
ترمب يستعيد دبلوماسية نيكسون لفصل موسكو عن بكين... فهل ينجح؟
لعل مشاركة الرئيس الصيني شي جينبينغ في احتفال نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالذكرى الـ80 للانتصار على النازية هو آخر ما كان الرئيس دونالد ترمب يريد رؤيته الآن، فقد ظلت استراتيجيته أقرب إلى دبلوماسية الرئيس ريتشارد نيكسون في أوائل سبعينيات القرن الماضي التي وصفت بسياسة "الرجل المجنون"، وإن كانت بطريقة عكسية، فبدلاً من انتزاع الصين من روسيا (كما فعل نيكسون) يختبر ترمب انتزاع موسكو من بكين، إذ إن ضغط ترمب لإحراز تقدم في عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا، أثمر أخيراً أول اجتماع بين الطرفين في إسطنبول الخميس قد يحضرها الرئيس الأميركي إذا كانت على مستوى القمة؟ فهل تنجح استراتيجية ترمب؟
انفراج بعد إحباط
في ظل تزايد إحباط إدارة ترمب من عدم إحراز تقدم في جهودها لإنهاء أعنف صراع في أوروبا منذ أجيال، بدا أن جولة دبلوماسية محمومة بين روسيا وأوكرانيا توشك على الانطلاق بفضل الضغط الذي بذله ترمب خلال الأيام الأخيرة، والذي يعتقد أنه يمكن أن يسفر عن شيء مثمر، بل إنه ذهب إلى حد تأكيد أن الاجتماع سيكون على مستوى القمة بين الرئيسين بوتين وفولوديمير زيلينسكي، وأنه سيكون لقاءً واعداً وجيداً، مشيراً إلى أنه قد يحضر هذه القمة في تركيا. لكن على رغم صعوبة جسر الهوة بين الطرفين، والتي قد تبدأ بهدنة غير مشروطة لمدة 30 يوماً كما اقترحتها الولايات المتحدة منذ البداية، فإن هدف ترمب الحقيقي يتجاوز تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا، إلى فصل روسيا عن الصين، ففي مقابلة أجريت في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 مع مقدم البرامج السابق في شبكة "فوكس نيوز" اليميني تاكر كارلسون، جادل الرئيس دونالد ترمب بأن الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن دفعت بكين وموسكو إلى التقارب، وسيكون فصل القوتين من أولويات إدارته، مؤكداً أنه سيضطر إلى تفكيك هذه العلاقة وبمقدوره أن يفعل ذلك.
ظلت استراتيجية ترمب أقرب إلى دبلوماسية الرئيس ريتشارد نيكسون في أوائل سبعينات القرن الماضي (أ ب)
استراتيجية نيكسون
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض يحرص ترمب على التفاوض مع روسيا على أمل إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، والتي تعهد خلال حملته الانتخابية إنجازها خلال 24 ساعة، مما يفسر سياسته تجاه أوكرانيا بأنها تخدم ما أراد إيصاله في تصريحاته لكارلسون، وهو سحب الولايات المتحدة من الصراع الأوروبي وإصلاح العلاقات مع روسيا، حتى لو تطلب ذلك التضحية بأوكرانيا، وهذا كله يندرج في سياق تحول الاهتمام الأميركي نحو احتواء القوة الصينية.
وبعد مكالمة هاتفية أجراها أخيراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صرح ترمب لقناة "فوكس نيوز" بصفته دارساً للتاريخ، ومتابعته لكل ما جرى، فإن أول ما نتعلمه في الولايات المتحدة هو عدم رؤية روسيا والصين تتحدان.
التاريخ الذي يلمح إليه ترمب هو استراتيجية عهد نيكسون، إذ سعت الولايات المتحدة إلى التحالف مع الصين كقوة موازنة للاتحاد السوفياتي، مما شجع على الانقسام بين الكيانين الشيوعيين في هذه العملية، إذ أسهم جهد هنري كيسنجر وزير خارجية نيكسون في الانفتاح الاستراتيجي على الصين في انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف، والآن تلعب إدارة ترمب لعبة مدروسة مع روسيا، بهدف ضمان الحصول على منافع اقتصادية مثل المواد الخام والمعادن الأرضية الرخيصة، مع محاولة إعادة تشكيل العلاقات الصينية - الروسية بهدف إبعاد موسكو عن بكين وإضعاف تحالفهما المتنامي.
استبعاد الصين
ويمكن أيضاً استخلاص العبر من مقارنة تاريخية أخرى بمؤتمر يالطا في الـ11 من فبراير (شباط) عام 1945، عندما حدد فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وجوزيف ستالين نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية من دون استشارة الصين، التي أضعفتها الحرب الأهلية آنذاك، فقد تمت تلبية مطالب الاتحاد السوفياتي في اتفاقية يالطا، مما منحه السيطرة على الجزء الساحلي من منغوليا، والوصول إلى موانئ منشوريا، والنفوذ على سكة حديد تشانغتشون الصينية.
في ذلك الوقت أعرب القائد السياسي والعسكري القومي الصيني تشيانغ كاي شيك عن أسفه لأن الصين قد بيعت بالفعل في يالطا على حد وصفه، ويبدو أن أوكرانيا واجهت مأزقاً مماثلاً، إذ ناقش الأميركيون والروس مستقبلها في البداية من دون مشاركتها المباشرة، وطرح ترمب عناصر الخطة الأميركية التي تعترف بسيطرة روسيا على القرم وقدم تنازلات أخرى لم تقبلها كييف على الإطلاق، وبينما لم ينتقد المسؤولون الصينيون استبعاد أوكرانيا علناً، فقد رحبوا بالحوار الروسي - الأميركي، مما يشير إلى تفضيل بكين لسياسة الصبر الاستراتيجي.
ماذا لو نجح ترمب؟
قد تبدو المخاوف من مصالحة حقيقية بين الولايات المتحدة وروسيا مبالغاً فيها، نظراً إلى التناقضات الهيكلية وانعدام الثقة التاريخي العميق بين البلدين، ومع ذلك فقد شكلت روسيا أكبر تهديد للصين عندما ادعت أنها أقرب شريك لها، ويشير هذا النمط التاريخي إلى أن على بكين أن تظل حذرة من أي تقارب روسي - أميركي بحسب ما يشير البروفيسور سيشنغ تشاو من جامعة "دنفر"، والذي أكد هذه المخاوف على أساس أن الانفراج الروسي - الأميركي في ظل إدارة ترمب الثانية قد يعطل استراتيجية بكين التي تحمل عنوان "الجبهة المتحدة المناهضة للهيمنة"، والتي اكتسبت زخماً، في السنوات الأخيرة، عبر تعزيز الدور الصيني وتوسيع مجموعة "بريكس" والتقارب الصيني المتزايد مع روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول شرق أوسطية أخرى.
وإذا نجحت واشنطن في إبعاد موسكو عن بكين، فقد تجد الصين نفسها معزولة بصورة متزايدة في تنافسها الجيوسياسي مع الولايات المتحدة، وبحسب ما يشير الباحث السياسي وانغ هوي ياو، فإن نهج ترمب العملي والواقعي، والذي يفضل إبرام الصفقات الاقتصادية على التدخل العسكري، يشكل أخطاراً وفرصاً للصين في الوقت نفسه، إذ يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى "مثلث كبير جديد" يضم الولايات المتحدة والصين وأوروبا على رغم أن خطة ترمب المقترحة للسلام بين روسيا وأوكرانيا، من المستبعد أن يقبلها بوتين بالكامل، لا سيما ما يتعلق بالضمانات الأمنية.
ومع ذلك إذا كان خلق شرخ بين موسكو وبكين هو الهدف النهائي بالفعل، فإن رؤية ترمب تبدو ساذجة وقصيرة النظر من وجهة نظر البعض مثل لينغونغ كونغ، المتخصص في العلوم السياسية بجامعة "أوبورن"، إذ ليس من المرجح أن تتخلى روسيا عن علاقتها بالصين فحسب، بل إن كثيرين في بكين ينظرون إلى تعامل ترمب مع الحرب الروسية - الأوكرانية وسياسته الخارجية، بصورة عامة، على أنه علامة من علامات الضعف لا القوة.
تحدٍّ متزايد
على رغم أن روسيا والصين كانتا خصمين في أوقات مختلفة خلال الحرب الباردة، حين تنافست الصين والاتحاد السوفياتي بسبب الانقسام الأيديولوجي الذي بدأ عام 1961 وتنافسا للسيطرة على الحركة الشيوعية العالمية، كما لاحت فرصة كبيرة لاندلاع حرب بين البلدين في أوائل الستينيات، واشتعل قتال حدودي قصير عام 1969، فإن المشهد الجيوسياسي اليوم يختلف عن حقبة الحرب الباردة، فالدولتان توطدت علاقتهما بصورة مطردة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وتتشاركان بصورة متزايدة في أهداف استراتيجية رئيسة، من أهمها تحدي النظام الليبرالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
كما استعرضت كل من بكين وموسكو في السنوات الأخيرة قوتهما العسكرية، حيث أظهرت الصين عضلاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان، فيما فعلت روسيا الشيء نفسه في دول الاتحاد السوفياتي السابقة، بما في ذلك أوكرانيا، وأدى الموقف الموحد الذي اتخذته الحكومات الغربية بقيادة واشنطن لمواجهة تحدي الصين وروسيا إلى تقريب البلدين من بعضهما بعضاً.
أصدقاء مقربون
في فبراير عام 2022، وبينما كانت روسيا تجهز لاجتياح أوكرانيا، أعلن الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جينبينغ ما يسمى "صداقة بلا حدود"، في استعراض عزيمتهما الموحدة ضد الغرب، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصين شريكة لا غنى عنها لروسيا، حيث تعد شريكتها التجارية الأولى في كل من الواردات والصادرات، وخلال عامين فحسب، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وروسيا مستوى قياسياً بلغ 237 مليار دولار، وأصبحت روسيا تعتمد الآن اعتماداً كبيراً على الصين كمشترية رئيسة لنفطها وغازها، وأدى هذا الترابط الاقتصادي المتزايد إلى منح الصين نفوذاً كبيراً على روسيا، بما يجعل أي محاولة أميركية لإبعاد موسكو عن بكين اقتصادياً غير واقعية، لكن هذا لا يعني أن العلاقات الروسية - الصينية متينة، فلا تزال هناك نقاط خلاف واختلاف في السياسات، إذ إن هناك مجالات يمكن لترمب استغلالها إذا نجح في دق إسفين بين البلدين، وعلى سبيل المثال، قد يخدم مصالح روسيا دعم الجهود الأميركية لاحتواء الصين وتثبيط أي توجهات توسعية في بكين، وذلك من خلال علاقات موسكو الاستراتيجية مع الهند، التي تنظر إليها الصين بشيء من القلق، لا سيما في ظل استمرار وجود مناطق متنازع عليها على طول الحدود الصينية - الروسية.
من الأصدقاء الحقيقيون؟
يعرف بوتين من هم أصدقاؤه الحقيقيون وهو يدرك أن الإجماع الغربي الراسخ ضد روسيا بما في ذلك نظام العقوبات الاقتصادية القوي لن يزول في أي وقت قريب، وقد تعلم ذلك من ولاية ترمب الأولى، حيث بدا الرئيس الأميركي أيضاً وكأنه يتقرب من بوتين، إلا أنه فرض عقوبات أكثر صرامة تجاه روسيا، من إدارتي باراك أوباما أو جو بايدن.
لذا، بينما من المرجح أن يقبل بوتين، بكل سرور، اتفاق سلام بوساطة ترمب يضحي فيه بمصالح أوكرانيا لمصلحة روسيا، فإن هذا لا يعني أنه سيسارع إلى تبني دعوة أوسع نطاقاً للاتحاد ضد بكين، لأنه يدرك مدى اعتماد روسيا اقتصادياً على الصين، ومدى خضوعها لها عسكرياً، وعلى حد تعبير أحد المحللين الروس، أصبحت موسكو الآن تابعة لبكين، أو في أحسن الأحوال، شريكة ثانوية لها.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علامة ضعف
من جانبها، تنظر الصين إلى محادثات السلام التي أجراها ترمب مع روسيا وأوكرانيا على أنها علامة ضعف قد تقوض موقف الولايات المتحدة المتشدد تجاهها، ففي حين يتخذ بعض أعضاء الإدارة الأميركية مواقف متشددة تجاه الصين، حيث يعدها وزير الخارجية ماركو روبيو التهديد الأكثر قوة وخطورة على الرخاء الأميركي، إلا أن ترمب نفسه كان أكثر تردداً. وبينما فرض ترمب تعريفات جمركية جديدة على الصين كجزء من حرب تجارية متجددة، لكنه فكر أيضاً في عقد اجتماع مع الرئيس شي جينبينغ في بادرة واضحة على أنه يبحث عن حلول، والآن يبدو سعيداً أكثر من أي وقت مضى بالانفراج الأولي في المحادثات التجارية حول التخفيف التدريجي في التعريفات الجمركية بين البلدين، على رغم أن ترمب نفسه هو من أطلق الشرارة الأولى للحرب التجارية، بينما لم تبد بكين أي علامة على المبادرة بالانحناء لضغوطه.
وإضافة إلى ذلك تدرك بكين عقلية ترمب المتشددة، التي تعطي الأولوية للفوائد الملموسة قصيرة الأجل على المصالح الاستراتيجية طويلة الأجل الأكثر قابلية للتنبؤ، والتي تتطلب استثماراً مستداماً، وهذا من شأنه أن يغير الحسابات ويوفر انطباعاً بأن الولايات المتحدة قد لا تكون مستعدة لتحمل الكلف الباهظة للدفاع عن تايوان، بخاصة أن ترمب، فشل في إلزام البلاد بالدفاع عن تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي التي تطالب بها بكين في انحراف عن سلفه بايدن، إذ أشار الرئيس الأميركي إلى أنه إذا ما شنت الحكومة الصينية حملة عسكرية لإعادة توحيد تايوان، فإنه سيلجأ إلى إجراءات اقتصادية كالرسوم الجمركية والعقوبات، وأثار انفتاحه الواضح على مقايضة أراضي أوكرانيا بالسلام قلقاً في تايوان في شأن التزام واشنطن بالمعايير الدولية الراسخة.
عزل الاقتصاد
استخلصت الصين كذلك درساً رئيساً آخر من تجربة روسيا في أوكرانيا، وهو أن نظام العقوبات الاقتصادية الذي تقوده الولايات المتحدة له حدود، فعلى رغم العقوبات الغربية الشاملة، استطاعت روسيا البقاء واقفة على قدميها من خلال الحيل والمراوغة وبدعم من حلفاء مثل الصين وكوريا الشمالية.
علاوة على ذلك، لا تزال الصين أكثر تشابكاً مع الغرب في التعاون الاقتصادي مقارنة بروسيا، كما أن موقعها الاقتصادي العالمي المهيمن نسبياً يعني أنها تتمتع بنفوذ كبير لمواجهة أي جهود تقودها الولايات المتحدة لعزل البلاد اقتصادياً مثلما حدث مع الحرب التجارية الأخيرة التي صمدت فيها بكين في وجه ضغوط واشنطن.
ومع التوترات الجيوسياسية التي دفعت الغرب إلى الانفصال التدريجي عن الصين في السنوات الأخيرة، تكيفت بكين مع التباطؤ الاقتصادي الناتج من ذلك من خلال إعطاء الأولوية للاستهلاك المحلي وجعل الاقتصاد أكثر اعتماداً على الذات في القطاعات الرئيسة، مما عكس جزئياً أيضاً القوة الاقتصادية الكبيرة للصين والتي تماشت مع سعي بكين لكسب دول الجنوب العالمي ومساندتها موقف الصين، حيث حصلت بكين على اعتراف 70 دولة رسمياً بتايوان جزءاً من الصين.
هل تستغل الصين الانقسام؟
ولهذا من المرجح أن تتعثر خطة ترمب لجر روسيا إلى تحالف مناهض للصين عبر العمل على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية من خلال تفضيل روسيا، بل من المرجح أن تأتي هذه الجهود بنتائج عكسية، فعلى رغم أن روسيا نفسها قد تكن مخاوف في شأن القوة الصينية المتنامية، فإن الهدف الاستراتيجي المشترك للبلدين المتمثل في تحدي النظام الدولي الذي يقوده الغرب واعتماد روسيا الاقتصادي العميق على الصين، يجعل أي محاولة أميركية لإبعاد موسكو عن بكين غير واقعية. كما يكشف نهج ترمب عن نقاط ضعف يمكن للصين استغلالها، فسياسته الخارجية الانعزالية القائمة على المعاملات، إلى جانب تشجيعه الأحزاب اليمينية في أوروبا، قد توتر العلاقات مع حلفاء الاتحاد الأوروبي وتضعف الثقة في الالتزامات الأمنية الأميركية، وهو ما قد يجعل بكين تنظر إلى هذا الأمر على أنه علامة على تراجع النفوذ الأميركي، مما يمنح الصين مجالاً أوسع للمناورة، لا سيما في ما يتعلق بتايوان، وبدلاً من زيادة احتمالات الانقسام الصيني - الروسي، قد يؤدي هذا التحول إلى انقسام التحالف الغربي الهش أصلاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 44 دقائق
- Independent عربية
كيف أضاع الأسد فرصة الحوار مع إدارتي ترمب وبايدن؟
كان لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب برعاية وحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض نقطة انعطاف في العلاقات بين واشنطن ودمشق، إذ حقق الشرع خلال ستة أشهر ما عجز رئيس النظام السابق بشار الأسد عن تحقيقه خلال ربع قرن. يكشف تحقيق لـ"المجلة" استناداً إلى وثائق ومحاضر اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين غربيين وإقليميين، أن الفرصة أتيحت أكثر من مرة للأسد كي يرفع مستوى الحوار مع البيت الأبيض خلال الولاية الأولى لترمب بين 2017 و2021 وولاية الرئيس السابق جو بايدن بين 2021 و2025، لكنه فوّت فرصاً عديدة عليه إذ إنه خيب الوسطاء من قادة ومسؤولين عرب وإقليميين، حاولوا فتح نوافذ له قبل سقوطه نهاية العام الماضي. وجرت المحاولة الأخيرة للحوار بين البيت الأبيض ودمشق قبل أيام من هروب الأسد إلى موسكو في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، إضافة إلى الفشل الآخر في تجاهل وساطة الرئيس فلاديمير بوتين لجمع الأسد مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. مفاوضات زمن ترمب في عام 2017 بدأت إدارة ترمب بإنشاء قنوات تواصل مع النظام السوري لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في 2012، مع أن ترمب فكر في ربيع 2017 باغتيال الأسد لاستخدامه الكيماوي في خان شيخون بإدلب إلا أن وزير الدفاع آنذااك جيمس ماتيس عارض اغتيال الأسد، فجرى توجيه ضربات أميركية–بريطانية–فرنسية لمواقع استعمال الكيماوي التابعة للنظام. بعد ذلك، وجه ترمب رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو لفتح حوار مباشر للإفراج عن الصحافي الأميركي. وكان مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم قال لـ"المجلة" إن السفير روجر كارستنس، مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المختطفين زار بيروت في ربيع 2020 طالباً فتح قناة مع مدير الأمن الوطني علي مملوك لبحث مصير تايس. وذهب إبراهيم والتقى مملوك لإقناعه بالحوار باعتباره ممثلاً لترمب. في هذا اللقاء وضعت دمشق شروط انسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات واستتئناف العلاقات التي تجمدت بعد سحب السفير روبرت فورد في 2012. وفي شهر أغسطس (آب) عام 2020، تواصل مساعد المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن ستيفن غيلين مع السفير بسام صباغ مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة وطلب منه ترتيب لقاء بينهما. رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءت توجيهات الأسد بأن يجتمع معه، ويستمع إليه "على أن لا يعطيه أي موقف إطلاقاً". في اللقاء، فاجأ غيلين صباغ بأن كارستنس يرغب بترتيب زيارة سرية إلى دمشق واللقاء مع علي مملوك. كان محور اللقاء هو طلب مساعدة الحكومة السورية في تحديد مصير تايس. وفي ضوء اتصالات إبراهيم واقتراح صباغ، زار كارستنس ومساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض كاش باتل دمشق في أغسطس 2020 واجتمعا مع مملوك في مكتبه بدمشق. وهذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين، فقد سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية. في هذه الزيارة السرية، شرح المسؤولان الأميركيان أهمية تعاون دمشق مع واشنطن في هذا الملف وكيف سينعكس إيجاباً على بقية الملفات. وقال مسؤول غربي إن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه في حال تم الحصول على أي معلومات عن تايس، فإن بومبيو يمكن أن يأتي إلى دمشق، ويعلن مواقف سياسية مهمة منها. وأضاف: "لم تكن بيد مملوك أي حيلة، فالتعليمات التي جاءته من الأسد كانت صارمة: لا نعرف أي شيء عن أوستن تايس وهو ليس بقبضتنا". وأضاف مصدر آخر: "لم يكن مجيء كارستنس وكاش إلى دمشق في ذلك الوقت بالأمر الذي يمكن الاستخفاف به، ولو كان الأسد يمتلك مؤهلات وصفات مناسبة، لكان قد استغل هذه الزيارة لمد الجسور وفتح قنوات التواصل مع إدارة ترمب. ولكنه ضيع هذه الفرصة الاستثنائية وذهبت أدراج الرياح، كما ضيع عشرات الفرص الأخرى فيما بلاده تتردى في مهاوي الكارثة". زمن بايدن وفي 2021، تجددت وساطة إبراهيم بطلب أميركي لمعرفة مصير تايس. وقال إبراهيم: "كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، إذ كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعقدت جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمراً أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع". الأمر الذي فاجأ إبراهيم أن "الأسد رفض استقبال الوفد الأميركي". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في 2022 تسارع قطار التطبيع العربي مع دمشق وأعيدت إلى الجامعة العربية. ويقول مصدر قريب من دمشق، إن إدارة بايدن، كانت تريد "فتح نوع من التواصل مع النظام، فأولاً، كانت الولايات المتحدة تدرك أن وجود قواتها العسكرية حول حقول النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لسوريا أمر لا يمكن استمراره من دون أفق مفتوح لإنهاء هذا الوجود، ولكنها ترغب في ضمانات من الطرف السوري بأن انسحاب قواتها من هناك لن يؤدي إلى دخول الحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران إلى تلك المنطقة. وثانياً، كانت الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط كبيرة من أسر المفقودين الأميركيين في سوريا للبحث عنهم، والتحقق من مصيرهم، وربما إطلاق سراحهم في صفقة تبادل ما مع النظام السوري، فهي مقتنعة أنهم في قبضته رغم إنكار النظام الدائم لذلك". مر وقت قبل أن تقرر إدارة بايدن أن تعاود التواصل مع دمشق. في عام 2022 أرسل كارستنس معاونه إلى نيويورك ليقابل السفير صباغ. حاول إقناعه بفائدة التعاون في عدة ملفات، رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءه التوجيه بـ"عدم التعاون". صباغ الذي كان يريد فتح الأقنية "وجد موقف الأسد غريباً وغير مفهوم" لكنه اكتفى بنقل الرسائل. أما وزير الخارجية فيصل مقداد، فكان "يريد استغلال هذه الفرصة لفتح الأقنية مع بلد في حجم وأهمية الولايات المتحدة. ولكن بشار الأسد ارتأى غير ذلك، وتم صرف النظر عن الموضوع"، حسب تقرير كتب عن التفاصيل. القناة العمانية في أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق، بالأسد وتحدث معه حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحاً حتى بين الدول المتناحرة سياسياً، ورغم أن عقلية بشار الأسد التي كانت تتسم بالعناد الشديد وضيق الأفق (...) فقد كان من الصعب على الأسد أن يرفض طلباً لسلطان عمان، فوجد نفسه مضطراً للموافقة". أبلغ سلطان عمان الطرف الأميركي بموافقة السوريين على اللقاء معهم سراً في مسقط، واتفق الجانبان عبر الوساطة العمانية على أن يحدد كل جانب النقاط التي يرغب في مناقشتها في جدول الأعمال من دون أن يحق للطرف الآخر الاعتراض عليها. ولم يبق إلا الاتفاق على أعضاء الوفدين. أبلغ الجانب الأميركي العمانيين أن وفدهم سيكون رفيع المستوى، وسيرأسه بريت ماكغورك نائب مستشار الرئيس الأميركي السابق المكلف بشؤون الشرق الأوسط. كما سيضم جوشوا غيلتزر وهو أيضاً يشغل منصب نائب مساعد الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، إضافة إلى خمسة أعضاء آخرين من جميع المؤسسات الأميركية، أي وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وزارة الأمن الوطني، وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان من الطبيعي أن يتوقع الأميركيون أن يرسل السوريون وفداً رفيع المستوى، كأن يضم رئيس جهاز الاستخبارات السورية ونائب وزير الخارجية أو مستشار الرئيس أو أحد كبار قادة الجيش. وجاء قرار الأسد بأن يكون الوفد السوري برئاسة السفير عماد مصطفى (الذي عين مديراً للمعهد الدبلوماسي بعد عودته من منصبه كسفير في الصين بعد عمله سفيراً في واشنطن) وعضوية شخصين من الأجهزة الأمنية السورية، هما العميد سامر بريدي والعميد ماجد إبراهيم. يقول مسؤول غربي: "كان الاختيار مفاجئاً لمسقط وواشنطن بكل المقاييس. فلم يكن هناك تكافؤ أو تناسب بين مناصب أعضاء الوفد السوري ومناصب أعضاء الوفد الأميركي الدولة العظمى في العالم". استخفاف بالحوار بحسب وثيقة سورية، فإن المقداد "شعر بالحرج عندما أبلغه الأسد بقراره، فكيف سيشرح للأسد أن هناك عدم حكمة في تشكيلة الوفد السوري، وعندما أبلغ مصطفى بقرار تشكيل الوفد، جاءه رده سريعاً، أنه يفهم العقلية الأميركية جيداً، وبغض النظر عن خبرته وتاريخه الدبلوماسي، فهم سيعتبرون أن إرسال وفد برئاسة مدير المعهد الدبلوماسي، وعضوية عميدين غير معروفين في الأمن السوري، هو تعبير صريح عن الاستخفاف بهذا الحوار، وعدم التعامل معه بجدية". اقترح مصطفى أن يرأس هذا الوفد شخصية أعلى في الموقع الهرمي في القيادة السورية، وأن يدعم المفاوضات والدبلوماسية الدولية ليكون الشخص الثاني في هذا الوفد لتحقيق "الغرض المطلوب من المفاوضات، ويرسل رسالة صحيحة إلى الجانب الأميركي". عندما اقترح المقداد على الأسد ذلك رد الأخير: "الوفد سيكون كما قلت لا تغيير فيه"، حسب شخص معني. عندما أبلغ المقداد الجانب العماني بتشكيلة الوفد، أصيب العمانيون بالدهشة من هذه التشكيلة، ولكنهم اكتفوا بإبلاغ الجانب الأميركي بأسماء الوفد السوري. وقال مسؤول غربي: "لم يسر الجانب الأميركي بتركيبة الوفد السوري، اعتبروا مستوى التمثيل دليلاً على عدم الجدية. فمصطفى لم يكن في موقع عال في الهرم الرسمي للسلطة والمسؤولية، والضابطان الآخران غير معروفين، وربما كانت مهمتهما مراقبة مصطفى والعمل على ضبط إيقاعه، فهو معروف بعدم التزامه الدقيق بالخط الرسمي السوري". أرسل الأميركيون رسالة عبر الجانب العماني بهذا الشأن، هم يريدون أن يكون الوفد السوري برئاسة علي مملوك. وكما هو مألوف في مثل هذه الحالات، ازداد تشبث الأسد بقراره: "نحن لم نتدخل بتشكيلة الوفد الأميركي. لماذا يتدخلون بتشكيلة وفدنا؟". وقال مسؤول غربي: "يبدو أن الأسد كان يعتبر أن المفاوضات تجري بين خصمين متكافئين يتمتعان بالندية. كانت المشكلة دبلوماسية بامتياز: مستوى التمثيل في الوفد السوري لم يكن مكافئاً لمستوى التمثيل في الوفد الأميركي، وسوريا في ميزان القوى ليست نداً للولايات المتحدة". لكن الأميركيين وافقوا على المفاوضات. الموقف التفاوضي أكمل الوفد التفاوضي السوري تجهيز ملفهم التفاوضي، ثم انتظروا أن يستدعيهم الأسد فيعرضوا عليه ملفهم، ويأخذوا منه التعليمات النهائية قبل التوجه إلى مسقط: أين هي خطوط المرونة، وأن يمكن تقديم تنازلات تفاوضية، وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجوز التنازل عنها. ولكن هذا الاستدعاء لم يأت. وحسب وثيقة فقبل يومين من موعد السفر، عبر مصطفى عن موقفه للمقداد، قائلاً: "نحن سنسافر بعد يومين ولا نعرف ما هي حدود ولايتنا في المفاوضات". لم يكن المقداد قادراً على تقديم الإجابات، فجميع قرارات السياسة الخارجية كانت محتكرة تماماً من قبل الأسد ولم يكن من النوع الذي يستمع للآراء والنصائح من قبل فريق السياسة الخارجية لديه، بل كان يكتفي عند اللقاء معهم بشرح الواقع الدولي لهم وتزويدهم بالتوجيهات. اكتفى المقداد بنقل طلب مصطفى إلى الأسد. اللقاء-الصدمة مع الأسد قبل يوم من موعد السفر، استدعى الأسد السفير مصطفى منفرداً إلى "قصر الشعب". فيما بعد أبلغ مصطفى زملاءه في الوزارة بأنه فوجئ عندما بدأ الأسد الحديث بقوله: "لا تتخيلوا أنكم ذاهبون للتفاوض مع الأميركيين. كل ما سيطلبونه منكم سترفضونه. نحن فقط وافقنا على المحادثات إرضاء لأخوتنا العمانيين"، حسب قول مصدر. وعندما أجابه مصطفى: "لكن المطلب الأساسي للأميركيين في هذه الجولة على الأقل هو أوستن تايس. لماذا لا يمكننا التعاون معهم في هذه النقطة على الأقل؟". قال الأسد: "أوستن تايس ليس عندنا". أجاب مصطفى: "هذا أفضل، بما أنه كذلك فيمكننا أن نعرض عليهم التعاون لكشف مصيره فنكسب بذلك بعض النقاط التفاوضية. أنا درست ملفه جيداً، وهم لديهم ما يعتقدون أنها أدلة على وجوده عندنا، فيمكننا التداول معهم حول هذه الأدلة لعلنا نصل إلى تعاون مشترك قد يتطور ويفضي إلى أمور أخرى". ختم الأسد حديثه بصورة حازمة: "أمنعكم تماماً من التفاوض مع الجانب الأميركي حول تايس". عاد مصطفى إلى الوزارة فأبلغ المقداد وسوسان بفحوى اللقاء-الصدمة مع الأسد. مفاجأة غير متوقعة استيقظ أعضاء الوفد السوري في وقت مبكر صباح الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2023 واجتمعوا في فندقهم في مسقط لمراجعة أخيرة لملفاتهم قبل التوجه إلى مقر الاجتماع. لاحظ مصطفى أن العضوين الآخرين لم يكونا على علم بتوجيهات الأسد. اصطحبت المخابرات العمانية الوفد السوري إلى فيلا فاخرة منعزلة تطل على خليج في بحر عمان. ولدى وصولهم كان الوفد العماني في استقبالهم. جلسوا في غرفة استقبال كبيرة، وبعد تبادل قصير للمجاملات وصل أعضاء الوفد الأميركي. في غرفة الاجتماعات فجر الأميركيون مفاجأة غير متوقعة. قال بريت ماكغورك: "من معرفتنا بكم، نحن ندرك جيداً أنكم لا تقدمون شيئاً من دون مقابل، ولذلك سنتقدم لكم بالعرض التالي. قوات جيشكم النظامي تتمركز على بعد مئات قليلة من الأمتار عن قواتنا الموجودة اليوم في حقلي عمر وكونيكو. نحن مستعدون لسحب قواتنا من هذين الحقلين والسماح لكم باستعادة السيطرة عليهما مقابل أن تتعاونوا معنا في كشف مصير أوستن تايس. طبعاً لدينا شرطان لتحقيق هذا الانسحاب: أولهما أن لا تدخل إلى المنطقة التي ننسحب منها أي قوات غير نظامية، أي إن الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي لا يمكنها دخول تلك المناطق، وثانيهما هو تحصيل حاصل: لا يجوز أن تستعمل الأراضي التي ننسحب منها منطلقاً لأي هجوم بقذائف الهاون أو الكاتيوشا على قواتنا، وإلا فإننا سنجد أنفسنا مضطرين لإعادة احتلالها مرة أخرى". وأخرج بريدي من حقيبته مجموعة خرائط تبين مواقع وجود القوات الأميركية في سوريا، وبدأ يرسم عليها بالقلم دوائر تبين الأماكن التي يجب عليهم الانسحاب منها. وقال المصدر: "عندما حاول الاقتراب من منطقة التنف أبلغوه بأن التنف خط أحمر، فهي موقع مهم لهم لحماية الدول المجاورة في إشارة إلى إسرائيل، من أي هجمات إرهابية". أخذ الجانب الأميركي تلك الخرائط، واتفق الجانبان على العودة إلى رؤسائهم في واشنطن ودمشق، على أن يعودوا فيلتقوا مرة ثانية بعد ثلاثة أسابيع في مسقط، أي في آذار (مارس) المقبل. خلوة ماكغورك-مصطفى بعد انتهاء الجلسة في الساعة 5:20 دقيقة من بعد ظهر اليوم نفسه، تقدم ماكغورك من مصطفى وطلب إليه أن يختلي معه ليتحدثا على انفراد. قال ماكغورك لمصطفى: "أنا سأغادر مسقط اليوم، وسأتوجه مباشرة إلى تل أبيب. لدي موعد غداً صباحاً مع نتنياهو، ما رأيك في أن أجس نبضه في مسألة عملية استئناف محادثات السلام الإسرائيلية-السورية؟ سيكون لاستئناف هذه المحادثات وقع إيجابي هائل لدى أعضاء الكونغرس والمعارضين داخل الإدارة الأميركية لأي انفتاح أو تقارب مع سوريا". أجاب مصطفى ماكغورك: "أقترح أن نحل مشاكلنا الثنائية أولا قبل البدء بالحديث عن مشاكلنا مع طرف ثالث". أجابه ماكغورك: "ربما كان الحق معك، فإذا تعاونتم معنا في حل قضية أوستن تايس سيؤدي هذا إلى خلق ديناميات جديدة تدفعنا للتفكير في إحياء محادثات السلام بينكم وبين إسرائيل". بعد ذلك طلب ماكغورك من مصطفى أن يتبادلا أرقام الاتصال المباشر باستخدام تطبيق "واتساب". أعطاه رقمه وسجل رقم مصطفى ثم تصافحا وغادر الجميع مكان الاجتماع. بعد عودة الوفد السوري إلى دمشق رفع مصطفى محضر الاجتماع إلى الأسد في عشرين صفحة. وقال مصدر: "غضب الأسد عندما قرأ أن العميد بريدي قد تفاوض مع الأميركيين حول تفاصيل الانسحاب من حقلي عمر وكونيكو، كما انزعج بشدة من عملية تبادل الأرقام بين ماكغورك ومصطفى". أبلغ المقداد مصطفى بأن "الأسد قد أمره بأن يقوم مصطفى بمسح رقم ماكغورك من هاتفه وحذره من أي اتصال مباشر مع ماكغورك". نفذ مصطفى الأمر الموجه إليه وقطع أي اتصال مباشر له مع ماكغورك. بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، أرسل ستيفن غيلين رسالة إلى مندوب سوريا الدائم في نيويورك صباغ يعلمه فيها أن الجانب الأميركي يعتبر أن محادثات مسقط "كانت جيدة جداً ويريد مواصلتها". قام صباغ بإرسال محتوى هذه الرسالة إلى الوزير المقداد الذي رفعها إلى الأسد ما زاد من شكوكه بمصطفى. أبلغ الأسد الوزير المقداد أن المحادثات لم تؤد إلى أي نتيجة وأنه لا داعي لعقد جولة تالية. الاجتماع الثاني ومن جديد، تحدث سطان عمان إلى الأسد الذي وافق مرة ثانية على أن يذهب الوفد نفسه الذي ذهب في المرة الأولى. الأميركيون وافقوا على الاجتماع الثاني. توجه الوفد السوري مرة ثانية إلى مسقط للاجتماع مع الأميركيين يوم 23 مايو 2023. كانوا يدركون أن "رحلتهم لا طائل منها وأن الأسد متعنت بطريقة غير مفهومة، وأن المفاوضات ستكون شكلية وأنها مجرد بادرة لطف إرضاء للعمانيين"، حسب قول أحدهم. تأخر انعقاد الاجتماع الثاني في مسقط 10 ساعات عن موعده المحدد أصلاً. في السابعة مساء التقى الجانبان مرة ثانية. كان ماكغورك هذه المرة أقل كياسة وأكثر مجابهة. بدأ حديثه بأن قال لمصطفى: "لا داعي لأن نخوض في أي تفاصيل طالما أنتم غير موافقين على مناقشة مسألة أوستن تايس". ومرة أخرى تجنب مصطفى الخوض في أي حديث عن تايس. طبعاً كانت هناك عشرات من الأسئلة المحيرة التي تدور في ذهن مصطفى، فهو لم يكن قادراً على تلمس حقيقة اختفاء تايس، الحقيقة القاطعة الوحيدة لديهم كانت أن الأسد يرفض تماماً أي حوار حول مصير تايس. وقال أحد المشاركين: "هل يعقل أن تضيع سوريا فرصة استرداد حقلي العمر وكونيكو بسبب هذا الإصرار العنيد على عدم مناقشة موضوع تايس؟ ربما هناك أشياء أخرى مجهولة ، ولكن هذا ما كان عليه واقع الحال". دام الاجتماع ساعة وعشر دقائق وانتهى بسرعة من دون أي نقاش جدي حول أي موضوع ذي شأن. عزل مملوك انقطعت جميع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وسوريا بعد فشل الاجتماع الثاني. وظلت سبل التواصل منقطعة حتى كانون الثاني) 2024. في ذلك الشهر أبلغ الأسد المقداد أن الإمارات طلبت توسطاً من الأميركيين، وأنها ألحت كثيراً في رفع مستوى الوفد التفاوضي السوري وإرسال اللواء علي مملوك مع السفير مصطفى وغيرهما من الضباط إلى أبوظبي حيث سيأتي جيك سوليفان مع بريت ماكغورك وجوشوا غيلتزر. أعلم الأسد المقداد أنه قد وافق على عقد اجتماع ثالث من حيث المبدأ، وأنه سيرفع مستوى تمثيل الوفد التفاوضي، ولكن لديه مشكلة واحدة، هي أنه لا يريد إرسال اللواء علي مملوك. لقد بدأ إلحاح الأميركيين في إرسال اللواء مملوك يثير حفيظته، بل وحتى ريبته. أعلم الأسد وزير خارجيته أنه سيرسل وفداً جديداً للتفاوض مع الأميركيين، غير أنه لا داعي لاستعجال الموضوع. ونقل عنه قوله: "المهم أن نبلغ أبوظبي بموافقتنا على الاقتراح، وسنتريث في تحديد الموعد الجديد". في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيساً لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشاراً أمنياً بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته في المفاوضات. استئناف الحوار في أيلول (سبتمبر) 2024، تدخلت عمان ثانية لاستئناف الحوار بين واشنطن ودمشق. اللافت، أن الأسد أعفى مملوك من منصبه بشكل مفاجئ وأعطاه أياماً لتسليم مكتبه وأرسله إلى منزله. وقال مصدر: "حتى اليوم لا يعرف مملوك سبب التغير المفاجئ من قبل الأسد تجاهه. هل لهذا علاقة بإلحاح الأميركيين على ترؤسه للوفد السوري؟ أم إن هناك أموراً أخرى لا يعرفها إلا الأسد نفسه؟ هل سبب إخراجه جواز سفر فلسطيني لعائلته من الرئيس محمود عباس علاقة بذلك؟". وتزامن هذا مع انطلاق عملية إسرائيل ضد "حزب الله" التي أسفرت عن اغتيال قادته بمن فيهم زعيم "الحزب" حسن نصرالله. طلب الأسد من المقداد أن يرفع إليه اقتراحاً بتشكيل وفد على مستوى أعلى. تشاور المقداد مع معاونيه ووجدوا أن الاقتراح الأنسب هو أن يتشكل الوفد من نائبه الجديد بسام صباغ وعضوية مصطفى، وأن يتم إبلاغ الجانب الأميركي بذلك. كان دور صباغ صاعداً في الخارجية وكانت هناك توقعات بأنه سيتبوأ قريباً منصب وزير الخارجية وهذا ما حصل بالفعل. رفع المقداد الاقتراح إلى الأسد فوافق عليه. ووجه وزارة الخارجية بأن تتواصل مع الأميركيين عبر الوسطاء طبعاً لتحديد مكان وزمان الاجتماع القادم. في 23 سبتمبر شكل الأسد وزارة جديدة عين فيها صباغ وزيراً للخارجية. وفي 26 نوفمبر (تشرين الثاني) وجه صباغ، وزير الخارجية الجديد، تعليماته إلى مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك ليلتقي مع ستيفن غيلين فيتفق معه على مكان وتاريخ الاجتماع المقبل. اتفق غيلين مع السفير الضحاك على اللقاء في مقر البعثة السورية في نيويورك في 2 ديسمبر. وفي 27 نوفمبر أطلقت "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "هيئة تحرير الشام" برئاسة الشرع عملية "ردع العدوان" ودخلت بعد يومين حلب، بالتزامن مع زيارة سرية كان يقوم بها الأسد إلى موسكو لحضور حفل تخرج ابنه حافظ في جامعة روسية. في 2 ديسمبر، لم يأت ستيفن غيلين للاجتماع مع السفير الضحاك، ولم يتصل به لتأجيل الموعد أو إلغائه. وبذلك انتهى الفصل الأخير من قصة الحوار الأميركي مع نظام الأسد. وفي 8 ديسمبر دخلت "إدارة العمليات العسكرية" دمشق العاصمة، وفي 14 أيار (مايو) الحالي التقى ترمب الرئيس السوري الشرع في الرياض، برعاية ووساطة سعودية، معلناً رفع العقوبات عن سوريا واستعادة العلاقات الثنائية.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
ترمب: طلبت مقابلة بوتين... وزيلينسكي ليس شخصا سهلا
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الاثنين إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن «فورا» مفاوضات للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريدان وقف الحرب. وأكد ترمب، في تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض، أن أميركا لن تتراجع عن المشاركة في محادثات روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أن إجراء هذه المحادثات في الفاتيكان «سيكون أمرا رائعا». وأكد ترمب أنه طلب من نظيره الروسي بوتين مقابلته، وشدد على أنه سيتراجع إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات، وقال إنه موجود «فقط لمحاولة تقديم المساعدة». وقال الرئيس الأميركي «أعتقد أن بوتين يريد وقف الحرب ولو اعتقدت أنه لا يريد السلام لانسحبت»، وحذر من فرض عقوبات على روسيا، لافتا إلى أن ذلك قد يزيد الوضع سوءا، لكنه أشار إلى أن ذلك قد يحدث في وقت ما. كما أكد ترمب أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي «ليس شخصا سهلا وأعتقد أنه يريد وقف الحرب». كان ترمب أكد على منصة «تروث سوشيال» بعد محادثة هاتفية مع بوتين استمرت أكثر من ساعتين، أن «روسيا وأوكرانيا ستبدآن فورًا مفاوضاتٍ نحو وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك، إنهاء الحرب». وتابع ترمب «سيتم التفاوض على شروط ذلك بين الطرفين، وهو أمرٌ لا مفر منه، لأنهما يعرفان تفاصيل المفاوضات التي لا يعلمها أحدٌ سواهما». ومضى يقول إنه أبلغ الرئيس الأوكراني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وزعماء فرنسا وإيطاليا وألمانيا وفنلندا هاتفيا بأن روسيا وأوكرانيا ستبدآن المفاوضات فورا. ووصف ترمب محادثته مع بوتين بأنها «سارت على ما يرام وكانت نبرة وروح المحادثة ممتازتين». وقال إن روسيا ترغب في إقامة تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد انتهاء هذه «المذبحة الكارثية»، في إشارة إلى الحرب الأوكرانية. وأضاف «هناك فرصةٌ كبيرة لروسيا لخلق فرص عملٍ وثرواتٍ هائلة. إمكاناتها لا حدود لها. وبالمثل، يمكن لأوكرانيا أن تكون مستفيدةً كبيرةً من التجارة، في عملية إعادة بناء البلد».


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي يقترح حظر طائرات الرئاسة الأجنبية
قدم زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، اليوم الاثنين، مشروع قانون من شأنه منع استخدام أي طائرة أجنبية لتصبح الطائرة الرئاسية والمعروفة في الولايات المتحدة باسم «إير فورس وان». واقترح تشومر مشروع «قانون أمن الجسر الجوي الرئاسي» بعد أن أشارت تقارير الأسبوع الماضي إلى أن الرئيس دونالد ترمب يعتزم قبول طائرة تصل قيمتها إلى 400 مليون دولار من قطر. ترمب في حديقة البيت الأبيض في 16 مايو 2025 (أ.ف.ب) وقال خبراء قانونيون إن هذا الأمر أثار مجموعة من الأسئلة حول نطاق القوانين المتعلقة بالهدايا التي تقدمها الحكومات الأجنبية، والتي تهدف إلى مكافحة الفساد وسوء استخدام النفوذ.