
رياح التغيير تعصف بالاتحاد العراقي لكرة القدم: مقاطعة واسعة وتصريح يثير الجدل
تشهد أروقة الاتحاد العراقي
لكرة القدم
حالةً من الاضطراب والتوتر، بعدما قاطع عدد كبير من أعضاء
الجمعية العمومية
الاجتماع، الذي دعا إليه الاتحاد، اليوم الأحد، في مقرّه الرسمي، وذلك احتجاجاً على ما وصفوه بغياب الشفافية، وانتهاك القوانين والأنظمة السارية.
وكشف مصدر مطّلع داخل الاتحاد العراقي، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع لم يكتمل نصابه القانوني، إذ حضره 13 عضواً فحسب من أصل 55 يمثلون الجمعية العمومية، وهو ما يجعل أيّ قرارات تصدر عنه غير ملزمة قانونياً.
وتعود أسباب المقاطعة إلى سلسلة من المخالفات، التي أثارت استياء الأعضاء، من أبرزها احتفاظ الاتحاد بعائدات النقل التلفزيوني دون توزيعها على الأندية، في مخالفة صريحة للالتزامات المالية، إضافة إلى غياب فقرة واضحة في جدول الأعمال للاعتراف بمركز التسوية والتحكيم الرياضي العراقي، وهو ما عدّه الأعضاء خرقاً للنظام الأساسي للاتحاد.
تصريحات مثيرة من النائب الأول
وفي أعقاب الاجتماع، فجّر النائب الأول لرئيس الاتحاد، علي جبار، موجة من الجدل بتصريحات غير مسبوقة، أكّد فيها أنه "مع حل اتحاد الكرة، لأننا لا نستحق قيادة الكرة العراقية في ظل هذه الفوضى"، في إشارة صريحة إلى عمق الأزمة داخل أروقة الاتحاد.
وأضاف جبار: "العزوف عن حضور اجتماع الجمعية العمومية أمر غير صحيح، ومن لديه رأي فعليه أن يطرحه داخل الاجتماع. الاتحاد الحالي غير متجانس، وهناك من يسعى للثأر أو لإجراء انتخابات مبكرة، في حين أن مركز التسوية والتحكيم يُعد أداةً ضرورية لحل المشكلات الرياضية في العراق".
كرة عربية
التحديثات الحية
قائمة منتخب العراق في مواجهتي كوريا والأردن
الاتحاد العراقي يرد ويؤجل
من جهته، أصدر الاتحاد العراقي بياناً رسمياً أكّد فيه عقد اجتماع للجمعية العمومية غير العادية، اليوم الأحد، في مقرّ الاتحاد، بحضور رئيسه عدنان درجال. وأشار البيان إلى أنه نظراً لعدم اكتمال النصاب القانوني، فقد تقرّر تأجيل الاجتماع إلى يوم غدٍ الاثنين، على أمل التوصل إلى توافقات تعيد الهدوء إلى البيت الكروي العراقي. وتأتي هذه التطوّرات في وقت حساس تمرّ به كرة القدم العراقية، وسط دعوات متزايدة لإصلاحات جذرية تشمل الهيكل التنظيمي والإداري، بما يعيد الثقة إلى الشارع الرياضي، ويضمن شفافية الأداء في المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 21 دقائق
- العربي الجديد
هلوسات لائكية في فرنسا تفاقمها الإسلاموفوبيا
تداول الإعلامان الفرنسي والدولي جملة أخبارٍ تفيد بأن مجلسَي الدفاع والأمن الفرنسيَّين انعقدا، وبشكل عاجل، للاطلاع على تفاصيل مؤامرة تحيكها جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على فرنسا، وذلك بالتسلّل إلى المجتمع، والهيمنة الناعمة على البلد. وتفيد الأخبار التي تسرّبت بأن جهاز الاستعلامات الفرنسية حصل على معلومات "دقيقة" عن تسلّل التنظيم عبر جملة من الجمعيات والمدارس والنوادي الرياضية وغيرها، مستغّلاً مشاعر الغضب والعزلة التي تعصف بأوساط عديدة من الجاليات المسلمة المهاجرة أو الفرنسيين من أصول إسلامية. وبغض النظر عن دقّة ما أورده التقرير، خصوصاً في ظلّ التشكيك المتنامي في صحّة الرواية التي قدّمها وزير الداخلية، وهو اليميني المعروف بمناهضته المسلمين، فضلاً عن انحيازه إلى الأوساط المسيحية الصهيونية هناك خصوصاً، وقد وجّهت إليه انتقادات حادّة في إثر مقتل الشاب أبوبكر السيسي (من أصول مالية) وهو يصلّي في أحد مساجد جنوب فرنسا... بغض النظر عن ذلك كلّه، يثير هذا الخبر مسائل عميقة، تتعلّق باللائكية الفرنسية والعقيدة الجمهورانية التي صاغتها، فضلاً عن نموذج الإدماج الذي اعتمدته للتعامل مع المهاجرين. تتنامى في فرنسا نزعة من الانزياح الحادّ للعقل السياسي إلى عقيدة استخباراتية تضاعف الخوف والرُهاب إلى حدّ الهلوسة منذ البداية، لن نتخيّل أن ما كشفته الداخلية في فرنسا يمكن أن يحدث في بلد أوروبي آخر، على الأقلّ على النحو الذي جرت فيه مسرحته وإخراجه إعلامياً ضمن استراتيجيةٍ لا تخلو من حشد (ونشر) الفزّاعات التي عرف بها هذا البلد منذ سنوات، ولا يعتقد كاتب هذه السطور أن بلداً ديمقراطياً يسمح بالتعددية السياسة والجماعاتية" (Communautarisme) سيذهب إلى ما ذهبت إليه فرنسا، التي تشلّها لائكيّتها وعقديتها الجمهورانية تلك، وتدفعانها إلى ارتكاب مثل هده الحماقات. يمثلّ العقل السياسي الفرنسي نموذجاً صارخاً لهيمنة المقاربة الاستخباراتية، تماما كما يحدث في دول شمولية عديدة، مع فارق بسيط، احترام المعايير الدنيا من حقوق الإنسان، كلّما تعلّق الأمر بحقوق الأفراد من قبيل الحرمة الجسدية والقضاء العادل... إلخ. تتنامى في فرنسا منذ سنوات عديدة نزعة من الانزياح الحادّ للعقل السياسي إلى عقيدة استخباراتية تضاعف الخوف والرُهاب إلى حدّ الهلوسة. يترسّخ خوف رهيب على الهُويَّة الوطنية، وفرنسا هي الدولة الوحيدة التي أسّست وزارةً سمّتها وزارة الهُويَّة الوطنية. هذا الخوف المرضي سمح لها بكلّ تلك التجاوزات الخطيرة التي لا يمكن تصوّرها في بلد، حتى إنها ذهبت إلى منع بعض أنواع اللباس والحُلي بحجّة خرق الهُويَّة الوطنية، في ما يشبه الخروج عن الملّة، كما جرى في القرون الوسطى تماماً. خوف رهيب يشلّها ويرعبها. الجدار شفّاف بين الاستعلامات وبين الذي ينهار بشكل متسارع فيها، غير أنه لا يمكن للسياسيين، خصوصاً الحاكمين منهم، إغفال ما تقدّمه أجهزة الاستعلامات من معلومات ومعطيات دقيقة حول مسائل سياسية حسّاسة، سواء داخلية أو خارجية تهمّ الأمن القومي وسلامة التراب، ولكن يبدو أيضاً أنه من السخافة اعتقاد أن العقل السياسي كلّه يمكن أن يظلّ على سياسته وقد عاد سجيناً للمعلومات التي تقدّمها تلك الأجهزة. في فرنسا نتجه إلى تنامي "أمننة" السياسة، منذ ظهور معضلة الإرهاب بشكل خاص الذي أصابها، فضلّ خيالها السياسي أيضاً. تبدو فرنسا أكثر البلدان قابليةً لهذه الانزياحات والتحوّلات في العقل السياسي الذي يستفحل ارتهانه إلى الاستعلامات، فالتجربة التاريخية للمجتمع الفرنسي في علاقته بالتعدّد والاختلاف كانت مضنيةً، فقد ظلّ كابوس النظام القديم يشلّ الخيال السياسي الفرنسي إلى حدّ الهلوسة. كانت فرنسا الرسمية في أواخر القرن التاسع عشر مرعوبة وقلقةً من الأجسام الوسيطة: جمعيات ومنظّمات ونوادٍ وهيئات مدنية، ولا ترى فيها إلا نظاماً قديماً حريصاً على العودة. لذلك، ظلّ المجتمع المدني مشلولاً، وانتظرنا سنة 1905 ليُسمح للجمعيات بالتشكّل والتأسيس. أشار ألكسيس دي توكفل إلى هذا الرُهاب الذي شكّل العقل السياسي، وظلّت لفرنسا ديمقراطية جمهورانية، لا يهمّها بالدرجة الأولى أن يعبّر المجتمع عن تعدّده واختلافه، بل أن يعبد الجمهورية وينسجم مع مذهبها. أفلحت فرنسا خلال القرنَين ما بعد ثورتها أن تصنع قالباً كبيراً صمّمته من فولاذ، هو أقرب إلى قفص حديدي تحشر فيه مواطنيها. ذابت في فرنسا كلّ الاختلافات، وصُهرتْ، ولم يخل ذلك من غطرسة وعنجهية. على مرمى حجر من فرنسا، نمت تجارب أخرى أكثر احتفاء بالتعدّد والاختلاف في تقليد تاريخي طويل يمدح الجماعات الإثنية والعرقية والدينية... إلخ. حين تسافر إلى بريطانيا أو هولندا، وحتى إلى بلجيكا، سترى التعدّد واضحاً وجلياً في اللباس والمطاعم واللهجات والأسواق والموائد، في حين تختفي هذه التعبيرات التعددية كلّها في فرنسا. سنّت فرنسا في غباء "عقلاني" قوانين تمنع الحجاب ومظاهر التعدّد الثيابي كافّة، تحت مسوّغات عديدة، ولكنّها نابعة من كرههها المَرضي للتعدّد والاختلاف. ذوّبت وصهرت هذا كلّه في قالب الجمهورية إلى حدّ مرتبة العبادة. ليس من الصدفة أن تكون فرنسا الحاضنة الأكبر للإسلاموفوبيا، التي تظلّ سليلة اللائكية الفرنسية. تجني فرنسا نتائج سالبة نتيجة سياساتها الفاشلة في إدماج المهاجرين وفي لائكيّتها المهلوسة التي أججت مشاعر الإسلاموفوبيا قد يكون لتنظيم الإخوان المسلمين استراتيجيةً للانتشار ولاستقطاب الجاليات المسلمة، ولكن أن تُشيطَن جمعيات الجاليات ونواديها ضمن هذه الخطّة "الجهنمية"، فهذا لا يخلو من افتراء. لقد طالب العديد من نواب البرلمان، فضلاً عن شخصيات حقوقية عدّة، بكشف المزيد من التفاصيل المقنعة، لأن ما ورد، حسب اعتقادهم، يظلّ غير كافٍ ولا يخلو من غموض وتوظيف. أمّا التوصيات التي قدّمتها السلطات الفرنسية، فهي إقرار ضمني بإخفاق نموذجها في ادماج الجاليات المهاجرة، وخصوصاً المسلمة. إنه قالب جاهز خانق. إذ تثير التوصيات جملةً من المشاكل العالقة، ناجمة عن ضيق قالب الدمج: رفض المقابر الخاصّة بالمسلمين، ورفض أشكال التعددية في التعليم، وتنامي الشعور بالرفض في التوظيف وفي سوق العمل... إلخ. تجني فرنسا نتائج سالبة نتيجة سياساتها الفاشلة في إدماج المهاجرين وفي لائكيّتها المهلوسة التي أججت مشاعر الإسلاموفوبيا.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
مرحباً بسورية خارج قضبانها
من دون شروط خارجية، ومع دعم كبير لعودة سورية "دولة مستقرّةً تعيش بسلام"، كما عبّر وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، تبدأ سورية مرحلتها الجديدة بنظام حكم جديد لبناء مستقبل مشرق ومزدهر ومستقرّ. هذه الكلمات، على بساطتها ومخزون التفاؤل فيها، في حقيقتها برنامج عمل تتقاسم مسؤولية تنفيذه الحكومة والمجتمع السوريان معاً. فما يريده المجتمع الدولي من سورية اليوم، ضمان الأمن الداخلي لجميع أبنائها، وهذا يحتاج إرادة مشتركة بين المكوّنات السورية كلّها، من جهة، ومع السلطة الحاكمة من الجهة المقابلة، فالأمن لا يفرضه طرفٌ على آخر لا ينصاع لقوانينه، والسلطة عادة تمارس صلاحياتها من الشرعية التي يمنحها لها الشعب، ومن عقد اجتماعي يتوافق عليه الجميع، وكلّ خلل في معادلة متوازنة القوة (كما يفترض) ينعكس سلباً في مخرجاتها، ويشوّه مصالح جميع أطرافها، فالحرية المنشودة اليوم لا تتعارض مع تطبيق قوانين صارمة من الدولة، ولا مع أهداف وطنية مُعلَنة، في مقدّمتها وحدة سورية، وضمان حرية شعبها. فلم تعد البلاد اليوم تحت تهديد الانفصال، كما كانت في المراحل السابقة، تحت ظلّ الرعايات الخارجية الانتقائية (قومية أو مناطقية)، وكانت تصبّ دائماً في هدف تمزيق سورية، والنيل من وحدة مجتمعها قبل وحدة أراضيها. يمكن قراءة قرار رفع العقوبات المفروضة على سورية، وإعلان الولايات المتحدة دعمها سورية، وتأكيدها عبارة "مستقرّة وموحّدة"، بكونهما رسالتَين: داخلية وخارجية، سبق أن وجّهتهما سابقاً إلى دول عديدة، تجربة العراق مثلاً. لكن، يبدو أن بعض السوريين على اختلاف مرجعياتهم يتجاهلون قراءة الأحداث حولنا. فحين أقرّت الدول بعراق موحّد، ورغم كلّ المقومات التي يملكها إقليم كردستان العراق للسعي لدولة مستقلّة، من تمثيل دبلوماسي خارجي وقوى عسكرية (البشمركة) واتفاقات دولية ومقدرات اقتصادية، وإجرائه استفتاءً حول استقلاله، لم يستطع الحصول على أيّ اعتراف بانفصاله عن العراق. هذا يؤكّد ألا خرائطَ جديدةً في منطقتنا العربية، بل هناك سماح ومباركة بسياسات جديدة هدفها الازدهار والاستقرار، وضمان وحدتها توفير الأمان والحقوق المتساوية لكلّ مواطنيها أفراداً وجماعات. مرحباً بالدولة التي يمنحها تحرّرها من تبعات العقوبات التي أنهكت الشعب السوري القدرة على الازدهار وإحلال السلام بين مكوّناتها ما حدث في الأيام القليلة الماضية، من قرار رفع العقوبات والتصريحات اللاحقة له، يُعدّ إغلاقاً كاملاً لكلّ النزاعات الداخلية المدعومة خارجياً، وهذا لا يعني استقواء السلطة على الشعب، بل يؤسّس سلطةً هدفها ازدهار أحوال الشعب السوري في كامل أراضي الدولة، بإرادة داخلية تنطلق من ضمان حقوق المواطنة المتساوية، للأكثرية والأقلية، واحترام متبادل لكلّ الثقافات التي تثري النسيج السوري. هذا الواجب، أو هذه الوظيفة المحلّية، التي لا يُنتظَر تطبيقها تحت ضغط الرقابة الخارجية على تقدّم سورية، والتطوّرات في الأرض، بل لأن السوريين كلّهم معنيون فعلياً بتحقيق هذه الغاية، وهي الوصول إلى سورية دولةً مستقرّةً وآمنةً، كما جاء في بيان الوزير بيسنت. لقد أفشل قرار الرئيس ترامب رفع كامل العقوبات عن سورية، وآليات تنفيذه السريعة، كلّ رهان على فشل عودة سورية دولةً طبيعيةً، وأعادها إلى الانشغال بشؤونها الداخلية، وتأمين متطلّبات الحياة الكريمة لمواطنيها، وتمارس دورها التشريعي الذي يمثّل تطلّعات شعبها، في دولة مؤسّسات وقانون، تزيح عن كاهل السوريين عبء المعاناة من الفساد والخراب الذي خلّفه النظام البائد. الترحيب الدولي الذي حظيت به هذه القرارات يفتح أبواب العالم على سورية، ويجعل منها وجهةً واعدةً للاستثمارات الدولية، شرط أن نحسن التعامل مع متطلّباتها بحرفية ومهنية، وأن نحسن توظيف علوم التكنولوجيا الحديثة التي تتيحها اليوم الدول الصديقة. ولعلّها المرّة الأولى التي تنفتح فيها سورية على محيطها والعالم من بواباتهم الدبلوماسية، بل وتنجح في توحيد المختلفين على أبوابها، وتعالج أزماتها عبر الحوار وأدواته السياسية، إنه تحوّل يطوي صفحةَ عهدٍ دام خمسة عقود متتالية، يتأرجح بين عداوة دولة وارتهان لأخرى، وتدخّل في شؤون سياسات ثالثة وإخلال بأمن رابعة... وهكذا. إنه السلام الذي يمحي من ذاكرة السوريين سنوات الحرب والعزلة ووسم الإرهاب، فمرحباً بالدولة السورية خارج قضبانها. مرحباً بالدولة التي يمنحها تحرّرها من تبعات العقوبات التي أنهكت الشعب السوري القدرة على الازدهار وإحلال السلام بين مكوّناتها، وتحقيق أعلى درجات الرضا الشعبي عن أدائها، فالداخل أشدّ حاجةً اليوم إلى دولة قوية توطّد أمنه، وتمهّد الطريق لنهوضه واستقراره وازدهاره.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
عقلنة العدالة الانتقالية
يظن البعض أن السياسة فعل حصري يصنعه المحترفون السياسيون أو أصحاب السلطة فقط، ولأن أي حدث سياسي بالمحصلة سيتحول إلى حدث شخصي بغض النظر عن درجة التفاعل ودرجة الموافقة أو الرفض، يشعر السوريون والسوريات بأن ساعة مباشرتهم بتحقيق العدالة الانتقالية المنشودة قد أزفت. في لحظات التحول المحمومة بفرحة النصر، يسيطر هاجس أعمق، ينهض فجأة بشراسة تبدو كانعكاس للحظة الفرح، وهذا الانعكاس يبتغي اكتمال الرغبات وليس اكتمال المسار السياسي فحسب. إذ تصحو فجأة غريزة الانتقام المخبأة، لظنٍ من أصحابها بأنها مستحيلة، أو على الأقل مؤجلة! تحضر الفرحة العارمة كما تحضر نشوة العدالة الفورية التي تتعامل مع ضرورة تحقيق العدالة فوراً وكأنه الإنجاز التالي حكماً للنصر، وربما يظن البعض أن المسافة ما بين النصر وتحقق العدالة يجب أن تكون صفرية، بمعنى أن الدعوة للأخذ بمسار العدالة يجب أن تكون فورية وحاسمة، وإلا كانت الخسارات وإفلات المجرمين من العقاب نتيجة حتمية وخسارة مؤكدة. عقلنة العدالة الانتقالية لا تعني التريث فقط، حتى تستقر الحالة العامة للبلاد، ولا تعني فقط الانتقال إلى الحيّز السياسي وإفساح المجال له ليبني مسار العدالة حسب الواقع والإمكانات، وحسب الأولويات التي تهدف إلى التقليل من انفجار السرديات أو سطوة أحدها على الآخر. تحضر الفرحة العارمة كما تحضر نشوة العدالة الفورية، وربما يظن البعض أن المسافة بين النصر وتحقق العدالة يجب أن تكون صفرية إن ما يتناسب مع الرغبات العارمة، وبما يليق بالنصر الذي يحصره البعض فيهم فقط، يبدو خطيراً ومهدداً للسلم الأهلي، ليس بسبب تأجيل إنصاف الضحايا، وليس بسبب انتظار وقت مناسب، بل لسبب وحيد وهو أن الحالة العامة تتأثر عميقاً وبسرعة بكل الانفعالات والسرديات المؤجلة والمخبأة لمثل هذه اللحظة، مما قد يتسبب بحالة انفجارية عامة، متبدلة الأركان، تنهض بقوة إرث قهري مكتوم كالسيل غير القابل للانتظام ولا إلى التوقف. إن العقلنة هنا لازمة كسياق عام وكآليات تعتمد الحوار مع الآخر عبر آليات أولها الاستماع وثانيها التبصر في تفاصيل المقتلة، والحوار هنا ليس بين الضحية والجلاد، لأن كليهما غائب عن المساحة العامة. الحوار هنا بين أولياء الدم وأولياء من يصنفهم أولياء الدم بأنهم حاضنة الجلاد، أو جمهوره! المشكلة هنا في انتفاء الرغبة بوجود الوسطاء، والوسطاء هم من سيديرون الزمن القادم، أو ربما من يختارهم أصحاب السلطة الجديدة لوضع قواعد ونصوص وآليات وإجراءات تلك العدالة المنشودة. عقلنة العدالة الانتقالية هي مسار سياسي، لكنه بلا قواعد ناظمة مطلقة، ومهما اجتهد المشرعون لن يفلحوا بتنظيمه بعقلانية وقدرة على الضبط والتحكم. لكن في الوقت نفسه تبدو الأسطوانة المشروخة التي تنتمي إلى إحالة كل الأفعال الانفجارية إلى كونها نتائج طبيعية مشرّبة بالعاطفة وبتوصيفها كرد فعل طبيعي لا يمكن ضبطها أو تنظيمها لدرجة أن تقليل أعداد الخسائر يتحول إلى منجز سياسي وعملي مهم وذي قيمة. وفي أوج غياب العقلنة، ينضم الدعاة إليها، إلى قوائم التخوين وقوائم المشمولين بالتهديد والوعيد والوصم السلبي وربما إلى قوائم المتهمين أيضاً. في بلاد ما زال الفعل السياسي فيها بعيداً عن الجمهور العام، ومكروهاً من قبل غالبيته تداركاً للمخاطر التي يجري اعتبارها تعميماً شاملاً لا يمكن نقضه لمزاولة السياسية حتى في حدودها الدنيا، يغيّب أولي الأمر صناعة القرارات والمشاركة في وضعها أو تقييمها، ويطلب من الجمهور العام تنفيذها فقط، تغيب العقلانية السياسية، وتصبح العدالة مترنحة بفعل عدم المشاركة الواسعة في بنائها. لكن هل يمكن استرداد المشاركة بقرار حاسم وطوعي من قبل الجمهور؟ هل يمكن للجمهور العام عكس تلك العملية والسعي الجاد والمسؤول لعقلنة العدالة الانتقالية فتتحول من محاولة عامة إلى إجراء سياسي لازم، ضروري ومحق؟