
كتّاب: علينا تنمية مخيلة الصغار
يرى الكاتب جمال الشحي، أن عصر التكنولوجيا الراهن لا يمثل تهديداً لأدب الطفل، بل يفتح له آفاقاً جديدة ويدعو إلى الترحيب به من جديد، مؤكداً أن التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، قد نقلت الكتابة والتأليف إلى مستويات أكثر سرعة وابتكاراً. ويشير الشحي إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح شريكاً فعالاً للكاتب المحترف، سواء في مرحلة توليد الأفكار أو التحرير السريع للنصوص، حيث أصبح بالإمكان إنجاز البحوث المتعلقة بتوجهات الطفل والفئات العمرية وما يتناسب معها من مضامين، وكل ذلك في وقت وجيز وبمعايير دقيقة، ويعتقد أن سهولة الوصول إلى هذه التحليلات والإجابات الفورية حول حاجات الأطفال سيمنح الكتّاب فرصة لإخراج أعمال أكثر عمقاً وجاذبية، وهو ما من شأنه أن يسهم في تعزيز وتيرة الإنتاج الأدبي الموجّه للأطفال.
ويضيف الشحي أن الذكاء الاصطناعي لم يسهم فقط في تطوير النصوص، بل أحدث نقلة نوعية أيضاً في التصاميم والرسومات المصاحبة لكتب الأطفال، فمن خلال خدمات التصميم المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن للكاتب أن يتصور الشكل النهائي للكتاب بصرياً، قبل أن يبدأ مرحلة التنفيذ مع الرسام أو المصمم الطباعي، هذه الأدوات تمنح المبدعين فسحة واسعة للتجريب والتطوير، ومراجعة أفكارهم بما يضمن أن تكون المادة المعروضة أمام الطفل متكاملة، من حيث المضمون والشكل، فتخلق كتباً أكثر إبهاراً وتشويقاً، وتواكب دربة الأجيال الجديدة على تلقي المعرفة عبر الوسائط المتعددة.
ضرورة تربوية
بدوره يؤمن القاص الإماراتي محسن سليمان، بأن أدب الطفل هو أحد أهم الأجناس الأدبية التي تحرص المجتمعات على العناية به وتطويره، بوصفه ضرورة تمس حاجات التربية والتنشئة، ولا يقل في أهميته عن الماء والغذاء في حياة المجتمعات. ويرى سليمان أن الأدب الموجه للأطفال لطالما كان وسيبقى حجر زاوية في تأسيس القيم الأخلاقية والتربية الإسلامية، من خلال الكتب الورقية التقليدية التي كان لها دور محوري في تنمية الحواس واللغة والخيال لدى الطفل. فقد ارتبطت تلك الكتب بالألوان البراقة والرسوم الجميلة، واحتضنت في نصوصها لغة سليمة وقيم الكرم والشجاعة والمروءة، ما أسهم في بناء شخصية الطفل وترسيخ هويته الثقافية.
ويشير سليمان إلى أن الاهتمام بأدب الطفل لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاج تضافر جهود مؤسسات ثقافية كبرى وخبراء وأكاديميين متخصصين في أدب الطفل، فضلاً عن المؤتمرات والنشاطات التي رافقت مسيرة النهوض بهذا الأدب. فقد تشكل وعي اجتماعي مبكر إلى حاجة الطفل، ليس فقط للمعرفة، بل أيضاً للمحتوى المبني على أسس إنسانية وتربوية راسخة. ويستعيد هنا تجربة جيل كامل تربّى على نمط تقليدي من كتب الأطفال التي اعتمدت على عناصر الجذب البصري والمعاني العميقة، مشيراً إلى أن هذه النماذج شكّلت ذاكرة جمعية تستحق الحفاظ عليها.
ويبين سليمان أن المشهد بدأ يتحول بشكل ملحوظ مع تطور التكنولوجيا، خاصة في العقد الثاني من الألفية (2010-2019)، حيث استفاد أدب الطفل استفادة نوعية من دخول الوسائط التقنية، فتولدت القصة التفاعلية، وظهرت البرامج التعليمية الرقمية التي وسعت آفاق التعلم والخيال لدى الطفل. أما اليوم، ومع دخول عصر الذكاء الاصطناعي، فقد اتسع التأثير حتى أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، بما في ذلك حياة الطفل نفسه، وبرزت القصص المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وبدأت تعالج تحديات هذا العصر وتستعرض أثر الذكاء الاصطناعي بالإنسان في الحاضر والمستقبل.
ويختم سليمان بأن الطريق المثالي يكمن في توعية الأهل والمربين والمهتمين بأدب الطفل حول آليات الذكاء الاصطناعي وضبطها، ليبقى هذا الأدب رافداً تربوياً وأخلاقياً ومعرفياً، يرافق الطفل في رحلة النمو وسط عالم سريع التغيرات.
واقع معقد
ترى الكاتبة إيمان اليوسف، أن أدب الطفل العربي اليوم يمر بمرحلة جذرية من التحول، بفعل هيمنة التكنولوجيا وتطور أدوات الذكاء الاصطناعي، من جانب إيجابي، تشير إلى أن الوصول إلى المعلومة أصبح في متناول الجميع، الطفل وولي أمره على حد سواء، فبعد أن كانت المعرفة تحتاج إلى رحلة شاقة في البحث والقراءة، صارت متاحة بضغطة زر أو سؤال واحد لمحرك بحث أو روبوت ذكي. هذه السهولة جعلت من العلم باباً مفتوحاً، وقلّصت الحواجز أمام الأطفال لاكتساب مهارات ومعلومات جديدة.
غير أن هذا الانفتاح أدى إلى تغير كبير في نموذج تلقي العلم التقليدي، فلم يعد الطالب والمعلم يخوضان تجربة التعلم المشترك وجهاً لوجه، واختفى كثير من عناصر الدهشة والتدرج في المعرفة التي كان يحملها الكتاب الورقي والعلاقة الإنسانية بين القارئ والمدرس.
في المقابل، تحذر إيمان اليوسف من واقع سلبي يرافق هذا الانفتاح التكنولوجي، خاصة في ما يتعلق بوقت الشاشة الكبير ومشاهدة المحتوى المتغير بسرعة، من صور وموسيقى وألوان، تقول إن كثرة المثيرات البصرية والسمعية تؤثر في تركيز الطفل وتجعل القراءة التقليدية أمراً شاقاً عليه، كما تُظهر نتائج الأبحاث زيادة في بعض الاضطرابات النفسية ومشكلات في التواصل الاجتماعي بين الأطفال، لذا تبرز الحاجة الماسة إلى تطوير أدب الطفل العربي، ليصبح أكثر تفاعلية وإبداعاً، يرتبط بعوالم الطفل الحسية والعاطفية، ويلبّي حاجاته الذهنية المعاصرة، بدلاً من الاقتصار على النصوص القديمة أو الشكل التقليدي للكتاب الذي فقد جزءاً كبيراً من جاذبيته للعقل الحديث.
ولمعالجة هذا الواقع المعقد، تؤمن اليوسف بأن عودة الطفل إلى القراءة وحب الكتاب مسؤولية مشتركة بين الأسرة، والمدرسة، والمجتمع بأسره. وتؤكد أن وجود مكتبة منزلية ولو صغيرة، وحرص الأهل على القراءة أمام أبنائهم، وربط لحظات القراءة بالمشاعر الدافئة، هي من أنجح الوسائل لترسيخ عادة المطالعة منذ الصغر. كذلك تدعو إلى تقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتوفير وقت مخصص للقراءة والقصص، حتى تصبح للطفل علاقة متوازنة مع الكتاب والشاشة معاً.
استثمار
وعن واقع أدب الطفل العربي، ترى الكاتبة عائشة عبدالله، أن الواقع الحالي يشهد حالة من الركود والفتور، إذ باتت التكنولوجيا اليوم الخيار المفضل للأطفال على حساب الكتاب الورقي التقليدي. ومع ذلك، تؤكد أن هذا الواقع لا يخلو من بارقة أمل، خاصة مع المبادرات الموجهة لتعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال فتخلق مثل هذه المبادرات نافذة للعودة إلى الكتاب، رغم صعوبة المنافسة مع العالم الرقمي.
وتلفت إلى دور الأسرة المحوري، إذ لم يعد هناك وداع نهائي للكتب، فبعض العائلات قادرة على إعادة أبنائها إلى عالم القراءة، أحياناً بطرق مبتكرة تجمع بين التسلية والكتاب، وتستشهد بتجربة شخصية، حيث استعانت إحدى الأسر بقصة شخصيات الألعاب الافتراضية لربطها بكتب حقيقية يبادر الأطفال لقراءتها، مؤكدة بذلك أهمية دور الأهل في ترسيخ عادة القراءة.
أما عن الكتاب والناشرين، فترى عائشة عبدالله، أن مواكبة التطورات التكنولوجية شرط أساسي لضمان استمرارية حضور الكتاب في حياة الطفل. وتدعو إلى تطوير تقنيات الكتابة وأساليب العرض لجذب انتباه الأطفال، عبر دمج المضمون الورقي بالمحتوى الإلكتروني، مثل استثمار شخصيات القصص الورقية ضمن ألعاب إلكترونية تشجع الطفل على العودة إلى الكتاب بحثاً عن تفاصيل أوسع.
الدكتور سمر روحي الفيصل، يؤكد أن المشهد اليوم بات معقداً ومملوءاً بالتحديات، فقد أسهمت التكنولوجيا الحديثة في إحداث نقلة نوعية على صعيد الشكل الجمالي للكتاب الورقي وقصص الأطفال، إذ أصبحت المطبوعات أكثر جذباً بفضل تطور تقنيات الطباعة والتصميم والألوان، إلى حد لم يكن متخيلاً في العقود السابقة. وينطبق الأمر ذاته على المجلات الموجهة للأطفال، وبرامجهم التلفزيونية التي باتت تنافس من حيث التقنية والإخراج.
غير أن د. الفيصل يذهب إلى ما هو أبعد، فيشير إلى أن التكنولوجيا نفسها ليست هي مصدر الأزمة أو السبب في تراجع أدب الطفل، بل إنها أداة محايدة قد تكون نافعة إذا حسن توظيفها، فالمشكلة الجوهرية في رأيه تكمن في قصور الكاتب ذاته عن فهم عالم الطفل وحاجاته، وفي عجز النص الحالي عن تحقيق المتعة وتنمية المخيلة لدى القارئ الصغير.
ويتناول الفيصل الأزمة من جذورها، معتبراً أن كثرة القصص الصادرة اليوم تفتقر إلى عنصر التشويق والتخييل، فتغدو نصوصاً جميلة من حيث الشكل، لكنها خالية من المتعة والقدرة على تحفيز الخيال الطفولي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ 5 ساعات
- الإمارات اليوم
الأغنية العربية في زمن الذكاء الاصطناعي.. طرب فاقد للروح
في زمن تتسارع فيه أدوات التكنولوجيا لتمد نطاقها إلى كل المجالات، وصولاً إلى الفن، وجدت الأغنية العربية نفسها اليوم «مخترقة»، في ظل ثورة جديدة تعيد تشكيل الفن والذائقة عن طريق الذكاء الاصطناعي. فعلى امتداد السنوات الأخيرة، تحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة في التوزيع و«المكساج»، إلى مؤثر مباشر في صناعة الكلمات وتوليد الألحان، بل واستنساخ أصوات أشهر المطربين العرب، الأحياء منهم والأموات، بصورة يصعب أحياناً على الأذن تمييزها. فمن أغنية لأم كلثوم «تشدو بها» خوارزمية حديثة، إلى مقاطع كليبات رقمية من دون ممثلين، وصولاً إلى مشاريع فنية عربية وغربية كاملة تنتج دون أي أدنى لمسة بشرية، يتفاقم الحضور الاصطناعي في فضاء إبداعي وصف تاريخياً بأنه «ابن العاطفة والانفعال والذاكرة الجماعية».. فهل يعني ذلك أن المتلقي أمام ثورة فنية تعيد تشكيل الذائقة؟ أم تنتظره حقبة جديدة سيتم خلالها استبدال روح وجوهر الإنسان بنسخ رقمية مصقولة خالية من الإحساس؟ التجربة العربية بدأت القصة عربياً منذ نحو عامين، حين أثار الملحن المصري عمرو مصطفى ضجة باستخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج أغنية بصوت «أم كلثوم»، دون الرجوع إلى ورثتها أو المؤسسة المالكة لأرشيفها. وبينما رأى البعض في التجربة «عودة رمزية للصوت الذهبي»، اعتبرها آخرون تعدياً على الذاكرة الجماعية وانتهاكاً لأخلاقيات الفن، لكن السؤال الأهم الذي ظهر حينها: هل يمكن محاكاة العبقرية؟ أم أن ذلك نوع من الانتحال فحسب؟ بعد ذلك، توالت التجارب وصولاً إلى العام الماضي، حين قدمت المغنية التونسية لطيفة أربعة كليبات من ألبومها «مفيش ممنوع» باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد المشاهد والخلفيات، معلقة آنذاك: «التقنية لا تخلق الإحساس، لكنها توسع المشهد وتمنح الصورة بعداً آخر». وفي الأردن، أطلقت فرقة «آخر زفير» كليب أغنيتها «ارتوازي» بتقنية الذكاء الاصطناعي، ليكون أول كليب روك عربي ينتج بالكامل باستخدام الخوارزميات، فيما جاءت الصور والمشاهد أقرب إلى حلم متحول، بلا منطق واضح، يعكس مشاعر الغربة والانكسار بلغة بصرية جديدة. وفي المغرب، سلك الفنان الشاب Mehdayev Brayen الملقب «بالحكواتي العصري» مدى أبعد، عبر تصميم مشروع موسيقي باستخدام التكنولوجيا الحديثة، خصوصاً الذكاء الاصطناعي، سواء في مرحلة كتابة النصوص أو تركيب الموسيقى أو تصميم الكليب بالكامل، مقدماً تجربة حكواتية تستحضر التراث الشعبي في فضاء رقمي بحت. أما في يونيو الماضي، فأصدر المغني السعودي راشد الماجد أغنية «أنا استسلمت»، المصورة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، إذ تم بناء المشاهد رقمياً، لتظهر كأنها مشاهد رومانسية وحالمة، لكن التجربة وإن بدت أنيقة بصرياً ودون «روتوش»، فقد جاءت خالية من الروح. أصالة مشكوك فيها على هامش هذه التجارب، انتشرت على المنصات الرقمية، مقاطع موسيقية ولدتها خوارزميات ذكاء اصطناعي، على أنها «بصوت» مطربين عرب معروفين مثل فيروز وكاظم الساهر وراشد الماجد وحسين الجسمي وعبدالحليم حافظ وغيرهم. وأظهرت هذه المقاطع قدرة كبيرة على تقليد النبرة والأداء وحتى طبقة الصوت، دون أن يكون للفنان أي دور فعلي في التسجيل، خصوصاً أنها تقدم «أغنية جديدة كلياً بصوت فنان راحل»، أو تعيد توزيع أغنية أجنبية بأسلوب صوتي عربي مزيّف. ورغم أن هذه المقاطع سجلت مشاهدات كبيرة، وأثارت فضول جمهور موسع من الباحثين عن الترفيه، إلا أن النقاد حذروا من «نمو ظاهرة الانتحال الصوتي»، التي تضع أخلاقيات الفن والحقوق الفكرية على المحك، خصوصاً أن صوت الفنان ليس مجرد تردد صوتي، بل امتداد لشخصه وتجربته، وهو ما يجعل «غناء الآلة بصوته» أقرب إلى محاكاة بلا ذاكرة. شراكة صحية أسئلة بالجملة تطرحها قدرة الذكاء الاصطناعي اليوم على إنتاج أغنية تحاكي «الوجع الإنساني»، وهل يكفي أن يكون الصوت جميلاً حتى نصدق الشعور، ومن يملك الحق في استخدام «أصوات الراحلين» وحماية الفنان من قرصنة صوته؟ فالذكاء الاصطناعي منح الموسيقى أدوات جديدة وفرصاً للخيال، ليحسم معضلة فنية عظيمة وهي عبء الإنتاج، لكنه انتزع في الوقت ذاته لحظة الحيرة وأنين النجوى وتنهيدة المقطع الأخير، لأن الفن في جوهره تجربة ذاتية محضة لا يمكن برمجتها بالكامل، حتى وإن شهدنا مستقبل شراكة صحية بين الفنان والخوارزمية. ولكن يبقى لألق الأغنية نبرتها الإنسانية التي دافع عنها 61% من الشباب العربي، مؤكدين في استطلاع رقمي موسع قبولهم باستخدام تقنية AI في الموسيقى بشرط الإفصاح عنها، بينما أكد 30% أنهم يشعرون بأن الفن يتحوّل إلى «مؤثر صوتي فاقد للروح». جدل واسع خاض المطرب اللبناني عاصي الحلاني، تجربة مغايرة في كليب أغنيته «أشتكي لله»، الذي صممت كل عناصر بيئته البصرية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت الذي اعتبر البعض العمل نقلة جمالية فريدة، أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً بسب غياب البصمة الإنسانية في عالم من «التصميم الخوارزمي البارد». • الذكاء الاصطناعي تحول من أداة مساعدة في التوزيع و«المكساج»، إلى مؤثر في صناعة الكلمات والألحان.


الإمارات اليوم
منذ 5 ساعات
- الإمارات اليوم
إبراهيم العوضي يُوثّق حكايات الأجداد المهددة بالنسيان.. بـ «لغة العصر»
في زمن بات فيه العالم عبارة عن قرية صغيرة، وتُسيطر فيه التكنولوجيا على وجوه الحياة كافة، يبرز جيل شاب من صنّاع المحتوى الإماراتيين ممن يأخذون على عاتقهم الإسهام في حماية الهوية الوطنية، مثل إبراهيم العوضي الذي يعمل من خلال المقاطع التي يُصورها على تقديم وجوه الحياة القديمة، ليُعرّف بجماليات التراث وعراقة الماضي في الوطن، وحكايات الزمن الجميل التي استقاها من مجالسته كبار المواطنين، علاوة على البحث في المراجع الموثوقة. واختار الشاب الإماراتي منصات التواصل الاجتماعي نافذة يطل من خلالها على العادات الأصيلة والحِرف الشعبية القديمة في الدولة، وكل ما يعكس الحياة التي عاشها الآباء والأجداد. وقال العوضي في مستهل حواره مع «الإمارات اليوم» عن طبيعة المحتوى الذي يُقدّمه: «لقد درست الموارد البشرية، لكنني خضعت لدورات تدريبية في مجال الإعلام، وقررت بعدها تقديم محتوى يتوجّه للشباب، بهدف نقل المعلومات المرتبطة بالموروث الإماراتي والعادات والتقاليد، وكل ما يرتبط بالحياة القديمة، واخترت التركيز على الماضي، فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر، ومن خلال الأمس نستمر ونبني المستقبل، كما أن توجيهات القيادة الرشيدة تُشدّد على الحفاظ على التراث، وعلى الهوية الوطنية». مصطلحات قديمة ووجد العوضي من خلال مجالسته كبار السن، أن هناك مجموعة من المصطلحات التي تبدو وكأنها قد نُسيت، لذا اختار التركيز على المصطلحات القديمة وكل ما يمكن من خلاله الحفاظ على الهوية، معتبراً أن الإعلام رسالة، ولابد من توظيف تلك الرسالة لأجل خدمة الثقافة المحلية. وأشار إلى أن الهوية الإماراتية قد تكون مهددة، خصوصاً عندما يتم تناول اللهجة المحلية التي قل استخدام الجيل الجديد لها، إذ بات يتحدث بالإنجليزية وكذلك بـ«لغة عامية جديدة»، ما يؤثر في استخدام اللهجة الإماراتية، فضلاً عن التوجه لتعلم لغات أخرى، وهي بمجملها عوامل تُقلل استخدام اللهجة، وهذا يُهدّد ملامح الهوية. عفوية وأسلوب محبب وعن كيفية تقديم المحتوى التراثي بلغة يتقبّلها الشباب، رأى العوضي أنه لابد من أن يضع صانع المحتوى نفسه مقابل الطرف الآخر، ويفكر بطريقة بعيدة عن اللغة الجامدة والرسمية، بل يختار لغة معاصرة، قريبة من نمط حياة الشباب، ويُقدّم المحتوى بأسلوب محبب ومبتكر، ويحمل الكثير من العفوية. ويركز العوضي على الفعاليات التي تنظم في أرجاء الدولة، بحيث يستغل الأحداث الكبرى من أجل جمع المعلومات الخاصة بالاحتفالية، ومن ثم التصوير مع الحضور، ليُوجِد نوعاً من التفاعل بينه وبين الضيوف، لافتاً إلى أنه حينما يُقدّم محتوى بعيداً عن الفعاليات فهو يسعى إلى تقديم معلومات مأخوذة من الكتب التي توثق التراث الإماراتي، وكذلك من كبار المواطنين، إذ يجالسهم ويأخذ منهم كثيراً من المعلومات المرتبطة بطبيعة حياتهم. وأوضح أن القصص التي يسمعها من كبار المواطنين يسجلها ويُوثّقها، ويستكمل المعلومات من خلال البحث في المراجع، ليسرد القصص والمعلومات كاملة وبدقة، منوهاً بأن المراجع المرتبطة بالتراث الإماراتي متوافرة ومتنوعة، ومنها أخذت العديد من الكلمات التي لا تستخدم كثيراً، ذاكراً - مثلاً - الترحيب باللهجة الإماراتية، إذ يقال: «مرحبا بالطش والرش»، وهي عبارة عن تشبيه حلول الضيف بحلول المطر الخفيف. بين زمانين واعتبر العوضي أن الاختلاف بين الحياة المعاصرة وحياة الأجداد يكمن في التطور التكنولوجي الذي بات مسيطراً على وجوه الحياة التي نعيشها، فيما كان لدى السابقين كثير من التحديات. وعن الصعوبات المرتبطة بصناعة المحتوى، ذكر أنها متنوعة، منها ما يرتبط بتقديم محتوى يتناسب مع ما يُقدّم في منصات التواصل الاجتماعي، بدءاً من الصورة المميزة بكونها ذات جودة عالية، وثانياً المثابرة على تقديم المحتوى الذي قد يكون على حساب الحياة الشخصية أو الأسرة، فضلاً عن قلة المساندة من المؤسسات والجهات التي يفترض أن تدعم الهوية الوطنية، إذ تعمل المؤسسات على تقديم الثناء، لكن هذا غير كافٍ، فيما يتمثّل التحدي الأخير في الحصول على التصريحات للتصوير في الأماكن العامة. وكشف العوضي أنه يضع لنفسه كثيراً من المحاذير في صناعة المحتوى، معتبراً أن دور صانع المحتوى يجب أن يكون محصوراً في معرفته، وكذلك في الحدود التي يضعها القانون الإماراتي. ويطمح العوضي إلى أن يكون من أوائل الإماراتيين المختصين في مجال صناعة المحتوى، لاسيما المتخصص في التراث، وأن يُصنّف ضمن صناع المحتوى المميزين. رسالة هادفة أكد صانع المحتوى إبراهيم العوضي أن الرسالة التي يحملها ويسعى إلى تقديمها، تكمن في الحفاظ على الهوية بشكل متكامل، بدءاً من الظهور بالزي الإماراتي، وثانياً تصوير الثقافة الإماراتية وتجنّب إظهار ما يخالفها، وكذلك الالتزام بالعادات في التصوير. واعتبر أنه من الممكن اليوم أن يُبدع صناع المحتوى، لكن يجب ألا ننسى الثقافة المحلية، فالسياح حين يدخلون البلد سيبحثون عن الهوية المحلية بالدرجة الأولى. إبراهيم العوضي: • هدفي نقل المعلومات المرتبطة بالموروث الإماراتي والتقاليد، وكل ما يرتبط بالحياة القديمة إلى شباب اليوم. • على صانع المحتوى أن يضع نفسه مقابل الطرف الآخر، ويُفكر بطريقة بعيدة عن اللغة الجامدة والرسمية.


البيان
منذ 5 ساعات
- البيان
صداقة الأدباء
الصداقة بوصفها علاقة إنسانية تجمع بين شخصين أو ثلاثة أو أكثر في عمر الطفولة أو الشباب تحدث بالصدفة أحياناً، أو بسبب مواقف معينة تقود لتوليد علاقة تستمر العمر كله، وتبقى زمناً بين الأصدقاء، ثم تنقطع، أو تصحبهم حتى آخر العمر، وأحياناً تبقى حتى ما بعد وفاة أحد الصديقين، أما مسألة الوفاء للأصدقاء فأمر مرده لطبيعة الشخص وقيمه ونظرته للصداقة وأهميتها في حياته ووجدانه. وكما يرتبط كل البشر بهذه العلاقة العظيمة الأثيرة، كذلك يرتبط العظماء والعلماء والأدباء، والصداقات بين الأدباء دائماً ما تثير شهية الأسئلة والفضول؛ لأنها كثيراً ما تجمع بين عقول قد تكون متشابهة في توجهاتها وأفكارها وبيئاتها، وقد تكون متناقضة ومختلفة، فبين المشاهير والأدباء ما هو معروف من تنافس ومحاولة مستمرة للظهور والبروز على حساب الآخرين، حتى وإن كانوا أصدقاءهم، وهذا أمر يبدو متوقعاً وفي صميم الطبيعة البشرية، التي تؤثر نفسها أكثر مما تود لغيرها، حتى لو تم ادعاء العكس أو التصريح بغير ذلك، ولكن بموازين وحسابات. ولقد سئل الأديب المصري المعروف نجيب محفوظ في لقاء تلفزيوني عن السر وراء ارتباطه وعلاقته بتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وسلامة موسى، وعدم ارتباطه بالعقاد على شهرته، وطه حسين على مكانته، رغم أنهما عاشا في الفترة نفسها، وقد كان محفوظ معجباً بالاثنين، كما أنه لم يعرف عنه تردده على صالون (العقاد)، الذي كان يتردد عليه نخبة مجتمع الأدب والثقافة في مصر في زمنه؟ فأجاب أنه كان شديد الإعجاب والحب للرجلين وفكرهما، لكنه كان مقلاً في علاقاته، ولم يكن ممن يجيدون فن الاقتراب والتعرف على الآخرين بالسهولة التي يفعلها الآخرون. كان رجلاً محباً للعزلة والبعد، كما يقول، لكن ظروفاً معينة قادت لأن يتعرف على سلامة موسى أو الحكيم لا أكثر! ولعل الصداقة التي جمعت بين توفيق الحكيم وطه حسين واحدة من أشهر صداقات الوسط الأدبي، حيث كانا صديقين مقربين جداً، يجلسان معاً في مقهى «ريش» بالقاهرة، ويتناقشان في الأدب والسياسة، وقد كتب الحكيم كتاباً شهيراً بعنوان «زهرة العمر»، حكى فيه عن صداقته بطه حسين.