logo
تركيا بعد 9 سنوات على محاولة الانقلاب الفاشلة

تركيا بعد 9 سنوات على محاولة الانقلاب الفاشلة

الجزيرةمنذ 12 ساعات
تمرّ علينا الذكرى السنوية لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016، وقد ترسخت هذه اللحظة في الذاكرة الوطنية التركية بوصفها منعطفًا مصيريًا شكّل علامة فارقة في التاريخ السياسي الحديث لبلادنا.
لم تكن تلك الليلة مجرد مواجهة بين الدولة والانقلابيين، بل كانت ملحمة تجسّدت فيها الإرادة الشعبية في أبهى صورها، وارتقى فيها وعيُ المواطنين إلى مستوى من النضج والمسؤولية جعلهم شركاء مباشرين في الدفاع عن الديمقراطية والدستور ومؤسسات الدولة الشرعية.
لقد باتت ذكرى هذا اليوم الخالد مَعْلمًا بارزًا تتجدد فيه قيم الولاء للوطن، والتصميم على حماية المكتسبات الديمقراطية مهما تعاظمت التحديات.
لقد انبعثت في تلك الليلة روحٌ جديدة في الجسد السياسي التركي، روحٌ تؤمن بأن مصدر الشرعية لا يمكن أن يكون إلا الإرادة الشعبية، وبأن أي انقلاب على هذه الإرادة لا مكان له في تركيا الحديثة، بما يمثل قطيعة أبدية مع حقبة الانقلابات العسكرية.
اللحظات الصعبة حين تشق طريق الأمل الفسيح
في مساء ذلك اليوم العصيب، تحركت مجموعة داخل القوات المسلحة مرتبطة بمنظمة "فيتو"، في محاولة لإسقاط الحكومة المنتخبة، وفرض واقع سياسي بقوة السلاح. لكن ما ميّز هذه المحاولة عن انقلابات سابقة في التاريخ التركي هو الرد الشعبي الهائل والفوري الذي أحبط مخططات الانقلابيين في ساعات معدودة.
نزل الملايين من المواطنين إلى الميادين والساحات، وواجهوا الدبابات بصدورهم العارية، حاملين عَلَم تركيا دون أن يترددوا في الدفاع عن الشرعية مهما كان الثمن.
لقد برهنت تلك الليلة على مدى عمق الارتباط بين القيادة السياسية والشعب، حيث قاد الرئيس، رجب طيب أردوغان، المواجهة بنفسه منذ اللحظة الأولى، داعيًا عبر اتصال مباشر بالشعب إلى النزول إلى الشوارع للدفاع عن الديمقراطية. لم تكن تلك لحظة سياسية تقليدية، بل لحظة تأسيس لعهد جديد؛ عهد لا تُفرض فيه الإرادة من فوق، بل تُبنى من القاعدة الصلبة المتمثلة في وعي المواطن ويقظته الوطنية.
كان هذا الانقلاب الفاشل اختبارًا حقيقيًا لصلابة النظام الديمقراطي التركي، لكنه في الوقت نفسه شكّل بداية مرحلة جديدة من البناء السياسي والاجتماعي، حيث لم تكتفِ الدولة بإفشال المحاولة، بل شرعت في مراجعة شاملة لمنظومة الأمن والدفاع، وأطلقت مسارًا طويلًا لتقوية المؤسسات وحماية الدولة من الداخل.
وبعد تجاوز المحاولة الانقلابية مباشرة، كان واضحًا أن إفشال الانقلاب لا يعني فقط إسقاط المخطط العسكري، بل يستدعي بالضرورة تفكيكًا شاملًا لبنية المنظمات الإرهابية، ومعالجة الثغرات التي حاول المتآمرون التسلل من خلالها.
بدأت تركيا في تنفيذ إصلاحات جذرية شملت أجهزة الأمن والدفاع والعدالة، بهدف تحصين الدولة من الاختراقات، وضمان ولاء المؤسسات للدستور وللشعب. تم تفكيك البنية التنظيمية التي أقامتها "فيتو" داخل المؤسسات الرسمية، وسُنّت تشريعات جديدة؛ لضمان الشفافية والمساءلة، وتطوير معايير التوظيف داخل أجهزة الدولة بما يمنع تكرار التجربة المؤلمة.
وفي التعليم داخليًا، أعادت الدولة التركية هيكلة قطاع التعليم عبر ضمّ المؤسسات التي كانت تحت سيطرة منظمة "فيتو" إلى وزارة التربية الوطنية، ما عزز السيادة التعليمية ومكّن من استعادة السيطرة الكاملة على البنية التحتية التربوية.
أما خارجيًا، فقد برزت "مؤسسة المعارف التركية" كفاعل دولي في مجال التعليم، إذ تولّت إدارة المدارس التي كانت تستغلها "فيتو" في عدة دول، ووسّعت أنشطتها لتشمل 517 مؤسسة تعليمية في 55 دولة، ضمن علاقات رسمية مع 108 دول، مقدّمة التعليم لأكثر من 40 ألف طالب.
كما شهدت السلطة القضائية إصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز استقلاليتها المهنية، وتحديث بنيتها لتكون أكثر كفاءة وعدالة في تطبيق القانون. وشكلت هذه الإصلاحات العمق المؤسسي الذي دعّم إعادة بناء العقد الاجتماعي في تركيا على أسس جديدة من الثقة والمساءلة.
في موازاة ذلك، تعزز دور المجتمع المدني بوصفه شريكًا في حماية الديمقراطية. اتسعت مساحة النقاش العام، وتعددت المنابر الإعلامية، وتجدد الحراك الفكري والسياسي في بيئة أكثر وعيًا بحساسية المرحلة، حيث أدرك المواطنون أن حماية النظام الديمقراطي ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية مجتمعية عامة، تتطلب يقظة دائمة وحسًا نقديًا بناءً.
تركيا ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة
واليوم، بعد مرور تسع سنوات على تلك الليلة العصيبة، يمكن القول إن تركيا قد دخلت مرحلة جديدة من التوازن السياسي والازدهار التنموي.
لقد أسفرت جهود الدولة عن تحقيق استقرار سياسي ملحوظ، تمثل في الحفاظ على مؤسسات منتخبة فاعلة ضمن الأطر الدستورية، إلى جانب تطوير منظومة الحكم المحلي، وتعزيز كفاءة الإدارة العامة.
على الصعيد الاقتصادي، استطاعت تركيا مواجهة تحديات كبرى- من جائحة عالمية إلى أزمات إقليمية متلاحقة- دون أن تفقد زخم نموها أو تضحّي بأهدافها الإستراتيجية.
استقر نمو الناتج المحلي الإجمالي عند 5.1% في 2023، قبل أن يعتدل إلى 3.2% في 2024 فوق التوقعات المُعدّلة، مما يعكس قدرة الاقتصاد التركي على التكيّف مع التحديات العالمية. وفق تقديرات 2025، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة تقارب 3.0- 3.1%، مدفوعًا بالإصلاحات النقدية والمالية المرتقبة.
من جهة أخرى، حققت تركيا رقمًا قياسيًا في صادرات السلع بلغ نحو 262 مليار دولار في 2024، بزيادة 2.5% عن 2023 (255.8 مليار دولار)، وذلك رغم شحّ الموارد العالمية وضغوط التضخم.
كما شهدت البلاد تطورات نوعية في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الدفاعية المحلية، والطاقة المتجددة، ما جعلها أكثر قدرة على تحقيق اكتفاء إستراتيجي، وتقليل الاعتماد على الخارج.
في قطاع الصناعات الدفاعية، فقد سجّلت صادراته ارتفاعًا بارزًا إذ بلغت 7.1 مليارات دولار في 2024، مقارنة بـ5.5 مليارات في 2023، وذلك بدعم من التكنولوجيا المتقدمة، والطائرات المسيّرة، ومعدات الأمن الإلكتروني المصدّرة إلى نحو 180 دولة.
وفي مجال الطاقة المستدامة، شكّلت المصادر المتجددة حوالي 42% من إنتاج الكهرباء في 2023، بينما ارتفعت نسبة الطاقة المركّبة من هذه المصادر إلى 56%، ويستمرّ البرنامج الوطني الطموح نحو تحقيق 50% من الطاقة الأولية من مصادر متجددة ضمن هدف تركيا تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2053.
تمثّل هذه المؤشرات، من الاستقرار السياسي وتماسك المؤسسات الدستورية إلى النمو الاقتصادي المتوازن امتدادًا حقيقيًا للروح التي انطلقت منذ الخامس عشر من يوليو/ تموز؛ روح الاعتماد على الذات والسيادة الوطنية، في ظل مجتمع يقوده وعيه الوطني والتزامه بالمستقبل.
منذ محاولة الانقلاب، أعادت تركيا تعريف موقعها في السياسة الدولية، عبر تبنّي مقاربة خارجية أكثر استقلالية، مبنية على ثوابت الأمن القومي والسيادة الوطنية، لكنها منفتحة على الشراكات المتعددة والمتوازنة.
فقد سعت أنقرة إلى تجاوز منطق رد الفعل، لتكون فاعلًا رئيسيًا في رسم ملامح المشهد الجيوسياسي، خصوصًا في بيئة إقليمية تتسم بالتقلبات، وأزمات دولية بالغة التعقيد مثل الملف السوري، والحرب الروسية- الأوكرانية، والتطورات في فلسطين، وأزمات شرق المتوسط والقوقاز ومناطق الأزمات بالمحيط الإقليمي.
تميزت السياسة الخارجية التركية خلال هذا العقد بمبدأ "التوازن النشط": فهي تجمع بين الثبات الأخلاقي في المواقف، كما في دعم القضية الفلسطينية، ورفض ازدواجية المعايير الغربية، وبين واقعية منفتحة تُبقي قنوات الحوار والدبلوماسية مفتوحة مع مختلف القوى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وروسيا.
وقد مكّنت هذه السياسة تركيا من لعب أدوار توفيقية، كما حدث في وساطتها لتبادل الأسرى بين موسكو وكييف، وصفقة تصدير الحبوب من أوكرانيا 2022.
وفي القلب من هذا التموضع الإستراتيجي؛ تحتل العلاقات التركية-القطرية موقعًا متقدمًا. فقد أثبتت الدوحة في لحظة دقيقة، خلال ساعات الانقلاب الأولى، أنها ليست مجرد دولة صديقة، بل هي شريك إستراتيجي يتّسق في الرؤية، ويقف بثبات مع الشرعية والديمقراطية.
أعلنت قطر دعمها الصريح للحكومة المنتخبة في أنقرة، وهو موقف شكّل علامة فارقة في الذاكرة السياسية التركية الحديثة، وعزّز روابط الثقة على أعلى المستويات.
ولطالما تميزت العلاقات التركية- القطرية بتكامل المواقف وتبادل الدعم في أوقات الأزمات. ومؤخرًا، أدانت تركيا بشدة أي اعتداء ينتهك سيادة دولة قطر الشقيقة، حيث أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا ستقف دومًا إلى جانب أشقائها القطريين.
من موقعي كسفير للجمهورية التركية لدى دولة قطر، كنت شاهدًا مباشرًا على عمق هذه الشراكة التي تجاوزت الطابع البروتوكولي إلى مصاف التحالف الحقيقي.
واكبتُ جهود تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي، وافتتاح برامج أكاديمية تركية- قطرية مشتركة، وتنامي التعاون في الإعلام والترجمة والسياحة، واطلعت من قرب على التقدير العميق الذي يكنّه الشعب القطري لتجربة تركيا، ولثباتها في الدفاع عن إرادتها الوطنية.
إن الذكرى التاسعة ليوم 15 يوليو/ تموز تذكّرنا جميعًا بأن حماية الوطن مسؤولية متجددة. لقد خاض الشعب التركي هذه المعركة في الداخل، لكنه وجد خارج حدوده دولًا وشعوبًا شاركته القيم نفسها، وعلى رأسهم شعب قطر وقيادته. تلك اللحظة لا تُنسى، لأنها أسست لتحالف قيمي ومصلحي في آن واحد، نعمل اليوم على ترسيخه وتوسيع آفاقه في اتجاه مستقبل تنموي آمن ومستقر.
وفي هذه الذكرى، أؤكد باسمي ونيابة عن الجمهورية التركية وشعبها، امتناننا العميق لكل من وقف معنا، وفي طليعتهم دولة قطر قيادةً وشعبًا. إن الوفاء في السياسة، كما في العلاقات بين الشعوب، ليس فقط تذكّرًا للماضي، بل التزامًا أخلاقيًا بمواصلة البناء المشترك على أسس الثقة المتبادلة، والاحترام المتكافئ.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

معهد إسرائيلي: الجيش يواجه واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه
معهد إسرائيلي: الجيش يواجه واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

معهد إسرائيلي: الجيش يواجه واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه

قال معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن جيش الاحتلال يواجه واحدة من أخطر أزمات القوى البشرية في تاريخه. وأشار إلى أن الجيش بحاجة لعشرات آلاف الجنود في ظل الاستنزاف والقتال على جبهات متعددة. جاء ذلك في وقت أعلن فيه حزب "ديغيل هتوراه" اليميني الديني انسحابه من الائتلاف الحكومي الذي يرأسه بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة). ووفقا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن 71% يعتقدون أن إعفاء معظم اليهود الحريديم من الخدمة سيلحق ضررا بدوافع الخدمة، بينما يعتقد 42% من الإسرائيليين أن إعفاء الحريديم سيؤثر على تشجيع أبنائهم للانضمام للخدمة في الجيش. وتواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي أزمة عسكرية تجلت في لجوئها لاستخدام وحدات النخبة والكوماندوز في تنفيذ مهام المشاة التقليدية، في خطوة تكتيكية تكشف عمق النقص العددي الذي تعانيه هذه القوات في قطاع غزة. وتفتقر وحدات النخبة المتخصصة -مثل وحدات التابعة للواء الكوماندوز في الفرقة 98 مظليين- للتدريب اللازم على مهام المشاة التقليدية، مما يجعل استخدامها في هذا السياق غير فعال. ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية شهادات لجنود قالوا إن قيادتهم تتفاوض معهم بشأن تمديد فترة الخدمة العسكرية لعام إضافي، كما اشترك جنود إسرائيليون في نشاطات عسكرية تستغرق أحيانا 12 ساعة. وتنعكس أزمة القوة البشرية على محاولات إطالة فترات التجنيد وتمديد الخدمة، مما يزيد من حالة التذمر والإرهاق في صفوف الجنود. ولا يستطيع الاحتلال تحقيق السيطرة الفعلية على الأرض بالقوة في ظل هذا النقص العددي، خاصة مع اتساع المنطقة المطلوب السيطرة عليها والحاجة إلى قطاعات برية كبيرة لضمان هذه السيطرة. ووفقا لإذاعة الجيش الإسرائيلي، فقد قتل أكثر من 890 جنديا منذ بداية الحرب، وإصابة أكثر من 10 آلاف جندي خلال الحرب على قطاع غزة. فيما يعاني نحو 20 ألف جندي من أعراض ما بعد الصدمة، وفقا للقناة الـ12 الإسرائيلية.

حزب ديغيل هتوراه ينفّذ تهديده وينسحب من حكومة نتنياهو
حزب ديغيل هتوراه ينفّذ تهديده وينسحب من حكومة نتنياهو

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

حزب ديغيل هتوراه ينفّذ تهديده وينسحب من حكومة نتنياهو

أعلن حزب ديغيل هتوراه استقالته من الائتلاف الحكومي، حيث يملك 4 مقاعد بالكنيست وينضوي ضمن تحالف " يهدوت هتوراه" الحريدي، وذلك على خلفية أزمة قانون الإعفاء من التجنيد لليهود المتدينين (الحريديم). وذكرت قناة كان الإسرائيلية أن الزعيم الليتواني الحريدي الحاخام لاندو أرسل عبر مبعوث رسالة بشأن الانسحاب من الحكومة لأعضاء الكنيست من حزب "ديغيل هتوراه" الحريدي بالانسحاب من الحكومة بعد عدم تقديم قانون التجنيد للمصادقة عليه، وبعد التنسيق بين كبار حاخامات التيار الحريدي. وجاء هذا التصعيد في ظل أزمة متفاقمة داخل الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو ، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة ، بالتزامن مع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وفي وقت يواجه فيه رئيس الوزراء محاكمات بتهم الفساد. ووفقا لما ذكرته صحيفة يديعوت أحرنوت نقلا عن مصدر في حزب يهدوت هتوراه فإن الزعيم الروحي للحزب يرى أن نتنياهو هو المشكلة، وأن السردية السائدة داخل الفرع اللتواني في الحزب هي أن كل ما وعدنا به نتنياهو لم يتحقق، وإذا رحل، فسيُحل كل شيء. من جهتها، أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن رئيس حزب شاس ، الديني، أرييه درعي أبلغ مسؤولين في حزبه أنه يستعد للانسحاب من الحكومة خلال الأيام القريبة. الحريديم والرفض الدائم ويواصل الحريديم احتجاجاتهم ضد الخدمة في الجيش عقب قرار المحكمة العليا الصادر في 25 يونيو/حزيران 2024، بإلزامهم بالتجنيد ومنع تقديم المساعدات المالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية. ويشكّل "الحريديم" نحو 13% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ويرفضون الخدمة العسكرية بدعوى تكريس حياتهم لدراسة التوراة، مؤكدين أن الاندماج في المجتمع العلماني يشكّل تهديدا لهويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم. وعلى مدى عقود، تمكّن أفراد الطائفة من تفادي التجنيد عند بلوغهم سن 18 عاما، عبر الحصول على تأجيلات متكررة بحجة الدراسة في المعاهد الدينية، حتى بلوغهم سن الإعفاء من الخدمة، والذي يبلغ حاليا 26 عاما. وتتهم المعارضة نتنياهو بالسعي لإقرار قانون يعفي "الحريديم" من التجنيد، استجابة لمطالب حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه" المشاركين في الائتلاف الحكومي، بهدف الحفاظ على استقرار حكومته ومنع انهيارها.

وجه آخر للحرب.. إسرائيل تصنع جيلا من الأميين في غزة
وجه آخر للحرب.. إسرائيل تصنع جيلا من الأميين في غزة

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

وجه آخر للحرب.. إسرائيل تصنع جيلا من الأميين في غزة

لم يعد كثير من الأطفال في قطاع غزة يجارون سنوات التعليم التي يفترض أن يكونوا فيها بعدما حرمتهم آلة الحرب الإسرائيلية من الدراسة لمدة عامين كاملين، ولم يعد بعضهم يجيد القراءة ولا الكتابة، وهم الذين يفترض بهم أن يكونوا في الصف الثالث الابتدائي. ففي الوقت الذي يذهب فيه أطفال العالم إلى مدارسهم صباح كل يوم، يذهب الأطفال في غزة للبحث عن طعام أو شراب أو شيء يشعلون به النار بعد نفاد الوقود، في حين تطاردهم طائرات الاحتلال في كل مكان. ووفقا لعدد من الأمهات، فإن أطفالا يفترض أن يكونوا في الصف الثالث الابتدائي لم يتلقوا تعليم الصفين الأول والثاني، ومن ثم فإنهم لا يعرفون القراءة والكتابة ولا حتى حروف الهجاء. فقد دمرت إسرائيل مرافق التعليم كافة في القطاع وقتلت خلال حربها المتسمرة منذ نحو عامين غالبية الطلاب، وحتى مراكز التعليم التي يحاول من خلالها السكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه ليست بعيدة عن القصف. أجيال من الأميين تقول الأمهات إن الحروب السابقة -التي اندلعت قبل 7 عقود- أخرجت أجيالا من الأميين الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وإن الحرب الحالية تفعل الشيء نفسه بأجيال جديدة. وتحاول الأمهات تعليم أولادهن الكتابة أو العمليات الحسابية البسيطة، لكن الوضع في القطاع لا يسمح حتى بهذه الأمور اليسيرة، فأصوات القصف وهدير الطائرات والمسيرات لا يمنحهم أي شعور بالأمن. والأقسى من ذلك أن الجوع المستمر والبحث الذي لا يتوقف عن أي طعام أو شراب لا يترك لأحد وقتا للبحث عن التعليم في زمن الحرب. وحتى لو توقفت الحرب وعادت الدراسة، فإن آلاف الأطفال فقدوا عامين دراسيين كاملين وسيضطرون لإعادتهما من جديد، كما تقول الأمهات. ويعاني طلبة غزة من عدم توفر المستلزمات الدراسية من الحقائب والدفاتر والأقلام وما إلى ذلك، إضافة إلى انقطاع الكهرباء، مما يحول دون تمكنهم من متابعة دروسهم أولا بأول. محاولات إنقاذ التعليم كما فقد أغلب الطلبة والمعلمين أجهزتهم الإلكترونية، ويعيشون في خيام داخل أماكن نزوح تفتقر لأدنى مقومات الحياة ولأبسط معايير الخصوصية والاستقرار، علاوة على قضاء الطلبة جل وقتهم في البحث عن مياه الشرب والطعام وجمع الحطب، وغيرها من التفاصيل اللازمة لاستمرار حياتهم. وللحفاظ على ما تبقى من العملية التعليمية، أخذت مجموعة من المعلمين زمام المبادرة لتقديم يد العون للطلبة الذين فاتهم العام الدراسي للسنة الثانية على التوالي، وتقديم الحد الأدنى من الخدمة التعليمية، عبر مجموعات افتراضية للطلبة على منصات التواصل الاجتماعي. وإلى جانب هذه المجموعات، أنشأ بعض المعلمين فصولا دراسية في الخيام ومراكز الإيواء، يتم فيها نصب لوحات خشبية صغيرة بهدف تقديم الدروس للنازحين. وفي تصريح سابق للجزيرة نت، أكد وكيل وزارة التربية والتعليم بغزة خالد أبو ندى أن الاحتلال تعمد تدمير نحو 90% من مرافق الوزارة ومبانيها، وحرم 785 ألف طالب وطالبة من التعليم. واستشهد نحو 13 ألف طالب وطالبة و800 معلم وموظف تربوي في سلك التعليم، فضلا عن 150 عالما وأكاديميا وأستاذا جامعيا وباحثا، حسب أبو ندى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store