logo
نهاية عصر «السلام الأميركي»

نهاية عصر «السلام الأميركي»

الاتحاد٢٢-٠٤-٢٠٢٥

نهاية عصر «السلام الأميركي»
في محاولتنا فهم ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، وقع الكثير منا في خطأ افتراض أنه لم يكن يقصد حقاً ما قاله. بالطبع، لن يضم ترامب كندا أو جرينلاند - أليس كذلك؟ من المؤكد أنه لن يلقي باللوم على أوكرانيا على تعرضها للغزو ويقف إلى جانب روسيا في الأمم المتحدة - أليس كذلك؟ ومع أنه قد يُلوّح بالرسوم الجمركية كأداة خطابية، لكنه لن يعلن حرباً اقتصادية على العالم - أليس كذلك؟ وبشكل عام، فور خروجه من طور الحملات الانتخابية، لن يتخلى فعلاً عن دور أميركا بعد الحرب العالمية الثانية كقائد وعامل لاستقرار النظام الدولي. لن يُحوِّل الولايات المتحدة من فاعل خيّر إلى فاعل مُهمل، ناهيك عن أن يكون خبيثاً. أو هل سيفعل؟
نعم، سيفعل. ونعم، بصفته رئيساً، فهو الآن يفعل كل هذه الأمور وأكثر. بعد أقل من 100 يوم على بداية ولايته الثانية، لم يعد بمقدور أنصار ترامب من حركة «اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً» أن يضللوا منتقديه ويقنعوهم بأنهم يبالغون في أخذ ترامب حرفياً. المسار يتجه نحو الانعزالية، والإمبريالية، والتقلب، والفوضى.
لنبدأ بالبنية التحتية المملة ولكن الأساسية للدبلوماسية الأميركية، المتمثلة في وزارة الخارجية وفروعها المتنوعة. ووفقاً لمذكرة داخلية، تخطط إدارة ترامب لتقليص ميزانية الوزارة إلى النصف في العام المالي المقبل. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستغلق أو تقلص العديد من بعثاتها الخارجية. وتصف مذكرة أخرى خططاً للتخلص من 10 سفارات و17 قنصلية وتقليل عدد الموظفين في بعثات أخرى. ويُقال إن ستاً من السفارات المزمع إغلاقها تقع في أفريقيا، تماماً في الوقت الذي تضاعف فيه الصين وروسيا جهودهما لجذب تلك الدول، ودول الجنوب العالمي عمومًا، من المعسكر الغربي في الجغرافيا السياسية إلى معسكرها الخاص.
كما أن «صوت» أميركا في هذه المناطق قد خفت على موجات الأثير، بعد أن قام ترامب بتقويض إذاعة «صوت أميركا»، وإذاعة «أوروبا الحرة»، وإذاعة «الحرية»، وإذاعة «آسيا الحرة». ومنذ أن دمّر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لم تعد طرود المساعدات الأميركية تصل إلى ضحايا الزلازل في ميانمار أو في أي مكان آخر تقريباً.
ومن النتائج الأخرى لتلك التخفيضات في الميزانية تقليص الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية، والمشاريع الصحية العالمية، والمنظمات الدولية. فلن يُخصص تقريباً أي تمويل للأمم المتحدة، وحلف الناتو، ونحو 20 مؤسسة أخرى. كما سيتم إلغاء التمويل المخصص لبعثات حفظ السلام الدولية بشكل كامل.
ومثلما أصبح حفظ السلام خارج الحسابات، فإن مكافحة الأوبئة كذلك. وأعلن ترامب بالفعل انسحاب أميركا من منظمة الصحة العالمية. وهذا ترك بقية الأعضاء الـ 193 ليكملوا بمفردهم مفاوضات معاهدة طال انتظارها، تهدف للوقاية من تفشي الأوبئة المستقبلية والسيطرة عليها ومشاركة الأدوية واللقاحات بشكل أكثر فعالية وعدالة مما حدث أثناء كوفيد. من المفترض أن الولايات المتحدة لن تكون طرفاً في ذلك. وبالنسبة للتغير المناخي؟ لا تسأل.
وتكمن المشكلة الآن في تفكيك أدوات «القوة الناعمة» الأميركية. فمنذ 76 عاماً، لم يكن هناك تجسيد «أقوى» للقوة الأميركية من منظمة حلف شمال الأطلسي التي تقودها الولايات المتحدة. لقد حالت مصداقيتها، المدعومة بالقوات والدبابات والأسلحة النووية الأميركية في أوروبا، دون اندلاع حرب عالمية ثالثة بردع السوفييت، وحتى الآن، الروس. ولكن ترامب حولها إلى نوع من الابتزاز الحمائي، مشيراً إلى أنه لن يدافع عن الحلفاء الذين لا ينفقون 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي - أو 5%، أو أي رقم آخر يختاره لاحقاً - على جيوشهم.
ويفكر ترامب الآن بالتخلي عن امتياز أميركا في تعيين قائد قوات الحلفاء في أوروبا، وهو المنصب الذي يشغله حالياً الجنرال «كريستوفر كافولي»، عند انتهاء ولايته هذا الصيف. القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا هو القائد العسكري الذي سيوجه جيوش جميع الحلفاء في حالة نشوب حرب ضد معتدٍ، والذي سينقل إلى الرئيس الأميركي طلبات نشر الأسلحة النووية الأميركية المتمركزة في أوروبا. كان دوايت أيزنهاور أول من تولى هذا المنصب، ومنذ عهد أيزنهاور، ومنذ ذلك الحين، لم يكن من المتخيل أن يتولى شخص غير أميركي هذا المنصب.
إن تعيين أوروبي أو كندي في هذا المنصب سيثير أسئلة قانونية حول سلطته في إصدار أوامر للقوات الأميركية. كما أن التخلي عن المنصب سيكون بمثابة تباعد رمزي عن الحلف. سيرى الأوروبيون الخطوة كمؤشر آخر على انسحاب أميركا من الناتو. أما الكرملين فسيفسرها على أنها زيادة في الغموض ونقص في المصداقية، وبالتالي في الردع.
كانت أميركا القوة التأسيسية في إنشاء وبناء الأمم المتحدة، وحلف الناتو، ومنظمة التجارة العالمية (التي لا تزال موجودة اسماً فقط على ما يبدو) وغيرها من المؤسسات التي كان الهدف منها الحفاظ على السلام، وزيادة الازدهار، والحفاظ على قدر من النظام. فعلت الولايات المتحدة ذلك لأنها رأت فوائد ذلك للعالم - ورأت نفسها جزءاً من ذلك العالم. أما ترامب، فلا يرى أيّا من ذلك.
وهكذا، ينهار النظام العالمي، أولاً تدريجياً، ثم فجأة. لقد انتهى السلام الأميركي (باكس أميركانا) - العالم الذي كانت فيه الدول، كبيرة وصغيرة، تستطيع أن تأمل على الأقل بالازدهار تحت نظرة رحيمة من قوة عظمى وهيمنة خيّرة - كل ذلك قد أصبح شيئاً من الماضي.
لقد وجّه ترامب في أول 100 يوم من ولايته الثانية دفة الدولة الأميركية نحو مسار جديد في التعامل مع الشؤون الدولية، فإذا غزا كندا أو جرينلاند أو أي مكان - أو تخلى عن أوكرانيا - فقد يتحول الأمر لنقول: وداعاً للقرن الأميركي.
*كاتب متخصص في الدبلوماسية الأميركية، والأمن القومي، والجغرافيا السياسية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجلس النواب الأمريكي يصوت على فتح مناقشة مشروع قانون ترامب
مجلس النواب الأمريكي يصوت على فتح مناقشة مشروع قانون ترامب

البوابة

timeمنذ 31 دقائق

  • البوابة

مجلس النواب الأمريكي يصوت على فتح مناقشة مشروع قانون ترامب

صوت مجلس النواب الأمريكي، اليوم الخميس، على فتح مناقشة مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب تمهيدا للتصويت على إقراره لاحق، وفقا لما أفادت به قناة "القاهرة الإخبارية". لجنة القوانين تصادق على مشروع قانون ترامب صوتت لجنة القوانين في مجلس النواب الأمريكي، التي يهيمن عليها الجمهوريون، أمس الأربعاء، لصالح مشروع قانون شامل يتبناه الرئيس السابق دونالد ترامب، ويتعلق بالإنفاق وخفض الضرائب. ويُعد هذا التصويت خطوة تمهيدية لعرض المشروع على مجلس النواب بكامل هيئته خلال الساعات القادمة. انقسام جمهوري حول بنود القانون ورغم التصويت الإيجابي، لا يزال هناك انقسام داخل الحزب الجمهوري بشأن تفاصيل مشروع قانون الضرائب. إذ أشار رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، إلى أن عدداً من أعضاء الجناح المتشدد في الحزب يعارضون المشروع بدعوى أنه لا يتضمن تخفيضات كافية في حجم الإنفاق الحكومي. تحذيرات من تبعات اقتصادية خطيرة بحسب تقديرات محللين غير حزبيين، من المتوقع أن يؤدي تمرير المشروع بصيغته الحالية إلى إضافة ما بين 3 و5 تريليونات دولار إلى الدين العام الأميركي، ما يثير مخاوف واسعة بشأن تداعياته الاقتصادية على المدى الطويل. وفي محاولة لحشد التأييد، زار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول صباح الثلاثاء الماضي، حيث التقى بالمشرعين الجمهوريين. ودعاهم إلى التوصل لاتفاق بشأن المشروع، محذرًا من أن عدم التوافق سيؤدي إلى انتهاء صلاحية التخفيضات الضريبية التي أقرّها في عام 2017 بنهاية هذا العام.

ترامب يدخل على خط مفاوضات غزة.. وتوتر في واشنطن بعد هجوم دامٍ قرب السفارة الإسرائيلية
ترامب يدخل على خط مفاوضات غزة.. وتوتر في واشنطن بعد هجوم دامٍ قرب السفارة الإسرائيلية

الموجز

timeمنذ 42 دقائق

  • الموجز

ترامب يدخل على خط مفاوضات غزة.. وتوتر في واشنطن بعد هجوم دامٍ قرب السفارة الإسرائيلية

كشف رامي جبر، مراسل "القاهرة الإخبارية" من واشنطن، أن شبكة "سي إن إن" نقلت عن مصادر في البيت الأبيض وجود مفاوضات غير مباشرة بين وفد أمريكي تقوده رجل الأعمال من أصول فلسطينية بشارة بحبح وحركة حماس، في محاولة لتهدئة التصعيد المتواصل في قطاع غزة. وأوضح جبر، خلال مداخلة تلفزيونية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب عن إحباطه الشديد من صور الأطفال الجوعى في غزة، ومن بطء التقدم في المفاوضات، وسط أنباء عن محاولات إسرائيلية لتعطيل العملية السياسية لصالح توسيع العمليات العسكرية. وأشار إلى أن ترامب، بالتعاون مع مصر وقطر، يسعى للتواصل مع حماس من خلال وسطاء غير تقليديين، أبرزهم بشارة بحبح، الذي لعب دورًا مؤثرًا في صفقة الإفراج عن الرهينة الأمريكي عيدان ألكسندر. وقد عزز نجاح تلك الصفقة من ثقة ترامب في قدرته على التأثير على قادة الحركة. وفي سياق متصل، هزت العاصمة الأمريكية واشنطن حادثة إطلاق نار قرب المتحف اليهودي، أسفرت عن مقتل موظفين بالسفارة الإسرائيلية. وعبّر الرئيس ترامب عن تعازيه لأسر الضحايا، واصفًا الحادث بأنه "جريمة مروعة مدفوعة بالكراهية ومعاداة السامية"، داعيًا إلى وقف التطرف فورًا. وأكدت الشرطة الأمريكية تحديد هوية المشتبه به، وهو إلياس رودريجيز، البالغ من العمر 30 عامًا، والذي هتف "فلسطين حرة" أثناء احتجازه. وأوضحت السلطات أنه لم يكن معروفًا لديها سابقًا، ولم تكن هناك أي معلومات استخباراتية تسبق الحادث. من جانبهم، شدد المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون، وعلى رأسهم وزيرا الخارجية في البلدين، على أهمية مواصلة التعاون الأمني ومحاسبة المسؤولين عن الهجوم، مؤكدين أن "الولايات المتحدة وإسرائيل ستظلان متحدتين في مواجهة الكراهية". p>

أول تعليق من نتنياهو على مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن
أول تعليق من نتنياهو على مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن

البوابة

timeمنذ ساعة واحدة

  • البوابة

أول تعليق من نتنياهو على مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن

أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الخميس، عن صدمته من حادث إطلاق النار الذي أدى إلى مقتل موظفين اثنين بالسفارة الإسرائيلية قرب المتحف اليهودي في العاصمة الأمريكية واشنطن، بحسب ما ذكرت قناة "سكاي نيوز". وقال نتنياهو إنه "مصدوم من جريمة القتل المروعة المعادية للسامية لاثنين من موظفي سفارة إسرائيل بواشنطن". نتنياهو: سيتم تعزيز الأمن في السفارات الإسرائيلية حول العالم وتابع: "سيتم تعزيز الأمن في السفارات الإسرائيلية حول العالم". وأضاف: "إطلاق النار في واشنطن دليل على التحريض العنيف ضد إسرائيل"، وفق ما أفادت 'فرانس برس'. الرئيس الإسرائيلي: الإرهاب والكراهية لن يكسرانا كما أدان الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج، اليوم الخميس، حادث إطلاق النار في العاصمة الأمريكية، مشددًا على أن "الإرهاب والكراهية لن يكسرانا". وتابع هرتسوج في بيان: "هذا عمل دنيء ينم عن كراهية ومعاداة للسامية. الإرهاب والكراهية لن يكسرانا". بينما وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الحادث بأنه "إرهابي"، مؤكدا أن "إسرائيل لن تستسلم للإرهاب". وكان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، قد قال إن "حادث إطلاق النار خارج المتحف اليهودي في واشنطن عمل إرهابي معاد للسامية". وكشف أنه تحدث إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد حادث إطلاق النار. وأعلنت الشرطة الأمريكية أنها حددت هوية المشتبه به في تنفيذ الهجوم الذي أسفر عن مقتل موظفين اثنين بالسفارة الإسرائيلية، قائلة إنه إلياس رودريجيز ويبلغ من العمر 30 عاما. وبحسب الشرطة، فإن المشتبه به "لم يكن معروفا لدى الشرطة". وقالت الشرطة إنها لم "تتلق أي معلومات استخباراتية عن تهديد إرهابي أو جريمة كراهية محتملة قبل إطلاق النار".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store