logo
"أسرار خزنة" لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجيا وتتزين بفضيلة الصيام عن المثال

"أسرار خزنة" لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجيا وتتزين بفضيلة الصيام عن المثال

الجزيرةمنذ يوم واحد

ربما تكون المجموعة القصصية "أسرار خزنة" للقاصة هدى الأحمد، الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية، من أوائل الأعمال الأدبية التي تتمحور حول حكايات امرأة من باديتنا، حكايات ارتكزت على قيم التضحية والوفاء، حيث تتجلى العاطفة في أجمل صورها. وترصد المجموعة في الوقت ذاته تحولات المجتمع البدوي والصراع بين الأصالة والعصرنة، وتأثير التكنولوجيا، أو بالأحرى "صدمتها"، في ثقافة بدوية ضاربة بجذورها في التاريخ، وهي تحاول التكيف مع كل ما هو جديد.
تضم المجموعة 14 قصة امتازت بالبساطة وسلاسة تطور الأحداث والشخصيات، وصيغت بلغة محكية ذات لكنة بدوية في الغالب. ورغم أنها استندت إلى مخزون تراثي لحقبة الخمسينيات على وجه التقريب، فإنها أحيت مجددا مفاهيم العفة والنقاء والشهامة، وفضيلة تخزين الأسرار، وفق ما يشي به العنوان الذي جاء موفقا ومقصودا، حفاظا على القيم الاجتماعية والإنسانية، وتحصينا للمجتمع البدوي من الفتن، أو ما سمّاه الناقد رائد الحواري "الصيام" عن كشف مثالب الناس.
وتقع المجموعة في 95 صفحة من القطع الصغير، وتقوم على تعدد الشخصيات رغم أن بطلتها فتاة صغيرة اسمها "خزنة"، وهو اسم دارج في المجتمع البدوي. إذ استطاعت هذه الفتاة، التي تتزين بنقاء الصحراء وأخلاقيات البداوة، أن تكسب قلوب من حولها بأخلاقها وتربيتها وقدرتها على كتمان أسرار عشيرتها والمحيطين بها، فالبدوي، وفقا لتقاليده وعاداته الأصيلة، يحفظ الأسرار ولا يتلفظ بها أو يكشفها أيّا كانت الظروف.
ويحمل العنوان "أسرار خزنة"، رغم بساطته، الكثير من المعاني الإنسانية النبيلة، ففي ذاكرتنا وبيوتنا "خزنة" نحفظ فيها أسرارنا التي تبقى معنا حتى نستضاف في مساحة لا تتعدى مترا بمتر.
وتحت عنوان "تلويحة"، يرى الدكتور جروان المعاني أن "أسرار خزنة" هي حكاية فتاة من البادية، ذكاؤها فطري، وهي وحيدة والديها، تعيش دلالا لكنه ليس كدلال بنات المدينة، فهي ترعى أغنام والديها وتساعد والدتها في أعمال البيت وإنتاج مشتقات الحليب. ويقول في تقديمه للمجموعة القصصية إن "خزنة" هي قصة نساء البادية، حيث العادات والتقاليد وثقافة المجتمع السائدة. وتظهر في هذه المجموعة متمردة، لكنها في واقع الحال فتاة تحمل شقاوة الطفولة حتى تصدمها الحياة بوفاة والدتها، ملاذها ومكمن طمأنينتها، وتكبر لتكبر معها همومها.
وحسب رأيه، فبين إرادة الكاتبة وإرادة "خزنة"، بطلة المجموعة، تجد هدى الأحمد نفسها محاصرة بما تحمله من موروثات تقيد المرأة البدوية التي تكاد تتخلص منها بحدها الأدنى لتعيش حريتها. فالمجموعة تُعد آخر متنفس لفتاة عاشت ما بين البداوة والحضر، وكأن الكاتبة كتبت نفسها.
وفي حوارها مع الجزيرة نت، تتحدث هدى الأحمد عن مجموعتها القصصية بتفصيل أكبر، وتوضح أن "أسرار خزنة" تتناول بيئة بدوية، قائلة: "لا أرى قربا بين شخصيتها التي تشكلت لتكون قوية بحكم الظروف لا متمردة، وشخصيتي، وإن التقينا في المعاناة. لذلك، أثناء كتابة المجموعة، عزفت على نوتة صحراوية بما فيها من الوحشة والسلام، والخوف والأمان".
وتؤكد أن الكتابة واحدة من أهم وسائل التغيير، مضيفة أنها تدعو للتغيير وليس للانقلاب على تاريخنا البدوي، وأن شخصية "خزنة" خيالية لكن الأحداث واقعية. وإلى تفاصيل الحوار:
شخصيات القاص أو المضمون ليست منفصلة عن ذات الكاتب، ما مدى قرب شخصية "خزنة" منكِ؟
يختار القاص الشخصيات بناء على نوع القصة وقدرته على توظيف الخيال، وبالتالي يشكل الأحداث، ويكون مدى قربها أو بعدها عن شخصية الكاتب مرتبطا بقرب الشخصية من البيئة التي يعيشها، فيرسم معالمها بما يتماشى مع الأحداث.
هنا، في مجموعة "أسرار خزنة"، نتحدث عن بيئة بدوية لها معطياتها، يتنقل فيها الناس بشكل جماعي طلبا للماء والطعام لهم ولمواشيهم. كان ذلك حتى وقت قريب، ولكن تغيرت الأحوال واستقر الناس.
وأنا ككاتبة لمجموعة "خزنة" من بنات الريف، فلا أرى قربا حقيقيّا بين شخصية "خزنة" وشخصيتي، وإن التقينا في بعض أوجه المعاناة، فالنساء في الوطن العربي يلتقين في عدد من أشكال المعاناة، خاصة فيما يتعلق بحرية الاختيار والقرار، وهنا لا أتحدث بالمُطلق.
الكتابة بطقوسها تختلف من كاتب لآخر، فهناك من يفضل الكتابة صباحا أو ليلا، وآخر يبدع وسط الضجيج، وبعضهم يطلب الهدوء الكامل.
أنا ككاتبة أحتاج للانفراد وإغلاق هاتفي، ولا أجهز أمورا مادية للكتابة كالقهوة أو الموسيقى، فقط أحتاج للانفراد بشخصيات قصصي لأحركهم بحسب مسارات القصة، فتتداعى الكلمات لأرتبها بشكل يتلاءم ومجريات الأحداث. وفي مجموعة "خزنة"، عزفت دوما على نوتة صحراوية فيها من الوحشة والسلام، والخوف والأمان.
بالتأكيد هي من صنع الخيال، وإن كانت الأحداث واقعية جدّا. "خزنة" لا تفضح أسرار البادية، بل تصور أمورا تتكرر في بوادينا، غير أن لخزنة خصوصيتين: الأولى أنها فقدت أمها التي تحبها كثيرا ودللتها في عمر صغير، والثانية أنها ابتعدت عن ديرتها وأبيها.
كل هذا جعلها تصرخ "بلا" كلما تعرضت للقهر، فكان لا بد لها أن تتمرد في لحظة ما، فترفض الزواج من ابن خالتها، وتقطع مسافة طويلة وتتعرض لحوادث في طريقها وهي تسير وحيدة.
كان لا بد لها أن تكون قوية جسديّا ونفسيّا، فظهرت كمتمردة، والواقع أن شخصيتها تشكلت لتكون قوية لا متمردة. وكما تعلم، هناك فرق بين التمرد على الأعراف والتقاليد وبين التحلي بالقوة، لذا أقول لم تكن متمردة، بل فرضت عليها الظروف أن تكون قوية.
ذكرتِ لي أنكِ ناضلتِ وجاهدتِ لإخراج المجموعة إلى النور، ألقي أضواء على هذه التجربة؟
أخذت مني كتابة المجموعة ما يزيد على 5 أشهر، وحتى ترى النور مكثت في أدراج وزارة الثقافة ما يزيد على السنة، لأن هناك من رأى أن المجموعة تراثية. وكما تعلم فإن طباعة الكتب مُكلِّفة، فكان لزاما عليّ أن أنتظر عاما آخر.
وفي النهاية، تكلل صبري بالنجاح، حيث خضعت المجموعة للتحكيم وتمت الموافقة على نشرها بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، مشكورة، مع أن الدعم بالكاد غطى تكاليف الطباعة. فكانت تجربة مرهقة نفسيّا، ولكن بالصبر والمثابرة خرجت هذه التجربة القصصية المغايرة، ولله الحمد، إلى النور.
الكتابة رحلة جمال وأداة تغيير، ماذا عن تجربتك القصصية؟ هل نلمس من مجموعتك دعوة لثورة بيضاء في باديتنا الأردنية؟
لا شك في أن الكتابة واحدة من أهم وسائل التغيير في المجتمعات، خاصة تلك التي تتناول التراث والعادات والتقاليد. فكما تعلمون، إن سطوة وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على العالم وانتشار تكنولوجيا الاتصال جعلت تأثير المثقف يقل، إلا إذا وظّفنا هذه التكنولوجيا بشكلها السليم.
ودور النشر تستغل جهد الكاتب لتحقق مكسبا ماديّا، وعليه يكون التأثير قليلا. وما أراه أن الثورات عموما جلبت لبلادنا الويلات، لذا أنا لا أدعو لثورة بيضاء أو حمراء، ولكنني أسعى أن تصل أفكاري و"خزنة" إلى طلبة المدارس والجامعات ليطلعوا على جانب من جوانب حياة المرأة في البادية، ويأخذوا منها العبرة، فيصبح الشباب أكثر وعيا وانفتاحا على أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم، وعلى المرأة عمومًا.
نعم، أدعو للتغيير، ولكن ليس للانقلاب الكامل على تاريخنا البدوي، ففيه من الجمال الكثير، فعفة ابنة البادية أهم بكثير من انتشارها على "تيك توك"، ودورها في استقبال ضيوف زوجها وأبيها وهم غائبون قيمة تعطي للمرأة مكانتها، وهي أهم من إظهار مفاتنها على وسائل التواصل. هي فقط دعوة للتغيير والانفتاح المضبوط.
رصدتِ في المجموعة استقبال أهل البادية للتكنولوجيا وطرق التكيف معها.. ما خلاصة عملية الرصد والتكيف؟
حتى منتصف القرن الـ20، كانت حياة أهل البادية غارقة في البساطة، فكان الجمل والدواب وسيلة التنقل الوحيدة، ثم دخلت السيارة رويدا رويدا فازداد رتم الحياة سرعة. لذا، في المجموعة، تحدثت عن أعجوبة السيارة حين جاءت زوجة مسؤول لزيارة البادية التي تسكنها "خزنة"، ورصدت الخوف واستهجان "الجني الصغير" (المذياع)، وكيف وصل الأمر بأم "خزنة" للشك بأن زوجها يحب المذيعة، فحطمته بحثا عنها ولمنعه من سماع صوتها.
ونعلم جيدا أن التكنولوجيا تسارع دخولها في بلادنا بعد منتصف السبعينيات من القرن الـ20، وبداخلي فكرة لمجموعة قصصية تتناول الفترة الانتقالية بين التنقل والاستقرار وما عانته المرأة البدوية في تلك الفترة.
كلنا يعلم أن للتكنولوجيا وجهها الإيجابي والمهم، غير أن سوء استخدامها أظهر بشاعتها. لذلك، نعم، حدثت فجوة وهوة حضارية لم نستطع التغلب على تأثيرها حتى الآن. فقد تخلينا عن كثير من مظاهر حياتنا وأصولها، فصار التواصل بين الأهل ينجزه الهاتف بدلا من لقاءات الأهل، وكثير من القيم والأصول أظهرتها التكنولوجيا الحديثة على أنها عبء على الحضارة، فتركنا لباسنا التقليدي، وأغانينا التي تتحدث عن بطولات أجدادنا، وغيرها الكثير من الأمور. صار "المِهباش" يُستعمل للزينة، وما عاد مظهرا من مظاهر الشيخة والكرم. وبعد هذه الصدمة والفجوة الحضارية، بدأنا ننخرط في الحداثة حتى نكاد ننقطع عن تاريخنا وبداوتنا.
وأخيرا، هل هناك مشروع أدبي مستقبلي؟
"امرأة قادمة من البعيد"، هذا هو عنوان مجموعتي القصصية الجديدة التي سترى النور قريبا بإذن الله. ومن العنوان، نرى أنها تتحدث عن امرأة جاءت بأحلامها المؤجلة وعن علاقتها بالرجل، ولكن تحت عناوين مختلفة كالحب والشوق والرغبة في السفر وغيرها من الأمور. مجموعة تتناول حياة النساء بشكل أكثر وضوحا، دون المساس بكينونتها وأنوثتها.
قاصّة تحفر في تراث البادية
وعلى صعيد متصل، ترى الدكتورة إنعام زعل القيسي أن هدى الأحمد قاصّة أردنية تحفر في تراث البادية الأصيل، وتكشف لنا عن دفائن الصحراء الثمينة وخفايا رمالها الذهبية في "أسرار خزنة"، لتحيل المقروء الثقافي عن واقع عشناه وعاشه أهلنا إلى واقع جميل نعيشه في مخيلتنا. فـ"خزنة" ومن حولها كانوا يستمتعون بـ"الجني الصغير" (الساحر المسموع)، كما كنتُ ومن حولي نستمتع بـ"الساحر المرئي" في السبعينيات. إنها تعزف على وتر بعث الماضي وتراثه الأصيل، فيشدنا الحنين والشوق لحياة جميلة ساحرة مضت.
وأوضحت في حديث للجزيرة نت أن "خزنة طفلة شقيّة وجميلة بجديلتين سوداوين وعينين تتقدان ذكاء، ترعى الغنم، وفيّة للحيوان والإنسان". وأضافت أن "الفتاة السمراء الممشوقة القوام ذات الابتسامة الرقيقة" تصر على اللحاق ببنات البادية من أترابها وتتعلم كيف تحلب الأغنام لتجد عريسا يطلب يدها، وهي تحمل في صدرها أسرارا كثيرة. فجاء اسمها مقاربا لحالها ومفتاحا لفهم مضامين القصص؛ فمثلا: "خزنة" السرّ في تحطيم الراديو وغيرة والدتها من المرأة التي تتحدث داخله، و"خزنة" سر "الحنة الضائعة" ووقوع العروس مغشيّا عليها. لقد كانت "خزنة" بمثابة الصندوق المعدني الذي يستخدم لحفظ الأشياء الثمينة.
وأشارت الناقدة الأكاديمية القيسي إلى غنى الموروث الثقافي الذي تتميز به بعض قصص المجموعة، ومنها قصة "البئر الغربي" التي يستدعي مضمونها إلى ذاكرتنا قصة أوردها ابن بطوطة في رحلته، وهي قصة أهل جزيرة "ذيبة المهل" (المالديف حاليّا) الذين كان يظهر لهم شهريّا عفريت من الجن يأتي من جهة البحر، ويطلب منهم تقديم قربان له من أجمل فتياتهم ويختفي بعد أن يحوزه. وعلى الرغم من اختلاف القرابين المقدمة بين أهل البادية في "البئر الغربي" وأهل جزيرة ذيبة المهل، فإن الجهل كان السمة المسيطرة على الناس.
وترى القيسي أن هدى الأحمد نجحت في "أسرار خزنة" بتقديم مشاهد من حياة المرأة البدوية وأحلامها وأمنياتها، وبيان دورها في بيئتها الاجتماعية والمشكلات التي تتعرض لها بمهارة فنية لافتة، من خلال التبئير على شخصية "خزنة" شكلا ومضمونا. كما نجحت في عرض عادات البدو وتقاليدهم ومفردات لهجتهم وعباراتهم الأصيلة، وهو أمر يعكس تشبُّع القاصة بالثقافة البدوية الأصيلة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"أسرار خزنة" لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجيا وتتزين بفضيلة الصيام عن المثال
"أسرار خزنة" لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجيا وتتزين بفضيلة الصيام عن المثال

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

"أسرار خزنة" لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولوجيا وتتزين بفضيلة الصيام عن المثال

ربما تكون المجموعة القصصية "أسرار خزنة" للقاصة هدى الأحمد، الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية، من أوائل الأعمال الأدبية التي تتمحور حول حكايات امرأة من باديتنا، حكايات ارتكزت على قيم التضحية والوفاء، حيث تتجلى العاطفة في أجمل صورها. وترصد المجموعة في الوقت ذاته تحولات المجتمع البدوي والصراع بين الأصالة والعصرنة، وتأثير التكنولوجيا، أو بالأحرى "صدمتها"، في ثقافة بدوية ضاربة بجذورها في التاريخ، وهي تحاول التكيف مع كل ما هو جديد. تضم المجموعة 14 قصة امتازت بالبساطة وسلاسة تطور الأحداث والشخصيات، وصيغت بلغة محكية ذات لكنة بدوية في الغالب. ورغم أنها استندت إلى مخزون تراثي لحقبة الخمسينيات على وجه التقريب، فإنها أحيت مجددا مفاهيم العفة والنقاء والشهامة، وفضيلة تخزين الأسرار، وفق ما يشي به العنوان الذي جاء موفقا ومقصودا، حفاظا على القيم الاجتماعية والإنسانية، وتحصينا للمجتمع البدوي من الفتن، أو ما سمّاه الناقد رائد الحواري "الصيام" عن كشف مثالب الناس. وتقع المجموعة في 95 صفحة من القطع الصغير، وتقوم على تعدد الشخصيات رغم أن بطلتها فتاة صغيرة اسمها "خزنة"، وهو اسم دارج في المجتمع البدوي. إذ استطاعت هذه الفتاة، التي تتزين بنقاء الصحراء وأخلاقيات البداوة، أن تكسب قلوب من حولها بأخلاقها وتربيتها وقدرتها على كتمان أسرار عشيرتها والمحيطين بها، فالبدوي، وفقا لتقاليده وعاداته الأصيلة، يحفظ الأسرار ولا يتلفظ بها أو يكشفها أيّا كانت الظروف. ويحمل العنوان "أسرار خزنة"، رغم بساطته، الكثير من المعاني الإنسانية النبيلة، ففي ذاكرتنا وبيوتنا "خزنة" نحفظ فيها أسرارنا التي تبقى معنا حتى نستضاف في مساحة لا تتعدى مترا بمتر. وتحت عنوان "تلويحة"، يرى الدكتور جروان المعاني أن "أسرار خزنة" هي حكاية فتاة من البادية، ذكاؤها فطري، وهي وحيدة والديها، تعيش دلالا لكنه ليس كدلال بنات المدينة، فهي ترعى أغنام والديها وتساعد والدتها في أعمال البيت وإنتاج مشتقات الحليب. ويقول في تقديمه للمجموعة القصصية إن "خزنة" هي قصة نساء البادية، حيث العادات والتقاليد وثقافة المجتمع السائدة. وتظهر في هذه المجموعة متمردة، لكنها في واقع الحال فتاة تحمل شقاوة الطفولة حتى تصدمها الحياة بوفاة والدتها، ملاذها ومكمن طمأنينتها، وتكبر لتكبر معها همومها. وحسب رأيه، فبين إرادة الكاتبة وإرادة "خزنة"، بطلة المجموعة، تجد هدى الأحمد نفسها محاصرة بما تحمله من موروثات تقيد المرأة البدوية التي تكاد تتخلص منها بحدها الأدنى لتعيش حريتها. فالمجموعة تُعد آخر متنفس لفتاة عاشت ما بين البداوة والحضر، وكأن الكاتبة كتبت نفسها. وفي حوارها مع الجزيرة نت، تتحدث هدى الأحمد عن مجموعتها القصصية بتفصيل أكبر، وتوضح أن "أسرار خزنة" تتناول بيئة بدوية، قائلة: "لا أرى قربا بين شخصيتها التي تشكلت لتكون قوية بحكم الظروف لا متمردة، وشخصيتي، وإن التقينا في المعاناة. لذلك، أثناء كتابة المجموعة، عزفت على نوتة صحراوية بما فيها من الوحشة والسلام، والخوف والأمان". وتؤكد أن الكتابة واحدة من أهم وسائل التغيير، مضيفة أنها تدعو للتغيير وليس للانقلاب على تاريخنا البدوي، وأن شخصية "خزنة" خيالية لكن الأحداث واقعية. وإلى تفاصيل الحوار: شخصيات القاص أو المضمون ليست منفصلة عن ذات الكاتب، ما مدى قرب شخصية "خزنة" منكِ؟ يختار القاص الشخصيات بناء على نوع القصة وقدرته على توظيف الخيال، وبالتالي يشكل الأحداث، ويكون مدى قربها أو بعدها عن شخصية الكاتب مرتبطا بقرب الشخصية من البيئة التي يعيشها، فيرسم معالمها بما يتماشى مع الأحداث. هنا، في مجموعة "أسرار خزنة"، نتحدث عن بيئة بدوية لها معطياتها، يتنقل فيها الناس بشكل جماعي طلبا للماء والطعام لهم ولمواشيهم. كان ذلك حتى وقت قريب، ولكن تغيرت الأحوال واستقر الناس. وأنا ككاتبة لمجموعة "خزنة" من بنات الريف، فلا أرى قربا حقيقيّا بين شخصية "خزنة" وشخصيتي، وإن التقينا في بعض أوجه المعاناة، فالنساء في الوطن العربي يلتقين في عدد من أشكال المعاناة، خاصة فيما يتعلق بحرية الاختيار والقرار، وهنا لا أتحدث بالمُطلق. الكتابة بطقوسها تختلف من كاتب لآخر، فهناك من يفضل الكتابة صباحا أو ليلا، وآخر يبدع وسط الضجيج، وبعضهم يطلب الهدوء الكامل. أنا ككاتبة أحتاج للانفراد وإغلاق هاتفي، ولا أجهز أمورا مادية للكتابة كالقهوة أو الموسيقى، فقط أحتاج للانفراد بشخصيات قصصي لأحركهم بحسب مسارات القصة، فتتداعى الكلمات لأرتبها بشكل يتلاءم ومجريات الأحداث. وفي مجموعة "خزنة"، عزفت دوما على نوتة صحراوية فيها من الوحشة والسلام، والخوف والأمان. بالتأكيد هي من صنع الخيال، وإن كانت الأحداث واقعية جدّا. "خزنة" لا تفضح أسرار البادية، بل تصور أمورا تتكرر في بوادينا، غير أن لخزنة خصوصيتين: الأولى أنها فقدت أمها التي تحبها كثيرا ودللتها في عمر صغير، والثانية أنها ابتعدت عن ديرتها وأبيها. كل هذا جعلها تصرخ "بلا" كلما تعرضت للقهر، فكان لا بد لها أن تتمرد في لحظة ما، فترفض الزواج من ابن خالتها، وتقطع مسافة طويلة وتتعرض لحوادث في طريقها وهي تسير وحيدة. كان لا بد لها أن تكون قوية جسديّا ونفسيّا، فظهرت كمتمردة، والواقع أن شخصيتها تشكلت لتكون قوية لا متمردة. وكما تعلم، هناك فرق بين التمرد على الأعراف والتقاليد وبين التحلي بالقوة، لذا أقول لم تكن متمردة، بل فرضت عليها الظروف أن تكون قوية. ذكرتِ لي أنكِ ناضلتِ وجاهدتِ لإخراج المجموعة إلى النور، ألقي أضواء على هذه التجربة؟ أخذت مني كتابة المجموعة ما يزيد على 5 أشهر، وحتى ترى النور مكثت في أدراج وزارة الثقافة ما يزيد على السنة، لأن هناك من رأى أن المجموعة تراثية. وكما تعلم فإن طباعة الكتب مُكلِّفة، فكان لزاما عليّ أن أنتظر عاما آخر. وفي النهاية، تكلل صبري بالنجاح، حيث خضعت المجموعة للتحكيم وتمت الموافقة على نشرها بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، مشكورة، مع أن الدعم بالكاد غطى تكاليف الطباعة. فكانت تجربة مرهقة نفسيّا، ولكن بالصبر والمثابرة خرجت هذه التجربة القصصية المغايرة، ولله الحمد، إلى النور. الكتابة رحلة جمال وأداة تغيير، ماذا عن تجربتك القصصية؟ هل نلمس من مجموعتك دعوة لثورة بيضاء في باديتنا الأردنية؟ لا شك في أن الكتابة واحدة من أهم وسائل التغيير في المجتمعات، خاصة تلك التي تتناول التراث والعادات والتقاليد. فكما تعلمون، إن سطوة وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح على العالم وانتشار تكنولوجيا الاتصال جعلت تأثير المثقف يقل، إلا إذا وظّفنا هذه التكنولوجيا بشكلها السليم. ودور النشر تستغل جهد الكاتب لتحقق مكسبا ماديّا، وعليه يكون التأثير قليلا. وما أراه أن الثورات عموما جلبت لبلادنا الويلات، لذا أنا لا أدعو لثورة بيضاء أو حمراء، ولكنني أسعى أن تصل أفكاري و"خزنة" إلى طلبة المدارس والجامعات ليطلعوا على جانب من جوانب حياة المرأة في البادية، ويأخذوا منها العبرة، فيصبح الشباب أكثر وعيا وانفتاحا على أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم، وعلى المرأة عمومًا. نعم، أدعو للتغيير، ولكن ليس للانقلاب الكامل على تاريخنا البدوي، ففيه من الجمال الكثير، فعفة ابنة البادية أهم بكثير من انتشارها على "تيك توك"، ودورها في استقبال ضيوف زوجها وأبيها وهم غائبون قيمة تعطي للمرأة مكانتها، وهي أهم من إظهار مفاتنها على وسائل التواصل. هي فقط دعوة للتغيير والانفتاح المضبوط. رصدتِ في المجموعة استقبال أهل البادية للتكنولوجيا وطرق التكيف معها.. ما خلاصة عملية الرصد والتكيف؟ حتى منتصف القرن الـ20، كانت حياة أهل البادية غارقة في البساطة، فكان الجمل والدواب وسيلة التنقل الوحيدة، ثم دخلت السيارة رويدا رويدا فازداد رتم الحياة سرعة. لذا، في المجموعة، تحدثت عن أعجوبة السيارة حين جاءت زوجة مسؤول لزيارة البادية التي تسكنها "خزنة"، ورصدت الخوف واستهجان "الجني الصغير" (المذياع)، وكيف وصل الأمر بأم "خزنة" للشك بأن زوجها يحب المذيعة، فحطمته بحثا عنها ولمنعه من سماع صوتها. ونعلم جيدا أن التكنولوجيا تسارع دخولها في بلادنا بعد منتصف السبعينيات من القرن الـ20، وبداخلي فكرة لمجموعة قصصية تتناول الفترة الانتقالية بين التنقل والاستقرار وما عانته المرأة البدوية في تلك الفترة. كلنا يعلم أن للتكنولوجيا وجهها الإيجابي والمهم، غير أن سوء استخدامها أظهر بشاعتها. لذلك، نعم، حدثت فجوة وهوة حضارية لم نستطع التغلب على تأثيرها حتى الآن. فقد تخلينا عن كثير من مظاهر حياتنا وأصولها، فصار التواصل بين الأهل ينجزه الهاتف بدلا من لقاءات الأهل، وكثير من القيم والأصول أظهرتها التكنولوجيا الحديثة على أنها عبء على الحضارة، فتركنا لباسنا التقليدي، وأغانينا التي تتحدث عن بطولات أجدادنا، وغيرها الكثير من الأمور. صار "المِهباش" يُستعمل للزينة، وما عاد مظهرا من مظاهر الشيخة والكرم. وبعد هذه الصدمة والفجوة الحضارية، بدأنا ننخرط في الحداثة حتى نكاد ننقطع عن تاريخنا وبداوتنا. وأخيرا، هل هناك مشروع أدبي مستقبلي؟ "امرأة قادمة من البعيد"، هذا هو عنوان مجموعتي القصصية الجديدة التي سترى النور قريبا بإذن الله. ومن العنوان، نرى أنها تتحدث عن امرأة جاءت بأحلامها المؤجلة وعن علاقتها بالرجل، ولكن تحت عناوين مختلفة كالحب والشوق والرغبة في السفر وغيرها من الأمور. مجموعة تتناول حياة النساء بشكل أكثر وضوحا، دون المساس بكينونتها وأنوثتها. قاصّة تحفر في تراث البادية وعلى صعيد متصل، ترى الدكتورة إنعام زعل القيسي أن هدى الأحمد قاصّة أردنية تحفر في تراث البادية الأصيل، وتكشف لنا عن دفائن الصحراء الثمينة وخفايا رمالها الذهبية في "أسرار خزنة"، لتحيل المقروء الثقافي عن واقع عشناه وعاشه أهلنا إلى واقع جميل نعيشه في مخيلتنا. فـ"خزنة" ومن حولها كانوا يستمتعون بـ"الجني الصغير" (الساحر المسموع)، كما كنتُ ومن حولي نستمتع بـ"الساحر المرئي" في السبعينيات. إنها تعزف على وتر بعث الماضي وتراثه الأصيل، فيشدنا الحنين والشوق لحياة جميلة ساحرة مضت. وأوضحت في حديث للجزيرة نت أن "خزنة طفلة شقيّة وجميلة بجديلتين سوداوين وعينين تتقدان ذكاء، ترعى الغنم، وفيّة للحيوان والإنسان". وأضافت أن "الفتاة السمراء الممشوقة القوام ذات الابتسامة الرقيقة" تصر على اللحاق ببنات البادية من أترابها وتتعلم كيف تحلب الأغنام لتجد عريسا يطلب يدها، وهي تحمل في صدرها أسرارا كثيرة. فجاء اسمها مقاربا لحالها ومفتاحا لفهم مضامين القصص؛ فمثلا: "خزنة" السرّ في تحطيم الراديو وغيرة والدتها من المرأة التي تتحدث داخله، و"خزنة" سر "الحنة الضائعة" ووقوع العروس مغشيّا عليها. لقد كانت "خزنة" بمثابة الصندوق المعدني الذي يستخدم لحفظ الأشياء الثمينة. وأشارت الناقدة الأكاديمية القيسي إلى غنى الموروث الثقافي الذي تتميز به بعض قصص المجموعة، ومنها قصة "البئر الغربي" التي يستدعي مضمونها إلى ذاكرتنا قصة أوردها ابن بطوطة في رحلته، وهي قصة أهل جزيرة "ذيبة المهل" (المالديف حاليّا) الذين كان يظهر لهم شهريّا عفريت من الجن يأتي من جهة البحر، ويطلب منهم تقديم قربان له من أجمل فتياتهم ويختفي بعد أن يحوزه. وعلى الرغم من اختلاف القرابين المقدمة بين أهل البادية في "البئر الغربي" وأهل جزيرة ذيبة المهل، فإن الجهل كان السمة المسيطرة على الناس. وترى القيسي أن هدى الأحمد نجحت في "أسرار خزنة" بتقديم مشاهد من حياة المرأة البدوية وأحلامها وأمنياتها، وبيان دورها في بيئتها الاجتماعية والمشكلات التي تتعرض لها بمهارة فنية لافتة، من خلال التبئير على شخصية "خزنة" شكلا ومضمونا. كما نجحت في عرض عادات البدو وتقاليدهم ومفردات لهجتهم وعباراتهم الأصيلة، وهو أمر يعكس تشبُّع القاصة بالثقافة البدوية الأصيلة.

الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية

يخطر في بال المرء حين يتأمل مسألة "الرواية بين المحلية والعالمية" أن كل رواية تبدأ من محليتها؛ أي من محيطها وبيئتها، ومن ثقافة كاتبها وخبرته في الحياة والكتب. فالمحلية نقطة الانطلاق الأساسية التي تبدأ منها الروايات، ولكنها في الوقت نفسه لا تقف عندها، ولا ينبغي لها ذلك، بل يتوقع أن يكون لها أفقها العالمي والإنساني في إطار من الإيمان بالتجربة المشتركة للإنسان. وإذا انطلقنا من أن الرواية العربية جنس أدبي حديث ارتفع شأنه في العقود الأخيرة، حتى أقر كثير من الكتاب والنقاد بأن "الرواية ديوان العرب الحديث" بدلا من الشعر الذي ظل ديوان العرب لقرون طويلة، ويتضمن هذا القول الاعتراف بقدرتها على تمثيل الحياة والواقع، وبناء عالم رمزي أو كنائي يوازي الواقع ويواجهه، ويسمح بإعادة النظر فيه؛ ذلك أنها جنس يتميز بالانفتاح والمرونة وقابلية التشكل، والجمع بين قدرات وإمكانات ثرية قد لا تتوفر لغيرها من الأجناس والأنواع. الرواية جنس أدبي عالمي يصح أن نضيف إلى ما سبق حقيقة مفادها أن الرواية جنس أدبي عالمي، وصفه جورج لوكاش منذ نحو مائة عام بأنه "ملحمة العصر الحديث"، وأشاد باختين بإمكاناته وانفتاحه وبقدرته على التحول والتشكل، وشدد على اتساع الرواية الحديثة للتهجين وتعدد اللغات والأصوات. فذلك كله يشير من زاوية ما إلى أن طبيعة الجنس الروائي هي خليط من المحلية والعالمية؛ فهو ليس جنسا مغلقا أو مقترنا بثقافة أو لغة دون أخرى، كما أن ما ينتج في معظم اللغات (وضمنها العربية) لا ينشأ من بيئة مغلقة أو محدودة، وإنما هو نتاج هذا التهجين بين مرجعيات وخيوط متنوعة، يلتقي فيها المكون المحلي بالمكونات والتطلعات الإنسانية والعالمية. ولعل الروائي العربي والأردني يدرك أن الرواية، كي تتهيأ لمدى أوسع قد يصل إلى العالمية، لا بد لها من أن تتجاوز قيد المحلية في دلالتها ورسالتها؛ لتصل بعدها المحلي بدلالات أو معان ذات بعد عالمي وإنساني. أي أن النقطة الأولى تتصل بمحمولات الرسالة وبقدرتها على تصعيد همومها المحلية وإدراجها في السياق العالمي، والنقطة الثانية تتبع الأولى وتتصل بمواكبة الرواية الأردنية أو غيرها لتطور الرواية العالمية في أساليبها وقدراتها الفنية وطرائقها وحيلها، مما يتطلب من الكاتب نوعا من الثقافة العالمية، والمتابعة لما ينتج، ليس على سبيل "اتباع الموضة"، وإنما الإصغاء العميق لما يصيب العالم من تطور وتحول. ونحسب أن المكون العالمي مكون أساس في ثقافة الكاتب الأردني، وذو تأثير لا يخفى في كتابته، انطلاقا من عالمية الجنس الروائي ذاته، ومن تأسيس الكتابة الروائية على خلفيات عالمية مختلطة تكون ركنا مهما في منطلقات الكتابة الروائية ومنابع التأثير والتفاعل فيها. التعبير عن المحلية بروح كونية وربما نتفق مع آدم كيرش، الناقد والصحفي الأمريكي، مؤلف كتاب " الرواية العالمية" الذي ترجمته لطفية الدليمي، في نظرته للرواية العالمية التي يقوم فيها الأدب بدور التركيز على الموضوعات والأساليب العالمية. وينصح كيرش الكتاب لا بالتخلي عن المحلية، وإنما بالتخطيط لكتابة التجربة المحلية بروح كونية/عالمية، وهي نصيحة مهمة لا خلاف عليها، وكثير من الإنتاج العالمي المميز يؤيدها، إذ يقوم على تحويل المكونات المحلية وصهرها في إطار من الآفاق العالمية. الأمر الآخر المهم في نظرنا هو التفكير في إيصال الرواية إلى القارئ، بدءا من القارئ القريب "المحلي"، ثم القارئ العربي، فالقارئ العالمي. قد نقول هذا الكلام بيسر، ولكن عندما نفكر في إمكانيات تنفيذه لا تخفى صعوبته؛ ففي العالم مئات اللغات، فأي قارئ نقصد؟ ومن يتوجه إليه الكاتب الذي يفكر في القارئ العالمي أو يتطلع إلى مراعاة مطالبه وتوقعاته؟ فإذا كان بالإمكان الوصول إلى القارئ العربي باختيار ناشر ملائم قادر -على الأقل- على المشاركة في معارض الكتب العربية، فإن الوصول إلى القارئ العالمي صعب من وجوه عدة؛ فهو قارئ مختلف، بل توجد في حقيقة الأمر طبقات من القراء المختلفين الذين لا تسهل مخاطبتهم، ولا بد من بذل مجهود في ذلك للتعرف إلى توجهات القراء وإمكانات التواصل معهم. إلى جانب ذلك، هناك مشكلة اللغة التي تتطلب أحد أمرين: إما أن يكتب المؤلف بلغة أجنبية حية، وإما أن يبحث عن فرص الترجمة التي بمقدورها أن تسهم في نقل الكتاب إلى جمهور أوسع، رغم ما يرصده المتخصصون من أوجه قصورها، خصوصا في ترجمة المادة الأدبية. ينقلنا حديث الترجمة إلى مشكلات متشعبة تتصل في جانب منها بمعايير الترجمة، وبضرب من بقايا الاستشراق الذي يطلب من الشرق قصصا بعينها قد لا تمثل حقيقة الشرق ولا واقعه بمقدار ما تغذي الصورة النمطية التي رسمها الغرب للشرق. وللأسف، فبعض كتابنا العرب وقعوا في وهم الترجمة، وغدوا قنوات لتغذية المخيال الغربي أكثر من إيصال حقيقة واقعنا وتطلعاتنا. ولكن أمر الترجمة لا ينحصر في هذه الزاوية أو الوضعية؛ فمقابل هؤلاء، هناك كتاب مؤمنون بقضايا العرب والعالم الإسلامي، وحريصون على تناولها بطريقة مغايرة للتوقع أو للمنظور الغربي الذي يستند -في كثير من الأحيان- إلى معضلة المركزية الغربية، وإلى أن يكون فرعا من فروع الهيمنة وميول الاستشراق وضروب الاستعمار الجديد. وحين ننظر في واقع الرواية الأردنية نجد فيها قدرا واضحا من التطور كما ونوعا، ونجد في كثير من نماذجها ما يمثل الواقع العربي والأردني بطرق فنية وسردية متقدمة. نجد في أكثر نماذجها الجيدة جدلا مع الواقع ونقدا له ينطلق من تطلعاتنا، ويراد منه الإسهام فيما نرنو إليه من التقدم والعدالة وتجاوز المعيقات الحضارية، سواء أكانت أسبابها داخلية أم خارجية. وإذا ربطنا بين محليتها وتطلعها العالمي، فإننا محتاجون إلى تناول بعض المؤشرات الدالة، من أهمها: صدور روايات لكتاب أردنيين بلغات أجنبية، ومدى حضور الرواية الأردنية في إطار نشاط الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية واسعة الانتشار. فمثل هذه المؤشرات ربما تضعنا في إطار ملموس وواقعي من الاهتمام بالبعد العالمي. روايات أردنية بلغات أجنبية الروايات المكتوبة بلغات أجنبية لمؤلفين أردنيين معظمها باللغة الإنجليزية، فليس لدينا ظاهرة "فرانكفونية" وليس لدينا رواية أردنية بالفرنسية مثلا كما هو الحال في الجزائر أو المغرب أو لبنان أو غيرها من الأقطار العربية التي تتقدم فيها الفرنسية على الإنجليزية، لأسباب لها علاقة بترِكة الاستعمار ومناطق الهيمنة السابقة. وأما الكتاب الأردنيون الذين لهم تجارب في الكتابة بلغات أجنبية فلعل أبرزهم: عقيل أبو الشعر كاتب أردني الأصل من قرية الحصن قرب إربد شمال الأردن، نشأت في السنين الأخيرة "حركة" اكتشاف لآثاره الأدبية قادتها قريبته أو ابنة عائلته د.هند أبو الشعر الكاتبة والمؤرخة المعروفة، وقد أفضى البحث إلى الكشف عن عدة أعمال روائية مبكرة في مسيرة الرواية العربية كلها، واحدة منها بالعربية بعنوان (الفتاة الأرمنية في قصر يلدز) 1912. وقد أتقن هذا المؤلف عدة لغات وانتقل إلى بلدان متعددة وعاش في جمهورية الدومنيكان في أميركا الجنوبية، على ما آل إليه أمر كثير من المهاجرين العرب المسيحيين ممن كونوا ظاهرة أدب المهجر، وقيل إن الرجل وصل إلى وظيفة وزير في تلك البلاد حسب بعض المصادر. ويهمنا هنا أنه كتب بعض رواياته بالفرنسية والإسبانية، وقد ترجمت بعضها مؤخرا إلى العربية. أهم هذه الروايات: " القدس عربية – نهلة غصن الزيتون" ، وكتبت بالإسبانية عام 1921 وترجمها إلى العربية عدنان كاظم ونشرتها وزارة الثقافة الأردنية عام 2012. وكذلك رواية أخرى بعنوان:"إرادة الله" ، المكتوبة بالإسبانية عام 1917، وترجمها عدنان كاظم وظهرت في طبعة عربية عن وزارة الثقافة عام 2013. أما رواية "الانتقام" فنشرت بالفرنسية عام 1935، وترجمها وائل الربضي ونشرتها وزارة الثقافة عام 2013. وبالرغم من هذه الريادة التاريخية فإن هناك عوامل تحدّ منها وتعترض طريقها؛ فهذه الأعمال المبكرة لم يعرفها القارئ الأردني أو العربي قبل اكتشافها المتأخر وترجمتها في طبعات محلية، ولذلك فإنها لم تنهض بدور واضح في مسيرة الرواية الأردنية والعربية، كما أنها روايات مغمورة في سياق الرواية الأجنبية المكتوبة بالفرنسية أو الإسبانية في أوائل القرن العشرين. وقد شهدت تلك المرحلة تطورا واسعا في نهضة الرواية، وظهرت فيها الأسماء العالمية المؤثرة حتى اليوم، وليس للرجل اسم مذكور في تاريخ الرواية بهذا المعنى، ولذلك تظل ريادة عقيل أبو الشعر محددة بالريادة التاريخية، نظرا لسبقه في كتابة الرواية، دون أن نبالغ في بناء ريادته بأثر رجعي، فالريادة تقتضي الفاعلية والتأثير وليس السبق التاريخي وحده. تعد الكاتبة فادية الفقير البريطانية-الأردنية رائدة الرواية الأردنية المكتوبة بالإنجليزية، وقد ترجمت رواياتها إلى كثير من لغات العالم، وترجم بعضها إلى العربية. أشهر رواياتها: (اسمي سلمى) التي نشرت عام 2007 بالإنجليزية، وظهرت ترجمتها عن دار الساقي 2009 بترجمة عابد إسماعيل. كما ترجمت روايتها (أعمدة الملح) ونشرتها دار ألكا (ترجمة فرج عبد السلام). ونقرأ في سيرتها المفصلة -بحسب موقعها الإلكتروني- أنها كاتبة وروائية أردنية – بريطانية وأكاديمية مستقلة تهتم بقضايا حقوق الإنسان. ولدت في عمان لوالد أردني من قبيلة العجارمة أما والدتها فشركسية. حصلت على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من الجامعة الأردنية في عام 1983 ثم سافرت إِلى بريطانيا لمتابعة دراستها العليا. وفي عام 1985 حصلت على الماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة لانكستر ثم عادت الى الأردن وعملت لفترة قصيرة كمنسقة إعلامية في وزارة التعليم العالي ومؤسسة آل البيت. وفي عام 1986 عادت إلى بريطانيا لإتمام دراستها العليا وحصلت على أول دكتوراه في بريطانيا في الكتابة الإبداعية والنقدية من جامعة إيست أنجليا تحت اشراف الكاتب والناقد المعروف مالكولم برادبري عام 1989. وفي عام 2009 منحتها كلية سانت إيدن في جامعة درم الزمالة في الكتابة الإبداعية. نشرت أعمالها في تسعة عشرة دولة وترجمت الى خمسة عشر لغة. نشرت دار بنغوين روايتها الأولى "نسانيت" عام 1987 أما روايتها الثانية "أعمدة الملح" فنشرتها دار كورتيت عام 1987 وترجمت إلى خمس لغات. صدرت روايتها الثالثة "إسمي سلمى" عام 2007 عن ترانزورلد التابعة لمجموعة دار راندم وترجمت إلى أثنا عشر لغة. وحازت الترجمة الدنمركية لكل من "أعمدة الملح" و"اسمي سلمى" على المرتبة الثانية لجائزة "ألوا" التي يمنحها مركز آداب اٍفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وجزر المحيط الهادي. مقدمة روايتها الرابعة "في مطبخ منتصف الليل" نشرت في دورية وبر الأمريكية وحصلت على جائزة نائلة سيشاشاري لعام 2009. نشرت دار كويركس روايتها الخامسة "شجر الصفصاف لا يبكي" عام 2014. كانت المحررة الرئيسة لسلسلة الكاتبات العربيات التي نشرتها دار جارنت وحازت هذه السلسلة على جائزة ­­"النساء العاملات في دور النشر البريطانية" عام 1997″. ويمكن القول إن الكتابة باللغة الإنجليزية وفي سياق أجنبي لم يبعد فادية الفقير عن هموم مجتمعها وقضاياه، فمعظم رواياتها ذات صلة بالتحولات الاجتماعية والسياسية، وبوضعية المرأة بشكل خاص كما عاينتها وخبرتها في موطنها، أي أن محتوى روايتها لا يبعد عما يشغل كثير من الكتاب الذين يكتبون بالعربية. وربما يعود هذا إلى طبيعة تجربتها الشخصية، وهجرتها إلى بريطانيا وهي ناضجة في سن الشباب، وصِلتها التي لم تنقطع ببلدها وأسرتها ومحيطها حتى اليوم. ولذلك فتجربتها من لون مختلف عن تجربة عقيل أبو الشعر الذي أغرب في منظوره وقضايا رواياته، وكتبها في المجمل بمنظور مجتمع هجرته، وليس وعي موطنه الأول. وقد ساعدت ترجمة روايات فادية الفقير على تلقي أعمالها بالعربية، إلى جانب مساهماتها في حركة الأدب العربي ومشاركتها في كثير من الفعاليات مما قرّب تجربتها من القارئ العربي سواء اتصل بأعمالها باللغة الإنجليزية أو عبر ترجماتها العربية. مؤلفات أمريكيات أردنيات يمكن الإشارة إلى كاتبات معروفات ينتمين إلى ظاهرة الكتاب الأمريكيين ذوي الأصول العربية، وبوجه خاص نشير إلى كاتبتين معروفتين هما: ديانا أبو جابر وليلى حلبي، المعروفتين جيدا ضمن هذه الظاهرة التي تمثل تلوينا ملحوظا في الكتابة بالإنجليزية. وإنتاج هاتين الكاتبتين لم يترجم في حدود علمنا إلى العربية حتى الآن. إلى جانب أن صلتهما بالهموم الأردنية والمحلية أقل وضوحا مما لاحظناه لدى فادية الفقير، بل يمكن القول إنهما تكتبان من زاوية أخرى أبعد، تتصل بالمجتمع الأمريكي وبما يتصل به من ظواهر، بما فيها هموم المهاجرين داخل ذلك المجتمع. إنهما جزء من ظاهرة الكتاب متعددي الأصول في سياق الثقافة والكتابة الأمريكية الراهنة، ومع ذلك فمن المهم ترجمة أعمالهما التي نقلت إلى لغات عديدة ولم تحظ بالترجمة إلى العربية. كتبت الروائية المعروفة كفى الزعبي (1965) إحدى رواياتها باللغة الروسية التي تتقنها ونشرت في بطرسبرغ كرواية روسية (عد إلى البيت يا خليل)، كما نشرت روايتها (ليلى والثلج ولودميلا) باللغة الروسية عام 2010، بعد طبعتها العربية المنشورة عام 2007. وهناك ترجمات لكتاب آخرين في سنوات أقدم (قبل 1990) في مرحلة الاتحاد السوفياتي خصوصا ما نشر ضمن نشاطات اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا الذي يعد إحدى المنظمات الثقافية ذات التوجه اليساري المرتبط بالاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية آنذاك. روايات أردنية مترجمة إلى اللغات الأجنبية يعد مؤشر الترجمة إلى اللغات الأجنبية العالمية مؤشرا ذا بال في سياق الحديث عن عالمية الرواية، وبالرغم من نظرتنا إلى اللغة العربية وتقدير مكانتها العالية كلغة أدبية ومعرفية عالمية ولها تاريخها وتطورها، فإن ما يكتب بها اليوم يظل في دائرة محدودة مهما اتسع عدد قرائها، ومع نقدنا لهيمنة اللغة الإنجليزية وكذلك الفرنسية بشكل خاص على المشهد العالمي ونجاح الإنجليزية محمولة بأدوات استعمارية وسياسية لتغدو لغة العالم ولغة العولمة فلا مناص من الاعتراف بأن ذلك يحتم أن تكون في مقدمة اللغات التي تتيح لجمهور واسع الاطلاع على الرواية العربية وغير العربية. ويمكن الإشارة إلى جهود الأديب الراحل عيسى الناعوري (1918-1985) الذي يعد من رواد الترجمة باللغة الإيطالية، ولكن يبدو أنه اهتم بالترجمة من الإيطالية إلى العربية أكثر مما عني بترجمة الأدب الأردني والعربي إليها، وللناعوري رواية مبكّرة هي بيت وراء الحدود (1959) نشرت بالإسبانية عام 1973، قد تكون من أوائل الأعمال الأردنية المترجمة. كما يمكن الإشارة إلى جهود حسني فريز الذي نشر قصصا مختارة وروايات بالإنجليزية. أما الروايات المترجمة إلى الإنجليزية وغيرها في العقود والمراحل الأخيرة وفي وقتنا الراهن فأقرب أن تكون روايات قليلة حتى الآن، قياسا باتساع الإنتاج الروائي وثراء الظاهرة الروائية، يمكن الإشارة إلى أمثلة دالة من تلك الروايات: روايات إبراهيم نصر الله ويبدو لنا أن أعمال إبراهيم نصر الله (1954) هي الأوفر حظا في نيل الاهتمام ومن إقبال المترجمين ودور النشر المهتمة بالرواية العربية. وقد حظيت بمترجمين معروفين وبالنشر في دور نشر معروفة ومهمة. ونذكّر بمشروع بروتا الذي بادرت إلى تأسيسه الأديبة الراحلة سلمى الخضراء الجيوسي (1925-2023)، وكان ذلك المشروع جسرا ثقافيا مرموقا بالرغم من الصعوبات التي واجهها، ونجح في نقل مختارات ونماذج من الأدب العربي المعاصر إلى الإنجليزية، وهو المشروع الذي تبنى ترجمة رواية إبراهيم نصر الله براري الحمى عام 1993 وكان ذلك خطوة مهمة في التعريف بتجربته وفي استقطاب ترجمات أخرى مرموقة لهذه الرواية المهمة، ولروايات أخرى للكاتب. وقد حظيت روايات نصر الله بمترجمين ومترجمات مرموقين وبدور نشر متميزة في كثير من اللغات، كالترجمات التي نهضت بها نانسي روبرتس إلى الإنجليزية لكثير من روايات نصر الله مثل: زمن الخيول البيضاء، وأعراس آمنة، وقناديل ملك الجليل، وغيرها. روايات أخرى بالإنجليزية حظيت بعض روايات الروائية الراحلة ليلى الأطرش (1948-2021) بالترجمة إلى الإنجليزية ولغات أخرى، ومنها رواية امرأة الفصول الخمسة فقد ترجمت ونشرت عام 2001 واضطلع بترجمتها نورا حلواني وكريستوفر تينجلي. كما أسهمت بعض الجوائز العربية في توجيه الاهتمام إلى روايات أردنية حصدت جوائز مهمة، فحظيت رواية دفاتر الوراق لجلال برجس بترجمة أنجزها بول ستاركي أحد كبار المترجمين والمتخصصين المعاصرين في الأدب العربي، إلى جانب ترجمات أخرى إلى لغات غير الإنجليزية. كما ترجم جوناثان رايت المترجم والصحفي البريطاني رواية (حيث لا تسقط الأمطار) لأمجد ناصر (1955-2019)، ونشرت الترجمة دار بلومزبري/دار حمد بن خليفة/ قطر) عام 2015. وترجمت باولا حيدر رواية جمال ناجي (1954-2018) المعنونة بـ (موسم الحوريات) إلى الإنجليزية، ونشرتها دار جامعة حمد بن خليفة/قطر عام 2018. ويمكن الإشارة إلى تجربة الروائية الأردنية-السورية شهلا العجيلي ويبدو أن معظم رواياتها قد ترجمت في السنين الأخيرة: سماء قريبة من بيتنا (A Sky So Close to Us) ترجمة ميشيل هارتمان، Interlink Books ،2021). والطبعة الألمانية ترجمة، Christine Battermann عام 2022. صيف مع العدو (Summer with the Enemy) ترجمة ميشيل هارتمان، Interlink Books ،2021. كما ترجمت مجموعتها القصصية سرير بنت الملك وصدرت عن مركز دراسات الشرق الأوسط بأوستن، ترجمة سواد حسين، 2021. وترجمت نسرين أختر خاوري عددا من الروايات الأردنية ضمن مبادرة دعمتها وزارة الثقافة الأردنية ونتج عنها ترجمة أربع روايات هي: أنت منذ اليوم لتيسير السبول، والقرمية لسميحة خريس، وخبز وشاي لأحمد الطراونة، والقط الذي علمني الطيران لهاشم غرايبة. وصدرت الترجمات عن دار نشر جامعة متشغان في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك محاولات لترجمات "محلية" أي أن المترجم محلي والنشر كذلك، وهذه الترجمات لا نرى لها تأثيرا ملحوظا، ولكنها تعبر عن الرغبة في الوصول للقارئ الأجنبي. ومن أمثلتها: ترجمة (ايليان عبدالجليل) إلى الإنجليزية رواية (أحياء في البحر الميت) لمؤنس الرزاز بعنوان "Alive in the dead sea" ، منشورات وزارة الثقافة عام 1997. أخيرا ننبه إلى بعض الأمور المهمة، أولها حاجة الترجمة إلى مشاريع مؤسسية ومبادرات موسعة دائمة، وتحتاج إلى صلات واتفاقات مع مترجمين مرموقين ومع دور نشر عالمية ومرموقة، ويصعب أن ينهض بها الكاتب وحده، ولعل أمرها محتاج إلى بلورة مبادرة تتعاون فيها رابطة الكتاب الأردنيين مع وزارة الثقافة ومؤسسة شومان ونحوها من المؤسسات الوطنية القادرة على رسم خطة رشيدة لمثل هذا العمل الحيوي. والملاحظة المهمة أن لا يشكل السعي إلى الترجمة والتطلع إليها هاجسا للكاتب وللروائي، فمثل هذا الهاجس سيدخله في دوامة مقلقة، ربما تؤدي به إلى التكيف مع متطلبات الكثير من مؤسسات الترجمة وقنواتها ونعني تلك التي تتبنى الترجمة لتوجهات سياسية أكثر منها أدبية، ولديها تصورها النمطي العدائي لعالمنا، ولا تفتش إلا عما يؤيد ذلك التصور ويغذّيه، ولعلكم تعرفون للأسف أمثلة على ذلك من كتاب يتسابق الغرب على ترجمتهم ويشجع نشر أعمالهم باللغات الأجنبية لأنها تسيء إلى العرب وتقدمهم في إطار الصورة النمطية للتصور الغربي.

متحفا الغموض والتاريخ الطبيعي ببغداد.. تجربة تجمع بين الترفيه والعلم
متحفا الغموض والتاريخ الطبيعي ببغداد.. تجربة تجمع بين الترفيه والعلم

الجزيرة

time١٦-٠٦-٢٠٢٥

  • الجزيرة

متحفا الغموض والتاريخ الطبيعي ببغداد.. تجربة تجمع بين الترفيه والعلم

بغداد- تزخر العاصمة العراقية بالعديد من المتاحف المتنوعة التي تثري محتوى المدينة ما بين الترفيه والعلوم المختلفة، ففي الوقت الذي يأخذك "متحف الغموض" في رحلة تجمع بين العلم والتسلية، ينتقل متحف التاريخ الطبيعي بزائريه إلى عوالم مختلفة لا يمكن وصفها بالكلمات. ويقدم هذان المتحفان تجربتين مختلفتين ولكنهما متكاملتين، إذ يجمعان بين المتعة والفائدة، ويثبتان أن بغداد لا تزال تحتفظ بمكانتها كمركز ثقافي وحضاري في المنطقة. فكرة المتحف يقول مدير متحف الغموض علي زهير إن الفكرة ولدت من رحم الحاجة إلى تقديم تجربة مختلفة للأطفال، تجمع بين العلم والتسلية بطريقة محببة، مضيفا خلال حديثه للجزيرة نت "متحفنا هو الأول من نوعه في بغداد، ولدينا فروع أخرى في أربيل ودهوك". ويضيف زهير أنه مشروع المتحف بدأ بعد زيارته لإقليم كردستان العراق، حيث التقى بمهندس طرح عليه الفكرة فرحب بها على الفور. المتحف يقدم تجربة فريدة للأطفال وتخرج عن المألوف في ألعاب الأطفال التقليدية، ويوضح زهير "نحن نقدم عالما من الخيال العلمي، يتخطى التعقيد في دراسات الفيزياء والرياضيات، ويجعل الأطفال يحبون هذه العلوم بطريقة ممتعة وشائقة". وجهة للعائلات يقول أشرف أنس، وهو أحد العاملين في المتحف، إن المتحف "يمثل وجهة مثالية للعائلات والأطفال والشباب، حيث يمكنهم الاستمتاع بتجربة عملية لما يتم دراسته في المدارس نظريًا"، ويضيف أشرف أنه المتحف "ينقل العلوم من الكتب إلى الواقع، ونجعلها تجربة ممتعة وشيقة للأطفال". وأشار أنس خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن المتحف استلهم بعض الأفكار من تجارب أخرى في دول عربية وأوروبية، لكنه قام بتطويرها وتقديمها بطريقة مبسطة ومناسبة للأطفال، مؤكدا "نحن نسعى إلى خلق جو من المرح والتشويق، وفي الوقت نفسه نقديم معلومات قيمة للأطفال". ومن بين الألعاب والتجارب التي يقدمها المتحف ما يسمى "جسر التحدي" وألعاب الألغاز، التي تساعد الأطفال على تنمية مهاراتهم العقلية والتفكير النقدي، ويقول المتحدث نفسه "نحن نؤمن بأن التعليم يجب أن يكون ممتعا، وأن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل عندما يستمتعون". تجربة رائعة يقول مصطفى حسن وهو أحد مرتادي المتحف للجزيرة نت إن المتحف "تجربة رائعة وجديدة في بغداد"، إذ يقدم بشكل عملي أشياء كثيرة سبق له دراستها في المرحلة الابتدائية، ولمسها وشعر بها ما يقدم المتحف من أنشطة. ويقول حيدر حافظ وهو زائر آخر للمتحف إن الأخير يتضمن ألعابًا لتنشيط العقل والذهن، وهي فكرة جميلة تصلح لجميع الأعمار لما تتضمنه من فوائد وترفيه، أعادته إلى أيام دراسة الفيزياء، ولكن بشكل أكثر روعة. وأما حيدر محمد عباس، فقد أعرب عن إعجابه بجمالية الأفكار التي يضمها المتحف، مشيرا إلى أن الأطفال كانوا يشعرون بمتعة لا توصف أمام هذه التجربة. متحف آخر وإلى جانب متحف الغموض، يتيح متحف التاريخ الطبيعي لزواره التعرف على عوالم الكائنات الواسعة والمبهرة، وتقول مديرة مركز بحوث ومتحف التاريخ الطبيعي هناء هاني الصفار إن المتحف يحوي قاعة معروضات تضم محنطات لكائنات حية حيوانية مختلفة الأشكال، بعضها محنط والبعض الآخر جبسي يحاكي الطبيعة، بالإضافة إلى قاعة المعروضات، منوهة إلى أن للمتحف أربعة أقسام علمية هي: قسم الحشرات واللافقريات، وقسم الفقريات، وقسم الأسماك، وقسم النبات، والبيئة. وتوضح الصفار أن المتحف تأسس في الثاني من مارس/آيار 1946 إبان عهد الملك فيصل، ولكل قسم من أقسام المتحف كادر تدريسي وفني يقوم بعدة مهام، منها التشخيص وإبداء المساعدة والمشورة لعدة جهات، مضيفة أن رواد المركز ينقسمون إلى نوعين، رواد الأقسام العلمية وأغلبهم من طلبة الدراسات العليا، حيث يعتبر المركز مرجعا وطنيا في التشخيص في العراق، كما يرتاد المتحف -وخاصة قاعة المعروضات- زوار من مختلف الأعمار، من الأطفال إلى الكبار. ولفتت الصفار إلى أن المتحف يشهد إقبالاً كبيراً خلال الفترة الربيعية، وذلك لإقبال رحلات المدارس والكليات من مختلف محافظات البلاد. عوالم مختلفة ويقول سفيان السعيدي وهو أحد زوار المتحف، في حديث للجزيرة نت إن متحف التاريخ الطبيعي من أجمل المتاحف التي زارها في العراق، إذ ينقل الزائر إلى عوالم مختلفة. ويضيف السعيدي أن المتحف يضم مجالات ترفيهية وعلمية متنوعة، تشمل التاريخ والجغرافيا والفيزياء والكيمياء، مما يجعله متحفا تاريخيا متكاملاً. ويبدي المواطن العراقي إعجابه بتنوع المعروضات في المتحف، حيث يجد الزائر في كل ركن من أركانه عناصر من مختلفة، مما يجعله تجربة تعليمية وترفيهية متميزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store