
حوادث الضرب في المدارس الدينية تقلق فقراء باكستان
أعادت حادثة وفاة الطالب محمد فرحان (14 عاماً) داخل مدرسة دينية بمدينة وادي سوات شمال غربي باكستان، الجدل القائم بشأن
المدارس الدينية
في البلاد. وكان الطالب قد تعرض للضرب المبرح على يد مدير المدرسة وابنه وأستاذ آخر، وفق الروايات المتداولة، إذ لم يتوقفوا عن ضربه رغم غيابه عن الوعي، بذريعة "تخويف الطلاب الآخرين". وفي حين دعا كثيرون إلى إنزال أشد العقوبات بحق المتورطين، دعا آخرون إلى إصلاح منظومة المدارس الدينية والمناهج، وتحديد آلية تعامل المعلمين مع طلابهم.
تقع المدرسة في مدينة خوازه خيله بوادي سوات، حيث أغلق السكان الطرق المؤدية إلى المدن الأخرى، وسط حالة من الغضب العارم، مطالبين الحكومة بـ"معاقبة الضالعين في حادثة القتل".
ويقول تاج ولي، أحد سكان المنطقة خلال مشاركته في الاحتجاجات: "تناوب ثلاثة على ضرب
الطالب
النحيف الضعيف، وكأنهم يضربون الجدار، لم يكن فرحان قادراً على التحرك، ورغم ذلك واصلوا ضربه بوحشية". وينقل لـ"العربي الجديد" ما سمعه من الطلاب عقب حديثهم مع مسؤولين أمنيين، حيث علموا أن "الطالب حضر إلى المدرسة يوم الاثنين في 21 يوليو/ تموز 2025 بعد أن غاب لأيام. وفور دخوله، رحّب به المدرّس قاري بخت أمين، وانهال عليه بالضرب من الساعة الثانية بعد الظهر حتى مفارقته الحياة بعد صلاة المغرب، حيث تحول لون جسده إلى لون أسود".
طلاب وشباب
التحديثات الحية
باكستان: المدارس الدينية تتهم الحكومة بعرقلة عملها
ويطالب تاج ولي، حكومة باكستان بإعادة تنظيم المدارس الدينية، وتبنّي سياسة متشددة حيال المدرسين فيها، خصوصاً أن العائلات
الفقيرة
ترسل أطفالها إلى هذه المدارس كونها مجانية، توفر الطعام والشراب من دون أي تكلفة، لكن للأسف يتعرض الطلاب للانتهاكات وسوء المعاملة، والدليل وفاة الطالب فرحان، الذي قضى بطريقة مؤثرة"، مناشداً السلطات الأمنية اعتقال الجناة ومعاقبتهم.
ويكشف قاري رفيع الله، أحد طلاب المدرسة، لـ"العربي الجديد"، أن زميله فرحان لم يتمكن من الحضور إلى المدرسة لأيام، كونه تعرض للضرب مرات عديدة، ويقول: "لم يشأ مواصلة التعلم في هذه المدرسة، لكن أسرته كانت تجبره على الذهاب. وعندما حضر، ضربه المدرّس قاري بخت أمين بشكل مبرح، وأدخله إلى غرفة المدير وأغلق الباب. كنا نسمع صراخه، لكن ما من أحد استطاع إنقاذه".
ويضيف: "بعد ساعتين من الضرب، خرج الأستاذ أمين ودخل مدير المدرسة محمد عمر قاسم إلى الغرفة رفقة خمسة طلاب، أمسكوا فرحان من يديه وقدميه، وتولى المدير ضربه بواسطة السوط. بدايةً، كنا نسمع صراخه، لكن بعد فترة غاب عن الوعي. بعدها، حضر قاري محمد إحسان، ابن المدير، وقام بدوره بضرب فرحان، ما يعني أن الثلاثة تناوبوا على ضرب الطفل حتى ساعات المغرب، ولم يتمكن أحد من منعهم".
قد يُحرم أبناء الفقراء من التعليم بسبب تجاوزات المدارس الدينية، باكستان، 6 نوفمبر 2021 (أندريس غوتيريز/ الأناضول)
ويلفت رفيع الله إلى أن "الطلاب كانوا يقرؤون القرآن ويبكون ويدعون لخلاص فرحان من العذاب. لكن بعد صلاة المغرب، رُمي في فناء المدرسة وهو غائب عن الوعي، ما أثار هلع الطلاب وغضب المدير الذي تعمد ضربه مجدداً وشتمه واتهامه بأنه يتظاهر بالموت". ويوضح رفيع الله أنه حاول وضع المياه في فم فرحان، لكنه لم يكن حيّاً. وبعد انتشار الخبر، هرع سكان المنطقة إلى المدرسة لنقله إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة، بينما هرب مدير المدرسة وابنه، وتمكنت عناصر الشرطة من اعتقال المدرّس قاري بخت أمين.
جديرٌ بالذكر أنها ليست الحادثة الأولى، حيث توفي طالب آخر في 30 مايو/ أيار 2025 نتيجة الضرب المبرح على يد مدير مدرسة في منطقة جمرود بمقاطعة خيبر القبلية في باكستان وتمكنت الشرطة من اعتقال المدير، لكن القضية اختفت مع مرور الأيام. وفي إبريل/ نيسان 2025 اعتقلت الشرطة مدرّساً في مدرسة دينية كان يضرب أحد الأطفال في فناء المدرسة، وقد وثّق أحد السكان المشهد بواسطة هاتفه، وأرسله إلى عناصر الشرطة، ما أدى لاعتقال المدرّس.
قضايا وناس
التحديثات الحية
جدل بعد وفاة طفل باكستاني في مركز للشرطة ومطالب بتحقيق العدالة
ويقول الناشط
الباكستاني
ذيشان الرحمن لـ"العربي الجديد" إن حوادث الضرب المبرح صارت نتيجة تكرارها "أمراً عادياً"، لكن الحادثة الأخيرة سلطت الضوء على ممارسات وأنواع تعذيب غير مألوفة، مثل وضع الفلفل على المقعد، الضرب على الجهاز التناسلي، وغيرها من الجرائم التي تمر وكأنها أحداث عابرة، وسط غياب إحصائيات دقيقة بشأن عدد الحوادث المماثلة، ما يحتّم على الحكومة والمؤسسات الإنسانية اتخاذ خطوات فاعلة وحاسمة حيال القضية.
ويذكر الرحمن أن المدارس الدينية المجانية تضمّ الآلاف من أبناء الفقراء الذين يعجزون عن تسجيل أولادهم في المدارس العصرية (غير الدينية)، لكن مثل هذه الحوادث تدفع أولياء الأمور إلى الإحجام عن تسجيل أطفالهم، ما يحرم شريحة كبيرة من أبناء باكستان من حق الدراسة والتعلم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 أيام
- العربي الجديد
حوادث الضرب في المدارس الدينية تقلق فقراء باكستان
تتكرّر حوادث وفاة طلاب المدارس الدينية المجانية في باكستان نتيجة الضرب المبرح، تاركة خلفها مآسيَ إضافية ترهق آلاف الفقراء وتهدد بتسرب مدرسي. وأثارت الحادثة الأخيرة غضباً عارماً ومطالبات بإصلاحات وبمعاقبة المتورطين. أعادت حادثة وفاة الطالب محمد فرحان (14 عاماً) داخل مدرسة دينية بمدينة وادي سوات شمال غربي باكستان، الجدل القائم بشأن المدارس الدينية في البلاد. وكان الطالب قد تعرض للضرب المبرح على يد مدير المدرسة وابنه وأستاذ آخر، وفق الروايات المتداولة، إذ لم يتوقفوا عن ضربه رغم غيابه عن الوعي، بذريعة "تخويف الطلاب الآخرين". وفي حين دعا كثيرون إلى إنزال أشد العقوبات بحق المتورطين، دعا آخرون إلى إصلاح منظومة المدارس الدينية والمناهج، وتحديد آلية تعامل المعلمين مع طلابهم. تقع المدرسة في مدينة خوازه خيله بوادي سوات، حيث أغلق السكان الطرق المؤدية إلى المدن الأخرى، وسط حالة من الغضب العارم، مطالبين الحكومة بـ"معاقبة الضالعين في حادثة القتل". ويقول تاج ولي، أحد سكان المنطقة خلال مشاركته في الاحتجاجات: "تناوب ثلاثة على ضرب الطالب النحيف الضعيف، وكأنهم يضربون الجدار، لم يكن فرحان قادراً على التحرك، ورغم ذلك واصلوا ضربه بوحشية". وينقل لـ"العربي الجديد" ما سمعه من الطلاب عقب حديثهم مع مسؤولين أمنيين، حيث علموا أن "الطالب حضر إلى المدرسة يوم الاثنين في 21 يوليو/ تموز 2025 بعد أن غاب لأيام. وفور دخوله، رحّب به المدرّس قاري بخت أمين، وانهال عليه بالضرب من الساعة الثانية بعد الظهر حتى مفارقته الحياة بعد صلاة المغرب، حيث تحول لون جسده إلى لون أسود". طلاب وشباب التحديثات الحية باكستان: المدارس الدينية تتهم الحكومة بعرقلة عملها ويطالب تاج ولي، حكومة باكستان بإعادة تنظيم المدارس الدينية، وتبنّي سياسة متشددة حيال المدرسين فيها، خصوصاً أن العائلات الفقيرة ترسل أطفالها إلى هذه المدارس كونها مجانية، توفر الطعام والشراب من دون أي تكلفة، لكن للأسف يتعرض الطلاب للانتهاكات وسوء المعاملة، والدليل وفاة الطالب فرحان، الذي قضى بطريقة مؤثرة"، مناشداً السلطات الأمنية اعتقال الجناة ومعاقبتهم. ويكشف قاري رفيع الله، أحد طلاب المدرسة، لـ"العربي الجديد"، أن زميله فرحان لم يتمكن من الحضور إلى المدرسة لأيام، كونه تعرض للضرب مرات عديدة، ويقول: "لم يشأ مواصلة التعلم في هذه المدرسة، لكن أسرته كانت تجبره على الذهاب. وعندما حضر، ضربه المدرّس قاري بخت أمين بشكل مبرح، وأدخله إلى غرفة المدير وأغلق الباب. كنا نسمع صراخه، لكن ما من أحد استطاع إنقاذه". ويضيف: "بعد ساعتين من الضرب، خرج الأستاذ أمين ودخل مدير المدرسة محمد عمر قاسم إلى الغرفة رفقة خمسة طلاب، أمسكوا فرحان من يديه وقدميه، وتولى المدير ضربه بواسطة السوط. بدايةً، كنا نسمع صراخه، لكن بعد فترة غاب عن الوعي. بعدها، حضر قاري محمد إحسان، ابن المدير، وقام بدوره بضرب فرحان، ما يعني أن الثلاثة تناوبوا على ضرب الطفل حتى ساعات المغرب، ولم يتمكن أحد من منعهم". قد يُحرم أبناء الفقراء من التعليم بسبب تجاوزات المدارس الدينية، باكستان، 6 نوفمبر 2021 (أندريس غوتيريز/ الأناضول) ويلفت رفيع الله إلى أن "الطلاب كانوا يقرؤون القرآن ويبكون ويدعون لخلاص فرحان من العذاب. لكن بعد صلاة المغرب، رُمي في فناء المدرسة وهو غائب عن الوعي، ما أثار هلع الطلاب وغضب المدير الذي تعمد ضربه مجدداً وشتمه واتهامه بأنه يتظاهر بالموت". ويوضح رفيع الله أنه حاول وضع المياه في فم فرحان، لكنه لم يكن حيّاً. وبعد انتشار الخبر، هرع سكان المنطقة إلى المدرسة لنقله إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة، بينما هرب مدير المدرسة وابنه، وتمكنت عناصر الشرطة من اعتقال المدرّس قاري بخت أمين. جديرٌ بالذكر أنها ليست الحادثة الأولى، حيث توفي طالب آخر في 30 مايو/ أيار 2025 نتيجة الضرب المبرح على يد مدير مدرسة في منطقة جمرود بمقاطعة خيبر القبلية في باكستان وتمكنت الشرطة من اعتقال المدير، لكن القضية اختفت مع مرور الأيام. وفي إبريل/ نيسان 2025 اعتقلت الشرطة مدرّساً في مدرسة دينية كان يضرب أحد الأطفال في فناء المدرسة، وقد وثّق أحد السكان المشهد بواسطة هاتفه، وأرسله إلى عناصر الشرطة، ما أدى لاعتقال المدرّس. قضايا وناس التحديثات الحية جدل بعد وفاة طفل باكستاني في مركز للشرطة ومطالب بتحقيق العدالة ويقول الناشط الباكستاني ذيشان الرحمن لـ"العربي الجديد" إن حوادث الضرب المبرح صارت نتيجة تكرارها "أمراً عادياً"، لكن الحادثة الأخيرة سلطت الضوء على ممارسات وأنواع تعذيب غير مألوفة، مثل وضع الفلفل على المقعد، الضرب على الجهاز التناسلي، وغيرها من الجرائم التي تمر وكأنها أحداث عابرة، وسط غياب إحصائيات دقيقة بشأن عدد الحوادث المماثلة، ما يحتّم على الحكومة والمؤسسات الإنسانية اتخاذ خطوات فاعلة وحاسمة حيال القضية. ويذكر الرحمن أن المدارس الدينية المجانية تضمّ الآلاف من أبناء الفقراء الذين يعجزون عن تسجيل أولادهم في المدارس العصرية (غير الدينية)، لكن مثل هذه الحوادث تدفع أولياء الأمور إلى الإحجام عن تسجيل أطفالهم، ما يحرم شريحة كبيرة من أبناء باكستان من حق الدراسة والتعلم.


العربي الجديد
منذ 5 أيام
- العربي الجديد
قبائل باكستان ترفض الانصياع لحظر التجوال الذي فرضه الجيش
رفضت القبائل الباكستانية الانصياع لحظر التجوال الذي فرضه الجيش في بعض مناطق الشمال الغربي، وخرج أفرادها بالآلاف متوجهين صوب المناطق التي فرض فيها الجيش الحظر، حاملين معهم مصاحف القرآن الكريم . كما عارضت الحكومة المحلية في إقليم خيبر بختونخوا، شمال غربي البلاد، قرار الجيش بشن عمليات عسكرية وفرض حظر التجوال في بعض المناطق. وكان الجيش الباكستاني قد أعلن منذ أمس الثلاثاء فرض حظر التجوال في جزء كبير من مقاطعة باجور القبلية، مع بدء عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المسلحين، كما يشن الطيران الحربي غارات مكثفة على المناطق. وقال عضو البرلمان، كل ظفر خان، الذي يقود الحراك القبلي ضد عمليات الجيش وإجراءاته الأخيرة، إن ثلاثة مدنيين قُتلوا حتى الآن، وأصيب أكثر من 20 آخرين بجراح جراء الغارات الجوية وسقوط صواريخ على الأحياء السكنية في مقاطعة باجور. وأضاف خان، في تصريح صحافي، أن الغارات الجوية ينفذها سلاح الجو على الأحياء السكنية، وفي مناطق لا يوجد فيها مسلحون، مطالبًا الجيش بوقف تلك العمليات التي تهدف فقط إلى إثارة الخوف والذعر في قلوب المواطنين. وأوضح أن الحراك القبلي الذي يتوجه صوب المناطق التي فُرض فيها حظر التجوال، يهدف إلى التأكيد على رفض الانصياع لأوامر الجيش. أخبار التحديثات الحية باكستان: حزب خان والزعامة القبلية تطلب من الجيش مغادرة منطقة القبائل ويتوجه آلاف من أبناء القبائل في مسيرات صوب الأحياء التي أعلن فيها الجيش حظر التجوال وبدء عملياته المسلحة، حاملين معهم مصاحف القرآن الكريم. وتُقاد هذه المسيرات من قبل زعماء قبليين، بالإضافة إلى كل ظفر خان، عضو البرلمان والقيادي في حزب "حركة الإنصاف" الذي يتزعمه عمران خان. كما أعلنت القبائل، بالإجماع، رفضها النزوح من المناطق القبلية، وعدم السماح للجيش بشن عمليات عسكرية فيها. وتُظهر مشاهد مصورة حدوث تفجيرات كبيرة داخل بعض أحياء باجور، نتيجة سقوط قنابل ألقتها الطائرات الحربية الباكستانية. في المقابل، أعلن الجيش الباكستاني مقتل 17 مسلحًا، بينهم قادة ميدانيون، في عمليته العسكرية في مقاطعة باجور القبلية، من دون أن يصدر أي تعليق بشأن ردود الفعل الشعبية. وفي غضون ذلك، أعلنت قبائل جنوب وزيرستان أيضًا رفضها الانصياع لقرار الجيش بفرض حظر التجوال في المقاطعة، ورفضت أي نوع من العمليات العسكرية. من جهتها، رفضت الحكومة المحلية في إقليم خيبر بختونخوا قرار الجيش فرض حظر التجوال أو شن عملية عسكرية. وقال رئيس وزراء الحكومة المحلية، علي أمين غندابور، إن أي قرار بشأن المناطق القبلية ومناطق الشمال الغربي هو من صلاحيات الحكومة المحلية، وإنها لم تقبل أي قرار من الحكومة المركزية أو الجيش دون التشاور معها. وكان حزب "حركة الإنصاف" وزعماء القبائل قد طالبوا الجيش الباكستاني بمغادرة منطقة القبائل في غضون 15 يومًا، مؤكدين أن وجود الجيش هو سبب استمرار أعمال العنف، وأن عودة القانون القبلي هو الحل الوحيد لاستتباب الأمن في المنطقة. كما طلبت القبائل من "طالبان باكستان" مغادرة المنطقة أيضًا.


العربي الجديد
٢٤-٠٧-٢٠٢٥
- العربي الجديد
ثناء على سناءين
اقتضى متطلب القافية المستخدمة في العنوان، استخدام اسم الناشطة سناء سيف الإسلام، تحية لنضال والدتها الدكتورة ليلى سويف، وقد أنهك إضراب كلي عن الطعام جسدها المثقل ببث وحزن على طفلها، وكل رجل يظل هكذا في عيني أمه حتى لو تزوج وأنجب، وصال وجال سياسياً وحقوقياً، حتى صار ملء السمع والبصر، كما ولدها الناشط علاء عبد الفتاح المغيب في سجون مصر، وهي للمفارقة ذات خصوصية تاريخية وكأن لها بعد قدري يتجاوز واقعنا المعاصر، فلم تذكر كلمة السجن ومشتقاتها في القرآن الكريم سوى عشر مرات؛ تسع منها في سورة يوسف وواحدة في سورة الشعراء، وفي الآيات كلها ارتبطت التفاصيل المروية بـ"أم الدنيا"، إن كانت في قصة النبي يوسف وحاله من الجب إلى الزنزانة أو النبي موسى بينما كان في مواجهة مع طغيان فرعون. خلف القضبان ذاتها لدى السناء الثانية ابن وزوج، أضناها فراقهما من بعد طفلتها الشهيدة أسماء التي أُزهِقت روحها بميدان رابعة العدوية ولم يزد عمرها وقتها عن 17 عاماً، إنها سناء عبد الجواد زوجة الدكتور محمد البلتاجي ووالدة أنس الموقوف قبل أكثر من 12 سنة، ووقتها لم يكن قد أتم عامه العشرين بينما تجاوز اليوم عمره 32 عاماً، ثلثه ضاع في السجون منتقلاً من قضية إلى أخرى، ولعمري لم أفهم يوماً كيف يمكن أن يشكل شاب على حداثة سنه كل هذا الخطر الذي يستدعي إلقاءه في غيابة الجب أو السجن فلن يفرق الوصف كثيراً، فالداخل مفقود والخارج مولود، وحبل الألم ممدود في حياة الأسرتين لم ينقطع خلال العشرية الماضية، وكل يوم تطالعنا الأنباء بما لا يسر، أحدثها ما أعلنته الوالدة والزوجة المكلومة عبد الجواد بخصوص "نقل شريك عمرها إلى المشفى بسبب الإضراب عن الطعام الذي يخوضه في محبسه مع آخرين احتجاجاً على ظروف الاحتجاز شديدة القسوة داخل زنزانة مغلقة 24 ساعة يومياً منذ ثمانية أعوام لم يروا فيها الشمس ولا ألوان السماء! لا يغادرونها إلا إلى المشفى في أصعب الظروف وإذا سمح لهم بذلك". لعلك لاحظت عزيزي القارئ أنني لم آت على ذكر انتماء العائلتين السياسي، لكن وما أهمية ذلك في بلد ماتت فيه السياسة، حتى عند السلطة التي لا تفرق بين من تصنفهم في خانة "الأعداء الداخليين"، كلهم منضمون إلى جماعة إرهابية، وينشرون أخباراً وبيانات كاذبة كما درجت الاتهامات على تصويرهم. وقبل أن تلقي بك الظنون يميناً أو يساراً، أسألك كم مرة منذ ثورة/انقلاب يوليو 1952، سمها ما شئت، شنت الدولة حملات بلا هوادة ضد معارضيها من مختلف التيارات وأخرجتهم من فضاء الجماعة الوطنية إلى حيز تخويني يفوق ما تصم به العدو الخارجي؟ ثم ما تلبث الأوضاع أن تتغير وينتهي الصراع أو سببه ومن أشعل ناره، لتختفي تلك اللغة الذميمة كما سيحدث مجدداً، بينما في الأثناء أعمار أفنيت وموارد أهدرت وسنوات من عمر الوطن أهدرت في "اللاشيء"، تضييعاً لزماننا بحسب التعبير السوداني الجميل في دقة وصفه، لكن الأهم من ذلك هو أن تفكر في حال هؤلاء حتى لا تتورط في "التواطؤ الأخلاقي" بصمتك أو غض بصرك وعقلك عن المخالفات المرتكبة، وفي هذا حماية لذاتك من أن تطاولك حتى لو اختبأت في جحر ضب، وعلى الأقل اسأل نفسك لماذا تضطر السلطة الأهلَ أو المسجونين إلى الحوار معها عبر أجسادهم الجائعة؟ لماذا لا تطبق قوانينها وفي لائحة السجون أو القانون الجنائي ما يغلق هذه الملفات وغيرها في ظل ما تصفه بمخططات خارجية تستهدف وجودها وتستدعي اصطفافاً ووحدة وطنية؟ حكماً لأنها غير مكترثة للداخل فعينها وعقلها مع الخارج، تلك هي "السلطة الصماء"، الجسد فيها موضوعاً لضرب المثل، كسراً لإرادة الفرد الخارج عن طاعتها إخضاعاً له وضماناً للهيمنة على المجتمع الخائف وما التشريعات والقوانين إلا غطاء وظيفي يضمن كل ما سبق، وهذا ما فهمه هؤلاء المضربون عن الطعام فكان خيارهم تحرير الجسد من الألم الممارس بحقهم وتفعيله أداة مقاومة وتحد صامتة، في استعادة لتراث نضالي يمتد إلى عهود سابقة، مفاده أن "خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً" والقول للزعيم أحمد عرابي في وقفته الشجاعة كما سيدات أسرة المناضل والحقوقي الراحل سيف الإسلام عبد الفتاح وزوجة الدكتور البلتاجي وغيرهن من الكثيرات المنافحات عن حقوق مسلوبة، ولا أجد وصفاً لهن أروع من شعر سيد حجاب، في شارة بداية مسلسل "الوسية" وتعني الكلمة بالعامية المصري، الأرض المملوكة لإقطاعي يستعبد الفلاحين، فكان أن نصحهم الشاعر هم وكل من يعاني التسلط قائلاً: "عيش يابن آدم بكر زي الشجر، موت وانت واقف زيه فى مطرحك، ولا تنحني لمخلوق بشر أو حجر، وشب فوق مهما الزمان جرحك". هكذا فعلن في تجسيد لمعنى كلمة السناء في اللغة وهو الضوء الساطع، والإشراق، والرفعة، والشرف، وهي معان لا تقف عند الحالتين المذكورتين فقط في هذا المقال، وإن كانتا من بين الأكثر شهرة خاصة أنهم يسعون للتضامن مع غيرهم والدفاع عمن لا صوت لهم، فالمصائب تجمع المصابين ومواقع التواصل ممتلئة بقصص تعكس شجاعة المرأة المصرية سواء كانت زوجة أو ابنة أو شقيقة أو أماً لمعتقل، تجدهن قابضات على الجمر، بعضهن نعلمهن وأخريات من دونهن الله يعلمهن، وكلهن يروين عذابات ذويهن داخل سجون مصر التي كلما توقعنا أنها قد امتلأت وجدناها تسأل هل من مزيد؟!.