
الصحافة المحلية في مواجهة العولمة: معركة من أجل البقاء والهوية
يشهد العالم تحولات متسارعة بفعل التقدم التكنولوجي والانتشار الواسع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى نشوء ظاهرة العولمة الإعلامية التي غيّرت ملامح الإعلام التقليدي، وفرضت تحديات وفرصًا على الصحافة المحلية في مختلف البلدان، ومنها العراق.
ما هي العولمة الإعلامية؟
العولمة الإعلامية هي عملية اندماج وتداخل للأنظمة الإعلامية حول العالم، تتيح تبادل المحتوى والرسائل الإعلامية عبر الحدود الوطنية. وتقوم هذه الظاهرة على انتشار وسائل الإعلام الدولية العملاقة، التي تنقل ثقافات وأجندات معينة إلى المجتمعات المختلفة، مما يؤثر على خصوصية الهوية الثقافية والإعلام المحلي.
كيف تغيرت أنماط استهلاك المحتوى عالميًا؟
أحدثت التكنولوجيا الرقمية تحولًا كبيرًا في أنماط استهلاك المحتوى. فقد أصبح الجمهور يعتمد بشكل متزايد على المنصات الرقمية مثل فيسبوك، يوتيوب، وتطبيقات الأخبار الإلكترونية للحصول على المعلومات، بدلًا من الصحف الورقية أو القنوات المحلية. كما أصبح المحتوى المرئي القصير والسريع هو المفضل، ما قلل من معدلات القراءة التقليدية، وفرض على الصحفيين تبني أساليب جديدة في سرد القصص الصحفية.
أهم التحديات التي تواجه الصحافة المحلية في العصر الرقمي
1. هيمنة الإعلام العالمي والمنصات الرقمية الكبرى
عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك، غوغل، ويوتيوب يستحوذون على النسبة الأكبر من الإعلانات الرقمية واهتمام المستخدمين، مما يقلّص من قدرة الصحافة المحلية على المنافسة والوصول إلى الجمهور.
2. ضعف التمويل والإيرادات
تراجع الاشتراكات والإعلانات التقليدية أدى إلى أزمة مالية للعديد من الصحف والمواقع المحلية. الكلفة التشغيلية للصحافة المطبوعة لم تعد قابلة للاستدامة، بينما الانتقال الرقمي يتطلب بنية تحتية وكفاءات جديدة غير متاحة دائمًا.
3. الأمية الرقمية وانعدام التدريب التقني
كثير من الصحفيين المحليين ما زالوا يفتقرون للمهارات الرقمية مثل التعامل مع أدوات إدارة المحتوى، تحليل البيانات، إنتاج الفيديو التفاعلي، أو تحسين محركات البحث (SEO). هذه الفجوة تُضعف جودة المحتوى وقدرته على المنافسة.
4. فقدان المصداقية وغياب الثقة
مع انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة على مواقع التواصل، يعاني الجمهور من صعوبة التمييز بين الصحافة المهنية والدعاية أو الأخبار المفبركة، خاصة في بيئات تشهد استقطابًا سياسيًا.
5. الرقابة والضغوط السياسية
في كثير من الدول، ومنها العراق، تفتقر وسائل الإعلام المحلية إلى الحماية القانونية الكافية. تواجه مؤسسات إعلامية عراقية تهديدات بالرقابة، المضايقات أو الإغلاق، مما يضعف استقلالية الصحفي ويؤثر على مصداقية المحتوى.
6. انصراف الجمهور الشاب
الأجيال الجديدة تفضل المحتوى القصير، المرئي، والسريع، على منصات مثل تيك توك أو إنستغرام. الصحافة التقليدية لا تواكب هذا التحول غالبًا، ما يؤدي إلى تآكل جمهورها تدريجيًا.
أثر العولمة في محتوى الصحافة المحلية
أدى انتشار المحتوى العالمي إلى تراجع الاهتمام بالقضايا المحلية، وظهور تقليد أعمى لنماذج إعلامية غربية لا تتناسب مع خصوصية المجتمعات العربية. كما غابت اللهجات واللغات المحلية عن كثير من الوسائل الإعلامية التي باتت تفضل اللغة الموحدة العالمية، ما أثر على التنوع الثقافي.
فرص يمكن استثمارها لتعزيز الصحافة المحلية
1. التحول الرقمي الاستراتيجي
تطوير مواقع إلكترونية حديثة، تطبيقات للهاتف المحمول، وخدمات إخبارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمثل فرصة هائلة للوصول إلى جمهور جديد، خاصة إذا تم تحسين تجربة المستخدم وموثوقية المعلومات.
2. الصحافة المتخصصة والتقارير العميقة
الجمهور بات يقدر المحتوى المتخصص، مثل الصحافة البيئية، الاقتصادية، أو الثقافية. الصحافة المحلية يمكن أن تركز على القصص التي لا تغطيها المنصات العالمية: الحياة اليومية، قضايا المحافظات، النزاعات المحلية، القصص الإنسانية.
3. التعاون مع المجتمع المحلي
بناء علاقة تفاعلية مع الجمهور من خلال تقارير تشاركية، دعوة القراء للإبلاغ عن القضايا، وإنشاء محتوى نابع من الواقع المحلي يعزز الثقة والولاء للمؤسسة الإعلامية.
4. إطلاق مبادرات تدريب الصحفيين
المؤسسات الإعلامية يمكن أن تقيم ورشًا بالشراكة مع جامعات أو منظمات دولية لتدريب الصحفيين على أدوات العصر الرقمي مثل تحرير الفيديو، البودكاست، الأمن الرقمي، أو الذكاء الاصطناعي.
5. استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاج والتوزيع
يمكن للصحف استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لأتمتة الأخبار اليومية، تتبع اهتمامات الجمهور، تحسين عناوين الأخبار، واختبار تفاعل الجمهور مع المحتوى في الوقت الحقيقي.
6. نماذج تمويل جديدة
الاشتراكات المدفوعة، العضويات، التمويل الجماعي (crowdfunding)، أو الشراكة مع مؤسسات مانحة توفر بدائل لتمويل الصحافة بعيدًا عن الإعلانات التقليدية.
مستقبل الصحافة المحلية في العراق: إلى أين؟
رغم التحديات، فإن مستقبل الصحافة المحلية في العراق يظل واعدًا إذا ما تم استثمار التكنولوجيا بطريقة ذكية، وتوفير بيئة تشريعية حامية لحرية الصحافة، وتشجيع الشباب على دخول المجال الإعلامي بروح ريادية. كما أن الحاجة إلى إعلام يعكس هموم الناس وقضاياهم ستظل قائمة، ما يمنح الصحافة المحلية سببًا قويًا للاستمرار والتطور.
العولمة الإعلامية تمثل سيفًا ذا حدين، فهي تتيح الوصول إلى العالم، لكنها قد تهدد الخصوصية المحلية. ويبقى على الصحافة المحلية أن تجد طريقها الخاص، من خلال الابتكار، والتمسك بقضايا مجتمعها، ومواكبة العصر دون أن تفقد هويتها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 4 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
عوائد إعلانية بالملايين.. تفاصيل تكشف سر أرباح مشاهير التيك توك في مصر
تحولت منصات السوشيال ميديا في مصر خلال السنوات الأخيرة إلى سوق مفتوح للربح، حيث يتابع ملايين المستخدمين يوميًا محتوى البلوغرز وصناع الفيديوهات الذين يعرضون حياة مترفة وسيارات فاخرة وسفر متواصل، ما أثار تساؤلات حول مصدر هذا الثراء المفاجئ. وفي الوقت نفسه، شهدت الساحة المصرية حملات أمنية أسفرت عن القبض على عدد من المشاهير من البلوغرز بعد بلاغات تتعلق بمخالفات للقانون أو استغلال المنصات في إنشاء محتوى خادش للحياء. وتعود التساؤلات في مصر حول ما إذا كانت أرباح السوشيال ميديا وحدها كفيلة بصناعة هذا الثراء الفاحش. تعتمد منصات مثل يوتيوب وفيسبوك وتيك توك على نظام تقاسم الأرباح من الإعلانات والمشاهدات. بعض البلوغرز يحققون دخلًا كبيرًا من الإعلانات المباشرة والرعايات من الشركات، ومتوسط أرباح البلوغرز الواحد يمكن أن يتراوح بين آلاف إلى مئات الآلاف من الجنيهات شهريًا، حسب عدد المتابعين ونوعية المحتوى. وقال المهندس محمود إدريس، صاحب شركة لأمن المعلومات وإدارة الأصول الرقمية، في تصريح خاص لـ«العربية نت» و«الحدث نت»، إن السوشيال ميديا حلت محل التلفزيون بشكل كبير، وأصبحت مصدر كسب لكثير من المستخدمين. وتعتمد الأرباح على الطريقة التي يربح بها كل شخص، مثل الإعلانات والمشاهدات، والإعلانات المباشرة من أشخاص بسبب شهرة البلوغرز . وتختلف كل منصة عن الأخرى؛ فمنصة يوتيوب تختلف عن تيك توك وفيسبوك. وأرباح يوتيوب تتراوح من نصف دولار إلى 6 أو 7 دولارات لكل ألف مشاهدة، بحسب الجمهور المشاهد من دول مختلفة. وأشار إلى أن هذه الأرقام تختلف بشكل كبير حسب الجمهور المستهدف ونوعية المحتوى، مع الأخذ في الاعتبار أن عددًا كبيرًا من القنوات لا تحقق أي ربح. أما فيسبوك وإنستغرام، فتتيح أرباحًا قوية من خلال الشراكة مع شركة «ميتا» وتطبيق سياساتها الخاصة. أما عن تيك توك، وهي المنصة الكبرى التي اتجه لها الكثير من البلوغرز ، لأنها تعتمد على أساليب أخرى منها البثوث المباشرة والهدايا من المشاهدين. فهدية الأسد على تيك توك تُعد من أغلى الهدايا، وثمنها يعادل حوالي 370 دولارًا أميركيًا. وعند إرسالها خلال البث المباشر، يحصل صانع المحتوى على ما بين 50% إلى 80% من قيمتها (بعد اقتطاع عمولة تيك توك). أما هدية الوردة، فقيمتها منخفضة تبلغ سعرها 22 جنيهًا مصريًا، والتكبيس هو النقر المتكرر أثناء البث المباشر لزيادة التفاعل. كما أوضح أن الثراء الذي يظهر به بعض البلوغرز لا يأتي دائمًا من الإعلانات والمشاهدات وحدها. فـهناك مصادر أخرى تساهم في تحقيق هذا الدخل الكبير. فـيوجد العديد من المؤثرين يربحون مبالغ ضخمة من خلال عقود إعلانية مباشرة مع الشركات التي تستغل شهرتهم للترويج لمنتجاتها وخدماتها، أو من خلال الترويج لتطبيقات غير قانونية بمقابل مادي كبير جدًا يصل إلى آلاف الدولارات، مستغلين شهرتهم لجذب المستخدمين. كما أكد أن السوشيال ميديا أصبح مكانًا لكسب المال بشكل كبير، وأموال تصل إلى ملايين الجنيهات، ويظهر هذا الثراء على البلوغرز. وأصبح الكثير منهم يتنافس على أن يتصدروا الترند من أجل كسب المال. وتوجد شركات متخصصة تستقطب البلوغرز الذين يسعون للربح السريع. هذه الشركات تتولى جميع جوانب صناعة المحتوى، بدءًا من الإنتاج والتصوير وصولًا إلى التسويق، بهدف الوصول إلى الترند وتحقيق أرباح هائلة. وفي هذه الحالة، يكون إظهار الثراء جزءًا من الخطة التسويقية لجذب المزيد من المتابعين. وأكد المهندس شاكر الجمال، مسؤول أمن المعلومات بإحدى الشركات التكنولوجية الخاصة، في تصريح خاص لـ«العربية نت» و«الحدث نت»، أن أرباح السوشيال ميديا في مصر قد تصل إلى ملايين الجنيهات، مشيرًا إلى أن عددًا كبيرًا من صناع المحتوى يعتمدون على عوائد الإعلانات والتسويق الإلكتروني للمنتجات مقابل مبالغ مالية كبيرة، وذلك استنادًا إلى شهرتهم وعدد متابعيهم على المنصات الرقمية. وأوضح الجمال أن الاعتماد على السوشيال ميديا وحدها لا يكفي لتحقيق أرباح ضخمة، إذ يلجأ العديد من البلوغرز إلى تسويق منتجاتهم الخاصة أو المشاركة في حملات دعائية لمنتجات أخرى، ما يسهم في زيادة المبيعات وتحقيق عوائد مالية إضافية. وأضاف خبير أمن المعلومات أن أرباح البلوغرز من فيسبوك ويوتيوب وتيك توك ليست كاملة لصالحهم، بل تخضع لاقتطاع نسبة من قبل إدارات هذه المنصات تصل إلى 30% وحتى 50% من إجمالي الإيرادات. كما أشار إلى وجود شركات متخصصة تعمل على دعم شهرة البلوغرز والترويج لهم مقابل الإعلان عن منتجات معينة، وهو ما يعزز فرصهم في تحقيق أرباح متزايدة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


ليبانون 24
منذ 9 ساعات
- ليبانون 24
غوغل تراهن على STAN لتغيير قواعد التفاعل في منصات الألعاب
دعمت شركة غوغل ، من خلال صندوقها للمستقبليات في الذكاء الاصطناعي ، منصة STAN، وهي منصة ألعاب اجتماعية هندية تهدف إلى ربط اللاعبين والمبدعين، يأتي هذا الاستثمار كجزء من جولة تمويل أسهم بقيمة 8.5 مليون دولار، شاركت فيها أيضاً شركات ألعاب عملاقة مثل بانداي نامكو إنترتينمنت وسكوير إنكس ، وتهدف STAN، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، إلى منافسة منصة Discord من خلال نهج فريد يعتمد على نظام المكافآت. تتميز STAN بتقديم نموذج عمل مبتكر يسمح للمستخدمين بربح عملة داخل التطبيق تسمى "الجواهر" ، ويمكن الحصول على هذه العملة من خلال الفوز في ألعاب شهيرة مثل Battlegrounds Mobile India وFree Fire Max، أو حتى عبر ألعاب بسيطة مثل Ludo ، كما يمكن للمبدعين إنشاء غرف دردشة مخصصة لكل لعبة، تُسمى "النوادي"، ويتعين على المستخدمين دفع رسوم اشتراك للوصول إلى "تجارب الألعاب" الحصرية ، ويمكن استبدال "الجواهر" بقسائم على منصات التجارة الإلكترونية مثل أمازون وفليبكارت، مما يجعلها عامل جذب رئيسي للمستخدمين، على عكس منصات أخرى لا تقدم مكافآت مباشرة على التفاعل. وتخطط STAN للاستفادة من استثمار جوجل في تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الإشراف على المحتوى، حيث يتم حالياً إدارة 70% إلى 80% من هذه العمليات بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما ستوفر المنصة أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي للمبدعين، مثل إنشاء الصور الرمزية والميمز، بالإضافة إلى أدوات لتصفية الدردشات. وعلى الرغم من أن المنصة مقتصرة حالياً على الهند ، فإنها تخطط للتوسع دولياً، بدءاً من شبه القارة الهندية ثم جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وتهدف الشركة إلى تحقيق الربحية بحلول عام 2027، بعد أن جمعت تمويلاً إجمالياً يبلغ حوالي 15 مليون دولار. (اليوم السابع)


الديار
منذ يوم واحد
- الديار
رغم تهديدات ترامب بالعقوبات.. الهند تُعلن استمرار استيراد النفط الروسي
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب ذكرت صحيفة 'نيويورك تايمز'، السبت، أن مسؤولين في الهند قالوا إنهم سيواصلون شراء النفط من روسيا على الرغم من تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات على من يشترون النفط الروسي. ولم يتسن لرويترز التحقق من التقرير بعد، حيث لم يرد البيت الأبيض ولا وزارة الشؤون الخارجية الهندية ولا وزارة البترول والغاز الطبيعي بعد على طلبات للتعليق. وأشار ترامب الشهر الماضي، في منشور على منصة تروث سوشيال، إلى أن الهند ستواجه عقوبات إضافية لشرائها أسلحة ونفطاً من روسيا. غير أنه قال لاحقاً إنه لا يكترث بما تفعله نيودلهي مع موسكو. وقال للصحفيين، الجمعة، إنه سمع أن الهند لن تشتري النفط من روسيا بعد الآن. وذكر تقرير 'نيويورك تايمز' أن اثنين من كبار المسؤولين في الهند قالا، إنه «ليس هناك أي تغيير في السياسة». ونقل التقرير عن أحدهما قوله إن الحكومة الهندية «لم تُصدر أي توجيهات لشركات النفط» لخفض الواردات من روسيا. وأوردت 'رويترز' في وقت سابق أن مصافي التكرير الحكومية الهندية توقفت عن شراء النفط الروسي قبل أسبوع مع تقلص الخصومات في تموز. وتُعدّ روسيا المورد الرئيسي للهند، وتزودها بنحو 35% من إجمالي إمداداتها.