logo

لا تفرحوا بإنقاذ أنفسكم!محمد سليم قلالة

ساحة التحريرمنذ 4 ساعات

لا تفرحوا بإنقاذ أنفسكم!
محمد سليم قلالة
طرفان فقط مازال لهما وزنٌ في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني: المقاومة في غزة وفي اليمن. أما بقية الأطراف فوزنُها لا يتعدى وزنَ الكلمات التي تتلفظ بها وفودُها من تصريح إلى تصريح ومن قمة إلى قمة، ليس لأن الكلمة لا قيمة لها ولا تأثير، ولكن لأنها كلمات جوفاء بلا محتوى وبلا هدف. ماذا لو جرى النطق في القمة العربية بعبارات مثل: 'قطع العلاقات الدبلوماسية' فورا أو 'وقف الاتفاقيات الإبراهيمية' فورا و'إدخال المساعدات إلى غزة' فورا… هل كان الكيان سيستمر في جرائمه ضد الأبرياء، وفي إبادتهم وتجويعهم إلى حد الموت؟ لن يحدث ذلك، إما أن يذعن لما هو مطلوب أو يتحول إلى كيان منبوذ في المنطقة مهدد بالانهيار في أيِّ لحظة.
ما الذي يمنع صدور مثل هذه الكلمات من القمة العربية؟ ما الذي يجعل الخوف والحسابات الضيقة سيدة الموقف وكل يسعى لإنقاذ نفسه عبر قارب ترامب قبل أن يُنقذ غزة وفلسطين؟ إنها الحقائق على أرض الواقع، إنها مُحصِّلة إستراتيجية أمريكية صهيونية غربية طُبِّقت تجاه المنطقة هذه عقود من الزمن لتصل إلى الحال التي هي عليها الآن. إنها لعبة الأمم الصليبية المتحالفة مازالت تفرض منطقها بكافة الوسائل وتُحقق أهدافها للأسف الواحد تلو الآخر. لا تقف في وجهها سوى مقاومة محدودة الإمكانات، مُحاصَرة من كل جانب تحتاط للعدو فيطعنها الأخ والصديق من حيث لم تكن تتوقع…
ألا نلاحظ اليوم كيف أن مشروع التطبيع الذي بدأ بدولة واحدة وكانت للأسف دولة مركزية هي مصر بتلك الزيارة المشؤومة للرئيس السادات للقدس سنة 1977، بات اليوم هو مشروع أغلب الدول العربية والإسلامية؟ مَن بقي غير مطبِّع من الكيان من الدول المحيطة به مباشرة بعد أن بدأت المشاورات مع سوريا الجديدة للالتحاق بمركب ترامب؟ لم يبق سوى لبنان يكافح بما لديه من قوة على الجبهتين الداخلية والخارجية لعلَّه يُنقذ الموقف ويبقى آخر حلقة رافضة للتطبيع؟ وماذا يستطيع لبنان أن يفعل وقد دفع الثمن غاليا في حرب دعمه لغزة وبات اقتصاده هشا غير قادر على النهوض من دون الرأسمال الخليجي والمساعدات الغربية؟ ألا يعدّ هذا الواقع دليلا واضحا على أن ما تقوم به المقاومة اليوم في غزة هو الصمود الأخير لوضع حد لهذا الانهيار المتسارع منذ 47 سنة؟ أليس ما تقوم به المقاومة اليوم هو ضرب من مواجهة المستحيل، أكثر من العمل البطولي وأكثر من الثّبات وأكثر من التضحية؟ فِعل غير مسبوق في تاريخ المنطقة إن لم يكن في تاريخ البشرية؟! مواجهة الكل من دون استسلام أو خضوع، مواجهة العدو المباشر المُدجَّج بالسلاح والمالك لجميع وسائل الحرب والمُدعَّم من أكبر قوة عسكرية في العالم، ومواجهة الأخ الجار غير القادر على قول كلمة 'لا' وغير القادر على إدخال رغيف الخبز للأطفال والنساء، بل والساعي لاسترضاء راعي الحرب الأول في فلسطين بتريليونات الدولارات بكيفية فيها الكثير من الذل والخنوع والنفاق؟
أليست هذه هي حقيقة الأمر اليوم؟ ألم يبق أملنا في النصر رهينة طرفين فقط في المنطقة كلاهما يدافع بما أوتي من قوة، بشجاعة وصبر غير مسبوقين: أبطال غزة وأبطال اليمن؟ هل سيكون المستقبل لهما وقد باتت كل المؤشرات تدل على خلاف ذلك؟ هل ينتصر الضعيف على القوي، لأنه صاحب حق؟ هل ستفيق دول المنطقة بأن امتلاك مظاهر التطور التكنولوجي والعمراني والرفاه المادي على مختلف المستويات والإحساس بأنها قد أنقذت نفسها بالتعلق بقارب ترامب، ليست سوى أوهام ستزول فورا يوم يبدأ الأمريكان والصهاينة يفقدون زمام المبادرة في الداخل من خلال تناقضاتهم البَينية وفي الخارج من خلال صعود قوى دولية جديدة لا تعترف بسيطرتهم العالمية: لا أقول الصين وروسيا وإيران وباكستان… الخ، إنما أقول أبطال المقاومة الشجعان في غزة واليمن، إن لم يصلوا اليوم فغدا لناظره قريب… قارب ترامب لن يَصمد كثيرا لو كنتم تعلمون، والأيام بيننا.
‎2025-‎05-‎19
The post لا تفرحوا بإنقاذ أنفسكم!محمد سليم قلالة first appeared on ساحة التحرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل
ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل

شفق نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • شفق نيوز

ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل

شفق نيوز/ في أول جولة شرق أوسطية له منذ مغادرته البيت الأبيض، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قلب الخليج، لكن بينما توزعت لقاءاته بين الرياض والدوحة وأبوظبي، برز غياب العراق عن أجندته كإشارة على إعادة تشكيل ميزان النفوذ، وربما تهميش بغداد من المعادلة الإقليمية الجديدة. ركزت الزيارة على تحقيق جملة أهداف اقتصادية وجيوسياسية تسعى واشنطن إليها. فمن الجانب الاقتصادي، حرص ترامب على تعزيز الشراكات الاستثمارية والتجارية مع حلفائه الخليجيين، حيث شمل جدول أعماله اتفاقيات تجارية ضخمة واستثمارات متبادلة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية. فقد سعت واشنطن عبر هذه الجولة إلى ترسيخ نفوذها الإقليمي وضمان عدم ترك فراغ تستغله قوى منافسة. تضمن ذلك بحث الدور الأمريكي المستقبلي في أمن المنطقة، والتأكيد على ضمان الاستقرار واحتواء النزاعات من خلال دعم الحلفاء الإقليميين والتوسط في ملفات ساخنة كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كذلك مثّلت الجولة فرصة لدفع مزيد من دول المنطقة نحو "اتفاقيات إبراهام" للسلام مع إسرائيل، حيث ناقش ترامب توسيع إطار التطبيع بمشاركة السعودية التي لم تنضم بعد رسميًا لتلك الاتفاقات. وبشكل عام، عبّرت تحليلات الخبراء الأمريكيين الذين تحدثوا لوكالة شفق نيوز، عن أن واشنطن تسعى عبر هذه الزيارة إلى تأسيس شرق أوسط جديد محوره الرياض وتحجيم نفوذ الخصوم، وذلك من خلال تحالف اقتصادي-أمني وثيق مع دول الخليج العربية. من الملاحظات اللافتة في جولة ترامب الشرق أوسطية استبعاد العراق من خط سيرها. وقد أرجع محللون هذا التهميش إلى اعتبارات استراتيجية تتعلق بموقع العراق السياسي الحالي. فبخلاف دول الخليج الحليفة لواشنطن، يمر العراق بوضع يجعله أقل أولوية في أجندة ترامب؛ إذ "يرزح نفوذه تحت هيمنة إيرانية واضحة"، ما يضعه في موقف متباين مع التوجهات الأمريكية الجديدة. في قلب المشهد: المصالح أولًا لم تكن الجولة مجرد ظهور بروتوكولي لرئيس يسعى لاستعادة الأضواء. بل، كما يرى المحللون فإن ترامب رسم خريطة جديدة للمنطقة، انطلقت من منطق براغماتي صريح: الاقتصاد أولاً، والحلفاء الأقوياء قبل الحلفاء المتعثرين. "كانت خطة متوازنة، لكنها ركزت على السعودية وقطر كلاعبين رئيسيين في رسم ديناميكيات المنطقة"، يقول فرانك مسمار، رئيس المجلس الاستشاري في جامعة ماريلاند. ويضيف لوكالة شفق نيوز: "العراق أصبح رمزًا لفصل قديم من التدخلات الأمريكية التي لم تعد تناسب خطاب ترامب، لا سياسيًا ولا شعبويًا". الرئيس الأمريكي الذي طالما عبّر عن ضيقه من "الحروب التي لا تنتهي"، بدا ملتزماً بخطّه التقليدي: تقليل الانخراط العسكري، وتوسيع النفوذ عبر الشراكات الاقتصادية والطاقة. في هذا السياق، يوضح مسمار أن تجاهل بغداد لم يكن مجرد صدفة دبلوماسية، بل قرار محسوب، يهدف إلى تفادي تعقيدات المشهد العراقي المربك، وإلى توجيه رسالة للطبقة السياسية هناك: حان وقت اتخاذ قرارات سيادية. ويرى مسمار أن الإدارة الأمريكية تعمدت تجاهل بغداد في هذه الجولة لعدم رضاها عن ارتهان القرار العراقي لمحور طهران، فضلاً عن عدم استقرار الوضع الداخلي العراقي. وبدلاً من بغداد، فضّل ترامب التركيز على محور الخليج الأكثر انسجامًا مع سياساته، فعقد قممًا مع الرياض وأبوظبي والدوحة لتعظيم المكاسب الأمنية والاقتصادية المشتركة. هذا التجاهل الأمريكي أثار تساؤلات داخل العراق، إلا أن المراقبين يرجحون أنه رسالة مبطنة لحكومة بغداد مفادها ضرورة تخفيف ارتهانها للمشروع الإيراني إن أرادت دورًا في الترتيبات الإقليمية الجديدة. من التهميش إلى الغياب الهيكلي غياب العراق عن أجندة الجولة لم يكن مجرد صدفة دبلوماسية. فبحسب رؤية عراقية، فإن بغداد لم يعد يُنظر إليها كحليف استراتيجي فعّال في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد. الدكتور إحسان الشمري، أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد ورئيس مركز التفكير السياسي العراقي، يقول في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن ربط العراق بإيران على مستوى الوثائق السياسية الأميركية كان أحد أسباب غيابه، مشيرًا إلى أن مذكرة الأمن القومي التي وقّعها ترامب لتعزيز الضغوط على طهران لم تفصل بين إيران والعراق، ما يُضعف فرص التعاطي مع العراق كملف مستقل. ويضيف: "يبدو أن واشنطن لا ترى في العراق كيانًا منفصلاً عن شبكة التأثير الإيراني، بل تعتبره جزءاً من طيف التفاوض الأميركي-الإيراني، سواء في ما يخص مستقبل العقوبات أو ملف الوجود العسكري الأميركي". ولفت إلى أن العراق، في ضوء هذا التصور، بات جزءاً من ساحة مواجهة محتملة بين واشنطن وطهران أو حتى بين تل أبيب وطهران. لكن الشمري لا يُحمّل واشنطن المسؤولية وحدها، بل يشير أيضاً إلى ضعف الأداء العراقي في السياسة الخارجية، قائلاً: "حكومة السوداني لم تنجح في استعادة مبدأ التوازن، واقتربت سياساتها الخارجية أكثر من طهران على حساب العلاقات العربية والدولية، وهو ما ساهم في اتساع الفجوة مع حلفاء واشنطن". ويُضيف: "هناك أيضاً خلل في تعاطي الحكومة العراقية مع التحولات الكبرى في الملف السوري، وغياب واضح عن التفاهمات الإقليمية الجديدة التي تجري غالبًا خلف الأبواب المغلقة". الشمري يخلص إلى أن هناك قناعة دولية آخذة في التبلور بأن العراق لم يعد فاعلًا في ملامح الشرق الأوسط الجديد، بل إن "بعض القوى السياسية العراقية تتعمّد تغييب العراق عن هذه الترتيبات انسجاماً مع أجندات خارجية لا تريد له أن يكون منفتحًا أو فاعلًا". العراق OUT.. سوريا IN لكن إذا كان العراق قد غاب، فإن المفاجأة جاءت من دمشق. ففي مشهد وصفه مراقبون بـ"التاريخي"، صافح ترامب الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، في الرياض، معلنًا رفع العقوبات الأمريكية تدريجياً عن سوريا. "لا يمكن لأي رئيس آخر غير ترامب أن يُقدم على هذه الخطوة"، يقول الباحث السوري في واشنطن رضوان زيادة، مشيرًا في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن الخطوة "غير المسبوقة" فتحت الباب أمام دمج دمشق مجددًا في النظام الإقليمي والدولي. أما توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، فذهب أبعد، معتبرًا أن ترامب قد "نقل سوريا من الحضن التركي إلى الحضن السعودي"، وأن أي خلل أمني فيها سيكون من مسؤولية الرياض مستقبلاً. غير أن هذا الطرح لا يحظى بإجماع. فزيادة نفسه يرى أن الحديث عن انتقال سوريا من معسكر إلى آخر "تبسيط مخل"، ويشير إلى تنسيق مشترك بين أنقرة والدوحة والرياض في الدفع بهذا التحول. الرياض.. من الظل إلى الضوء لم تكن مصافحة الشرع وحدها ما لفت الأنظار، بل أيضًا إشارات ترامب المتكررة إلى الدور السعودي المتصاعد، ليس فقط في سوريا، بل في عموم المعادلة الشرق أوسطية. فبحسب باولو فان شيراك، رئيس معهد الدراسات العالمية في واشنطن، فإن زيارة ترامب "جاءت في إطار خطة لإعادة توزيع الأدوار"، حيث بات يُنظر إلى السعودية كحامل جديد لمشروع الاستقرار الإقليمي. لكن شيراك حذر خلال حديث لوكالة شفق نيوز، في الوقت ذاته من "الانجرار وراء التفاؤل"، مشيرًا إلى أن الواقع الميداني في سوريا لا يزال هشًا. من السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، إلى ملف اللاجئين، ثمة أسئلة كبيرة لا تزال معلقة، ولا يملك أحد إجابات سهلة عنها. ومن ناحية أخرى، يواجه الشرع استحقاق المصالحة الداخلية مع المكوّن الكوردي في شمال شرق البلاد؛ ولا يُعرف بعد إن كانت دمشق الجديدة مستعدة لتقديم تنازلات في هذا الملف الحساس. ويضاف إلى ذلك التحدي الاقتصادي الهائل لإعادة الإعمار وتحسين معيشة السوريين بعد رفع العقوبات. هذه العقبات تجعل عملية إعادة دمج سوريا إقليمياً ودولياً شاقة وطويلة الأمد. ويرى شيراك أن واشنطن وحلفاءها سيبقون حذرين في رفع كافة أشكال العزل عن دمشق قبل التأكد من التزامها الحقيقي بالتسوية الشاملة. بل إن الوجود العسكري الأمريكي المحدود في سوريا سيستمر كعامل استقرار وضغط، ولن يُسحب كليًا إلا حال تحقق استقرار فعلي وإعادة هيكلة شاملة للوضع السوري وهو أمر 'لا يبدو قريب المنال' بحسب تعبير شيراك. بناءً على ذلك، يمكن القول إن ترتيبات ما بعد قمة الرياض تحمل فرصًا واعدة لسوريا والمنطقة، لكنها في الوقت ذاته رهان محفوف بالتحديات. وإن نجاح هذه الترتيبات الجديدة مرهون بقدرة الأطراف المعنية على الوفاء بالتزاماتها الأمنية والسياسية على الأرض، وضمان أن تكون التحولات الإقليمية الجارية مدخلًا لحل مستدام لا مجرد صفقة مؤقتة في رقعة شطرنج الشرق الأوسط. لحظة مفصلية سواء كانت الزيارة محاولة لإعادة التموضع السياسي أو مجرد خطوة رمزية لتحسين صورة ترامب في الخارج، فإن ما حدث في الخليج يعكس تحولات حقيقية في مزاج القوة الأمريكية، وفي آليات رسم التحالفات. ترامب لم يُعلن خططًا مفصلة، لكنه غيّر قواعد اللعبة. عدم زيارة أو إشارة فعلية للعراق، واحتضانه المفاجئ لدمشق، وإشارته إلى دور سعودي متعاظم، كلها مؤشرات على إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بعيداً عن الكيانات التقليدية. وبينما تترقب طهران وبغداد ما إن كانت هذه التحولات مجرد لفتات رمزية أم تغييرات راسخة، فإن الرسالة الأمريكية باتت واضحة: من لا يتحرك وفق إيقاع المصالح الأمريكية الجديدة، قد يجد نفسه على الهامش، يقول محللون.

بين قمتين.. بغداد والرياض
بين قمتين.. بغداد والرياض

شفق نيوز

timeمنذ 3 ساعات

  • شفق نيوز

بين قمتين.. بغداد والرياض

في لحظةٍ فارقة، وبين مدينتين تختزلان الكثير من تاريخ المنطقة، اجتمعت قمتان قد تبدوان منفصلتين في الشكل، لكنهما متصلتان في الجوهر، في الرياض، حيث عاد دونالد ترامب إلى المشهد بلقاءٍ بارزٍ مع القادة الخليجيين، مستحضراً ملامح المرحلة التي أسس لها خلال ولايته الأولى، وفي بغداد، حيث التأمت قمةٌ عربيةٌ أرادت أن تقول أن العراق اليوم لم يعد مجرد ساحة نزاع بل بات مساحة لقاء. اللافت في توقيت القمتين أنهما لم تأتيا في ظرفٍ اعتيادي، بل في ظل تشابكٍ إقليميٍ حاد وصعود صراعات النفوذ بين واشنطن وبكين وموسكو، وفي ظل تقاربٍ سعوديٍ-إيراني قد يخفف من حدة المحاور، وانفتاحٍ خليجيٍ- تركي يبدد الجمود الذي خيم لسنوات، فأن يجتمع العرب في بغداد، تزامناً مع رسائل ترامب من الرياض، يعني أننا أمام محاولةٍ جديةٍ لإعادة رسم توازنات المنطقة، لكن بأدواتٍ أكثر نضجاً. ترامب، في زيارته إلى دول الخليج، لم يكن مجرد رئيسٍ أمريكيٍ يؤدي زيارةً اعتيادية، بل بدا كمن يستعيد مشهده الأول الذي ترك أثراً كبيراً في علاقات واشنطن مع دول المنطقة، عاد اليوم إلى الشرق الأوسط حاملاً خطاباً واضحاً يتبنى فيه نهجاً مختلفاً يركز على التعاون الأمني والانفتاح الاقتصادي، بعيداً عن فرض نماذج سياسية معينة، ورغم تغير الوجوه والظروف، إلا أن نبرة ترامب بقيت كما عرفها قادة المنطقة، عقلٌ تجاري، يرحب بالتحولات، وينتقد بعض السياسات الغربية التي لم تُنتج استقراراً في السابق، عودته إلى البيت الأبيض أعادت الزخم لعلاقته القديمة مع المنطقة، وهي علاقةٌ تلقى ترحيباً لدى كثيرين يرون في هذا النهج فرصةً للهدوء وإعادة التوازن في المنطقة الملتهبة. في المقابل، قمة بغداد تسير في خط مختلف لكنها لا تتقاطع بالضرورة مع رؤية الرياض-واشنطن، فبغداد، التي لملمت حضوراً عربياً ناضجاً، تريد أن ترسخ لنفسها دوراً جديداً، لم تعد تريد أن تكون على هامش القمم، بل في صُلبها، لم تعد تقبل أن تكون ساحة تصفية حسابات، بل طاولة حوار، العراق اليوم يطرح نفسه كدولةٍ محورية، لا بوصفه قوة عسكرية، بل كقوة توازنٍ إقليمي، وهذا التوجه يبدو أكثر واقعيةً في ظل نضجٍ سياسيٍ نسبي، وتحسنٍ في العلاقات مع الجوار، واستعدادٌ دوليٌ لقبول العراق كوسيطٍ لا كتابع. القمتان - رغم اختلاف المسار والخطاب - تعكسان شيئاً واحداً، أن المنطقة تتغير، وأن هناك من يُدرك أن استمرار الصراع لم يعد ممكناً، ولا مطلوباً، ما بين مشروع صفقةٍ يعاد تسويقه، ومشروع قمةٍ تُبنى على التوافق، هناك فرصةٌ تاريخيةٌ للعراق أن يتموضع بطريقةٍ ذكية، بعيداً عن الاستقطاب، وقريباً من جميع الأطراف. العراق اليوم ليس أمامه ترف البقاء على الحياد السلبي، ولا خيار الانحياز الكلي، هو في موقعٍ يسمح له أن يكون ميزان التهدئة بدل أن يكون ضحية التصعيد، شرطُ ذلك أن يُحسن إدارة قراره، ويوازن بين مصالحه ومصالح محيطه، ويُعلي من شأن وحدته الوطنية بوصفها قاعدةً للاستقرار. المنطقة لا تبحث عن أبطالٍ جدد، بل عن دولٍ عاقلة، والعراق، إذا أحسن التعامل مع هذه المرحلة، يمكن أن يثبت أنه لم يعد الحلقة الأضعف، بل طرفاً فاعلاً يمكن الاعتماد عليه في المعادلات الإقليمية المقبلة، ما بين الرياض حيث تُرسم صفقات النفوذ، وبغداد حيث تُنسج خيوط التفاهم، هناك مستقبلٌ يُكتب الآن، إما نكون جزءاً منه، أو نبقى على الهامش.

الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بعد زيارة ترامب في مايو 2025!وليد الحيالي
الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بعد زيارة ترامب في مايو 2025!وليد الحيالي

ساحة التحرير

timeمنذ 4 ساعات

  • ساحة التحرير

الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بعد زيارة ترامب في مايو 2025!وليد الحيالي

الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بعد زيارة ترامب في مايو 2025: بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات الجيوسياسية! بقلم: البروفيسور وليد الحيالي الملخص: تتناول هذه الدراسة تداعيات زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مايو 2025، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة تجاوزت قيمتها 2 تريليون دولار. وتحاول الورقة تحليل أبعاد هذه الاستثمارات، مركزة على التداخل بين الأهداف الاقتصادية والسياسية. كما تسلط الضوء على المفارقة القائمة بين تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى الغرب، وغيابها النسبي عن مشاريع التنمية في البلدان العربية نفسها، مما يطرح تساؤلات حول البوصلة الاستراتيجية لرأس المال العربي في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ الإقليمي. مقدمة: شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي محطات متقلبة، اتسمت بتبادل المصالح في مجالات الطاقة والدفاع والمال. إلا أن زيارة ترامب في مايو 2025 – في مستهل ولايته الثانية – جاءت لتؤكد عمق الارتباط السياسي والاقتصادي بين الطرفين. ففي غضون ثلاثة أيام، تم توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات، أبرزها التزامات استثمارية ضخمة من جانب السعودية والإمارات وقطر في الاقتصاد الأمريكي، ما أثار جدلًا حول جدوى هذه الصفقات ومآلاتها على التنمية العربية. أولاً: زيارة ترامب 2025 – الاستثمارات الكبرى وصفقات النفوذ في الفترة من 13 إلى 16 مايو 2025، زار الرئيس دونالد ترامب كلًا من السعودية والإمارات وقطر، في جولة رسمية وُصفت بـ'الاقتصادية-الاستراتيجية'. وقد أُعلن خلالها عن اتفاقيات غير مسبوقة، أبرزها: • السعودية التزمت بضخ استثمارات قدرها 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، شملت مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا. • الإمارات أعلنت عن خطة لاستثمار 1.4 تريليون دولار خلال عقد قادم، في مشاريع الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، والبنية التحتية المتقدمة. • قطر وقعت صفقات بقيمة 1.2 تريليون دولار، بينها شراء 210 طائرات بوينغ، واستثمارات واسعة في قطاعات النقل والطاقة. هذه الأرقام تعكس ليس فقط حجم السيولة المتاحة لدول الخليج، بل أيضًا استعدادها لربط أمنها الاقتصادي بتحالفاتها السياسية مع واشنطن. ثانيًا: منطق السوق وحسابات العائد تدافع الحكومات الخليجية عن توجهها الاستثماري في الولايات المتحدة انطلاقًا من دوافع اقتصادية واضحة، تشمل: • تأمين عوائد طويلة الأجل في بيئة مالية مستقرة. • الاستفادة من تكنولوجيا متقدمة لا تتوفر محليًا. • نقل المعرفة والخبرة عبر الشراكات الدولية الكبرى. ويُعد الاقتصاد الأمريكي الوجهة الأكثر أمانًا من منظور المحافظ السيادية الباحثة عن تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، خصوصًا في ظل تقلبات أسواق الطاقة. ثالثًا: البعد الجيوسياسي للاستثمار لكن الجانب السياسي حاضر بقوة في هذه الاستثمارات، إذ: • تُمثل هذه الصفقات وسيلة لضمان الدعم السياسي والعسكري الأمريكي في مواجهة التهديدات الإقليمية، خصوصًا من إيران. • توفر غطاءً للأنظمة الحاكمة ضد الضغوط الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية، كما حدث بعد أزمة خاشقجي. • تُستخدم كأداة لتعزيز 'رأسمال النفوذ' الخليجي في الدوائر الغربية، بما في ذلك اللوبيات ومراكز صنع القرار. رابعًا: رأس المال العربي الغائب عن قضايا التنمية العربية رغم هذه الوفرة المالية والاستثمارية، يبقى السؤال الجوهري: أين رأس المال العربي من قضايا التنمية في العالم العربي نفسه؟ وهنا تتجلى مفارقة لافتة: • الاستثمار البيني العربي لا يزال محدودًا ومجزأ، يغلب عليه الطابع السياسي أو الموسمي. • الدول العربية ذات الإمكانيات التنموية العالية (مثل العراق، السودان، تونس، وموريتانيا) تعاني من نقص حاد في التمويل التنموي المستدام. • لا توجد استراتيجية تنموية عربية موحدة تحوّل الثروات النفطية إلى قوة إنتاجية داخل المنطقة. • في كثير من الأحيان، تُفضّل الصناديق السيادية الخليجية شراء أصول غربية على الاستثمار في مشاريع زراعية، صناعية، أو تعليمية عربية. هذا الغياب يكرّس التبعية الاقتصادية، ويُفوت فرصًا حقيقية لإحياء التكامل الاقتصادي العربي، وتحقيق تنمية شاملة تخفف من البطالة، والهجرة، والانهيارات الاجتماعية. خامسًا: دعوة إلى مراجعة الفلسفة الاستثمارية إن الواقع الاستثماري الحالي يتطلب مراجعة جذرية في الفلسفة الاقتصادية لدول الخليج، قوامها: • إعادة توجيه جزء معتبر من الاستثمارات الخارجية نحو الداخل العربي. • تأسيس صندوق تنمية عربي سيادي مشترك يُركّز على المشاريع الإنتاجية في الدول النامية عربيًا. • بناء شراكات تنموية استراتيجية بين القطاع الخاص الخليجي والدول ذات الإمكانيات البشرية والزراعية. • تقليص الاعتماد على الأسواق الغربية، وتحقيق نوع من الاستقلال المالي-الاستثماري، دون خسارة الشراكات العالمية. خاتمة: تعكس زيارة ترامب في مايو 2025 والاستثمارات الهائلة التي صاحبتها، صورة متقدمة من التحالف الأمريكي-الخليجي القائم على المال والنفوذ. لكن هذه الصفقات، رغم عوائدها الممكنة، تكشف أيضًا عن قصور في النظرة الاستراتيجية طويلة الأجل لرأس المال العربي. فبينما تُوظّف تريليونات الدولارات في الاقتصادات المتقدمة، تظل التنمية العربية تُصارع الهشاشة، والعجز، وانعدام التمويل. وهنا يكمن التحدي الأخلاقي والسياسي، بل والحضاري: كيف يمكن للثروة العربية أن تتحول من أداة نفوذ خارجي إلى رافعة نهوض داخلي حقيقي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح بإلحاح في مراكز القرار العربي اليوم ‎2025-‎05-‎19 The post الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بعد زيارة ترامب في مايو 2025!وليد الحيالي first appeared on ساحة التحرير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store