
العراق بين والولايات المتحدة وإيران
عندما انسحب الرئيس ترامب عام 2018 من "خطة العمل الشاملة المشتركة" أصرّ على إجراء مفاوضات جديدة مع إيران ترمي إلى إيقاف طموحاتها النووية وتغيير "سلوكها التوسّعي" في الشرق الأوسط. انتهجت إيران سياسة واضحة إزاء العراق، فالجمهورية الإسلامية تعتبر العراق مهماً جداً لأمنها القومي وهي تتعامل مع العلاقات الثنائية كما لو أنّ العراق امتداد وثيق وطبيعي لبلدها.
مما سمح لها بالمضي قدماً في مسارها من دون انقطاع خلال العقد الفائت. فقد أبدت إيران رغبتها في مساعدة العراق في حربه ضدّ "داعش" وكان لها موقف في استفتاء إقليم كردستان العراق للحصول على الاستقلال، وسعت الى إنجاح جهودها الرامية إلى ضمان الخروج الأميركي من العراق.
طوّرت إيران علاقات سياسية وأمنية واقتصادية أكثر فعّالية في العراق. لجأ الإيرانيون إلى حلفائهم في القطاعين السياسي والأمني من أجل تقليص النفوذ الأميركي في العراق والتخلّص منه في النهاية.
كانت إيران تتعامل رسمياً مع مؤسسات الدولة في العراق، لكن كانت تتعامل مع رؤساء منظمات سياسية تعامل معها الجنرال قاسم سليماني بشكل جدّي الى جانب الجماعات والتنظيمات العراقية القريبة منها. في تلك الفترة خسرت الولايات المتحدة الكثير من نفوذها في العراق وتراجعت عموماً.
اعتبرت إيران اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق القائد العسكري والسياسي البارز في هيئة الحشد الشعبي هجوماً مباشراً من الولايات المتحدة بعد تحشيد الشارع العراقي وتشجيع الاحتجاجات المناهضة لها التي سادت شوارع العراق 2019.
كان عام 2020 عاماً حاسماً لمصالح الولايات المتحدة في العراق، لكن كان هناك تعاطف وتحالف من المكوّنات الاجتماعية السياسية والفصائل العراقية مع إيران.
قدّم اغتيال قاسم سليماني لإيران زخماً كبيراً وفرصة لتصعيد أزمة، إلا أنها لم تندفع. لم تدخل قط في مواجهة مباشرة مع أيّ قوة عالمية أو إقليمية نافذة حتى ذلك الوقت، بل فضّلت استخدام وسائل أكثر أماناً وفعّالية تقوم على إخلال التوازن.
قصفت قاعدة عين الأسد، حقّقت طهران ما تريده من القصف، إذ أخبرت بغداد بداية بأنها ستوجّه ضربة صاروخية، وأوصلت رسالة بهذا المعنى لواشنطن.
ولهذا لم يقع ضحايا أميركيون بشكل بارز للأعلام أو عراقيون، وهو ما أرادته إيران حتى لا تعطي ترامب مبرّراً لضربها، وكرسالة لتخفيض التصعيد، لم تظهر الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً في التخفيف من وطأة سياسة الضغط القصوى التي انتهجتها، مع إبقائها جنودها في حالة تأهّب. لكنّ إيران استمرت في مساعيها الرامية إلى إخراج الجيوش الأميركية، ومارست ضغوطاً سياسية متنامية إما من خلال الحكومة أو في البرلمان العراقي.
كان ترامب قد حاول خلال أيار/مايو 2017 مطالبة الدول العربية والإسلامية أثناء قمة الرياض التحريض على مواجهة "التهديدات الإيرانية"، وفي عام 2019، كشف أنّ بلاده تعمل مع شركائها في المنطقة العربية لتكوين تحالف استراتيجي إقليمي يضم مجلس التعاون الخليجي، الأردن ومصر من أجل ازدهار المنطقة من دون التطرّق إلى التفاصيل، واعتبر أنّ "الزعماء الإيرانيين لا يحترمون جيرانهم ولا حدودهم، ولا حقوق سيادة الدول".
تضمّنت رؤية واشنطن لردع إيران وجود نحو 35 ألف جندي أميركي في دول الخليج بصورة شبه دائمة، لكن فكرة الناتو العربي ذهبت أدراج الرياح.
كرّر ترامب بعد عودته الى البيت الأبيض أنّ طوفان الأقصى لم يكن ليحدث لولا إيران. اتخذ الرئيس الأميركي سلسلة إجراءات لإجبار إيران على التفاوض على اتفاق نووي جديد، ملوّحاً بالتصعيد العسكري عند الضرورة.
ووقّع مذكّرة رئاسية للأمن القومي أعادت حملة "الضغط الأقصى" ضدّ إيران، إضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة استهدفت صادراتها النفطية.
اليوم 10:31
15 اب 10:13
أما دبلوماسياً، فبعث في آذار/مارس 2025 رسالة إلى السيد علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني، من أجل التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد محذّراً من عمل عسكري محتمل إذا فشلت المفاوضات. وافقت إيران بعد رفض إجراء محادثات غير مباشرة بوساطة عُمان، وعقدت بالفعل 5 جولات، مع ستيف ويتكوف صديق ترامب ومبعوثه الخاص.
استخدم ترامب التهديد بالقوة العسكرية للضغط على إيران، وحذَّرها من قصف "لم تشهد مثله من قبل" إذا لم تبرم صفقة. وبعد مهاجمة "إسرائيل" أهدافاً إيرانية فجر 13 حزيران/يونيو، وتدمير أجزاء من المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، ومقتل عدد كبير من المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين، أشاد ترامب بالعملية الإسرائيلية وساهم بحصته من القصف، وكرّر ترامب اعتقاده بأنّ إيران يجب أن "تبرم اتفاقاً الآن" بشأن برنامجها النووي لتجنّب تصعيد أكبر.
وبالرغم من أنّ المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران و"إسرائيل" والولايات المتحدة لم تشمل العراق فقد حرصت بغداد على التأكيد بأنها غير مشمولة، إلا أنّ المجال الجوي العراقي استُخدم بشكل واسع كممر للعمليات العسكرية من الجانبين، تماماً كما حدث خلال جولتين كبيرتين من الضربات المتبادلة بين إيران و"إسرائيل" في عام 2024.
تسعى الولايات المتحدة لضرب النفوذ الإيراني لدى الحكم العراقي والطاقة العراقية، ويحاول المسؤولون الأميركيون صياغة سياسة واضحة لتأمين المجال الجوي العراقي بطريقة تحافظ على حرية العمل الأميركية في أيّ أزمات مستقبلية.
خلال الحرب الأخيرة، لم تتدخّل المجموعات والفصائل العراقية مع أنها إبّان مساندة غزة شاركت في عمليات، لكن بعد قصف الولايات المتحدة لإيران، أشير إلى ضربة رمزية واحدة فقط على هدف أميركي.
كانت علامات التحفّظ كالاحتجاجات نشطة على شبكات التواصل الاجتماعي ولم تعقد الجلسة البرلمانية المقرّرة في 17 حزيران/يونيو حول إدانة الهجمات الإسرائيلية في تحقيق النصاب القانوني؛ حلّقت الطائرات الإسرائيلية فوق العراق وأجوائه في هذه الأثناء، لكنّ عدداً كبيراً من الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز أطلقتها إيران خلال الصراع ومرّت عبر المجال الجوي العراقي، أما بالنسبة للطائرات الأميركية، فمرّت عبر أجواء العراق في 22 حزيران/يونيو في طريقها لضرب البرنامج النووي الإيراني.
مع اقتراب الحرب من نهايتها في 23-24 حزيران/يونيو، دُمّر رادارا مراقبة عراقيان على الأقل بهجمات طائرات مسيّرة غامضة في معسكر التاجي وقاعدة الإمام علي الجوية، بينما قد يكون آخران قد استُهدفا من دون نجاح في قاعدة بلد الجوية وقاعدة الأسد الجوية.
كانت بغداد قد دعت لاقتناء رادارات اعتراض ومعترضات دفاع جوي غير أميركية قبل الحرب إلى أنها ستصبح الآن أكثر إلحاحاً. لكنّ الولايات المتحدة تحاول الضغط على المورّدين البدلاء لضمان أن لا تشكّل أيّ دفاعات جوية عراقية تهديداً للمصالح الأميركية أو حرية العمل.
ترى الولايات المتحدة الأميركية أنه لم يقصف أيّ فصيل عراقي المرافق الأميركية خلال الحرب أو جدد الدعوة لطردها. وتعتقد أنّ إضعاف إيران في العراق بعد الحرب إضافة الى الجهود المستمرة لإزالة النفوذ الإيراني من داخل قطاع الطاقة العراقي يمكن أن ينجح في إضعاف العلاقة مع إيران.
إلّا أنّ إيران تملك نفوذاً في العراق بحكم العلاقات التاريخية ووجود القوى الشيعية والفصائل المقرّبة منها، بينما تتدخّل الولايات المتحدة بشكل مباشر في قرارات الدولة العراقية.
كان العراق قد أُجبر على إلغاء الإعفاءات الأميركية لاستيراد الغاز الإيراني، والتزم بعدم دفع الأموال المحجوبة لطهران وقد تلجأ واشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة على العراق، في محاولة لعزله عن إيران.
تضغط واشنطن على "الحكومة العراقية لإعادة ترتيب علاقتها مع إيران بما يتوافق مع النفوذ الأميركي، محاولة تفكيك الحشد الشعبي، الذي يُعدّ مؤسسة أمنية رسمية بموجب القانون والدستور، تطلق حملات إعلامية ضد فصائل المقاومة العراقية، عبر توجيه المؤسسات الإعلامية الأميركية لتشويه صورتها، وتحاول منع مشاركة الفصائل مثل بدر، النجباء، وكتائب الإمام علي في أي مؤسسة حكومية، مع المطالبة بتصنيفها كـ"منظمات إرهابية أجنبية" وفرض عقوبات على مسؤولين وشركات عراقية يُعتقد أنها تسهّل النفوذ الإيراني داخل البلاد بهدف فرض قيود على استيراد الغاز الطبيعي المسال، وإلى ضرب النفوذ الإيراني في قطاع الطاقة العراقي.
تضغط واشنطن بشكل متزايد على بغداد لقطع العلاقات مع طهران. في الوقت الذي أشرف فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على توقيع مذكرة تفاهم أمنية مشتركة بين مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، "بشأن التنسيق الأمني على طول الحدود المشتركة بين البلدين".
اعترضت الولايات المتحدة على مذكّرة التفاهم إلّا أنّ السفارة العراقية اعتبرت أنها ملتزمة بتعزيز علاقاتها الودية مع مجموعة واسعة من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، "على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة"، مؤكّدة أنّ بغداد "ليست تابعة لسياسة أي دولة أخرى، وأنّ قراراتها تسترشد فقط بإرادتها الوطنية المستقلة".
وأشار بيانها أنّ مذكّرة التفاهم "تندرج في إطار التعاون الثنائي الهادف إلى الحفاظ على الأمن وإدارة الحدود المشتركة"، وتساهم في استقرار وأمن البلدين والمنطقة ككلّ.
كذلك عارضت الولايات المتحدة بشدّة مشروع قانون في البرلمان العراقي يسعى إلى تنظيم قوات الحشد الشعبي على غرار أجهزة أمن الدولة العراقية الأخرى، قائلة إنّ مشروع القانون يقوّض السيادة العراقية.
النهج الأميركي المزعزع لاستقرار العراق يثير التساؤل حول كلام مسؤوليها عن اهتمامهم بسيادتها بينما يضغط عليها اتجاه علاقتها مع دول المنطقة، أما تصريحات مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية حول مشروع قانون الحشد الشعبي فيعتبر تهديداً مبطّناً لاستقلالية قرارها.
تكمن أهمية العراق بالنسبة للمسؤولين الأميركيين في تعاونه لضرب الأمن الإيراني، وهذا ما يجعل العراق في موقع خطير . إيران لم تدعُ العراق أو فصائله للمشاركة في حربها لأنها تصرّ على أمن العراق على عكس محاولة واشنطن الهيمنة على قراره واستعماله ضدّ جيرانه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 30 دقائق
- صدى البلد
جاستن توماس: بوتين الرابح الأكبر من قمة ألاسكا.. وأوكرانيا الخاسر
قال جاستن توماس راسل، المدير التنفيذي لمركز السياسة الخارجية، إن قمة ألاسكا الأخيرة أظهرت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان الرابح الأكبر بعدما جرى استقباله على السجادة الحمراء من قبل الرئيس الأمريكي، رغم صدور مذكرة توقيف دولية بحقه واتهامه بارتكاب جرائم حرب. وأضاف راسل، في مداخلة مع الإعلامية مارينا المصري، ببرنامج "مطروح للنقاش"، المذاع على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن مشهد الترحيب ببوتين بدا كأنه تكريم لبطل عائد من الحرب، وهو ما أظهر ضعفًا للولايات المتحدة أمام خصمها الاستراتيجي، وأحدث صدمة لدى الأوكرانيين الذين يفترض أن واشنطن تدافع عنهم. وأوضح أن الخاسر الأكبر من القمة كان أوكرانيا، إذ جرى استبعاد رئيسها فلاديمير زيلينسكي من اللقاء، بينما سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعقد صفقات بالنيابة عنها، وهو ما وصفه راسل بـ"فكرة سيئة للغاية وخطيرة على الأمن الدولي". وأشار إلى أن ترامب ينظر إلى السياسة الخارجية بعقلية "التاجر المباشر"، محاولًا استخدام التقارب مع روسيا كورقة في مواجهة التمدد الاقتصادي للصين، وربما طمعًا في الفوز بجائزة نوبل للسلام، غير أن الواقع العالمي- بحسب راسل- أثبت له أن صناعة السلام ليست بالأمر السهل، وأن الحروب أكثر تعقيدًا واستمرارًا. وأكد راسل أن التوقعات حول قمة واشنطن المقبلة ما زالت غامضة، خصوصًا مع تداول أفكار حول "تبادل أراضٍ" بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يرفضه زيلينسكي والشعب الأوكراني بشكل قاطع، مشددًا على أن أي محاولة لإعادة تسمية الأفعال غير القانونية التي قام بها بوتين لن تؤدي إلا إلى تعزيز أطماعه التوسعية. وختم حديثه بالقول: "ترامب يجب أن يدرك أن هذه دول حقيقية، وهذه مسألة حياة أو موت، وليست مجرد صفقة سياسية أو لعبة جيوسياسية".

صدى البلد
منذ 30 دقائق
- صدى البلد
مونيكا وليم تكتب: بوتين وترامب في قمة ألاسكا.. سلام مؤجل أم صفقة كبرى
برزت قمة ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين كواحدة من أبرز اللقاءات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، إذ انعقدت في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية، وتبدّل التحالفات الدولية، وتصاعد حالة عدم اليقين داخل المعسكر الغربي. وقد أثارت القمة نقاشًا واسعًا حول مغزاها وتداعياتها المستقبلية، خصوصًا وأن ترامب حاول إضفاء طابع التفاؤل والرهان على 'دبلوماسية الاختراق'، بينما جاءت النتائج ضئيلة أو غائبة، لتطرح أسئلة محورية حول مستقبل الأمن الأوروبي، وسيادة أوكرانيا، والتوازن الدولي مرحلة في مضطربة. وعليه حملت القمة دلالات رمزية عميقة؛ فألاسكا كانت أرضًا روسية بيعت للولايات المتحدة قبل 150 عامًا مقابل 7 مليون دولار، وبالتالي عقد القمة هناك أعاد إلى الأذهان جذور التنافس والتوازنات التاريخية بين القوتين. كما أن توقيت القمة جاء شديد الحساسية، إذ تزامن مع تصعيد العمليات العسكرية الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا، في وقت كانت واشنطن قد لوّحت بفرض عقوبات جديدة على موسكو بحلول 8 أغسطس 2025، لتتراجع فجأة وتعلن عن 'قمة سلام'. هذا التحول يعكس مرونة العلاقات الأميركية – الروسية، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن توظيف الدبلوماسية كأداة لإعادة رسم مسارات الصراع. وعند الوقوف عند أهمية القمة، فقد ساهمت في استعادة العلاقات الاقتصادية إلى ما قبل 2022، حيث أن مشاركة وزراء الاقتصاد وكبار رجال الأعمال من الجانبين أوحت بأن الاقتصاد يُطرح كمدخل لإعادة تطبيع العلاقات، وجعله أساسًا لتسوية أوسع، في ظل مساعٍ لربط التعاون التجاري والاستثماري بمسار المصالحة السياسية. إلي جانب وقف إطلاق النار والتسويات الترابية، حيث تطرقت المباحثات إلى احتمالات وقف إطلاق النار ورسم 'اتفاقات خرائطية'، وذلك بالتزامن مع تصعيد روسيا عملياتها الميدانية في دونيتسك وزابوروجيا وخيرسون ومطالبتها بانسحاب أوكراني كامل لتأمين ممر بري إلى القرم ظلت ثابتة، وهو ما فسره محللون كمناورة عسكرية لفرض وقائع على الأرض قبل التفاوض. فضلا عن الملف النووي، إذ تناولت القمة مستقبل معاهدة 'ستارت الجديدة' بما يعكس اتساع الرهانات المرتبطة بالعلاقات الأميركية – الروسية، من أوكرانيا إلى الأمن النووي، الذي يظل حجر الزاوية في الاستقرار العالمي. على الرغم من الطابع الودي للقمة وتصريحات ترامب المتفائلة، بقيت الحسابات الصفرية هي السائدة، إذ لم يتم الإعلان عن خطوات عملية لوقف الحرب. رفض ترامب الإجابة عن أسئلة الصحفيين مكتفيًا بالحديث عن 'تقدم مهم'، من دون تفاصيل. وفي المقابل، خرج بوتين بمكاسب رمزية كبرى: فقد منحه مجرد انعقاد القمة على الأراضي الأمريكية اعترافًا بمكانته الدولية، وأتاح له كسر جزء من طوق العزلة وإعادة تقديم نفسه كشريك ند للولايات المتحدة. وبالظر إلي التصور الذي يطرحه ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا يستند على الوقائع الميدانية لا على السرديات التاريخية، فبعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال، لم تنجح أوكرانيا رغم الدعم الغربي غير المسبوق في استعادة جميع الأراضي التي ضمّتها روسيا منذ 2014، كما أن موسكو نفسها لا تسيطر بالكامل على المناطق التي أعلنت ضمها في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا. في هذا السياق من وجهة نظر ترامب، ينبغي أن تُترجم الدبلوماسية ميزان القوى على الأرض. أي تجميد خطوط التماس الحالية باعتبارها حدودًا بحكم الأمر الواقع، مع احتمال إجراء تعديلات طفيفة. عمليًا، يعني ذلك وقف الحرب مقابل اعتراف روسيا بسيادة أوكرانيا، مقابل احتفاظ موسكو بالمناطق التي تسيطر عليها فعليًا. لكن الدستور الأوكراني يحظر التنازل عن أراضٍ، ما يُلزم الرئيس زيلينسكي باللجوء إلى استفتاء شعبي محفوف بالمخاطر السياسية. لذلك في نظري ، برزت هذه القمة كقمة تمهيدية لمسار أطول. إذ لمح ترامب إلى أنها قد تكون الأولى في سلسلة قمم مع بوتين، تمهد لجولات تفاوضية لاحقة بدلًا من اتفاق فوري. علي مستوي قياس ردود الأفعال فهناك فريق داخل الولايات المتحدة، يرتأي أنّ أي تنازل عن إقليم الدونباس سيكون كارثيًا نظرًا لأهميته الرمزية وموارده المعدنية، التي ترتبط بها استثمارات أمريكية غير مباشرة، كما اعتُبر اختيار ألاسكا مكانًا للقمة بمثابة إنهاء للعزلة السياسية التي حاول الغرب فرضها على بوتين، دون أن يدفع الأخير ثمنًا مقابلاً. أما في أوروبا: ركّزت المخاوف على غياب أوكرانيا عن طاولة التفاوض، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على أنّ أي اتفاق لا يضمن أمن كييف ويؤسس لمسار انضمامها إلى الناتو سيبقى هشًّا وغير مشروع. ختاماً، لقد أبرزت قمة ألاسكا التناقضات العميقة في المشهد الجيوسياسي الراهن: إذ اجتمعت الرمزية الدبلوماسية مع المأزق الواقعي. فبوتين حقق مكاسب سياسية ومعنوية دون تقديم تنازلات حقيقية، بينما غادر ترامب خالي الوفاض من الإنجازات التي وعد بها، ما أضعف صورته كـ'صانع صفقات'. أما أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون، فقد خرجوا بمزيد من القناعة بأن ضمانات أمنية قوية تمثل شرطًا لا غنى عنه لأي تسوية، بعيدًا عن مساومات كبرى تُعقد على حسابهم. وفي النهاية، تبقى قمة ألاسكا مفتوحة على تفسيرات عدة: فرصة ضائعة، أم منعطف حاسم، أم مجرد استعراض سياسي. لكن المؤكد أنها ستظل محطة مؤثرة في مسار الجدل حول الحرب والسلام وقواعد القوة في النظام الدولي.


صوت بيروت
منذ ساعة واحدة
- صوت بيروت
حلفاء زيلينسكي في وضع حرج.. قمة أوروبية طارئة لمواجهة مقترحات ترامب المثيرة للجدل
يعقد قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، اليوم الأحد، مؤتمراً عبر الفيديو ضمن إطار «تحالف الراغبين» لبحث سبل المضي قدماً في تسوية الحرب، وذلك بعد أن استبعد الرئيس الأميركي، السبت، وقفاً فورياً لإطلاق النار، مؤكداً أنه دفع مباشرة نحو «اتفاق سلام» عقب القمة التي جمعته بنظيره الروسي في ألاسكا. وقدّمت قمة ألاسكا، التي كان يفترض أن تكون حاسمة بالنسبة إلى أوكرانيا وأوروبا، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عودة إلى الساحة الدولية بعدما عزل منها عقب شن الحرب في أوكرانيا بفبراير (شباط) 2022، دون أن تؤدي إلى وقف الأعمال العسكرية أو فرض عقوبات جديدة تستهدف بلاده. حتى إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أصبح يؤيد اقتراحا من روسيا بتعزيز وجودها في شرق أوكرانيا، وفق ما أفاد مسؤول مطلع على المحادثات الهاتفية بين ترامب وقادة أوروبيين وكالة 'فرانس برس'. وبحسب المصدر نفسه، يطالب الرئيس الروسي 'بأن تغادر أوكرانيا دونباس'، وبالتالي بالتنازل الكامل عن هذه المنطقة التي تشمل منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، كما يقترح تجميد القتال على جبهة منطقتي خيرسون وزابوريجيا (جنوب). وبعد أشهر قليلة من بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلنت روسيا في سبتمبر (أيلول) 2022 ضم هذه المناطق الأوكرانية الأربع، رغم أن قواتها لا تسيطر بشكل كامل على أي منها. ومن المقرر أن يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، في البيت الأبيض، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي رفض حتى الآن أي تنازلات إقليمية، قائلا إن يديه مقيدتان بالدستور الأوكراني. وفي حين أعرب الرئيس الأوكراني عن 'امتنانه للدعوة' حذّر، مساء السبت، من أن رفض موسكو لوقف إطلاق النار 'يعقد الوضع'. ضمانات أمنية وقبيل رحلة زيلينسكي إلى واشنطن، سيعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، مؤتمرا عبر الفيديو، الأحد، مع 'تحالف الراغبين' الداعم لكييف والذي يضم معظم الدول الأوروبية الكبرى والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ودولا أخرى مثل كندا. وبحسب دبلوماسيين، من المتوقع أن يناقش المشاركون الضمانات الأمنية التي ستمنح لكييف كجزء من اتفاق سلام محتمل. واقترح ترامب ضمانات أمنية مستوحاة من تلك التي يقدمها حلف شمال الأطلسي ولكن من دون الانضمام إلى الناتو الذي تعتبره موسكو تهديدا وجوديا يمتد إلى حدودها. وأوضحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، أنه للشروع في ذلك يتعين تحديد 'بند للأمن الجماعي يسمح لأوكرانيا بالحصول على دعم جميع شركائها، بمن فيهم الولايات المتحدة، ليكونوا مستعدين للتحرك إذا تعرضت للهجوم مجددا'. قمة ثلاثية؟ وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الصراع الأعنف في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح الجيش الروسي يسيطر على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية بما في ذلك منطقة لوغانسك بشكل شبه كامل وجزء كبير من منطقة دونيتسك حيث تسارع تقدمه أخيرا. لكن الحال ليست مماثلة في زابوريجيا وخيرسون اللتين ما زالت مراكزهما الحضرية الرئيسية تحت السيطرة الأوكرانية. ويبدو أن تخلي دونالد ترامب عن سيناريو وقف إطلاق النار يصب في مصلحة فلاديمير بوتين الذي يرغب في التفاوض مباشرة على اتفاق نهائي، لكن في المقابل، تعتبر كييف وحلفاؤها الأوروبيون ذلك وسيلة لكسب روسيا الوقت من أجل مواصلة هجومها وتوسيع نفوذها الإقليمي. ومع ذلك، فإنها 'أفضل طريقة لإنهاء الحرب المروّعة بين روسيا وأوكرانيا'، كما كتب ترامب على شبكته الاجتماعية 'تروث سوشال'، موضحا أن 'الذهاب مباشرة إلى اتفاق سلام من شأنه أن ينهي الحرب.. اتفاق وقف إطلاق النار لا يصمد في كثير من الأحيان'. ولمح الرئيس الأميركي كذلك إلى عقد قمة ثلاثية مع بوتين وزيلينسكي إذا 'سارت الأمور على ما يرام' عندما يستقبل الرئيس الأوكراني، الذي تعرّض أثناء زيارته واشنطن في وقت سابق هذا العام لـ'إهانات' -بحسب المحللين- في المكتب البيضاوي من قبل ترامب ونائب الرئيس جي دي فانس أمام الكاميرات في مشهد أثار قلق العديد من الحلفاء الأوروبيين.