logo
دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز

ساحة التحريرمنذ يوم واحد

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية – الجزء الأول!
الطاهر المعز
من 'مناهضة الشيوعية' إلى 'لنجعل أمريكا قوية مرّة أخرى'
قال السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيفادا بات ماكاران ( 1884 – 1972)، سنة 1950، خلال فترة الحرب الباردة، إنه يريد إنقاذ الولايات المتحدة من الشيوعية و'المصالح اليهودية'، وقدم مشروع قانون الجنسية ( تشديد شروط الحصول على الجنسية الأمريكية) والهجرة ( تقنين الإستغلال الفاحش للمُهاجرين والمهاجرات، بمن في ذلك الأطفال) سُمِّيَ، بعد إقراره من قِبَل الكونغرس سنة 1952، 'قانون ماكاران-والتر'، وقانون الأمن الداخلي المكمل له لعام 1950 (المعروف أيضاً باسم قانون ماكاران )، وهي مجموعة قوانين قَمْعِيّة أدّى تطبيقها إلى موجة من الملاحقات السياسية للزعماء التقدميين الذين أرهقتهم المعارك القضائية ماليا ونفسانيا، وعانوا من السجن ومن التّرحيل الجماعي، مما دفع السيناتور هيوبرت همفري ( 1911 – 1978) إلى القول إن الترحيل دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة 'سيكون بداية لدولة بوليسية'.
إن القرارات والتّدابير التي اتّخذها دونالد ترامب شبيهة بتلك القوانين أو هي مستوحاة منها، في مناخ يُذَكِّرُ بفترة الحرب الباردة، من ملاحقة وترحيل المُهاجرين باعتبارهم 'تهديدًا للنظام الإجتماعي' وقَضْم الحقوق السياسية والإجتماعية، والهستيريا السّائدة، واستبعاد طلبة وسائحي وعُمال العديد من البلدان من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، واستخدام إجراءات 'الإبعاد السريع'، والذي يحرم الشخص من جلسات المحكمة في قضايا الترحيل ما لم يتمكن من إثبات أنه كان متواجدًا لأكثر من عامين، ويعيد أمر تنفيذي آخر إحياء قانون تسجيل الأجانب لعام 1940-1944، وجَعَلَ عدم الإعلام عن الأجانب أو عدم سعي الأجانب للوشاية بأنفسهم جناية، وتهدد إدارة ترامب بتحويل جميع المهاجرين إلى مجرمين من خلال 'جريمة' عدم التسجيل'، كما منع حظر سياسي (بقي ساريًا حتى سنة 1990) الشيوعيين المُفْتَرَضِين من دخول الولايات المتحدة، وتم تطبيقه بشراسة خاصة على الشعراء – من الشاعر الجنوب أفريقي دينيس بروتوس إلى الشاعر التشيلي بابلو نيرودا والشاعر الفلسطيني محمود درويش، كما مُنع غابرييل غارسيا ماركيز، الذي تم تحويل روايته ' مائة عام من العزلة' إلى عمل تلفزيوني ناجح على شبكة نتفليكس، من دخول الولايات المتحدة باعتباره شيوعيًا بعد حصوله على جائزة نوبل، وتم اتهام العديد من المُقيمين الأجانب بالتّخْرِيب، وأيدت المحكمة العليا سنة 1952 ترحيل روبرت جالفان، وهو عامل مكسيكي عاش في الولايات المتحدة منذ كان في سن السابعة من عمره سنة 1918، وتزوج من مواطنة أمريكية وأنجب أربعة أطفال وأثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الولايات المتحدة حليفة للاتحاد السوفييتي، كان ينتمي إلى الحزب الشيوعي لمدة عامين، وهو حزب سياسي قانوني آنذاك، ومع ذلك تم ترحيله، ولا يزال يُشكّل الإنتماء إلى الحزب الشيوعي سبباً كافياً لرفض طلب الحصول على الجنسية الأمريكية، بذريعة 'الإنتماء إلى 'منظمات إرهابية أجنبية'.
تم استخدام ذريعة 'الأمن القومي' لتأسيس مجلس مراقبة الأنشطة التخريبية، وبناء معسكرات اعتقال، ويحاول دونالد ترامب تحديث وتَحْيِين تلك القوانين والإجراءات ( بما فيها التي تم إلغاؤها لاحقًا بسبب عدم ملاءمتها لبنود الدّستور) وأصبح الاعتصام أمام محكمة فيدرالية جريمة جنائية، حيث منعت القوات الفيدرالية المتظاهرين في بورتلاند من التواجد أمام المبنى الفيدرالي، خلال الإدارة الأولى لدونالد ترامب، استنادًا إلى نفس القوانين، كما تم استخدام ذريعة الأمن القومي لرفض تأشيرات الدّخول إلى الولايات المتحدةَ
أقرت الولايات المتحدة سنة 1924 قانون الهجرة المُسمّى 'قانون استبعاد اليابانيين'، وهو يُقصي جميع الآسيويين من دخول الولايات المتحدة التي اضطرّ حُكّامها إلى التّخلِّي عن تطبيق هذا القانون خلال الحرب العالمية الثانية، نظرًا لحاجتها للعاملين لتعويض الشبان الذين التحقوا بالجيش خلال الحرب، وبعد الحرب، تم تحديد الحصص سنة 1952، فكانت حصة الصين والهند وكل دولة آسيوية مائة شخص سنويًا، فيما بلغت حصة ألمانيا التي أشعلت الحرب 25814 شخصًا، وحصة بريطانيا 65361 شخصًا، أي إن تحديد الحصص كان إيديولوجيًّا وعُنْصُريًّا، تمامًا مثل الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب خلال فترة إدارته الأولى بشأن تقْيِيد دخول الأشخاص من سبع دول إسلامية وهي القرارات التي أيدتها المحكمة العليا، مما شجّعَ دونالد ترامب على إصدار أمر تنفيذي جديد، في بداية ولايته الثانية بمنع دخول الأشخاص من 12 دولة، ويتعين على أي شخص يتقدم بطلب للحصول على أي نوع من التأشيرات من أي مكان أن يدعم 'القيم الأيديولوجية' الأميركية، مما يعني الإرتباط العضوي بين القمع السياسي وتطبيق قوانين الهجرة وعمليات الترحيل الجماعي، كما حصل خلال منتصف القرن العشرين حيث اتهمت دائرة الهجرة والتجنيس العائلات بتزوير وثائق الأبناء، وتم إلغاء وثائق إقامة المُهاجرين المُستهدَفين وسجنهم وترحليهم، كما استهدفت إجراءات الترحيل ذات الدوافع السياسية مناضلين تقدّميين باسم مكافحة الشيوعية ( قبل فترة المكارثية) ويتكرّر الأمر اليوم باسم مكافحة الإرهاب، وتم استخدام نفس الإجراءات ( قانون الأمن الدّاخلي) ضد المنظمات التقدمية والنقابات خلال عُقُود ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ووَثَّق شريط ' بدلة زوت' ( إخراج لويس فالديز 1981 ) الذي يمزج الوثائق بالخيال، عمل اللجنة الأمريكية لحماية المولودين في الخارج، التي أسسها الحزب الشيوعي، في مكافحة التهم التي وجهتها الشرطة للشباب المكسيكي في لوس أنجلوس في قضية سليبي لاجون، ومُقاومة موجات التّرحيل.
تشترك الأوامر التنفيذية التي أصدرها دونالد ترامب ( وفقا لشعار 'لنجعل أمريكا قوية مرة أخرى – Make America Great Again « MAGA » ) مع قوانين ماكاران في الأهداف المتمثلة في تقسيم العاملين إلى مواطنين وأجانب، وشق صفوف التقدميين والنقابيين والمُدافعين عن الحقوق المدنية والدّيمقراطية، وعرقلة اتحاد مختلف الفئات المتضررة من السياسات الرأسمالية، ولا يقتصر الدّرس على التكرار التاريخي ( هل يُمكن للتاريخ أن يُعيدَ نفسه؟) لأن هذه الإجراءات تستهدف التقدميين والنقابات وكسر التحالفات بين المهاجرين والحركات التقدمية والمدافعين عن الحقوق السياسية والمدنية، وتُعزِّزُ مواقع اليمين المتطرف العُنْصُرِي…
دَوْر المال في إدارة شؤون الدولة والمجتمع
تَدّعي السّلطات ووسائل الإعلام الأمريكية إن الولايات المتحدة مَهْد الدّيمقراطية النابضة بالحياة، ( خلافًا لخصومها مثل الصّين أو روسيا على سبيل المثال ) غير إن الحزبَيْن الأمريكيّيْن مُتّفقيْن 'على الإثم والعدوان' وعلى الإستغلال والإضطهاد وقَمْع الأصوات المُناهضة للإحتكارات، وابتعد الحزبان اللّذَيْن تقودهما نُخْبَة مُحترِفَة لها نفس العقيدة ونفس السياسة الخارجية وتختلف في بعض تفصيلات السياسات الدّاخلية، لكن كِلتا القيادَتَيْن النُّخْبَوِيّتَيْن منفصلة عن الحياة اليومية لمعظم المواطنين، مما مَكّنَ مجموعات الضّغط التي تُموّلها الشركات الإحتكارية والمُجَمّع الصناعي العسكري من كسب نُفُوذ في الكونغرس وفي الحياة السياسية الأمريكية يُضاهي أو يفوق نفوذ الأحزاب والنّقابات وما سُمِّي 'المُجتمع المَدَنِي'، ويُقدّم ديديس كيو مؤلف كتاب 'التراجع الكبير: كيف يُقوّض تراجع الأحزاب السياسية الديمقراطية الأمريكية' – 2025 ( The great retreat : How political parties should behave and they don't – Didi KUO – 2025 ) ) فَرَضِيّةً مفادها أن الأحزاب السياسية القوية لا غنى عنها لتجاوز العقبات التي تعترض 'صِحّةَ الديمقراطية'، فالأحزاب ذات التنظيم الداخلي القوي، والروابط الوثيقة بمختلف مُكونات المجتمع، والبرامج المتماسكة أيديولوجيًا التي تعكس مصالح سُكّان دوائرها الانتخابية الأساسية، تُعدّ أساسيةً لوقف موجة الإستبداد ( الذي يُعَدُّ تَقْويضًا لأسس الديمقراطية) وإعادة تأكيد السيطرة الديمقراطية على اقتصادٍ يهيمن عليه المليارديرات والأثرياء بشكل متزايد، 'ديدي كيو' إن الأزمة الحقيقية لا تكمن في التحزب المفرط، بل في تفريغ الأحزاب من محتواها، وإنه يجب إعادة بناء الأحزاب كوسطاء بين المواطنين والدولة للدفاع عن الديمقراطية واستعادة سيطرة المواطنين على الرأسمالية، ويُشير إن الأحزاب السياسية تاريخيًا كانت تَبْنِي منظمات مدنية وطبقية، ثقافية ورياضية ونقابية، تُساعدها على خوض الانتخابات والإندماج في المجتمعات المحلية لإبلاغ المعلومات إلى المواطنين عمّا تقوم به الحكومة ( أو ما تعتزم القيام به) نيابةً عنهم، ولإبلاغ أصوات ومطالب واحتجاجات المواطنين إلى مؤسسات الدولة، وبذلك تمكنت الأحزاب من معرفة احتياجات ومشاغل وآمال وطموحات المواطنين ( النّاخبين ) لتعزيز ولائهم السياسي خلال الدورات الانتخابية، وبذلك تكتسب الأحزاب قاعدة شعبية، وتمكّنت أحزاب اليسار والنقابات من ترسيخ مبدأ التفاوض الجماعي بين العمال والرأسماليِّين، وتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي، وأشكال إعادة التوزيع والتخطيط الاقتصادي لتخفيف وطأة السوق الحرة، غير إن الرأسمالية تمكّنت من افتكاك هذه المكتسبات بمجرّد تراجُع اليسار والحركة النقابية في الولايات المتحدة وأوروبا، وتحوّل الأحزاب التي كانت تعمل سابقاً كمنظمات جماهيرية مندمجة في المجتمع المدني، إلى آلة انتخابية تُديرها نخبة منعزلة عن الحياة اليومية لمعظم المواطنين، وبذلك تركت الأحزاب المكان لجماعات المَصالح و'الجهات المانحة' التي أسّست مراكز الدّراسات والبُحوث ووسائل الإعلام النّافذة ومجموعات الضّغط، ولم يكن هذا التّحوّل طبيعيا بل نتيجة تحوّلات وخيارات استراتيجية، خصوصًا منذ العقْدَيْن الأخيرَيْن من القرن العشرين، وتبني قادة 'يسار الوسط' اقتصاد السّوق والمفاهيم ( والممارسات) الليبرالية الجديدة ( النيوليبرالية) وخصخصة الإقتصاد والخدمات باسم 'الحَوْكَمَة الرشيدة' وفَرْض التّقشّف على معظم المواطنين، مما جعل من العسير التّمْيِيز بين أحزاب 'اليسار' التي تتبنى برامج اقتصادية داعمة للسوق، واليمين، وأدّى تبنِّي بعض اليسار للنيوليبرالية إلى تراجع مستويات معيشة الطبقة العاملة، التي أصبحت مصالحها أقل تمثيلاً في النظام السياسي، وإلى ترك المجال لقادة اليمين المتطرف ( الفاشي ) لاجتذاب الفُقراء من خلال خطاب ديماغوجي ( شُعْبَوِي) أصبح سائدًا في جل بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية والعديد من بلدان العالم، وتمكّن من تحويل مظالم الطبقة إلى استياء من الهجرة والتعددية الثقافية والجريمة، ومُطالبة بتشديد قبضة الشرطة وبالمزيد من قوانين الرّدع باسم 'فَرْض النّظام' ومُقاومة الفَوْضى والجريمة، مع تحميل المهاجرين (الغُرَباء) مسؤولية تراجع مستوى معيشتهم، بدل مقاومة الرأسمالية وتحكّم الأثرياء في أجهزة الدّولة التي تُمارس السياسات النيوليبرالية، لأن الأثرياء يُموّلون الحملات الإنتخابية ويمتلكون وسائل الإعلام التي تُروّج للمُرَشَّحِين الذين يخدمون مصالحهم…
بلغ الإنفاق على الحملات الإنتخابية الأمريكية لسنة 2024 مليارات الدولارات لتنظيم مهرجانات مُنظّمة مُسبقًا على شاكلة الإخراج المَسْرَحي وشراء مساحات الإعلانات ذات القيمة الإنتخابية غير المؤكدة، وهي مبالغ لا يمتلكها حزب صغير أو نقابة أو جمعية خَيْرِيّة، وكان بالإمكان توجيه هذا الإنفاق إلى منظمات أهْلِيّة أو برامج رعاية صحّيّة أو محلات لإيواء للمُشرّدين وما إلى ذلك، لكن الأحزب التي تُركّز نشاطها واستراتيجيتها على الإنتخابات فقدت الصّلة بالمواطنين وبالطّبقة العاملة والفُقراء، ولم تَعُدْ جديرة بتمثيل مصالحهم أو الدّفاع عنهم…
الفقر والجوع والتّشرّد في 'قاطرة الإمبريالية'
أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية منظمة 'هيومن رايتس ووتش' ( H.R.W. ) التي تُموّل نشاطها الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية، وتُصدر – HRW – تقارير دورية عن وضع حقوق الإنسان في العالم، وخصوصًا في الدّول المنافسة للولايات المتحدة أو التي تُعاديها، لكن من يُصدر تقارير دورية عن الفقر والقمع والإضطهاد والعُنصرية والتّشرّد والوضع داخل سجون الولايات المتحدة؟
كرّر الخطاب السياسي لليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا الشمالية 'إن المهاجرين يُشكّلون تهديدًا للنظام الإجتماعي'، ويُوَسِّع أحد الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب نطاق استخدام 'الإبعاد السريع'، والذي يحرم المهاجرين واللاجئين من جلسات المحكمة في قضايا الترحيل ما لم يتمكنوا من إثبات تواجدهم في الولايات المتحدة لأكثر من عامين، واستوحى دونالد ترامب هذه الأوامر من قانون تسجيل الأجانب ( 1940-1944 ) الذي أدّى سنة 1954 إلى اعتقال أكثر من مليون شخص، وأعلن توم هومان، الذي ترأس وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) في إدارة دونالد ترامب الأولى وأُعِيدَ تعيينه خلال الرئاسة الثانية لدونالد ترامب 'إن مداهمات الهجرة الجماعية ستبدأ من جديد، وسوف تشمل المدارس والكنائس والمستشفيات…'، وتهدف قرارات وحَملات دونالد ترامب تقسيم الكادحين والفقراء وتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية مثل الفقر والجوع والتّشرّد وما إلى ذلك، وتحميل المهاجرين مسؤولية الكوارث الإجتماعية التي تخلقها الرّأسمالية.
الفَقْر، معضلة هيكلية وليست طارئة
أدى كساد 2008/2009 إلى زيادة مستوى الفقر وتُظهر بيانات تعداد سنة 2010 أن نصف السكان يعتبرون من الفقراء أو من ذوي الدخل المنخفض، حيث يعيش واحد من كل خمسة آلاف فرد من جيل الألفية الثالثة في فقر، وفق دليل روتليدج للفقر والذي يتوقع مُعدُّوه من الباحثين الأكاديميين ظهور أشكال جديدة ومتطرفة من الفقر في الولايات المتحدة نتيجة لسياسات التكيف الهيكلي النيوليبرالي والعولمة التي جعلت من الفِئات المُهَمَّشَة اقتصاديًا «فائضًا من السكان» الفقراء الذين يجب السيطرة عليهم وعقابهم، وأكدت العديد من الهيئات الدولية على قضايا الفقر التي تواجهها الولايات المتحدة وصَنّف تقرير لليونيسف لعام 2013 الولايات المتحدة كثاني أعلى معدل لفقر الأطفال النسبي في الدول المتقدمة، وبداية من حزيران/يونيو 2016، أشار صندوق النقد الدولي ( حزيران/يونيو 2016) إلى ضرورة معالجة ارتفاع معدل الفقر على وجه السرعة من خلال رفع الحد الأدنى للأجور وتقديم إجازة أمومة مدفوعة الأجر للنساء لتشجيعهن على دخول سوق العمل، وأجرى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان فيليب ألستون، تحقيقًا ( كانون الأول/ديسمبر 2017 ) لمدة أسبوعين حول آثار الفقر الشامل في الولايات المتحدة، وأشار إلى ارتفاع حجم «الثروة الخاصة والبؤس العام»، خلال فترتَيْ رئاسة باراك أوباما التي جعلت الولايات المتحدة تمتلك «أسوأ معدل فقر في العالم المتقدم' وبعد أقل من ستة أشهر، صَدَرَ تقرير ألستون ( أيار/مايو 2018 ) وأبرز التقرير أن 40 مليون شخص يعيشون في فقر، وأن أكثر من خمسة ملايين يعيشون 'في ظروف العالم الثالث'
انخفضت النسبة المئوية للأمريكيين الذين يعيشون في فقر وفقًا لتقييم أجراه مكتب تعداد الولايات المتحدة سنة 2018 إلى أدنى مستوياتها منذ كساد عام 2008 وبلغت 11,8% أو حوالي 38,1 مليون مواطن، وارتفع معدل الفَقْر إلى 12,6% سنة 2022، وفقاً لبيانات المسح المجتمعي الأمريكي، وبلغ معدل الفقر المتوسط بين الأطفال (أقل من 18 سنة) 16,3%، خصوصًا في ولايات الجنوب التي لم تتخلّص بَعْدُ من آثار العُبودية ( ولايات مسيسيبي وفرجينيا الغربية ولويزيانا…) حيث فاق معدّل الفقر 25%، في حين بلغ معدّل الفقر الأمريكي 10,9% بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر، و11,7% بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و64 سنة، وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني ارتفاع معدلات الفقر في الولايات المتحدة خلال سنة 2023، في حين انخفضت نسبة الأشخاص المحرومين من الحماية الصّحّية إلى حوالي 8% من العدد الإجمالي للسّكّان بفعل استمرار برنامج 'ميدكيد'، وهو برنامج حكومي مخصص لذوى الدخل المنخفض، ولم يتم شطب أي شخص منذ جائحة كوفيد لكن هذه الميزة تنتهي تدريجيا.
ركز كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خلال الحملة الإنتخابية سنة 2024، على مكافحة الفقر، ففي حين دافع 'ترامب' عن دعم الإقتصاد بواسطة خفض الضرائب على الثروات وأرباح الشركات، وأكّدت بعض الدّراسات مثل مؤسسة 'بروكنغز' ارتفاع عدد المواطنين العاجزين عن تسديد ثمن الغذاء والسكن، وأظهرت أحدث البيانات الصادرة خلال شهر أيلول/سبتمبر 2024، تراجع المعدل الرسمي للفقر، غير إن 37 مليون شخص يعيشون في حالة فقر…
المُشرّدون وفاقدو المأوى
نشرت منظمة العفو الدّولية تقريرًا يُشير إلى الإرتفاع المُستمر لعدد المُشرّدين في الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن العشرين، في حين يفوق عدد المساكن الفارغة عدد المشردين بخَمْس مرّات وقدّرت المنظمة عدد المشردين الأمريكيّين بنحو ستمائة ألف سنة 2014 وارتفع العدد إلى حوالي 670 ألف سنة 2024، وارتفع عدد المُشرّدين القاصِرِين في المُدُن الكبرى مثل نيويورك ولوس أنجلس وغيرها بسبب انخفاض الدّخل وارتفاع الإيجارات وغياب القوانين التي تحمي المستأجرين من أصحاب العقارات، وبدل البحث عن حلول تحمي المُشرّدين، اتخذت العديد من المدن الأمريكية قرارات تجريم المشردين وحَظْر النوم في الشوارع، والجلوس في الأماكن العامة، والتسول، والتبول (في المدن حيث المراحيض العامة شبه معدومة) والعديد من الجرائم الأخرى تم تصميمها 'لمعالجة ظاهرة التّشرّد'.
غياب العدالة الجنائية
تقترن الفوارق الطّبقية المُجْحِفَة في الولايات المتحدة بالعنصرية، وعالجت مختلف الحكومات المتتالية ( من الحزب الدّيمقراطي أو الجمهوري ) نتائج الفقر بالمزيد من القمع ( قمع الشرطة وقمع القضاء ومختلف مؤسسات الدّولة ) فقد ازدادت معدلات الأحكام بالسَّجن النّافذ، وخصوصًا الأحكام التي تستهدف المواطنين السُّود بشكل غير متناسب مع نسبتهم من السّكّان، وتمتلك الولايات المتحدة رقما قياسيا بعدد المساجين ونسبتهم من السكان، وتُقدّر نسبة السكان الأمريكيين بنحو 5% من العدد الإجمالي لسكان العالم ونسبة المساجين بنحو 25% من العدد الإجمالي لمساجين العالم، ويُقدّر عدد المساجين بنحو 2,5 مليون وأكثر من مليوني آخرين قيد الإفراج المشروط والمراقبة، إضافةً إلى الأشخاص المحتجزين في السجون المحلية أو مراكز الاحتجاز، ومرافق الإصلاح للأحداث، ومرافق احتجاز المهاجرين، لأن السّلطات الأمريكية اختارت الإعتماد المُفرط على القمع من قِبَل الشرطة والقضاء، بدل الإستثمار في الإسكان والرعاية الصحية والتعليم وفق تقرير هيومن رايتس ووتش سنة 2022 الذي أشار إلى انتشار ظاهرة نشْر المعلومات الخاطئة والروايات المُضَلِّلَة بشأن 'ارتفاع الجريمة وتدني مستوى السّلامة العامة' وإحجام السلطات عن إصلاح جهاز الشرطة والإستثمار في تحسين الخدمات العمومية والتعليم والصحة والإصلاحات وما يُسمّى 'الاستثمارات المجتمعية'، ومن جهة أخرى ترفض معظم مراكز الشرطة الأمريكية الإبلاغ عن البيانات المتعلقة باستخدامها القوة، ما يستلزم جمع البيانات وتحليلها من قبل المنظمات غير الحكومية التي قدّرت عدد ضحايا الشرطة بين الأول من كانون الثاني/يناير و 31 كانون الأول 2023 بنحو ألف قتيل، وتُقدّر نسبة المساجين السود بنحو 43% من العدد الإجمالي للمساجين، ويُقدّر عدد الضحايا السود لرصاص الشرطة بثلاثة أضعاف الضحايا البيض، في حين لا تتجاوز نسبة السّكّان السّود 12,5% من العدد الإجمالي للسكان.
تتميز الولايات المتحدة بنظام قَمْعِي فريد، حيث لا تُميّز القوانين بين القاصرين والرّاشدين، خلافًا للمعايير القضائية الدّولية التي تُحَرّم هذه الممارسة، فضلا عن العنصرية السائدة في نظام الاعتقالات والاحتجاز السابق للتحقيق في نظام القضاء والسَّجن بعد صدور الحكم، وتظل الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي تحكم على القاصرين المدانين بارتكاب جرائم بقضاء عمرهم في السجن إلى أن يموتو
‎2025-‎06-‎11
The post دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية – الجزء الأول!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية (ج ثاني)!الطاهر المعز
دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية (ج ثاني)!الطاهر المعز

ساحة التحرير

timeمنذ 3 ساعات

  • ساحة التحرير

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية (ج ثاني)!الطاهر المعز

دَهالِيز الدّيمقراطية الأمريكية – الجزء الثاني! الطاهر المعز أمريكا منشأ 'ديمقراطية' العبودية المُعاصرة رغم الطّابع الشّكلِي للإنتخابات – حيث تَمّت صياغة القوانين الإنتخابية بصورة لا تسمح بتغيير جوهر النّظام في أي دولة رأسمالية متقدّمة- تُحاول السّلطات المحلية استبعاد المناضلين من أجل العدالة والمُساواة، والسود والمساجين السابقين، من سِجّل الإنتخابات، وحرمانهم من حق دستوري وقانوني، ويتم بالفعل استبعاد ملايين الأمريكيين الذي لا يتمكنون من التسجيل في القائمات الإنتخابية ومن المُشاركة في عملية التّصويت، رغم بعض القرارات والأحكام الصّادرة عن المحكمة العُلْيا بشأن 'التمييز العنصري في قوانين التصويت' و 'التّلاعب بالبيانات لأغراض انتخابية' وبشأن 'حق الأشخاص في في التماس التعويض عن انتهاكات حقوق التصويت في محاكم الولايات'، وصدور أحكام في بعض الولايات، من بينها نيو مكسيكو و منيسّوتا، وإصدار قوانين تسمح للأفراد بالتصويت عند إطلاق سراحهم من السجن، وصدور حكم من محكمة اتحادية يُلْغِي حظر التصويت مدى الحياة في ولاية مسيسيبي للمدانين بارتكاب بعض الجنايات، ومع ذلك، أصدرت 14 ولاية على الأقل قوانين تجعل التصويت أكثر صعوبة، وفق موقع ( brennancenter ) – تشرين الأول/اكتوبر 2023 من جهة أخرى حَظَرت العديد من الولايات بعض الكُتُب والمنشورات التي يمكن اعتمادها لمناقشة حقوق الإنسان وقضايا الميز الجنسي والعُنصري، ومسائل تاريخية ( مثل إبادة الشعوب الأصلية) واجتماعية ( العبودية والعنصرية) في الفصول الدراسية وبعض المؤسسات الثقافية أو التابعة للبلديات والحكومات المحلّيّة، وأثبتت العديد من الدّراسات لُجُوء أنصار دونالد ترامب، خلال انتخابات سنة 2020، إلى انتهاكات خطيرة للحق في التصويت – ويُمثل السّود نسبة كبيرة ممّن تعرّضوا للتهديد والإقصاء – فضلا عن تهديدات وترهيب العاملين في مراكز الإقتراع ونَشْر المعلومات الخاطئة والمُضَلِّلَة، وفق وزارة العدل الأمريكية التي أطلقت 14 تحقيقًا تم تجميدها لاحقًا… ترتبط هذه الممارسات بأساطير التّأسيس وأُسُس المجتمع الأمريكي الذي نشأ على المجازر وإبادة السّكّان الأصليّين وعلى العبودية التي لم يتم إلغاؤها سوى شكلاً، وفي الواقع لا تزال العبودية تحظى بدعم واسع النطاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، ويمكن اعتبار السّجون ( ومؤسسات علاج الأمراض النّفسية) مقياسًا لدرجة ممارسة الدّيمقراطية في أي مجتمع، وفي الولايات المتحدة، يخضع عدد يتراوح بين 800 ألف و مليون شخص لظروف العبودية في السجون، دون احتساب الأشخاص المحتجزين في السجون المحلية أو مراكز الإصلاح للأحداث، ومرافق احتجاز المهاجرين، ويُشكل هذا النظام امتداداً لتاريخ الإبادة والعبودية والعنصرية في البلاد، وهو وسيلة لإعادة فرض العبودية في إطار قانوني يسمح بتشغيل المساجين في ظروف يمكن وصفها بالعبودية الجديدة، لأن الدستور الأمريكي يسمح 'بالإستعباد غير الطّوعي كعقوبة على جريمة أدين مرتكبها بها قانونًا، في الولايات المتحدة أو في أي مكان خاضع لسلطتها القضائية'، مما يجعل العبودية إجراءً قانونيا طالما اعتُبِرَ المستعْبَدُونَ مجرمين، وبذلك لا يتمتع العاملون في السجون بأي حماية، بل تتم معاقبة المساجين الذين يرفضون العمل، كما إن استغلال العاملين في السجون يُحفّز على تجريم أكبر عدد من 'البروليتاريا المَجانِية' واستخدام نظام القضاء الجنائي لإنشاء مجموعة دائمة من احتياطي العمالة المجانية، وإصدار أحكام طويلة وقاسية، وارتفعت نسبة المساجين من حوالي 93 شخصاً لكل مائة ألف سنة 1973 إلى حوالي 650 لكل مائة ألف مواطن سنة 2009، ثم ارتفع العدد بحوالي 8% سنويًّا، ويتم اعتقال وسجن السود بشكل غير متناسب مع عددهم ومع التُّهَم المُوجّهة لهم حيث 'يبلغ معدل السجن للسود ستة أضعاف معدّل سجن المواطنين البيض' سنة 2023، وهم أكثر عُرْضَةً للمعاملة غير الإنسانية من الإعتقال إلى السجن… يُفسّر المؤرخ الأسود جيرالد هورن ذلك كالتالي 'بعد إلغاء العبودية رسميًا، أصبحت أنظمة الشرطة والمحاكم والسجون الوسيلة الأساسية التي يُحرم بها الأمريكيون السود من حريتهم، ويتم إقصائهم من المشاركة في شؤون السياسة والإقتصاد'، ولا تُقدّم بعض الولايات أي تعويض أو أجر عن العمل في السّجون، في حين يتقاضى العاملون في سجون معظم الولايات ما بين 0,13 و 0,52 سنتًا عن كل ساعة عمل ( بيانات نهاية سنة 2023)، في حين يطالب عمال ماكدونالدز وكوكاكولا وولمارت بخمسة عشر دولارا عن كل ساعة عمل، ويتم استبعاد جميع العاملين في السجون ( في الولايات المتحدة كما في البلدان الرأسمالية المتقدمة) من أنظمة الحماية الإجتماعية والصّحّيّة، رغم قيامهم ببعض المهمات الأشدّ خطورةً مثل مكافحة حرائق الغابات الضخمة ومعالجة الدواجن والتخلص من النفايات الخطرة والسّامّة، غالبًا بدون معدات السلامة المناسبة، فضلا عن حرمانهم من الحماية القانونية… يُنتج السجناء الأميركيون سِلَعًا ( تجهيزات منزلية وملابس ومعدّات عسكرية – بدون متفجرات – وأثاث ولوازم التنظيف ومطبوعات وأزياء …) بقيمة تفوق إحدى عشر مليار دولارا سنويا ( بيانات 2021) مما يُفسّر تعرّض 'الذين يرفضون العمل لعقوبات شديدة والحبس الإنفرادي والحرمان من فرص تخفيف عقوبتهم، وفقدان الزيارات العائلية، أو عدم القدرة على دفع ثمن الضروريات الأساسية للحياة مثل صابون الاستحمام'، وفق تقرير صادر سنة 2022 عن اتحاد الحريات المدنية الأمريكية و عيادة حقوق الإنسان الدّولية بكلية الحقوق بجامعة شيكاغو، وامتدّ التحقيق من سنة 2018 إلى 2022، وشمل سجون جميع الولايات الأمريكية، ويدّعي الخطاب الرسمي الأمريكي ( المحلي والإتحادي) إن العمل القَسْرِي المَجاني أو شبه المجاني في السُّجُون يندرج ضمن 'خطط تعليم وتثقيف وإعادة تأهيل السّجناء '، وأظهرت دراسات عديدة في مختلف مناطق العالم إن بدائل السجن أقل تكلفة وأكثر فعالية في الحد من العودة إلى الجريمة. أصدر مكتب المفتش العام التابع لوزارة القضاء ومكتب المحاسبة الحكومية تقارير ( شباط/فبراير 2024) عن ارتفاع عدد الوفيات إلى ما لا يقل عن خمسين قتيل سنويا في السجن بسبب اللجوء المفرط من قِبَل إدارات السجون إلى الحبس الإنفرادي وانتهاك حقوق السّجناء، وبسبب حوادث يمكن تلافيها والوقاية منها، ويُشير تقرير صادر عن معهد السياسة الإقتصادية ( كانون الثاني/يناير 2025) إلى إن 'معدلات السجن هي الأعلى، وأجور السجون هي الأدنى، وترتيبات العمل القَسْرِي ( السّخرة) تحمل أوجه تشابه مذهلة مع أشكال تأجير المحكومين والعمل القَسْري بسبب الديون في الماضي'، ويُشير نفس التقرير 'إن الولايات في الجنوب الأميركي – التي كانت آخر من استمرت في ممارسة العبودية – تسجن الناس بأعلى المعدلات في العالم'، وتُصنّف ثلاثون ولاية أمريكية في أعلى قائمة معدلات السجن العالمية… أشارت مُذكّرة قانونية أصدرتها مجلة جامعة هارفارد للقانون سنة 2023 إلى التصريحات المتحمسة للقمع والتشدّد في الأحكام التي أصدرتها كامالا هاريس لما كانت تشغل منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، قبل أن تصبح نائبة الرئيس جوزيف بايدن، وادّعت إن اكتظاظ السجون لا يُشكّل انتهاكًا دستوريا رغم العدد القياسي للوفيات – بسبب الإكتظاظ – في سجون ولاية كاليفورنيا وهي أكبر وأغنى ولاية أمريكية من حيث قُوّة الإقتصاد وعدد السكان… تُدير شركات خاصّة معظم السّجون الأمريكية، وتتواطؤ قوات الشرطة مع إدارة السجون لتكثيف القمع واعتقال الأعداد الضرورية لملء السجون ( كي لا يبقى مكان شاغر) ثم يُستخدم المسجونون كاحتياطي للحفاظ على مخزون مناسب من العُمّال العبيد لمكافحة الحرائق وأداء وظائف صعبة وخطيرة أخرى، فضلا عن صناعة المعدّات والملابس والتجهيزات بأسعار منخفضة جدّا، لتضخيم أرباح الشركات التي تبيعها للمواطنين أو تَصدّرها بأسعار السوق، مما يجعل العديد من السلع الأمريكية قادرة على منافسة إنتاج الصين أو بتغلادش أو غواتيمالا، لأن العديد من القطاعات الرأسمالية الأمريكية تعتمد على العمالة المجانية، بتواطؤ من السلطات المحلية والإتحادية، فقد تم في ولايات الجنوب استخدام قوانين التشرد تاريخيا لدفع السود الجنوبيين إلى 'الإختيار' بين العمل بأجور زهيدة أو بدون أجر أو السجون، حيث تمارَسُ العبودية بصورة قانونية وتم إنشاء نظام جديد معقد لتأجير المحكوم عليهم بدلاً من العبودية التقليدية أثناء إعادة الإعمار، مع فرض الانضباط والسلطة بوحشية من خلال الإغتصاب الجماعي والضرب والمُضايقات المُتكرّرة، ويلخّص عالم الإجتماع والمؤرخ الإشتراكي الأمريكي ويليام إدوارد بورغهارت دوبوا، أو أمريكي أسود يحصل على درجة الدكتوراه ( 1868 – 1963) هذا الوضع في كتابه عام 1935 بعنوان ' إعادة الإعمار الأسود : 'لقد تم استخدام النظام الإجرامي بأكمله كوسيلة لإبقاء الزنوج في العمل وتخويفهم، ونتيجة لذلك، بدأ الطلب على السجون والإصلاحيات يتجاوز الطلب الطبيعي بسبب ارتفاع الجريمة'، كما يشير دو بوا 'كانت السجون الجنوبية تحتجز عددًا قليلًا نسبيًا من الناس، قبل الإلغاء الرسمي للعبودية، وكانت الغالبية العظمى من المساجين من البيض' عودة 'المكارثية'؟ استهدفت موجة عارمة، من القمع الحكومي والخاص، الأصوات المؤيدة للفلسطينيين ومن منتقدي العدوان الصهيوني الذين يواجهون تهديدات بالملاحقة القضائية الحكومية ووضع قوائم سوداء أو الفصل من العمل، ما يُذَكِّرُ بمناخ الفترة « المكارثية »، بعد الحرب العالمية الثانية، حتى نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وأصبحت أي عبارة مُؤَيّدة للفلسطينيين تُصنَّفُ ضمن « التعصب والعُنصُرية والتحريض على العنف ومُعاداة السّامية… » وفي بداية شهر آذار/مارس 2024، تعاونت رابطة مكافحة التشهير (ADL) وهي من أكبر المنظمات الصهيونية، مع مركز لويس د. برانديز لحقوق الإنسان بموجب القانون لإرسال تحذير إلى أكثر من مائتي كلية وجامعة، تطالبها بحَظْر نشاط منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP) ، وطالبت بفتح تحقيقات للتدقيق بشأن تمويل هذه المنظمة الطلابية « والانتهاكات المحتملة لقواعد السلوك المدرسية وقوانين الولايات والقوانين الفيدرالية… وما إذا كانت تدعم الإرهابيين ماديًا »، ويحصل ذلك ضمن موجة متصاعدة من القمع السياسي والضغط الحكومي الذي يستهدف الأصوات المنتقدة للكيان الصهيوني والمؤيدة للفلسطينيين بالولايات المتحدة، ووجّهت إدارة بايدن وزارة الأمن الداخلي ووزارة القضاء « للعمل مع سلطات إنفاذ القانون داخل الجامعات لتتبع خطاب الكراهية عبر الإنترنت… » وارتفع حجم حملات القمع والتهديدات بالملاحقة القضائية، والحظر الذي تفرضه الدولة، والمراقبة الفيدرالية، والضغوط السياسية على الخطاب المؤيد للفلسطينيين في الولايات المتحدة، مع اعتماد المنظمات الصهيونية على سلطة الدولة لاستهداف وتثبيط حرية التعبير، وبضغط من الشركات الكبرى المُدْرَجَة في « وول ستريت » التي تبرعت بالمال وأمرت الكليات والجامعات بممارسة الضغط ونشر قوائم الطلاب « المخالفين » وحث المديرين التنفيذيين ومكاتب الإستشارات والمحاماة على عدم توظيف الباحثين والمُدرّسين والقانونيين الذين عبروا عن نقد الكيان الصهيوني، وتم استجواب المُرشحين للوظائف في جامعات كولومبيا وهارفارد وولاية أركنساس، حول آرائهم بشأن ما يحصل في فلسطين، وشهّرت العديد من المواقع الصهيونية بالأشخاص الذين وقعوا على البيانات، مُعرّضين سلامتهم الجسدية للخطر من خلال إدراج أسمائهم الكاملة وصورهم ومسقط رأسهم، وإدراجهم ضمن « داعمي الإرهاب »، وطالبت بعض الولايات الأمريكية المقاولين المشاركين في أشغال حكومية بالتوقيع على « تعهد بعدم مقاطعة إسرائيل »، ليتم التشابك بين الرقابة المناهضة للفلسطينيين والسياسات المناهضة للعمال إلى اتهام النقابات التي نظّمت إضرابات « بدعم الإرهاب الفلسطيني » في مجال الإعلام، حَظَرت إدارة الصحف ووسائل التعبير الأخرى التّعليق على الحصار الصهيوني وعلى تجويع الفلسطينيين حتى الموت، وأوقفت العديد من المحطات العاملين من أُصُول عربية، واستقال العديد من المحررين الآخرين احتجاجًا أو تضامناً مع زملائهم، وطاول الأمر النّواب (الذين أدّوا قَسَم الولاء للولايات المتحدة الأمريكية) والذين اتهمتهم وسائل الإعلام ب »تأجيج نيران الكراهية والانقسام » لأنهم اتهموا الحكومة الأمريكية بـ « المساعدة النشطة في الإبادة الجماعية »، كما حذفت مِنَصّات التواصل « الإجتماعي » العديد من الحسابات بتهمة ارتكاب انتهاكات وَهْمِيّة مثل « التحريض على العنف » و « معاداة السامية »… إنها المكارثية التي عادت إلى الولايات المتحدة وتمثلت مظاهرها في تهديد من يخالف الموقف الرسمي (أو الموقف السّائد) وإنشاء « قوائم سوداء » وإلغاء التوظيف والطرد من العمل، فضلا عن القمع الحكومي ومحاولات تجريم حرية التعبير ونَشْرِ مناخ من الترهيب والإتهامات الباطلة وتحريف التصريحات والآراء، وتجري حملة القمع من خلال مجموعة من القنوات الحكومية والشركات الخاصة، وملاحقة كل من ينتمي أو يؤيد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني، رغم محدودية أهداف الحملة، ومطاردة كل من ينتقد بعض جوانب سياسات الكيان الصهيوني. أما من يرفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النّهر فيُعتبر إرهابيا وعُنصُريا ومعاديا للسامية وهلم جرًّا… انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان المختلفة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية الآن أو لفت الانتباه إليها هو في حد ذاته تحريض على العنف العنصري. هل بدأ عَصْر الإنحدار الأمريكي البطيء ؟ رغم التّبجّح بالدّيمقراطية، تظل الولايات المتحدة دولة قَمْعِيّة وعنصرية ومُعتدية على الشعوب، وفي المجال الدّاخلي لا تزال العُبُودية مُستمرة ( رغم التطور الرأسمالي) وإن تغيرت الأشكال… يستمر انخفاض الإيرادات وارتفاع تكاليف السكن وارتفاع أعداد المشردين في الولايات المتحدة التي بلغت مستويات قياسية للعام 2023 بتسجيل نحو 650 ألف مشرد، 28% منهم عائلات معها أبناء، ويستمر تفاقم التفاوت الاقتصادي والفجوة العرقية في الثروة، وتظهر الفروق العرقية في الحصول على حد الكفاية من الصحة والتغذية والتعليم والتوظيف والسكن وتظهر تقريبا في سوء معاملة الشرطة والقضاء للأمريكيين السّود وتعريض صحة ملايين النساء من ذوات البشرة الملونة للخطر بفعل القوانين التي تحد من نشاط المراكز الصّحّيّة والرعاية الإنجابية، كما يسجل مؤشر انعدام المساواة في الدخل تفاوتًا كبيرًا مقارنة بالدول الغنية الأخرى، فالعُشْر ( 10% ) الأغنى من السكان يحصل على قرابة نصف إجمالي الدخل مقابل 13% للنصف الأفقر، والذي لا تزيد ملكيته الثروات الخاصة في البلاد على 1,5% وفق تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش وهي الوكالة التي أوقف دونالد ترامب عملها، ووقف تمويلها من قِبَل الوكالة الأمريكية للتعاون الدّولي ووزارة الخارجية الأمريكية. تتيح الإعفاءات المقرة في قوانين العمل الأميركية عمالة الأطفال بعمر 12 عاما في قطاع الزراعة (القطاع الأكثر تسببا لوفيات الأطفال العاملين)، حيث ارتفعت الحالات المُسجّلة لانتهاكات حقوق الطفل سنة 2023، وأغلب الأطفال العاملين من المهاجرين بدون مرافقين من أولياء أمورهم ويعملون في ظروف خطيرة واستغلالية، في حين يستمر ارتفاع معدل الوفيات بالجرعات الزائدة من المخدرات إلى مستوى قياسي بنحو111 ألف وفاة… تضمّن 'ترشيد الإنفاق الحكومي' في ميزانية 2025/2026 العديد من الهدايا للأثرياء، ومن بينها خفض الضرائب وزيادة حجم الدّيْن العام بمبلغ يتراوح بين 2,4 وأربعة تريليونات دولارا، خلال العقد القادم، وفق تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، بينما يجادل المؤيدون بأن التخفيضات الضريبية ستحفز النمو الاقتصادي، ويؤكد النقاد أن الآثار المالية طويلة الأجل يمكن أن تكون ضارة، على ضوء تقديم دونالد ترامب وجماعته مجموعةً من التشريعات التي وافق عليها الكونغرس، والتي تتضمن خفض معدلات الضرائب على الأفراد وأرباح الشركات وخفض عدد المشمولين بالتأمين الصحي الحكومي ( من حوالي سبعين مليون إلى نحو ستين مليون مواطن فقير) من خلال فَرض شروط جديدة تخفض عددهم مما يُؤَدِّي إلى إضافة نحو عشرة ملايين لعدد الأشخاص غير المشمولين بالتأمين الصحي، وفي المقابل خصصت الميزانية سبعين مليار دولارا لأمن الحدود يخصص مشروع القانون 70 مليار دولار لأمن الحدود، ويتضمن هذا البَنْد بناء وصيانة الحواجز على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وزيادة أعداد ضباط دوريات الحدود وضباط الجمارك، وبناء مراكز احتجاز تسمح بإيواء مائة ألف مهاجر إضافي وتعزيز إجراءات احتجاز وترحيل المهاجرين، كما يخصص قانون الميزانية 150 مليار دولار إضافية 'للإنفاق الدفاعي'، وتطوير نظام الدفاع الصاروخي المُسمّى 'القُبّة الذّهبية' وتوسيع الأسطول البحري، ومشاريع بناء السفن الجديدة، وتجديد مخزونات الذخيرة اتفق بعض أقطاب الحزب الديمقراطي وبعض نواب الحزب الجمهوري – من القلائل الذين عارضوا مشروع الميزانية – إن هذه الميزانية ستؤدي إلى تفاقم الدين القومي، وإلى تقويض برامج الرعاية الصحية للفقراء مقابل استفادة الأثرياء من رجال الأعمال وأصحاب العقارات من التخفيضات الضريبية ومن خفض نسبة الفائدة على قروض الشركات والأثرياء… يدرس في المؤسسات الأمريكية للتعليم العالي أكثر من 1,1 مليون طالب ويمثلون ما يقرب من 6% من إجمالي عدد طلاب التعليم العالي في الولايات المتحدة خلال العام الدّراسي 2024 – 2025، وفقًا لتقرير معهد التعليم العالي، ووفقًا لمكتب الشؤون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية ومعهد التعليم الدولي، وتضمّنت قرارات الرئيس دونالد ترامب خفض عدد تأشيرات الطلبة الأجانب في الجامعات الأمريكية وحظر دخول مواطني 12 دولة إلى الأراضي الأمريكية، وقد يُؤدِّي تقْيِيد الدّخول والحصول على تأشيرات الدّراسة للطلاب الأجانب الجدد خلال الموسم الدراسي المقبل (2025-2026) نتيجة للتعميم الذي أصدرته وزارة الخارجية لبعثاتها في الخارج للتحقق من الخلفيات الأمنية والسياسية لطالبي التّأشيرة، خاصة عبر حسابات منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن الضّغط على بعض جامعات نيويورك، وجامعة هارفارد حيث يمثل الأجانب نحو 27% من العدد الإجمالي للطلاب، بمنعها من تسجيل الطلاب الأجانب وتغيير شروط توظيف المُدَرِّسين والباحثين… يُقدّر حجم الأموال التي يتم ضخّها في الإقتصاد الأمريكي من قِبَل الطّلبة الأجانب بنحو 44 مليار دولار ووفروا 378 ألف وظيفة خلال السنة الدّراسية 2023/2024، لأن الطلاب الأجانب يُسدّدون رسوما دراسية أعلى من الطلاب المحليين الذين يستفيد بعضهم من مساعدات فدرالية أو محلية ومن الاقتراض لتمويل دراساتهم، ويساهم الطلاب الأجانب في تحريك سوق العقارات وإيجار المسكن فضلا عن الإنفاق على الطعام والتنقل والسفر وما إلى ذلك، وفقًا لرابطة المعلمين الدوليين (NAFSA) التي تشجع التعليم الدولي، وكتبت صحيفة واشنطن بوست ( الموقع الإلكتروني للصحيفة بتاريخ الثامن من حزيران/يونيو 2025 ) إن وجود الطلاب الأجانب يؤدي إلى خلق فرص عمل، سواء كان ذلك من خلال زيادة عدد الموظفين في المرافق والمتاجر المحلية أو في الجامعة نفسها، مع الحاجة إلى موظفين إضافيين للتعامل مع لوجستيات استقبال مزيد من الطلاب، وإن تعليق السلطات الأميركية تأشيرات الطلاب قد يكون له تأثير خطير على قطاع العقارات ( تأجير مساكن الطلاّب ) والمطاعم والتجارة ومرافق الترفيه… صَرّح بعض الباحثين إن انخفاض معدلات تسجيل الطلاب الأجانب يُؤدّي إلى إحجام ذوي الكفاءات العالية عن التّوجّه نحو الولايات المتحدة، ويُقدّر عدد الطلاب الأجانب في معهد مَساتشوتس للتكنولوجيا الذي يعدّ من أرقى المؤسسات عالميا بنحو 25% من العدد الإجمالي لطلاّبه وفق إدارة المؤسسة التي عبّرت عن مخاوفها من أن حيوية الجامعة 'ستتضاءل بشدة من دون الطلاب والباحثين القادمين من دول أخرى'، وكتبت رئيسة المعهد: 'إن التهديد بإلغاء التأشيرات بشكل غير متوقع سيقلل من احتمال قدوم أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة، مما سوف يَضُرُّ بالقدرة التنافسية الأميركية والرِّيادة العلمية لسنوات قادمة'، وورد في افتتاحية مجلة 'إيكونوميست' ( الأسبوع الأول من حزيران/يونيو 2025) 'إن استقطاب الجامعات الأميركية لنخبة من أفضل العقول من جميع أنحاء العالم يجعلها أكثر ديناميكية وابتكارا ويعزز القوة الناعمة الأميركية في الخارج… ( نأسَفُ) لعدم تعامل الرئيس ترامب وحكومته مع الموضوع وفق هذا المنظور… إذا كان الرئيس ترامب يهتم بالعجز التجاري الأميركي، فإن من غير المنطقي أن يضع العراقيل أمام قطاع التعليم العالي، وهو أحد أكبر المُصدّرين الأميركيين إذ يبيع خدماته للأجانب'، وسبق أن كتبت صحيفة نيويورك تايمز خلال شهر نيسان/ابريل 2025 'إن إدارة دونالد ترامب ألغت أكثر من 1500 تأشيرة في 222 جامعة، في حين سعى مسؤولو الهجرة لاحتجاز وترحيل عدد من الطلاب والباحثين بسبب مخالفات قانونية، وأحيانا بسبب نشاط سياسي، وفي بعض الحالات لا يعرف الطلاب سبب إلغاء تأشيراتهم…' هوامش من أحداث لوس انجلس من ولاية كاليفورنيا صوّتت أغلبية الناخبين بولاية كاليفورنيا بنسبة 61% لصالح هيلاري كلينتون خلال خلال انتخابات 2016 التي فاز بها دونالد ترامب، وصوت 58,5% لصالح كامالا هاريس خلال انتخابات 2024، وتُمثل ولاية كاليفورنيا نحو 20% من نسبة نجاح اي مرشح رئاسي، وهي تحتل المرتبة الاولى بين كل الولايات، كما إنها أغْنى ولاية والاكثر سكانا بحوالي 40 مليون نسمة، وتقارب مساحتها مساحة العراق، ويحاول دونالد ترامب السيطرة على هذه الولاية، التي تُمثّل محور الإقتصاد الأمريكي وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 4,2 تريليون دولارا سنة 2024، وتحتل المرتبة الخامسة عالميا في اجمالي ناتجها المحلي وتُقدر مساهمة الولاية بنحو خمسين مليار دولارا بالضرائب التي تجمعها الحكومة الإتحادية) لخدمة استراتيجيته السياسية التي تعتمد على الْبُعْد الإقتصادي والتجاري، غير إن حاكم كاليفورنيا يُعارض سياسة الرسوم الجمركية لترامب واعتبرها مَصْدَرًا لخسائر بقيمة أربعين مليار دولارا لاقتصاد كاليفورنيا ولفقدان حوالي 64 الف وظيفة عمل، فضلا عن الخسائر الناجمة عن عدم الإستقرار الذي يؤثّر سلْبًا على الاداء والتخطيط الاقتصادي في ولاية تمثل ركيزةً للإقتصاد الامريكي، وأدّت هذه التخوفات والإعتراضات إلى رفع الولاية قضايا ضدّ سياسات ترامب، ومن بينها التّضْيِيق على المهاجرين و'غير البيض' (الآسيويون والسود والامريكيون اللاتينيون ) الذين يمثلون أكثر من 55% من سكان ولاية كاليفورنيا، وهنا تلتقي المُعارضة الشعبية لسياسات دونالد ترامب مع مُعارضة المؤسسات: حاكم الولاية ورئيس بلدية العاصمة لوس انجلس ونواب البرلمان المحلي والإقليمي… أما البرجوازية المَحلِّية فتَضُمُّ شريحةً من الإنفصاليين الذين يعتبرون إن كاليفورنيا الغنية تُنفق على الولايات الفقيرة التي يسكنها الكسالى والمتقاعسون، ويُطالبون باستقلال كاليفورنيا ( التي استولت عليها الولايات المتحدة سنة 1846خلال العدوان على المكسيك)، ونمت شعبية هذه الفئة بعد انتخاب دونالد ترامب، غير إن قضية الهجرة والمهاجرين تُمثّل إحدى نقاط الخلاف بين دونالد ترامب والسلطات المحلية، حيث توفر قوانين الولاية الملاذ الآمن لملايين المهاجرين غير النظاميين، في حين تضغط إدارة ترامب كي تتعاون شرطة الولاية مع سلطات الهجرة بالتشديد وتطبيق القوانين. يُعتبر هذا الوضع – بمختلف جوانبه – من العوامل المُساعدة على التّمَرُّد ضدّ سياسات دونالد ترامب واستراتيجيته في التعامل مع المهاجرين الذي شهدته مدينة لوس أنجلس ( ولاية كاليفورنيا) احتجاجًا على عمليات مداهمة واعتقال نفذتها السلطات الإتحادية ضد مهاجرين، بداية من يوم السّادس من حزيران/يونيو 2025، وتطورت إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة وآلاف المهاجرين والمواطنين – خصوصًا من الشباب – الرّفضين لسياسة الترحيل والاعتقال والمداهمات لأن أكثر من ثُلُث سُكّان الولاية وُلِدوا خارجها وتتحدث نسبة كبيرة من السكان اللغة الإسباني في الفضاء الخاص كالمسكن وداخل الأُسْرة، وتُعتبر الولاية رمزًا لتعدّد الثقافات والأعراق التي تأسست عليها الولايات المتحدة، واتخذت السلطات المحلية قرار فرض حظر التجمع وسط المدينة. لم يحترم دونالد ترامب القيود الدستورية، مما خلق أزمة دستورية غير مسبوقة من شأنها تهديد أُسُس النظام الإتحادي ( الفدرالي) الذي ضَبَطَ حدود السلطة الرئاسية والحقوق الدستورية للولايات، غير إن الرئيس الأميركي بادر إلى إرسال قوات فدرالية إلى لوس أنجلوس استنادًا إلى قانون عام 1807، الذي يسمح للرئيس بأن يرسل 'قوات فدرالية لمساعدة الولاية إذا احتاجت إلى ضبط الأمن ومواجهة من يهددون السلم والأمن'، لكن الدستور لا يسمح للحكومة الإتحادية بتجاوز صلاحيات الولاية، مما يُخْضِعُ تفعيل تَدَخُّل الجيش داخلياً ( في مهام تقوم بها الشرطة عادة) لقوانين صارمة، من بينها 'قانون يمنع استخدام القوات المسلحة في مهام إنفاذ القانون المدني، وبذلك فتح ترامب مواجهة قانونية ودستورية، مخالفاً جوهر النظام الإتحادي، وفق موقع مجلة 'إيكونوميست' ( 10 حزيران/يونيو 2025) التي اعتبرت 'إن إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس لا يهدف فقط إلى السيطرة على الاحتجاجات، بل يحمل رسالة سياسية واضحة هو أن المدن التي تتحدى السياسات اليمينية والشوفينية لإدارة ترامب، خصوصاً تلك التي تتبنى سياسات الملاذ الآمن للمهاجرين، بدل أمريكا العظيمة، ستدفع الثمن' لأن شعار 'لنجعل أمريكا عظيمة مُجدّدًا' مُوجّهٌ لأميركا البيضاء ذات الأصول الأوروبية والتي تتحدث اللغة الإنكليزية وتعتنق المذهب البروتستنتي ويتواجد فيها عدد قليل جداً من المهاجرين، وبيّن دونالد ترامب إنه مُستعدّ لمصادرة حقوق الولايات وحكامها، ويُحرّض ترامب على توقيف الحاكم الديمقراطي لكاليفورنيا غافين نيوسوم، وبذلك اطّلع العالم على مشاهد دولة بوليسية تفرض الأحكام العُرْفِيّة وتُحاصر عاصمة ولاية كاليفورنيا بمئات الجنود من القوات البحرية والآلاف من قوات قوات الحرس الوطني الفيدرالية، وعَرْض المُعدّات والأسلحة بهدف ترهيب المُحتجّين وتحويل انتباه المواطنين عن قضايا الفساد والاحتيال والرشوة والتجاوزات والإساءة التي انتشرت خلال الفترة القصيرة من ولاية ترامب الثانية ( بداية من العشرين من كانون الثاني/نوفمبر 2025 )، ويُعْتَبَرُ نَشْر الجيش للتعامل مع الشؤون الداخلية التي ينبغي أن تتولى التعامل معها الشرطة المدنية، رغم اعتراضات الزعماء المحليين والدوليين، من مظاهر الإستبداد وتجاوزًا للسلطات المحلية المنتخبة، ومقدّمة لممارسة الحكم بقوة السلاح والترهيب من خلال المداهمات، وتتصرف إدارة دونالد ترامب مثل كل الأنظمة الإستبدادية التي تتذرّع بالإضطرابات لإقرار حالة الطوارئ وفَرْض الحُكم العسكري وإلغاء أو تعليق القانون المَدَني، ولا يمكن اعتبار هذه الإجراءات مجرد مناورة سياسية، بل هي طريقة حُكْم بمنطق القُوّة وتتضمّن الترهيب والرّعب وفرض الإمتثال والخضوع، ولا تعتبر الحكومة الإتحادية إنها في خدمة المواطنين، بل تعتبر المواطنين أعداء محتَمَلِين يجب مراقبتهم والسيطرة عليهم لإخضاعهم، مما يجعل الحكومة الإتحادية تعتبر أي مُعارضة أو احتجاج 'تَمَرُّدًا يُهدّد الأمن القومي' ويُتيح 'تهديد الأمن القومي' نَشْر الجيش والحرس القومي، كجزء من مخطط برزت بعض مظاهره من خلال نَشْر القوات في كاليفورنيا، ومن خلال الإستعدادات لعرض عسكري في واشنطن العاصمة لتذكير الشعب بأن من يملك السلاح يملك السّلطة، وفق تحليل وكالة أكسيوس بتاريخ الحادي عشر من حزيران/يونيو 2025… خاتمة: 'لقد ربطوا بين العرق والطبقة. لقد تم اقتلاع أسلافنا من بيئتهم ومحيطهم وبلادهم لجَلْبهم إلى هنا من أجل الرّبح واستخدامهم كطبقة عاملة مجانية يتم احتقار وإهانة أفرادها ' وفق المُؤرّخ الأمريكي الأسود 'جيرالد هورن' ( وُلِد سنة 1949) الذي دَرَسَ المُكَون الطّبقي للعبودية في ما لا يقل عن ثلاثة كُتُب، وسبقه في ذلك هيوبرت هاريسون ( 1883 – 1927 ) الذي كتب 'إن الأمريكيين السود يُشكلون المجموعة السّكّانية التي تضم أكبر نسبة من البروليتاريا الأمريكية، وتم جلبهم من إفريقيا إلى أمريكا بغرض واضح يتمثل في استغلالهم كالحيوانات، بشكل غير إنساني'، وهيوبرت هاريسّون كاتب ومناضل من أجل المساواة والعدالة، أصيل جزر بحر الكاريبي… إن استمرار العبودية على الأراضي الأميركية يُكَذِّبُ الفكرة القائلة بأن النظام الاقتصادي والسياسي الأميركي قائم على حماية الحريات والحقوق الفردية، فالنّظام الرّأسمالي يتطلب بطبيعته وجود أعداد هائلة من الناس الذين يمكن استيعابهم في نظام من الحرمان العنيف المبرمج، ولا تزال الرأسمالية الأميركية قائمة على الهيمنة والاستغلال، ولا تزال أشد أشكال العبودية قسوة والقائمة على العرق واللّون سائدة، فيما تُتيح قوانين العمل الأمريكية عددًا من أشكال العبودية، ومن بينها عمالة الأطفال بعمر 12 عاما في قطاع الزراعة (القطاع الأكثر تسببا لوفيات الأطفال العاملين)، حيث ارتفعت الحالات المُسجّلة لانتهاكات حقوق الطفل سنة 2023، وأغلب الأطفال العاملين من المهاجرين بدون مرافقين من أولياء أمورهم ويعملون في ظروف خطيرة واستغلالية، في حين يستمر ارتفاع معدل الوفيات بالجرعات الزائدة من المخدرات إلى مستوى قياسي بنحو111 ألف وفاة. إن تمجيد العُنف والتاريخ والتُراث الدّموِي والعدد القياسي من العدوانات العسكرية للولايات المتحدة على شعوب العالم يؤدّي حتْمًا إلى استفحال العنصرية والعنف الدّاخلي وانتشار الفكر الفاشي، ويؤدّي إلى تبرير ( بل تمجيد ) عمليات إبادة السكان الأصليين واستعباد ملايين الإفريقيين، وإلى هيمنة الماكارثية، خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين وإلى انتخاب رؤساء مُنحطِّي اللغة والأخلاق مثل رونالد ريغن وبوش الإبن ودونالد ترامب، ولذلك فإن نشر 700 جندي من البحرية الأمريكية وألْفَيْ عنصر من الحرس القومي، إلى جانب المئات من الشرطة المحلية، نتيجة منطقية للإيديولوجيا السّائدة في أكبر قُوة إمبريالية في عصرنا وربما في تاريخ البشرية، مما يُؤكّد ضرورة تحالف قوى المعارضة الدّاخلية الأمريكية للنظام السّائد وليس لهذه الحكومة أو تلك ( إن وُجِدت هذه المُعارضة) والقوى التقدمية في العالم لإضْعاف الإمبريالية الأمريكية ( ومعها حلف شمال الأطلسي وأوروبا والأحلاف العدوانية الأخرى) والإطاحة بنفوذها… مراجع: 'التراجع الكبير: كيف يؤدي تراجع الأحزاب السياسية إلى تقويض الديمقراطية الأمريكية' بقلم ديدي كو (دار نشر جامعة أكسفورد – 2025) Review of The Great Retreat: How the Decline of Political Parties Is Undermining American Democracy by Didi Kuo (Oxford University Press, 2025). شريط ' بدلة زوت' ( إخراج لويس فالديز 1981 ) ويليام إدوارد بورغهارت دوبوا، عالم الإجتماع والمؤرخ الإشتراكي الأمريكي وأول أمريكي أسود يحصل على درجة الدكتوراه ( 1868 – 1963) – كتاب بعنوان ' إعادة الإعمار الأسود – 1935 ‎2025-‎06-‎12

الصين تؤكد التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة
الصين تؤكد التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة

الرأي العام

timeمنذ 8 ساعات

  • الرأي العام

الصين تؤكد التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة

أكدت الصين إبرام اتفاق تجاري أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشددة على ضرورة التزام كلا الجانبين بالتوافق الذي تم التوصل إليه. وقد جاء الاتفاق بعد مكالمة هاتفية جرت الأسبوع الماضي بين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، وأسفرت عن تهدئة مؤقتة لحرب تجارية محتدمة بين أكبر اقتصادين في العالم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، خلال مؤتمر صحفي دوري: 'لطالما التزمت الصين بوعودها وقدمت نتائج ملموسة. والآن، وبعد التوصل إلى توافق، ينبغي على الجانبين احترامه والوفاء به'. وكانت هذه المكالمة قد أنهت حالة من الجمود ظهرت بعد أسابيع من توقيع اتفاق أولي في جنيف. وقد تلتها محادثات في لندن، وصفتها واشنطن بأنها أضافت 'مضمونا عمليا' إلى اتفاق جنيف، بهدف تخفيف الرسوم الجمركية الانتقامية المتبادلة. لكن الاتفاق الأولي تعثر بسبب استمرار الصين في فرض قيود على صادرات المعادن، وهو ما دفع إدارة ترامب إلى الرد بفرض قيود على تصدير بعض المنتجات التقنية إلى الصين، من بينها برامج تصميم أشباه الموصلات، ومحركات الطائرات النفاثة للطائرات الصينية، وسلع تكنولوجية أخرى. وقد أعرب ترامب عن رضاه الكامل تجاه الاتفاق التجاري، وقال عبر منصّة 'تروث سوشيال': 'اتفاقنا مع الصين تم، وهو الآن في انتظار الموافقة النهائية بيني وبين الرئيس شي'.

إدارة ترامب تتلقى معلومات عن استعداد إسرائيل لضرب إيران
إدارة ترامب تتلقى معلومات عن استعداد إسرائيل لضرب إيران

شفق نيوز

timeمنذ 11 ساعات

  • شفق نيوز

إدارة ترامب تتلقى معلومات عن استعداد إسرائيل لضرب إيران

‎شفق نيوز/ كشفت تقارير أمريكية، يوم الخميس، عن تلقي الرئيس دونالد ترامب وكبار مسؤولي البيت الأبيض، معلومات تفيد أن إسرائيل "على أهبة الاستعداد" لشن عملية عسكرية ضد إيران. وذكرت مصادر متعددة لشبكة "سي بي إس" الإخبارية الأميركية، أن مسؤولين إسرائيليين ومتحدثين باسم البيت الأبيض امتنعوا عن التعليق على هذه المعلومات. وكانت تقارير سابقة أشارت إلى رغبة إسرائيل في توجيه ضربة لإيران، حتى مع المطالب الأميركية لها بعدم فعل ذلك طالما استمرت المحادثات النووية بين واشنطن وطهران. ‎ولسنوات أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوتشككا عميقا في أي اتفاق مع إيران، ويقول مكتبه إن إسرائيل نفذت "عمليات علنية وسرية لا تحصى" لكبح نمو البرنامج النووي لطهران. ‎وفي شهر مايو/أيار الماضي، صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب علنا أنه حث نتنياهو على عدم مهاجمة إيران، بينما تواصل إدارته المفاوضات معها. ‎ووقتها قال ترامب: "أخبرته (نتنياهو) أن هذا سيكون من غير المناسب القيام به الآن، لأننا قريبون جدا من الحل". ‎وفي حال وقعت الضربة الإسرائيلية، تتوقع الولايات المتحدة أن ترد إيران على بعض المواقع الأميركية في العراق المجاور. ‎وكانت واشنطن أعلنت عزمها تقليص عدد موظفي سفارتها في بغداد لأسباب أمنية، حسبما أكد ترامب الذي اعتبر الشرق الأوسط "مكانا خطيرا"، وذلك عقب تهديد إيران باستهداف القواعد الأميركية بالمنطقة في حال اندلاع نزاع. ‎وتحدث ترامب عن إيران أثناء ظهوره في مركز كينيدي، الأربعاء، قائلا للصحفيين إن الأميركيين نُصحوا بمغادرة الشرق الأوسط "لأنه قد يكون مكانا خطيرا"، كما أكد مجددا أن الولايات المتحدة "لن تسمح" أن تطور إيران سلاحا نوويا. ‎وتسعى إدارة ترامب إلى إبرام اتفاق مع إيران للحد من برنامجها النووي، في حين تقول هيئات الرقابة الدولية إن طهران واصلت تخصيب اليورانيوم إلى ما يقارب المستوى اللازم لصنع الأسلحة النووية. ‎وتجرى المحادثات في مسار حساس، وليس من الواضح مدى قرب الطرفين من التوصل إلى اتفاق، فقد صرح ترامب أنه لن يقبل أي تخصيب لليورانيوم، لكن إيران ترى أن ذلك حق لن تتنازل عنه، مع نفيها بشدة السعي لصنع أسلحة نووية. ‎وصرح مسؤولان أميركيان لـ"سي بي إس"، أن مبعوث واشنطن إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لا يزال يخطط للقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأحد، في جولة سادسة من المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store