logo
عباسيون وفاطميون.. وبينهما الدُّروز!

عباسيون وفاطميون.. وبينهما الدُّروز!

العربية٢٦-٠٧-٢٠٢٥
برز اسم طائفة الدُّروز، أو الموحدين، أو بني معروف، بقوة هذه الأيام، بما يُقدم مِن على الشّاشات مدحاً وقدحاً، لِما حصل بالسُّويداء السُّوريّة، حيث وجودهم، قبل ذلك، مَن لم يعرف الإيزيديّة بهذا الشّيوع بعد واقعة بالموصل (2014)؟ وهكذا تبرز الطّوائف بالحوادث والوقائع. يجد الفرصة، مَن يريد «التّكفير» و«التّشهير»، فيذهب إلى الأُصول، ويُنسى الواقعة وتفاصيلها. ليس هناك ذنبٌ لمنتمٍ لهذه الطَّائفة أو تلك، وجد الأبناء الآباء فساروا على تقاليدهم. كذلك لا توجد عقيدة تبقى كما هي، فالعقائد قابلة للانشطار، إنَّها سُنن الحياة، وأعيد وأذكر بما نُسب لمعاوية بن أبي سُفيان (ت: 60هج)، وأجده يغني عن المقال في ما قصدنا إليه: «معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان قد بقي» (البلاذريّ، جمل من أنساب الأشراف).
فما تأسّس قبل ألف عام له ظروفه وأسبابه، عندما تبلور وصار مذهباً، فاختلط وتعايش، والدُّرزيَّة أعطت مجتمعاتها ما أعطت، وتحملت ما جرى عليها. كانت ظاهرة الحاكم بأمر الله الفاطميّ (ت: 411هج)، غير منفصلة عن النّزاع بين الدّول والعقائد، فالدَّولتان متقابلتان (العباسيَّة والفاطميَّة)، والفاطميون يريدون بغداد، والخليفة العباسيّ القادر بدين الله (ت: 422هج)، عدَّ العدة للمواجهة العقائديّة بسنيته، فشدّد الحاكم الفاطمي مِن العقيدة الإسماعيليَّة، باتخاذ ما يحمل النّاس على التمترس حولها، فهو لم يكن مبدعاً للعقيدة الدُّرزيّة، إنما وجد دعوة جاهزة فاحتضنها، وكانت البداية الفعليّة (407هج)، عندما وصل حمزة بن عليّ الزَّوزني حاملها له، فرَّسمها عقيدةً للدّولة، واتخذ التّوحيد وفقاً لمقالتها. هذا، ولو فتشت لوجدت مئات المؤلفات عناوينها «التَّوحيد»، فكلُّ مذهب يوحد الله بعقيدته.
أثار اتخاذ أفكار حمزة بن عليّ عقدةً رسميَّةً حسد الدَّاعي الآخر نشتكين الدّرزيّ، فتعرضت الدَّعوة إلى حرب داخليّة، اضطر الحاكم إلى تجميدها، للخلاص مِن الدّرزيّ، لكنَّ الاسم سارت به الرّكبان، وعلى الرّغم مِن أنهم يصيحون نحن «الموحدون» و«بنو معروف»، لكنْ هيمن لفظ «الدّروز» فسكتوا، وقبلوا بـ«الموحدون الدّروز» (أبو صالح ومكارم، تاريخ الموحدين الدُّروز).
قام الخليفة العباسي، لمواجهة الدّعوة الجديدة والإسماعيليّة، بإصدار محضر فقهي طعن بنسب الفاطميين. أمضاه رؤساء المذاهب ببغداد، بينهم العلويون الشّيعة، والشّيخ المفيد (ابن الجوزي، المنتظم). بقدر ما تعصّب الحاكم تشدّد القادر، فصنّف كتاباً كفَّر فيه المعتزلة وغيرهم، يُقرأ في الجمعة (البغدادي، تاريخ بغداد)، وعلا الأمر بالحاكم إلى فرض التَّوحيد، بالدَّعوة التي تبناها.
إذا كان القادر بالله منفيّاً مِن قبل ابن عمَّه، والأزمة في البيت العباسيّ شديدة، كانت أخت الحاكم «ست المُلك» وابنه ضده، فبعد غياب الأب أعلن الابن اضطهاد الدُّروز، بتقتيلهم وملء الحبوس بهم. قيل: «كانت مِن أعقل النّساء وأحزمهنَّ»، وخشية مِن خراب البيت الفاطميّ بسلوك أخيها، عملت ضده (تغرى بردى، النّجوم الزَّاهرة). فجُمدت الحركة «الدّرزيّة»، ولم تعد رسميّة، وظلّت بحدود الشّام: سورية ولبنان وفلسطين. يقرّ الدُّروز بالوحدانيّة، ويعتقدون، كغيرهم مِن الملل: في آخر المطاف «ستعتنق البشريّة بكاملها الدّرزيّة» (أوبنهاتم، الدُّروز).
لديهم وصايا سبع، أبرزها: صدق اللِّسان، حفظ الإخوان، ترك عبادة البهتان، البراءة مِن الأبالسة والطّغيان (أبو عزّ الدِّين، الدُّروز في التّاريخ). أرأيتم، كيف أنَّ أبناء مذاهب اليوم لا شأن لهم بالتأسيس وصياغة العقيدة، فالعقائد موروثات، ولولا النّزاع العباسيّ الفاطميّ ما تبنى الحاكم الدُّرزيَّة، التي قمعها نجله الظّاهر لإعزاز الله (ت: 429هج)، ولا طُلب مِن أبي حامد الغزاليّ (ت: 505هج) تصنيف «فضائح الباطنيّة»، الذي لم يعفِ الأطفال مِن اختبار العقيدة، ولا جلس القادر يرمي التَّكفير مع صلاة الجمعة.
مرّت المنطقة بدورات عصيبات، والضَّحايا أبناء الطّوائف، يأتي السّياسيّ يتسيّد بطائفته مضطهداً الآخرين، ولما يرحل تُحسَبُ أفعاله على طائفته، لأنه جعلهم أدواته، فيجري الثَّأر منهم. لذا، اعصموا الطَّوائف مِن الحزبيّة، فإذا كان الغرور بالسُّلطة، فالدّهرُ لا يغفل، والكلام يُنسب لأبي العَتاهيَة (211هج): «سكتَ الدَّهرُ زماناً عنهم/ ثم أبكاهم دماً حين نطق» (سبط ابن الجوزيّ، مرآة الزَّمان).
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إيران تعلن إنشاء مجلس دفاع جديد في أعقاب الحرب مع إسرائيل
إيران تعلن إنشاء مجلس دفاع جديد في أعقاب الحرب مع إسرائيل

الشرق السعودية

timeمنذ 2 دقائق

  • الشرق السعودية

إيران تعلن إنشاء مجلس دفاع جديد في أعقاب الحرب مع إسرائيل

أعلنت إيران، الأحد، إنشاء مجلس دفاعي يهدف إلى تعزيز قدراتها العسكرية بعد حربها الأخيرة مع إسرائيل، وذلك في أعقاب حرب جوية قصيرة مع إسرائيل في يونيو الماضي مثّلت أكبر تحد عسكري لإيران منذ حربها مع العراق في الثمانينيات. ونقلت وكالة "إرنا" الإيرانية للأنباء أن المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران صادق على تأسيس "مجلس الدفاع"، وذلك في إطار المادة 176 من الدستور. وأفادت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، أن "مجلس الدفاع يتولى مراجعة الخطط الدفاعية وتعزيز قدرات القوات المسلحة بشكل مركزي"، بحسب وكالة "إرنا". وأضحت الأمانة أن "الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان سيرأس مجلس الدفاع القومي، وسيضم رؤساء أفرع الحكومة الثلاثة وكبار قادة القوات المسلحة والوزارات المعنية". وقالت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي إن "الهيئة الدفاعية الجديدة ستتولى مراجعة الخطط الدفاعية، وتعزيز قدرات القوات المسلحة الإيرانية بطريقة مركزية". التهديدات الإسرائيلية لا تزال قائمة وحذّر القائد العام للجيش الإيراني أمير حاتمي، في وقت سابق الأحد، من أن "التهديدات الإسرائيلية لا تزال قائمة ولا ينبغي الاستهانة بها". وفقدت إيران في يونيو الماضي، عدداً من أبرز قادتها العسكريين في ضربات إسرائيلية غير مسبوقة، من بينهم 10 من كبار القادة العسكريين، و16 عالماً على الأقل. وأفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية الرسمية للأنباء بأن تشكيل "لجنة الدفاع" تمت المصادقة عليه قبل أيام. ولن تختلف تشكيلة اللجنة عن تشكيلة مجلس الأمن القومي، إذ ستضم رؤساء السلطات الثلاث، بالإضافة إلى قائد "الحرس الثوري"، ورئيس الأركان العامة، وقائد الجيش، وقائد عمليات هيئة الأركان، بالإضافة إلى وزير الاستخبارات، حسبما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط". وبدأت إسرائيل الحرب بهجوم مباغت في فجر 13 يونيو الجاري، إذ استهدفت مواقع عسكرية ونووية في إيران، كما شنت عمليات اغتيال، باستهداف مبانٍ سكنية. وتعتبر هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومقر "خاتم الأنبياء"، أعلى هيئة عسكرية في إيران، حيث تضع السياسة العسكرية والتوجيه الاستراتيجي وفقاً لتوجيهات القائد الأعلى (المرشد). وتتكون القوات المسلحة الإيرانية من فرعين رئيسيين، هما: الجيش التقليدي، وقوات الحرس الثوري. ويعتبر الدور الرئيسي للجيش الإيراني هو حماية استقلال البلاد وسلامة أراضيها، بينما يختص الحرس الثوري بالدفاع عن "نظام الجمهورية".

مشروع الرفاهية والاستقرار
مشروع الرفاهية والاستقرار

الشرق الأوسط

timeمنذ 32 دقائق

  • الشرق الأوسط

مشروع الرفاهية والاستقرار

فعلاً هناك خريطة للشرق الأوسط إنما ترسمها المملكة العربية السعودية هذه المرة، وليست دولة من خارج حدودنا، تتلخص في حل الدولتين، وإعادة سوريا ولبنان إلى الحاضنة العربية، أي الشرق الأوسط القديم، إنما بعودته عربي الهوية يرافقه مشروع تنموي نهضوي ضخم، ذلك هو المشروع السعودي الكبير الذي تنخرط المملكة العربية السعودية بكل ثقلها الدولي سياسياً واقتصادياً لتحقيقه. مشروع عربي خاص يحافظ على هويتنا ومقدراتنا، ويحفظ أمن المنطقة واستقلالها وسيادتها إنما بشروط عصرية تقوم على الركيزتين؛ الهوية والاقتصاد، مقابل المشاريع التي تسعى إلى التوسع والتمدد على حساب دولنا العربية، ومقابل المشروع الإسرائيلي كذلك القائم على فكرة مركز تجمع ديني مبني على عقدة الاضطهاد، وذلك لن يتم إلا بمنع وجود دولة فلسطينية عربية مجاورة، فاتحاً بذلك التمنع ثغرة للتدخلات وللجماعات العابرة للحدود، وللصراعات التي لم تنتهِ منذ عقود في منطقتنا. تتقدم المملكة العربية السعودية اليوم بمشروع جديد له مقوماته، أولها رغبة شعوب الدول المعنية وموافقتهم لإعادة إحياء الشرق الأوسط بهوية عربية، وإبعاد أي نفوذ أجنبي على شرط قيام الدولتين. وثانيها الموافقة الدولية على مشروعها، وذلك بنشاط وجهد دبلوماسي اعترف بقوته واكتماله جميع من حضر المؤتمر الدولي الأول للمشروع السعودي، والذي بدأ بالملف رقم واحد؛ وهو «حل الدولتين» بسلطة فلسطينية واحدة يعترف بها العالم كله. دور كبير للمملكة العربية السعودية في الدعوة لحل الدولتين قطعت فيه شوطاً غير مسبوق منذ عام 1948م إلى اليوم، حين نجحت بالحصول على موافقة 17 دولة منها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وألمانيا. ما قامت به السعودية يجمع كل المحاولات الدبلوماسية العربية السابقة في كفة، والمؤتمر الأخير في كفة، فقد سبق عقد المؤتمر عمل وجهد غير مسبوقين، ونجح في الحصول على قبول من لم نحلم بقبوله، وأهم ما في المشروع السعودي هو دعم فلسطيني كبير، وهذا هو المهم.ثم الفصل الثاني في مشروع إحياء الشرق الأوسط بدعم من الشعب السوري وحكومة الشرع لتثبيت الدولة الوطنية السورية، من خلال الأمن والاستقرار في سوريا من أجل البدء بإعادة الإعمار؛ مشاريع بالمليارات ودعم دبلوماسي كبير تمثل في رفع العقوبات، وفي التدخل لدى الإدارة الأميركية من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية المسلحة على سوريا، ودعم لوجيستي كبير بلا حدود في إعادة بناء مؤسسات الدولة، والانخراط التام مع حكومة الشرع من أجل بناء الدولة وتحقيق الرفاهية للشعب السوري. وكذا الحال مع لبنان للحاق بركب المشروع الذي يهدف لإحياء لبنان العربي، لبنان الدولة، لبنان الأمن، لبنان الاقتصاد المزدهر، بدعم من الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية والجيش اللبناني. المشروع السعودي لإعادة إحياء الشرق الأوسط بحلة زاهية حلم بالاستقرار والازدهار، وإنهاء معاناة تلك الشعوب العربية، نرى بوادره على الواقع لأول مرة، ويحتاج منا العمل والمساندة الرسمية والشعبية وعدم العرقلة.

تحقيقات مرفأ بيروت تبلغ خواتيمها
تحقيقات مرفأ بيروت تبلغ خواتيمها

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

تحقيقات مرفأ بيروت تبلغ خواتيمها

أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، أن «العدالة لا بد أن تتحقق ولو تأخرت»، مجدداً التأكيد على التزامه في البيان الوزاري، لجهة «بناء دولة قوية عادلة، لن توفر جهداً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً. دولة يكون قرار الحرب والسلم في يدها وحدها». ويأتي كلام سلام في وقت يقترب فيه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار من إعلان ختم التحقيق في ملف انفجار المرفأ. وكشف مصدر قضائي مواكب لإجراءات المحقق العدلي لـ«الشرق الأوسط»، أن البيطار «ينتظر ورود أجوبة على (استنابات) وجهها الشهر الماضي إلى ست دول عربية وأوروبية، طلب فيها معلومات حول وقائع محددة، ليس من ضمنها صور الأقمار الاصطناعية».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store