logo
إغتيال للبحر الأبيض المتوسط... وموسم السباحة مرهون بالنفايات

إغتيال للبحر الأبيض المتوسط... وموسم السباحة مرهون بالنفايات

الديار٢٤-٠٤-٢٠٢٥

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
أزمات هذا البلد كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأسوأ تلك الأزمات ما يمس بصحة الإنسان ويهدد حياته. وتعتبر أزمة النفايات من الأزمات القديمة الجديدة، حيث يعاني لبنان من تلك الأزمة منذ عقود، وهي تعد واحدة من أبرز الملفات العالقة، والتي فشلت الحكومات المتعاقبة على مر سنوات طويلة في وضع حد لها، لأسباب عديدة منها الإهمال وعدم تحمل الحكومات لمسؤولياتها، بسبب الكيد السياسي والطائفي المتأصل في مفاصل الدولة اللبنانية، وعدم سنها قوانين تحمي البيئية والثروة المائية.
لم يعد خافياً على أحد أن نسبة التلوث في لبنان باتت مرتفعة جداً، والتلوث البيئي حاصل على مختلف الأصعدة من تلوث الهواء إلى تلوث المياه والشواطئ. وتعتبر النفايات البحرية في لبنان أزمة بيئية متفاقمة، تهدد النظام البيئي البحري والصحة العامة. فوفق تقارير نشرها البنك الدولي، أظهرت الدراسات "أن النفايات البحرية موجودة على طول الشواطئ اللبنانية، مع تركزها في المناطق الحضرية مثل طرابلس وصيدا"، وذكرت البيانات "أن البلاستيك يشكل 76% من النفايات البحرية، بما في ذلك الأغطية البلاستيكية، والزجاجات، وفتات البلاستيك، وفتات السجائر".
يشار إلى أن لبنان احتل المرتبة الأولى بأعلى نسبة تلوث بـ89.4 نقطة، في مؤشر التلوث لعام 2025، ويتجلى ذلك في تفاقم حالات السرطان والأمراض التنفسية.
أكثر من 82% من النفايات البحرية مصدرها الأنشطة البرية، مثل النفايات غير المجمعة في المدن، والتخلص العشوائي بالقرب من مصبات الأنهار، والنفايات التي يتركها الزوار على الشواطئ، هذا ما أكده مؤسس ورئيس "جمعية الأرض- لبنان" والمنسق والمدرب في مجال التربية البيئية بول أبي راشد لـ "الديار"، حيث اشار الى أن "20% من النفايات مصدرها السفن والصيد البحري، لذا يجب معالجة المشكلة من المصدر، فالبحر امتلأ بالنفايات، وهذا ينعكس سلبا على الثروة المائية والبحرية التي يحتاج اليها الإنسان بحياته".
يذكر أن البحر الأبيض المتوسط يتميز بالتنوع البيولوجي، ويمثل أقل من 1% من إجمالي سطح المياه، ولا تتجدد مياهه إلا مرة واحدة كل 80 سنة تقريباً، فهو يحتوي على 11% من أنواع الكائنات البحرية في العالم، لكنه من أكثر البحار تلوثاً على مستوى العالم.
وأضاف أبي راشد "أن معالجة النفايات من خلال المطامر البحرية تعد من أسوأ الحلول"، مشيراً إلى "وجود مكبات مباشرة بالبحر، كالمكب الموجود في مدينة صور بجانب مخيم الراشدية، ومكب صيدا وطرابلس و مكب برج حمود، ومكب الجديدة والكوستابرافا الذي أوجد في عام 2016، إضافة إلى المكبات التي توجد على ضفاف الأنهر".
وأكد "أن مياه الأمطار تجرف النفايات إلى الأنهر ومنها إلى البحر، مما يؤدي إلى كارثة بيئية اسمها ميكروبلاستيك التي تدخل إلى باطن الأسماك، وبدورها تدخل إلى الدورة الغذائية للإنسان، إضافة إلى الملح المستخرج من البحر، مما يعني أننا نحن امام كارثة حقيقية بسبب الاستسهال برمي النفايات في البحر".
وقد بينت الدراسات أن البحر الأبيض المتوسط يحتوي على أكثر من 200 ألف طن بلاستيك كل عام، ويقدر أن البلاستيك المتراكم فيه بحوالى 1.200.000 طن، بحسب ما أكد أبي راشد اذ يقول "إذا بقي الوضع على ما هو عليه من رمي للنفايات، تتوقع الدراسات أنه بحلول عام 2050 ستكون نسبة البلاستيك في مياه البحر أكثر من نسبة الاسماك. فهذه العملية تسمى عملية اغتيال البحر الأبيض المتوسط".
ويقدر أن حوالى 3.1 كغ من النفايات البلاستيكية لكل شخص سنوياً، تتسرب من أنظمة إدارة النفايات الصلبة إلى البيئة البحرية، وهو معدل أعلى بست مرات من المعدلات في الأنظمة الفعالة. وفي دراسة حديثة تبين وجود تراكيز عالية من الميكروبلاستيك في رواسب السواحل اللبنانية، تتراوح بين 0 و4500 جزيء لكل كغ من الرواسب الجافة، مما يشير إلى تلوث متزايد قد يؤثر في الحياة البحرية وصحة الإنسان.
الوكالة الأوروبية للبيئة أشارت إلى أن أكثر من 65% من المخزون السمكي في المنطقة، يعتبر خارج الحدود البيولوجية الآمنة، وإن بعض أسماك الصيد المهمة مهددة. كما نشرت منظمة "غرينبيس" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقريراً يكشف عن أن كمية التونة في البحر المتوسط، انخفضت بنسبة تزيد على 80% في السنوات الـ 20 السابقة.
النفايات البحرية لا تؤثر فقط في التنوع البيولوجي في البحر وصحة الإنسان، بل تؤثر أيضا في السياحة وخصوصا أننا على أبواب افتتاح موسم السباحة. وفي هذا السياق، أشار أبي راشد إلى "أن نجاح موسم سباحة مرهون بالحد من رمي النفايات في المكبات البحرية والمكبات العشوائية على ضفاف الأنهر، فالنفايات الموجودة في مياه البحر تنقلها التيارات البحرية من مكان إلى آخر، وخاصة جزئيات البلاستيك "الميكروبلاستك" التي تجعل السباحة غير مرغوب فيها، إضافة إلى الملوثات غير المنظورة التي تنزل بما يسمى عصارة النفايات، التي تتسرب من النفايات الموجودة في المكبات البحرية".
ويعتمد قطاع السياحة في لبنان بشكل كبير على الشواطئ لجذب الزوار، وتلوث المناطق الساحلية يشوه صورة البلاد ويقلل من إمكاناتها السياحية، وتشمل العواقب الاقتصادية للشواطئ الملوثة انخفاض عدد السياح الوافدين، وفقدان عائدات المنتجعات الشاطئية، والآثار السلبية في الشركات المحلية التي تعتمد على الأنشطة المتعلقة بالسياحة.
وأعلن المجلس الوطني للبحوث العلمية نتائج المركز الوطني لعلوم البحار، بخصوص المسوحات البحرية البكتيريولوجية لـ 37 موقعاً جغرافياً على طول الشاطئ اللبناني من عكار وصولاً الى الناقورة، مشيرا إلى وجود 26 موقعاً بحرياً مصنفاً جيداً إلى جيد جداً وصالحا للسباحة.
"ملف النفايات أزمة متجددة على المستوى اللبناني، بسبب غياب الرؤية الواضحة عند الحكومة ووزارة البيئة لمعالجة هذا الملف الشائك، فالحلول لتعزيز البيئة وتنظيفها من النفايات التي تفتك بها، تتمثل بضرورة احترام الاتفاقية المتعلقة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث، والمعروفة باتفاقية برشلونة التي وقع عليها لبنان عام 1977، كما وقعت عليها العديد من الدول الهادفة إلى حماية البيئة البحرية والساحل"، بحسب ما أكد أبي راشد، "إضافة إلى تقييم ومراقبة التلوث وضمان الإدارة المستدامة للموارد البحرية والساحلية، ودمج البيئة في التنمية الاقتصادية الاجتماعية، حماية الإرث الطبيعي والثقافي، وتعزيز التضامن بين البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط".
وطالب ابي راشد الدولة اللبنانية "بوضع خطة مستدامة لإدارة النفايات تلتزم بالهرم التسلسلي العالمي، وترتكز على التخفيف وإعادة استخدام والفرز من المصدر، من أجل التدوير والتسبيخ واسترداد الطاقة والتخلص من العوادم بطرق بيئية وصحية"، كما طالب البلديات "بتأمين نقاط لتجميع النفايات المفرزة بحسب مرسوم الفرز من المصدر الذي صدر عام 2019، والذي يحدد الوان مستوعبات الفرز".
ورأى ان "الحل يبدأ مع كل مواطن بتغيير عاداته اليومية، كاستخدام أكياس القماش بدلا من البلاستيك، شراء الحاجيات ذات الحجم الكبير للتخفيف من التغليف البلاستيكي الفردي، وعدم استعمال المنتجات ذات الاستخدام الواحد".
يذكر أنه في عام 2019 أطلقت حملة وطنية لتنظيف الشاطئ اللبناني وبحره من النفايات، تحت عنوان "نظف سمعتنا"، وشملت 120 موقعا تم تحديدها من قبل وزارة البيئة . ورغم المشاركة الكبيرة التي حظيت بها هذه الحملة، إلا أنها قوبلت بالكثير من الانتقادات، بسبب الهدف الذي انطلقت منه، وهو تنظيف سمعة اللبنانيين، ليأتي الرد من ائتلاف إدارة النفايات في بيان لهم، تحت عنوان "لننظف صحتنا قبل سمعتنا"، على اعتبار أن صحة اللبنانيين أهم من سمعتهم.
وتجدر الاشارة الى ان لبنان يلتزم بعدم الإضرار بالبيئة البحرية بموجب اتفاقيتين دوليتين، هما: اتفاقية برشلونة التي تهدف إلى حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث، وتحظر الأنشطة التي قد تؤدي إلى تدهور البيئة البحرية، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تلزم الدول بحماية البيئة البحرية ومنع التلوث الناتج من الأنشطة البشرية. كما أطلق لبنان عام 2023 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، بتمويل من وزارة البيئة الألمانية بنحو 4.5 مليون يورو، مشروع "الحد من تلوث بحر المتوسط، عبر تعزيز الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة في المدن الساحلية الذكية"، المعروف باسم "رمال".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

معدلات الخرف تسجّل ارتفاعًا ملحوظًا... والعلماء يشرحون الأسباب
معدلات الخرف تسجّل ارتفاعًا ملحوظًا... والعلماء يشرحون الأسباب

LBCI

timeمنذ 2 أيام

  • LBCI

معدلات الخرف تسجّل ارتفاعًا ملحوظًا... والعلماء يشرحون الأسباب

أجرى العلماء دراسةً مذهلةً على الدماغ البشري للاطلاع على الأسباب المؤدية إلى تفاقم مرض الخرف في الولايات المتحدة الأميركية، وفق ما نقل موقع " ديلي ميل" البريطاني. وفي التفاصيل، حلل العلماء أنسجة دماغية واكتشفوا أن كل عينة تحتوي على جسيمات بلاستيكية دقيقة، تعادل كتلتها ملعقة بلاستيكية كاملة. وشملت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة قطع بلاستيكية صغيرة وملوثة، غير قابلة للذوبان في الماء ويمكن أن تتراكم في الجسم. ووجد الباحثون أن الأفراد الذين شُخِّصوا بالخرف أظهروا ما يصل إلى عشرة أضعاف من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في أنسجة دماغهم مقارنةً بمن لا يعانون من هذه الحالة. وعلى الرغم من أن الدراسة لا تربط بينهما بشكل مباشر، إلا أنها كشفت عن علاقة بين تراكم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والاضطرابات العصبية. وأكد البروفيسور ماثيو كامبن على ضرورة فهم كيفية اختراق هذه الجسيمات للحواجز الواقية للدماغ، وما قد تسببه من ضرر مع مرور الوقت. وأضاف البروفيسور كامبن أن مستويات البلاستيك الدقيق في الدماغ البشري قد زادت بنسبة 50% خلال السنوات الثماني الماضية، ما يعكس الارتفاع العالمي في تلوث البلاستيك. وبينما لا يزال العلماء يبحثون في التأثير المباشر للبلاستيك الدقيق على صحة الإنسان، أظهرت الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أنه يؤدي إلى تغيرات سلوكية، ضعف الذاكرة وانخفاض التنسيق الحركي. وكانت أكثر أنواع البلاستيك شيوعًا التي تم تحديدها في عينات الدماغ البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، ومن المرجح أن تخترق الجسيمات الدماغ عبر الأطعمة والمشروبات الملوثة.

تلوث المحيطات بالبلاستيك.. التكلفة الحقيقية
تلوث المحيطات بالبلاستيك.. التكلفة الحقيقية

شبكة النبأ

timeمنذ 5 أيام

  • شبكة النبأ

تلوث المحيطات بالبلاستيك.. التكلفة الحقيقية

اقتصاداتنا على أعتاب انقلاب عظيم في وقت حيث أصبحت الحاجة إلى كوكب صالح للسكنى وموفور الصحة أمرا لا مفر منه. إن تجاهل أو حتى إنكار الواقع الاقتصادي الذي تفرضه حالة الطوارئ البيئية الحالية سيكون أشبه بالتعامي عن اعتماد الأنشطة البشرية الوثيق على بيئة مستقرة ومواتية. العمل مع الطبيعة... باريس ــ في سبعينيات القرن العشرين، أصبحت مشكلة التلوث البحري بالمخلفات البلاستيكية ظاهرة بوضوح لأول مرة. وخلال نصف القرن الذي مضى منذ ذلك الحين، أصبحت المشكلة متزايدة الانتشار، كما أثبتت البعثات العلمية التي أدارتها مؤسسة تارا للمحيطات " Tara Ocean Foundation" (التي أشغل منصب مديرها التنفيذي). تتمثل الأعراض الأشد وضوحا في قطع الحطام الضخمة، مثل شباك الصيد، وآثارها الكارثية على الحياة البحرية. تشير التقديرات إلى أن هذه النفايات تقتل أكثر من مليون طائر بحري وأكثر من 100 ألف من الثدييات البحرية سنويا، غالبا بسبب التشابك أو الاختناق، كما أنها تعزز نقل الأنواع الغازية، على نحو يؤدي إلى إشعال شرارة تأثير متتال يهدد النظم البيئية التي تضطلع فيها بدور محوري. قد تكون المواد البلاستيكية الدقيقة أقل وضوحا، لكنها أكثر انتشارا، حيث يُـعثَـر عليها في أعمق أخاديد المحيطات وأنواع الحياة البحرية كافة. من الممكن أن تعمل المواد البلاستيكية الدقيقة، بين أمور أخرى، على تعديل المجتمعات البكتيرية والفيروسية ونشر سموم كيميائية في السلاسل الغذائية (غالبا بعد أن تبتلعها الكائنات البحرية). بعض هذه السموم، مثل الفثالات، ترتبط بكيمياء المواد البلاستيكية، في حين يمتص البلاستيك بعضها الآخر، مثل المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة، قبل أن تصل إلى المحيط وتدخل السلسلة الغذائية. خضعت الكيفية التي تتفاعل بها هذه المواد السامة مع البلاستيك لكثير من الدراسات. يتألف البلاستيك من مونومرات (أحاديات القسيمة) جرى ربطها كيميائيا لتكوين سلاسل طويلة من البوليمرات ــ الإيثيلين، والستايرين، والبروبيلين لتصبح بولي إيثيلين، وبولي ستيرين، وبولي بروبيلين. لكن عملية البلمرة تكون غير كاملة غالبا، وتشكل بعض المونومرات غير المتبلمرة التي تبقى في البلاستيك، مثل الأنواع المختلفة من الستايرين وثنائي الفينول، مخاطر بيئية وصحية كبرى. علاوة على ذلك، تُـدمَج إضافات كيميائية أخرى، بما في ذلك الملدنات، والمواد المالئة، والملونات، ومثبطات اللهب، ومضادات الأكسدة، في تركيبات البوليمر لتعديل خواصها. وترتبط مواد مضافة على نحو غير مقصود (NIAS) ــ شوائب، ومواد خام مستخدمة في التصنيع، والمنتجات الثانوية، ونواتج التحلل ــ بالبلاستيك النهائي. في معظم الحالات، ولأن المونومرات الحرة، والمواد المضافة، والمواد المضافة على نحو غير مقصود، تكون عالقة ببساطة داخل سلاسل البوليمر المتشابكة، بدلا من أن ترتبط بها كيميائيا، فمن المرجح أن تتسرب أثناء إنتاج البلاستيك واستخدامه والتخلص منه، فتنتقل إلى السوائل، والغازات، والمواد الصلبة. حتى وقتنا هذا، جرى تحديد 16 ألفا من هذه الجزيئات، لكن التأثيرات التي تخلفها لا تزال غير معروفة بالكامل، وكذا سميتها، والتي قد تتغير اعتمادا على كيفية دمجها. ما نعرفه هو أن ربع الجزيئات المعروفة تشكل خطرا على صحة الإنسان أو البيئة من خلال تعطيل العمليات الكيميائية الحيوية في الكائنات الحية. إن وقف تدفق الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والملوثات السامة إلى المسطحات المائية في العالم مهمة شاقة. ومع ذلك، يحاول العلماء القضاء على هذه المشكلة. على سبيل المثال، أمضت بعثة تارا يوروبا (Tara Europa)، بالتنسيق مع مختبر البيولوجيا الجزيئية الأوروبي وأكثر من سبعين مؤسسة علمية في القارة، العامين الماضيين في التحقيق في الكيفية التي تشق بها هذه المواد الخطرة طريقها إلى البحار والمحيطات المتاخمة لأوروبا. وتعتزم البعثة مشاركة النتائج التي توصلت إليها قريبا. لكن توليد النفايات السامة والحطام ليس الطريقة الوحيدة التي قد يلحق بها البلاستيك الضرر بصحة المحيطات. كانت صناعة البلاستيك محركا رئيسيا لتغير المناخ، حيث تمثل ما يقدر بنحو 3.4% من غازات الانحباس الحراري على مستوى العالم. وقد أصبح إنتاج البلاستيك على المسار إلى المساهمة في 15% من الانبعاثات من غازات الانحباس الحراري بحلول عام 2050، لتتفاقم ظاهرة الانحباس الحراري الكوكبي وبالتالي تتزايد المخاطر التي تهدد الحياة البحرية، الحساسة لارتفاع درجات حرارة المياه. لأن البلاستيك يتسبب في تدهور المحيط الحيوي بأكمله، وليس المحيط البحري فحسب، فإن المشكلة ليست مشكلة نفايات يمكن حلها من خلال جهود إعادة التدوير التي يبذلها عدد قليل من المواطنين المهتمين بالاستدامة. إنها أزمة جهازية تتطلب حلا على مستوى الاقتصاد بالكامل. وهنا يتمثل نهج أفضل في فهم البلاستيك على أنه أحد "الكيانات الجديدة" التي يجوز لها أن تتسرب إلى البيئة، وهي وجهة النظر التي صيغت في مستهل الأمر في مركز ستوكهولم للمرونة (Stockholm Resilience Centre) في عمله حول الحدود الكوكبية، ثم أقرتها الأمم المتحدة في وقت لاحق. ومع التسليم باستحالة تحديد عتبة دقيقة للضرر، فإن هذا النهج يسلط الضوء على الحاجة إلى الحد بشكل كبير من استخدام البلاستيك. تشير الأبحاث إلى أن خفض الإنتاج العالمي من البلاستيك إلى النصف، بتكلفة يكاد يكون من المؤكد أنها أقل من تكلفة التقاعس عن العمل، سيكون مجديا على المستوى الاقتصادي. ولكن، وفقا لدراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، لن يكون حتى هذا الخفض كافيا للحد من الانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الهدف الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ. بدلا من ذلك، وجدوا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تخفيض إنتاج البلاستيك بنسبة 75% مقارنة بعام 2015، عندما أُقِـرَّت الاتفاقية. تتطلب معالجة هذه الأزمة العالمية بالسرعة اللازمة حشد الاستثمارات والدعم للحد من إنتاج المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وزيادة عمر الأشياء البلاستيكية من خلال التنظيم، وتشجيع إعادة الاستخدام والقابلية للإصلاح. في حين قد يكون من المغري الارتكان إلى حلول قصيرة الأجل، مثل الاستعاضة عن العبوات البلاستيكية بمواد أخرى يمكن التخلص منها مثل الورق، والكرتون، والألمنيوم، والصلب، والزجاج، فإن الهدف لا يجب أن يكون مجرد تخفيف أعراض المرض الأساسي. إن اقتصاداتنا على أعتاب انقلاب عظيم في وقت حيث أصبحت الحاجة إلى كوكب صالح للسكنى وموفور الصحة أمرا لا مفر منه. إن تجاهل أو حتى إنكار الواقع الاقتصادي الذي تفرضه حالة الطوارئ البيئية الحالية سيكون أشبه بالتعامي عن اعتماد الأنشطة البشرية الوثيق على بيئة مستقرة ومواتية. الواقع أن العمل مع الطبيعة وليس ضدها يتطلب نقلة نوعية، وهذه النقلة تبدأ بالمواد البلاستيكية. * رومان تروبلي، المدير التنفيذي لمؤسسة تارا أوشن.

البلاستيك يؤثّر على صحّتك.. بطريقة غير متوقّعة!
البلاستيك يؤثّر على صحّتك.. بطريقة غير متوقّعة!

MTV

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • MTV

البلاستيك يؤثّر على صحّتك.. بطريقة غير متوقّعة!

كشفت دراسة علمية حديثة أن المواد الكيميائية الموجودة في المنتجات البلاستيكية التي نتعامل معها يوميا قد تعبث بساعتنا البيولوجية بنفس الطريقة التي يفعلها فنجان القهوة الصباحي. هذه النتائج المقلقة تفتح الباب أمام فهم جديد لكيفية تأثير البلاستيك على صحتنا بطرق لم نكن نتصورّها من قبل. وقام فريق بحثي من النروج بتحليل مواد كيميائية مستخلصة من أنابيب طبية وحقائب ترطيب رياضية مصنوعة من بولي كلوريد الفاينيل أو كما يعرف أيضا بكلوريد متعدد الفينيل (PVC) والبولي يوريثان (PUR)، وهي مواد تدخل في صناعة عدد لا يحصى من المنتجات التي تحيط بنا يوميا، بدءا من لعب الأطفال ووصولا إلى أثاث المنزل وعبوات الطعام. وما اكتشفوه كان مثيرا للقلق حقا: هذه المواد الكيميائية قادرة على تعطيل الإشارات الخلوية المسؤولة عن تنظيم ساعتنا الداخلية بما يصل إلى 17 دقيقة. ويقول البروفيسور مارتن فاغنر، الباحث المشارك في الدراسة من المعهد النرويجي للعلوم والتكنولوجيا: "الساعة البيولوجية هي نظام دقيق للغاية يحكم كل شيء في أجسامنا، من وقت النوم إلى عمليات التمثيل الغذائي. أي خلل فيها قد يفتح الباب أمام مشاكل صحية خطيرة". وأضاف أن هذه النتائج تضيف قطعة جديدة إلى أحجية الآثار الصحية الواسعة للمواد البلاستيكية التي بدأنا نكتشفها فقط في السنوات الأخيرة. وسلّطت الدراسة التي نشرتها مجلة Environmental International المتخصصة، الضوء على آلية جديدة تماما لتأثير البلاستيك على صحتنا. فبينما ركزت الأبحاث السابقة على تأثير المواد البلاستيكية على النظام الهرموني، كشفت هذه الدراسة عن طريق بيولوجي مختلف تماما: مستقبلات الأدينوزين في الخلايا، وهي المحطة الرئيسية التي تنظم إيقاع الساعة البيولوجية في الجسم. تكمن المفارقة في التشابه الغريب بين تأثير الكافيين وتأثير المواد البلاستيكية، رغم اختلاف آلية العمل. فبينما يعمل الكافيين على تعطيل مستقبلات الأدينوزين لإبقائنا مستيقظين، تعمل المواد الكيميائية البلاستيكية على تنشيط هذه المستقبلات بطريقة خاطئة تؤدي إلى نفس النتيجة: تعطيل الساعة البيولوجية وإرباك النظام اليومي للجسم. لكن الأسوأ من ذلك، كما يوضح فاغنر، هو أن تأثير هذه المواد الكيميائية يظهر بسرعة أكبر بكثير من تأثيرها على الهرمونات، ما يعني أن الضرر قد يبدأ في وقت أقرب مما كنا نعتقد. ورغم أن التغيير في توقيت الساعة البيولوجية قد يبدو بسيطا (15-17 دقيقة)، إلا أن العلماء يؤكدون أن هذا الانزياح الزمني الصغير قد يكون كافيا لإرباك النظام الدقيق الذي يحكم صحتنا. والتحدي الأكبر الذي يواجه الباحثين هو التعقيد الشديد لتركيبة البلاستيك. فمادة الكلوريد متعدد الفينيل (PVC) وحدها قد تحتوي على أي من 8000 مادة كيميائية مختلفة، بعضها غير مضاف عمدا، وإنما هو نتاج ثانوي لعمليات التصنيع. وهذا التعقيد يجعل من الصعب تحديد المواد المسؤولة بالضبط عن هذا التأثير، وهي مهمة تحتاج إلى مزيد من الأبحاث. وتتمثل الخطوة التالية للفريق البحثي في دراسة التأثير على أسماك الزرد، التي تشترك مع البشر في عدد من العمليات الفسيولوجية، لتوفير الأدلة العلمية الكافية لدفع صناع القرار إلى فرض قوانين أكثر صرامة، وإقناع الشركات المصنعة بإعادة تصميم منتجاتها البلاستيكية لتكون أكثر أمانا. هذه الدراسة ليست مجرد تحذير آخر من أخطار البلاستيك، بل هي دليل جديد على أننا ما زلنا في بداية الطريق لفهم المدى الكامل لتأثير هذه المواد على صحتنا. كما تذكرنا بأن الحل الجذري لا يكمن في تجنب البلاستيك - وهو أمر شبه مستحيل في عالمنا الحديث - بل في إعادة اختراعه بشكل أساسي ليكون آمنا للاستخدام البشري.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store