
العلاقة تزداد توتراً بين ترامب ونتنياهو.. من يسيطر على الآخر؟
ففي الأيام التي سبقت الزيارة، قام ترامب بالتفاوض على وقف لإطلاق النار مع الحوثيين دون أن يطلب من اليمن وقف هجماته على الأهداف الإسرائيلية، كما أنه سمح بإجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس التي تعهد فيها بإدخال مساعدات إنسانيّة عاجلة إلى غزة مقابل إطلاق سراح أسير مزدوج الجنسيّة، حيث يحمل الجنسية الأميركية بجانب الإسرائيلية.
هذه التحركات الأميركية، التي جاءت رغم معارضة إسرائيلية شديدة، استطاعت أن تزعزع افتراضات وتهزّ قناعات راسخة منذ زمن طويل بشأن متانة العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وهو جدل طالما شغل المؤرّخين والأكاديميين وخبراء العلاقات الدولية لعقود.
من جهة، يرى البعض أن العلاقة بين الطرفين تقوم على تلاعب اللوبي الصهيوني بالنظام السياسي الأميركي من أجل خدمة مصالح الكيان الإسرائيلي.
في هذا الطرح قدّم العالمان السياسيان جون ميرشايمر، وستيفن والت حجة قوية مؤيدة لهذا الرأي في كتابهما المهم "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" (The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy)، حيث استشهدا بالعديد من الأمثلة التي امتدت على مدى عقود تُظهر النفوذ القوي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، خصوصًا في مدى تأثيره على صنّاع القرار والطبقة السياسية في الكونغرس – من كلا الحزبين الكبيرين – وكذلك على الإدارات الأميركية المتعاقبة.
فعلى سبيل المثال، يشير الكتاب إلى تأثير اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد – الذين يفضلون في معظم الأحيان الأولويات والمصالح الإسرائيلية – على إدارة الرئيس جورج بوش الابن خلال فترة التحضير لغزو العراق بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
علاوة على ذلك، فإنه من الصعب جدًا إن لم يكن من المستحيل تفسير التورط العميق للولايات المتحدة فيما يسمى بـ"الحرب الكونية على الإرهاب" وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط لأكثر من عقدين من خلال جدلية المصالح الأميركية البحتة أو الدوافع الجيوسياسية وحدها. ولذا، فإنه مما لا شك فيه أن الكيان الصهيوني قد لعب دورًا رئيسًا في الترويج لهذه السياسات وتعزيزها.
في كتابه "القوة اليهودية" (Jewish Power)، يشرح الصحفي ج. ج. غولدبرغ جوهر قوة اللوبي الصهيوني اليهودي في تعزيز المصالح الإسرائيلية.
كما تم دراسة هذا التأثير بشكل معمق في كتاب حديث للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، والذي تتبع تلاعب وسطوة اللوبي الصهيوني على الساسة الأميركيين والبريطانيين، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأكثر من قرن.
وعلى العكس من ذلك، أكد المؤلف والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي في العديد من كتبه أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم وتوجه الكيان الصهيوني لخدمة مصالحها الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، يُعتبر الكيان الإسرائيلي مجرد أداة ضمن مجموعة الأدوات الأميركية الأوسع لضمان الهيمنة الأميركية والتحكم الإمبريالي في هذه المنطقة، بل وعبر العالم أجمع.
وهناك بالفعل سوابق تاريخية تدعم هذا الرأي. واحدة منها تعود إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من قبل الكيان الإسرائيلي وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث أمر الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور حينها الكيان الإسرائيلي بالانسحاب من سيناء قبل أسبوع من إعادة انتخابه.
والمثال الآخر كان أيام حرب الخليج عام 1991، حيث طالبت الولايات المتحدة الكيان الإسرائيلي بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية أثناء الحرب لتجنب إحراج حلفائها العرب.
لذلك، فإن السؤال الأكبر في هذه المرحلة يتلخّص في تحديد الطرف الذي يوجّه الآخر. هذا الأمر ليس فقط مهمًا للإجابة عن السؤال، بل إنه أيضًا ضروري في إيجاد تفسير أو تحليل يسعى لفهم كيفية تطور الأحداث في المراحل الحاسمة في منطقتَي غرب آسيا، وشمال أفريقيا.
بعبارة أخرى، فإن السؤال الجوهري هو: هل إسرائيل هي من يمسك بخيوط السياسة الأميركية، ويحرك صانعها كما يشاء؟ أم إنها هي الدمية التي تتحرك بخيوط أميركية؟
خلال حملة الإبادة الجماعية التي شنّها الكيان الصهيوني منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعمت الولايات المتحدة هذا الكيان بالكامل – حيث زوّدته بأكثر الأسلحة فتكًا، وبتمويل غير محدود، وبغطاء سياسي وحماية دبلوماسية – مما تسبب في إحداث أضرار واسعة النطاق لسمعتها ومكانتها كقوّة عظمى رئيسة مسؤولة عن الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومؤسّسات النظام الدولي.
رغم أنه من العبث إنكار قوّة تأثير اللوبي الصهيوني على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ مسألة تقدير من يقود الآخر على مستوى القرارات الحاسمة الكبرى، لا تزال على جانب كبير من عدم اليقين، خاصة في ضوء التحولات السياسية الأخيرة للرئيس دونالد ترامب.
بدأ ترامب فترته الثانية ليس فقط كشخص معروف بسياسته المتوافقة مع الرؤى الصهيونيّة، بل كالرئيس الأكثر تأييدًا للكيان الإسرائيليّ في تاريخ الولايات المتحدة.
ففي خلال ولايته الأولى (2017-2021)، اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان – متحديًا عقودًا من السياسة الأميركية المعلنة – بل وأتم نقل السفارة الأميركية خلال عهده إلى القدس. واعترف حينها أيضًا بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية، وهو ما مثّل انتهاكًا فاضحًا آخر للقانون الدولي.
علاوة على ذلك، أضعفت سياسات ترامب المنحازة، السلطةَ الفلسطينية بشدة من خلال إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع معظم المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية، والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وكذلك الجمعيّات الخيرية الأميركية والدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة التي تخدم اللاجئين الفلسطينيين، مثل الأونروا (UNRWA).
وقد فعل كل ذلك رغم أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي شرعنت لعملية أوسلو المترنّحة والفاشلة، والتي دشنت مسار التسوية الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة منذ عام 1993، مما منح الكيان الصهيوني وقتًا لترسيخ قبضته على الضفة الغربية.
لكن ترامب في نهاية المطاف رئيس يتبنى شعار الصفقات التجارية التبادلية، وهو يحب أن يقدم نفسه لقاعدته "ماغا" (MAGA) التي تنادي بشعار "أميركا أولًا" كقائد قوي ذي نجاحات وإنجازات واضحة. ولذا، فإنه ليس مستعدًا لإضاعة الوقت بانتظار تحقيق وعود نتنياهو الوهمية التي يطلقها باستمرار حول إخضاع المقاومة وجعلها تستسلم. وهي وعود فشل في الوفاء بها مرارًا.
عندما انتهك نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في 19 يناير/ كانون الثاني 2025 برعاية من فريق ترامب، وأعطى جيشه الدموي أمرًا باستئناف الهجوم الإبادي على غزة في 18 مارس/ آذار، منحه ترامب شهرين إضافيين لتحقيق أهدافه المعلنة، إلا أنه لم يستطع تحقيقها في النهاية.
وفي السابع من أبريل/ نيسان، وخلال زيارته البيتَ الأبيض، فاجأه ترامب بإعلان بدء المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية. كان نتنياهو يعمل على إقناع الطرف الأميركي بتوجيه ضربات عسكرية مزدوجة ضد إيران، وكان يناقش تفاصيل ذلك مع مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل والتز. بيدَ أن ترامب رفض تلك الخطط، بل وأبعد والتز عن منصبه، مقرّرًا بعد ذلك السعي لحل الموضوع النووي من خلال الدبلوماسية، مما أحبط نتنياهو وأزعجه كثيرًا.
خلال نفس الزيارة، طلب نتنياهو دعم ترامب لسياسته في سوريا، والتي ينتهجها منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث قام لأسابيع بعد سقوط الأسد بتدمير معظم القدرات العسكرية السورية المتبقية، ثم شنّ سلسلة من الغارات الجوية والاجتياحات البرية، مستوليًا على أكثر من 400 كيلومتر مربع أضافها إلى هضبة الجولان السورية المحتلة، والتي تبلغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع.
لم يكن هدف هذه الهجمات مجرد إضعاف سوريا، بل محاولة تفكيكها إلى أربع مناطق عرقية أو طائفية: الدرزية، العلوية، الكردية، والسنية.
لكن هذا المخطط الخطير يتعارض بصورة مباشرة مع المصالح الجيوسياسية لتركيا في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. تركيا، وهي المستفيد الأكبر من تغيير النظام في سوريا والتي رحبت بالحكومة الجديدة واحتضنتها، كانت قد تعرضت إلى تهديدات واستفزازات من العديد من الوزراء الإسرائيليين.
أمام دهشة وذهول نتنياهو، لم يدعم ترامب فقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا النزاع، بل أعلن أيضًا الانسحاب الوشيك لبعض القوات الأميركية من شمال سوريا، كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي علنًا للسعي إلى التوصل إلى تسوية مع الجانب التركي.
على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، كانت الخلافات السياسية في العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي نادرة للغاية. لذلك، أجبر موقف ترامب الحاسم الكيان الصهيوني على بدء تسوية تفاوضية مع تركيا في سوريا لتجنب التصعيد أو الصراع المباشر.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية الشديدة، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات الأميركية والدولية عن سوريا خلال زيارته الأخيرة للسعودية، وهو قرار جاء نتيجة ضغوط مكثفة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي أردوغان، بدون مراعاة للتحفظات الإسرائيلية.
كان للموضوع التجاري والاقتصادي الدور الأبرز في زيارة ترامب للمنطقة. ولقد ظهر الرئيس الأميركي متحمسًا لإظهار النجاح والإنجازات الاقتصادية أمام مؤيديه، حيث سعى إلى إنجاز صفقات أسلحة وعقود تجارية في دول الخليج الثلاث التي زارها.
بيدَ أن السعودية كانت قد رفضت تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في وسط عملية إبادة جماعية مستمرة بلا هوادة في غزة. وكان من ضمن مطالب السعودية لاتفاق التطبيع توفير ضمانات أمنية أميركية وبناء مفاعل نووي مدني.
كانت جهود إدارة بايدن السابقة قد استمرت لشهور من أجل تحقيق اتفاق بين الطرفين، إلا أنها باءت بالفشل بسبب رفض الطرف الإسرائيلي دعم حل سياسي مع الفلسطينيين.
غير أن ترامب فاجأ الطرف الإسرائيلي وتخلى عن شرط التطبيع وواصل زيارته للسعودية، حيث وقع أكبر صفقة أسلحة في التاريخ.
ولذلك كانت المفاجأة على الإسرائيليين كبيرة ومفجعة، وهم الذين كانوا يعارضون هذه الصفقات، ولكنهم لم يستطيعوا منعها. لو كانت هذه الصفقات مبادرة من إدارة ديمقراطية، لكان نتنياهو قد استطاع أن يحشد دعم الجمهوريين لإفشال الصفقة. ولكن لأن المبادرة جاءت من إدارة جمهورية، لم يكن بوسع نتنياهو فعل الكثير حيال ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه بعد أسابيع قليلة من زيارة نتنياهو لواشنطن، وجّه ترامب ضربة أخرى له ولشركائه المتطرفين بإعلانه اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن في 6 مايو/ أيار، دون أن يشترط عليهم وقف هجماتهم على الأهداف الإسرائيلية.
كان الحوثيون يستهدفون ملاحة وأجواء ومدن الكيان الصهيوني منذ شهور في محاولة منهم لوقف الإبادة في غزة. أنفقت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار لمحاولة وقف هذه الهجمات، دون نجاح كبير. لم يستطع ترامب تحمّل الخسائر المتراكمة، مما أدى إلى تخليه عن الكيان الصهيوني لإغلاق هذا الملف.
كانت السياسة الأميركية الدائمة في المنطقة، بغض النظر عن ماهية الحزب الحاكم في البيت الأبيض، هي منح الكيان الصهيوني حرية التصرف عند التعامل مع الفاعلين من غير الدول (Non-state actors) مثل حماس، وحزب الله، مع كبح الكيان عندما يتعلق الأمر بفاعلين من الدول مثل إيران، نظرًا للمصالح الإستراتيجية الأميركية الأوسع في المنطقة.
ومع ذلك، فقد منح ترامب نتنياهو شهورًا من إطلاق اليد لتنفيذ حملة إبادة في غزة – بما في ذلك القيام بالقصف العشوائي الهمجي واتباع سياسة التجويع التي حرمت أكثر من مليونَي فلسطيني في غزة من وصول الغذاء والماء والدواء والوقود منذ 2 مارس/ آذار.
كان ترامب حريصًا على تأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو حدث إذا ما تم لتباهى به ترامب كإنجاز باهر يُحسب له في السياسة الخارجية، لكن محاولاته في هذا الصدد قوبلت بتصلب مواقف نتنياهو وإصراره على تحقيق "النصر الكامل"، الذي كان من المؤكد أنه سيطيل أمد الحرب، بل ويعرض حياة الأسرى للتهديد بشكل خطير.
لذا، وقبل جولة ترامب في الخليج، قام فريقه بفتح محادثات مباشرة مع حماس – التي تصنّفها الولايات المتحدة رسميًا كمنظمة إرهابية منذ عام 1997 – من أجل تأمين إطلاق سراح عيدان ألكسندر، وهو المواطن الأميركي- الإسرائيلي الوحيد الباقي بين الأسرى.
بعد ضغط مستمر من الوسطاء، وتعهد مباشر من الطرف الأميركي بتقديم مساعدات كبيرة للفلسطينيين الجائعين في غزة، أطلقت حماس سراح ألكساندر في 12 مايو/ أيار 2025، عشية زيارة ترامب للمنطقة، حيث قُدم الإفراج عنه كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الأميركي.
أثار هذا التحرك غضب نتنياهو وحكومته اليمينية، لأنه كشف عن استعدادهم للتضحية بالأسرى في سبيل تحقيق التطهير العرقي واحتلال غزة ضمن إقامة مشروع إسرائيل الكبرى. وبدلًا من الاحتفال بإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، اعتبر العديد من الإسرائيليين التعامل المباشر مع حماس خيانة لهم من ترامب.
بيدَ أنه لا ينبغي لأحد أن يتسرع في الحكم على هذا السجال السياسي. فإدارة ترامب لا تزال تضم العديد من الصهاينة الذين هم أشد المسؤولين تأييدًا للمشروع الصهيوني بين الحكومات الأميركية على الإطلاق. ولذا، فمن غير الواضح إذا كانت هذه التحولات تشير إلى تغيير طويل الأمد في السياسة الأميركية تجاه المنطقة.
ولذلك، تبدو هذه السياسات تكتيكية أكثر من كونها إستراتيجية، حيث تبقى الأهداف النهائية للطرفين هي نفسها، لكن الوسائل قد تتغير من أجل خدمة المصالح الأميركية طويلة الأجل في المنطقة.
ربما يكون الاختبار الحقيقي النهائي للإجابة عن سؤال: مَن هو الطرف الذي يقود الطرف الآخر في هذه العلاقة؟، هو في قدرة ترامب على إجبار الكيان الإسرائيلي على وقف حرب الإبادة الجماعية في غزة. حينها سنصل إلى لحظة الحقيقة: هل ستقف الولايات المتحدة إلى جانب مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة، أم ستدعم مشروع إسرائيل الكبرى التوسعي والرؤية الدينية المسيانية؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
أردوغان: من يصمت عن غزة شريك لإسرائيل في جرائمها
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الثلاثاء إن كل من يصمت بشأن ما يحدث في غزة هو "شريك لإسرائيل في جرائمها"، مؤكدًا أن بلاده تسعى لوقف "الإبادة الجماعية" في القطاع. واعتبر أرودغان -في كلمة له اليوم- أن "السكوت عن هذه الجرائم سيجعل العار لا يلاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقط، بل سيطال كل من التزم الصمت". وأكد في تصريحاته بالقول: "كفى لما يجري في غزة، فالصمت لم يعد مقبولًا، والضمير الإنساني يجب أن يتحرك الآن". ودعا الرئيس التركي المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف إنساني واضح تجاه ما يجري في غزة، مشددًا على أن الإنسانية تموت هناك، وعلى الجميع أن يُظهر موقفًا أخلاقيًا إزاء ذلك. وأوضح أن بلاده تواصل العمل على إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل لغزة، قائلا "سنواصل الحديث عما تقوم به إسرائيل، والذي تخطى ما قام به النازيون".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي
حزب يساري تقدمي تركي، يُعدّ من أبرز أحزاب المعارضة، ويصنف ثالث أكبر فصيل سياسي في البلاد، تأسس عام 2023، ويُعتبر الخلف القانوني لـ"حزب اليسار الأخضر" وامتدادا سياسيا ل حزب الشعوب الديمقراطي. يؤمن الحزب بالديمقراطية والمساواة، ويتبنى نهجا يقوم على التعددية والتشاركية، ويُعرف بتوجهه الليبرالي الاجتماعي، يدافع عن تحرير المرأة وتمكينها، ويدعو إلى العدالة الاجتماعية ومشاركة فاعلة لجميع مكونات المجتمع القومية والدينية والثقافية في الحياة السياسية والاجتماعية. والحزب مقرب من القاعدة الكردية، ويُصر على ضرورة التوصل إلى حل سلمي ومشرف للقضية الكردية. ووُجهت إليه اتهامات متكررة بكونه الذراع السياسي ل حزب العمال الكردستاني المحظور، الأمر الذي ينفيه الحزب بشكل قاطع. وشاركت قيادته بدور بارز في الوساطة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني لدعم وقف الأعمال المسلّحة، وهي جهود أثمرت عام 2025 عن حل حزب العمال وتخليه عن العمل المسلح. النشأة والتأسيس تأسس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجاء تأسيسه نتيجة تحوّل رسمي من حزب اليسار الأخضر الذي كان أنشئ بديلا قانونيا لحزب الشعوب الديمقراطي الذي يعود تأسيسه إلى عام 2012 بعد اندماج عدد من الأحزاب اليسارية وأخرى ذات توجه قومي كردي، إلى جانب هيئات ومبادرات مجتمعية ومكونات سياسية واجتماعية متنوعة. وحتى عام 2015، كان حزب الشعوب شريكا في عملية التسوية مع الحكومة التركية بشأن القضية الكردية، غير أن استئناف حزب العمال الكردستاني للعمل المسلح في يوليو/تموز من ذلك العام أنهى تلك العملية، وأدى إلى توتر العلاقة بين الحكومة وحزب الشعوب الذي أصبح منذ ذلك الحين يُنظر إليه باعتباره الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني. وواجه حزب الشعوب خطر الإغلاق على خلفية اتهامه بالتواطؤ مع حزب العمال الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية حتى عام 2025 حين أعلن حلّ نفسه ووقف الكفاح المسلح. وفي 7 يونيو/حزيران 2021، قدم المدعي العام الجمهوري بكير شاهين دعوى إلى المحكمة الدستورية لإغلاق حزب الشعوب، ومَنع 687 من أعضائه -ومنهم قيادات بارزة- من ممارسة العمل السياسي، بتهم تتعلق بالإرهاب. وأمام تصاعد الضغوط القضائية والسياسية، ووسط مخاوف جديّة من صدور قرار بحظر الحزب ومنع أعضائه من خوض الانتخابات العامة، قررت قيادة حزب الشعوب تأسيس "حزب اليسار الأخضر"، كي يكون مظلتها السياسية في انتخابات مايو/أيار 2023. وعقب الانتخابات التي فاز فيها حزب اليسار بـ61 مقعدا، أعلن رسميا عن تأسيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب واجهة سياسية جديدة، وذلك في مؤتمر للحزب عُقد في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وشهد الحزب الجديد إعادة هيكلة وتغيير في القيادة، وتخلى عن نهجه السابق في دعم المعارضة بشكل أحادي، بعدما اعتُبر هذا الدعم أحد أسباب تصاعد حملة القمع الحكومية ضد الأحزاب السابقة، وعوضا عن ذلك، تبنّى إستراتيجية جديدة أكثر انفتاحا على الحوار مع الحكومة، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الكردية. ويعتمد الحزب نظام قيادة تشاركيا، يقوده رئيسان منتخبان بشكل مشترك، ويتكوّن هيكله التنظيمي من هيئات مركزية وإقليمية ومحلية، إلى جانب مكاتب للتمثيل الخارجي ومجلس المرأة ومجلس الشباب، كما يشمل المجموعة النيابية ومجالس الأقاليم والمجالس البلدية. الفكر والأيديولوجيا يُصنَّف حزب المساواة وديمقراطية الشعوب حزبا يساريا تقدّميا. ووفق ما ورد في صفحته الرسمية، يتبنى نهجا سياسيا يقوم على التعددية والمشاركة ويؤمن بالتداول الديمقراطي للسلطة، ويسعى إلى بناء مجتمع ديمقراطي ليبرالي عادل قائم على التضامن والمساواة. ويُعرف الحزب بتوجهه الليبرالي الاجتماعي، إذ يدعو إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، ويولي أهمية خاصة لتحرير المرأة وتمكينها، ويؤكد ضرورة تمكين الأفراد والفئات المهمّشة والمكونات القومية والدينية والثقافية المختلفة من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية. ويدعو إلى إيجاد حل سلمي ومشرّف لجميع قضايا الهوية العرقية والدينية والثقافية في تركيا -وخاصة القضية الكردية والقضية العلوية- عبر التفاوض والحوار الذي يستند إلى مبادئ المواطنة المتساوية والحقوق الجماعية. ويتبنى الحزب مبدأ الديمقراطية المباشرة الذي يُمكّن الناس من المشاركة في القرارات المتعلقة بحياتهم على جميع المستويات، كما يدعو إلى تعزيز الحكم المحلي عبر توسيع نطاق فصل السلطات، وتفويض الصلاحيات والموارد إلى الإدارات المحلية. ويؤكد ضرورة اعتماد السبل السلمية والوسائل المدنية لحل النزاعات وتحقيق التحول الديمقراطي، ويعارض جميع أشكال العنف والقمع والاستغلال، ويدافع عن الحقوق السياسية والاجتماعية للمهاجرين واللاجئين، ويرفض السياسات العنصرية والتمييزية. ويركّز في أيديولوجيته على شمولية حقوق الإنسان ، ويُبرز في خطابه قضايا العدالة الاجتماعية وكرامة العمل والحريات الديمقراطية والاستدامة البيئية، ويعتبر نفسه جزءا من النضال العالمي ضد الرأسمالية ويرفض الهوس بالنمو الاقتصادي ومجتمع الاستهلاك. المسار السياسي منذ تأسيسه، شكّل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أحد أبرز قوى المعارضة البرلمانية في تركيا، وأصبح الكتلة الثالثة في البرلمان بعد انتقال 61 نائبا إليه من حزب اليسار الأخضر الذي خاض الانتخابات العامة في مايو/أيار 2023. وبهذا الانتقال استحوذ الحزب الجديد على ما يقارب 8.8% من مقاعد البرلمان. وعقب تأسيسه، خاض حزب المساواة الانتخابات المحلية التي أُجريت في مارس/آذار 2024، مقدّما مرشحين مشتركين لمناصب رؤساء بلديات، وأعضاء المجالس المحلية ومجالس المحافظات. وأسفرت الانتخابات عن فوز الحزب بـ82 بلدية، من بينها 3 بلديات لمدن كبرى، و7 لمحافظات، إلى جانب 65 بلدية محلية و7 بلدات صغيرة. غير أن الحكومة عزلت لاحقا عددا من رؤساء البلديات وأعضاء المجالس التابعين للحزب وعيّنت أوصياء حكوميين مكانهم، فضلا عن فرض الإقامة الجبرية أو توقيف بعضهم. ففي الفترة ما بين يونيو/حزيران 2024 وفبراير/شباط 2025، عُزل 9 رؤساء بلديات ينتمون إلى الحزب بتهم يتعلق معظمها بدعم أو الانتماء إلى "منظمة إرهابية". وشملت قائمة البلديات التي طالها العزل بلديات ماردين وباتمان وهالفيتي ووان بهتشه سراي وتونغلي وآكدينيز وسيرت وكاغيزمان. ودان الحزب هذه الإجراءات واعتبرها انقلابا على الإرادة الديمقراطية، و"استيلاءً غير مشروع على السلطات المحلية المنتخبة"، مؤكدا أن الهدف منها هو إقصاء المعارضة السياسية. ويُعد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من القوى المعارضة البارزة في البلاد، ويواجه بشكل متكرر اتهامات من الحكومة بدعم حزب العمال الكردستاني، وهي تهم ينفيها الحزب بشدة، مؤكدا شرعيته السياسية والتزامه بالمسار الديمقراطي. ورغم محاولات سابقة للتقارب مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن الخلافات ظلت قائمة، خصوصا فيما يتعلق بالسياسات الحكومية تجاه القضية الكردية. وتُعد إجراءات عزل رؤساء البلديات واعتقال الكوادر الحزبية، إلى جانب استهداف معارضين بارزين من بينهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو؛ أحد أبرز أوجه الخلاف بين الحزب والحكومة، إذ يَعتبر الحزب أن هذه التدابير دوافعها سياسية وغير قانونية. وعلى مستوى التحالفات، يُعد الحزب جزءا من تحالفي الشعوب الديمقراطية والعمل والحرية على الصعيد الداخلي، بينما يتمتع بعضوية مرتبطة في حزب الاشتراكيين الأوروبيين على المستوى الدولي. الوساطة لإنهاء الصراع الكردي التركي لعب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب دورا مركزيا في الوساطة بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني، ضمن جهود حل الصراع الممتد بين الجانبين لعقود. وتحت مظلة مبادرة أطلقها رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي ، التقى وفد من الحزب -ضم النائبين بيرفن بولدان وسري ثريا أوندر- بزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان داخل سجن إيمرالي في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وسُمِّي هذا الفريق لاحقا بـ"وفد إيمرالي" نسبة إلى السجن الذي احتُجز فيه أوجلان. وأصدر الوفد بيانا عقب اللقاء تضمن رسالة سياسية من أوجلان بشأن المسار الجديد عبّر فيها عن ترحيبه بجهود إنهاء النزاع، وأكد أن "تعزيز الأخوة التركية الكردية مسؤولية تاريخية". وفي هذا الإطار أُجريت سلسلة من اللقاءات السياسية، شملت اجتماعات مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش، وزعماء الأحزاب الممثلة فيه، إلى جانب شخصيات كردية بارزة داخل السجون من بينهم صلاح الدين دمرطاش وفيجن يوكسكداغ الرئيسان السابقان لحزب الشعوب الديمقراطي. وفي يناير/كانون الثاني 2025، استؤنفت المباحثات مع أوجلان، والتقى الوفد مسؤولين أكرادا في إقليم كردستان العراق ، من ضمنهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، وزعماء من الاتحاد الوطني الكردستاني. وفي 7 فبراير/شباط 2025، زار وفد موسع من الحزب -بقيادة الرئيسين المشاركين تولاي حاتم أوغلو وتونغر باكيرهان- أوجلان مجددا لإجراء مشاورات معمقة بشأن مسار التسوية، كما أجرى وفد من الحزب جولة مباحثات جديدة مع المسؤولين في إقليم كردستان العراق. وفي تطور لافت، التقى وفد من الحزب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 10 أبريل/نيسان من العام نفسه لمناقشة سبل كسر الجمود الذي يعوق مسار السلام. وأفضت الجهود المتراكمة إلى إعلان حزب العمال الكردستاني رسميا في 12 مايو/أيار، وقفا نهائيا للعمل المسلح. وفي 6 يوليو/تموز 2025، عاد الوفد للقاء أوجلان مجددا، تبعه لقاء رسمي مع أردوغان في اليوم التالي تركز على مناقشة الخطوات التي ينبغي أن تعقب موافقة المسلحين فعليا على تسليم السلاح. وفي 11 يوليو/تموز، بدأت أولى خطوات نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني، واستثمر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب هذه المرحلة التاريخية للمطالبة بخطوات سياسية شاملة نحو حل دائم للقضية الكردية، داعيا إلى: إلغاء الملاحقات القضائية والسياسية بحق مئات الناشطين والسياسيين الأكراد. توسيع الحقوق السياسية والثقافية، بما يشمل استخدام اللغة الكردية في التعليم والإعلام. ضمان تمثيل سياسي فاعل في مؤسسات الدولة. إنهاء السياسات التمييزية في المناطق ذات الغالبية الكردية. واعتبر الحزب أن هذه المطالب تمثل ركيزة لتحقيق العدالة والمساواة والتعددية، وشرطا لتحقيق سلام مستدام في البلاد.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
حين يصبح الخبز سلاحًا: التجويع كاستراتيجية لإخضاع غزة
تشهد غزة منذ شهور حربًا تتجاوز منطق القصف والدمار المعتاد، لتدخل في مستوى أكثر خبثًا ووحشية: حرب التجويع الممنهج. لم تعد القيود على المساعدات والحصار الاقتصادي مجرّد أدوات ضغط مؤقتة، بل استراتيجية محكمة لإخضاع مجتمعٍ بأكمله، وإدارة معاناته وفق منطق القوّة المطلقة. ما يحدث اليوم في القطاع ليس مجرّد خرقٍ للقانون الدولي الإنساني، بل إعادة إنتاجٍ صارخة للمعادلة الاستعمارية الكلاسيكية: السيطرة على الأجساد من خلال حرمانها من أبسط ضرورات البقاء. إنها عملية تحويل الطعام والدواء من حقوقٍ أساسية إلى امتيازات مشروطة بالخضوع السياسي. عندما يصبح الخبز رهينة السياسة منذ اليوم الأول للعدوان، فرضت سلطات الاحتلال قيودًا صارمة على إدخال المواد الحيوية إلى غزة، ما خلق كارثة إنسانية مضاعفة. وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2024، فإن إدارة هذه السياسة لا تخضع لمنطق الإغاثة الإنسانية، بل لمنطق العقاب الجماعي المحض. تُحوَّل المساعدات إلى ورقة تفاوضية معقّدة، حيث تُفرض شروط أمنية تعجيزية على دخولها، وتُستخدم كوسيلة ضغطٍ سياسي مباشر. هذا التوظيف السياسي للحاجات الإنسانية الأساسية يُشكّل، وفقًا للجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق، جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة السابعة من نظام روما الأساسي. المحتلّ كـ"منسّق إنساني": مفارقة أخلاقية صادمة يكمن العبث الأخلاقي الأكبر في هذا المشهد في تحويل المحتلّ نفسه -المسؤول المباشر عن خلق الأزمة- إلى "منسّق إنساني" يحدّد من يحقّ له الحياة، ومن عليه الانتظار. تُفحَص المساعدات وتُقيَّد وتُوجَّه من قِبل الجهة نفسها التي تقصف المستشفيات والمخابز، في تناقض صارخ مع أبسط مبادئ العدالة. يتم التعامل مع السكان كـ"ملفّ لوجستي" قابل للإدارة، لا كضحايا لجرائم حرب موثّقة. هذه الممارسة تُجسّد ما يسميه الفيلسوف السياسي "Thomas Pogge" بـ"الظلم البنيوي" (structural injustice)، حيث تُفرَّغ المبادئ الإنسانية من مضمونها الحقيقي، ويُعاد تعريف الحقّ في الحياة كامتياز سياسي مشروط، لا كحقّ طبيعي غير قابل للمساومة. يؤكّد "Pogge" في كتابه "World Poverty and Human Rights" أن النظام الدولي لا يكتفي بعدم معالجة الفقر والمعاناة، بل يساهم فعليًا في إنتاجهما وهيكلتهما من خلال مؤسساته وسلوك فاعليه الرئيسيين. ما وراء المقاربة الإغاثية: نحو فهمٍ تحرّري للحقوق المطلوب اليوم يتجاوز مجرّد تسريع دخول الشاحنات أو زيادة كميات المساعدات. الحاجة ملحّة إلى تفكيك المنطق الجذري الذي يجعل من حياة المدنيين ورقة مساومة سياسية.عندما تتحوّل المعونات إلى أداة طيّعة بيد القوة الاستعمارية، فإننا لا نواجه مجرّد 'أزمة إنسانية' عابرة، بل جرائم منظّمة تُمارَس علنًا وسط صمتٍ دوليٍّ مُخزٍ. لا يمكن لمجتمعٍ دوليٍّ يدّعي الدفاع عن سيادة القانون أن يبقى متفرّجًا على مشاهد التجويع الجماعي المتعمَّد، أو أن يبرّر استخدام الغذاء كسلاح حرب. المساعدات ليست منحة ولا صدقة، بل حقٌّ مكفول؛ وليست منّةً من المحسنين، بل التزام قانوني وأخلاقي مطلق. المقاربة الإنسانية الحقيقية لا يجب أن تُختزل في لغة العاطفة أو في البُعد الإغاثي المؤقت. يجب أن تُستعاد بوصفها مقاربة تحرّرية شاملة، تُعيد للإنسان الفلسطيني كرامته الكاملة، وحقّه المطلق في تقرير مصيره، خارج منطق الاحتلال "المنظّم" ومعادلاته الاستعمارية المدمّرة. إن ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرّد فصلٍ عابر في الصراع، بل اختبارٌ حقيقيٌّ لضمير العالم، وقدرته على التمييز بين العدالة والظلم، بين الحقّ والقوّة، بين الكرامة الإنسانية ومنطق الهيمنة الاستعمارية.