
القرم بين مطامع بوتين وسعي ترمب لإنهاء الحرب بأي ثمن
تذكر شبه جزيرة القرم بصورة عرضية في التاريخ البريطاني بفضل إيرل كارديغان وقيادته الكارثية لهجوم لواء الفرسان الخفيف [هجوم بريطاني فاشل خلال حرب القرم مع روسيا 1853–1856]. أما بالنسبة إلى فلاديمير بوتين فهو المكان الذي يجب أن يمثل تحولاً تاريخياً.
من جهته، يعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي تبنى النهج السائد خلال القرن الـ18 بأن القوة حق لمن يمتلكها، أن روسيا استولت على شبه الجزيرة من أوكرانيا دون قتال عام 2014، بالتالي يجب أن تبقى في قبضة بوتين.
من بين 20 في المئة من أراضي أوكرانيا التي استولت عليها روسيا بعد غزو شبه جزيرة القرم قبل 11 عاماً وإطلاق غزوها الأوسع عام 2022، تعد شبه جزيرة القرم أعظم غنيمة حصلت عليها روسيا.
وفي هذا السياق، فالجهة التي تتحكم بمدينة سيفاستوبول هي التي تحكم سيطرتها على البحر الأسود وبحر آزوف. وخارج طرطوس السورية التي خسرت روسيا هيمنتها عليها أخيراً، كانت القرم الميناء الوحيد لروسيا الذي يتمتع بمياه دافئة على مدار العام.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن مطالبات موسكو بشبه جزيرة القرم تتعرض للتفنيد لأنها تنازلت عنها لأوكرانيا في عهد الاتحاد السوفياتي عام 1954. [المقصود أنه جرى نقل التابعية الإدارية للقرم من جمهورية روسيا الاشتراكية إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية، وكانت الجمهوريتان جزءاً من الاتحاد السوفياتي].
حالياً، يرتكز ادعاء بوتين، الذي تكرس اليوم في الضم غير الشرعي لشبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، على موجات من الاستيطان الروسي والإبعاد القسري للسكان المحليين على مدى قرنين من الزمن في الأقل، مما ترك المنطقة مع بصمة من التراث التتري ولكن غالبية عرقية ولغوية روسية.
بعد عام 2014، أصبح من الشائع في حانات موسكو ومطاعمها أن يعرب الناس عن مدى سعادتهم بـ"عودتها" إلى الحضن الروسي، وسط ذكريات وردية عن العطلات الشاطئية المشمسة في مستعمرة سابقة.
ونسي هؤلاء "القتل بالتجويع" أو ما يعرف بـ"الهولودومور"، إذ أدت القرارات التي اتخذتها موسكو إلى تضور ملايين الأوكرانيين جوعاً. وتجاهلوا الانتفاضات ضد محاولات محو كل أثر للغة أوكرانيا وتاريخها وثقافتها في ظل الحكم الروسي، من عهد القياصرة إلى ستالين وبوتين. وماذا عن عمليات الترحيل الجماعي للقوزاق [جماعة عرفت بحبها للحرية والتمرد] من وطنهم إلى سيبيريا؟ حتى ذلك لم يعيروه اهتماماً يذكر.
ولا يعلم ترمب أي شيء من هذا أيضاً. فعلى رغم مناشدته بوتين وقف الغارات الجوية على أوكرانيا في أعقاب الهجوم المميت على كييف ليل الأربعاء الماضي، إذ كتب على مواقع التواصل الاجتماعي "فلاديمير، توقف!"، فإن جل ما يهم ترمب هو توقف هذه الحرب، مهما بلغت كلفة ذلك على تاريخ أوكرانيا ومستقبلها.
وكان الفصل الأخير من العدوان الروسي انطلق عندما استخدم "الرجال الخضر الصغار" –وهم قوات الكوماندوز الخاصة الروسية- الوجود البحري الروسي في سيفاستوبول كنقطة انطلاق للاستيلاء على شبه الجزيرة عام 2014.
وجرى تنفيذ ذلك وفق طريقة مجربة طورها بوتين مسبقاً داخل جورجيا [في إشارة إلى حرب 2008 التي أدت إلى فصل أوسيتيا الجنوبية عن جورجيا]. وجرى تشجيع السكان الناطقين بالروسية في جورجيا وأوكرانيا (بما في ذلك شبه جزيرة القرم) على تقديم شكاوى من تعرضهم للتمييز العرقي على خلفية أصولهم. ففي الدول التي نشأت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، كان كثر يفتقدون الإحساس بالاستقرار الذي وفرته الهوية الروسية، وكانوا ساخطين على كونهم أقلية في دول فتية.
وفي القرم، تحولت هذه الشكاوى إلى ذريعة لما سمي بمهمة إنقاذ. وتزامناً مع ذلك، ثار "الانفصاليون" المدعومون من موسكو في شرق أوكرانيا، مطالبين بالحكم الذاتي من كييف. وأرسل بوتين قوزاقاً من روستوف وقوميين سلافيين من صربيا ودعم "الانتفاضة" بقوات روسية نظامية.
وفي سياق متصل داخل كراماتورسك الواقعة في منطقة دونيتسك، انقلب الجيران على بعضهم بعضاً، وانقسمت الشرطة إلى فصائل متنافسة، موالية لبوتين أو مؤيدة له. وتجولت داخل مبنى المجلس التشريعي الإقليمي بينما أخطو على أرضيات زلقة جراء طلقات رشاش فارغة، بعد سقوط شبه جزيرة القرم بفترة وجيزة.
بعد ذلك، أقدمت المدينة التي يقطنها 90 في المئة من الناطقين بالروسية، على طرد المتعاطفين مع روسيا، ولا تزال عاصمة موقتة مدمرة وملطخة بالدماء لمقاطعة ضمها بوتين بصورة غير قانونية. أما دونيتسك، المقر الأصلي للحكومة، وبات يحكمها حالياً وكلاء موسكو على الجانب الآخر من خط المواجهة بعد قتال عنيف ودموي.
وما كانت عملية توسيع بوتين لأراضيه عام 2014 لتتحقق لولا وجود نقطة ارتكاز من العمليات في شبه جزيرة القرم، وكان لذلك دور حاسم في عملية الغزو الشاملة التي أطلقها عام 2022.
فقد استخدم بوتين شبه الجزيرة كمركز لوجيستي، وشيد جسراً يصلها بالبر الرئيس الروسي لتزويد القوات التي حشدها في المنطقة القاحلة.
وتبعاً للعقيدة التقليدية، أقدمت موسكو على تدمير معظم البحرية الأوكرانية هناك واستخدمت سيفاستوبول كقاعدة رئيسة لها.
لم يأخذ قادة الكرملين ابتكارات أوكرانيا في الحسبان. فبعدما تقلص أسطولها البحري إلى بضع قطع بحرية صغيرة، تحولت إلى الصواريخ والطائرات المسيرة. فنجحت أولاً في إغراق سفينة موسكفا، التي تعد فخر أسطول البحر الأسود، ثم استخدمت الطائرات المسيرة لضرب البحرية الروسية وإخراجها من المناطق الأوكرانية المحتلة إلى موانئ البر الروسي.
في هذا الصدد، إذا سمح لموسكو بالعودة إلى سيفاستوبول، كما يريد ترمب، فإن إعادة بناء البحرية الروسية وتجديدها سيستمر بوتيرة سريعة، وستعود مع مرور الوقت إلى تولي الهيمنة الكاملة مجدداً.
في غضون ذلك، لا تزال شبه جزيرة القرم في قبضة الروس وهي المصدر الرئيس للصواريخ والقذائف التي تطلق في اتجاه أوكرانيا، وهي تشكل أيضاً القاعدة الرئيسة للدفاعات الجوية الروسية ومركز القيادة والسيطرة للحملة العسكرية بأكملها ضد أوكرانيا.
لهذا فهي مهمة لبوتين، والآن لترمب أيضاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 40 دقائق
- العربية
صحيفة: أوروبا تخشى أن يتخلى ترامب عن أوكرانيا مقابل شراكة اقتصادية مع روسيا
أفادت صحيفة "ذا غارديان" The Guardian البريطانية، بأن دبلوماسيين أوروبيين يخشون من أن يتخلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أوكرانيا ويركز على إقامة شراكة اقتصادية مع روسيا. ووفقا للصحيفة، شعر القادة الأوروبيون، الذين كانوا يأملون في أن تفرض واشنطن عقوبات جديدة على موسكو، بالإحباط والغضب، بعد سماع وصف ترامب لمكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 19 مايو (أيار). ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن نبرة الحوار بين الرئيسين الأميركي والروسي، وتردد إدارة واشنطن في تشديد العقوبات على روسيا خلال عملية التفاوض، "يُقرّبان من كابوس أوروبا" المتمثل في انسحاب الولايات المتحدة من الصراع الأوكراني. وفي 19 مايو (أيار)، أجرى بوتين وترامب محادثة هاتفية استمرت أكثر من ساعتين، ناقشا خلالها بشكل أساسي سبل التغلب على الصراع في أوكرانيا. وأشاد الرئيس الروسي بشدة بالمحادثات مع ترامب ووصفها بأنها بناءة، بدوره ترامب وصفها بالجيدة جدا.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
مسؤول أوكراني: 3 قتلى بضربات روسية استهدفت كييف
قال مسؤول أوكراني، اليوم الأحد، إن ضربات روسية قتلت ثلاثة أشخاص في منطقة كييف ليلاً، في الوقت الذي تتبادل فيه الدولتان إطلاق طائرات مسيرة باتجاه عاصمتيهما. وذكر ميكولا كلاشنيك، رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية، في منشور على "تيليغرام"، "للأسف، قتل ثلاثة أشخاص الليلة الماضية نتيجة هجوم للعدو في منطقة كييف". وكان مسؤولون قالوا إن العاصمة الأوكرانية كييف تعرضت لهجوم بطائرات مسيرة روسية، في وقت مبكر من اليوم الأحد، مما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن سبعة أشخاص، في حين تسببت الشظايا في نشوب حريق بأحد المباني السكنية وإلحاق أضرار بعدة منازل. ذكر مسؤول أوكراني كبير أن حطام طائرة مسيرة تسبب في نشوب حريق وألحق أضراراً بأحد المباني السكنية في العاصمة كييف. وأوضح تيمور تكاتشينكو رئيس الإدارة العسكرية في كييف، أن الحادثة وقعت في منطقة هولوسيفسكي بالقرب من وسط المدينة. وأردف قائلاً "تعرض المبنى لأضرار جزئية واندلع فيه حريق... فرق الإنقاذ موجودة بالموقع". وقال تكاتشينكو في وقت سابق، إن هناك 10 طائرات مسيرة تحلق في سماء المدينة، والمزيد منها في طريقها. وسمع شهود من "رويترز" أصوات وحدات الدفاع الجوي في أرجاء المدينة. وقال رئيس الإدارة العسكرية لمدينة كييف تيمور تكاشينكو "أكثر من 12 طائرة مسيرة معادية تحلق في المجال الجوي المحيط بالعاصمة، كما أن طائرات جديدة تقترب". وأضاف تكاشينكو عبر "تيليغرام"، "هناك تهديد من استخدام العدو عدداً كبيراً من الطائرات المسيرة والصواريخ من طائرات حربية استراتيجية". وقال إيهور تيريخوف رئيس بلدية خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، إن طائرات مسيرة استهدفت ثلاث مناطق بالمدينة وألحقت أضراراً بمركز تجاري في شمال شرقي أوكرانيا. وأضاف أن عديداً من هذه الطائرات لا تزال تحلق في سماء المدينة. وتحدثت قنوات "تيليغرام" غير رسمية عن نشوب حريق إثر استهداف ميناء أوديسا على البحر الأسود. على الجانب الآخر، قالت روسيا إنها تعرضت لهجوم بطائرات مسيرة أوكرانية، في وقت مبكر اليوم، مضيفة أنه جرى اعتراض أو تدمير نحو 100 منها بعضها كان يستهدف العاصمة موسكو. وذكرت وزارة الدفاع أن وحدات الدفاع الجوي اعترضت أو دمرت 95 طائرة مسيرة خلال أربع ساعات. شمل ذلك اثنتين كانتا تتجهان نحو موسكو، لكن معظم الطائرات كانت تحلق فوق مناطق وسط وجنوب البلاد. وفي وقت لاحق، كتب سيرغي سوبيانين رئيس بلدية موسكو على تطبيق "تيليغرام"، أن عدد الطائرات التي جرى تدميرها أو اعتراضها قرب العاصمة ارتفع إلى 11. وتسبب نشاط الطائرات المسيرة إلى إغلاق ثلاثة مطارات في موسكو لبعض الوقت. وقال مسؤولون محليون، إن وحدات الدفاع الجوي أسقطت طائرات مسيرة فوق مدينة تولا في وسط البلاد ومدينة تفير في شمال غربي موسكو. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقالت وزارة الدفاع الروسية، أمس السبت، إن قواتها التي تتقدم ببطء على الجبهة الشرقية للحرب في أوكرانيا سيطرت على منطقتين سكنيتين في منطقة دونيتسك، إضافة إلى منطقة سكنية في سومي بشمال أوكرانيا. وما إن أخفقت في التقدم نحو العاصمة كييف في الأسابيع الأولى من الحرب، ركزت القوات الروسية على الاستيلاء على منطقة دونباس في الشرق التي تضم منطقتي دونيتسك ولوجانسك. وفي الشهور القليلة الماضية، حاولت موسكو أيضاً التقدم في منطقة سومي، وخصوصاً بعد أن أعلن الجيش الروسي أنه طرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك الحدودية الروسية. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان، إن قواتها سيطرت على قرية ستوبوتشكي في منطقة دونيتسك، شرقي كوستيانتينيفكا، وهي بلدة تعرضت لضغط من القوات الروسية في الآونة الأخيرة. وذكرت أيضاً أنها سيطرت على أوترادنويه، وهي قرية تقع إلى الغرب على الجبهة التي يبلغ طولها 1000 كيلومتر، وأعلنت الاستيلاء على لوكنيا، وهي قرية داخل الحدود الروسية في منطقة سومي. وأقرت هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني بعدم وقوع خسائر، مشيرة إلى أوترادنويه كواحدة من عدة بلدات صد فيها الجيش الأوكراني 18 هجوماً روسياً على الجبهة. وأشارت إلى ستوبوتشكي في الأسبوع الماضي كجزء من منطقة تتعرض لهجوم روسي. ومنذ أشهر، تتحدث أوكرانيا عن محاولات من جانب القوات الروسية احتلال مناطق في منطقة سومي، لكنها لم تعترف مطلقا بالاستيلاء على أي منها. ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق على نحو مستقل من أنباء ساحة المعركة من أي من الجانبين.


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
القضاء الفرنسي يمنع مؤسس "تيليغرام" من السفر إلى النرويج
رفضت السلطات الفرنسية طلب مؤسس تطبيق "تيليغرام" بافل دوروف للسفر إلى النرويج لحضور مؤتمر حقوقي، وفق ما أعلن منظمو الفعالية، أمس السبت. واعتقل دوروف البالغ 40 سنة في باريس عام 2024 ويخضع لتحقيق رسمي بشأن محتوى غير قانوني على تطبيقه الشهير للتراسل. وكان من المقرر أن يلقي دوروف، الثلاثاء الماضي، كلمة في "منتدى أوسلو للحرية" السنوي حول حرية التعبير والمراقبة والحقوق الرقمية. لكن "مؤسسة حقوق الإنسان" التي تنظم المؤتمر قالت إن محكمة فرنسية منعته من السفر شخصياً، مضيفة أنه سيلقي كلمته افتراضياً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال ثور هالفورسن، مؤسس ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الحقوقية "من المؤسف أن تمنع المحاكم الفرنسية السيد دوروف من المشاركة في حدث تشتد فيه الحاجة إلى صوته". أضاف، "تعد تقنيات مثل تيليغرام أدوات أساسية لمن يقاومون الاستبداد. هذا أكثر من مجرد خيبة أمل لمجتمعنا، إنه انتكاسة للحرية". في مارس (آذار) الماضي، سُمح لدوروف بمغادرة فرنسا والسفر إلى دبي حيث مقر شركته. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، مُنع من السفر إلى الولايات المتحدة للتحدث مع صناديق استثمار. ومنذ اعتقاله، بدا دوروف وكأنه يستجيب لمطالب باريس ببذل جهود أكبر لضمان عدم نشر محتوى غير قانوني على "تيليغرام" مثل إساءة معاملة الأطفال وتجارة المخدرات. لكن دوروف زعم أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي طلب منه حظر الحسابات الموالية لروسيا من المنصة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في رومانيا، لكن الجهاز نفى هذه الادعاءات.