بمناسبة العيد الوطني للفاتيكان: التزام مشترك مع الأردن في خدمة السلام
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية كل عام، في 29 حزيران، بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس. يكتسب هذا العيد أهمية خاصة، ليس فقط لأنه يُكرّم القديسين الرئيسيين لكنيسة روما، بل أيضًا لأنه يُخلّد ذكرى القديس بطرس -أول الرسل والصخرة التي بنى عليها المسيح كنيسته- الذي تستمر رسالته بطريقة مميّزة من خلال خدمة قداسة البابا، خليفته. وبصفته "الذي يرأس جميع الكنائس بمحبة"، يُجسّد البابا الأساس الرسوليّ الراسخ للكنيسة. ويكتسب هذا العيد هذا العام أهميّة خاصة، إذ يُحتفل به بعد أسابيع قليلة من بدء حبرية البابا لاون الرابع عشر. وبجلوسه على كرسي بطرس، أُوكلت إليه مهمة تقوية إخوته في الإيمان ورعاية شعب الله.
تُعتبر العلاقات الدبلوماسيّة بين المملكة الأردنيّة الهاشميّة والكرسي الرسولي، التي تأسّست عام 1994، ممتازة بحق. وحتى قبل تأسيسها رسميًّا، وعلى مدى العقود الخمسة الماضية، قام أربعة بابوات -بولس السادس، ويوحنا بولس الثاني، وبندكتس السادس عشر، وفرنسيس- بزيارات حج تاريخيّة إلى الأردن، مما يعكس عمق هذه العلاقة واستمراريتها. وعلى وجه الخصوص، اتسمت العلاقة بين جلالة الملك عبد الله الثاني والبابا فرنسيس الراحل بالاحترام المتبادل. في الواقع، يُعد قرار البابا فرنسيس بتعييني أول سفير بابوي مقيم في الأردن دليلاً على الأهميّة التي يوليها الكرسي الرسولي لعلاقاته مع المملكة، ويعكس نظرة تفاؤلية لاستمرار تعزيزها. ومؤخرًا، في كانون الثاني من هذا العام، ترأس صاحب النيافة الكاردينال بييترو بارولين، أمين سر حاضرة الفاتيكان، حفل تدشين كنيسة اللاتين في المغطس، في لفتة ذات دلالة رمزية وروحية عميقة.
يؤدي السفير البابوي مهمة مزدوجة: فمن جهة، يُجسّد العناية الراعوية التي يوليها الأب الأقدس للكنائس المحليّة؛ ومن جهة أخرى، يُمثّل البابا لدى السلطات المدنيّة. ومن خلال ممثليه البابويين المقيمين في مختلف الدول، يُصبح البابا مُنخرطًا عن كثب في حياة المؤمنين الكاثوليك. وبهذه الطريقة، يُصبح قادرًا -كأنه يتواصل معهم- على إدراك احتياجاتهم وآمالهم على نحو أسرع وأكثر موثوقية (راجع بولس السادس، الرسالة الرسولية "الإرادة الرسولية: الاهتمام الشامل بالكنيسة").
لا يزال المسيحيون في الشرق الأوسط يواجهون تحدّيات كبيرة، على الرغم من مساهماتهم الدائمة والهامة في تاريخ المنطقة وثقافتها. يعيش الكثيرون في ظلّ حالة من عدم اليقين والفقر والخوف -غالبًا نتيجةً لعدم الاستقرار السياسي والصراع والتعصّب الاجتماعي- وهي ظروف تُفضي أحيانًا إلى الاضطهاد والنزوح.
ومع ذلك، يُمثل الأردن استثناءً بارزًا. ويعود ذلك بجزء كبير منه إلى الرعاية والاهتمام اللذين توليهما العائلة الهاشميّة لجميع المواطنين، مع إيلاء اهتمام خاص بحياة كريمة يعيشها المسيحيون في المملكة. في الواقع، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني، في خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بتاريخ 17 حزيران 2025، أن المملكة لا تفخر فقط "بموقع عمّاد السيد المسيح - المغطس"، بل شدّد أيضًا على أن "بلدنا المسلم هو موطن لمجتمع مسيحي تاريخي، وجميع مواطنينا يتشاركون في بناء وطننا". وفي ضوء الاهتمام الرعوي والروحي الذي يوليه الكرسي الرسولي لجميع الأماكن المرتبطة بحياة السيد المسيح في الأرض المقدسة، يود الكرسي الرسولي أن يُعرب عن تقديره العميق للعائلة المالكة -وخاصةً لجلالة الملك عبدالله الثاني- وللحكومة الأردنيّة على الرعاية والحماية المتواصلتين لموقع معمودية السيد المسيح - المغطس، منذ أن حدّده الأب ميشيل بيتشيريلو في تسعينيات القرن الماضي. في الخطاب ذاته أمام البرلمان الأوروبي، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن "إيمان الأردن الراسخ بهذه القيم المشتركة متجذر في تاريخنا وتراثنا، وهو ما يدفع مبادئنا الوطنية المبنية على التسامح والاحترام المتبادل". وبهذه الروح، يُعرب الكرسي الرسولي عن استعداده للتعاون مع حكومة الأردن في بناء عالم متجذّر في السلام، عالم مهتد بالقانون الدولي، ومدعوم بالالتزام المشترك للدول بالسعي لتحقيق الخير العام.
يؤمن الكرسي الرسولي إيمانًا راسخًا بأن السلام لا يتحقّق بالقوة أو الأيديولوجيّة أو الصراع، بل يجب أن يرتكز على الاحترام المتبادل والحوار والدبلوماسية. وفي هذا الصدد، يُوفر مفهوم الكرامة الإنسانيّة أرضية مشتركة حيوية، أرضيةً يمكن أن يتّحد عليها الناس من جميع الأديان والثقافات. في الواقع، ينبغي أن تتاح لكل شخص فرصة النمو والدراسة والعمل وتكوين أسرة والعيش بسلام، مع حرية الايمان والعبادة. وتسعى الكنيسة الكاثوليكية، من خلال تراثها الروحي والثقافي، دون أي مصالح سياسية أو اقتصادية، إلى إعلاء شأن الإنسان وكرامته المتأصلة في حياة كل انسان.
في عصرنا - الذي وصفه البابا فرنسيس الراحل غالبًا بأنه "حرب عالمية ثالثة تُخاض على دفعات"، مع صراعات تُصيب مناطق عديدة، وخاصةً الشرق الأوسط الحبيب - أُردّد كلمات البابا لاون الرابع عشر: "من واجب جميع الدول دعم قضية السلام، والسعي إلى سبل المصالحة، والبحث عن حلول تضمن الأمن والكرامة للجميع". ويُتابع الكرسي الرسولي، بقلق بالغ، الوضع المأساوي للشعب الفلسطيني، وخاصةً في غزة، حيث لا يقتصر العنف على ذلك، بل يستمر المرض أيضًا في إزهاق أرواح الأبرياء. فقد أدّى انهيار البنية التحتية للرعاية الصحيّة، وما رافقه من نقص في المياه النقية والأدوية، إلى انتشار أمراض خطيرة كالكوليرا والتهابات الجهاز التنفسي الحادة. ويواصل الكرسي الرسولي حثّ كلٍّ من إسرائيل وحماس على استئناف الحوار، بهدف التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وعلى جميع الجبهات، وتسهيل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وضمان وصول المساعدات الإنسانيّة إلى المحتاجين، وخاصةً إلى الشعب الفلسطيني. لا ينبغي أن يموت أحد -أو يُقتل- من أجل لقمة عيش.
يُقدّر الكرسي الرسولي عاليًا الجهود التي بذلتها المملكة الأردنية الهاشمية في الأشهر الأخيرة لتقديم المساعدة الإنسانيّة للمدنيين في غزة واستقبال اللاجئين من مختلف الخلفيات. وقد ساهمت الكنيسة الكاثوليكيّة، من جانبها، مساهمة فعّالة من خلال عمل جمعيّاتها الخيريّة.
يرى الكرسي الرسولي أن الحلّ الأكثر عدلاً واستدامةً للأراضي المقدّسة هو حلّ الدولتين. بهذه الطريقة فقط، يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين العيش جنبًا إلى جنب في سلام وأمن، وفقًا للتطلعات المشتركة لغالبية الشعبين. ويشمل ذلك إرساء وضع خاص مضمون دوليًّا لمدينة القدس، يهدف إلى صون التعايش وضمان الحرية الدينية للمؤمنين، المسيحيين واليهود والمسلمين على حد سواء.
من خلال علاقاتنا الدبلوماسيّة، فإنّ الكرسي الرسولي والمملكة الأردنيّة الهاشميّة، متّحدين في التزامهما ببناء الجسور، وتعزيز الكرامة الإنسانيّة، وحماية الوجود المسيحيّ في هذه الأراضي العزيزة، ليسهمان معًا في تقديم شهادة مشتركة في خدمة عالمٍ راسخ الجذور في السلام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الانباط اليومية
منذ ساعة واحدة
- الانباط اليومية
اللواء المعايطة يرعى احتفال مديرية الأمن العام بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
الأنباط - رعى مدير الأمن العام، اللواء الدكتور عبيد الله المعايطة، اليوم الأحد، الاحتفال الذي أقامته مديرية الأمن العام بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، تعظيماً لهذه المناسبة الدينية الخالدة التي أرست دعائم الإسلام، وكرّست قيمه السمحة. وأكد مساعد مدير الأمن العام للعمليات والتدريب، في كلمة ألقاها خلال الحفل، أهمية استذكار تاريخ أمتنا الإسلامية الزاخر بالمناسبات العظيمة والمواقف الخالدة، التي تشكل الهجرة النبوية الشريفة إحدى أبرز محطاتها، لما تمثله من دروس وعبر إيمانية جعلها الله تعالى منارات هداية، ترشدنا إلى النهج القويم، وحسن التصرف، في ظل قيادة هاشمية مباركة يمتد نسبها الشريف إلى النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم. من جهته، أشار مفتي الأمن العام، خلال كلمته في الحفل، إلى ما تحمله هذه المناسبة العطرة من معانٍ عظيمة نستقي منها قيم الصبر والثبات على الحق، والتضحية، والصدق، والأمانة، والإخلاص في الذود عن حياض الأوطان، وهي المبادئ التي سار عليها الهاشميون منذ فجر النبوة. وحضر الاحتفال عدد كبير من ضباط الأمن العام ومرتبات المديرية.

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
المعايطة يرعى احتفال الأمن العام بذكرى الهجرة النبوية
عمون - رعى مدير الأمن العام، اللواء الدكتور عبيد الله المعايطة، اليوم الأحد، الاحتفال الذي أقامته مديرية الأمن العام بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، تعظيماً لهذه المناسبة الدينية الخالدة التي أرست دعائم الإسلام، وكرّست قيمه السمحة. وأكد مساعد مدير الأمن العام للعمليات والتدريب، في كلمة ألقاها خلال الحفل، أهمية استذكار تاريخ أمتنا الإسلامية الزاخر بالمناسبات العظيمة والمواقف الخالدة، التي تشكل الهجرة النبوية الشريفة إحدى أبرز محطاتها، لما تمثله من دروس وعبر إيمانية جعلها الله تعالى منارات هداية، ترشدنا إلى النهج القويم، وحسن التصرف، في ظل قيادة هاشمية مباركة يمتد نسبها الشريف إلى النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم. من جهته، أشار مفتي الأمن العام، خلال كلمته في الحفل، إلى ما تحمله هذه المناسبة العطرة من معانٍ عظيمة نستقي منها قيم الصبر والثبات على الحق، والتضحية، والصدق، والأمانة، والإخلاص في الذود عن حياض الأوطان، وهي المبادئ التي سار عليها الهاشميون منذ فجر النبوة. وحضر الاحتفال عدد كبير من ضباط الأمن العام ومرتبات المديرية.


جو 24
منذ 2 ساعات
- جو 24
عشيرة الربابعة تهنئ الباشا أيمن العوايشه بثقة سيد البلاد
جو 24 : باسـم عشيرة الربابعة كافة، في الأردن وخارجه، نتقدّم بأسمى آيات التهنئة والتبريك إلى سعادة الباشا اللواء المتقاعد أيمن تركي مصطفى العوايشه، بمناسبة صدور الإرادة الملكية السامية بتعيينه محافظًا في وزارة الداخلية الأردنية. إن هذه الثقة الملكية الغالية، التي تفضّل بها مولانا حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، إنما هي وسام فخر على صدر كل أردني مخلص، وتكريم مستحق لرجل دولة وطني مشهود له بالكفاءة، والنزاهة، والإخلاص في خدمة الوطن والمواطن. لقد عرفنا الباشا العوايشه قائدًا أمنيًا وإداريًا حكيمًا، ورجل ميدان وصاحب قرار، يتمتع بسجل مشرّف من العطاء في مختلف المواقع القيادية التي تولاها. وإننا على ثقة بأنّه سيكون كما عهدناه دائمًا، عند حسن ظن القيادة الهاشمية الرشيدة، أمينًا على الأمانة، وصادقًا في أداء المسؤولية. نسأل الله أن يوفقه ويسدّد خطاه، وأن يديم على أردننا العزيز نعمة الأمن والاستقرار، في ظل قيادة جلالة الملك المفدى والأسرة الهاشمية المباركة. ألف مبارك، ومنها إلى أعلى المراتب بإذن الله. تابعو الأردن 24 على