logo
ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل

ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل

شفق نيوزمنذ 5 ساعات

شفق نيوز/ في أول جولة شرق أوسطية له منذ مغادرته البيت الأبيض، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قلب الخليج، لكن بينما توزعت لقاءاته بين الرياض والدوحة وأبوظبي، برز غياب العراق عن أجندته كإشارة على إعادة تشكيل ميزان النفوذ، وربما تهميش بغداد من المعادلة الإقليمية الجديدة.
ركزت الزيارة على تحقيق جملة أهداف اقتصادية وجيوسياسية تسعى واشنطن إليها. فمن الجانب الاقتصادي، حرص ترامب على تعزيز الشراكات الاستثمارية والتجارية مع حلفائه الخليجيين، حيث شمل جدول أعماله اتفاقيات تجارية ضخمة واستثمارات متبادلة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية. فقد سعت واشنطن عبر هذه الجولة إلى ترسيخ نفوذها الإقليمي وضمان عدم ترك فراغ تستغله قوى منافسة.
تضمن ذلك بحث الدور الأمريكي المستقبلي في أمن المنطقة، والتأكيد على ضمان الاستقرار واحتواء النزاعات من خلال دعم الحلفاء الإقليميين والتوسط في ملفات ساخنة كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كذلك مثّلت الجولة فرصة لدفع مزيد من دول المنطقة نحو "اتفاقيات إبراهام" للسلام مع إسرائيل، حيث ناقش ترامب توسيع إطار التطبيع بمشاركة السعودية التي لم تنضم بعد رسميًا لتلك الاتفاقات.
وبشكل عام، عبّرت تحليلات الخبراء الأمريكيين الذين تحدثوا لوكالة شفق نيوز، عن أن واشنطن تسعى عبر هذه الزيارة إلى تأسيس شرق أوسط جديد محوره الرياض وتحجيم نفوذ الخصوم، وذلك من خلال تحالف اقتصادي-أمني وثيق مع دول الخليج العربية.
من الملاحظات اللافتة في جولة ترامب الشرق أوسطية استبعاد العراق من خط سيرها. وقد أرجع محللون هذا التهميش إلى اعتبارات استراتيجية تتعلق بموقع العراق السياسي الحالي. فبخلاف دول الخليج الحليفة لواشنطن، يمر العراق بوضع يجعله أقل أولوية في أجندة ترامب؛ إذ "يرزح نفوذه تحت هيمنة إيرانية واضحة"، ما يضعه في موقف متباين مع التوجهات الأمريكية الجديدة.
في قلب المشهد: المصالح أولًا
لم تكن الجولة مجرد ظهور بروتوكولي لرئيس يسعى لاستعادة الأضواء. بل، كما يرى المحللون فإن ترامب رسم خريطة جديدة للمنطقة، انطلقت من منطق براغماتي صريح: الاقتصاد أولاً، والحلفاء الأقوياء قبل الحلفاء المتعثرين.
"كانت خطة متوازنة، لكنها ركزت على السعودية وقطر كلاعبين رئيسيين في رسم ديناميكيات المنطقة"، يقول فرانك مسمار، رئيس المجلس الاستشاري في جامعة ماريلاند.
ويضيف لوكالة شفق نيوز: "العراق أصبح رمزًا لفصل قديم من التدخلات الأمريكية التي لم تعد تناسب خطاب ترامب، لا سياسيًا ولا شعبويًا".
الرئيس الأمريكي الذي طالما عبّر عن ضيقه من "الحروب التي لا تنتهي"، بدا ملتزماً بخطّه التقليدي: تقليل الانخراط العسكري، وتوسيع النفوذ عبر الشراكات الاقتصادية والطاقة. في هذا السياق، يوضح مسمار أن تجاهل بغداد لم يكن مجرد صدفة دبلوماسية، بل قرار محسوب، يهدف إلى تفادي تعقيدات المشهد العراقي المربك، وإلى توجيه رسالة للطبقة السياسية هناك: حان وقت اتخاذ قرارات سيادية.
ويرى مسمار أن الإدارة الأمريكية تعمدت تجاهل بغداد في هذه الجولة لعدم رضاها عن ارتهان القرار العراقي لمحور طهران، فضلاً عن عدم استقرار الوضع الداخلي العراقي. وبدلاً من بغداد، فضّل ترامب التركيز على محور الخليج الأكثر انسجامًا مع سياساته، فعقد قممًا مع الرياض وأبوظبي والدوحة لتعظيم المكاسب الأمنية والاقتصادية المشتركة.
هذا التجاهل الأمريكي أثار تساؤلات داخل العراق، إلا أن المراقبين يرجحون أنه رسالة مبطنة لحكومة بغداد مفادها ضرورة تخفيف ارتهانها للمشروع الإيراني إن أرادت دورًا في الترتيبات الإقليمية الجديدة.
من التهميش إلى الغياب الهيكلي
غياب العراق عن أجندة الجولة لم يكن مجرد صدفة دبلوماسية. فبحسب رؤية عراقية، فإن بغداد لم يعد يُنظر إليها كحليف استراتيجي فعّال في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد.
الدكتور إحسان الشمري، أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد ورئيس مركز التفكير السياسي العراقي، يقول في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن ربط العراق بإيران على مستوى الوثائق السياسية الأميركية كان أحد أسباب غيابه، مشيرًا إلى أن مذكرة الأمن القومي التي وقّعها ترامب لتعزيز الضغوط على طهران لم تفصل بين إيران والعراق، ما يُضعف فرص التعاطي مع العراق كملف مستقل.
ويضيف: "يبدو أن واشنطن لا ترى في العراق كيانًا منفصلاً عن شبكة التأثير الإيراني، بل تعتبره جزءاً من طيف التفاوض الأميركي-الإيراني، سواء في ما يخص مستقبل العقوبات أو ملف الوجود العسكري الأميركي". ولفت إلى أن العراق، في ضوء هذا التصور، بات جزءاً من ساحة مواجهة محتملة بين واشنطن وطهران أو حتى بين تل أبيب وطهران.
لكن الشمري لا يُحمّل واشنطن المسؤولية وحدها، بل يشير أيضاً إلى ضعف الأداء العراقي في السياسة الخارجية، قائلاً: "حكومة السوداني لم تنجح في استعادة مبدأ التوازن، واقتربت سياساتها الخارجية أكثر من طهران على حساب العلاقات العربية والدولية، وهو ما ساهم في اتساع الفجوة مع حلفاء واشنطن".
ويُضيف: "هناك أيضاً خلل في تعاطي الحكومة العراقية مع التحولات الكبرى في الملف السوري، وغياب واضح عن التفاهمات الإقليمية الجديدة التي تجري غالبًا خلف الأبواب المغلقة".
الشمري يخلص إلى أن هناك قناعة دولية آخذة في التبلور بأن العراق لم يعد فاعلًا في ملامح الشرق الأوسط الجديد، بل إن "بعض القوى السياسية العراقية تتعمّد تغييب العراق عن هذه الترتيبات انسجاماً مع أجندات خارجية لا تريد له أن يكون منفتحًا أو فاعلًا".
العراق OUT.. سوريا IN
لكن إذا كان العراق قد غاب، فإن المفاجأة جاءت من دمشق. ففي مشهد وصفه مراقبون بـ"التاريخي"، صافح ترامب الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، في الرياض، معلنًا رفع العقوبات الأمريكية تدريجياً عن سوريا.
"لا يمكن لأي رئيس آخر غير ترامب أن يُقدم على هذه الخطوة"، يقول الباحث السوري في واشنطن رضوان زيادة، مشيرًا في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن الخطوة "غير المسبوقة" فتحت الباب أمام دمج دمشق مجددًا في النظام الإقليمي والدولي.
أما توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، فذهب أبعد، معتبرًا أن ترامب قد "نقل سوريا من الحضن التركي إلى الحضن السعودي"، وأن أي خلل أمني فيها سيكون من مسؤولية الرياض مستقبلاً.
غير أن هذا الطرح لا يحظى بإجماع. فزيادة نفسه يرى أن الحديث عن انتقال سوريا من معسكر إلى آخر "تبسيط مخل"، ويشير إلى تنسيق مشترك بين أنقرة والدوحة والرياض في الدفع بهذا التحول.
الرياض.. من الظل إلى الضوء
لم تكن مصافحة الشرع وحدها ما لفت الأنظار، بل أيضًا إشارات ترامب المتكررة إلى الدور السعودي المتصاعد، ليس فقط في سوريا، بل في عموم المعادلة الشرق أوسطية. فبحسب باولو فان شيراك، رئيس معهد الدراسات العالمية في واشنطن، فإن زيارة ترامب "جاءت في إطار خطة لإعادة توزيع الأدوار"، حيث بات يُنظر إلى السعودية كحامل جديد لمشروع الاستقرار الإقليمي.
لكن شيراك حذر خلال حديث لوكالة شفق نيوز، في الوقت ذاته من "الانجرار وراء التفاؤل"، مشيرًا إلى أن الواقع الميداني في سوريا لا يزال هشًا. من السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، إلى ملف اللاجئين، ثمة أسئلة كبيرة لا تزال معلقة، ولا يملك أحد إجابات سهلة عنها.
ومن ناحية أخرى، يواجه الشرع استحقاق المصالحة الداخلية مع المكوّن الكوردي في شمال شرق البلاد؛ ولا يُعرف بعد إن كانت دمشق الجديدة مستعدة لتقديم تنازلات في هذا الملف الحساس.
ويضاف إلى ذلك التحدي الاقتصادي الهائل لإعادة الإعمار وتحسين معيشة السوريين بعد رفع العقوبات. هذه العقبات تجعل عملية إعادة دمج سوريا إقليمياً ودولياً شاقة وطويلة الأمد. ويرى شيراك أن واشنطن وحلفاءها سيبقون حذرين في رفع كافة أشكال العزل عن دمشق قبل التأكد من التزامها الحقيقي بالتسوية الشاملة.
بل إن الوجود العسكري الأمريكي المحدود في سوريا سيستمر كعامل استقرار وضغط، ولن يُسحب كليًا إلا حال تحقق استقرار فعلي وإعادة هيكلة شاملة للوضع السوري وهو أمر 'لا يبدو قريب المنال' بحسب تعبير شيراك.
بناءً على ذلك، يمكن القول إن ترتيبات ما بعد قمة الرياض تحمل فرصًا واعدة لسوريا والمنطقة، لكنها في الوقت ذاته رهان محفوف بالتحديات. وإن نجاح هذه الترتيبات الجديدة مرهون بقدرة الأطراف المعنية على الوفاء بالتزاماتها الأمنية والسياسية على الأرض، وضمان أن تكون التحولات الإقليمية الجارية مدخلًا لحل مستدام لا مجرد صفقة مؤقتة في رقعة شطرنج الشرق الأوسط.
لحظة مفصلية
سواء كانت الزيارة محاولة لإعادة التموضع السياسي أو مجرد خطوة رمزية لتحسين صورة ترامب في الخارج، فإن ما حدث في الخليج يعكس تحولات حقيقية في مزاج القوة الأمريكية، وفي آليات رسم التحالفات.
ترامب لم يُعلن خططًا مفصلة، لكنه غيّر قواعد اللعبة. عدم زيارة أو إشارة فعلية للعراق، واحتضانه المفاجئ لدمشق، وإشارته إلى دور سعودي متعاظم، كلها مؤشرات على إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بعيداً عن الكيانات التقليدية.
وبينما تترقب طهران وبغداد ما إن كانت هذه التحولات مجرد لفتات رمزية أم تغييرات راسخة، فإن الرسالة الأمريكية باتت واضحة: من لا يتحرك وفق إيقاع المصالح الأمريكية الجديدة، قد يجد نفسه على الهامش، يقول محللون.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشمش القائم يتألق ويصل بغداد رغم التحديات البيئية (صور)
مشمش القائم يتألق ويصل بغداد رغم التحديات البيئية (صور)

شفق نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • شفق نيوز

مشمش القائم يتألق ويصل بغداد رغم التحديات البيئية (صور)

شفق نيوز/ رغم ما واجهه قضاء القائم بمحافظة الأنبار غربي العراق، خلال السنوات الماضية من تدهور في الواقع الزراعي، خاصة بسبب شحّ المياه واندثار مساحات واسعة من البساتين، إلا أن هذا الموسم حمل بشائر الانتعاش، لا سيما في إنتاج فاكهة المشمش التي شهدت إنتاجية عالية وبدأت تجد طريقها إلى الأسواق خارج حدود القضاء. وأكد قائممقام قضاء القائم، تركي المحلاوي، لوكالة شفق نيوز أن "الإنتاجية لهذا الموسم كانت عالية ليس في المشمش فقط، بل في بقية أنواع الفاكهة أيضاً". وأضاف المحلاوي، أن "كميات من الإنتاج المحلي بدأت تُصدر إلى مدن مثل العاصمة بغداد والرمادي، ما يعكس تطوراً في مستوى الإنتاج وثقة التجار والجمهور بجودة المنتج المحلي". وبين، "رغم أن القائم ما يزال يعاني من قلة الحصة المائية وانتهاء الكثير من البساتين الزراعية، فإن هناك نهضة واضحة بعد عام 2017، حيث بدأ المواطنون بإعادة غرس بساتينهم، مستهدفين زراعة أشجار جديدة كان لها أثر إيجابي على الإنتاج الزراعي المحلي". وأوضح المحلاوي: "اليوم نشهد نتائج هذه الجهود، إذ بدأت الأشجار المثمرة التي غُرست قبل بضع سنوات بالإثمار، والمشمش أبرز مثال على ذلك". وتعود أهمية المشمش في القائم إلى ما توفره هذه الزراعة من مردود اقتصادي جيد للأهالي، فضلاً عن كونها جزءاً من التراث الزراعي للمنطقة. وتُعد تربة القائم ومناخها عاملاً مساعداً في إنتاج محاصيل بجودة عالية، ما يمنح المنطقة إمكانية التحول إلى مركز زراعي مهم في غرب العراق. وبحسب إفادات عدد من المزارعين، فإن "التحديات ما تزال قائمة، وعلى رأسها قلة المياه وعدم وجود دعم حكومي كافٍ، لكن الأمل يتجدد مع كل موسم زراعي، فهم يراهنون على قوة الأرض وإصرار الإنسان المحلي الذي يعيد الحياة لبساتينه رغم كل ما مر به القضاء من ظروف أمنية وإنسانية قاسية. ودعا قائممقام القائم الجهات المختصة إلى "زيادة الدعم للقطاع الزراعي من خلال توفير المياه، وتقديم المستلزمات الزراعية الحديثة، ودعم آليات التسويق والتصدير"، مشدداً على "أهمية فتح أسواق جديدة وخلق بيئة اقتصادية تشجع المزارعين على التوسع في الزراعة".

واشنطن ترصد مكافأة مليونية مقابل معلومات عن حزب الله في أمريكا الجنوبية
واشنطن ترصد مكافأة مليونية مقابل معلومات عن حزب الله في أمريكا الجنوبية

شفق نيوز

timeمنذ 4 ساعات

  • شفق نيوز

واشنطن ترصد مكافأة مليونية مقابل معلومات عن حزب الله في أمريكا الجنوبية

شفق نيوز/ خصصت وزارة الخارجية الأمريكية، مكافأة قد تصل إلى 10 ملايين دولار للحصول على معلومات حول الشبكات المالية لحزب الله في أمريكا الجنوبية. وكتب الحساب الرسمي لبرنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع للوزارة في منشور عبر منصة "إكس": "حزب الله يمارس أنشطته في مناطق بعيدة عن مقره في لبنان، بما في ذلك في أمريكا الجنوبية". وأضاف "إذا كانت لديك معلومات حول تهريب حزب الله أو غسيل الأموال أو أي آليات مالية أخرى في منطقة الحدود الثلاثية، يرجى الاتصال بنا. قد تكون مؤهلا للحصول على مكافأة والانتقال".

ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل
ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل

شفق نيوز

timeمنذ 5 ساعات

  • شفق نيوز

ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط و"رسالة صامتة" تضع العراق في الظل

شفق نيوز/ في أول جولة شرق أوسطية له منذ مغادرته البيت الأبيض، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قلب الخليج، لكن بينما توزعت لقاءاته بين الرياض والدوحة وأبوظبي، برز غياب العراق عن أجندته كإشارة على إعادة تشكيل ميزان النفوذ، وربما تهميش بغداد من المعادلة الإقليمية الجديدة. ركزت الزيارة على تحقيق جملة أهداف اقتصادية وجيوسياسية تسعى واشنطن إليها. فمن الجانب الاقتصادي، حرص ترامب على تعزيز الشراكات الاستثمارية والتجارية مع حلفائه الخليجيين، حيث شمل جدول أعماله اتفاقيات تجارية ضخمة واستثمارات متبادلة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية. فقد سعت واشنطن عبر هذه الجولة إلى ترسيخ نفوذها الإقليمي وضمان عدم ترك فراغ تستغله قوى منافسة. تضمن ذلك بحث الدور الأمريكي المستقبلي في أمن المنطقة، والتأكيد على ضمان الاستقرار واحتواء النزاعات من خلال دعم الحلفاء الإقليميين والتوسط في ملفات ساخنة كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كذلك مثّلت الجولة فرصة لدفع مزيد من دول المنطقة نحو "اتفاقيات إبراهام" للسلام مع إسرائيل، حيث ناقش ترامب توسيع إطار التطبيع بمشاركة السعودية التي لم تنضم بعد رسميًا لتلك الاتفاقات. وبشكل عام، عبّرت تحليلات الخبراء الأمريكيين الذين تحدثوا لوكالة شفق نيوز، عن أن واشنطن تسعى عبر هذه الزيارة إلى تأسيس شرق أوسط جديد محوره الرياض وتحجيم نفوذ الخصوم، وذلك من خلال تحالف اقتصادي-أمني وثيق مع دول الخليج العربية. من الملاحظات اللافتة في جولة ترامب الشرق أوسطية استبعاد العراق من خط سيرها. وقد أرجع محللون هذا التهميش إلى اعتبارات استراتيجية تتعلق بموقع العراق السياسي الحالي. فبخلاف دول الخليج الحليفة لواشنطن، يمر العراق بوضع يجعله أقل أولوية في أجندة ترامب؛ إذ "يرزح نفوذه تحت هيمنة إيرانية واضحة"، ما يضعه في موقف متباين مع التوجهات الأمريكية الجديدة. في قلب المشهد: المصالح أولًا لم تكن الجولة مجرد ظهور بروتوكولي لرئيس يسعى لاستعادة الأضواء. بل، كما يرى المحللون فإن ترامب رسم خريطة جديدة للمنطقة، انطلقت من منطق براغماتي صريح: الاقتصاد أولاً، والحلفاء الأقوياء قبل الحلفاء المتعثرين. "كانت خطة متوازنة، لكنها ركزت على السعودية وقطر كلاعبين رئيسيين في رسم ديناميكيات المنطقة"، يقول فرانك مسمار، رئيس المجلس الاستشاري في جامعة ماريلاند. ويضيف لوكالة شفق نيوز: "العراق أصبح رمزًا لفصل قديم من التدخلات الأمريكية التي لم تعد تناسب خطاب ترامب، لا سياسيًا ولا شعبويًا". الرئيس الأمريكي الذي طالما عبّر عن ضيقه من "الحروب التي لا تنتهي"، بدا ملتزماً بخطّه التقليدي: تقليل الانخراط العسكري، وتوسيع النفوذ عبر الشراكات الاقتصادية والطاقة. في هذا السياق، يوضح مسمار أن تجاهل بغداد لم يكن مجرد صدفة دبلوماسية، بل قرار محسوب، يهدف إلى تفادي تعقيدات المشهد العراقي المربك، وإلى توجيه رسالة للطبقة السياسية هناك: حان وقت اتخاذ قرارات سيادية. ويرى مسمار أن الإدارة الأمريكية تعمدت تجاهل بغداد في هذه الجولة لعدم رضاها عن ارتهان القرار العراقي لمحور طهران، فضلاً عن عدم استقرار الوضع الداخلي العراقي. وبدلاً من بغداد، فضّل ترامب التركيز على محور الخليج الأكثر انسجامًا مع سياساته، فعقد قممًا مع الرياض وأبوظبي والدوحة لتعظيم المكاسب الأمنية والاقتصادية المشتركة. هذا التجاهل الأمريكي أثار تساؤلات داخل العراق، إلا أن المراقبين يرجحون أنه رسالة مبطنة لحكومة بغداد مفادها ضرورة تخفيف ارتهانها للمشروع الإيراني إن أرادت دورًا في الترتيبات الإقليمية الجديدة. من التهميش إلى الغياب الهيكلي غياب العراق عن أجندة الجولة لم يكن مجرد صدفة دبلوماسية. فبحسب رؤية عراقية، فإن بغداد لم يعد يُنظر إليها كحليف استراتيجي فعّال في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد. الدكتور إحسان الشمري، أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد ورئيس مركز التفكير السياسي العراقي، يقول في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن ربط العراق بإيران على مستوى الوثائق السياسية الأميركية كان أحد أسباب غيابه، مشيرًا إلى أن مذكرة الأمن القومي التي وقّعها ترامب لتعزيز الضغوط على طهران لم تفصل بين إيران والعراق، ما يُضعف فرص التعاطي مع العراق كملف مستقل. ويضيف: "يبدو أن واشنطن لا ترى في العراق كيانًا منفصلاً عن شبكة التأثير الإيراني، بل تعتبره جزءاً من طيف التفاوض الأميركي-الإيراني، سواء في ما يخص مستقبل العقوبات أو ملف الوجود العسكري الأميركي". ولفت إلى أن العراق، في ضوء هذا التصور، بات جزءاً من ساحة مواجهة محتملة بين واشنطن وطهران أو حتى بين تل أبيب وطهران. لكن الشمري لا يُحمّل واشنطن المسؤولية وحدها، بل يشير أيضاً إلى ضعف الأداء العراقي في السياسة الخارجية، قائلاً: "حكومة السوداني لم تنجح في استعادة مبدأ التوازن، واقتربت سياساتها الخارجية أكثر من طهران على حساب العلاقات العربية والدولية، وهو ما ساهم في اتساع الفجوة مع حلفاء واشنطن". ويُضيف: "هناك أيضاً خلل في تعاطي الحكومة العراقية مع التحولات الكبرى في الملف السوري، وغياب واضح عن التفاهمات الإقليمية الجديدة التي تجري غالبًا خلف الأبواب المغلقة". الشمري يخلص إلى أن هناك قناعة دولية آخذة في التبلور بأن العراق لم يعد فاعلًا في ملامح الشرق الأوسط الجديد، بل إن "بعض القوى السياسية العراقية تتعمّد تغييب العراق عن هذه الترتيبات انسجاماً مع أجندات خارجية لا تريد له أن يكون منفتحًا أو فاعلًا". العراق OUT.. سوريا IN لكن إذا كان العراق قد غاب، فإن المفاجأة جاءت من دمشق. ففي مشهد وصفه مراقبون بـ"التاريخي"، صافح ترامب الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، في الرياض، معلنًا رفع العقوبات الأمريكية تدريجياً عن سوريا. "لا يمكن لأي رئيس آخر غير ترامب أن يُقدم على هذه الخطوة"، يقول الباحث السوري في واشنطن رضوان زيادة، مشيرًا في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن الخطوة "غير المسبوقة" فتحت الباب أمام دمج دمشق مجددًا في النظام الإقليمي والدولي. أما توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، فذهب أبعد، معتبرًا أن ترامب قد "نقل سوريا من الحضن التركي إلى الحضن السعودي"، وأن أي خلل أمني فيها سيكون من مسؤولية الرياض مستقبلاً. غير أن هذا الطرح لا يحظى بإجماع. فزيادة نفسه يرى أن الحديث عن انتقال سوريا من معسكر إلى آخر "تبسيط مخل"، ويشير إلى تنسيق مشترك بين أنقرة والدوحة والرياض في الدفع بهذا التحول. الرياض.. من الظل إلى الضوء لم تكن مصافحة الشرع وحدها ما لفت الأنظار، بل أيضًا إشارات ترامب المتكررة إلى الدور السعودي المتصاعد، ليس فقط في سوريا، بل في عموم المعادلة الشرق أوسطية. فبحسب باولو فان شيراك، رئيس معهد الدراسات العالمية في واشنطن، فإن زيارة ترامب "جاءت في إطار خطة لإعادة توزيع الأدوار"، حيث بات يُنظر إلى السعودية كحامل جديد لمشروع الاستقرار الإقليمي. لكن شيراك حذر خلال حديث لوكالة شفق نيوز، في الوقت ذاته من "الانجرار وراء التفاؤل"، مشيرًا إلى أن الواقع الميداني في سوريا لا يزال هشًا. من السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، إلى ملف اللاجئين، ثمة أسئلة كبيرة لا تزال معلقة، ولا يملك أحد إجابات سهلة عنها. ومن ناحية أخرى، يواجه الشرع استحقاق المصالحة الداخلية مع المكوّن الكوردي في شمال شرق البلاد؛ ولا يُعرف بعد إن كانت دمشق الجديدة مستعدة لتقديم تنازلات في هذا الملف الحساس. ويضاف إلى ذلك التحدي الاقتصادي الهائل لإعادة الإعمار وتحسين معيشة السوريين بعد رفع العقوبات. هذه العقبات تجعل عملية إعادة دمج سوريا إقليمياً ودولياً شاقة وطويلة الأمد. ويرى شيراك أن واشنطن وحلفاءها سيبقون حذرين في رفع كافة أشكال العزل عن دمشق قبل التأكد من التزامها الحقيقي بالتسوية الشاملة. بل إن الوجود العسكري الأمريكي المحدود في سوريا سيستمر كعامل استقرار وضغط، ولن يُسحب كليًا إلا حال تحقق استقرار فعلي وإعادة هيكلة شاملة للوضع السوري وهو أمر 'لا يبدو قريب المنال' بحسب تعبير شيراك. بناءً على ذلك، يمكن القول إن ترتيبات ما بعد قمة الرياض تحمل فرصًا واعدة لسوريا والمنطقة، لكنها في الوقت ذاته رهان محفوف بالتحديات. وإن نجاح هذه الترتيبات الجديدة مرهون بقدرة الأطراف المعنية على الوفاء بالتزاماتها الأمنية والسياسية على الأرض، وضمان أن تكون التحولات الإقليمية الجارية مدخلًا لحل مستدام لا مجرد صفقة مؤقتة في رقعة شطرنج الشرق الأوسط. لحظة مفصلية سواء كانت الزيارة محاولة لإعادة التموضع السياسي أو مجرد خطوة رمزية لتحسين صورة ترامب في الخارج، فإن ما حدث في الخليج يعكس تحولات حقيقية في مزاج القوة الأمريكية، وفي آليات رسم التحالفات. ترامب لم يُعلن خططًا مفصلة، لكنه غيّر قواعد اللعبة. عدم زيارة أو إشارة فعلية للعراق، واحتضانه المفاجئ لدمشق، وإشارته إلى دور سعودي متعاظم، كلها مؤشرات على إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بعيداً عن الكيانات التقليدية. وبينما تترقب طهران وبغداد ما إن كانت هذه التحولات مجرد لفتات رمزية أم تغييرات راسخة، فإن الرسالة الأمريكية باتت واضحة: من لا يتحرك وفق إيقاع المصالح الأمريكية الجديدة، قد يجد نفسه على الهامش، يقول محللون.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store