
هل تعيد الضربات الإسرائيلية لإيران سيناريو نفط الـ100 دولار؟
في مشهد جيوسياسي بالغ التوتر، تدفع التطورات العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران أسعار النفط العالمية نحو قفزات حادة، مستحضرةً شبح صدمات الطاقة التي هزت الأسواق في عقود سابقة.
هذا التصعيد غير المسبوق يثير تساؤلات ملحة حول عمق تأثيره في أسواق النفط، ومسار أسعار الخام، ومستقبل "علاوة الأخطار" في المدى القصير، وهل يمكن أن تتجاوز الأسعار عتبة الـ100 دولار للبرميل؟
وفي المقابل، وفي ظل التقارير التي تؤكد عدم تضرر منشآت التكرير وتخزين النفط الإيرانية، كيف يمكن لهذا العامل أن يخفف من وطأة الصدمة على السوق النفطية العالمية؟
خلفيات الأزمة وتداعياتها على الأسواق
تأتي هذه الأحداث الدراماتيكية في وقت كانت فيه الأسواق بدأت تستوعب تقرير وكالة الطاقة الدولية "مراجعة الطاقة العالمية 2025"، الذي أشار إلى تباطؤ متوقع في نمو الطلب على النفط مدفوعاً بالتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية، إلا أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت موقع "نطنز" النووي ومنشآت عسكرية أخرى في إيران، قلبت هذه التوقعات رأساً على عقب، معيدةً سيناريوهات نقص المعروض وارتفاع الأسعار إلى الواجهة بقوة.
هذه الضربة التي وصفها محللون بأنها "تحويل للأزمة الإيرانية من مجرد ملف سياسي إلى صراع مباشر"، دفعت أسعار النفط اليوم لترتفع بنسب تراوح ما بين سبعة و13 في المئة، مسجلةً بذلك أكبر صعود يومي منذ مارس (آذار) 2022، ونتيجة لذلك، تجاوز سعر خام برنت مستويات 78 دولاراً للبرميل، بينما صعد خام غرب تكساس الوسيط إلى ما فوق 73 دولاراً.
تحذيرات دولية وتصريحات لافتة
تتزامن هذه التطورات مع تحذيرات دولية وتصريحات لافتة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي كشف اليوم أن الإدارة الأميركية كانت على علم سابق بالضربات الإسرائيلية على إيران، مؤكداً في الوقت ذاته عدم تورط واشنطن المباشر.
وحذر ترمب طهران من تطوير برنامجها النووي بقوله، "لن نسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي... لكننا لا نريد حرباً جديدة في الشرق الأوسط".
هذه التصريحات تزيد من تعقيد المشهد، مظهرةً أن واشنطن تتابع عن كثب، لكنها تحاول تجنب الانخراط المباشر في صراع قد تكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي.
تاريخياً، يُعد الملف الإيراني أحد أكثر الملفات تعقيداً في السياسة الدولية، إذ تتشابك فيه المخاوف النووية مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.
صدمة لحظية أم نزاع مفتوح؟
أجمع محللون في أسواق الطاقة والنفط، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، على أن الضربات الإسرائيلية المفاجئة شكّلت "صدمة لحظية" للأسواق، إذ أثارت المخاوف من أن يتحول التوتر القائم إلى نزاع مفتوح في واحدة من أكثر المناطق تأثيراً في صناعة الطاقة العالمية، وأكد الخبراء أن مسار أسعار النفط في الفترة المقبلة سيتحدد بناءً على ثلاثة عوامل رئيسة: طبيعة الرد الإيراني المحتمل، وموقف القوى الدولية، ومدى استمرار العمليات العسكرية في المدى القريب والمتوسط.
وأشار المحللون إلى أن القفزة الحادة في الأسعار تعكس في المقام الأول "علاوة أخطار" مرتبطة بعدم اليقين الجيوسياسي، التي قد تبقى مرتفعة ما دامت التوترات قائمة، هذه العلاوة هي ثمن يدفعه مشترو النفط للتأمين ضد اضطرابات محتملة في الإمدادات.
ولفتوا إلى أنه كلما زاد الخطر الجيوسياسي، زادت علاوة الأخطار، مما يدفع الأسعار للارتفاع حتى في غياب نقص فعلي في الإمدادات.
وفيما يمثل عدم تعرض منشآت التكرير وتخزين النفط الإيرانية للضرر عاملاً تخفيفياً مهماً، يرى المحللون أن الضرر المباشر للبنية التحتية النفطية الإيرانية كان سيؤدي إلى انخفاض فوري في المعروض، مما كان سيدفع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير وبسرعة أكبر.
وأكدوا على أن هذا يعني أن الارتفاع الحالي هو رد فعل على الأخطار المستقبلية المحتملة وليس على نقص فعلي في الإمدادات حتى الآن، مما يمنح السوق بعض المرونة، بعبارة أخرى، السوق لا يتعامل حالياً مع خسارة فعلية في المعروض من النفط، بل مع احتمال حدوثها، مما يحد من حجم الارتفاع الجنوني الذي كان يمكن أن يحدث لو استهدفت المنشآت النفطية مباشرة.
هجمات متبادلة
يرى المتخصص في الشؤون النفطية، كامل الحرمي، أنه من الصعب التكهن بمعدل معين لسعر النفط في ظل الظروف الراهنة، مرجعاً ذلك إلى احتمالية نشوب حرب في منطقة الشرق الأوسط أو توقف إمدادات النفط الإيراني للأسواق العالمية في آسيا، وتحديداً الصين والهند واليابان.
وأشار الحرمي، إلى أنه على رغم وجود فائض نفطي في الأسواق يتجاوز 5 ملايين برميل يومياً لدى منظمة أوبك، فإن سعر البرميل شهد ارتفاعاً مفاجئاً بلغ سبعة دولارات في أقل من 24 ساعة، ليصل إلى 73 دولاراً للبرميل، ولفت إلى أن هذا الارتفاع ليس إلا بداية لمزيد من الصعود، متسائلاً عما إذا كان السعر سيصل إلى 80 أو حتى 90 دولاراً للبرميل.
وأضاف الحرمي، أن أي ارتفاع لسعر البرميل فوق حاجز 65 دولاراً سيكون في صالح النفط الصخري الأميركي، وسيشكل حافزاً لزيادة الاستثمار في هذا القطاع، وشدد على أن ارتفاعات أخرى وأعلى ستكون نتيجة لتوسع آثار الحرب والهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، مما قد يشمل دولاً أخرى في الخليج العربي، "لتبدأ الكارثة الفعلية".
ضربة قوية للمعنويات
بدوره، قال محلل السوق لدى "آي جي" توني سيكامور، إن التصعيد يمثل ضربة قوية للمعنويات في الأسواق المالية بصورة عامة، وليس فقط سوق الطاقة، متوقعاً أن نشهد خروجاً جماعياً من الأصول الخطرة في نهاية الأسبوع، وأضاف أن المستثمرين ينتظرون "رد الفعل الإيراني المحتمل"، وهو العامل الذي قد يحدد اتجاه الأسواق خلال الأيام المقبلة.
مخاوف الإمدادات
وأوضح المحلل الإستراتيجي في شركة الخدمات المالية بيبرستون أحمد عسيري، أن الارتفاع الحالي في الأسعار يعكس مزيجاً من المخاوف الفورية في شأن الإمدادات والتوقعات بتصاعد وتيرة التصعيد تدرجاً، على عكس جولات التوتر السابقة بين إيران وإسرائيل، التي كانت تنتهي عادة بصورة سريعة أو بضغوط دولية لاحتوائها.
انتقال العدوى
على الصعيد ذاته، أكدت محللة الأسواق لدى "فيليب نوفا" في سنغافورة، بريانكا ساشديفا، أن استعداد إيران لرد عسكري يزيد من الأخطار، ليس فقط على صعيد اضطرابات التوريد، لكن أيضاً لاحتمالات انتقال العدوى الجيوسياسية إلى دول منتجة للنفط في المنطقة، وهو ما قد يعيد أسعار النفط إلى مستويات لم نشهدها منذ عقد كامل.
تعطل الإنتاج
من جانبه، أوضح رئيس شركة "ليبو أويل أسوشيتس"، آندي ليبو، أن أسعار النفط قد تتجاوز عتبة 100 دولار للبرميل في حال تعطلت أي من منشآت إنتاج النفط في الخليج العربي، لكنه أشار إلى أن السيناريو الأساس حتى الآن يعتمد على أن القوى الكبرى ستسعى جاهدة إلى احتواء التصعيد ومنع انفلات الوضع.
شكوك كبيرة
ووصف الرئيس التنفيذي في "XM أستراليا"، بيتر ماكغواير، "الاحتقان الإسرائيلي-الإيراني" بأنه السبب في "الشكوك الكبيرة" المحفزة للتقلبات في السوق، ويقول إن أسعار النفط تستجيب أولاً لأخطار الإمداد القريبة أكثر من أي عوامل أخرى.
واقع الستينيات
وأشارت رئيسة قسم إستراتيجية السلع العالمية في "جيه بي مورغان"، ناتاشا كانيفا، إلى احتمال ذروة سعرية لحدود 120 دولاراً، لكنها تضيف توازناً بأن السوق يمكن أن ينهار إلى الـ40 دولاراً إذا ظهرت معروضات جديدة وخفض الطلب، وحسبما تشير في الوقت الراهن، تظل الجغرافيا السياسية مسيطرة.
صراع واسع وسيناريو أسوأ
ولفت بنك "جيه بي مورغان" في مذكرة بحثية حديثة صادرة اليوم، إلى أن السيناريو الأسوأ يتضمن احتمال توسع الصراع ليشمل تعطيل إمدادات النفط من دول مجاورة، بما فيها تهديد الملاحة في مضيق هرمز.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح "جيه بي مورغان" في المذكرة أن احتمال السيناريو المتشدد يبلغ نحو سبعة في المئة، مشيراً إلى أن الأسعار قد تسجل ارتفاعات "أسية" مدفوعة بحال ذعر في الأسواق العالمية، في حال انزلاق المنطقة إلى صراع واسع النطاق.
وعلى رغم هذه التحذيرات، أبقى البنك على توقعاته الأساسية لأسعار خام برنت عند الستينيات من الدولار للبرميل لبقية عام 2025، متوقعاً أن تعمل القوى الإقليمية والدولية على احتواء التصعيد، ثم نحو 60 دولاراً في 2026.
سيناريوهات مستقبلية
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، تتجه أنظار الأسواق نحو سيناريوهات محتملة قد ترسم مستقبل أسعار النفط العالمية، فإذا تدخلت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاحتواء التوترات ومنع ردود عسكرية متبادلة بين إيران وإسرائيل، فمن المرجح أن تتراجع الأسعار تدرجاً نحو مستوياتها السابقة قبل التصعيد، وهذا السيناريو يعتمد على النجاح الدبلوماسي والاحتواء السريع للوضع، وهو ما يميل إليه بنك "جيه بي مورغان" في توقعاته الأساسية.
على النقيض، إذا ردت إيران بقوة، أو اتسع نطاق الضربات ليشمل منشآت نفطية إيرانية أو ملاحة مضيق هرمز، فإن أسعار الخام قد تتجاوز 100 إلى 120 دولاراً للبرميل، وسط حال من الفوضى في أسواق الطاقة العالمية، قد يتعدى ذلك إذا وصلنا لحظر مضيق هرمز، وهو ما حذر منه "جيه بي مورغان" كسيناريو أسوأ، وأشار إليه كل من آندي ليبو وبريانكا ساشديفا كاحتمال وارد.
ثلاثة عوامل رئيسة يجب مراقبتها
وسط هذه التوترات، لا يبدو أن الأسواق بصدد استقرار سريع، وبخاصة أن الملف الإيراني يمثل واحداً من أعقد الملفات في السياسة الدولية منذ أكثر من عقدين، وبينما يحاول المستثمرون استيعاب تطورات الساعات الأخيرة، تبقى كلمة السر في المدى القريب هي "الاستقرار العميق" وليس الأرقام الفلكية، لذا، ينبغي مراقبة ثلاثة عوامل رئيسة لتحديد مسار الأسعار:
أولاً، طبيعة رد طهران: هل سيكون رمزياً أم مؤلماً على استقرار الإمدادات؟ يرى المحللون أن طبيعة الرد الإيراني هي العامل الأهم في تحديد مسار الأسواق خلال الأيام المقبلة.
ثانياً، دور القوى العظمى: هل ستنجح في تجنيب المنطقة حرباً إقليمية؟ من المفترض أن تلعب الجهود الدبلوماسية الدولية دوراً حاسماً في احتواء التصعيد ومنع انزلاقه إلى صراع أوسع.
ثالثاً، مسار العقود الآجلة: هل يظهر مخطط يعبر عن "أزمة ممتدة" أم "تفلت موقت"؟ ستقدم العقود الآجلة للنفط مؤشراً قوياً على توقعات السوق للمدى الطويل، فإذا استمرت الأسعار في الارتفاع على المدى البعيد، فهذا يدل على أن السوق تتوقع أزمة ممتدة، أما إذا عادت إلى الاستقرار، فهذا يعني أنها ترى الأمر تفلتاً موقتاً.
وبصفة عامة، فإنه في الأفق القريب، ستظل الجغرافيا السياسية مسيطرة على أسواق النفط، لكن إذا انهار هذا الاستقرار، فسنشهد تداعيات تتجاوز النفط إلى مؤشرات التضخم العالمي والنمو الاقتصادي، مع احتمالية عودة الأسعار إلى ثلاثة أرقام، مما قد يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي بأسره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
أيهما أفضل لإدارة ترمب... حرب تجارية متصاعدة أم هدنة حذرة مع الصين؟
أخيراً، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق تجاري مع الصين، بعد حرب كلامية حادة تطورت إلى قيود متبادلة على الصادرات الرئيسة، اجتمع مسؤولون أميركيون وصينيون هذا الأسبوع في المملكة المتحدة بهدف واحد: إيجاد طريقة للاتفاق على ما اتفقوا عليه قبل شهر في جنيف. يبدو أن كبار المفاوضين التجاريين من البلدين قد حققوا ذلك، وأعلن كل من المسؤولين الصينيين وممثلي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنهم اتفقوا على إطار عمل لتنفيذ التوافق الذي توصلوا إليه في مايو (أيار) الماضي، وسيتم إرسال الهدنة التجارية إلى قادتهم للموافقة عليها. لا شك أن الشركات والمستهلكين ومستثمري وول ستريت سيتنفسون الصعداء، فقد أثارت الرسوم الجمركية المرهقة قلقاً كبيراً، ومن المتوقع أن يؤدي تخفيف الحواجز التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم إلى خفض التكاليف والمساعدة في ضخ بعض اليقين الذي تشتد الحاجة إليه في اقتصاد يظهر بعض علامات التوتر. لكن في الواقع، فإن الهدنة التجارية (إن كانت بالفعل ما تم إنجازه هذه المرة) ليست سوى عودة إلى الوضع المتوتر أصلاً الذي كان سائداً قبل الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، فلا تزال معدلات الرسوم الجمركية من كلا البلدين مرتفعة تاريخياً، ولا تزال قيود التصدير الكبيرة قائمة، ولم تفتح الولايات المتحدة أبوابها أمام السيارات الصينية، ولن تبيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة قريباً. وبحسب تعبير الرئيس دونالد ترمب، فإن الصين لا تعامل أميركا بإنصاف أكبر بكثير بعد هذه الاتفاقية مما كانت عليه قبلها. المعادن النادرة أصبحت الحصان الرابح لا شك أنه اتفاق تجاري كان ضرورياً للغاية، فبعد إعلان ترمب عن "يوم التحرير" في الثاني من أبريل الماضي، تصاعدت التوترات لدرجة أوقفت التجارة بين الولايات المتحدة والصين تماماً. وقد صعبت رسوم جمركية بنسبة 145 في المئة على معظم الواردات الصينية على الشركات الأميركية شراء أي شيء تقريباً من الصين، ثاني أكبر شريك تجاري لأميركا. وصرح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، كبير المفاوضين الأميركيين في المحادثات التجارية مع الصين، بأن مستويات الرسوم الجمركية السابقة "غير مستدامة". في 12 مايو الماضي، أعلن مندوبو الصين والولايات المتحدة أنهما سيخفضان بصورة كبيرة رسومهما الجمركية المرتفعة تاريخياً على بعضهما البعض. وخفض الاقتصاديون توقعاتهم للركود، وانتعشت ثقة المستهلك المتراجعة، لكن ترمب وإدارته ازدادا عدائية تجاه الصين في الأسابيع الأخيرة، متهمين إياها بالنكوص عن الوعود التي قطعتها في منتصف مايو الماضي، وبالمثل، قالت الصين إن الولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها بموجب اتفاق جنيف. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتوقعت إدارة ترمب أن ترفع الصين القيود المفروضة على المعادن الأرضية النادرة، وهي مكونات أساسية لمجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية، لكن الصين لم تسمح لها بالعودة إلى السوق المفتوحة إلا ببطء شديد، مما أثار استياءً شديداً داخل إدارة ترمب، ودفع إلى فرض سلسلة من القيود على تصدير السلع الأميركية إلى الصين. تتمتع الصين باحتكار شبه كامل للمعادن الأرضية النادرة، والتي من دونها لا يمكن تصنيع السيارات، ومحركات الطائرات، وصبغة التباين المستخدمة في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وبعض أدوية أمراض السرطان. وقبل أيام، قال ترمب للصحافيين، إن الرئيس الصيني شي جينبينغ وافق على السماح ببدء تصدير منتجات المعادن الأرضية النادرة، لكن محللي الصناعة قالوا إن هذه المواد الأساسية لم تعد تتدفق إلى الولايات المتحدة كما كانت في السابق. إذا التزمت الدولتان بشروط الاتفاق هذه المرة، فإن تهدئة التصعيد من شأنها أن تمنع أشد التحذيرات في شأن الحرب التجارية، بما في ذلك النقص المحتمل في الإمدادات على مستوى الجائحة. الهدنة أفضل من تصاعد الحرب التجارية بالعودة إلى الواقع، وعلى رغم الأجواء الإيجابية، لا تزال الولايات المتحدة والصين في مواجهة اقتصادية، وقد أكدت إدارة ترمب، (ومن قبلها إدارة بايدن)، أن الشركات الصينية سعيدة للغاية ببيع منتجات رخيصة الثمن إلى السوق الأميركية، لكن الصين تفرض قيوداً كبيرة على الشركات الأميركية العاملة في البلاد، وتشجع الشركات الصينية على سرقة الملكية الفكرية الأميركية، ولطالما عارضت الصين هذه الادعاءات. في ولايته الأولى، رفع ترمب الرسوم الجمركية على الصين بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن القومي، أبقى بايدن على العديد من هذه الرسوم وضاعف بعضها. لكن إدارة ترمب الثانية رفعت الحواجز التجارية إلى مستوى غير مسبوق، فقد فرضت رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10 في المئة على جميع السلع الواردة إلى الولايات المتحدة تقريباً، وفرضت رسوماً جمركية إضافية بنسبة 20 في المئة على السلع الصينية في محاولة لدفع الصين إلى اتخاذ إجراءات للحد من تدفق الفنتانيل عبر الحدود الأميركية، ولا تزال هاتان الرسمان الاستثنائيان ساريين على معظم السلع الصينية، باستثناء بعض المنتجات مثل الإلكترونيات. إضافة إلى ذلك، أنهى البيت الأبيض ما يسمى بالإعفاءات الجمركية البسيطة التي كانت تسمح بدخول الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار إلى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية. تظل الرسوم الجمركية الجديدة الضخمة سارية على الطرود الصغيرة، مما يقوض نماذج الأعمال الخاصة بشركتي التجارة الإلكترونية الصينيتين العملاقتين "شي إن" و"تيمو". تنشئ الرسوم الجمركية المركبة حواجز تجارية كبيرة مع ثاني أكبر شريك تجاري لأميركا، مما يرفع الأسعار على الشركات والمستهلكين الأميركيين من دون حلول سهلة أو بدائل سوقية واضحة. بعض الشركات العملاقة، مثل "أبل"، لديها سلاسل توريد معقدة يمكنها تحمل بعض ضغوط الأسعار، لكن حتى "أبل"، التي صرحت بأنها ستشحن معظم أجهزة "آيفون" الأميركية من الهند مع ارتفاع الرسوم الجمركية الصينية، صرحت بأنها ستواجه زيادة ربع سنوية في التكاليف بقيمة 900 مليون دولار بسبب الرسوم الجمركية بمستوياتها الحالية، وليس عند معدل 145 في المئة المرتفع للغاية. وقد أقصيت شركات أخرى، مثل "بوينغ"، تماماً من السوق الصينية، حتى من دون أي رسوم جمركية أو حواجز رسمية أخرى من قبل الصين على مشتريات الطائرات الأميركية، ولم تحقق "بوينغ" أي مبيعات تذكر في الصين، وهي أكبر سوق في العالم لمشتريات الطائرات، منذ عام 2019، لذا، قد تكون الهدنة التجارية أفضل من البديل أو تصاعد حدة الحرب، إذا استمرت هذه المرة.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
الذهب يزيح اليورو ويحل بالمركز الثاني في الاحتياطات العالمية
كشف تقرير حديث عن أن الذهب تجاوز اليورو ليصبح ثاني أكبر أصل احتياطي عالمي من حيث القيمة السوقية مع نهاية عام 2024، وذلك بعد أن شكل نحو 20 في المئة من إجمالي الاحتياطات الرسمية العالمية، مقابل 16 في المئة لليورو، فيما حافظ الدولار الأميركي على الصدارة بنسبة 46 في المئة من الاحتياطات لدى البنوك المركزية على مستوى العالم. وأشار تقرير صادر عن البنك المركزي الأوروبي، إلى أن هذه القفزة في حصة الذهب جاءت مدفوعة بمزيج من الطلب المكثف من البنوك المركزية على المعدن النفيس، والارتفاعات القياسية في أسعار الذهب خلال العام. ووفق التقرير الذي نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز"، فقد واصلت البنوك المركزية على مستوى العالم في توسيع حيازتها من الذهب بأكثر من ألف طن في عام 2024، وللعام الثالث، وهو مستوى يعادل ضعف المتوسط السنوي المسجل خلال العقد الماضي. وبحسب البيانات، فقد ارتفع سعر الذهب بنسبة 62 في المئة منذ بداية عام 2024، مدفوعاً بحالة عدم اليقين الجيوسياسي، وتقلبات الأسواق، وتزايد عمليات الشراء من قبل البنوك المركزية، إضافة إلى استمرار دورة التشديد النقدي التي بدأتها البنوك المركزية منذ أكثر من عامين لاحتواء التضخم المرتفع. زيادة حادة في الطلب على الذهب وقبل أيام، أظهرت بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي الصيني أن بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني) عزز احتياطاته من الذهب خلال مايو (أيار) الماضي، للشهر السابع. وعلى رغم الاستقرار النسبي في أسعار الذهب خلال الشهر الماضي، بعدما بلغت مستوى قياسياً عند 3500 دولار للأونصة في أبريل (نيسان) الماضي، واصلت الصين شراء المعدن النفيس، الذي ينظر إليه كملاذ آمن في أوقات التوترات الاقتصادية والجيوسياسية. وارتفعت احتياطات الذهب الصينية إلى 73.83 مليون أونصة بنهاية مايو الماضي، مقارنة بنحو 73.77 مليون أونصة في نهاية أبريل من هذا العام، وبلغت القيمة الإجمالية لهذه الاحتياطات 241.99 مليار دولار، منخفضة من 243.59 مليار دولار لأبريل الماضي، بحسب ما ذكره بنك الشعب الصيني. وبينما ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 27 في المئة منذ بداية العام، بعد صعود مماثل في عام 2024، يرى محللو سوق المعادن أن استمرار الصين في شراء الذهب، على رغم الأسعار المرتفعة، يعكس رغبة بكين في تنويع احتياطاتها من العملات الأجنبية والابتعاد تدريجاً عن الأصول المقومة بالدولار. وسجل المعدن النفيس أعلى مستوى تاريخي له في منتصف أبريل الماضي عند مستوى 3509.90 دولار للأونصة، متجاوزاً ذروة الأسعار المعدلة بحسب التضخم إبان أزمة النفط عام 1979. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأكد تقرير "المركزي الأوروبي"، أن الطلب على الذهب لأغراض الاحتياطي النقدي ارتفع بصورة حادة بعد اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا عام 2022، وظل قوياً منذ ذلك الحين، منوهاً عن أن نحو ثلثي البنوك المركزية استثمرت في الذهب لتنويع احتياطاتها، فيما اتجه نحو 40 في المئة منها نحو الذهب كوسيلة تحوط ضد الأخطار الجيوسياسية. ولفت، إلى أن فرض العقوبات المالية غالباً ما يرتبط بزيادة حيازة البنوك المركزية من الذهب، مشيراً إلى أن الدول القريبة جيوسياسياً من الصين وروسيا شهدت زيادات أكبر في نسب الذهب ضمن احتياطاتها الرسمية منذ الربع الأخير من عام 2021. وأوضح، أن خمساً من أصل أكبر عشر زيادات سنوية في احتياطات الذهب الرسمية منذ عام 1999 كانت من نصيب دول خاضعة لعقوبات. الذهب يتصدر الملاذات الآمنة وتشير بيانات مجلس الذهب العالمي، إلى أن احتياطات البنوك المركزية من الذهب عالمياً بلغت نحو 36 ألف طن بنهاية عام 2024، لتقترب من المستوى التاريخي البالغ 38 ألف طن والمسجل في عام 1965. وفي صدارة الدول التي سارعت لزيادة احتياطها من الذهب خلال العام الماضي كانت بولندا، تركيا، الهند، الصين، وأذربيجان، ما يؤكد استمرار التوجه العالمي نحو الذهب كملاذ نقدي آمن وسط الاضطرابات العالمية. في سوق العملات، فقد سجل الدولار الأميركي تراجعاً طفيفاً خلال تعاملات جلسة أمس الأربعاء، وسط حالة من الترقب في الأسواق لصدور بيانات التضخم الأميركية لشهر مايو الماضي، والتي ينظر إليها باعتبارها مؤشراً رئيساً على توجهات السياسة النقدية المقبلة. وانخفض مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من ست عملات رئيسة، بنسبة 0.1 في المئة ليصل إلى 99.032 نقطة. وفي أوروبا، استقر اليورو إلى حد كبير أمام الدولار عند مستوى 1.1425، في ظل غياب محفزات اقتصادية قوية لتحريك العملة الموحدة خلال التعاملات الأخيرة، فيما تراجع الجنيه الاسترليني بنسبة 0.1 في المئة ليسجل 1.3493 دولار، قبيل إعلان وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز عن خطة الإنفاق العام للفترة بين 2026 و2029. وفي آسيا، ارتفع الدولار مقابل الين الياباني بنسبة 0.1 في المئة إلى 145.07 ين، في حين انخفض بصورة طفيفة أمام اليوان الصيني إلى 7.1856، مع استمرار تقييم الأسواق لتداعيات الإطار التجاري الجديد الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والصين خلال اجتماعات لندن.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
ماذا يعني هبوط سندات الدول النامية بعد ضرب إيران؟
هبطت قيمة السندات الدولارية، بخاصة الطويلة الأجل، لعدد من الدول النامية والصاعدة في تعاملات سوق السندات الجمعة، إثر الضربة الإسرائيلية على إيران. في المقابل تراجع العائد على السندات الأميركية بصورة طفيفة، وتتناسب قيمة السندات عكسياً مع نسبة العائد عليها، فارتفاع العائد يعني هبوط قيمة السندات والعكس بالعكس، أي إن هبوط قيمة السند يعني ارتفاع نسبة العائد عليه. وهبطت قيمة سندات الدين لكل من باكستان ومصر وإسرائيل في تعاملات صباح الجمعة، إذ انخفضت قيمة سندات الدين الباكستانية المستحقة عام 2031 بأكثر من سنت واحد في الدولار، ليصبح سعرها عند 78.61 سنت للدولار. وهبطت قيمة سندات الدين الإسرائيلية المستحقة عام 2040 بما يقارب سنتا ونصف السنت (1.45 سنت للدولار) ليصبح سعرها عند 65.61 سنت للدولار، أما سندات الدين الدولارية لمصر فهبطت بنحو سنتين في الدولار ليصل سعرها إلى 77.36 سنت للدولار. على العكس في الولايات المتحدة، تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية بصورة طفيفة بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران، وانخفضت نسبة العائد على سندات الخزانة المتوسطة الأجل مدة 10 سنوات بنحو نقطتي أساس (0.02 في المئة) لتصل إلى نسبة 4.334 في المئة، كذلك تراجع معدل العائد على سندات الخزانة الأميركية القصيرة الأجل لمدة ما بين سنتين وخمس سنوات بنحو نقطتي أساس أيضاً، وتراجع العائد على السندات الأميركية الطويلة الأجل بصورة طفيفة أيضاً. بيانات أميركية أهم من الضربة من الواضح أن سوق السندات الأميركية، الأكبر والأهم في العالم، تنتظر بيانات اقتصادية أميركية تعدها مؤثرة بشكل أكبر من التوتر الجيوسياسي والصراع في الشرق الأوسط. أما السبب الأهم وراء تراجع العائد وارتفاع قيمة السندات الأميركية بصورة طفيفة فهو إقبال المستثمرين على شراء السندات التي طرحتها الخزانة الأميركية في مزادين في اليومين الأخيرين، إذ باعت الخزانة ما قيمته 22 مليار دولار من السندات الطويلة الأجل لمدة 30 عاماً، بنسبة عائد عند 4.84 في المئة في مزاد الخميس الماضي. بحسب ما أعلنته وزارة الخزانة اشترى المستثمرون الأجانب ما نسبته 65.2 في المئة من السندات المطروحة في المزاد بزيادة واضحة عن النسبة في مزاد مايو (أيار) الماضي التي كانت عند 58.9 في المئة، وتعني زيادة إقبال المستثمرين الأجانب على شراء السندات أنهم يتجاهلون إلى حد ما أخطار ارتفاع حجم الدين الأميركي وعجز الموازنة، مما حافظ على قوة سوق السندات. وسبق أن باعت الخزانة الأميركية سندات متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات في مزاد الأربعاء الماضي الذي شهد إقبالاً جيداً أيضاً من المستثمرين في الدين الأميركي، وبلغ معدل العائد على تلك السندات نسبة 4.36 في المئة، ونسبة العائد في المزادين الأخيرين هذا الأسبوع كانت أقل من تلك التي كانت في مزادات الشهر الماضي، سواء للسندات الطويلة الأجل أو المتوسطة الأجل. الضغوط على الدولار يربط بعض المحللين بين قوة سوق السندات الأميركية، على رغم أخطار الدين وعجز الموازنة وتبعات الحرب التجارية التي تشنها إدارة الرئيس دونالد ترمب على الشركاء، وبين الضغوط التي تتعرض لها العملة الأميركية – الدولار – بما يضعف قيمتها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم أن مؤشر سعر صرف الدولار ارتفع قليلاً مقابل الفرنك السويسري والين الياباني عقب الضربة الإسرائيلية على إيران فجر الجمعة، فإن المستثمرين والمحللين كانوا يتوقعون ارتفاعاً أكبر مما حدث قياساً على حالات مماثلة يلجأ فيها المستثمرون للملاذات الآمنة في أوقات الأزمات. وبحسب استراتيجيي العملات في شركة "آي أن جي" فإن الضربات الإسرائيلية شكلت "حافزاً للدولار الذي يشهد عمليات بيع كبيرة وتراجع قيمته" كي يرتفع قليلاً، كما نقلته عنهم شبكة "سي أن بي سي" الأميركية. مكانة الدولار كملاذ آمن وفي تحليل لها عن تراجع مكانة الدولار كملاذ آمن في أوقات الازمات ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن "الدولار الذي يتعرض للضغوط من كل ناحية يواجه اختباراً حاسماً لمكانته التقليدية كملاذ آمن للثروة عالمياً إذا تصاعدت ضربات إسرائيل على إيران، فعلى عكس المعتاد تاريخياً كان رد الفعل الأولي هبوط الدولار بعد لحظات من الضربة قبل أن يرتفع مقابل العملات الأخرى". تقليدياً، يلجأ المستثمرون للدولار والذهب كملاذات آمنة، إلى جانب بعض العملات الكبرى الأخرى، لكن ما يدفع المحللين إلى القلق في شأن مكانة الدولار حالياً هو أن الإقبال على الذهب كملاذ آمن كان أكبر بكثير من أي من الأصول الأخرى بما فيها الدولار، لذا شهدت أسعار المعدن الثمين ارتفاعاً كبيراً ما بين نسبة واحد واثنين في المئة ليزيد سعر البيع الفوري على 3400 دولار للأونصة. ومع توقع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي العودة إلى خفض أسعار الفائدة في ضوء بيانات التضخم وسوق العمل الأخيرة يزيد الضغط النزولي على سعر صرف الدولار، ويعني ذلك فقدان العملة الأميركية مزيداً من مكانتها كملاذ آمن عالمياً.