
إسقاط الجنسية في الكويت: آلاف النساء يواجهن المجهول
بلبريس - ليلى صبحي
فوجئت لمى، وهي سيدة خمسينية أردنية الأصل، بتجميد حسابها البنكي وإلغاء بطاقتها الائتمانية لحظة محاولتها دفع رسوم جلسة تدريبية في أحد الأندية الرياضية بالكويت.
ما لم تكن تعلمه أن جنسيتها الكويتية، التي حصلت عليها قبل أكثر من عقدين عبر الزواج، قد أُسقطت دون سابق إنذار. 'كانت صدمة. أن تكون مواطنا ملتزما بالقانون طيلة 23 عاما، ثم تستيقظ يوما ما وتكتشف أنك لم تعد كذلك… هذا غير مقبول'، تقول لمى، التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي، شأنها شأن العديد من النساء اللواتي تحدّثن إلى وكالة فرانس برس.
تأتي هذه الواقعة في سياق حملة موسعة لسحب الجنسية الكويتية شملت منذ غشت الماضي أكثر من 37 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 26 ألف امرأة، وفقا لمعطيات رسمية استندت إليها الوكالة. ورغم أن إسقاط الجنسية ممارسة معروفة في الكويت، فإن حجم هذه الحملة غير مسبوق، حسب ما يؤكده بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت.
ويبدو أن هذه السياسة الجديدة تأتي ضمن رؤية يقودها أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي أعلن عقب توليه الحكم في دجنبر 2023 حلّ البرلمان وتعليق بعض مواد الدستور، في خطوة قال إنها تهدف إلى 'إصلاح شامل' يشمل، على ما يبدو، إعادة تعريف الهوية الوطنية الكويتية. ففي خطاب متلفز في مارس الماضي، وعد الأمير بـ'تسليم الكويت لأهلها الأصليين نظيفة خالية من الشوائب'.
تقييد التجنيس وتعميق أزمة 'البدون':
الحملة الجديدة استهدفت النساء اللواتي حصلن على الجنسية الكويتية عبر الزواج منذ العام 1987، إضافة إلى حاملي الجنسية المزدوجة، وأولئك الذين حصلوا عليها عبر وثائق مزورة أو تحت بند 'الأعمال الجليلة'. ومن بين الأسماء البارزة التي طالتها الحملة، الفنانة نوال الكويتية والممثل داوود حسين.
وتشير وزارة الداخلية إلى أن أكثر من 38 ألف امرأة حصلن على الجنسية بين عامي 1993 و2020، معظمهن الآن مهددات بفقدانها. وتوضح الباحثة في منظمة العفو الدولية منصورة ميلز أن 'الحق في الجنسية حق إنساني أساسي للغاية'، محذرة من تبعات هذه الإجراءات على من شُطبت أسماؤهم، ولا سيما النساء، في مجتمع يحكمه النظام الأبوي وتُربط فيه الحقوق السياسية والاجتماعية بالجنسية.
في المقابل توازي الحملة أيضًا مأزقًا طويل الأمد يخص فئة 'البدون'، وهم نحو 100 ألف شخص لا يحملون أي جنسية رغم ولادتهم ونشأتهم في الكويت. ويخشى مراقبون من أن هذه الإجراءات قد تُعمّق مأساة هذه الفئة بدل إيجاد حلول لها.
يرى خبراء أن ما يجري ليس فقط حملة إدارية أو قانونية، بل جزء من مشروع سياسي لإعادة تشكيل الجسم الانتخابي الكويتي. فالكويت، التي تعتمد نظامًا برلمانيًا نشطًا نسبيا مقارنة بجيرانها الخليجيين، تحصر الحقوق السياسية فيمن وُلدوا لأب كويتي. وبعد تحرير البلاد من الاحتلال العراقي عام 1991، سُمح للمجنسين بعد مضي 20 عامًا على حصولهم على الجنسية بالمشاركة في الانتخابات، وهي خطوة فسّرها البعض حينها بأنها محاولة لتعزيز الوحدة الوطنية.
لكن بدر السيف يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت القيادة الحالية تتجه نحو تعريف قومي أكثر انغلاقًا. فيما يرى جورجيو كافييرو، رئيس مركز 'غلف ستيت أناليتيكس'، أن ما يجري هو محاولة لتقليص الجسم الانتخابي ليصبح 'أكثر قابلية للإدارة سياسيا'.
ورغم الوعود الرسمية بالحفاظ على الامتيازات الاجتماعية للنساء اللواتي تم سحب جنسيتهن، إلا أن الواقع يكشف عن آثار مباشرة وقاسية، من بينها تعليق المعاشات التقاعدية وتجميد الحسابات البنكية وحرمان من الحقوق السياسية. وتقول سيدة الأعمال أمل، التي حملت الجنسية الكويتية لما يقارب عقدين، 'بين عشية وضحاها، أصبحتُ بلا جنسية'.
'استهداف الأمهات'
تعتبر الكثير من النساء المتضررات أنهن يتعرضن لتجريد قسري من صفة المواطنة رغم دورهن المحوري في المجتمع. وتعبّر لمى بأسى عن هذا الشعور قائلة: 'لاحقونا نحن الأمهات، أساس الأسرة ونواة المجتمع… لم يأخذوا بعين الاعتبار أننا أمهات وجدّات أبناء هذا البلد'.
ومع اتساع نطاق الحملة، بدأ الغضب الشعبي يتصاعد، خصوصًا مع تزايد القصص الفردية التي تكشف عن معاناة كبيرة لمواطنين سابقين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة فراغ قانوني ووجودي. وكما يقول أحد الكويتيين الذي سُحبت الجنسية من زوجته، فإن الدولة 'ساوت بين البريئات والمحتالات'، في إشارة إلى غياب التمييز بين الحالات الفردية والتعميم في تطبيق الإجراءات.
وبينما تؤكد الحكومة أن الإجراءات تهدف إلى تصحيح أوضاع غير قانونية، يرى مراقبون أن هذه السياسة قد تُهدد النسيج الاجتماعي في بلدٍ لا يتجاوز عدد سكانه خمسة ملايين، ثلثهم فقط من المواطنين.

Try Our AI Features
Explore what Daily8 AI can do for you:
Comments
No comments yet...
Related Articles


Belpresse
an hour ago
- Belpresse
المجلس الأعلى للحسابات يوصي الأحزاب السياسية بتقديم حساباتها السنوية داخل الآجال القانونية (تقرير)
بلبريس - ليلى صبحي أوصى المجلس الأعلى للحسابات الأحزاب السياسية بتقديم حساباتها السنوية داخل الآجال القانونية، مصادقا عليها من طرف خبير محاسب، ومدعومة بكل المستندات والوثائق القانونية، وفقا لما هو منصوص عليه في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. كما دعا المجلس، في تقريره السنوي حول 'تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها المتعلقة بالدعم العمومي برسم السنة المالية 2023″، الأحزاب السياسية إلى إرجاع مبالغ دعم بلغ مجموعها 21,96 مليون درهم إلى خزينة الدولة، وذلك في ما يتعلق بالمبالغ التي لم يُثبت صرفها بواسطة الوثائق المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ذات الصلة، أو التي لم يتم استعمالها، أو استُعملت لأغراض غير تلك التي مُنحت من أجلها، أو التي اعتُبرت غير مستحقة بالنظر إلى النتائج المحصل عليها في الاقتراعات الانتخابية السابقة. وأوصى التقرير أيضا بدعم موارد ونفقات الأحزاب بوثائق إثبات قانونية ومعنونة باسم الحزب، ومسك المحاسبة وفق المبادئ والقواعد المحاسبية، وذلك وفق مقتضيات الدليل العام للمعايير المحاسبية مع مراعاة الملاءمات المنصوص عليها في المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية. وأبرز أهمية تنظيم دورات تكوينية هادفة لفائدة أطر الأحزاب السياسية المكلفة بالتسيير المالي والإداري والمحاسبي، بغرض تيسير استعمالها للمخطط المحاسبي الموحد. كما دعا لإعداد دليل للمساطر المحاسبية واعتماد نظام معلوماتي للمحاسبة مشترك بين الأحزاب السياسية، لتمكينها من استغلال المخطط المحاسبي الموحد بشكل أكثر فعالية. و.م.ع


Belpresse
2 hours ago
- Belpresse
تقرير: 15 حزبا تماطل في إعادة 21.9 مليون درهم من الدعم العمومي
بلبريس - ياسمين التازي أعلن المجلس الأعلى للحسابات أنه تم إرجاع مبلغ إجمالي قدره 35,92 مليون درهم إلى خزينة الدولة، ويتعلق الأمر بمبالغ من دعم غير مستحق بالنظر إلى النتائج المحصل عليها في الاقتراعات الانتخابية، أو غير المستعملة، أو المستعملة لأغراض غير تلك التي منح من أجلها، أو التي لم يدعم صرفها بوثائق الإثبات القانونية، وذلك من قبل 24 حزبا خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2024. وأفاد المجلس، في تقرير بشأن تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها المتعلقة بالدعم العمومي برسم السنة المالية 2023، بأن عمليات إرجاع جزء من الدعم الممنوح للأحزاب (35,92 مليون درهم)، تمت خلال سنوات 2022 (19 مليون درهم)، و2023 (8,07 ملايين درهم)، و2024 (8,85 مليون درهم إلى حدود متم شهر مارس 2025). وتخص هذه المبالغ مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب برسم اقتراعات سابقة (28,71 مليون درهم)، والمساهمة في تغطية مصاريف التدبير (2,42 مليون درهم)، وكذا المساهمة في تغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث (4,79 مليون درهم). من جهة أخرى، كشف التقرير أن المبالغ الباقي إرجاعها من طرف 15 حزبا تناهز 21,96 مليون درهم من الدعم غير المستحق أو غير المستعمل أو المستعمل لغير الغايات التي منح من أجلها أو الذي لم يتم دعم صرفه بوثائق الإثبات. ولم يقم بعد 15 حزبا، إلى حدود متم شهر مارس 2025، بإرجاع مبالغ دعم تعادل 21,96 مليون درهم إلى الخزينة، تتعلق بمبالغ غير مستحقة (0,65 مليون درهم)، أو لم يتم استعمالها أو استعملت لغير الغايات التي منحت من أجلها (6,24 مليون درهم)، أو لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ذات الصلة (15,07 مليون درهم). وتتكون هذه المبالغ من مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية لسنوات 2015 و2016 (2,41 مليون درهم بالنسبة لثلاثة أحزاب) و2021 (18,13 مليون درهم بالنسبة لسبعة أحزاب)، وكذا مساهمة الدولة في تغطية مصاريف التدبير لسنوات 2017 و2020 و2021 و2022 و2023 (1,42 مليون درهم بالنسبة لسبعة أحزاب). وأشار المصدر ذاته إلى أن المجلس الأعلى للحسابات يحرص، من خلال تقريره، على حصر وتتبع وضعية الإرجاعات والمبالغ الباقي إرجاعها إلى الخزينة، لافتا إلى أن تطور مبلغ الإرجاعات المنجزة سنويا، بخصوص مبالغ سبق تسجيلها ضمن خانة 'الباقي إرجاعه' في تقارير سابقة صادرة عن المجلس، يؤشر إلى انخراط الأحزاب المعنية في مسار تدريجي لتسوية وضعيتها المالية تجاه الخزينة، مما يضفي على وضعية هذه المبالغ طابعا ديناميكيا.


Belpresse
6 hours ago
- Belpresse
المشماشي: الجامعة لا تبيع الشواهد وتخضع لمسطرة صارمة - فيديو -
بلبريس - ليلى صبحي في سياق النقاش الدائر حول ما وُصف بخروقات تدبيرية في بعض أسلاك التكوين الجامعي، خرجت الدكتورة فتيحة المشماشي، رئيسة شعبة القانون الخاض بكلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية السويسي، بتصريحات قوية ضمن برنامج "نقط على الحروف" على قناة وموقع بلبريس، دافعت فيها عن الجامعة العمومية المغربية، معتبرة أن ما يحدث "ليس فضيحة بيع ديبلومات كما يُروَّج، بل حملة إعلامية تُسيء لمؤسسة تُنتج القيم قبل الشواهد". وقالت الدكتورة، في لهجة يغلب عليها الأسى، إنها فوجئت ذات يوم بسائق طاكسي يسألها عن "ثمن الشهادة الجامعية"، مضيفة: "الجامعة لا تبيع الشواهد، بل تسلمها بعد سلسلة من الإجراءات البيداغوجية والإدارية، من التدريس إلى التصحيح إلى توقيع العميد أو رئيس الجامعة". وأكدت أن استعمال مصطلح "البيع" إعلاميًا هو ما أجج الرأي العام، وخلق انطباعًا مغلوطًا حول مؤسسة أكاديمية لها دور تاريخي في تشكيل النخب المغربية. وأقرت المتحدثة بوجود حالة أو أكثر تستحق المتابعة والمحاسبة، لكنها شددت على ضرورة التمييز بين خروقات معزولة و"مؤسسة بأكملها لا تزال تنتج المعرفة، وتُكوِّن الرجال والمبادئ". وقالت: "نحن لا نُكوِّن فقط خريجين، بل نُكوِّن مواطنين مسؤولين، الجامعة تنتج الأخلاق قبل أن تمنح النقاط". كما أشارت إلى أن ردود الفعل داخل الجامعة لم تكن سلبية أو متقاعسة، بل شهدت عدة وقفات احتجاجية من النقابات، ورؤساء الشعب، والأساتذة، مطالبة بالتحقيق، وداعية إلى ضمان الشفافية دون النيل من سمعة الجامعة المغربية. وذكّرت المشماشي بتاريخ المؤسسة الجامعية التي خرّجت رموزا فكرية وثقافية بارزة كعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، وعبد الكبير مشيشي، مؤكدة أن الجامعة العمومية لا تزال تؤدي دورًا محوريًا في البناء الفكري والسياسي للمجتمع المغربي. وفي ختام حديثها، وجهت دعوة صريحة لكافة المتدخلين من أساتذة وطلبة وموظفين لـ"خوض معركة مزدوجة: معركة المحاسبة من جهة، ومعركة الدفاع عن الجامعة من جهة أخرى"، في وقت تتصاعد فيه محاولات التشكيك في المؤسسات العمومية لصالح منطق السوق.