أحدث الأخبار مع #نيكسون


اليوم 24
منذ 3 ساعات
- ترفيه
- اليوم 24
من الرباط إلى واشنطن.. الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية
كان بوب ديلان Bob Dylan، الحائز على جائزة نوبل للموسيقى، يغني في ستينيات القرن الماضي: « TheThe Times They Are A-Changing' » 'الأزمنة تتغير…' — وبعد ستين سنة، يبدو أن هذا المقطع الشيق أصبح نبوءة حزينة بالنسبة للصحافيين في العالم، الذين يواجهون ضغوطًا متعددة ومتزايدة يوماً بعد يوم. اليوم، لم تعد الصحافة تعمل فقط في مناخ من انعدام الثقة، بل تجد نفسها وسط عاصفة تتقاطع فيها الرقابة المقنعة، الضغوط القضائية، التبعية المالية، والتلاعبات الأيديولوجية. إنها مرحلة غامضة يقف فيها الصحافي «بين المطرقة والسندان»: من جهة، واجبه المقدس في نقل المعلومة بكل حرية وتجرد، ومن جهة أخرى، تهديد القوى السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى إسكات صوته. المغرب واختبار الحق في الإعلام دون «قيود» المغرب ليس استثناءً. عدد المحاكمات المرتبطة بحرية التعبير منذ مطلع القرن لازال يثير القلق. صحافيون متابعون بتهم القذف، وسائل إعلام معاقبة لكشفها وقائع حساسة: مساحات التعبير تقلصت مع مرور الزمن، رغم التصريحات الرسمية المتكررة عن «الحداثة الديمقراطية» و«احترام حرية التعبير الصحافة». ويبدو أن الرقابة الذاتية، بل الصمت الكامل عما يزعج، أصبحت سيدة الموقف في المشهد الإعلامي المغربي، مقابل التركيز على الحوادث العابرة، والفضائح الجنسية، و«التفاهة» التي تضمن النقرات، ولكن قد تجلب الصفعات أيضًا. وإذا كنا نتوقع (بحق أو بغير حق) مثل هذه الانحرافات في ديمقراطيات ناشئة، فإن المفاجأة تكون أكبر عندما تقع في معاقل الحرية المعلنة، كحال الولايات المتحدة الأمريكية. نشرت صحيفة نيويورك تايمز New York Times في عددها الصادر بتاريخ 18 ماي 2025 سؤالًا يبعث على القشعريرة: 'كيف يمكن أن يحدث هذا هنا، في بلد يتفاخر بالتعديل الأول؟' The first amendment وينص التعديل هذا في الدستور الأمريكي على أنه: 'لا يجوز للكونغرس إصدار أي قانون يحد من حرية التعبير أو حرية الصحافة.' ويعني ذلك أن الدولة لا يمكنها قانونيًا فرض رقابة على الصحافيين أو منع المواطنين من التعبير بحرية — وهي ركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية. تطرقت هذه الصحيفة الواسعة الإنتشار إلى شكلين من أشكال قمع الإعلام: الأول مباشر ووحشي، كما في الأنظمة السلطوية مثل الصين أو روسيا، حيث يُسجن الصحافيون أو يُقتلون. والثاني أكثر مكرًا وخطورة، يوجد في الديمقراطيات الحديثة، حيث لا رقابة رسمية، بل مضايقات قضائية، ضغوط تنظيمية، ملاحقات تعسفية، أو استهداف مصالح ملاك وأصحاب وسائل الإعلام الاقتصادية. الهدف: ردع الصحافيين عن التطرق للمواضيع الحساسة، وإجبارهم على الرقابة الذاتية، أو صرف نظرهم عن ما تود السلطة إبقاءه في الظل بعيدا عن فضول الجمهور . لقد ولّى الزمن الذي كشفت فيه صحيفة واشنطن بوست فضيحة ووترغيت Watergate وتسببت في إسقاط الرئيس نيكسون. قناع الصحافة الخانعة هذه الآلية ليست بجديدة. ففي سبعينيات القرن الماضي، تَسرّب الصحافي الألماني غونتر فالراف إلى صحيفة Bild الشعبوية، والتي تطبع ملايين من النسخ يومياً، تحت هوية مزيفة، لكشف ممارسات صحافة منحرفة في خدمة أصحاب المال والنفوذ. وفي كتابه : الصحافي غير المرغوب فيه (1977)، لم يتردد في وصف صحافة تكذب، وتشوه، وتضلل لإرضاء الممولين والمعلنين. واشتهرت عبارته اللاذعة: 'الصحافيون كالعاهرات، يفعلون ما يُطلب منهم مقابل المال.' رغم قسوتها، إلا أنها لا تزال تُحدث صدى، خاصة في زمن باتت فيه الاستقلالية التحريرية مشروطة بالمصالح المالية. وفي كتابه : كبش فداء (1985)، ذهب الكاتب الألماني هذا إلى أبعد من ذلك، منتقدًا التهميش المنهجي للعمال المهاجرين خاصة الأتراك، ودور الإعلام في هذا التواطؤ. وقد لجأ بعد ذلك إلى هولندا بعد الحملة الشعواء التي شنتها عليه وسائل الإعلام المقربة من أصحاب المال والجاه مطالبة بمحاكمته. وهكذا أصبحت العلاقة المشتبه فيها بين الإعلام والسلطة مكشوفة للرأي العام. فحسب تحليل نشره الموقع الإخباري الأمريكي Splinter، وحدهم الديمقراطيون الأمريكيون فوق سن الخمسين يحتفظون ببعض الثقة في الإعلام التقليدي، أما باقي الفئات — على اختلاف انتماءاتهم السياسية — فتعبر عن شكوك عميقة تجاه الصحافة الرصينة. هذا مثال صارخ: فرغم الشكوك حول تلقي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رشوة فاضحة من قطر، لم تجرؤ الصحافة الأمريكية الكبرى على استعمال مفردات مثل «رشوة» أو «فساد». هذه قضية استغلال السلطة يعترف به بعض المؤثرين من اليمين المتطرف المساندين لترامب، في حين تمتنع المؤسسات الإعلامية الكبرى عن تسميته علنًا. تقرأ، كل يوم، هذه العبارة تحت شعار صحيفة واشنطن بوست Washington Post : 'الديمقراطية تموت في الظلام' ( Democracy dies in darkness) ولا يُراد من هذا الكلام شيطنة «الإعلام» بجملته. هناك الكثير من الصحافيين الذين لا يزالون يقاومون، يحققون، يكشفون — وغالبًا على حساب مستقبلهم المهني، وأحيانًا حياتهم. لكن المؤشرات الحمراء تتكاثر: فلا ديمقراطية بدون صحافة مستقلة وشجاعة. فالمعركة من أجل إعلام حر لا تُخاض فقط في ساحات المحاكم، بل في كل غرف التحرير، وكل خط افتتاحي، وفي العلاقة بين الصحافي وقارئه. وفي هذا الزمن الملتبس، أصبحت المعركة ضرورة قصوى. ولا غرابة أن تذكّر واشنطن بوست قراءها، للأسف، بأن «الديمقراطية تموت في الظلام». وهي جملة تعيدنا إلى المقولة الشهيرة للفيلسوف والمناضل أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci من زنزانته: 'العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد لم يولد بعد، وفي هذه الحالة الملتبسة بين النور والظلام تظهر الوحوش.' منعطف تاريخي حافل بالغموض… حادث له علاقة بالموضوع في 2012، نشر موقع Gawker الجريء والرائد في الصحافة الرقمية مقطعًا حميميًا لنجم المصارعة الشهير هالك هوغان (تيري بوليا). فرفع هذا الأخير دعوى بتهمة التعدي على الخصوصية، وكسب تعويضًا بقيمة 140 مليون دولار سنة 2016. لكن خلف الكواليس، كان يقف الملياردير بيتر ثيل (أحد مؤسسي PayPal)، الذي موّل سرًا القضية بدافع الانتقام: إذ كشف الموقع عن مثليته سنة 2007 دون موافقته.


منذ 5 أيام
- سيارات
هيونداي موتور تدخل عالم الألعاب الرقمية بتعاونها مع أسفلت: لقاء الأساطير
نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: هيونداي موتور تدخل عالم الألعاب الرقمية بتعاونها مع أسفلت: لقاء الأساطير - خبر صح, اليوم الأحد 4 مايو 2025 05:34 صباحاً أعلنت شركة هيونداي موتور اليوم عن تعاونها مع لعبة السباق الشهيرة "أسفلت: لقاء الأساطير" من Gameloft لإطلاق نماذجها الشهيرة عالية الأداء على مسارات السباق الرقمية.اللعبة، المتوفرة على منصات متعددة، بما في ذلك منصات الألعاب، وأجهزة الكمبيوتر، والهواتف المحمولة، حائزة على جوائز وتتمتع بشعبية عالمية واسعة. تُعدّ هذه المبادرة جزءًا من جهود هيونداي موتور للتواصل مع الجمهور الأصغر سنًا من خلال الألعاب. في العام الماضي، أطلقنا حملة تسويقية قائمة على المحتوى من خلال الفيلم القصير "صيد الليل"، مع التركيز على سرد القصص كوسيلة لكسر انحدار الإعلانات التقليدية، كما صرّح سونغوون جي، الرئيس التنفيذي للتسويق العالمي في شركة هيونداي موتور. وأضاف: "هذا العام، نوسع نطاق سرد قصص علامتنا التجارية ليشمل الألعاب من خلال شراكتنا مع "أسفلت: لقاء الأساطير" لربط الأجيال الشابة في مساحة يحبونها". تُطلق هيونداي موتور استراتيجية رائدة لتسويق المحتوى، بما يتماشى مع المشهد الإعلامي المتطور واتجاهات المحتوى المتغيرة بين الأجيال الشابة. في العام الماضي، اعتمدت الشركة نهجًا جديدًا بإصدار فيلم قصير بعنوان "صيد الليل"، وهذا العام، تتوسع في مجال الألعاب من خلال شراكتها مع "أسفلت: لقاء الأساطير" ستواصل الشركة تعاونها مع العديد من شركات الألعاب العالمية لتوسيع قاعدة المعجبين الشباب وتقديم حملات تسويقية إبداعية للمحتوى. ابتداءً من 2 أبريل، مع إصدار التحديث 43، يمكن للاعبين قيادة السيارة الكهربائية عالية الأداء أيونيك N 5، وسيارة N Vision 74 الهجينة عالية الأداء التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية. من 3 إلى 30 أبريل، ستستضيف هيونداي موتور فعاليةً داخل اللعبة لمدة أربعة أسابيع، تضمّ السيارتين. في كل فعالية، سيتم تكريم أسرع لاعب كفائز، وستتم دعوة ثلاثة فائزين إلى كوريا الجنوبية لاستكشاف معالم سيؤول ومساحات العلامة التجارية. كما ستتاح لهم فرصة تجربة قيادة سيارة أيونيك N 5 وحضور مهرجان N لعام 2025، وهو أكبر سباق للسيارات من طراز واحد في كوريا. تتعاون هيونداي موتور أيضًا مع مؤثرين عالميين في مجال الألعاب. سيقود هؤلاء المؤثرون المشهورون على تويتش ويوتيوب سيارات هيونداي موتور عالية الأداء في عالم السباقات الرقمية، ويشاركون تجربتهم المثيرة من خلال محتوى حصري، وألعاب مباشرة، والمشاركة في الفعاليات. تُوسّع هيونداي موتور نطاق مبادراتها التسويقية للمحتوى لتشمل الألعاب لتعزيز تفاعل علامتها التجارية مع جماهير الجيل Z وألفا. واستنادًا إلى إطلاقها السابق لـ"هيونداي فيوتشر أدفينشر" على روبلوكس و"تايملس سيؤول" على زيبيتو، تُواصل الشركة تعاونها مع أبرز ألعاب السباقات العالمية، بما في ذلك كارت رايدر راش+ من نيكسون. من خلال ابتكار تجارب ألعاب تفاعلية، تهدف هيونداي موتور إلى تعزيز حضور علامتها التجارية وترويج منتجاتها بين الأجيال الشابة. ومع التحديث الأخير للعبة "أسفلت: لقاء الأساطير"، الذي يدعم اللعب عبر الأجهزة المختلفة، ورسوماتها عالية الجودة، تهدف هيونداي موتور إلى التفاعل مع جيل Z حول العالم والتفاعل معه.


العرب اليوم
منذ 5 أيام
- سياسة
- العرب اليوم
القصر الطائر!
هناك قانون أمريكى يحظر على أى رئيس أن يحصل على هدايا أكثر من 100 دولار.. ولكن ترامب فتح درج المكتب وأعلن قبول الهدايا وأصبح يطلبها ويحدد قيمتها.. ولما سئل عنها قال: وهل لابد أن أدفع لمن يعطينى هدية؟.. إننى يمكننى أن أشكر صاحبها وأقول له: «شكرًا جزيلًا وينتهى الموضوع».. وهذا هو الفرق فى الثقافة الأمريكية بين عهدين وبين رئيسين.. نيكسون لم يكن يحلم بهذه الهدايا وأوباما لم يكن يحلم بربع ما حصل عليه ترامب.. هذا رئيس من نوعية رجال الأعمال، يؤمن بالتجارة والبيزنس ولا يخجل من التسول وفرض الجزية غير رئيس سياسى مثل نيكسون وكارتر وبوش!. ولا تزال أصداء «القصر الطائر» الذى حصل عليه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «هدية من قطر» يثير جدلًا واسعًا فى الولايات المتحدة نفسها، ودفع الإعلام الأمريكى إلى توجيه اتهامات حادة لترامب بتجاوز حدود اللياقة، فيما أشار بعض المسؤولين إلى مخاوف أمنية بشأن هذه الطائرة.. ولكن ترامب لا يبالى بأحاديث الإعلام، المهم أن تدخل الطائرة الخدمة فى أسطول ترامب.. كما أن الذين أعطوه الطائرة لا يبالون بما يقال حول تصرفاتهم فى المال العام!. الإعلام الأمريكى يحاسب ترامب على ممارساته مع أنه الرئيس الذى أخذ الطائرة، فكيف لو فكر أن يعطى؟.. حيث قالت صحيفة «واشنطن بوست» إنه على الرغم من إشادة الرئيس الأمريكى ترامب بقطر لعرضها تقديم طائرة فخمة هدية لإدارته، إلا أن مسؤولين حاليين وسابقين بالجيش الأمريكى والخدمة السرية قالوا إن الرئيس سيضطر على الأرجح للتنازل عن المواصفات الأمنية حتى يتمكن من استخدام الطائرة! وقال ترامب إنه «من الغباء عدم قبول هدية عبارة عن طائرة بوينج 8-747، قيمتها 400 مليون دولار»، ووصفها بـ «البادرة العظيمة» من قطر. وأشار ترامب إلى أنه ينوى استخدام الطائرة لعامين، بينما تنتظر إدارته طائرتى بوينج تستكملان المعايير العسكرية الصارمة من أجل أن تصبح طائرتى الرئاسة الأمريكية «إير فورس وان». ونقلت واشنطن بوست عن مسئول بالبيت الأبيض قوله إنه من المبكر للغاية تحديد الوقت الذى سيستغرقه إدخال التحسينات على الطائرة القطرية. ورفض المسؤول، الذى رفض الكشف عن هويته لمناقشته الأمر علنًا، تحديد الموعد المتوقع لامتلاك إدارة ترامب الطائرة. هناك تجاوزات يحاسبونه عليها: كيف يقبل طائرة غير مجهزة للرئيس؟، ومن يضمن ألا يحدث اختراق لجلسات الرئيس.. مع أن الرئيس يتكلم فى كل شىء بلا ضوابط أمنية، وبلا احتياطات تضمن السرية؟.. لا يهمه الأمن بقدر ما يهمه قبول الطائرة كبادرة طيبة، ولم يحاسب أحد الطرف الذى قدم الهدايا للرئيس الأمريكى!. واضح أن هناك اتفاقًا مسبقًا على الهدية، وتقديمها أثناء جولة الخليج.. وتظهر سجلات الرحلات أن الطائرة القطرية انتقلت قبل خمسة أسابيع إلى مطار سان أنتونيو الدولى، بما يشير إلى أن التجهيزات لتحسينها جارية بالفعل.. فما يصنع لأى دولة غير ما يصنع للرئيس الأمريكى ويدخلون عليها تحسينات وتجهيزات خاصة!.


Independent عربية
منذ 7 أيام
- سياسة
- Independent عربية
ترمب يستعيد دبلوماسية نيكسون لفصل موسكو عن بكين... فهل ينجح؟
لعل مشاركة الرئيس الصيني شي جينبينغ في احتفال نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالذكرى الـ80 للانتصار على النازية هو آخر ما كان الرئيس دونالد ترمب يريد رؤيته الآن، فقد ظلت استراتيجيته أقرب إلى دبلوماسية الرئيس ريتشارد نيكسون في أوائل سبعينيات القرن الماضي التي وصفت بسياسة "الرجل المجنون"، وإن كانت بطريقة عكسية، فبدلاً من انتزاع الصين من روسيا (كما فعل نيكسون) يختبر ترمب انتزاع موسكو من بكين، إذ إن ضغط ترمب لإحراز تقدم في عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا، أثمر أخيراً أول اجتماع بين الطرفين في إسطنبول الخميس قد يحضرها الرئيس الأميركي إذا كانت على مستوى القمة؟ فهل تنجح استراتيجية ترمب؟ انفراج بعد إحباط في ظل تزايد إحباط إدارة ترمب من عدم إحراز تقدم في جهودها لإنهاء أعنف صراع في أوروبا منذ أجيال، بدا أن جولة دبلوماسية محمومة بين روسيا وأوكرانيا توشك على الانطلاق بفضل الضغط الذي بذله ترمب خلال الأيام الأخيرة، والذي يعتقد أنه يمكن أن يسفر عن شيء مثمر، بل إنه ذهب إلى حد تأكيد أن الاجتماع سيكون على مستوى القمة بين الرئيسين بوتين وفولوديمير زيلينسكي، وأنه سيكون لقاءً واعداً وجيداً، مشيراً إلى أنه قد يحضر هذه القمة في تركيا. لكن على رغم صعوبة جسر الهوة بين الطرفين، والتي قد تبدأ بهدنة غير مشروطة لمدة 30 يوماً كما اقترحتها الولايات المتحدة منذ البداية، فإن هدف ترمب الحقيقي يتجاوز تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا، إلى فصل روسيا عن الصين، ففي مقابلة أجريت في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 مع مقدم البرامج السابق في شبكة "فوكس نيوز" اليميني تاكر كارلسون، جادل الرئيس دونالد ترمب بأن الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن دفعت بكين وموسكو إلى التقارب، وسيكون فصل القوتين من أولويات إدارته، مؤكداً أنه سيضطر إلى تفكيك هذه العلاقة وبمقدوره أن يفعل ذلك. ظلت استراتيجية ترمب أقرب إلى دبلوماسية الرئيس ريتشارد نيكسون في أوائل سبعينات القرن الماضي (أ ب) استراتيجية نيكسون ومنذ عودته إلى البيت الأبيض يحرص ترمب على التفاوض مع روسيا على أمل إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، والتي تعهد خلال حملته الانتخابية إنجازها خلال 24 ساعة، مما يفسر سياسته تجاه أوكرانيا بأنها تخدم ما أراد إيصاله في تصريحاته لكارلسون، وهو سحب الولايات المتحدة من الصراع الأوروبي وإصلاح العلاقات مع روسيا، حتى لو تطلب ذلك التضحية بأوكرانيا، وهذا كله يندرج في سياق تحول الاهتمام الأميركي نحو احتواء القوة الصينية. وبعد مكالمة هاتفية أجراها أخيراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صرح ترمب لقناة "فوكس نيوز" بصفته دارساً للتاريخ، ومتابعته لكل ما جرى، فإن أول ما نتعلمه في الولايات المتحدة هو عدم رؤية روسيا والصين تتحدان. التاريخ الذي يلمح إليه ترمب هو استراتيجية عهد نيكسون، إذ سعت الولايات المتحدة إلى التحالف مع الصين كقوة موازنة للاتحاد السوفياتي، مما شجع على الانقسام بين الكيانين الشيوعيين في هذه العملية، إذ أسهم جهد هنري كيسنجر وزير خارجية نيكسون في الانفتاح الاستراتيجي على الصين في انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف، والآن تلعب إدارة ترمب لعبة مدروسة مع روسيا، بهدف ضمان الحصول على منافع اقتصادية مثل المواد الخام والمعادن الأرضية الرخيصة، مع محاولة إعادة تشكيل العلاقات الصينية - الروسية بهدف إبعاد موسكو عن بكين وإضعاف تحالفهما المتنامي. استبعاد الصين ويمكن أيضاً استخلاص العبر من مقارنة تاريخية أخرى بمؤتمر يالطا في الـ11 من فبراير (شباط) عام 1945، عندما حدد فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وجوزيف ستالين نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية من دون استشارة الصين، التي أضعفتها الحرب الأهلية آنذاك، فقد تمت تلبية مطالب الاتحاد السوفياتي في اتفاقية يالطا، مما منحه السيطرة على الجزء الساحلي من منغوليا، والوصول إلى موانئ منشوريا، والنفوذ على سكة حديد تشانغتشون الصينية. في ذلك الوقت أعرب القائد السياسي والعسكري القومي الصيني تشيانغ كاي شيك عن أسفه لأن الصين قد بيعت بالفعل في يالطا على حد وصفه، ويبدو أن أوكرانيا واجهت مأزقاً مماثلاً، إذ ناقش الأميركيون والروس مستقبلها في البداية من دون مشاركتها المباشرة، وطرح ترمب عناصر الخطة الأميركية التي تعترف بسيطرة روسيا على القرم وقدم تنازلات أخرى لم تقبلها كييف على الإطلاق، وبينما لم ينتقد المسؤولون الصينيون استبعاد أوكرانيا علناً، فقد رحبوا بالحوار الروسي - الأميركي، مما يشير إلى تفضيل بكين لسياسة الصبر الاستراتيجي. ماذا لو نجح ترمب؟ قد تبدو المخاوف من مصالحة حقيقية بين الولايات المتحدة وروسيا مبالغاً فيها، نظراً إلى التناقضات الهيكلية وانعدام الثقة التاريخي العميق بين البلدين، ومع ذلك فقد شكلت روسيا أكبر تهديد للصين عندما ادعت أنها أقرب شريك لها، ويشير هذا النمط التاريخي إلى أن على بكين أن تظل حذرة من أي تقارب روسي - أميركي بحسب ما يشير البروفيسور سيشنغ تشاو من جامعة "دنفر"، والذي أكد هذه المخاوف على أساس أن الانفراج الروسي - الأميركي في ظل إدارة ترمب الثانية قد يعطل استراتيجية بكين التي تحمل عنوان "الجبهة المتحدة المناهضة للهيمنة"، والتي اكتسبت زخماً، في السنوات الأخيرة، عبر تعزيز الدور الصيني وتوسيع مجموعة "بريكس" والتقارب الصيني المتزايد مع روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول شرق أوسطية أخرى. وإذا نجحت واشنطن في إبعاد موسكو عن بكين، فقد تجد الصين نفسها معزولة بصورة متزايدة في تنافسها الجيوسياسي مع الولايات المتحدة، وبحسب ما يشير الباحث السياسي وانغ هوي ياو، فإن نهج ترمب العملي والواقعي، والذي يفضل إبرام الصفقات الاقتصادية على التدخل العسكري، يشكل أخطاراً وفرصاً للصين في الوقت نفسه، إذ يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى "مثلث كبير جديد" يضم الولايات المتحدة والصين وأوروبا على رغم أن خطة ترمب المقترحة للسلام بين روسيا وأوكرانيا، من المستبعد أن يقبلها بوتين بالكامل، لا سيما ما يتعلق بالضمانات الأمنية. ومع ذلك إذا كان خلق شرخ بين موسكو وبكين هو الهدف النهائي بالفعل، فإن رؤية ترمب تبدو ساذجة وقصيرة النظر من وجهة نظر البعض مثل لينغونغ كونغ، المتخصص في العلوم السياسية بجامعة "أوبورن"، إذ ليس من المرجح أن تتخلى روسيا عن علاقتها بالصين فحسب، بل إن كثيرين في بكين ينظرون إلى تعامل ترمب مع الحرب الروسية - الأوكرانية وسياسته الخارجية، بصورة عامة، على أنه علامة من علامات الضعف لا القوة. تحدٍّ متزايد على رغم أن روسيا والصين كانتا خصمين في أوقات مختلفة خلال الحرب الباردة، حين تنافست الصين والاتحاد السوفياتي بسبب الانقسام الأيديولوجي الذي بدأ عام 1961 وتنافسا للسيطرة على الحركة الشيوعية العالمية، كما لاحت فرصة كبيرة لاندلاع حرب بين البلدين في أوائل الستينيات، واشتعل قتال حدودي قصير عام 1969، فإن المشهد الجيوسياسي اليوم يختلف عن حقبة الحرب الباردة، فالدولتان توطدت علاقتهما بصورة مطردة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وتتشاركان بصورة متزايدة في أهداف استراتيجية رئيسة، من أهمها تحدي النظام الليبرالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة. كما استعرضت كل من بكين وموسكو في السنوات الأخيرة قوتهما العسكرية، حيث أظهرت الصين عضلاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان، فيما فعلت روسيا الشيء نفسه في دول الاتحاد السوفياتي السابقة، بما في ذلك أوكرانيا، وأدى الموقف الموحد الذي اتخذته الحكومات الغربية بقيادة واشنطن لمواجهة تحدي الصين وروسيا إلى تقريب البلدين من بعضهما بعضاً. أصدقاء مقربون في فبراير عام 2022، وبينما كانت روسيا تجهز لاجتياح أوكرانيا، أعلن الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جينبينغ ما يسمى "صداقة بلا حدود"، في استعراض عزيمتهما الموحدة ضد الغرب، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصين شريكة لا غنى عنها لروسيا، حيث تعد شريكتها التجارية الأولى في كل من الواردات والصادرات، وخلال عامين فحسب، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وروسيا مستوى قياسياً بلغ 237 مليار دولار، وأصبحت روسيا تعتمد الآن اعتماداً كبيراً على الصين كمشترية رئيسة لنفطها وغازها، وأدى هذا الترابط الاقتصادي المتزايد إلى منح الصين نفوذاً كبيراً على روسيا، بما يجعل أي محاولة أميركية لإبعاد موسكو عن بكين اقتصادياً غير واقعية، لكن هذا لا يعني أن العلاقات الروسية - الصينية متينة، فلا تزال هناك نقاط خلاف واختلاف في السياسات، إذ إن هناك مجالات يمكن لترمب استغلالها إذا نجح في دق إسفين بين البلدين، وعلى سبيل المثال، قد يخدم مصالح روسيا دعم الجهود الأميركية لاحتواء الصين وتثبيط أي توجهات توسعية في بكين، وذلك من خلال علاقات موسكو الاستراتيجية مع الهند، التي تنظر إليها الصين بشيء من القلق، لا سيما في ظل استمرار وجود مناطق متنازع عليها على طول الحدود الصينية - الروسية. من الأصدقاء الحقيقيون؟ يعرف بوتين من هم أصدقاؤه الحقيقيون وهو يدرك أن الإجماع الغربي الراسخ ضد روسيا بما في ذلك نظام العقوبات الاقتصادية القوي لن يزول في أي وقت قريب، وقد تعلم ذلك من ولاية ترمب الأولى، حيث بدا الرئيس الأميركي أيضاً وكأنه يتقرب من بوتين، إلا أنه فرض عقوبات أكثر صرامة تجاه روسيا، من إدارتي باراك أوباما أو جو بايدن. لذا، بينما من المرجح أن يقبل بوتين، بكل سرور، اتفاق سلام بوساطة ترمب يضحي فيه بمصالح أوكرانيا لمصلحة روسيا، فإن هذا لا يعني أنه سيسارع إلى تبني دعوة أوسع نطاقاً للاتحاد ضد بكين، لأنه يدرك مدى اعتماد روسيا اقتصادياً على الصين، ومدى خضوعها لها عسكرياً، وعلى حد تعبير أحد المحللين الروس، أصبحت موسكو الآن تابعة لبكين، أو في أحسن الأحوال، شريكة ثانوية لها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) علامة ضعف من جانبها، تنظر الصين إلى محادثات السلام التي أجراها ترمب مع روسيا وأوكرانيا على أنها علامة ضعف قد تقوض موقف الولايات المتحدة المتشدد تجاهها، ففي حين يتخذ بعض أعضاء الإدارة الأميركية مواقف متشددة تجاه الصين، حيث يعدها وزير الخارجية ماركو روبيو التهديد الأكثر قوة وخطورة على الرخاء الأميركي، إلا أن ترمب نفسه كان أكثر تردداً. وبينما فرض ترمب تعريفات جمركية جديدة على الصين كجزء من حرب تجارية متجددة، لكنه فكر أيضاً في عقد اجتماع مع الرئيس شي جينبينغ في بادرة واضحة على أنه يبحث عن حلول، والآن يبدو سعيداً أكثر من أي وقت مضى بالانفراج الأولي في المحادثات التجارية حول التخفيف التدريجي في التعريفات الجمركية بين البلدين، على رغم أن ترمب نفسه هو من أطلق الشرارة الأولى للحرب التجارية، بينما لم تبد بكين أي علامة على المبادرة بالانحناء لضغوطه. وإضافة إلى ذلك تدرك بكين عقلية ترمب المتشددة، التي تعطي الأولوية للفوائد الملموسة قصيرة الأجل على المصالح الاستراتيجية طويلة الأجل الأكثر قابلية للتنبؤ، والتي تتطلب استثماراً مستداماً، وهذا من شأنه أن يغير الحسابات ويوفر انطباعاً بأن الولايات المتحدة قد لا تكون مستعدة لتحمل الكلف الباهظة للدفاع عن تايوان، بخاصة أن ترمب، فشل في إلزام البلاد بالدفاع عن تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي التي تطالب بها بكين في انحراف عن سلفه بايدن، إذ أشار الرئيس الأميركي إلى أنه إذا ما شنت الحكومة الصينية حملة عسكرية لإعادة توحيد تايوان، فإنه سيلجأ إلى إجراءات اقتصادية كالرسوم الجمركية والعقوبات، وأثار انفتاحه الواضح على مقايضة أراضي أوكرانيا بالسلام قلقاً في تايوان في شأن التزام واشنطن بالمعايير الدولية الراسخة. عزل الاقتصاد استخلصت الصين كذلك درساً رئيساً آخر من تجربة روسيا في أوكرانيا، وهو أن نظام العقوبات الاقتصادية الذي تقوده الولايات المتحدة له حدود، فعلى رغم العقوبات الغربية الشاملة، استطاعت روسيا البقاء واقفة على قدميها من خلال الحيل والمراوغة وبدعم من حلفاء مثل الصين وكوريا الشمالية. علاوة على ذلك، لا تزال الصين أكثر تشابكاً مع الغرب في التعاون الاقتصادي مقارنة بروسيا، كما أن موقعها الاقتصادي العالمي المهيمن نسبياً يعني أنها تتمتع بنفوذ كبير لمواجهة أي جهود تقودها الولايات المتحدة لعزل البلاد اقتصادياً مثلما حدث مع الحرب التجارية الأخيرة التي صمدت فيها بكين في وجه ضغوط واشنطن. ومع التوترات الجيوسياسية التي دفعت الغرب إلى الانفصال التدريجي عن الصين في السنوات الأخيرة، تكيفت بكين مع التباطؤ الاقتصادي الناتج من ذلك من خلال إعطاء الأولوية للاستهلاك المحلي وجعل الاقتصاد أكثر اعتماداً على الذات في القطاعات الرئيسة، مما عكس جزئياً أيضاً القوة الاقتصادية الكبيرة للصين والتي تماشت مع سعي بكين لكسب دول الجنوب العالمي ومساندتها موقف الصين، حيث حصلت بكين على اعتراف 70 دولة رسمياً بتايوان جزءاً من الصين. هل تستغل الصين الانقسام؟ ولهذا من المرجح أن تتعثر خطة ترمب لجر روسيا إلى تحالف مناهض للصين عبر العمل على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية من خلال تفضيل روسيا، بل من المرجح أن تأتي هذه الجهود بنتائج عكسية، فعلى رغم أن روسيا نفسها قد تكن مخاوف في شأن القوة الصينية المتنامية، فإن الهدف الاستراتيجي المشترك للبلدين المتمثل في تحدي النظام الدولي الذي يقوده الغرب واعتماد روسيا الاقتصادي العميق على الصين، يجعل أي محاولة أميركية لإبعاد موسكو عن بكين غير واقعية. كما يكشف نهج ترمب عن نقاط ضعف يمكن للصين استغلالها، فسياسته الخارجية الانعزالية القائمة على المعاملات، إلى جانب تشجيعه الأحزاب اليمينية في أوروبا، قد توتر العلاقات مع حلفاء الاتحاد الأوروبي وتضعف الثقة في الالتزامات الأمنية الأميركية، وهو ما قد يجعل بكين تنظر إلى هذا الأمر على أنه علامة على تراجع النفوذ الأميركي، مما يمنح الصين مجالاً أوسع للمناورة، لا سيما في ما يتعلق بتايوان، وبدلاً من زيادة احتمالات الانقسام الصيني - الروسي، قد يؤدي هذا التحول إلى انقسام التحالف الغربي الهش أصلاً.


الرياض
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- الرياض
عودة الرئيس ترمب إلى عاصمة القرار
تحت سقف قاعات الدرعية العتيقة، وبين جدرانها التي شهدت الحنكة الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية تتجدد العلاقة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. تحالف يعود تاريخه إلى ما يقرب من قرن -عند بداية التنقيب عن النفط في المملكة في عام 1933، بعد عام واحد فقط من تأسيسها الرسمي في عام 1932- تتقاسم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تاريخًا قويًا من التعاون والصداقة. مر هذا التحالف الصلب بمراحل عديدة كان من أبرزها وأهمها في السياق التنموي، انعقاد الاجتماع الافتتاحي للجنة الاقتصادية الأميركية السعودية المشتركة -بلير هاوس- خلال زيارة الرئيس نيكسون إلى المملكة العربية السعودية عام 1974. أتت تلك الزيارة التاريخية لأول رئيس أميركي تأكيدًا على عمق العلاقة والتعاون بين البلدين. فقد اتسمت العلاقات السعودية الأميركية بتناغم كبير حيث دأب البلدان ومؤسساتهما العريقة على الحفاظ على علاقة متينة لم تقتصر فائدتها على البلدين فحسب، بل تعدّت إلى ضمان إمدادات الطاقة الآمنة، واستقرار الاقتصاد العالمي، وتعزيز الأمن والتنمية في الشرق الأوسط وخارجه. الولايات المتحدة ليست مجرد شريك عادي؛ فهي تُعدّ أحد أهمّ حلفاء المملكة الاقتصاديين، ووجهةً مفضلةً للاستثمار السعودي. تحتلّ الولايات المتحدة المرتبة الثانية في الصادرات السعودية، والمرتبة الأولى في الواردات، بينما لا تزال المملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بفائض في الميزان التجاري لصالح الرياض على مدى العقد الماضي. تستثمر أكثر من 500 شركة أميركية في المملكة، ويبلغ عدد المشروعات الأميركية السعودية المشتركة قرابة 609 مشروعات، بقيمة استثمارية تُقارب 62 مليار دولار. وتستقبل المملكة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في لحظة فارقة. فقد مر ما يقرب من عقد زمني على إطلاق رؤية 2030، خطة التحول الاجتماعي والاقتصادي الجريئة في المملكة العربية السعودية. ولم تتجرأ على تطبيق مثل هذا التغيير الجذري -من الفطام عن الاعتماد على النفط إلى انفتاح المجتمع- بهذا الحجم والسرعة إلا قليلة من الدول في هذا العالم الحديث. من خلال رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد أعادت المملكة العربية السعودية تعريف نفسها كصانع شراكات. وفي ترمب، تجد الرياض قائدًا يُدرك قيمة التحالفات الراسخة المبنية على المصلحة المشتركة. تُسفر الجهود المتضافرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز العلاقات السعودية الأميركية، وإعادة تنظيمها اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، عن سلسلة من الاتفاقيات والاستثمارات التي تُبشّر بالتكامل الاقتصادي، وتوطين الصناعات، وتحقيق أقصى عوائد لكلا البلدين. تُحوّل المملكة العربية السعودية اقتصادها الذي كان يعتمد في السابق على النفط إلى دولة مُنْعَشَة اجتماعيًا واقتصاديًا، قائمة على الإنتاجية، مع مجموعة واسعة من فرص الأعمال الجديدة. مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية كأول وجهة خارجية له بعد توليه الرئاسة يدخل التحالف حقبة جديدة تحمل في طياتها آفاقًا من الفرص الاستثمارية والأمنية. هذه الزيارة التي تغير صياغة المشهد السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وفق بوصلة القيادة السعودية، تعد ختم اعترافٍ على من يملك صناعة القرار في المنطقة بلغة الندّ. في الرياض، لن تعقد مجرد قمة، بل ستُعاد كتابة تعريف النفوذ وتوزيع الصوت السيادي ورأس المال الاستثماري. وفي هذا السياق كتبت صحيفة نيويورك بوست: "فيما كانت الوجهات الأولى للرؤساء الأميركيين تقليديًا إلى بريطانيا أو كندا، تغير الاتجاه اليوم نحو السعودية، وباتت المملكة العربية السعودية نقطة التقاء الاقتصاد والسياسة العالمية، فبوصلة العالم تتجه شرقًا وبالتحديد عاصمة القرار-الرياض". يعود الرئيس دونالد ترمب إلى أرض مألوفة في المملكة العربية السعودية، حيث اختار السعودية كوجهة لأول رحلة خارجية له في ولايته الثانية، تمامًا كما فعل في عام 2017، متجاوزًا مرة أخرى الحلفاء التقليديين الذين استضافوا الرؤساء عادة، وهو ما يخالف تقليدًا طويلاً. ويؤكد هذا القرار على استراتيجية أوسع نطاقا ينتهجها البيت الأبيض بقيادة ترمب، حيث تعطي الأولوية للتأثير الاقتصادي والاستراتيجي. وفي هذا الصدد أشار المحللون إلى أن المملكة العربية السعودية أصبحت الآن منطقة محورية في استقرار الاقتصاد العالمي، إذ تربط بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا. أما على الصعيد الأمني، استضافت السعودية الجهود الدبلوماسية الأميركية المستمرة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث لعبت دور الوسيط منذ بداية الصراع الروسي-الأوكراني، بما في ذلك تسهيل المحادثات. لقد اتخذت المملكة بالفعل موقفًا دبلوماسيًا أكثر حزمًا، وأصبحت مركزًا للوساطة الدولية، بدءًا من تسهيل قنوات هادئة بين واشنطن وكييف وموسكو -كما ذكرنا-، وصولًا إلى تشجيع إيقاف إطلاق النار وتبادل الأسرى في مناطق الصراع المنسية. وحيثما يُؤجج الآخرون الفوضى، تعمل المملكة على احتوائها ووضع حد لها. في ولايته الثانية الرئيس ترمب يدرك أنه بحاجة إلى كتابة مرحلة جديدة واستثنائية في عمر العلاقة الفريدة والتحالف الصلب بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية؛ لذلك ستضع هذه الزيارة التي أعادت إلى الأذهان الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون كلا البلدين في صدارة التحول العالمي في العديد من المجالات، في مقدمتها الطاقة بكل أشكالها. القيادة الأميركية تدرك جيدًا بأن السعودية باتت تمثل بوابة الشرق الأوسط الحقيقي، دولة مستقرة ذات نفوذ اقتصادي جيوسياسي، وروح قيادية متجددة. إن عودة الرئيس ترمب تشكل تأكيدًا على الثقة المتبادلة، والتوافق الاستراتيجي، والإيمان المشترك بالدبلوماسية البراغماتية القائمة على المصالح والتي كانت دائمًا ركيزة أساسية للعلاقات السعودية الأميركية.