
خيانة أوروبا لغزة
اضافة اعلان
ميديا بنجامين* - (كومون دريمز) 2025/7/21بينما منحت الحكومة الأميركية إسرائيل تفويضًا مطلقًا لارتكاب إبادة جماعية، كثيرون منا كانوا يأملون أن تكون أوروبا مختلفة -أكثر مبدئية، وأكثر تمسكًا بالتزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان.لكن أوروبا أثبتت أنها ليست أفضل حالًا من غيرها؛ فقد تواطأت مع إسرائيل في البداية من خلال الاتفاقات التجارية، والتدفق المستمر للأسلحة، وحملات القمع العنيفة ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في مختلف أنحاء القارة.في اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل الذي عُقد في 15 تموز (يوليو)، أتيحت الفرصة لوزراء الخارجية الأوروبيين لاتخاذ موقف، لكنهم فشلوا في اتخاذ أي إجراء عقابي بموجب بند حقوق الإنسان في الاتفاق.بدلًا من فرض عقوبات أو وقف مبيعات الأسلحة، قدمت أوروبا لإسرائيل إعفاءات ضريبية، ووصولًا تفضيليًا إلى الأسواق، وشرعية دبلوماسية. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأوروبيين برروا ذلك بأن إسرائيل وافقت على السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، ظلت إسرائيل تقتل الناس جوعًا وتجبر الأطفال الذين شوّهتهم على الخضوع لعمليات بتر الأطراف من دون تخدير.بموجب القانون الدولي -بما في ذلك بنود حقوق الإنسان الخاصة بالاتحاد الأوروبي- على أوروبا التزام عميق بتعليق الاتفاقات مع الدول التي ترتكب انتهاكات جسيمة. ومع ذلك، تواصل الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية والأسلحة وأنظمة المراقبة -التي جرى اختبار العديد منها ميدانيًا على المدنيين الفلسطينيين. وقد أدانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، تقاعس أوروبا، واعتبرته خرقًا للواجبين القانوني والأخلاقي، وكانت قد دعت الاتحاد الأوروبي إلى تعليق الاتفاق التجاري.كان تعليق هذا الاتفاق سيُحدث تأثيرًا هائلاً؛ فالأمر لا يُقتصر على أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، وإنما هو أيضًا أكبر مستثمر فيها، حيث يستثمر ما يقرب من ضعف ما تستثمره الولايات المتحدة.وقالت ألبانيز في تعليقها على السلوك الأوروبي: "من المثير للاشمئزاز تمامًا أن قيادة الاتحاد الأوروبي كافأت هذه الدولة بشراكة اقتصادية أكبر بدلًا من وضع حد للإبادة الجماعية".أكبر شريك تجاريعلى الرغم من الفظائع المرتكبة في غزة، يظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل -حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 46 مليار دولار في العام 2024، أي ما يقرب من ثلث التجارة العالمية لإسرائيل.تحتفظ دول أوروبية عدة بعلاقات وثيقة مع إسرائيل على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. وتبرز ألمانيا بوصفها الشريك الأكثر أهمية، حيث زودت إسرائيل بما بلغت قيمته أكثر من 355 مليون دولار من الأسلحة في العام 2023 -بما في ذلك غواصات ومحركات دبابات- وهي تعد ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل على مستوى العالم.كما تمتلك إيطاليا وفرنسا علاقات عسكرية قديمة مع إسرائيل. وتعد إيطاليا ثالث أكبر مصدر أوروبي للسلاح إلى إسرائيل، بينما صدّرت فرنسا معدات عسكرية بحوالي 182 مليون دولار في العام 2023 قبل أن تعلق المبيعات جزئيًا تحت ضغط شعبي متزايد.أما في مجال الاستثمار، فتشكل هولندا أكبر مستثمر أوروبي في إسرائيل، وهي مسؤولة عن ثلثي رأس المال الأوروبي المتدفق نحو الصناعات الإسرائيلية. كما عمّقت اليونان شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل من خلال التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون في مجال الطاقة.وفي حين تتولى المجر الدفاع دبلوماسيًا عن إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي -حيث عرقلت بيانات انتقادية لإسرائيل وهددت بالانسحاب من المنتديات التي تسعى إلى محاسبتها- تصف النمسا نفسها بأنها "شريك استراتيجي" وتحافظ على علاقات وثيقة، سياسية وتجارية.على الرغم من الفظائع المرتكبة في غزة، يظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل -بحجم تبادل يزيد على 46 مليار دولار في العام 2024، أي نحو ثلث تجارة إسرائيل عالميًا.وبينما تدعو دول مثل إيرلندا وإسبانيا وبعض الدول الاسكندنافية إلى فرض عقوبات على إسرائيل ومحاسبتها، نجد أن دولًا قوية في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا والمجر وهولندا، تزيد من قوة علاقاتها مع إسرائيل بدلًا من تقليصها.ثورة المواطنين الأوروبيينعلى الجانب الآخر، بدأ المواطنون الأوروبيون في الانتفاض بطرق إبداعية متنوعة. وقد خرج الملايين إلى الشوارع في مظاهرات جماهيرية.في المملكة المتحدة، جذبت الاحتجاجات الشهرية ما يصل إلى 300.000 شخص. وفي لاهاي وبروكسل، نُظمت مَسيرات "الخط الأحمر" التي جمعت ما بين 100.000 و150.000 مشارك، والذين ارتدوا اللون الأحمر كرمز للخط الأخلاقي الذي تم تجاوزه. كما غصّت شوارع برلين وبرن وباريس بمظاهرات ضخمة، طالب فيها عشرات الآلاف بإنهاء التعاون العسكري مع إسرائيل ودعم غزة.في الوقت نفسه، أظهرت استطلاعات للرأي في أوروبا انخفاضًا حادًا في التأييد الشعبي لإسرائيل. وبحسب الاستطلاعات، تعارض الأغلبية في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة العدوان الإسرائيلي على غزة ويطالبون بوقف فوري لإطلاق النار. وفي ست دول رئيسية، لم تتجاوز نسبة المؤيدين لأعمال إسرائيل 6 في المائة إلى 16 في المائة، بينما أيد نحو 65 في المائة فرض حظر على السلاح ومقاضاة قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب.القمع ردًا على الغضب الشعبيولكن، بدلًا من الاستماع إلى هذا الغضب الشعبي، لجأت العديد من الحكومات الأوروبية إلى قمع المتظاهرين. وحظرت المملكة المتحدة مجموعة "العمل من أجل فلسطين" بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، واعتقلت أكثر من 100 شخص، من بينهم كبار في السن، لمجرد رفع لافتات تقول: "أنا أعارض الإبادة الجماعية. أنا أدعم فلسطين".وفي فرنسا، تم حظر التجمعات، وقامت الحكومة بنشر شرطة مكافحة الشغب. وفي ألمانيا، حُظرت الأعلام الفلسطينية، وفضّت المظاهرات، وشرعت الحكومة في ترحيل المتضامنين. وفي النمسا، جرى تجريم شعارات مثل "من النهر إلى البحر"، بينما اعتبرت السلطات في المجر التظاهرات التضامنية مع الفلسطينيين شكلًا من أشكال الإرهاب.وهكذا، لا تستمتع الحكومات في عموم القارة لشعوبها -بل إنها تبذل جهدًا كبيرًا لإسكاتهم.الخيار أمام أوروباثمة خيار واضح أمام أوروبا: يمكنها ببساطة أن تتبع إرادة مواطنيها. وكان بإمكانها اتخاذ موقف في الاجتماع التجاري الأخير، لكنها اختارت الأرباح على حساب حياة الفلسطينيين.لن يتذكر التاريخ جرائم إسرائيل فحسب، بل سيتذكر أيضًا أولئك -بمن فيهم "الديمقراطيات الغربية" المزعومة- الذين مكنوها من ارتكاب هذه الجرائم.*ميديا بنيامين Medea Benjamin: المؤسِّسة المشاركة لحركة "كود بينك" والمؤسِّسة المشاركة لمنظمة "التبادل العالمي" Global Exchange المعنية بحقوق الإنسان. تناضل بنيامين من أجل العدالة الاجتماعية منذ أكثر من أربعين عامًا. ألّفت عشرة كتب، من أبرزها "حرب الطائرات المسيّرة: القتل عن بُعد" Drone Warfare: Killing by Remote Control؛ و"داخل إيران: التاريخ والسياسة الحقيقية للجمهورية الإسلامية" Inside Iran: The Real History and Politics of the Islamic Republic of Iran. تُنشر مقالاتها في مجموعة من أبرز المنصات الإعلامية.*نشر هذا المقال تحت عنوان: Europe's Betrayal of Gaza
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ ساعة واحدة
- الرأي
شاحناتنا في مواجهة إرهابهم
بينما يكتفي العالم بالإدانة والمواقف الرمادية، يواصل الأردن دوره الإنساني بثبات، متحديا إرهاب المستوطنين الذين يحاولون عرقلة قوافل المساعدات الأردنية المتجهة لغزة تحت إشراف الهيئة الخيرية الهاشمية والقوات المسلحة، والتي أصبحت تتعرض للاعتداءات المتكررة، فلماذا لن نتوقف رغم كل هذا؟. الأردن وفي شهادات حية على صموده وإرادته، أرسل 178 قافلة تضم 7,834 شاحنة تحمل أكثر من 31 ألف طن من المساعدات، إلى جانب 358 عملية إسقاط جوي داخل غزة تقريبا، ووصول 53 طائرة إغاثة إلى مطار العريش، استفاد منها ما يقارب 717 ألف فلسطيني، والأهم ثلاث مستشفيات ميدانية ومبادرات لإعادة الأمل وغيرها، بينما بقي العالم متفرجا. في كل يوم، يواجه سائقونا اعتداءات مباشرة من المستوطنين، من تعطيل الشاحنات وتمزيق الحمولة، إلى تهديد السائقين أنفسهم، وكل ذلك على مرأى قوات الاحتلال التي تختار الصمت، في محاولة لفرض إدخال المساعدات عبر وساطات تجارية إسرائيلية،بهدف تسييس المأساة وتحويلها لسوق أبعد مايكون عن الانسانية. حاليا يقدم سائقو شاحناتنا المتجهة الى غزة نموذجا للتفاني والشجاعة في مواجهة المخاطر الكبيرة التي تحيط بهم، فهم لا يواجهون فقط صعوبات الطريق والتحديات اللوجستية، بل يتعرضون لتهديدات مباشرة من قبل المستوطنين الذين يمارسون العنف والإرهاب ضدهم ، وبالرغم من كل ذلك مازال ذباب "الإخوان" يواصل استهداف الأردن واتهامة بالتقصير والتخاذل، متجاهلين تماما حجم الجهود الجبارة التي يبذلها الأردن في دعم الأشقاء. في هذه الأوقات الصعبة المصيرية في تاريخ الآمة يبقى الأردن مثالا حيا على القيم النبيلة التي تتجاوز حدود السياسة والمصالح الضيقة، ويثبت يوما بعد يوم أن التضامن مع الشعب الفلسطيني ليس واجبا فقط بل رسالة إنسانية سامية لا تقبل المساومة، في زمن يغيب فيه الدعم الحقيقي والموقف الواضح من المجتمع الدولي. خلاصة القول، ما يقدمه الأردن ليس مجرد موقف عابر، بل هو تعبير عن وفاء متجذر لقضية عادلة لم ولن تغيب عن وجدان الاردنيين يوما، وبأن وقوفه إلى جانب غزة ترجمة حقيقية للإيمان بأن الصمت خيانة، وأن نصرة المظلوم واجب لا يؤجل. وستظل شاحنات وقوافل المساعدات الأردنية تشق الطريق نحو غزة، ولن تقف عند عتبة الخوف والتهديد بل ستمضي بثبات، لأن الواجب لا يؤدى بالتمني، بل بالفعل والتنفيذ والتضحية.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
شاحناتنا في مواجهة إرهابهم
بينما يكتفي العالم بالإدانة والمواقف الرمادية، يواصل الأردن دوره الإنساني بثبات، متحديا إرهاب المستوطنين الذين يحاولون عرقلة قوافل المساعدات الأردنية المتجهة لغزة تحت إشراف الهيئة الخيرية الهاشمية والقوات المسلحة، والتي أصبحت تتعرض للاعتداءات المتكررة، فلماذا لن نتوقف رغم كل هذا؟. الأردن وفي شهادات حية على صموده وإرادته، أرسل 178 قافلة تضم 7,834 شاحنة تحمل أكثر من 31 ألف طن من المساعدات، إلى جانب 358 عملية إسقاط جوي داخل غزة تقريبا، ووصول 53 طائرة إغاثة إلى مطار العريش، استفاد منها ما يقارب 717 ألف فلسطيني، والأهم ثلاث مستشفيات ميدانية ومبادرات لإعادة الأمل وغيرها، بينما بقي العالم متفرجا. في كل يوم، يواجه سائقونا اعتداءات مباشرة من المستوطنين، من تعطيل الشاحنات وتمزيق الحمولة، إلى تهديد السائقين أنفسهم، وكل ذلك على مرأى قوات الاحتلال التي تختار الصمت، في محاولة لفرض إدخال المساعدات عبر وساطات تجارية إسرائيلية،بهدف تسييس المأساة وتحويلها لسوق أبعد مايكون عن الانسانية. حاليا يقدم سائقو شاحناتنا المتجهة الى غزة نموذجا للتفاني والشجاعة في مواجهة المخاطر الكبيرة التي تحيط بهم، فهم لا يواجهون فقط صعوبات الطريق والتحديات اللوجستية، بل يتعرضون لتهديدات مباشرة من قبل المستوطنين الذين يمارسون العنف والإرهاب ضدهم ، وبالرغم من كل ذلك مازال ذباب 'الإخوان' يواصل استهداف الأردن واتهامة بالتقصير والتخاذل، متجاهلين تماما حجم الجهود الجبارة التي يبذلها الأردن في دعم الأشقاء. في هذه الأوقات الصعبة المصيرية في تاريخ الآمة يبقى الأردن مثالا حيا على القيم النبيلة التي تتجاوز حدود السياسة والمصالح الضيقة، ويثبت يوما بعد يوم أن التضامن مع الشعب الفلسطيني ليس واجبا فقط بل رسالة إنسانية سامية لا تقبل المساومة، في زمن يغيب فيه الدعم الحقيقي والموقف الواضح من المجتمع الدولي. خلاصة القول، ما يقدمه الأردن ليس مجرد موقف عابر، بل هو تعبير عن وفاء متجذر لقضية عادلة لم ولن تغيب عن وجدان الاردنيين يوما، وبأن وقوفه إلى جانب غزة ترجمة حقيقية للإيمان بأن الصمت خيانة، وأن نصرة المظلوم واجب لا يؤجل. وستظل شاحنات وقوافل المساعدات الأردنية تشق الطريق نحو غزة، ولن تقف عند عتبة الخوف والتهديد بل ستمضي بثبات، لأن الواجب لا يؤدى بالتمني، بل بالفعل والتنفيذ والتضحية.


الرأي
منذ ساعة واحدة
- الرأي
غزة.. وصمة عار في جبين الانسانية
في قلب العصر الحديث، تعيش غزة أسوأ كابوس إنساني تشهده البشرية، وتتجسد وصمة العار الأكثر قتامة في تاريخ الإنسانية في صمت العالم المتواطئ مع جرائم الاحتلال، بينما تذبل أجساد الأطفال تحت وطأة الجوع الممنهج، فما تشهده هذه البقعة المحاصرة إبادة جماعية بالتجويع تنفذ بدم بارد، لتكشف هشاشة الضمير العالمي وتناقضه الصارخ مع مبادئ القانون الدولي التي طالما نادت بها الأمم. ففي مشهد يختزل فظاعة القرن الحادي والعشرين، يواجه 2.1 مليون فلسطيني مجاعة مصنفة ضمن مرحلة "الكارثة/ المجاعة" بنسبة 22% من السكان، بينما يعاني 100% منهم انعداما حادا للأمن الغذائي، فالأطفال هناك يموتون قبل أن تنبت أسنانهم؛ 92 طفلاً من أصل 162 شهيداً سقطوا ضحايا التجويع في الشهر الماضي، بينما يترنح 100 ألف طفل وامرأة على حافة الموت بسوء التغذية. القانون الدولي يصرخ بالانتهاك أيضا، فاتفاقيات جنيف الرابعة تحظر صراحة تجويع المدنيين كأسلوب حرب، ونظام روما الأساسي يدرج الحرمان المتعمد من الغذاء كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بل إن محكمة الجنايات الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لاستخدامهما التجويع سلاحا والذي يستهدف تدميرا جسدياً جزئيا لمجموعة سكانية محددة، مؤكدة توفر "أسباب معقولة" لاتهامهما بتعمد حرمان المدنيين من مقومات البقاء، لكن للأسف تحولت هذه الأحكام إلى حبر على ورق أمام آلة القتل المدعومة أمريكياً، حيث يحاصر القطاع منذ أكتوبر 2023، ويمنع 90% من المساعدات الإنسانية، وتدمر 95% من الأراضي الزراعية. مخطط الجرائم الإسرائيلية المسمى "عربات جدعون" يكشف القصد الإبادي عبر خطة من ثلاث مراحل تهدف لتهجير السكان عبر "رافعات ضغط" تشمل الحصار والتجويع والقصف، لتحويل غزة إلى منطقة مصغرة محاصرة، وقد صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأن "النصر يتحقق فقط عندما تدمر غزة بالكامل ويحشر سكانها في الجنوب تمهيدا لترحيلهم"، هذه السياسة لم تعد خفية، بل تنفذ علنا بينما 47% من الإسرائيليين ينكرون وجود مجاعة رغم الأدلة الدامغة. وصمة العار الأخلاقية لا تقتصر على الجناة، بل تمتد إلى المجتمع الدولي الذي يتحول صمته إلى مشاركة في الجريمة، وستحمله الذاكرة الإنسانية كعار أخلاقي لا يغتفر، خاصة مع استمرار الانتهاكات الموازية لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية التي تعمق المأساة الفلسطينية شعبا وأرضا، أضف إلى ذلك الفيتو الأمريكي الذي يحمي الإفلات من العقاب في مجلس الأمن، والأمم المتحدة تتأخر عمدا في إعلان المجاعة لأسباب سياسية رغم استيفاء غزة جميع المعايير الفنية، وحتى محكمة العدل الدولية، التي قبلت دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وافقت على تأجيل الرد الإسرائيلي حتى يناير 2026، مما يجعل قراراتها "بعد فوات الأوان"، هذا التواطؤ يحول البيانات الدولية إلى نفاق فارغ. الخزي الذي سيلاحق الإنسانية لا يرسمه فشل السياسات وحسب، بل خذلان القيم الإنسانية الأساسية، فهل يعقل أن يموت طفل جوعا كل عشر دقائق في القرن الـ21 بينما تعقد المؤتمرات حول حقوق الإنسان؟ هذه اللعنة الأخلاقية تشكل وصمة في جبين الأرض وسكانها، حيث سيسجل التاريخ أن العالم شهد أول إبادة جماعية بالجوع تبث مباشرة على الشاشات، ولم يحرك ساكنا إلا بعد أن تحولت الضمائر إلى رماد. إن إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا يتطلب مواجهة هذه الكارثة بتحرك وإجراءات فورية وحاسمة تشمل على الأقل فتح جميع المعابر لإدخال 600 شاحنة مساعدات على الأقل يوميا، ومحاكمة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفرض حظر أسلحة شامل، وتمكين الأونروا من توزيع المساعدات دون عوائق، فغزة لم تعد على حافة الهاوية، بل سقطت في قاعه، وما يحدث فيها هو مرآة تكشف عورات حضارة تزينت بالقوانين وخانت قيمها اختبارا مصيريا للضمير البشري، فهل ستسجل الإنسانية في تاريخها أول إبادة جماعية بالجوع في القرن الحادي والعشرين، أم سترفع عنها عار السكوت عن جرائم ترتكب أمام أعين العالم؟ أما إذا استمر الصمت، فسيكتب على قبر الضمير العالمي: "هنا يرقد من شاهد الموتى ولم يرَ سوى الإحصاءات".