
الكرملين يضع شرط السلام.. هل يتنازل الناتو عن 'وعد بوخارست'؟
في تطور جديد قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة من الصراع في ، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو، أن إلغاء قرار قمة «» في بوخارست عام 2008 بشأن انضمام أوكرانيا إلى الحلف، قد يُمثل أحد الضمانات الأساسية التي تطالب بها موسكو لضمان أمنها القومي.
وقال غروشكو، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية، إن بلاده تطالب بضمانات قانونية دولية ثابتة بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، موضحًا أن هذا يتطلب بشكل مباشر 'إلغاء قرار قمة بوخارست الذي تحدث عن عضوية أوكرانيا المستقبلية'.
وكانت قمة «الناتو» التي عقدت في العاصمة الرومانية بوخارست في أبريل 2008، قد شهدت نقاشًا واسعًا بشأن إمكانية انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف.
ورغم ترحيب الدول الأعضاء بتطلعات كييف وتبليسي للانضمام، إلا أن معارضة بعض العواصم الغربية، وعلى رأسها برلين وباريس، حالت دون منح الدولتين خطة عمل واضحة للعضوية، ما أدى فعليًّا إلى تأجيل انضمامهما إلى أجل غير مسمى.
وتأتي تصريحات غروشكو في توقيت بالغ الحساسية، في ظل الجمود الذي يخيّم على مسارات التسوية في أوكرانيا، ووسط مؤشرات متزايدة على رغبة موسكو في تحريك الملف السياسي عبر شروط مباشرة تتعلق ببنية الأمن الأوروبي.
وبينما تواصل روسيا التأكيد على خطورة تمدد «الناتو» شرقًا، يبرز قرار «بوخارست» كإحدى النقاط الجوهرية التي تراها موسكو سببًا مباشرًا في اندلاع الصراع، ومعها تساؤل مهم: هل يكون التخلي عن وعد «بوخارست» ثمنًا للسلام؟
وعد بوخارست
وفي هذا الإطار، قال مدير مركز «جي إس إم» للأبحاث والدراسات الدكتور آصف ملحم، إن إلغاء ما يُعرف بوعد «بوخارست» – القرار الصادر عن قمة الناتو عام 2008، والذي وعد أوكرانيا وجورجيا بالانضمام إلى الحلف – يُعد أحد المطالب الرئيسية التي تطرحها روسيا حاليًّا، مؤكدًا أن هذا الوعد لم يُنفّذ فعليًّا منذ صدوره.
وأضاف ملحم، في حديث لـ«إرم نيوز»، أن أوكرانيا كانت تأمل حينها في رسم خطة عمل تؤدي إلى العضوية الكاملة في الناتو، أسوة في جورجيا، إلا أن أي خطوات عملية لم تُتخذ منذ ذلك الحين.
وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعاد طرح هذا الملف خلال قمتي الناتو في عامي 2022 و2023، حيث تم توقيع إعلان حول تقديم ضمانات أمنية لكييف، كما تم إنشاء مجلس «أوكرانيا – الناتو»، لكن هذه الخطوات لم تُترجم إلى تقدم ملموس.
وأوضح مدير مركز «جي إس إم» للأبحاث والدراسات، أن الملف عاد إلى الواجهة بعد تصريحات ألكسندر غروشكو، نائب وزير الخارجية الروسي، الذي قال: «نسعى إلى الحصول على ضمانات قانونية دولية قاطعة لعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي».
أوسيتيا الجنوبية والوعود الروسية
ولفت إلى أن جورجيا التي ورد اسمها أيضًا في وعد «بوخارست» تحاول حاليًّا التوصل إلى تفاهمات مع موسكو بطرق سلمية، بعيدًا عن التصعيد العسكري، مشيرًا إلى وجود وعود روسية بإعادة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إلى السيادة الجورجية، ما يعكس تحولًا في المقاربة الروسية تجاه هذا الملف.
وتابع ملحم: «هناك رأي يلقى رواجًا متزايدًا داخل أوكرانيا، يتساءل عن جدوى استمرار الحرب، ويدعو إلى وقف القتال والدخول في مفاوضات مع روسيا»، مضيفًا أن الاعتراف بسيادة روسيا على المناطق التي تصر موسكو على ضمها يتطلب توافقًا دوليًّا وتوثيقًا رسميًّا في الأمم المتحدة، وهو ما يجعل الأمر بالغ التعقيد.
ورأى ملحم، أن الحل الواقعي من وجهة نظر بعض الأوساط هو ترك هذه المناطق مؤقتًا تحت السيطرة الروسية، وتأجيل البت في مصيرها السياسي إلى المستقبل، ربما بعد تغيير القيادة السياسية في أوكرانيا.
وأضاف أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير؛ فالدستور الأوكراني يتضمن نصوصًا تؤكد على الانتماء الأوروبي والسعي إلى الانضمام للناتو، فضلًا عن قوانين تمجد بعض رموز النازية، ما يعقد أي تغيير سياسي أو دستوري في ظل استمرار الحرب.
تصويت البرلمان الأوكراني
وأكد ملحم أن تعديل الدستور لإلغاء بند الانضمام إلى الناتو يتطلب إجراءات قانونية معقدة لا يمكن تنفيذها أثناء الحرب، كما لا يوجد ما يضمن تصويت البرلمان الأوكراني «الرادا» لصالح هذا التغيير، وهو ما يجعل مسار التفاوض مع روسيا بالغ الصعوبة، وقد يستغرق سنوات.
وأشار إلى أنه إذا طُرح هذا المسار دون توافق داخلي وخارجي، فإن تحقيق السلام في أوكرانيا سيظل بعيد المنال، ولن يكون ممكنًا في المدى القريب.
من جهته، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية أكد سمير أيوب، أن موقف روسيا من الصراع مع حلف الناتو في الساحة الأوكرانية واضح منذ البداية، مشيرًا إلى أن موسكو طالبت مرارًا بمنع انضمام أوكرانيا إلى الحلف، وهو مطلب أُثير منذ قمة بوخارست حين طُرح ملف العضوية.
وأضاف أيوب، في حديث لـ«إرم نيوز»، أن الجيش الأوكراني يمر حاليًا بأحد أسوأ مراحله، مشيرًا إلى ما جرى في قمة لاهاي، حيث ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلمته قبل وصول الرئيس ترامب، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على تجاهل قادة الحلف لما يقوله زيلينسكي، الذي يواصل طلب الدعم المالي والعسكري.
تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي
وأكد أن الولايات المتحدة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، لا تبدي أي نية لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي، موضحًا أن المنظومات التي استخدمتها إسرائيل لم تنجح في صد الضربات الإيرانية.
وتابع الخبير في الشؤون الروسية: «تزويد أوكرانيا بهذه الأنظمة يكلف الناتو كثيرًا من معداته ومنظوماته الدفاعية، والحلف غير مستعد للتضحية بكميات كبيرة منها أو تقديم دعم مستمر، ما يجعل نتائج اجتماع الناتو الأخير أشبه ببداية نهاية زيلينسكي، لا بداية دعم جديد له».
وأشار إلى أن روسيا تشعر اليوم بارتياح أكبر من أي وقت مضى، بعد فشل السياسات الأمريكية والإسرائيلية في التعامل مع إيران وروسيا معًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لم تعد تعطي اهتمامًا كبيرًا لما يجري في أوكرانيا، في حين تعاني القوى الأوروبية من ارتباك واضح ولم تعد قادرة حتى على لعب دور الوسيط، سواء في الملف الإيراني أو الأوكراني.
وشدد على أن الحديث عن منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو كثمن للسلام «ليس واقعيًّا»؛ لأن روسيا لا تساوم على أمنها القومي، مشيرًا إلى أن هذه المطالب قُدمت مبكرًا ورُفضت، لكنها اليوم أكثر تمسكًا بها من أي وقت مضى.
وقال أيوب، إن استمرار كييف في رفض الاستجابة للمطالب الروسية، التي طُرحت خلال مفاوضات إسطنبول، يعرقل أي إمكانية لتحقيق تسوية، مؤكدًا أن ذلك لا يخدم المصالح الأوروبية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
حرب الاثني عشر!
أما وقد وضعت الحرب أوزارها بحسب ترمب، فإن العُقبى لقدرته على تحويل الهدنة إلى سلام، لا بد أن يبدأ من غزة. اللافت ليس مدة الحرب، بل تسميتها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. سماها «حرب الاثني عشر يوما» وكأنها ضعف ما عرف في الغرب ب «حرب الأيام الستة»، المعروفة عربيا ب «نكسة» حزيران. «نكسة» لأن نظامي دمشق والقاهرة «الثوريين التقدميين» لم يسقطا! بين عامي 1967 و2025 الكثير، وأهمه إيرانيا، ما جرى قبل ستة وأربعين عاما، والذي يعتبره معارضو نظام «ولاية الفقيه» كارثة حلت في بلاد «فارس» وتلك تسمية عادت لتطرح نفسها في وسائل إعلام معادية لإيران في أمريكا وفرنسا على نحو خاص، حيث تتشكل أبرز ملامح البديل في حال تراجع ترمب عن تمسكه برفض شعار تغييرِ النظام أو تراجعه -وقد تم- عن السماح بتغييرٍ في النظام الإيراني إن نكصت إيران -وضامنتها روسيا- عما يعتقد أنه الاتفاق الذي أوقف الحرب -وبمشاركة الصين- في إقناع طهران بأن الأولوية لبقاء النظام بلا برنامج تسليحي نووي وبدون أي تخصيب داخل البلاد لليورانيوم. تزامن إعلان الهدنة والتزام إسرائيل وإيران بها قبل مغادرة ترمب بلاده الثلاثاء للمشاركة في أعمال قمة الناتو، يفيد بتحقق أمرين: تطبيق شعار «السلام عبر القوة» واعتماد الشراكة الاقتصادية الاستثمارية سبيلا لحفظ السلام بحيث يرى الناس وليس فقط الحكومات البديل عن لغة التهديد والتحريض والإقصاء والعنف. إيران وافقت -بحسب ترمب- على أن تصبح «دولة تجارية»! بذلك يؤمن ترمب بأن «مطرقة منتصف الليل» -العملية الخاطفة المباغتة التي قضت على البرنامج النووي الإيراني أو أجلته لبضعة أشهر بحسب بعض التقديرات- يؤمن أن تلك «المطرقة» مدماك في بناء السلام، فيما يرى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أنه بالاختراق الاستخباري والسيبراني والضربات الاجتراحية في العمق الإيراني، صار أقرب إلى القبول -شعبيا وحتى في داخل الليكود والمتحالفين معه في الائتلاف الحكومي وفي الكنيست الحالي، القبول بضغوطات ليس باتجاه إنهاء حرب غزة فقط من خلال صفقة تبادلية نهائية، بل والرضوخ لمطالب أمريكا وحلفائها العرب والأوروبيين بضرورة توفير حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بكل دوائره المتقاطعة، عربيا وإسلاميا وأمميا، ومؤخرا أمريكيا وغريبا. خلافا لما تمناها البعض، أتت الحرب خاطفة وصواريخ «بشائر الفتح» الإيرانية التي اخترقت سيادة الشقيقتين قطر والعراق، ما كانت سوى جزء من ترتيبات مسبقة سيتم كشف أو انكشاف الكثير منها مع عودة الأضواء من جديد للقضية المركزية والمأساة الجارية في غزة، وعلى حدودها منذ كارثة السابع من أكتوبر 2023. سقطت الدعاية الإيرانية وانهارت مصداقية نظام كان يتحدث عن فلسطين والقدس والمظلومية العالمية، واتضح أن ما يحكم صناع القرار الإيراني، إصلاحيين ومحافظين ومتشددين، مدنيين وعسكريين، هو مصالح الوطن والدولة وليس فقط النظام، نظام الثورة الإسلامية في إيران! والعزاء كل العزاء، لمن عاش أوهام ما قبل «طوفان الأقصى» وبعده، وما قبل حرو ب «النظم التقدمية والثورية» العربية وبعدها. كل أسلحة الدمار الشامل المزعومة أو الحقيقية التي تم صرف المليارات عليها في عدة دول شرق أوسطية، وكل الدماء والكرامات التي تمت استباحتها على مدى عقود، تعيد في أيامنا هذه وترد الاعتبار للدولة الوطنية ولمؤسسات الدولة الراسخة، المنبثقة من تاريخها الأصيل، لا المفروضة أو الهجينة، من نتائج الحربين العالميتين والحرب الباردة وسنوات «الفوضى الخلاقة والربيع العربي» الدامية الهدّامة. ثمة أمل ورجاء في صحوة تعقبها نهضة تعيد الأمور إلى أصولها، ثوابت الوطن والأسرة والإيمان الحقيقي بالله بعيداً عن مدعي وأدعياء احتكار الحقيقة والفضيلة باسم «القضية»..


جفرا نيوز
منذ 4 ساعات
- جفرا نيوز
روته: قرارات قمة الناتو "تاريخية" تؤسس لتحالف "أقوى وأكثر عدلا"
جفرا نيوز - أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، في مؤتمر صحفي ختامي عقده عقب انتهاء الجلسات الرسمية لقمة الناتو في لاهاي، أن القادة المشاركين توصلوا إلى قرارات "تاريخية" تؤسس لتحالف "أقوى وأكثر عدلاً وأشد فتكاً". وكشف روته أن القمة أقرّت "خطة لاهاي للاستثمار الدفاعي"، التي تلزم الدول الأعضاء باستثمار 5% من ناتجها المحلي الإجمالي في قطاع الدفاع، منها 3.5% لنفقات الدفاع الأساسية، و1.5% لاستثمارات داعمة كالأمن السيبراني والصناعات الدفاعية، ما وصفه بـ"قفزة نوعية" في قدرات الحلف. وأضاف أن جميع الدول الأعضاء باتت قادرة على تحقيق الهدف القديم البالغ 2%، وأن التحول نحو هدف 3.5% أصبح واقعيًا هذا العام. واعتبر أن هذه الخطوة جاءت استجابة للتهديدات طويلة الأمد، وعلى رأسها روسيا، بالإضافة إلى تنامي التهديدات الصينية والكورية الشمالية والإيرانية. وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، أكد روته أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدّد التزام بلاده بالناتو وبالمادة الخامسة، لكنه طالب الأوروبيين بتحمل مسؤولية أكبر. وقال روته: "ما نشهده الآن هو تصحيح لمسار تاريخي دام أكثر من 60 عامًا من عدم التوازن في تقاسم الأعباء". وفيما يتعلق بدعم أوكرانيا، أعلن روته أن الحلفاء الأوروبيين وكندا قدموا أكثر من 35 مليار يورو لأوكرانيا منذ بداية العام، مع توقعات بأن يتجاوز الرقم 50 مليارًا مع نهاية 2025، مؤكدا أن الحلف يسعى لضمان صمود أوكرانيا اليوم، وتحصينها ضد أي تهديد مستقبلي من روسيا، سواء في ظل وقف إطلاق نار أو اتفاق سلام دائم. ورداً على أسئلة الصحفيين، دافع روته عن الضربات الأميركية الأخيرة على منشآت نووية في إيران، واصفاً إياها بـ"العملية الدقيقة والمبررة"، مشيدًا بقدرة الولايات المتحدة على تنفيذ عمليات استراتيجية معقدة بهذا المستوى. وشدد روته على أن روسيا لا تمثل تهديداً طويل الأمد فقط، بل أيضاً تهديداً فوريًا، مشيرًا إلى توسيع موسكو بنيتها العسكرية قرب الحدود الفنلندية، وتحذيرات مسؤولين عسكريين أوروبيين من احتمال أن تصبح روسيا قادرة على تهديد الناتو خلال ثلاث إلى خمس سنوات. وبشأن غياب ذكر منطقة البلقان عن البيان الختامي، أوضح روته أن ذلك لا يعني تراجع الأهمية، بل إن البيان ركز على ثلاث قضايا رئيسية: الإنتاج العسكري، وزيادة الإنفاق الدفاعي، ودعم أوكرانيا. وفي ختام المؤتمر، وجه روته رسالة إلى الأطفال والشباب الذين حضروا القمة كمراسلين شبان، قائلاً: "أفضل طريقة لحماية مستقبلكم هي أن نكون مستعدين وقادرين على الدفاع عن أنفسنا".


رؤيا نيوز
منذ 5 ساعات
- رؤيا نيوز
الكرملين يضع شرط السلام.. هل يتنازل الناتو عن 'وعد بوخارست'؟
في تطور جديد قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة من الصراع في ، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو، أن إلغاء قرار قمة «» في بوخارست عام 2008 بشأن انضمام أوكرانيا إلى الحلف، قد يُمثل أحد الضمانات الأساسية التي تطالب بها موسكو لضمان أمنها القومي. وقال غروشكو، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية، إن بلاده تطالب بضمانات قانونية دولية ثابتة بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، موضحًا أن هذا يتطلب بشكل مباشر 'إلغاء قرار قمة بوخارست الذي تحدث عن عضوية أوكرانيا المستقبلية'. وكانت قمة «الناتو» التي عقدت في العاصمة الرومانية بوخارست في أبريل 2008، قد شهدت نقاشًا واسعًا بشأن إمكانية انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف. ورغم ترحيب الدول الأعضاء بتطلعات كييف وتبليسي للانضمام، إلا أن معارضة بعض العواصم الغربية، وعلى رأسها برلين وباريس، حالت دون منح الدولتين خطة عمل واضحة للعضوية، ما أدى فعليًّا إلى تأجيل انضمامهما إلى أجل غير مسمى. وتأتي تصريحات غروشكو في توقيت بالغ الحساسية، في ظل الجمود الذي يخيّم على مسارات التسوية في أوكرانيا، ووسط مؤشرات متزايدة على رغبة موسكو في تحريك الملف السياسي عبر شروط مباشرة تتعلق ببنية الأمن الأوروبي. وبينما تواصل روسيا التأكيد على خطورة تمدد «الناتو» شرقًا، يبرز قرار «بوخارست» كإحدى النقاط الجوهرية التي تراها موسكو سببًا مباشرًا في اندلاع الصراع، ومعها تساؤل مهم: هل يكون التخلي عن وعد «بوخارست» ثمنًا للسلام؟ وعد بوخارست وفي هذا الإطار، قال مدير مركز «جي إس إم» للأبحاث والدراسات الدكتور آصف ملحم، إن إلغاء ما يُعرف بوعد «بوخارست» – القرار الصادر عن قمة الناتو عام 2008، والذي وعد أوكرانيا وجورجيا بالانضمام إلى الحلف – يُعد أحد المطالب الرئيسية التي تطرحها روسيا حاليًّا، مؤكدًا أن هذا الوعد لم يُنفّذ فعليًّا منذ صدوره. وأضاف ملحم، في حديث لـ«إرم نيوز»، أن أوكرانيا كانت تأمل حينها في رسم خطة عمل تؤدي إلى العضوية الكاملة في الناتو، أسوة في جورجيا، إلا أن أي خطوات عملية لم تُتخذ منذ ذلك الحين. وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعاد طرح هذا الملف خلال قمتي الناتو في عامي 2022 و2023، حيث تم توقيع إعلان حول تقديم ضمانات أمنية لكييف، كما تم إنشاء مجلس «أوكرانيا – الناتو»، لكن هذه الخطوات لم تُترجم إلى تقدم ملموس. وأوضح مدير مركز «جي إس إم» للأبحاث والدراسات، أن الملف عاد إلى الواجهة بعد تصريحات ألكسندر غروشكو، نائب وزير الخارجية الروسي، الذي قال: «نسعى إلى الحصول على ضمانات قانونية دولية قاطعة لعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي». أوسيتيا الجنوبية والوعود الروسية ولفت إلى أن جورجيا التي ورد اسمها أيضًا في وعد «بوخارست» تحاول حاليًّا التوصل إلى تفاهمات مع موسكو بطرق سلمية، بعيدًا عن التصعيد العسكري، مشيرًا إلى وجود وعود روسية بإعادة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إلى السيادة الجورجية، ما يعكس تحولًا في المقاربة الروسية تجاه هذا الملف. وتابع ملحم: «هناك رأي يلقى رواجًا متزايدًا داخل أوكرانيا، يتساءل عن جدوى استمرار الحرب، ويدعو إلى وقف القتال والدخول في مفاوضات مع روسيا»، مضيفًا أن الاعتراف بسيادة روسيا على المناطق التي تصر موسكو على ضمها يتطلب توافقًا دوليًّا وتوثيقًا رسميًّا في الأمم المتحدة، وهو ما يجعل الأمر بالغ التعقيد. ورأى ملحم، أن الحل الواقعي من وجهة نظر بعض الأوساط هو ترك هذه المناطق مؤقتًا تحت السيطرة الروسية، وتأجيل البت في مصيرها السياسي إلى المستقبل، ربما بعد تغيير القيادة السياسية في أوكرانيا. وأضاف أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير؛ فالدستور الأوكراني يتضمن نصوصًا تؤكد على الانتماء الأوروبي والسعي إلى الانضمام للناتو، فضلًا عن قوانين تمجد بعض رموز النازية، ما يعقد أي تغيير سياسي أو دستوري في ظل استمرار الحرب. تصويت البرلمان الأوكراني وأكد ملحم أن تعديل الدستور لإلغاء بند الانضمام إلى الناتو يتطلب إجراءات قانونية معقدة لا يمكن تنفيذها أثناء الحرب، كما لا يوجد ما يضمن تصويت البرلمان الأوكراني «الرادا» لصالح هذا التغيير، وهو ما يجعل مسار التفاوض مع روسيا بالغ الصعوبة، وقد يستغرق سنوات. وأشار إلى أنه إذا طُرح هذا المسار دون توافق داخلي وخارجي، فإن تحقيق السلام في أوكرانيا سيظل بعيد المنال، ولن يكون ممكنًا في المدى القريب. من جهته، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية أكد سمير أيوب، أن موقف روسيا من الصراع مع حلف الناتو في الساحة الأوكرانية واضح منذ البداية، مشيرًا إلى أن موسكو طالبت مرارًا بمنع انضمام أوكرانيا إلى الحلف، وهو مطلب أُثير منذ قمة بوخارست حين طُرح ملف العضوية. وأضاف أيوب، في حديث لـ«إرم نيوز»، أن الجيش الأوكراني يمر حاليًا بأحد أسوأ مراحله، مشيرًا إلى ما جرى في قمة لاهاي، حيث ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلمته قبل وصول الرئيس ترامب، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على تجاهل قادة الحلف لما يقوله زيلينسكي، الذي يواصل طلب الدعم المالي والعسكري. تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي وأكد أن الولايات المتحدة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، لا تبدي أي نية لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي، موضحًا أن المنظومات التي استخدمتها إسرائيل لم تنجح في صد الضربات الإيرانية. وتابع الخبير في الشؤون الروسية: «تزويد أوكرانيا بهذه الأنظمة يكلف الناتو كثيرًا من معداته ومنظوماته الدفاعية، والحلف غير مستعد للتضحية بكميات كبيرة منها أو تقديم دعم مستمر، ما يجعل نتائج اجتماع الناتو الأخير أشبه ببداية نهاية زيلينسكي، لا بداية دعم جديد له». وأشار إلى أن روسيا تشعر اليوم بارتياح أكبر من أي وقت مضى، بعد فشل السياسات الأمريكية والإسرائيلية في التعامل مع إيران وروسيا معًا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لم تعد تعطي اهتمامًا كبيرًا لما يجري في أوكرانيا، في حين تعاني القوى الأوروبية من ارتباك واضح ولم تعد قادرة حتى على لعب دور الوسيط، سواء في الملف الإيراني أو الأوكراني. وشدد على أن الحديث عن منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو كثمن للسلام «ليس واقعيًّا»؛ لأن روسيا لا تساوم على أمنها القومي، مشيرًا إلى أن هذه المطالب قُدمت مبكرًا ورُفضت، لكنها اليوم أكثر تمسكًا بها من أي وقت مضى. وقال أيوب، إن استمرار كييف في رفض الاستجابة للمطالب الروسية، التي طُرحت خلال مفاوضات إسطنبول، يعرقل أي إمكانية لتحقيق تسوية، مؤكدًا أن ذلك لا يخدم المصالح الأوروبية.