
تنمية الغطاء النباتي واستحقاقات المرحلة المقبلة
تنوعت مظاهر النهضة البيئية في المملكة وتعددت ملامحها؛ فمن إنشاء المحميات الملكية، وتضاعف رقعة المساحات الخاضعة للحماية، إلى تأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي، وإنجاز الإستراتيجيات والتشريعات المنظمة للشأن البيئي، والتوسع في الاستفادة من الطاقة المتجددة، وطموح الوصول للحياد الكربوني خلال عقود قليلة قادمة، وأخيراً وليس آخراً إنشاء المراكز البيئية المتخصصة، ومنها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة في الحد من التصحر، وإعادة تأهيل الغطاء النباتي الطبيعي الذي تعرض لاستنزاف خطير خلال العقود الماضية، كما يقود المركز مبادرة السعودية الخضراء، وهي واحدة من أكبر -إن لم تكن الأكبر- طموحا وتمكينا في العالم.
وفي ضوء التغييرات الجديدة في الإدارة التنفيذية للمركز، ولتحقيق المستهدفات الوطنية، أرى أنه من الضروري أن تأخذ الإدارة الجديدة في الحسبان الاعتبارات التالية:
إن إدارة هذا المركز العملاق، الذي يحظى باهتمام خاص ودعم من القيادة الرشيدة، وبالنظر إلى مستهدفاته الطموحة، ودوره البالغ الأهمية، تتطلب جهوداً استثنائية وأساليب مبتكرة، ورؤية شمولية.
حققت الإدارة السابقة للمركز العديد من الإنجازات، ويكفي أنها واكبت تأسيس وانطلاق المركز من الصفر، ولابد من الإفادة من تلك الإنجازات، والبناء عليها.
نحن في عصر الشفافية والحوكمة، ما يعني أن ثقافة التقوقع والانغلاق، والمبادرات والقرارات المرتجلة وغير المدروسة بعناية، نتائجها كارثية (ما حصل في متنزه الغضا بالقصيم بالسماح للإبل بالرعي فيه نموذج للقرارات المتسرعة).
إطلاق الأرقام والإحصائيات غير الدقيقة في مجال التشجير، واستقطاب المؤثرين والمشاهير لترويجها والدعاية لها، ثقافة لا تجدي في هذا المجال المفتوح الذي يحظى باهتمام ومتابعة القيادة الرشيدة، وقطاع كبير من الهواة والناشطين والخبراء والجمعيات البيئية.
في المنتزهات الوطنية فرص استثمارية كبيرة، إذا أديرت بفكر استثماري ناضج، كما أن النباتات البرية المحلية، ثروة لم تستغل، سواء في الأغراض التنسيقية، أو الطبية، أو التصنيعية، أو التغذوية. تعظيم الاستفادة منها سيشجع على حفظها وإكثارها، ويحقق عوائد اقتصادية كبيرة.
تشجيع وتبني الابتكارات في مجالات التشجير، وتقنيات الري، ومكافحة التصحر، والرصد المبكر لحرائق الغابات، من شأنه أن يسهل تحقيق المستهدفات الوطنية، ويصون الموارد الطبيعية.
الالتفات للحيازات الزراعية، سواء العاملة، أو المهجورة، وإدراجها في منظومة التشجير وفق أسس علمية، سيزيد رقعة المساحة الخضراء ويحقق فوائد بيئية واقتصادية عديدة.
الاستخدام الرشيد للموارد المائية المتنوعة سيسهم في تحقيق تنمية مستدامة للغطاء النباتي.
وضع إستراتيجية ملائمة لحصر ورصد الأنواع النباتية الغازية، وتنفيذ برامج مدروسة للسيطرة المبكرة عليها، سيكون له أكبر الأثر في خفض أضرارها والحد من انتشارها.
تمكين الجمعيات العاملة في مجال البيئة والتشجير بشكل خاص، ودعمها وتبني مبادراتها، ستشكّل إضافة حقيقية لجهود تعزيز الغطاء النباتي، وتحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030 بتمكين القطاع غير الربحي.
لا يزال تشجير الطرق البرية، وجوانب خطوط السكك الحديدية غائباً رغم أهميته، التعجيل ببرامج تشجير مدروسة وفعالة لهذه المواقع سيشكل نقلة نوعية في جهود التشجير.
أخيراً.. لا شك أن المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي يحظى بدعم وتمكين حكومة خادم الحرمين وولي عهده، لتحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء الطموحة، وهذا يتطلب تظافر جميع الجهود، وإشراك كافة الأطراف، فنجاح مشاريع التخضير، والحد من التصحر، تصب في مصلحة الوطن والمواطن والبيئة والتنمية المستدامة.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
وقف معرفي في حلّة جديدة
في زحام الحياة اليومية، تظهر بعض المبادرات بهدوء، لكنها تحمل في طياتها رسائل وعي عميقة، تُذكّرنا بأن للعلم أهله، وللكتب حياة تتجدد في كل قارئ. ومن هذه المبادرات الملهمة ما قام به أحد الأكاديميين في مدينة الرياض، حين خصص ركنًا من منزله لاستقبال الكتب المستعملة، وفرزها، وتقديمها لطلبة العلم مجانًا، في صورة راقية من ردّ الجميل للمعرفة. هذا السلوك النبيل لا يُعد تبرعًا عابرًا بكتب فائضة، بل تجسيدًا لفكرة الوقف المعرفي في سياقها المجتمعي، وإيمانًا بأن الكتاب لا يفقد قيمته بمرور الوقت، بل يزداد أثره حين ينتقل من عقل إلى آخر. وقد أصبحنا نلاحظ تنامي ظاهرة التبرع بالمكتبات الشخصية، سواء بعد وفاة أصحابها أو تقدمهم في السن، وهو ما عايشته حين كنت عضوًا في لجنة جامعية معنية بالمكتبات والتبرعات العلمية، حيث كانت الجامعة تتلقى شهريًا طلبات عديدة لتسليم مكتبات شخصية، إلا أن الإمكانات لم تكن كافية لقبولها جميعًا، نتيجة محدودية المساحات، أو تكرار العناوين، أو ضعف القدرة على الفهرسة. وفي ظل هذه التحديات، تبرز أهمية المبادرات الفردية والمجتمعية كبديل مرن وفاعل، لا يعتمد على البيروقراطية المؤسسية، بل ينطلق من وعي جمعي بقيمة العطاء العلمي. ويمكن تطوير هذه المبادرات لتأخذ طابعًا وطنيًا منظّمًا، من خلال إنشاء مكتبات أهلية أو مراكز تطوعية في الأحياء، أو عبر شراكات مع الجمعيات الأدبية، أو الجامعات، أو غيرها، لتكون منصات حرة لتداول الكتب والمعرفة. وبهذا التوجّه، يمكن أن تتشكّل خريطة وطنية للمكتبات الوقفية المتجددة، تُعيد للكتاب دوره التنويري، وتنقله من رفوف النسيان إلى عقول الباحثين. وهي دعوة لكل أكاديمي ومثقف ألا يجعل علمه حبيس الجدران بعده، وألا يدع كتبه تُنسى قبل أن تُقرأ، فربما في كتابٍ من مكتبته حياة معرفية جديدة، ومستقبل لطالب علم ينتظر الفرصة. د. هلال المسيليّ الحارثيّ


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
الغباء الاصطناعي
في لحظة فارقة من مسيرة الإنسان عبر التاريخ، وجد نفسه أمام تحدٍ جديد لا ينبع من الطبيعة، ولا من الصراعات السياسية، بل من تلك المساحة الرمادية التي تفصل بين العقل والآلة، عصر يُعرف باسم "عصر الذكاء الاصطناعي"، لكنه في أوجه عديدة قد يتحول إلى ما يمكن تسميته "عصر الغباء الاصطناعي". وهنا تبرز مفارقة تستحق التأمل العميق، إذ نثقل على الآلة أعباء تفوق طاقتها، ونتوقع منها أداء أدوار تتجاوز ما صنعت لأجله، فالآلة قد تتفوق في التنظيم، والتكرار، وحفظ البيانات، والتعلم الآلي، لكنها تظل أسيرة منطق رقمي محدود، يفتقر إلى الرحمة، ويعجز عن إدراك الحيرة، ولا يملك إحساسًا بالخسارة. لا يمكننا الحديث عن الذكاء بمنطق الآلة فقط، دون أن نستحضر أبعاده الأخلاقية والإنسانية، فليس الذكاء مجرد قدرة على الحساب، ولا اختزالًا في الوصول إلى إجابة صحيحة. الذكاء في جوهره، هو ذلك الحسّ الذي يُدرك الفارق بين ما يُقال وما يُقصد، ويعي أن بعض الأسئلة لا تحتاج إلى ردّ، بقدر ما تحتاج إلى صمتٍ يفهم، وأن بعض القرارات لا تُؤخذ بالحساب وحده، بل تُوزَن بالقلب والبصيرة. وهنا تحديدًا تتوقف الآلة، عاجزةً عن عبور تلك المنطقة التي يسكنها الإنسان فقط. الأنظمة الذكية اليوم تُستخدم في إدارة ملفات شديدة الحساسية: التوظيف، التعليم، الأمن، العدالة، بل والعلاقات الاجتماعية. لكنها، بكل ما تملكه من قدرة حسابية، تقف عاجزة أمام لحظة إنسانية بسيطة، كتعبير وجه فيه حزنٌ دفين، أو قرار شخصي ينطوي على تضحية. حين نُحمل الآلة مسؤوليات أخلاقية، فإننا لا نغامر بوظائف الأفراد فحسب، بل نُقحم جوهر الإنسان ذاته في دائرة الخطر، فالذكاء الاصطناعي، حين يتحول من وسيلة مساعدة إلى أداة تقرير، يفرض وصايته الناعمة دون أن نشعر. هو من يُرشّح لنا ما نقرأ، ويقترح علينا من نُصادق، ويؤثر على قراراتنا اليومية بتلقائية خفية، ومع الوقت يتسلل من هامش الاستخدام إلى صميم الاختيار، حتى لا يعود دور الإنسان في كثير من الأحيان إلا تنفيذ ما توحي به الخوارزمية. والأخطر من ذلك أن هذه الوصاية لا تخضع لأي مساءلة أو محاسبة. حين ترتكب الآلة خطأً، لا يُساءل أحد، وتُغلق القضايا بمبررات تقنية مثل "خطأ في الخوارزمية" أو "خلل برمجي". تُطوى الملفات ويُدفن السؤال الحقيقي عن موقع الإنسان في هذا المشهد، وتغيب الرقابة على حدود هذه السلطة الرقمية، كما تغيب مراجعة آليات اتخاذ القرار وتقييم جدارة هذه الأنظمة في التحكم بتفاصيل حياتنا اليومية. لقد مررنا جميعا، ولو لمرة واحدة، بتجربة الغباء الاصطناعي، تسأل المساعد الرقمي عن أمرٍ مهم، فيأتيك الرد بعيدًا كل البعد عن السياق، أو تطلب مشورة إنسانية فتلقاه اقتراحا آليا يميل إلى السذاجة، ليس العيب في النظام نفسه، بل في طبيعته التي لا تُعنى بفهم التفاصيل الدقيقة، ولا تملك القدرة على استيعاب التلميحات أو التقاط نبض الروح الإنسانية. وهنا تكمن الحاجة الماسة إلى التمييز بين التقدم التكنولوجي الواعد، وبين تسليم عقولنا بلا رقابة للآلات، فالتطور أمر لا مفر منه، ويجب أن نكون جزءا منه، نسهم في تحسينه وتوجيهه لخدمة الإنسان ورفع جودة حياته. ولكن التسليم التام، دون ضوابط أو مراجعات أخلاقية، يفتح الباب أمام سوء استخدام هذه التقنيات، وربما يحولها إلى تهديد حقيقي للقيم والمبادئ الإنسانية التي نعتز بها. ما نحتاج إليه اليوم ليس مجرد زيادة في سرعة الأداء أو توسيع القدرة الحسابية، بل هو البصيرة والوعي العميق، نحن بحاجة إلى إضافة البعد الإنساني على الذكاء الاصطناعي، وتوجيه هذه التكنولوجيا لتكون عونًا للإنسان، تساعده في الحفاظ على جوهره الإنساني، لا أن تحل محله أو تنزعه منه. في منعطف دقيق من الزمن، تصبح مواجهة هذه الحقيقة أمرا ضروريا، فالتقدم ليس دومًا في اتجاه واحد، بل في بعض الأحيان يكون التقدم الحقيقي هو التوقف للحظة، والتأمل العميق في الطريق الذي نسير عليه. عمرو أبوالعطا


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
«الجيولوجية السعودية» تنظّم ورشة «الذكاء الاصطناعي»
نظّمت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بمقر الهيئة في جدة، ورشة عمل متخصصة في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي بعنوان: "قيادة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي"، وذلك بالتعاون مع شركة TITCO المتخصصة في الاستشارات التقنية. وتناولت الورشة محاور إستراتيجية ركّزت على دور القادة في تسريع التحول الرقمي، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في علوم الأرض، وخارطة الطريق لرفع الجاهزية الرقمية، وأهمية بناء القدرات المؤسسية في العصر الرقمي. وشهدت الورشة تفاعلًا ملحوظًا من الحضور، إذ أسهمت في فتح آفاق جديدة لتبني التقنيات الحديثة في مختلف إدارات الهيئة، بما يُعزز كفاءة الأعمال الجيولوجية وتوسيع نطاق الاستكشافات والدراسات.