logo
لماذا يطالب "الناتو" بمضاعفة الإنفاق العسكري

لماذا يطالب "الناتو" بمضاعفة الإنفاق العسكري

Independent عربيةمنذ يوم واحد

أثارت دعوة الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي (الناتو) مارك روته إلى زيادة كبيرة في قدرات الدفاع الجوي والصاروخي تصل إلى 400 في المئة، ومطلبه بزيادة الإنفاق الدفاعي بين مختلف أعضاء الحلف إلى مستوى خمسة في المئة [من الناتج المحلي]، موجة من التحذيرات والانتقادات الصاخبة.
ولكن العودة لمستويات الحرب الباردة في الإنفاق الدفاعي ليست مجرد نداء هستيري من أحد أتباع المجتمع العسكري الصناعي.
ويعتبر هذا النداء بمثابة إقرار مؤسف بأن مكاسب السلام التي رافقت انهيار الاتحاد السوفياتي هي فرصة ضائعة أهدرها الغرب في حرب لا جدوى منها في أفغانستان وصراع إجرامي دموي في العراق، وهو ما أدى إلى توسيع قائمة الشعوب التي لديها سبب وجيه لكره الديمقراطية.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن القائمة كانت متسعة بالفعل، فلاديمير بوتين واحد من بين هؤلاء، إضافة إلى شي جينبينغ، بينما يسارع دونالد ترمب إلى الانضمام لهذه المجموعة. الاستبداد آخذ في الازدياد حول العالم، بينما الديمقراطيات غارقة في حالة من التهاون واللامبالاة.
وقال روته "الأمن لا يتحقق بالتمني"، داعياً إلى أن يصبح "الناتو" "تحالفاً أقوى، وأكثر عدلاً، وأشد فتكاً".
وأضاف "الحقيقة أننا بحاجة إلى قفزة نوعية في دفاعنا الجماعي، والحقيقة أننا نحتاج إلى مزيد من القوات والقدرات لتنفيذ خططنا الدفاعية بالكامل، والحقيقة أن الخطر لن يزول حتى بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا".
إنه على صواب بالتأكيد، ولكنه الأمين العام لتحالف عسكري، وهو يطالب بمزيد من الأموال، لأنه يرغب في عودة تلك الأيام التي كان فيها "الدمار المتبادل المؤكد" السيف المسلط فوق رؤوس الجميع.
ففي الأيام السوداء، كانت الحرب النووية هي توازن الرعب الذي حافظ على السلام بين القوى العظمى، وواصلت تلك الدول تنافسها عبر وكلائها، غالباً في أفريقيا. فقد شهدت موزمبيق وأنغولا وإثيوبيا، ذات الأنظمة الماركسية، حروباً أهلية استمرت لعقود من الزمن، في حين خاض المتمردون المدعومون من الغرب معارك ضد الحكومات المدعومة من موسكو من ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي.
وفي بعض الأحيان، كما حصل في فيتنام وكوريا، أرسل الغرب قواته للمشاركة في الحرب ولكن بصورة ساحقة، كانت المعاناة الناجمة عن الانقسام الأيديولوجي الذي قسم العالم موجودة في ما عرف آنذاك بالعالم الثالث.
أما في أميركا الجنوبية، فأطاحت انقلابات مدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إي" بقادة رأت واشنطن – سواء في عهد الجمهوريين أم الديمقراطيين – أنهم يميلون أكثر من اللازم نحو الشيوعية، في ظل الهوس السياسي المبالغ بالخطر الشيوعي، وبلغ هذا التوتر ذروته عندما كاد الصدام بين كينيدي وخروتشوف أن يشعل حرباً عالمية ثالثة خلال أزمة الصواريخ الكوبية.
ولكن تفوق الغرب على الاتحاد السوفياتي في قدرات الإنفاق هو الذي أدى إلى سقوط الستار الحديدي، وأفول نجم الإمبراطورية السوفياتية.
لقد أنفق السوفيات بين 10 و20 في المئة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، بينما كان "الناتو" ينفق نصف هذه النسبة، واعتمدت موسكو على أسعار النفط المرتفعة لتحقيق رفاهها الاقتصادي، بينما أدى التنظيم الجماعي في سياساتها الزراعية والصناعية إلى خنق الابتكار والقضاء عليه. وعندما انهار سعر النفط من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 30 دولاراً في ثمانينيات القرن الماضي، أصبحت الحاجة الاجتماعية والسياسية إلى الإصلاح ملحة.
وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تشير التقديرات إلى أن روسيا تنفق ما لا يقل عن 7.2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الجيش، ولكن هذا لا يشمل مدفوعات الرعاية الاجتماعية أو تكاليف إدارة الأراضي المحتلة في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، تمثل أحد الخيارات الزهيدة التي لجأ إليها بوتين لتشتيت انتباه الغرب في تشجيع الشركات العسكرية الخاصة شبه المستقلة على العمل في شمال أفريقيا، تماماً مثل وكلاء الحرب الباردة. وقامت مجموعات على غرار "فاغنر" بتوسيع عملياتها في مالي والنيجر من الساحل إلى الخرطوم، مشتتة بذلك الموارد والانتباه عن أوكرانيا.
ولكن في أوروبا، لا يبدو أن "الناتو" بوسعه مضاهاة روسيا، بحسب ما قاله روته، الذي أضاف "جيوش التحالف بحاجة إلى آلاف المركبات المدرعة والدبابات الإضافية، فضلاً عن ملايين القذائف المدفعية. كما نحتاج إلى مضاعفة قدراتنا الداعمة، مثل اللوجستيات والإمداد والنقل والدعم الطبي".
تجدر الإشارة إلى أن خفض الإنفاق العسكري بعد انتهاء الحرب الباردة ارتكز على فرضية أن روسيا ستتبنى أسلوب حياة يحاكي النمط الغربي.
بيد أنه سرعان ما سقطت البلاد في حالة فوضى تحكمها العصابات، ويرى كثيرون هناك أن فلاديمير بوتين أنقذها عبر نظام حكم أوليغارشي قائم على الفساد والقمع، قائم على القمع والخوف على النمط السوفياتي والعداء المتجذر "للغرب".
لعل فكرة أن حلف شمال الأطلسي لديه مطامع بروسيا هي مجرد أسطورة دارجة في موسكو، ولكنها منتشرة على نطاق واسع في مملكة بوتين.
أما الاعتقاد السائد في الغرب بأن الديمقراطية ستكون دائماً في مأمن، فهو وهم لا يقل خطورة، وفق ما أشار إليه روته، الذي قال مضيفاً "التمني لن يحفظ أمننا، لا يمكننا أن نحلم بانقشاع الخطر، الأمل ليس استراتيجية، لذلك يجب أن يصبح الناتو تحالفاً أقوى وأكثر عدلاً وأشد فتكاً".
وفي المملكة المتحدة، تعهد رئيس الوزراء سير كير ستارمر بإنفاق 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع اعتباراً من أبريل (نيسان) 2027، مع خطط لزيادة هذه النسبة إلى ثلاثة في المئة خلال البرلمان المقبل، وهو جدول زمني قد يمتد إلى عام 2034.
ولكن وفقاً للأمين العام لحلف "الناتو"، فإن هذا أقل بكثير مما هو مطلوب.
وفي سياق متصل، تأتي زيارة روته إلى المملكة المتحدة بعد أن اقترح على الدول الأعضاء في الحلف إنفاق خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع كجزء من خطة استثمارية معززة للتحالف.
ويتطلب بلوغ هذا الهدف من الدول رفع الإنفاق الدفاعي الأساسي إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على أن تتكون النسبة المتبقية البالغة 1.5 في المئة من "النفقات المرتبطة بالدفاع".
ومن المرتقب أن يجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي في وقت لاحق من هذا الشهر، لمناقشة هدف الإنفاق البالغ خمسة في المئة بحلول عام 2035، ومن المتوقع أن يتفق القادة المجتمعون جميعاً على ضرورة إنفاق مزيد في هذا الإطار.
قلة من هؤلاء القادة، إن وجدوا، سيعرفون كيفية إقناع ناخبيهم بهذه الفكرة.
ولكن، كما حذر روته، " إذا لم نقدم على ذلك فالأجدر بكم أن تبدأوا بتعلم اللغة الروسية".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل تعيد الضربات الإسرائيلية لإيران سيناريو نفط الـ100 دولار؟
هل تعيد الضربات الإسرائيلية لإيران سيناريو نفط الـ100 دولار؟

Independent عربية

timeمنذ 7 ساعات

  • Independent عربية

هل تعيد الضربات الإسرائيلية لإيران سيناريو نفط الـ100 دولار؟

في مشهد جيوسياسي بالغ التوتر، تدفع التطورات العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران أسعار النفط العالمية نحو قفزات حادة، مستحضرةً شبح صدمات الطاقة التي هزت الأسواق في عقود سابقة. هذا التصعيد غير المسبوق يثير تساؤلات ملحة حول عمق تأثيره في أسواق النفط، ومسار أسعار الخام، ومستقبل "علاوة الأخطار" في المدى القصير، وهل يمكن أن تتجاوز الأسعار عتبة الـ100 دولار للبرميل؟ وفي المقابل، وفي ظل التقارير التي تؤكد عدم تضرر منشآت التكرير وتخزين النفط الإيرانية، كيف يمكن لهذا العامل أن يخفف من وطأة الصدمة على السوق النفطية العالمية؟ خلفيات الأزمة وتداعياتها على الأسواق تأتي هذه الأحداث الدراماتيكية في وقت كانت فيه الأسواق بدأت تستوعب تقرير وكالة الطاقة الدولية "مراجعة الطاقة العالمية 2025"، الذي أشار إلى تباطؤ متوقع في نمو الطلب على النفط مدفوعاً بالتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية، إلا أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت موقع "نطنز" النووي ومنشآت عسكرية أخرى في إيران، قلبت هذه التوقعات رأساً على عقب، معيدةً سيناريوهات نقص المعروض وارتفاع الأسعار إلى الواجهة بقوة. هذه الضربة التي وصفها محللون بأنها "تحويل للأزمة الإيرانية من مجرد ملف سياسي إلى صراع مباشر"، دفعت أسعار النفط اليوم لترتفع بنسب تراوح ما بين سبعة و13 في المئة، مسجلةً بذلك أكبر صعود يومي منذ مارس (آذار) 2022، ونتيجة لذلك، تجاوز سعر خام برنت مستويات 78 دولاراً للبرميل، بينما صعد خام غرب تكساس الوسيط إلى ما فوق 73 دولاراً. تحذيرات دولية وتصريحات لافتة تتزامن هذه التطورات مع تحذيرات دولية وتصريحات لافتة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي كشف اليوم أن الإدارة الأميركية كانت على علم سابق بالضربات الإسرائيلية على إيران، مؤكداً في الوقت ذاته عدم تورط واشنطن المباشر. وحذر ترمب طهران من تطوير برنامجها النووي بقوله، "لن نسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي... لكننا لا نريد حرباً جديدة في الشرق الأوسط". هذه التصريحات تزيد من تعقيد المشهد، مظهرةً أن واشنطن تتابع عن كثب، لكنها تحاول تجنب الانخراط المباشر في صراع قد تكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي. تاريخياً، يُعد الملف الإيراني أحد أكثر الملفات تعقيداً في السياسة الدولية، إذ تتشابك فيه المخاوف النووية مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية. صدمة لحظية أم نزاع مفتوح؟ أجمع محللون في أسواق الطاقة والنفط، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، على أن الضربات الإسرائيلية المفاجئة شكّلت "صدمة لحظية" للأسواق، إذ أثارت المخاوف من أن يتحول التوتر القائم إلى نزاع مفتوح في واحدة من أكثر المناطق تأثيراً في صناعة الطاقة العالمية، وأكد الخبراء أن مسار أسعار النفط في الفترة المقبلة سيتحدد بناءً على ثلاثة عوامل رئيسة: طبيعة الرد الإيراني المحتمل، وموقف القوى الدولية، ومدى استمرار العمليات العسكرية في المدى القريب والمتوسط. وأشار المحللون إلى أن القفزة الحادة في الأسعار تعكس في المقام الأول "علاوة أخطار" مرتبطة بعدم اليقين الجيوسياسي، التي قد تبقى مرتفعة ما دامت التوترات قائمة، هذه العلاوة هي ثمن يدفعه مشترو النفط للتأمين ضد اضطرابات محتملة في الإمدادات. ولفتوا إلى أنه كلما زاد الخطر الجيوسياسي، زادت علاوة الأخطار، مما يدفع الأسعار للارتفاع حتى في غياب نقص فعلي في الإمدادات. وفيما يمثل عدم تعرض منشآت التكرير وتخزين النفط الإيرانية للضرر عاملاً تخفيفياً مهماً، يرى المحللون أن الضرر المباشر للبنية التحتية النفطية الإيرانية كان سيؤدي إلى انخفاض فوري في المعروض، مما كان سيدفع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير وبسرعة أكبر. وأكدوا على أن هذا يعني أن الارتفاع الحالي هو رد فعل على الأخطار المستقبلية المحتملة وليس على نقص فعلي في الإمدادات حتى الآن، مما يمنح السوق بعض المرونة، بعبارة أخرى، السوق لا يتعامل حالياً مع خسارة فعلية في المعروض من النفط، بل مع احتمال حدوثها، مما يحد من حجم الارتفاع الجنوني الذي كان يمكن أن يحدث لو استهدفت المنشآت النفطية مباشرة. هجمات متبادلة يرى المتخصص في الشؤون النفطية، كامل الحرمي، أنه من الصعب التكهن بمعدل معين لسعر النفط في ظل الظروف الراهنة، مرجعاً ذلك إلى احتمالية نشوب حرب في منطقة الشرق الأوسط أو توقف إمدادات النفط الإيراني للأسواق العالمية في آسيا، وتحديداً الصين والهند واليابان. وأشار الحرمي، إلى أنه على رغم وجود فائض نفطي في الأسواق يتجاوز 5 ملايين برميل يومياً لدى منظمة أوبك، فإن سعر البرميل شهد ارتفاعاً مفاجئاً بلغ سبعة دولارات في أقل من 24 ساعة، ليصل إلى 73 دولاراً للبرميل، ولفت إلى أن هذا الارتفاع ليس إلا بداية لمزيد من الصعود، متسائلاً عما إذا كان السعر سيصل إلى 80 أو حتى 90 دولاراً للبرميل. وأضاف الحرمي، أن أي ارتفاع لسعر البرميل فوق حاجز 65 دولاراً سيكون في صالح النفط الصخري الأميركي، وسيشكل حافزاً لزيادة الاستثمار في هذا القطاع، وشدد على أن ارتفاعات أخرى وأعلى ستكون نتيجة لتوسع آثار الحرب والهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، مما قد يشمل دولاً أخرى في الخليج العربي، "لتبدأ الكارثة الفعلية". ضربة قوية للمعنويات بدوره، قال محلل السوق لدى "آي جي" توني سيكامور، إن التصعيد يمثل ضربة قوية للمعنويات في الأسواق المالية بصورة عامة، وليس فقط سوق الطاقة، متوقعاً أن نشهد خروجاً جماعياً من الأصول الخطرة في نهاية الأسبوع، وأضاف أن المستثمرين ينتظرون "رد الفعل الإيراني المحتمل"، وهو العامل الذي قد يحدد اتجاه الأسواق خلال الأيام المقبلة. مخاوف الإمدادات وأوضح المحلل الإستراتيجي في شركة الخدمات المالية بيبرستون أحمد عسيري، أن الارتفاع الحالي في الأسعار يعكس مزيجاً من المخاوف الفورية في شأن الإمدادات والتوقعات بتصاعد وتيرة التصعيد تدرجاً، على عكس جولات التوتر السابقة بين إيران وإسرائيل، التي كانت تنتهي عادة بصورة سريعة أو بضغوط دولية لاحتوائها. انتقال العدوى على الصعيد ذاته، أكدت محللة الأسواق لدى "فيليب نوفا" في سنغافورة، بريانكا ساشديفا، أن استعداد إيران لرد عسكري يزيد من الأخطار، ليس فقط على صعيد اضطرابات التوريد، لكن أيضاً لاحتمالات انتقال العدوى الجيوسياسية إلى دول منتجة للنفط في المنطقة، وهو ما قد يعيد أسعار النفط إلى مستويات لم نشهدها منذ عقد كامل. تعطل الإنتاج من جانبه، أوضح رئيس شركة "ليبو أويل أسوشيتس"، آندي ليبو، أن أسعار النفط قد تتجاوز عتبة 100 دولار للبرميل في حال تعطلت أي من منشآت إنتاج النفط في الخليج العربي، لكنه أشار إلى أن السيناريو الأساس حتى الآن يعتمد على أن القوى الكبرى ستسعى جاهدة إلى احتواء التصعيد ومنع انفلات الوضع. شكوك كبيرة ووصف الرئيس التنفيذي في "XM أستراليا"، بيتر ماكغواير، "الاحتقان الإسرائيلي-الإيراني" بأنه السبب في "الشكوك الكبيرة" المحفزة للتقلبات في السوق، ويقول إن أسعار النفط تستجيب أولاً لأخطار الإمداد القريبة أكثر من أي عوامل أخرى. واقع الستينيات وأشارت رئيسة قسم إستراتيجية السلع العالمية في "جيه بي مورغان"، ناتاشا كانيفا، إلى احتمال ذروة سعرية لحدود 120 دولاراً، لكنها تضيف توازناً بأن السوق يمكن أن ينهار إلى الـ40 دولاراً إذا ظهرت معروضات جديدة وخفض الطلب، وحسبما تشير في الوقت الراهن، تظل الجغرافيا السياسية مسيطرة. صراع واسع وسيناريو أسوأ ولفت بنك "جيه بي مورغان" في مذكرة بحثية حديثة صادرة اليوم، إلى أن السيناريو الأسوأ يتضمن احتمال توسع الصراع ليشمل تعطيل إمدادات النفط من دول مجاورة، بما فيها تهديد الملاحة في مضيق هرمز. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأوضح "جيه بي مورغان" في المذكرة أن احتمال السيناريو المتشدد يبلغ نحو سبعة في المئة، مشيراً إلى أن الأسعار قد تسجل ارتفاعات "أسية" مدفوعة بحال ذعر في الأسواق العالمية، في حال انزلاق المنطقة إلى صراع واسع النطاق. وعلى رغم هذه التحذيرات، أبقى البنك على توقعاته الأساسية لأسعار خام برنت عند الستينيات من الدولار للبرميل لبقية عام 2025، متوقعاً أن تعمل القوى الإقليمية والدولية على احتواء التصعيد، ثم نحو 60 دولاراً في 2026. سيناريوهات مستقبلية مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، تتجه أنظار الأسواق نحو سيناريوهات محتملة قد ترسم مستقبل أسعار النفط العالمية، فإذا تدخلت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاحتواء التوترات ومنع ردود عسكرية متبادلة بين إيران وإسرائيل، فمن المرجح أن تتراجع الأسعار تدرجاً نحو مستوياتها السابقة قبل التصعيد، وهذا السيناريو يعتمد على النجاح الدبلوماسي والاحتواء السريع للوضع، وهو ما يميل إليه بنك "جيه بي مورغان" في توقعاته الأساسية. على النقيض، إذا ردت إيران بقوة، أو اتسع نطاق الضربات ليشمل منشآت نفطية إيرانية أو ملاحة مضيق هرمز، فإن أسعار الخام قد تتجاوز 100 إلى 120 دولاراً للبرميل، وسط حال من الفوضى في أسواق الطاقة العالمية، قد يتعدى ذلك إذا وصلنا لحظر مضيق هرمز، وهو ما حذر منه "جيه بي مورغان" كسيناريو أسوأ، وأشار إليه كل من آندي ليبو وبريانكا ساشديفا كاحتمال وارد. ثلاثة عوامل رئيسة يجب مراقبتها وسط هذه التوترات، لا يبدو أن الأسواق بصدد استقرار سريع، وبخاصة أن الملف الإيراني يمثل واحداً من أعقد الملفات في السياسة الدولية منذ أكثر من عقدين، وبينما يحاول المستثمرون استيعاب تطورات الساعات الأخيرة، تبقى كلمة السر في المدى القريب هي "الاستقرار العميق" وليس الأرقام الفلكية، لذا، ينبغي مراقبة ثلاثة عوامل رئيسة لتحديد مسار الأسعار: أولاً، طبيعة رد طهران: هل سيكون رمزياً أم مؤلماً على استقرار الإمدادات؟ يرى المحللون أن طبيعة الرد الإيراني هي العامل الأهم في تحديد مسار الأسواق خلال الأيام المقبلة. ثانياً، دور القوى العظمى: هل ستنجح في تجنيب المنطقة حرباً إقليمية؟ من المفترض أن تلعب الجهود الدبلوماسية الدولية دوراً حاسماً في احتواء التصعيد ومنع انزلاقه إلى صراع أوسع. ثالثاً، مسار العقود الآجلة: هل يظهر مخطط يعبر عن "أزمة ممتدة" أم "تفلت موقت"؟ ستقدم العقود الآجلة للنفط مؤشراً قوياً على توقعات السوق للمدى الطويل، فإذا استمرت الأسعار في الارتفاع على المدى البعيد، فهذا يدل على أن السوق تتوقع أزمة ممتدة، أما إذا عادت إلى الاستقرار، فهذا يعني أنها ترى الأمر تفلتاً موقتاً. وبصفة عامة، فإنه في الأفق القريب، ستظل الجغرافيا السياسية مسيطرة على أسواق النفط، لكن إذا انهار هذا الاستقرار، فسنشهد تداعيات تتجاوز النفط إلى مؤشرات التضخم العالمي والنمو الاقتصادي، مع احتمالية عودة الأسعار إلى ثلاثة أرقام، مما قد يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي بأسره.

القاهرة تحتاط اقتصاديا بعد هجوم إسرائيل على إيران
القاهرة تحتاط اقتصاديا بعد هجوم إسرائيل على إيران

Independent عربية

timeمنذ 8 ساعات

  • Independent عربية

القاهرة تحتاط اقتصاديا بعد هجوم إسرائيل على إيران

تعكس تحركات مصرية معلنة طبيعة الارتدادات المتوقعة للهجوم الإسرائيلي على إيران، وما يمكن أن تخلفه من تبعات اقتصادية إقليمية صعبة، إذ كشف مجلس الوزراء المصري عن أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في متابعة وتنسيق دائمين مع محافظ البنك المركزي حسن عبدالله ووزير المالية أحمد كجوك، بغية زيادة المخزون الاستراتيجي من السلع المختلفة. وأفاد بيان الحكومة المصرية بأنه عقب العملية العسكرية الإسرائيلية في إيران أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عزمه عقد اجتماع مع وزيري الكهرباء والبترول، لاستعراض سيناريوهات تداعيات الأحداث العسكرية بالمنطقة. وتعاني مصر وضعاً صعباً على صعيد واردات الغاز بعد خفض إسرائيل صادراتها إلى مصر بدعوى أعمال الصيانة، ويتوقع أن يتفاهم في ضوء تعليق بعض أنشطة منصات الغاز كإجراء احترازي تحسباً لأي رد عسكري محتمل من إيران، وفقاً لما أوردته قناة N12 الإسرائيلية. وكشف بيان لوزارة الطيران المصرية عن رفع درجة الاستعداد القصوى بمطار القاهرة الدولي والمطارات المصرية كافة، تحسباً لاحتمال استقبال طائرات عابرة قد تضطر إلى تغيير مساراتها الجوية والهبوط الاضطراري بالمطارات نتيجة المستجدات الإقليمية، مع تأكيد الجاهزية الكاملة لتوفير الدعم الفني واللوجستي اللازم للرحلات المتأثرة كافة. المجال الجوي المصري وأكدت وزارة الطيران المدني أن المجال الجوي المصري آمن ويعمل بصورة طبيعية، ويشهد انتظاماً في حركة التشغيل، وفقاً لأعلى المعايير الدولية المعتمدة في مجال السلامة الجوية. وبحسب البيان، تتابع الوزارة من خلال مركز العمليات الرئيس بمطار القاهرة الدولي على مدار الساعة تطورات الموقف، بالتنسيق الكامل مع سلطات الطيران المدني في الدول المجاورة، وذلك عقب إعلان بعض دول الجوار عن إغلاق موقت لمجالاتها الجوية نتيجة للأوضاع الراهنة في المنطقة. وتبدو الإجراءات المصرية حيال احتمالات تفجر أوضاع المنطقة أمراً طبيعياً، كما يقول اقتصاديون لـ"اندبندنت عربية"، في وقت استجابت الأسواق العالمية وخصوصاً أسواق الطاقة للهجوم المباغت، بارتفاع أسعار النفط والغاز بمستويات مرتفعة، وهو ما يحمل الدول المستهلكة أعباء إضافية لاستيراد الوقود. ارتفاع التضخم ويتوقع الاقتصاديون ارتفاع معدلات التضخم في ظل اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد، وارتفاع فاتورة الملاحة والنقل والطاقة، وهو ما من شأنه إرباك خطط البنوك المركزية، وفي مقدمها "الاحتياط الفيدرالي" للسيطرة على التضخم. المتخصص الاقتصادي عبدالمنعم السيد يرى أن سيناريو تفجر الأوضاع ماثل اليوم أكثر من أي وقت مضى، ومع احتمالات إغلاق إيران مضيق هرمز واستهداف ناقلات النفط وتهديد سلاسل الإمداد، ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 13 في المئة، وهو ما يلقي بأعباء إضافية على الدول المستهلكة. وارتفعت أسعار النفط 13 في المئة مع صعود خام "برنت" متجاوزاً 78 دولاراً للبرميل، مسجلاً أكبر مكاسب يومية منذ مارس (آذار) 2022 عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا، كذلك صعد خام "غرب تكساس" الوسيط بقوة، وسط توقعات حديثة لبنك "جيه بي مورغان" باحتمال ارتفاع أسعار النفط إلى ما بين 120 و130 دولاراً للبرميل في حال إغلاق مضيق هرمز. مخزون السلع الاستراتيجية ويلفت المتحدث إلى أن التحركات المصرية تعبر عن وعي حكومي بتبعات الهجوم الإسرائيلي على إيران واحتمالات الرد المضاد من جانب طهران، وهو ما ينبغي معه تأمين احتياجات البلاد من مخزون السلع الاستراتيجية اللازمة للاستهلاك لأطول وقت ممكن، تجنباً للتداعيات السلبية على السوق المحلية. عالمياً يعتقد السيد أن ارتفاع أسعار النفط بمستويات لافتة يربك خطط البنوك المركزية حول العالم، وخصوصاً البنك المركزي الأميركي للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، وهو ما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي العالمي وبقاء الأزمات فترة أطول. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جانبه يقول المتخصص الاقتصادي محمد الشوادفي إن معدلات التضخم مرشحة للارتفاع في دول العالم كافة، بالنظر إلى أن محركها الأساس هو ارتفاع أسعار النفط، وهو ما ينعكس على مختلف أسعار السلع في الأسواق المختلفة، بخاصة مع ما تحمله المنطقة العربية من أهمية استراتيجية وتأثير كبير في ظل إنتاجها 70 في المئة من النفط عالمياً. ويتوقع المتخصص الاقتصادي أن تكون الدول الناشئة هي الأكثر تأثراً بالسلب نتيجة الحرب في المنطقة، وذلك لاعتمادها على الاستيراد لتدبير احتياجاتها المحلية، وهو ما يتعين مع سرعة استعادة الهدوء وإعمال الدبلوماسية في تلك الأوقات الحرجة. سيناريو إغلاق مضيق هرمز ولم يستبعد الشوادفي سيناريو لجوء إيران إلى خيار إغلاق مضيق هرمز، واعتبر أن طهران قد تلجأ إلى تلك الورقة لتحقيق أهدافها المرجوة في مواجهة الهجوم الإسرائيلي، مع احتمالات اضطراب الملاحة أكثر في مضيق باب المندب والبحر الأحمر والخليج العربي. وأثنى المتحدث على التدابير المصرية لتأمين احتياجات البلاد من السلع والمواد الخام، وقال إن مصر من بين البلدان التي يتوقع تأثرها بذلك الصراع في ظل امتلاكها موانئ على البحر الأحمر وقناة السويس، وهو ما يتوقع معه تحويل الاعتماد على الموانئ المصرية الأخرى. وشنت إسرائيل في وقت مبكر من صباح اليوم الجمعة غارات على إيران استهدفت منشآت نووية إيرانية ومصانع صواريخ وقادة عسكريين، وأفادت وسائل إعلام إيرانية وشهود بوقوع انفجارات، بما في ذلك في منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسة في البلاد. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الضربات بأنها "لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل"، قائلاً إنها استهدفت أيضاً علماء نوويين إيرانيين ومصانع الصواريخ في عملية ستستمر لأيام. وقالت إيران إن الضربات الإسرائيلية الواسعة النطاق اليوم الجمعة على أراضيها تبرر تخصيب اليورانيوم وامتلاك القوة الصاروخية، وأكدت الحكومة الإيرانية في بيان "لا يسع أحد أن يتحدث إلى هذا النظام الفتاك إلا بلغة القوة، يدرك العالم اليوم بصورة أفضل إصرار إيران على حقها بالتخصيب والتكنولوجيا النووية والقوة الصاروخية".

تصعيد غير مسبوق ومجاعة وشيكة: غزة تحت نار "عربات جدعون"
تصعيد غير مسبوق ومجاعة وشيكة: غزة تحت نار "عربات جدعون"

Independent عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • Independent عربية

تصعيد غير مسبوق ومجاعة وشيكة: غزة تحت نار "عربات جدعون"

مرّ نحو 80 يوماً على شن إسرائيل غارات استباقية ضد غزة في مارس (آذار) الماضي، أدت عملياً إلى وضع حد لوقف إطلاق نار هش مع "حماس" واستئناف الصراع. وبعد شهرين أطلقت حكومة بنيامين نتنياهو عملية "عربات جدعون"، وهي تصعيد في العمل العسكري في غزة بهدف السيطرة على القطاع بأكمله، وشملت إصدار أوامر إخلاء جماعية واتخاذ إجراءات لفرض قيود على تدفق المساعدات، وسط تقارير واسعة النطاق عن نقص حاد في الغذاء. ووفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة التابعة لـ "حماس"، فقد بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة 54607 قتيلاً فيما أصيب 125341 آخرين، وذلك منذ هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي لقي فيها 1200 شخص مصرعهم. ومنذ انهيار وقف إطلاق النار في منتصف مارس الماضي صعدت إسرائيل بصورة كبيرة من هجماتها على غزة فسجلت نحو 1500 غارة، ويعد شهر مايو (أيار) الماضي أكثر الأشهر دموية منذ السابع من أكتوبر 2023، وفقاً لمنظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة (ACLED) غير الربحية المتخصصة في النزاعات. في الوقت نفسه تواجه غزة مجاعة وشيكة وأزمة مساعدات مستمرة، فمنذ أوائل مارس الماضي منعت المساعدات من دخول القطاع لأكثر من شهرين، ولم يسمح بدخول أي طعام إلى غزة، مما أجبر المخابز ومنظمات خيرية مثل "مطبخ الغذاء العالمي" على إيقاف عملياتها هناك. وفي الـ 19 من مايو الماضي أعلنت إسرائيل أن الإعانات ستدخل غزة أخيراً، ولكن فقط من خلال "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) التي أنشئت حديثاً والمدعومة من قبل الولايات المتحدة. ودخلت شاحنات الإسعافات الأولية إلى غزة في الـ 25 من مايو الماضي، غير أنها لم تدخل إلا لأسبوع واحد قبل أن تجمد "مؤسسة غزة الإنسانية" عملياتها الثلاثاء الماضي في أعقاب مقتل 58 فلسطينياً قرب مراكز التوزيع في جنوب غزة. وتوقف توزيع المساعدات مجدداً الجمعة الماضي بعدما أعلنت المؤسسة والولايات المتحدة أن الاكتظاظ جعل استمرار العمليات غير آمن، وفي اليوم التالي جرى تعليق التوزيع مرة أخرى بعد أن أعلنت المؤسسة أنها تواجه تهديدات من "حماس". وأوضحت محللة الصراعات سلمى عيسى لـ "اندبندنت" أنه "إضافة إلى التصعيد في العمليات العسكرية في كل أنحاء غزة، تدهور الوضع الإنساني بصورة أكبر مع افتتاح 'مؤسسة غزة الإنسانية' المدعومة من الولايات المتحدة"، مضيفة أن "منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة سجلت ما لا يقل عن ثلاث حوادث مميتة مرتبطة بمراكز توزيع إعانات 'مؤسسة غزة الإنسانية' خلال الأسبوع الأخير من مايو الماضي وحده، مما يؤكد ارتفاع مستوى انعدام الأمن المحيط بتسليم المساعدات". وأكدت "مؤسسة غزة الإنسانية" أنها تعمل جنباً إلى جنب مع منظمات أخرى في محاولة لمنع وقوع مزيد من الحوادث، وفي مقابلة مع قناةABC News ، قال الرئيس التنفيذي الجديد القس جوني مور "أختلف جذرياً مع فرضية أن عمليتنا تعرض الناس للخطر بما لا يتناسب مع هدفها الإنساني، وأنا لا أفعل هذا من أجل أن يموت أحد". 4335 حالة وفاة في غزة منذ انتهاء وقف إطلاق النار، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ "حماس" ما حجم المساعدات التي تدخل غزة؟ منعت إسرائيل دخول جميع المساعدات إلى غزة لما يقارب ثلاثة أشهر، بين الثاني من مارس والـ 20 من مايو الماضيين، وخلال تلك الفترة واجه سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة نقصاً في الغذاء، وتعرض 500 ألف شخص إلى خطر المجاعة، طبقاً لتقرير صادر عن خبراء في الأمن الغذائي بالتعاون مع الأمم المتحدة، كما ارتفعت أسعار المواد الرئيسية بصورة مهولة، إذ تراوح سعر كيس الدقيق (25 كيلوغراماً) ما بين 235 و520 دولاراً، وفقاً للأمم المتحدة، وفي أواخر مايو الماضي صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن نحو 160 ألف منصة من الإمدادات الإغاثية (9 آلاف شاحنة) كانت جاهزة كي تدخل غزة. +3000 في المئة نسبة الزيادة في سعر الدقيق خلال الحصار (الأمم المتحدة) ولا يزال الغموض يكتنف التقارير المتعلقة بكمية المساعدات التي دخلت غزة حتى بعد انتهاء الحصار، وطبقاً لما ذكرته "هيئة الإذاعة البريطانية" BBC فإن متوسط ​​عدد شاحنات المساعدات التي دخلت غزة يومياً قبل الحصار كان 116 شاحنة، وقد أشرفت "مؤسسة غزة الإنسانية "على كل عمليات توزيع المساعدات منذ نهاية الحصار، مما يعني أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى غير قادرة على تتبع كمية المساعدات الموزعة. وأفادت "مؤسسة غزة الإنسانية" بأنها سلمت قرابة 5.8 مليون وجبة خلال أسبوع، اعتباراً من اليوم الذي بدأ فيه توزيع المساعدات في الـ 27 من مايو الماضي، إلا أن غياب الشفافية والرقابة الصارمة على توزيع المساعدات يجعل هذه الأرقام غير قابلة للتحقق من قبل أي طرف مستقل. 2 إلى 3 وجبات أسبوعياً للشخص الواحد في غزة، وفقاً لأرقام "مؤسسة غزة الإنسانية" وحتى إن كانت الأرقام صحيحة فإنها تعني توزيع أقل من ثلاث وجبات للشخص الواحد خلال سبعة أيام، على كامل سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، وتتكون الحصص الغذائية التي توزعها "مؤسسة غزة الإنسانية" من الرز والدقيق والفاصوليا المعلبة والمعكرونة وغيرها، ويتطلب معظمها معدات طهي وإمكان الحصول على مياه نظيفة ووقود. وذكر مسؤولون في الأمم المتحدة أيضاً بأن الكميات المحدودة من المساعدات التي سمح لهم بتوزيعها تقتصر على الدقيق، من دون أية وجبات جاهزة للأكل، وبعد استئناف توزيع المساعدات لفترة وجيزة الخميس الماضي إثر توقف دام يومين، أفادت "مؤسسة غزة الإنسانية "بأنها وزعت 25000 صندوق غذائي، أي ما يعادل 1.5 مليون وجبة، ولكن كانت هناك فترات توقف أخرى بدءاً من الجمعة الماضي وحتى نهاية الأسبوع. وذكرت "مؤسسة غزة الإنسانية" السبت الماضي أنها كانت غير قادرة على توزيع أية مساعدات إنسانية بسبب "تهديدات مباشرة" من "حماس" ضد عملياتها، وقالت في بيان لها إن "هذه التهديدات جعلت من المستحيل المضي قدماً اليوم من دون تعريض أرواح الأبرياء للخطر"، مضيفة "لن تثنينا هذه التهديدات ونحن ملتزمون بمواصلة تقديم المساعدات بصورة آمنة ومستقلة، ونعمل حالياً على تعديل عملياتنا لمواجهة هذه التهديدات واستئناف التوزيع في أسرع وقت ممكن"، وفي المقابل قال مسؤول في حركة "حماس" لوكالة "رويترز" إنه لا علم له بأية تهديدات من هذا النوع. وتتهم إسرائيل حركة "حماس" بسرقة المساعدات، وهو ما تبرر به فرض قيود صارمة على دخولها، وفي المقابل تنفي الأمم المتحدة وجود استيلاء منهجي على المساعدات يحول دون وصولها إلى المدنيين. تصعيد ميداني واسع منذ انتهاء الهدنة شهد مايو الماضي تحولاً لافتاً في الإستراتيجية الإسرائيلية، فمن خلال عملية "عربات جدعون" التي انطلقت في الشهر نفسه، تسعى إسرائيل إلى الاستيلاء على كامل قطاع غزة والتأسيس لوجود مستدام فيه، وتشمل العملية تهجيراً واسع النطاق للسكان نحو مناطق خاضعة لرقابة مشددة في الجنوب، ومنذ انتهاء وقف إطلاق النار في الـ 18 من مارس الماضي، قتل 4335 فلسطينياً في قطاع غزة، بحسب وزارة الصحة التي تديرها "حماس". وخلال الفترة ذاتها شنت إسرائيل أكثر من 2100 هجوم عن بعد (بما في ذلك القصف الجوي واستخدام الطائرات المسيرة والمدفعية والصواريخ والألغام)، بحسب قاعدة بيانات منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة.، وكانت 77 في المئة من هذه الهجمات من خلال الطائرات أو الطائرات المسيرة. 6 من كل 10 هجمات في غزة استهدفت مدنيين وبذلك يصل العدد الإجمالي للهجمات عن بعد إلى 15500 منذ السابع من أكتوبر 2023، بينها أكثر من 9700 ضربة جوية، وتشير البيانات إلى أن أكثر من 60 في المئة من هذه الهجمات استهدفت مدنيين، طبقاً لسجلات منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة. وفي خطاب ألقاه أواخر مايو الماضي، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون بلاده تستهدف المدنيين عمداً، في حين يؤكد الجيش الإسرائيلي مراراً أنه لا يستهدف سوى "حماس"، وقال نتنياهو إن " الادعاء الكاذب الأول الذي يوجه ضدنا هو أننا نقتل المدنيين عن عمد، لقد أرسلنا ملايين الرسائل النصية وملايين المكالمات والنداءات والمنشورات الورقية نطالب فيها المدنيين بالمغادرة لأننا سندخل"، مضيفاً "لهذا السبب فإن نسبة المدنيين إلى المقاتلين الذين قتلوا، في أكثر المناطق الحضرية كثافة في الحروب الحديثة، هي الأدنى في حرب غزة". وتابع "نحن نلاحق 'حماس' ولا نلاحق السكان المدنيين، سواء بالسماح لهم بمغادرة ساحات القتال، ولكن أيضاً بإمدادهم بالمتطلبات الأساس من طعام وماء ودواء، ولقد زودناهم بـ 1.8 مليون طن من الطعام والمساعدات". وشنت "حماس" والجماعات المسلحة الفلسطينية سبع هجمات صاروخية على إسرائيل منذ انتهاء وقف إطلاق النار، وفقاً لسجلات منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة نفسها، ويشار إلى أن هذه البيانات تجمع من مصادر إعلامية وتقارير رسمية، ولم يجر التحقق منها بصورة مستقلة، وبالتالي ينبغي التعامل معها كأرقام تقريبية مع احتمال وجود هجمات لم توثق. سجل شهر مايو الماضي 690 غارة جوية بطائرات حربية ومسيرة شنها الجيش الإسرائيلي على غزة، متجاوزاً حتى عدد الضربات في الشهر الأول الذي تلى هجمات أكتوبر 2023 عندما جرى تسجيل 673 غارة، وفقاً لمنظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة، وقالت السيدة عيسى، وهي مديرة أبحاث الشرق الأوسط في "منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة" لـ "اندبندنت"، "لقد جلبت فترة ما بعد وقف إطلاق النار تصعيداً كبيراً في الأعمال العدائية تميز بغارات جوية مكثفة وعمليات برية موسعة، إضافة إلى تحول ملاحظ في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في غزة"، مضيفة أن "هذا التصعيد اتسم بزيادة في وتيرة الضربات الجوية والمسيرة بمستوى من الشدة لم تسجله 'منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة' منذ الأيام الأولى للحرب عام 2023". وتابعت، "أدى الإعلان عن عملية 'عربات جدعون' في مايو الماضي إلى خلق نمط عنف مستمر ومكثف إضافي في غزة، فيما شنت إسرائيل حملة عسكرية شاملة واستأنفت العمليات البرية علاوة على حملة القصف الجوي". 690 غارة جوية ومسيرة نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة خلال مايو 2025 وحده وقد تركزت هذه الضربات على مختلف مناطق القطاع، مع كثافة ملاحظة في خان يونس، حيث نُسب نحو 37 في المئة من مجمل الغارات الشهر الماضي إلى استهداف ما وصفه الجيش الإسرائيلي بمراكز إرهابية تابعة لـ "حماس" داخل المدينة، وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن القيادي البارز في "حماس"، محمد السنوار قتل هناك الأسبوع الماضي. وفيما يقول الجيش الإسرائيلي إنه يسعى إلى ممارسة "ضغط هائل" على "حماس" وتوسيع "سيطرته العملياتية"، ذكر نتنياهو في بيان له صدر الشهر الماضي "نحن نخوض قتالاً واسع النطاق، مكثفاً وكبيراً، وهناك تقدم، وسنسيطر على كل مناطق القطاع، هذا ما سنفعله". دمار واسع النطاق في غزة وتواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ تفجيرات موجهة وجرف للبنى التحتية داخل غزة، خارج إطار الضربات الجوية، وتشمل هذه العمليات تدمير أنفاق ومراكز قيادة تابعة لـ "حماس"، إضافة إلى مئات التفجيرات المستهدفة لمبان سكنية ومستشفيات ومقار حكومية ومحال تجارية وغيرها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتتوافق هذه الممارسات مع تصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون، بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي توعد بأن "غزة ستدمر بالكامل"، في حين وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب غزة بأنها "موقع هدم" في وقت سابق من هذا العام، لتشجيع الفلسطينيين على المغادرة. وقد ازداد هذا الدمار بصورة ملاحظة منذ نهاية وقف إطلاق النار، بحسب "منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة"، إذ جرى تسجيل 191 حال تدمير للممتلكات قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة منذ مارس الماضي وحده، ومعظم هذه الممتلكات هي منازل سكنية، ولا سيما في مدينة غزة وخان يونس ورفح. إن الحجم الدقيق للأضرار غير معروف، غير أن "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) تقدر أن 92 في المئة من جميع المنازل السكنية في قطاع غزة قد دمرت، وفي الوقت نفسه يشير تحليل صور الأقمار الاصطناعية من "برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات التشغيلية للأقمار الاصطناعية" UNOSAT)) إلى أن أكثر من 70 ألف مبنى هُدم بالكامل في القطاع، مع إلحاق أضرار جسيمة بـ 18 ألف مبنى آخر، فيما لحقت أضرار متوسطة بـ 52 ألف مبنى، كما تضرر 81 في المئة من الأراضي الزراعية في غزة جراء الصراع، بحسب أحدث تقرير صادر عن "برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات التشغيلية للأقمار الاصطناعية" في أبريل (نيسان) الماضي، مما أعاق بصورة كبيرة إمدادات الغذاء المحلية وسط نقص واسع النطاق. وإذ يستمر تفاقم الأزمة فإن إسرائيل تواجه ضغوطاً دولية متواصلة، وقد ضمت المملكة المتحدة الأربعاء الماضي صوتها إلى 13 دولة أخرى في دعم قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار ورفع القيود المفروضة على دخول المساعدات من قبل إسرائيل، بيد أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضد هذه الخطوة، على أساس أن القرار لم يكن مرتبطاً بالإفراج عن الرهائن الباقين الذين جرى احتجازهم في السابع من أكتوبر 2023، ولم يوجه الإدانة لـ "حماس"، كما لم يصر على نزع سلاح الجماعة المسلحة وانسحابها من غزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store