات الصحة والتطبيب، بعيدا عن كل مظاهر الفساد والانحراف والتمييز . فربما لن أكون مضطرا في هذه الكلمة الافتتاحية لإعادة التركيز على ما أظهرته الدراسات والتقارير ذات الصلة، حول تمثل المغاربة لأثر الفساد أمام ولوجهم إلى خدمات صحية جيدة. ولكني مضطر للتأكيد على حرصنا الجماعي على عدم مقبولية هذا الوضع، خاصة حينما نأخذ بعين الاعتبار أن واحدا من كل خمسة مواطنين مستجوبين في ال دراسة التي أنجزتها الهيئة، يعتبر الصحة أولوية قصوى، وأن نسبة ممن تواصلوا مع المنظومة الصحية ربما اضطروا بشكل من الأشكال إلى دفع رشاوي أو طُلب منهم ذلك . السيدات والسادة، إننا اليوم من خلال هذا الورش لا نؤسس فقط لمرحلة تشخيص الأعطاب، بل لمرحلة أكثر عمقا والتزاما، نستطيع من خلالها صياغة التزامات ومسارات عملية واضحة للتغيير ، لأننا على يقين أن مشروع إعداد خارطة لمخاطر الفساد في قطاع الصحة، سيشكل لبنة معرفية ومنهجية أساسية لرصد مواطن الفساد، وتحديد أسبابه، وتقدير تواتره وشدته، وتقديم مبادئ توجيهية وحلول ملموسة للحد منه . إن الهدف من هذه الخريطة ليس فقط علميًا أو تقنيًا، بقدر ما هو مشروع للدفاع عن الأمن الصحي للمواطن المغربي ، وعن ثقته في مؤسسات بلده . وهو ما يجعل من هذه الدورة التكوينية محطة تأسيسية لوعي جماعي جديد ، يُحملنا جميعًا – دولة، ومجتمعًا، ومهنيين، وباحثين – مسؤولية مضاعفة في جعل النزاهة الطبية والصحية، ركيزة من ركائز العدالة الاجتماعية . إن ما نقوم به اليوم لا يتعلق فقط ببناء خريطة لمخاطر الفساد، بل هو سعي لبناء مناعة مؤسساتية طويلة المدى، فكما أن الجسد يواجه الفيروسات بمناعة بيولوجية، فإن النظام الصحي يواجه الفساد بمناعة سياسية، مؤسساتية، تشاركية. ولهذا، فإننا نثمن عاليًا هذا الورش التكويني، الذي لا يُمثل فقط لحظة تعليم، بل مساحة للجرأة والإصلاح والتفكير المشترك ، تشرف عليه الهيئة الوطنية للنزاهة، بتعاون مع شركاء وطنيين و دوليين ، من أجل وضع مبادئ توجيهية وخطة عمل قابلة للتنفيذ، تُراعي طبيعة المخاطر، شدتها، وو ت ي رة تكرارها. السيدات والسادة، إنني على قناعة تامة ويقين أكيد بأن ما سيتمخض عليه لقاؤنا هذا من أفكار سيشكل رصيدا معرفيا مهما للرصد، وتقديم البدائل والمقترحات، لصياغة ما يمكن أن نسوقه ونرفعه كتوصيات، ستساهم لا محالة في حلحلة الأمر في تجلياته القانونية والعملية. وفي ختام هذه الكلمة اسمحوا لي باسمكم جميعا أن أوصل جزيل الشكر وخاصته، للسيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية على انخراطه التام في إنجاح هذا المشروع، وهو انخراط سياسي معلن يجعل من مكافحة الفساد في القطاع الصحي جزءًا من رؤية إصلاحية متكاملة، قوامها الحكامة الجيدة، وتنمية الموارد البشرية، وتأهيل العرض الصحي. وهي إرادة سياسية ستُترجم بفتح أوراش تشاركية لبناء الثقة في القطاع ومأسسة النزاهة في المنظومة الصحية لبلدنا . كما لا يفوتني أن أشيد، بالانخراط الجاد والمسؤول لهيئات المجتمع المدني الحاضرة معنا اليوم ، فحضوركم ليس مجرد حضور رمزي فقط، بل هو تجسيد حي لقناعة مشتركة تجسد انخراطنا الجماعي الواعي في الرؤية الحكيمة لجلالة الملك نصره الله حينما أكد في خطابه بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2016 على أن مكافحة الفساد مسؤولية جماعية تتقاسمها جميع القوى الحية في المجتمع، وذلك بالقول ' فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضر ب بقوة على أ يد ي ا لمفسد ين. والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة '. السيدات والسادة إن جهودنا الجماعية، وحدها قادرة على أن تجعل من الوقاية من الفساد، لا مجرد التزام قانوني، بل معيارًا يوميًا لنجاعة السياسات، ونقطة ارتكاز لمجتمع تكون فيه الصحة حقًا مضمونًا، لا مجرد امتياز، ويكون فيه الفساد استثناءً محاربًا، لا قاعدة صامتة. وفقنا الله لما فيه خير بلادنا وصحة مواطنينا، وجعلنا جميعا عند حسن ظن جلالة الملك نصره الله. وقد خلصت الورشة إلى التأكيد على ضرورة تفعيل التوصيات التي ستنبثق عن النقاشات، واعتماد خطط عمل واقعية تُعزز النزاهة، وتحد من مظاهر الفساد، خاصة في مجالات المشتريات الطبية والقطاع الخاص، إضافة إلى تحسين ولوج المواطنين إلى الخدمات الصحية بشكل عادل ومنصف. ويندرج هذا اللقاء في إطار سلسلة من المبادرات الوطنية التي تهدف إلى تجسيد الإرادة السياسية في محاربة الفساد، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية، وتجسيداً لروح التعاون بين الدولة والمجتمع من أجل منظومة صحية أكثر نزاهة وفعالية.


الوطن
٠١-٠٦-٢٠٢٥
- أعمال
- الوطن
الاقتصاد الحوكمي
لم يعد يكفي أن ينمو الاقتصاد؛ بل يجب أن ينمو بوعي. في زمن تتداخل فيه المصالح وتتسارع حركة رأس المال، لم تعد الأرقام وحدها كافية لقياس النجاح. ظهرت الحاجة إلى ما يمكن تسميته بالاقتصاد الحوكمي، وهو اقتصاد لا يكتفي بالإنتاج والاستهلاك، بل يدار بمنطق الشفافية، ويراقب بمنهجية المساءلة، ويعاد تشكيله بروح العدالة. لسنوات، تركت بعض الحكومات الأسواق تعمل وفق منطق «دعه يعمل، دعه يمر»، متنازلة عن دورها التنظيمي والرقابي. غير أن الأزمات التي عصفت بالعالم، من أزمة الرهن العقاري في 2008 إلى التقلبات الحادة في سوق العملات الرقمية، أثبتت أن السوق، حين يترك دون حوكمة، لا يتحول إلى فضاء حر، بل إلى ساحة فوضى مقنعة. لم يعد النقاش اليوم يدور حول ما إذا كان علينا أن نحكم الاقتصاد، بل كيف نحكمه، وبأي أدوات، ووفق أي معايير. الاقتصاد الحوكمي في جوهره هو إعادة الاعتبار لمبادئ الحكم الرشيد داخل المجال الاقتصادي: الشفافية، المحاسبة، سيادة القانون، التوازن المؤسسي، والاستجابة للمجتمع. هو ليس مجرد تقنين للقرارات ولا هندسة للإجراءات، بل بناء ثقافة مؤسساتية تحول الحوكمة من نصوص إلى ممارسات، ومن شعارات إلى بنى راسخة. هو انتقال من اقتصاد الأرقام إلى اقتصاد السلوك، ومن المركزية العمياء إلى التوزيع الواعي للمسؤولية. هذه ليست مفاهيم نظرية، فالتجارب الدولية اليوم تقدم نماذج حية لإدراك معنى الحوكمة في المجال الاقتصادي. سنغافورة مثلا لم تحقق نجاحها لأنها غنية بالموارد، بل لأنها حولت جهازها الحكومي إلى نموذج في الكفاءة. اعتمدت على شفافية شديدة في إدارة الميزانيات، وربطت الأداء بالمحاسبة، حتى صارت من أقل الدول فسادا وفق تقارير منظمة الشفافية الدولية عام 2023. أما كندا، فقدمت نموذجا متطورا للحوكمة من خلال إنشاء مكتب مستقل للميزانية الفيدرالية يرفع تقاريره مباشرة إلى البرلمان دون تدخل من السلطة التنفيذية. هذا الشكل من الرقابة عزز ثقة المواطن بصحة الأرقام، وخلق توازنا بين السلطة والشفافية، كما ورد في تقارير OECD الحديثة. وفي ألمانيا، كانت الحوكمة الاقتصادية حاضرة بشكل دقيق في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث وفرت الدولة بيئة قانونية مستقرة لهذه المؤسسات، لكنها في الوقت نفسه فرضت قواعد صارمة على مجالس إدارات الشركات، وربطت الامتيازات الضريبية بمستوى الالتزام البيئي والاجتماعي، كما أشارت المفوضية الأوروبية في تقرير SME Performance Review لعام 2023. أما السعودية، فقد اتجهت بقوة خلال الأعوام الماضية نحو تكريس نموذجها الخاص في الاقتصاد الحوكمي. في ظل رؤية 2030، لم تعد الحوكمة مجرد خيار إداري، بل أصبحت مسارا إستراتيجيا. تأسست مؤسسات رقابية جديدة، كالمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة، وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وتم تطوير معايير واضحة لحوكمة الشركات الحكومية ومؤسسات القطاع الثالث، مع خطوات لرفع الشفافية المالية وإتاحة ميزانيات الدولة للجمهور. لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في تأسيس الأطر، بل في تفعيلها. إذ لا معنى لحوكمة لا تمارس، ولا جدوى من نصوص لا تسري في روح المؤسسة. التحدي هو أن نحكم الحوكمة نفسها، أن نمنع تحولها إلى روتين بيروقراطي أو قشرة تجميلية، وأن نضمن أن تصبح ثقافة مؤسسية حية تنعكس في كل قرار، وفي كل إجراء، وفي كل علاقة بين المواطن والمؤسسة. الاقتصاد الحوكمي لا يعني تدخل الدولة المفرط، ولا خنق السوق. بل يعني أن كل قرار اقتصادي، سواء من حكومة أو من شركة، يجب أن يسأل: من اتخذه؟ ولماذا؟ وكيف؟ ولصالح من؟ إنه انتقال من منطق الربح أولا إلى منطق الاستدامة أولا، ومن منطق الكمية إلى منطق الجودة، ومن اقتصاد يدور حول النمو، إلى اقتصاد يدور حول الإنسان. فكما أن الدول لا تبنى على النفط وحده، فإن الاقتصاد لا يقوم على الأرباح فقط. ما يحتاجه العالم اليوم، خاصة في لحظاته المتأرجحة، هو نظام يدير المال بقيم، ويراقب النفوذ بعين القانون، ويمنح الثقة دون أن يفقد السيطرة. هذا هو الاقتصاد الذي لا يسقط مع أول أزمة لأنه بني على أساس لا تهزه الأرقام، بل تثبته المبادئ.


موقع كتابات
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- موقع كتابات
قراءة لتصريح رئيس مجلس النواب 'لدي ملف فساد إذا قمت بإظهاره سينهار النظام' فهل تطيح بالحكومة أم تُدفن تحت سجاد المحاصصة؟
في برنامج 'مقابلة خاصة' من على شاشة قناة 'يو تي في' ومن خلال مقدم البرنامج السيد 'ريناس علي' والذي استضاف رئيس مجلس النواب العراقي السيد 'محمود المشهداني' ذكر صراحة بدوره من خلال حديثه بانه :' لدي ملف فساد إذا قمت بإظهاره سينهار النظام' (1) عندما تخرج علينا شخصية قيادية حزبية و بمنصب حكومي رئاسي مهم بمثل هذا التصريح ليعلن بكل جرأة أن لديه ملف فساد، لو كُشف عنه 'سوف ينهار النظام بأكمله' فإننا لسنا أمام تصريح عابر، بل هي صرخة تكاد تكون مكبوتة من داخل أحشاء نظام متهالك، بل قل أمام قنبلة موقوتة تكشف عن جبال الفساد التي تتراكم في أروقة الحكم منذ 2003 ولان هذا ليس كلام مواطن عادي غاضب أو عاجز من سوء ما قدمته له الحكومة من خدمات معيشية بائسة , أو حتى صحفي ثائر أو متمرد، بل صوت واضح وصريح من قلب نظام حكم المحاصصة، من رجل يفترض أنه يترأس أعلى هيئة تشريعية في البلاد. ولكن، هل سيُحاسب؟ هل سيُستجوب؟ أم أن شبكة المحاصصة الطائفية والحزبية التي تحمي الفاسدين ستبتلع هذا التصريح كما ابتلعت كرامة وآمال العراقيين وثرواتهم وما تزال على مدى أكثر من عقدين؟ جبال الفساد التي تراكمت طوال أكثر من عقدين أصبحت الركيزة الأساسية والعمود الفقري للنظام حكم المحاصصة الطائفية والمذهبية، وجميع الشعب العراقي أصبح يعلم جيدآ، وحتى المنظمات المجتمع المدني والاهم 'منظمة الشفافية الدولية' تعلم، أن الفساد في العراق ليس مجرد آفة أو وباء أتى من خارج الحدود، بل هو النظام ذاته. ومنذ الغزو الأمريكي عام 2003، تحولت العملية السياسية إلى سوق سوداء ومزادات علنية للمحاصصة، حيث تُباع المناصب وتُشترى والولاءات الحزبية والشخصية لنهب موارد الدولة، وتُهدر ثروات البلاد تحت شعارات الديمقراطية. تقارير الشفافية الدولية تضع العراق دائمًا في ذيل القائمة، في المراتب المتأخرة جدًا بين الدول الأكثر فسادًا. لكن، هل نحتاج إلى تقارير دولية لنرى ما يراه المواطن العراقي يوميًا؟ صفقات النفط المشبوهة، عقود السلاح الفاسدة، مشاريع وهمية تُكلف مليارات الدولارات، ووزارات أصبحت تُدار كإقطاعيات حزبية. هذه ليست ملفات فساد، بل أصبحت جبال شاهقة، كما وصفها السيد المشهداني، تهدد بإسقاط النظام إن هي كُشفت؟ ولان تصريحه ليس مجرد زلة لسان عابرة . إنه إقرار سياسي رسمي صريح وواضح بوجود فساد هائل يهدد أركان الدولة. لكنه يثير تساؤلات حارقة وإذا كان رئيس مجلس النواب يملك ملفًا بهذا الحجم الخطير ، فإن السؤال الأول الذي يطرح نفسه: لماذا الصمت حتى الآن؟ فلماذا لم يكشفه؟ هل يخشى أن يسقط هو مع النظام؟ أم أن هذا التصريح مجرد مناورة سياسية لتصفية حسابات مع خصومه؟ فلماذا لم يطرحه أمام القضاء؟ أم أن القضاء نفسه، كما يعلم الجميع، غارق في مستنقع المحاصصة؟ تصريحه ليس مجرد فضفضة، ولكن في دولة تحترم القانون، كان يجب أن يُستدعى المشهداني فورًا للتحقيق، وأن يطالب المدعي العام بفتح هذا الملف. لكن في العراق،، لن يحدث شيء (هيئة النزاهة)، التي أُنشئت لمكافحة الفساد، ألقت القبض عام 2023 على 1,200 موظف صغير بتهم الفساد، بينما لم يُمس أي مسؤول كبير. لماذا؟ لأن الجميع شركاء في اللعبة. حيث الجميع شركاء في الكعكة الفاسدة، لن يحدث شيء. الكل يعلم، والكل يصمت، والكل يشارك. ولنتكلم بصراحة أكثر بأن نظام حكم المحاصصة الطائفية أصبح بمرور الزمن مصنع للفساد ودرعه الحصين ولان النظام السياسي في العراق، بتركيبته الطائفية والحزبية، ليس مجرد بيئة خصبة للفساد، بل هو الفساد نفسه. الأحزاب السياسية، التي تقاسمت الكراسي والوزارات منذ 2003، صنعت شبكة عنكبوتية تحمي الفاسدين. كيف يمكن لمسؤول فاسد أن يحاسب نظيره، إذا كان الجميع متواطئين؟ الوزير يحمي الحزب، والحزب يحمي النائب، والنائب يحمي القاضي، والقاضي يغلق الملفات. هكذا تُدار اللعبة. حتى هيئة النزاهة، التي يفترض أنها رأس الحربة ضد الفساد، وحارسة الشفافية النزاهة غالبًا ما تتحول إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية، بدلاً من محاسبة الفاسدين الكبار. ومثال على ذلك، قضية 'سرقة القرن' عام 2022، التي كشفت عن اختلاس 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب، لكنها انتهت بإدانة موظفين صغار، بينما بقي اللاعبون الكبار طلقاء. كيف يمكن لفاسد أن يحاسب فاسدًا آخر، إذا كان الجميع يتقاسمون الكعكة؟ بينما تتراكم جبال الفساد يوم بعد يوم على ظهور الشعب العراقي لأنه ما يزال الضحية الصامت والتي لا صوت لهم حيث يسارع من يطالب بحقه الى قمعه وإسكات صوته ويعيش معها في جحيم الفقر والمرض والإهمال. مستشفيات بلا أدوية أو أجهزة تنفس، كما رأينا خلال جائحة كورونا، ومدارس تفتقر لأبسط المقومات، وشوارع تغرق بالمياه العادمة في كل شتاء. الثروة النفطية، التي تجاوزت عائداتها 100 مليار دولار سنويًا في السنوات الأخيرة، تُنهب تحت شعارات الديمقراطية. تظاهرات تشرين 2019 كانت صرخة ضد هذا الفساد، لكنها قُمعت بالرصاص، مخلفة مئات الشهداء وآلاف الجرحى. هل تم محاسبة من قام بهذا الجرم المشهود ؟ الجواب : لا ؟ اليوم، يبدو الشعب كضحية صامتة، عاجزة عن مواجهة نظام يحمي نفسه بقوة السلاح والمال. واليوم، يبدو أن الأمل في التغيير يتلاشى، بينما تستمر أحزاب الإسلام السياسي في تقاسم الكعكة. تصريح السيد المشهداني ليس مجرد فضيحة، بل هي صرخة مدوية موجهة مباشرة إلى الشعب العراقي وفي فضاء الفساد الى السلطة القضائية، ولكل صاحب ضمير أن يتحرك. لكن، في ظل نظام بني على الفساد، هل يمكن أن ننتظر عدالة؟ إذا كان ملف واحد قادر على إسقاط النظام، فكم ملفًا مدفونًا في أدراج المسؤولين؟ العراق لن ينهض إلا إذا هدمت جبال الفساد، وهذا لن يحدث إلا بإرادة شعبية حقيقية، وقضاء مستقل، ونظام يضع مصلحة الوطن فوق المحاصصة. حتى ذلك الحين، سيبقى الفساد هو السيد والأمر والناهي، والشعب سوف يبقى دائما هو الضحية الذي يدفع الثمن دائما. ومعتبرة أن 'الفساد هو النظام، والنظام هو الفساد'. وفي المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة أو هيئة النزاهة حتى الآن، مما يعزز الشعور بأن التصريح سيُدفن كغيره. هذا الصمت ليس مفاجئًا، في النظام الذي يعيش على الفساد لن يسمح بكشف أسراره , ونظام يضع مصلحة الوطن فوق مصالح الأحزاب. حتى ذلك الحين، سيبقى الفساد سيد الموقف، والشعب رهينة نظام يأكل نفسه بنفسه. الفساد في العراق ليس مجرد جريمة بسيطة عابرة، كما يحاول اللصوص المستفيدون منه أن يروّجوا بألسنتهم الملوثة، بل هو نظام حكم أصبح قائم بحد ذاته، نهج شيطاني متأصل، ينمو كالسرطان الخبيث في شرايين الدولة العراقية. هذا السرطان لا يخضع لمراقبة أو محاسبة، لأن الجميع – من رأس النظام إلى أدنى موظفيه – متواطئون في رعايته، يسقونه بدماء الشعب وثرواته. بؤر هذا السرطان النتن تتكاثر وتتفشى في كل وزارة، هيئة، ومؤسسة، لتحيل جسد الدولة إلى جثة متعفنة، تنخرها ديدان الفساد، بينما يرقص المسؤولون على أنقاضها، يتقاسمون الغنائم ويضحكون على آهات شعبٍ مكلوم ومجروح بكرامته. رغيف خبز المواطن العراقي لم يعد مجرد طعام، بل رمز للذل، مدمّس بعرق الفقراء، ممزوج بدمائهم، ومُعجَن بصرخات أطفالهم الذين يتضورون جوعًا أمام عيون آبائهم العاجزة. بينما يعاني الشعب، نرى أبناء المسؤولين، هؤلاء اللصوص المُترفين، ينثرون أموال العراق المنهوبة في عواصم الغرب، يبددون ثروات الفقراء على راقصات الملاهي الليلية، ويغرقون في مستنقعات الفسق والمجون، وكأن دم الشعب وقود لترفهم وسياراتهم الفارهة التي يتباهون بها على مواقع التواصل الاجتماعي . هكذا أصبح العراق بعد عقدين من النهب المنظم: وطنٌ تحول إلى مزرعة للأحزاب، حيث يُذبح المواطن على مذبح المحاصصة. ومن يجرؤ على رفع صوته ضد هذا الظلم، يُطلق النظام كلابه الضارية – من ميليشيات وقضاء مُسيّس – لتنهش جسده، وتسكت صوته، وتدفن مطالبه بحقوقه في ثروات بلده تحت أنقاض الخوف والقمع. بعد أشهر قليلة، ستُجرى الانتخابات البرلمانية، لتحمل معها سؤالًا مصيريًا: هل سيستخدم المواطن العراقي بطاقته الانتخابية كسلاح لاقتلاع هذا النظام السرطاني من جذوره، ليؤسس مرحلة جديدة تعيد له كرامته المسروقة على مدى عقدين من النهب والذل؟ أم سيستسلم الشعب لمصيره المرسوم بعناية في أقبية المحاصصة، حيث نسجت شبكة الفساد الخبيثة شبكتها لتخنق آماله، تاركة إياه ينتظر مخلصًا وهميًا بينما يتعفن تحت وطأة الفقر والقمع؟ الشعب، الذي دفع دماء شبابه في تظاهرات تشرين، يقف اليوم أمام مفترق: إما أن ينتفض عبر صناديق الاقتراع ليحطم أغلال الفساد، وإما أن يظل أسيرًا لنظام يتغذى على جثث أحلامه، متمسكًا بوهم التغيير في ظل نخبة لا تعرف سوى لغة النهب والخيانة.