
الفيدرالي الأميركي في مأزق التضخم والركود: أسوأ السيناريوهات على الطاولة
تواجه البنوك المركزية، وفي مقدّمها بنك "جي بي مورغان"، تحدّيات اقتصادية متصاعدة، دفعت إلى تبنّي نظرة سلبية تجاه مستقبل الاقتصاد الأميركي، وذلك نتيجة عدة عوامل مترابطة يتصدرها استمرار التضخم، تباطؤ النمو، وارتفاع الدين العام بشكل غير مسبوق.
أولًا: التضخم العنيد وتباطؤ النمو
لا يزال معدل التضخم في الولايات المتحدة مرتفعًا ويتجاوز ضعف الهدف الذي وضعه الاحتياطي الفيدرالي (2%). وعلى الرغم من محاولات الترويض عبر السياسات النقدية المشددة، فإن التضخم لم يتراجع إلى المستويات المطلوبة، في وقت بدأت فيه مؤشرات الاقتصاد الكلي تُظهر علامات واضحة على التباطؤ.
هذا التراجع في النمو الاقتصادي يثير قلقًا متزايدًا لدى المستثمرين وصناع القرار في البنك المركزي الأميركي، خاصة في ظلّ توقعات بانزلاق الاقتصاد إلى حالة من الركود. وهنا يكمن الخطر الأكبر: الركود التضخمي، وهو أسوأ سيناريو اقتصادي محتمل، قد يتزامن مع انخفاض النشاط الاقتصادي وبقاء التضخم مرتفعًا، مما يُقيّد خيارات الفيدرالي بشكل كبير.
عندما يتباطأ النمو، يلجأ الاحتياطي الفيدرالي تقليديًا إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد. لكن في حال استمرار التضخم بالارتفاع، فإن خفض الفائدة سيكون بمثابة تغذية إضافية للتضخم، مما يجعل الفيدرالي أمام معضلة حادة: هل يحمي الاقتصاد من الانكماش أم يكافح التضخم؟
من أبرز مظاهر القلق أيضًا يبرز لدينا الارتفاع الحادّ في الدين العام الأميركي، الذي بلغ نحو 37 تريليون دولار، وهو رقم غير مسبوق في التاريخ المالي للولايات المتحدة. هذا الحجم الضخم من الدين يأتي في وقت تُعتبر فيه أسعار الفائدة مرتفعة نسبيًا، مما يزيد من تكلفة خدمة الدين على الدولة.
تُظهر التقديرات أن فوائد الدين الأميركي تصل حاليًا إلى نحو 4.5%، ويتوجب على الحكومة الأميركية سداد ما يقارب الـ 3.5 تريليونات دولار من هذه الفوائد بحلول نهاية العام. هذا العبء المالي الهائل يؤدي إلى **تآكل ثقة الأسواق**، ويؤثر بشكل مباشر على سوق السندات الأميركية.
تراجع الطلب على السندات الأميركية طويلة الأجل، خاصة سندات العشر سنوات، أدى إلى ارتفاع عوائدها بشكل لافت. وهذا ما يُعرف بـ"انعكاس منحنى العائد"، حين تصبح عوائد السندات طويلة الأجل أعلى من عوائد السندات قصيرة الأجل، وهو مؤشر تقليدي قويّ يُنذر بقرب حدوث ركود اقتصادي.
هذا التحول دفع المستثمرين إلى إعادة توجيه محافظهم الاستثمارية نحو الأصول البديلة، مثل الذهب، الأصول الأوروبية، وحتى أسواق الدول الناشئة، في ظل تراجع الثقة في الاقتصاد الأميركي على المدى البعيد.
في ظل هذا الواقع المعقد، تجد البنوك المركزية الكبرى نفسها في حالة ترقب دقيقة لخطوات الفيدرالي المقبلة. فخفض معدلات الفائدة أصبح ضرورة ملحة لتحفيز الاقتصاد، لكنه يبدو مستبعدًا بسبب استمرار الضغوط التضخمية، التي تعززها بدورها التوترات الجيوسياسية، خصوصًا ما يتعلق بالسياسات الجمركية والعقوبات، فضلًا عن التوترات في الشرق الأوسط.
بالتالي، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا في المرحلة المقبلة، بحسب محللي "جي بي مورغان"، هو بقاء الفيدرالي في موقف دفاعي، عاجز عن خفض الفائدة، وغير قادر في الوقت ذاته على رفعها من دون المخاطرة بتعميق الركود. وهذا ما يجعل من المرحلة المقبلة مرحلة ضبابية، محفوفة بالمخاطر، وتفتقر إلى أدوات الحسم.
بناء على ما تقدم نستنتج ما يأتي:
* التضخم في أميركا لا يزال أعلى من الهدف رغم السياسات التشددية.
* النمو الاقتصادي في تباطؤ، مما يهدد بدخول مرحلة ركود تضخمي.
* الدين الأميركي بلغ مستويات تاريخية ترفع تكلفة خدمته بشكل خطير.
* انعكاس منحنى العائد ينذر بركود وشيك ويقلل الثقة في السندات الأميركية.
* البنوك المركزية تراقب بقلق كيفية تصرف الفيدرالي في بيئة اقتصادية معقدة ومقيدة.
إن التحديات التي تواجه الفيدرالي اليوم تُعدّ من الأشد منذ الأزمة المالية العالمية، حيث لا مجال للمناورة بسهولة بين حماية الاقتصاد ومحاربة التضخم. وبينما ينتظر العالم الخطوة التالية من واشنطن، يظل الاقتصاد الأميركي يقف على حافة مرحلة دقيقة قد تُعيد تشكيل التوازنات المالية العالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بيروت نيوز
منذ 2 ساعات
- بيروت نيوز
من النقد الدولي.. 400 مليون دولار لدولة إفريقية
وافق صندوق النقد الدولي، أمس الجمعة، على صرف فوري بنحو 448.4 مليون دولار أميركي لدولة تنزانيا الإفريقية بهدف دعم التسهيلات الائتمانية والقدرة على الصمود والاستدامة. وقال الصندوق إن الأوضاع الاقتصادية مستمرة في التحسن مع استقرار مالي وكلّي، حيث بلغ نموّ الناتج المحلي الإجمالي 5.5% في العام 2024، مع توقعات بأن يبلغ 6.5% خلال العام الجاري، إن استمر تنفيذ الإصلاحات بشكل حاسم. وفي إحاطة للمسؤولين، قال نائب رئيس الصندوق إن برنامج الإصلاح في تنزانينا يسير على المسار الصحيح على نطاق واسع، لكن الحاجة قائمة لبذل جهود متواصلة لتفعيل السياسة النقدية الجديدة القائمة على سعر الفائدة. وفي السياق نفسه، وافق المديرون التنفيذيون للصندوق على تقييم الموظفين، ورحّبوا باستمرار النمو الاقتصادي في تنزانيا، وخفض التضخّم وتحسن التوازن الخارجي. ودعا المديرون إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو المستدام، الذي يقوده القطاع الخاص، وكذا العمل على خلق فرص التشغيل والعمل. وحثّ المديرون السلطات على تحسين كفاءة الإدارة الضريبية، وتخفيف العبء التنظيمي، وتعزيز الوصول إلى التمويل، وسد الفجوات بين الجنسين، وتحديث البنية التحتية. كذلك، سلط المديرون الضوء على الحاجة الملحة إلى زيادة رأس المال البشري من خلال زيادة الإنفاق العام على التعليم والصحة وزيادة كفاءته، وكذلك على شبكات الأمان الاجتماعي. من جانب آخر، أشاد المديرون بجهود السلطات في مكافحة الفساد وتمويل الإرهاب، وشجعوها على إضفاء الطابع الرسمي في الإشراف على محاربة غسيل الأموال. (الجزيرة نت – رويترز)


ليبانون 24
منذ 2 ساعات
- ليبانون 24
من "النقد الدولي".. 400 مليون دولار لدولة إفريقية
وافق صندوق النقد الدولي ، أمس الجمعة، على صرف فوري بنحو 448.4 مليون دولار أميركي لدولة تنزانيا الإفريقية بهدف دعم التسهيلات الائتمانية والقدرة على الصمود والاستدامة. وقال الصندوق إن الأوضاع الاقتصادية مستمرة في التحسن مع استقرار مالي وكلّي، حيث بلغ نموّ الناتج المحلي الإجمالي 5.5% في العام 2024، مع توقعات بأن يبلغ 6.5% خلال العام الجاري، إن استمر تنفيذ الإصلاحات بشكل حاسم. وفي إحاطة للمسؤولين، قال نائب رئيس الصندوق إن برنامج الإصلاح في تنزانينا يسير على المسار الصحيح على نطاق واسع، لكن الحاجة قائمة لبذل جهود متواصلة لتفعيل السياسة النقدية الجديدة القائمة على سعر الفائدة. وفي السياق نفسه، وافق المديرون التنفيذيون للصندوق على تقييم الموظفين، ورحّبوا باستمرار النمو الاقتصادي في تنزانيا، وخفض التضخّم وتحسن التوازن الخارجي. ودعا المديرون إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو المستدام، الذي يقوده القطاع الخاص، وكذا العمل على خلق فرص التشغيل والعمل. وحثّ المديرون السلطات على تحسين كفاءة الإدارة الضريبية، وتخفيف العبء التنظيمي، وتعزيز الوصول إلى التمويل، وسد الفجوات بين الجنسين، وتحديث البنية التحتية. كذلك، سلط المديرون الضوء على الحاجة الملحة إلى زيادة رأس المال البشري من خلال زيادة الإنفاق العام على التعليم والصحة وزيادة كفاءته، وكذلك على شبكات الأمان الاجتماعي.

المدن
منذ 3 ساعات
- المدن
سوريا تفسخ عقد STG: استثمار وهمي وبنود مجحفة
تمكّنت الحكومة السورية الجديدة بالتعاون مع مجموعة من المحامين المختصين و شركة محاماة أوروبية من إلغاء عقد الاستثمار والتمويل لمرفأ طرطوس المبرم عام 2019 مع شركة STG (Stroytransgaz) الروسية، وذلك استنادًا إلى عدة مبادئ في القانون الدولي للمعاهدات واتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية لعام 1969. ومن بين الأسباب التي استندت إليها الحكومة لإلغاء الاتفاق: 1. خرق جوهري لشروط العقد: ثبت إخلال الشركة الروسية بالالتزامات، حيث فشلت في تنفيذ بنود الاتفاق المتعلّق باستثمار 500 مليون دولار في تحديث البنية التحتية، وصيانة الآليات كما هو مقرر، وهذا يُصنّف كخرق جوهري، مما يعطي للطرف السوري الحق بإلغاء الاتفاقية استنادًا إلى المادة 60 من اتفاقية فيينا. 2. الافتقار للتوازن في بنود الاتفاقية: إذ أن حصة 65 في المئة من الأرباح لصالح الشركة الروسية و35 في المئة فقط للحكومة السورية، إلى جانب سيطرة غير متوازنة في مجلس الإدارة ، وقد اعتُبر "اتفاقًا مجحفًا" بحق الشعب السوري. 3. غياب التنفيذ الفعلي للالتزامات الروسية: رغم مضي فترة كافية على بدء سريان الاتفاقية لم يتم تحديث حقيقي للبنى التحتية، بالإضافة إلى استخدام آلات متضرّرة دون صيانة وخضوع المرفأ لروتين وإجراءات بيروقراطية أثّرت على أدائه. كل ذلك يؤكد عدم تنفيذ جوهري للاتفاق من جانب الروس . مما برر الغاءها.